منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   السيرة النبوية (https://www.profvb.com/vb/f41.html)
-   -   بحث لنيل الإجازة في السيرة النبوية ج 3 (https://www.profvb.com/vb/t3832.html)

بلابل السلام 2009-08-21 12:13

بحث لنيل الإجازة في السيرة النبوية ج 3
 
المبحث الثاني
طبيعة المحبة في حياة الرسول صلى الله عليهوسلم

إن الهدف من هذا المبحث هوالإجابة على التساؤلات الآتية:

ماحقيقة الحب في حياته صلى الله عليه وسلم ؟ وما هي طبيعته؟ هل كان فطرة متأصلة في نفسه الشريفة أم كان كما يدعي بعض المدعين شهوة ؟وما مدى تأثير هذا الحب على سلوكه وأخلاقه صلى الله علي وسلم ؟ وما العلاقة بينالحب والبغض على ضوء السلوك النبوي ؟

أ- الحب والواجب




إن من يقرأ سيرةالرسول صلى الله عليه وسلم سيكتشف أنه كان محبا , وودودا, فقد أطاع الله كثيرا لأنه أحبه كثيرا ..وبر الناس كثيرا لأنه أحبهم كثيرا ..وأقبل على الفضائل والواجبات جذلان مبتهجا لأنه أحبها وأحب معها كل عظائم الأمور, ومارسها في شغف عظيم ممارسة محب مفطور لا ممارسة مكلف مأمور فوراء كل سلوكه ومواقفه وحياته صلى الله عليه وسلم نجدالحب ..إذا سجد وأطال السجود أو سمع وجيب قلبه ونشيج تضرعه وبكائه ..فذاك لأنه في غمرة شوق جارف ومحبة آخذة ولهذا كان عليه الصلاة والسلام ينتظر الصلاة بشوق ولهفة،فإذا جاء ميعادها قال لمؤذنه بلال – رضي الله عنه – "أرحنا بها يابلال " نعم "أرحنابها " وليس "أرحنا منها ".(1)
وهذا يظهر لنا الفرق بين من ينتظر الصلاة بكل شوق وحب ليلقى ربه عزوجل ويقف بين يديه ويرتاح إليه ..وبين من يقوم إلى الصلاة ويعتبرهاواجبا عليه أداؤه دون أن يحس بأدنى شوق أو لهفة للقاء المولى عزوجل .
وبهذا أيضايظهر لنا الفرق بين الحب والواجب .فالواجب قد يؤدى على كره ومضض , أما الحب فيأخذطريقه إلى أشق الأمور وأصعبها في ابتهاج وغبطة , لذا كانت الطاعة عن حب أولى من الطاعة عن خوف وقهر . (2)

..................................................


1- " إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " خلد محمد خالد ص.125بتصرف .
2- انظر " فضائل وأسرار لا إله إلا الله " محمد الصايم ص.66.












بلابل السلام 2009-08-21 12:16

رد: بحث لنيل الإجازة في السيرة النبوية ج 3
 
ب- المحبة والفطرة

المحبة عند الرسول صلى الله عليه وسلم ليست شهوة, إنما هي فطرة جبل عليها منذ كان طفلا ففتى فكهلا..لمتقع عليه عين إلا أحبته وأسلمت قلب صاحبها لهيام شديد حتى ولو كان من أشد المبغضينله.(1) فكم من أعرابي فدم لا أدب له ولا فهم ولا عقل ولا علم ولا كرم ولا حلم قابل جنابهالشريف بما غضب له المكان والزمان وخاطبه بما عبس له السيف واحتد له اللسان فكانجوابه الإغضاء , والعفو عمن أساء ...فتبدل بغضه بالحب وبعده بالقرب ..واستحالإنسانا بعد أن كان ثعبانا وصار حبيبا بعد أن كان ذيبا(2) .
فمن ذلك ما روي عن فضالةبن عمير بن الملوح (3)أنه حدث نفسه بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عامالفتح , فلما دنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يافضالة .فقال فضالة: نعميارسول الله .قال ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال :لاشئ كنت اذكر الله, فضحك النبي صلىالله عليه وسلم ثم قال : استغفر الله" .ثم وضع يده الشريفة على صدره فسكن قلبه .فكانفضالة – رضي الله عنه – يقول والله مارفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إليمنه . (4)




ومثله ما روي عن شيبة الحجبي (5)الذي كان ينوي قتل النبي صلى الله عليه وسلمليثأر لأبيه وعمه اللذين قتلا يوم أحد لكنه عجز عن ذلك حيث قال " لما هممت به حالبيني وبينه خندق من نار وسور من حديد فناداني صلى الله عليه وسلم :ياشيبة ادن مني،فدنوت منه فالتفت إلي وابتسم وعرف الذي أريد منه فمسح صدري ثم قال : اللهم أعذه منالشيطان .قال شيبة فوالله لهو كان


..........................................


1- انظر "إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " ص.126 بتصرف .
2- "وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم " للشيخ النبهاني ص.22
3- هو فضالة الليثي بن عبد الله .وقيل بن وهب بن بحيرة بن مالك بن عامر من بني ليث بن بكر بن عبد مناة الليثي .انظر ترجمته في " أسد الغابة " 4/364رقم4227
4- انظر " السيرة الحلبية " لعلي برهان الدين الحلبي 3/56.
5- هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري الحجبي .اسلم يوم الفتح وقيل اسلم يوم حنين .توفي سنة 57هجرية .انظر ترجمته في " أسد الغابة " 2/534-535رقم2466

بلابل السلام 2009-08-21 12:18

رد: بحث لنيل الإجازة في السيرة النبوية ج 3
 
الساعة إذن أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي وأذهب الله ماكان في .ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله أعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شئ .ولو كان أبي حيا ولقيته تلك الساعة لأوقعت به السيف(1).





