منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان(2)

فعندما تقول : (اهدنا ) أي : زدنا هدى فوق هدى ؛ ولا يكون هذا إلا بأن يثبتك على الهدى ويزيدك هدى ؛ زمن لم يزدد إيمانه فهو في نقص ، لأن الإيمان لا يقف عند حد يقول الحق تبارك وتعالى :(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (المدثر:37)
ومن ناحية أخرى : لما تقول : (اهدنا) فغن هذا يشمل الهدي في العقيدة الإيمانية ، والهدي في الأعمال ،والهدي في الأقوال ، والهدي في الأخلاق والآداب وهكذا0
فقد تكون على هدى في عقيدتك ، وقد تكون على ضلال في أقوالك مثلاً ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده : من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان 0
وقد تكون ممن يتكلم كلاماً لا يرضاه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً 0
فسل الله تعالى أن يهديك في أقوالك وأفعالك وأحوالك وإيمانك وأخلاقك ولاحظ هذا وأنت تتلو قوله سبحانه : (اهدنا الصراط المستقيم )
وعلى هذا فلا غنى للمؤمن عن هداية الله له في سائر أحواله وحركاته وسكناته وأقواله وآدابه 0
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين : هدي التوفيق للإيمان هو منة الله الكبرى ونعمته العظمى سبحانه على المؤمن ؛ وقد أمره ربه أن يسأله ويدعوه به في كل صلاة ؛ حيث إن العبد المؤمن يقرأ سورة الفاتحة وهي الشافية والكافية وهي أيضاً ـ سورة المسألة ـ لأن فيها تعليم العبد كيف يسأل ربه ويدعوه ؛ فأولاً الحمد والثناء والتمجيد ؛ ثم الدعاء بقوله : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة:6) أي :وفقنا للصراط المستقيم (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:7) أي : صراط سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن مشى عليه من أصحابه ومَن بعدهم ممن أنعمت عليهم ووفقتهم لذلك يا رب 0
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كله فمن هذا قوله صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام الطبراني : اللهم اهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت 0
وأخرج أبو داود في سننه عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلمكلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمنتوليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذلمن واليت، تباركت ربنا وتعاليت 0
والقنوت أصله في اللغة: الطاعة ومنه قوله تعالى(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ 000) (الأحزاب:35)
ويطلق القنوت على طول القيام في الصلاة فقد أورد الإمام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل الصلاة طول القنوت0
ومنه قوله تعالى(000وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238)
ومنه قنوت الصبح وهو مشروع عندنا في المذهب الشافعي لما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا0
وكذلك عند السادة الأحناف والسادة المالكية خلافاً للسادة الحنابلة 0
ومشروعيته عندنا في الصبح وكذلك عند السادة المالكية خلافاً للسادة الأحناف في تخصيصه بالوتر0
بينما الإمام أحمد بن حنبل حمل القنوت على نوازل كانت تنزل بالمسلمين والحكم من وجهة نظره ينتفي لانتفاء سببه0
ونحن نقول : إن النوازل واقعة فوق رؤوس المسلمين يمنة ويسرة وفي أرجاء الأرض جميعها ومن أجل هذا كله وجب القنوت لرفع الغمة عن المسلمين والله أعلم 0
وأورد الإمام عبد الرازق بن همام في مصنفه بسند صحيح قول الإمام الزهري: لا قنوت في السنة كلها إلاّ في النصف الأخير من رمضان 0
وذكر ابن وهب عن الإمام مالك في القنوت في رمضان أنه قال : إنما يكون في النصف الآخر من الشهر0
والقنوت يكون بعد الرفع من الركوع أما عند الإمام مالك فيكون قبل الركوع ؛ وصيغته كما أوردها الإمام عبد الرازق في مصنفه أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قنت فقال : اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك، ونخلع من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك ،إن عذابك بالكفار ملحق0
ومعنى : نخلع من يفجرك" أي : نترك من يعصيك ويلحد في صفاتك
ومعنى : نحفد" أي : نبادر ونسارع إلى طاعتك ؛ وأصل الحفد : مداركة الخطو والإسراع في العمل والخدمة 0
ومعنى عذابك الجد أي عذابك الحق 0
ومعنى ملحق : أي : لاحق كما قال الكسائي 0
وأخذ الإمام أبو حنيفة الصيغة ذاتها وهي في الوتر والنوازل 0
وفي سنن الإمام الترمذي والإمام النسائي والإمام أبي داود والإمام البيهقي في سننه الكبرى و الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
وروى ابن أبي شيبه بإسناد حسن عن الحسن البصري قال: إذا نسي القنوت في الفجر فعليه سجدتا السهو
القنوت عند الشافعية :
قنوت الفجر .. بعض من أبعاض الصلاة ـ سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها ـ لكن إذا نسيها المصلي يسن له سجدتان للسهو يسجدهما قبل سلامه 0
للفائدة: سنن الصلاة تنقسم إلى أبعاض وهيئات :
الأبعاض سميت بذلك لأنها أشبهت الأركان .. فطلب سجود السهو عند تركها نسياناً أو عمداً .. لكن الأليق به إذا ترك بعضاً من أبعاض الصلاة عمداً أن يستغفر الله في سجود السهو 0
فائدة : وقوله : (وقني شر ما قضيت) مع أن القضاء لا يمكن أن يقع غيره معناه أن الله تعالى يقدر المكروه بشرط عدم دعاء العبد المستجاب فإذا استجاب دعاءه لم يقع المقضي لفوات شرطه وليس هو رد للقضاء المبرم ومن هذا الباب صلة الرحم تزيد في العمر والرزق0

بقلم الكاتب السوري

فؤاد الدقس

المصدر : جريدة عقيدتي