فهذه الوقائع تدل على أن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم مفتوح دائما لكل الناس, ملئ بالحب , فياض بالرحمة, وهذا ما ألان عود كل جبار وجعله يخر صريعا أمامهذا الحب الوديع .فما هو إلا أن تعانقه نظرات عينيه الحانيتين حتى تهدأ ثورته وتطيب نفسه .(2)

ج- الحب وتحمل الأذى

لما كان الحب عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم طبيعة وفطرة لاغرضا وشهوة، فقد كان يبذله في سخاوة نفس نادرة النظير،وكان يتحمل لأجله جفاء وغلظة بعض الأعراب وأذى وقساوة بعض سفهاء قريش وأرذالها كأبيلهب وأبي جهل وعقبة بن أبي معيط .






ومن صور هذا الأذى مارواه الإمام البخاري عنعبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابله جلوس، إذ قال بعضهم لبعض :أيكم يجئ بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد.فانبعث أشقى القوم – وهو عقبة بن أبي معيط –فجاء به فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه وأنا أنظر لا أغني عنه شيئا، لو كانت لي منعة .قال :فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لايرفع رأسه حتى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره(3) "
وروي كذلك أن عقبة جلس مرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، فلما بلغذلك أبيا أنبه وعاقبه وطلب منه أن يتفل في وجه رسول صلى الله عليه وسلم ففعل عدو الله ذلك (4)

إلى غير ذلك من أساليب السخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب وإثارةالشبهات والدعايات الكاذبة حول تعاليم الدين الجديد وحول ذاته وشخصه صلى الله عليهوسلم .(5)




.............................................

1- السيرة الحلبية " 3/70-71.
2- " إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " ص.128.
3- "صحيح البخاري" كتاب الوضوء باب " إذا ألقي على المصلي قدر أو جيفة "
4- " سيرة ابن هشام " 1/387.
5- انظر " الرحيق المختوم" ص. 94-95.

بلابل السلام 2009-08-21 12:20

رد: بحث لنيل الإجازة في السيرة النبوية ج 3
 
ورغم هذا الأذى وهذه المحن ،ظل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دائما ذاك المعين الفياضبالرحمة والمودة والحب .وهذا ما يبرزه رده لجبريل عليه السلام حين طلب منه أن ينتقمله منهم ويطبق عليهم جبلا مكة حيث قال " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبدالله عز وجل لايشرك به شيئا" (1)
وصدق الله العظيم حيث قال ﴿ ولو كنتفظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ﴾(2)

د- الحب والبغض

الحب عند رسول اللهصلى الله عليه وسلم يمثل القاعدة الراسخة لسلوكه، وحين تفرض عليه الظروف القاهرة أنيبغض بعض الناس، فإن هذا البغض لا ينفصل عن قاعدة الحب ذاتها ،بمعنى أنه عليه الصلاة والسلاميبغض حين يكون البغض تعبيرا عن الحب ودفاعا عنه. فهو مثلا يحب الحق وهذا الحب يقتضيهأن يبغض الباطل. ويحب العدل وهذا يتطلب منه أن يكره الظلم .ويحب الجمال وهذا يقتضيمنه أن يكره كل أمر قبيح وهكذا(3).
وهذا أمر طبيعي( فكل بغض فهو لمنافاة البغيضللمحبوب ولولا وجود المحبوب لم يكن البغض. بخلاف الحب للشئ فإنه يكون لنفسه لا لأجلمنافاته للبغيض ) (4)
على أن "بغضاءه " صلى الله عليه وسلم إذا كان موضوعها أناسايستحقونها لم تكن ذات أصالة في طبيعته ولا في سلوكه، بل مجرد سحابة رقيقة عابرةسرعان ما تنجلي
فها هو ذا يلقى من خصوم الإسلام في قريش أشد الأذى وأفدح المؤامرات ..ولكنه ما يكاد يدخل مكة ظافرا مؤيدا بفضل الله وقدرته حتى يقول للذين أخرجوه منهاوكادوا له أعظم الكيد ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: ( "لاتثريب عليكم اليوم" (5).اذهبوا فانتم الطلقاء)(6)


هكذا إذن كان الحب في حياته صلى الله عليه وسلم فطرةوطبعا متأصلا وقاعدة راسخة ومنبعا فياضا ارتوت به الأمة الإسلامية والإنسانيةجمعاء.

.............................................
1- "صحيح البخاري "1/458كتاب"بدء الخلق " باب – ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين –
2- سورة آل عمران من الآية 159.
3- " إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " ص.131وما بعدها بتصرف .
4- " إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " لابن قيم الجوزية 2/119
5- سورة يوسف من الآية 92.
6- " الرحيق المختوم " مباركفوري ص.456.

abde3000 2009-08-21 15:28

رد: بحث لنيل الإجازة في السيرة النبوية ج 3
 
بارك الله فيك أختي بلابل على هذا الفيض العظيم من سيرة حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم و جزاك الله كل خير .


الساعة الآن 19:29

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd