الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الثقافة والفنون والعلوم الإنسانية > السينما


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2010-06-19, 01:04 رقم المشاركة : 1
mustapham
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية mustapham

 

إحصائية العضو








mustapham غير متواجد حالياً


وسام المراقب المتميز

افتراضي كيف انتزعت السينما الإيرانية احترام العالم؟






"السينماالإيرانية أهم سينما وطنية في العالم"

تايم ماغزين الأمريكية

مازال خريف العام 1997 عالقا في ذهني عندما ذهبت إلى إحدى دور السينمافي مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية لمشاهدة فيلم إيراني. وحينوصولي إلى قاعة العرض, دهشت لامتداد الصفوف الكبيرة أمام شباك التذاكر. اعتراني شيء من الخوف على نفاد التذاكر لكني كنت احتفظت بالأمل. وقفت فيالصف رغم كل الاحتمالات وبدأت استشير نفسي عن فرص حظي في إمكانية الحصولعلى تذكرة, وكل همي كان الوصول إلى شرفة شباك التذاكر. وبعد انتظار دامخمسة وعشرين دقيقة, هي أطول من دهر, لم تعد تفصلني عن الشباك إلا بضعةأقدام. لم يصبني أي ملل أو رغبة في ترك الصف. لكن انتابني إحساس بالاختناقحين شاهدت مدير القاعة يقف في الباب. وفجأة, وبدون سابق إنذار, أخبرنا أنكل التذاكر نفدت. لم أكن أصدق ما حصل وأحسست بالتوتر والإحباط لكني رضختلواقعي. وحين هممت بالذهاب استدرك المدير: لقد قررنا فتح حصة إضافية نظرالنجاح الفيلم ومن يرغب في مشاهدته فليبق في الصف لشراء تذكرة. وأضاف: لكنيأحذركم أن العرض سيكون على موعد متأخر من الليل: الساعة الثانية عشرة ليلا! كانت الساعة تشير إلى العاشرة إلا ربعا. أقول لكم كم كانت فرحتي عارمةولازالت تلك اللحظة تلازمني في حياتي وابتهج كلما تذكرتها. لم أخرج تلكالليلة للترويح عن النفس وانفصالي عن الصف مستحيل ومشاهدة الفيلم هو كل مافي خاطري. انسحب بعض الناس لكن أغلبهم قرر البقاء. حصلت على تذكرتي فيالأخير وبقيت أتفحصها من كثرة فرحتي. ولم لا؟ فالأمر يتعلق بفيلم "أطفالالجنة" للمخرج الإيراني مجيد مجيدي الذي أصبح فيما بعد هرما من أهرامالسينما الإيرانية. ومع نهاية الفيلم صفق الجمهور الأمريكي طويلا بل صاحبعضهم بصوت مرتفع انبهارا بهذا العمل الفريد. أما أنا, فبقيت جالسا فيمكاني عندما كان الكل يغادر القاعة وأنا في حالة اندهاش تام أتساءل معنفسي: كيف تمكن هذا المخرج الإيراني أن يصنع كل هذا الإبداع ويسحر بهجمهورا غريبا عن ثقافته؟
تلك كانت قصتي مع بداية السينما الإيرانية ومع أول عرض أشاهده. نفذ هذاالعمل إلى قلبي وسحر مخيلتي وفتح شهيتي لمتابعة السينما الإيرانية والتقربمنها ومحاولة فهم ألغازها وأدواتها والظروف التي نشأت فيها.
ظاهرة السينما الإيرانية:
فجرت صناعة السينما الإيرانية مكامن الإبداع في أقل من عشرين سنة بعدقيام الثورة الإسلامية وملأت الكرة الأرضية كلها بأعمالها اللامعة وأصبحتهذه النجاحات مصدر فخر لإيران. والمدهش في هذه التجربة أنه بالرغم من أنالظروف لم تكن في صالحها (الحرب العراقية-الإيرانية إضافة إلى الفوضىالعارمة والمؤامرات الخارجية) استطاعت هذه السينما أن تبرز و تفرض نفسهاعالميا وتكرم في أكبر المحافل والمهرجانات. وأضحت بعض الدول مثل أمريكاوأستراليا وبريطانيا وألمانيا واليابان وغيرها تقيم مهرجانات خاصة بالأفلامالإيرانية. وباتت تعد من الدول الثلاث الأولى في العالم وذلك بفوزها بأكثرمن ألف ومائة وثمان وأربعين جائزة دولية ومشاركتها في أكثر من خمسة عشرةألف مهرجان دولي في مختلف أنحاء العالم. كما شارك خبراء السينما الإيرانيةفي تشكيلة لجان التحكيم للمهرجانات الدولية لأكثر من مائتين وخمسين مرة. وحصلت عشر إيرانيات على جوائز أحسن ممثلة من اكبر المهرجانات الدولية مثلمونريال, ولوكارنو, وموسكو, والقاهرة, ونانت. كما رشحت بعض الممثلاتالأخريات إلى أحسن ممثلة في القسم الأجنبي في الأوسكار الأمريكية. وأخيراحصل رضى ناجي على جائزة أحسن ممثل من مهرجان برلين سنة 2008 وكان تنافسعليها مع الممثل الأمريكي "دانيال دي لويسDaniel Day-Lewis " الحائز علىجائزة الأوسكار. وكانت ذروة نجاح السينما الإيرانية على الصعيد الدولي هيحصول المخرج الإيراني الكبير عباس كياروستامي على السعفة الذهبية في مهرجان "كان" الفرنسي على فيلمه "طعم الكرز" سنة 1997. وتكللت هذه الإبداعاتالإيرانية من خلال الوصول إلى الأوسكار بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1999 افتتحها فيلم "أطفال الجنة" المرشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي وقالت عنهحينها "ووبي غولدبرغ Whoopi Goldberg " مقدمة البرنامج, "إن الأفلام لاتصنع بالمال فقط ولكن بالعقول الذكية المبدعة".
كما أن سميرة مخملباف قدمت فيلمها الدرامي الأول "التفاحة" سنة 1998للمسابقة الرسمية وهي لا تزال في سن السابعة عشرة من عمرها! وكسرت رقماتاريخيا لمهرجان "كان" وبذلك تكون أصغر مخرج من حيث العمر يخوض المنافسة منأجل جائزة السعفة الذهبية التي يمنحها المهرجان. ودعي هذا الفيلم إلى أكثرمن 100 مهرجان دولي وحازت به على جائزة في مهرجان فيينا والكاميرا الذهبيةمن "كان". وفي عام 2000 شاركت بفيلمها الثاني "السبورة السوداء"، و فازتبجائزة التحكيم في مهرجان "كان", وبذلك تكون أيضا أصغر مخرج في العالم وفيتاريخ "كان". وعادت في العام 2003 لتفوز بالجائزة نفسها من المهرجان نفسهعن فيلمها "الخامسة بعد الزوال" بعدها شاركت في المهرجان نفسه بوصفها عضوافي لجنة التحكيم كما شاركت في أسمى المهرجانات السينمائية الأخرى مثلالبندقية وبرلين! وفي 2006 جلست المخرجة الإيرانية "مرجان ساترابي" علىكرسي التحكيم في مهرجان "كان" كذلك.
وتتالى حصاد الأفلام الإيرانية للجوائز العالمية بالجملة في المهرجاناتالدولية الأخرى. فكل من فيلم "لون الجنة" و"يوم أصبحت امرأة" و"السلحفاةتطير" و"الدائرة" و"وقت لسكر الخيول" و"البالون الأبيض" و"طعم الكرز" و "قندهار" وغيرها من الأفلام الأخرى التي لا يمكن إحصاؤها هنا, لا تستحقالجوائز فقط بل دخول سجل تاريخ السينما الخالد لكونها قدمت آثارا ذاتاتجاهات إنسانية متباينة ومؤثرة.
كذلك أنجبت إيران, في ظرف وجيز, عمالقة من المخرجين على المستوى العالميأمثال مجيد مجيدي, ورخشان‌ بني‌اعتماد, و تهمينة ميلاني, وجعفر بناهي, وعلي حاتمي, وملاقلي بور, وأبو الفضل جليلي, وحسن يكتبانه, وبهمان غوبادي, وأمير نادري, وبهرام بيضايى, وعباس كياروستامي عميد السينما الإيرانية, ومحسن مخملباف وابنتيه سميرة وهناء وزوجته مرضية مشكيني, حتى أصبحت هذهالعائلة "مدرسة" سينمائية في حد ذاتها تتسابق عليها دور الانتاجات العالميةلإخراج الأفلام. وتجدر الإشارة هنا أن هناء مخملباف أخرجت فيلما قصيراعنوانه "يوم كانت عمتي مريضة" وهي لم تتجاوز الثامنة من العمر! هكذا اكتملتجميع المقومات في إيران السينمائية وحازت على تقدير المثقفين والنقادالدوليين بل دعا البعض منهم الدول الأوروبية لاسيما فرنسا وبريطانياوألمانيا أن تستفيد من التجربة الإيرانية.
لكن كيف استطاعت هذه السينما خلال وقت قصير ورغم العراقيل أن تصلللعالمية وتفرض نفسها في المحافل والمهرجانات السينمائية الدولية؟
فيلسوف على رأس مؤسسة الفارابي السينمائية:
في الوقت الذي نجد فيه الدول العربية ولاسيما الخليجية منها والتي تطلعلى سواحل إيران تستنسخ المركبات الرياضية العملاقة وناطحات السحاب الشاهقةوتتباهى بها, نجد إيران تستثمر في الثقافة والفكر والفن الذي يرفع من شأنشعبها. فالاسمنت لا روح له سيما إذا بنته أيادي أجنبية بينما الثقافة تحملتعريفا للمجتمع. وفي الوقت الذي نجد فيه المخرج المبدع العربي يقف لوحده فيعراك مستميت لإنتاج فيلم واحد, وربما الانسحاب بعد ذلك من الساحة الفنيةإلى الأبد, نجد إيران تتخذ إستراتيجية تلقي بكل ثقلها المادي والمعنوي وراءمخرجيها وتجعل من السينما نافذة يطل عبرها الشعب الإيراني على العالم قصدالتواصل مع الثقافات والحضارات الأخرى. وتتخذ إيران أهم خطوة مسؤولة فتعينمفكرا وفيلسوفا على رأس وزارة الثقافة من سنة 1982 إلى سنة 1992, أي عشرسنوات. وتضم وزارة الثقافة مؤسسة الفارابي السينمائية, وتعهد هذا المفكربالنهوض بالمشروع السينمائي الإيراني وتهيئ الأرضية اللازمة وإعادة الثقةوالاعتبار إليها خلال السنوات العشر. فكان هذا الرجل بمثابة الأب الروحيللسينما الإيرانية.
ولإيران عمق حضاري قديم وجذور متأصلة في الفلسفة وفي مجال الأدب والقصصوالحكايات والإنجازات الفنية كافة، ما مكنها من نقل هذا السر إلى أفلامهافي أبهى إبداعاتها. فالرصيد الإيراني الثقافي ضخم وذو قوة تأثيرية هائلةتصل إلى حدود الدهشة. ولم يبق لهذا المفكر إلا أن يوظف السينما بطريقة ذكيةلاستغلال هذا الإرث الثقافي لإشعاع الثقافة الراقية والفنون الهادفة. فالسينما مرآة عاكسة للمجتمع والحياة تزداد قيمتها بازدياد ما تعكس. وأنجحالأفلام هو ما عبر عن حقيقة أو هوية مع احترام مفاهيم التراث من تقاليدوأصالة وعادات حتى يسمو لأعلى المراتب.
فأول ما قام به هذا الفيلسوف هو إعادة الثقة إلى نفوس المخرجينالإيرانيين الذين حرموا أن ينهضوا بوطنهم على عهد الشاه. وكوّن جيلا جديداوعددا كبيرا من الجنسين يتعامل مع الإخراج السينمائي من منطق الثقةوالقدرة. نشير هنا أن في إيران أكثر من 500 مخرج ويتخرج من معاهدها 20امرأة مخرجة سنوياوبذلك تتفوق حتى على الدول الغربية. إلا أن رؤى هذاالمفكر وزخمه الثقافي أظهر ثماره في غضون ثلاث سنوات فقط. ففي سنة 1985 فازأول فيلم إيراني "العداء" لمخرجه أمير نادري بأول جائزة دولية كبرى لأفضلفيلم في مهرجان القارات الثلاث في نانت بفرنسا.
هذا المفكر هو محمد خاتمي, الذي أصبح فيما بعد رئيسا للجمهوريةالإسلامية سنة 1997. كان خاتمي على قناعة, وارثه الثقافي يشهد بذلك, أنحرية التعبير هي الطريق الوحيد للنهوض بالمهمة الثقافية السينمائية. وهذهالحرية تتمثل في استقلالية الإنتاج السينمائي. فأنشأت وزارة الثقافةالإيرانية "مدينة سينمائية" جندت لها كل الطاقات ورؤوس الأموال وآخرالمكتشفات التقنية والتكنولوجية المتطورة كما هي الحال في استوديوهاتهوليود. بذلك تكون وزارة الثقافة أعدت الأرضية اللازمة للسينما الإيرانيةخلال السنوات التالية كما أنها أتاحت الجو اللائق للمخرجين حتى يبدعوا فيانتاجاتهم. وفتحت وزارة الثقافة هذه المدينة لكل المخرجين الإيرانيين دوناستثناء وبأرخص الأثمنة في العالم. ويقوم بالإنتاج السينمائي المخرجونبصفتهم منتجين منفذين ويحصلون على الدعم لأول ثلاثة أفلام ويتم شراؤهاوتقوم شركة توزيع كبيرة أنشأتها الدولة بتوزيع الأفلام داخليا وخارجيا. وبنت أرقى واكبر عدد ممكن من دور السينما (في الوقت الذي تغلق فيه السينماأبوابها في المغرب-آخرها سينما الحرية بالدارالبيضاء أغلقت وتعرض للبيع- وسينما بالاص ( (Palaceوالرجن (Regent)بمراكش أصبحتا مكان استقطاب للتبولعلى حيطانها) ونجد أن في طهران لوحدها أكثر من 100 قاعة سينمائية كما أنهناك مركبات قيد البناء تتسع ل1200 متفرج. كما دشنت وزارة الثقافة مهرجانالفجر السينمائي الذي لا يكتفي في نشاطه بدعوة ضيوف أجانب، ويقيم لهمالحفلات الصاخبة, وتهدر الأموال الباهظة بدون فائدة, بل الغرض أن يكونوسيلة لإنجاز إنتاجات مشتركة ودفع عملية تعاون أوثق مع المهرجانات الأخرىوتبادل الآراء على المستوى العالمي. وأصبح يعد تظاهرة فنية عالمية تستقبلأكثر من 45 دولة من بينها أمريكا, فرنسا, اليابان, بريطانيا, ايطاليا, الصين, ألمانيا, هولندا, ودول أمريكا الجنوبية وغيرها. وتوافد على المهرجانفي السنة الماضية أكثر من 200 وكيل من 47 بلد و123 موزع ومنتج عالمي بمافيهم الولايات المتحدة, كما حضر 91 موفدا من المهرجانات العالمية (لوكارنوا, كان, البندقية, برلين, تورنتو) هذا بالإضافة إلى 141 وكيل من 39 شركةإنتاج إيرانية حيث تم تبادل الأفلام الهامة المنتجة.
بقي أن نشير أن إيران تنتج 130 فيلما سنويا والإقبال عليها داخل إيرانضخم. ففي سنة 1992 حج إلى السينما 54 مليون متفرج وفي سنة 1994 صعد الرقمإلى 56 مليون ومنذ ذلك الحين وهو في تزايد. صحيح أن إيران دولة غنية وكذلكالدول الخليجية المحيطة بها ومع ذلك لم تنتج السعودية في تاريخها الحديثإلا فيلما واحدا "كيف الحال" وكان خسارة كبيرة!
هكذا وضع محمد خاتميالحجر الأساس للمشروع السينمائي الإيراني الذي بات يرقى سنة بعد أخرى إلىالمستوى العالمي وأصبح نموذجا يمكن أن يحتدى به حقا على مستوى الإنتاج. واقتنع أن الارتقاء بالموهبة السينمائية رهين باستقلاليتها وحريتها. هذهالاستقلالية وحرية القرار سبب مباشر في ظهور عدد من الروائع السينمائيةوتكوين رؤية خاصة لكل مخرج دفعت بالفيلم الإيراني أن يرقى وبفترة قصيرةونموذجية إلى مكانة عالمية. وبسبب هذه الاستقلالية شهدت السينما الإيرانيةمخاضا ثقافيا وفكريا وسياسيا مهد لظهور الفيلم الإيراني الرائد خلالالثمانينيات حققت خلالها انجازات هامة تجسدت من خلال أفلام استطاعت أن تفرضوجودها في المشهد السينمائي العالمي وتحقق نجاحات طليعية. ويمكن القول إنالسينما الإيرانية قد حصلت على اعتراف عالمي بمميزاتها الخاصة انطلاقا منإمكانيات مادية محدودة عوضتها بجمالية الصورة وبساطة الخطاب الذي استطاع أنيلمس جوهر القضايا الإنسانية وينفذ إلى اكبر عدد ممكن من الجمهور.
وفيعام 1997 جاء محمد خاتمي إلى السلطة وأكمل مشواره الثقافي. وكان من أهمبرامجه الحوار بين الحضارات ومن بينها الحوار الثقافي والفني، وأصبحتالسينما الإيرانية حديث المهرجانات الدولية كافة.

خصائص السينما الإيرانية:
تمكن السينمائيون الإيرانيون بفضل كفاءتهم وجرأتهم وحبهم للفن السابع منالعمل و تقديم أفلام واقعية تحمل رسائل إنسانية ومسحة جمالية وتحترم القيمولا تشتم في ثوابت التراث, ولا تتاجر بجسد المرأة ومن دون أن تكشف حتىغطاء رأسها، ولا تغطي بالضجيج والعنف الغير الواقعي والنماذج البطوليةالمزيفة تفاهة المضمون ولا تعتمد على ميزانية الديكورات الضخمة. إنها سينمابالغة البساطة, ملتزمة وهادفة, وبذلك تكون قدمت مجموعة من روائع الأفلامونماذج عظيمة للفن الإنساني الراقي. وأبرع ما في ذلك أنها تعتمد في تصويرالكثير من الأفلام على كاميرا الفيديو الرقمية المحمولة على الكتف (أغلبالأفلام الإيرانية تنتج بأقل من200 ألف دولار أي حوالي 160 مليون سنتيممغربي وتحصد الأرباح الكثيرة مثل فيلم "أطفال الجنة" الذي حقق أرباحا تتمثلفي المليون دولار من أمريكا وحدها!). والاهم من ذلك أنها ليست سينما نجوم, فمعظم أبطالها ليسوا ممثلين محترفين. أما السيناريو فهو يحمل عمقا مدهشاولغة ثرية متنوعة ومكتوب بنكهة الإبداعات القصصية الراسخة في الثقافةالإيرانية الشعبية وتشم من خلاله رائحة حافظ الشيرازي وعمر الخيام وجلالالدين الرومي. ونظرا لطبيعته التأملية والفلسفية وقيمة مادته الجماليةولغته التعبيرية يصبح السيناريو واحدا من أهم خصوصيات وميزات السينماالإيرانية. فالطابع الشرقي المحلي حاضر, والهوية الثقافية مستمدة من الواقعالاجتماعي وقمة التمثيل تدهش المشاهد ومهارة الكاميرا وتحكمها في المشاهدودقة اختيار مواضيعها والتركيز على الحس الجمالي في أرقى مستجدياته حتى تحسأنك أمام السجاد الإيراني المفعم بروعة الفن وجمال النقوش والألوان التيتعبر بدورها عن شاعرية الإنسان الإيراني ودفئه العاطفي وحبه للفن.
والسينما الإيرانية مختلفة من خلال تأكيدها على هويتها وخصوصياتهاوتفردها وعدم تشبهها بأي سينما أخرى. ومعروف أن أهم ما يميز السينماالإيرانية يتمثل في بساطتها العميقة في مضامينها ورمزيتها مما جعلها تنافسالمستويات العالمية. وشكل الرهان على المحلية الذي اعتمدت عليه الأفلامالإيرانية أهم خطواتها نحو العالمية إذ اهتمت بتوثيق مشاغل مجتمعها وهمومهوتخلت في المقابل على الإكسسوارات الزاهية واهتمت بالمواطن الإيراني وآلامهوهواجسه. وبذلك تكون السينما الإيرانية قدمت استعراضاً راقياً يصل إلىالجمهور المحلي والعالمي يستحق كل الإعجاب والتقدير. والسينما الإيرانية, كما اشرنا سابقا, مثل السجاد الإيراني: لوحة بديعة تنبض بالجمال وبشاعريةفياضة. وكان لزاما على المتفرج أن يدقق بعين ثاقبة لان السينما الإيرانيةبها غموض غريب وإثارة لا يستطيع معها المتفرج الإمساك بالمعنى الذي يريدالمخرج التعبير عنه. فالتفاصيل فيها مهمة لأنها تحمل الكثير من ألوانالطبيعة الشعرية والقصصية التي تزخر بها الثقافة الفارسية المليئة أيضابالرموز الروحية والتعبيرات والإيحاءات الخفية. فهم يحكون قصة لكنهم لايكشفون كل جوانبها ويتركون هذه المهمة للمتفرج ليتفاعل معها. فيكون الفيلمبديعا في تفاصيله وألوانه, مليئا بالفلسفة والعمق والتناغم الشعري، غنيابالمشاعر الإنسانية المستلهمة من الهوية والكرامة والحضارة الإيرانية.
- سحر الصورة ولغز اللغة:
التقيت المخرج الإيراني مجيد مجيدي, من بين آخرين, مرتين. الأولى فيمتحف "الفنون الجميلة" في بوسطن, بأمريكا سنة 1998 عندما قدم لفيلمه "أطفالالجنة" والثانية في "مونريال", بكندا سنة 2000 عندما عرض فيلمه "لونالجنة". وحملت على كاهلي مسؤولية الاستفادة منه بأكبر قدر ممكن في فهمالألغاز والرموز التي يستعملها المخرجون الإيرانيون وبغزارة. كانت كل فرصةألتقي به ممتعة إلا أن العائق الكبير كان اللغة. فمجيد مجيدي لا يتكلم إلاالفارسية وأنا حاورته بالانجليزية. إلا أن صديقي الدكتور "علي طالب زادة" قام بعمل جبار في الترجمة. سألته عن "البالون الأبيض" أول عمل لجعفر بناهيالذي أخرج حتى الآن ستة أفلام جلبت له ثمانية وأربعين جائزة دولية. كماسألته عن نفسه وعن فلميه "أطفال الجنة" و"لون الجنة" و"الخمار الأزرق" للمخرجة "رخشان بني اعتماد" وهذا الاهتمام البالغ بالألوان والأطفالواستعمال لغة الإيحاء والإيماء كما سألته عن سر نجاح السينما الإيرانية. فأجابني بأن القفزة السينمائية الإيرانية راجعة إلى وجود احتياطي هائل منالمواهب والمواضيع وتحولت إلى عنوان جودة بسبب دعم الدولة. وأضاف أن الغرباهتم بها بشكل فريد لأن بها قيم يقدرها, وتقدم له أوجها أخرى من الحياةوالثقافة في إيران البلد غير المعروف جيدا والمنغلق شيئا ما أمام الغرب. أما عن الأطفال فقال إن هناك أمورا لا يمكن أن تقال أو تظهر مباشرة نتيجةالرقابة ولهذا ينتهج المخرجون أسلوبا يعتمد على شخصيات الأطفال في الأدوارالرئيسية يقدموا من خلالهم مشروعهم و بطريقة رمزية تتجاوز الدلالات مصيرالأطفال لتشمل المجتمع ككل. أما الألوان فلها صبغة خاصة في المجتمعالإيراني يتعامل بها الناس باعتبارها وسيلة إيحائية لتمرير الأحاسيس أوالمعلومات. فاللون الأزرق كما جاء في فيلم بني اعتماد يعني العصيان والسخطعلى الوضع, ويستدرك: كما فهمته, ويبتسم.
هذا ما يجب الإلمام به لفهمالفيلم الإيراني البسيط الذي يحمل في ثناياه نفحات إنسانية وقيما جماليةتتجاوز حدود محليتها وبإشارات ملائكية وفنية تصل إلى قلبك مباشرة، حتى لقدتدمع منك العين والروح والفؤاد. ففي البالون الأبيض, الذي فاز بجائزةالكاميرا الذهبية في مهرجان "كان" السينمائي عام 1995 جسدت دور راضيةالطفلة "عائدة محمد خان" بأداء ممتاز ومدهش واستطاعت سلب القلوب بصوتهااللطيف الساحر ?وعينيها اللتين تقطران بالبراءة. تشاهدها تتحدث بتلقائيةوعفوية ولا تكترث بوجود بالكاميرا. حملت هذه الصغيرة على أكتافها وزر بطولةهذا الفيلم بكل براعة وأوصلت رسالة المخرج (الحرية) في أبهج صورها. موضوعالحرية موضوع شائك في إيران لكن المخرج برع في التعبير عنه عن طريق هذهالطفلة التي تظل سبيلها وهي في مهمة وتضيع بين الكبار وتفضح عالمهم الشرسالاستغلالي الذي تنهشه الماديات وتسقط فيه القيم الإنسانية. وقد اعتمد "بناهي" على الصور الحقيقية للمجتمع الذي يرصده عبر الكاميرا بلا تزيين أوألوان زاهية، ورصد الواقع واشكالياته في أطر بعيدة عن الاستعراض.

على خطى الواقعية:
شكلت حركة الواقعية الجديدة في إيطاليا أهم الفترات المؤثرة في تاريخالسينما العالمية. ويعد ظهورها حدثا هاما حيث سجلت تحولا متميزا ومرحلةجديدة تفصلها عن سينما هوليوود التي كانت تتفرد بالعالم في الخمسينياتوالستينيات. وحققت هذه السينما انجازا ثقافيا وإبداعا هائلا على كافةالمستويات وأنجبت مخرجين عمالقة مثل "روبرتو روسيلني" و "لوتشيانوفيسكونتي" و "فيتوريو دي سيكا" من الموجة الاولى و"فيدريكو فلّيني" منالموجة الثانية وتألق معه "مايكل انجلو انطونيوني" و" بيير باولوبازوليني". إلا أن هذه الموجة سرعان ما بهت لونها وتلاشت أهميتها لعواملسياسية واجتماعية ومع ذلك أدت رسالتها كاملة.
اعتمدت الواقعية الجديدة في الإخراج على عناصر جديدة مغايرة للنهجالتقليدي بالكامل كالاستغناء عن الأستوديو والتصوير مباشرة في الفضاءالخارجي, والاستناد إلى أحداث حقيقية غالبا ما تحمل في طياتها الوعيالاجتماعي أو السياسي, والاعتماد على ممثلين غير محترفين من بين أشياءأخرى. هذا النهج أصبح سائدا في معظم الأعمال السينمائية الإيرانية التيوظفت الكثير من هذه العناصر في بيئتها الحقيقية ومع ناسها الطبيعيين وتمالتصوير على أرضية الواقع, الواقع الحافل بالتفاصيل والهموم الاجتماعيةوالسياسية. هكذا جاءت إيران لتكمل مشوار السينما الواقعية الايطالية بنفحةسياسية جديدة وحداثة عن جدارة مختلفة وتنقل واقع مجتمعها وتقاليده بكلأمانة وصدق بلغة هادفة شفافة وتقنيات عالية.
فيدريكو فلّيني يبعث حيا في إيران:
من روائع السينما الإيرانية التي تجعلك تظن أنك أمام عبقرية فلّينيةفيلم مرضية مشكيني "يوم أصبحت امرأة" والحائز على اثنتي عشرة جائزة دولية. يصور الفيلم عبر أسلوب يجمع بين الواقعية والرمزية ويمزج بين التسجيليةوالروائية وبلغة شاعرية مليئة بالدلالات, تجارب ثلاثة أجيال من النساء. واستطاعت مشكيني أن تستعرض أوضاع النساء ومعاناتهن في إيران دون الحاجة إلىأي مرافعات إيديولوجية ذات طابع سياسي أو نسائي. والفيلم عبارة عن ثلاثقصص يفتتح بالصبية "حواء" (لاحظوا التسميات فلها دلالات كبيرة) وهي فيالتاسعة من عمرها وتفاجئها جدتها أنها ستصبح امرأة ذلك الصباح وكان لزاماأن تنسحب من العالم الخارجي وعدم الاختلاط بالأطفال واللعب معهم وارتداءالتشادور والانحباس داخل المنزل. فاغتال الخبر لحظات الصفو والفرح البريءفي قلب الفتاة. والقصة الثانية تتعلق ب "آهو" وهذا الاسم يعني في اللغةالفارسية الغزال. والمقصود بالاسم هنا ليس الجمال ولكن ما تمتلكه الغزال منقوة وجرأة على الجري والفرار من الاصطياد إلا إذا وقعت في فخ. أما القصةالثالثة فتتعلق بامرأة عجوز اسمها "حرة" فقدت زوجها الذي ترك لها مالاوفيرا وقررت أن تستمتع به وتنطلق إلى البحر, حرة.
وقد ينسي المشاهد كلشيء في الفيلم لكنه لن ينسي أبدا ذلك المشهد وتلك اللحظات الخالدة فيالفيلم الذي صورته مشكيني بكل سحر وشاعرية و يتسلل هذا الإبداع تحت الجلدليحرك في المشاهد عواطفه. سجلت لنا بتقنية عالية ذلك الفضاء الرحب الجميلوالقريب من البحر (جزيرة كيش) الذي تتسابق فيه أعداد كبيرة من الفتيات علىدراجتهن الهوائية وكأنهن أشباح أو سحاب متماسك وتحاول سحابة الانفصال عنهن "لتشرق الشمس". هذه السحابة اسمها "آهو" وهي متزوجة, تتسابق على دراجتهانحو "الخلاص والحرية" في تحد للأعراف الاجتماعية السائدة وتحت سيل النظراتالقاسية لأفراد عائلتها. ووظفت المخرجة كاميرا التصوير توظيفا رائعاوبسحرية مذهلة تأخذك بدهشة تامة في مشهد مطاردة "آهو" من طرف الزوج المسنواثنين من عائلتها على خيول جميلة لمنعها من السباق. ويبدأ صراع مجنون معالزمن والإرادة, ولك أن تتخيل ما دار في ذهن آهو. تناوب هؤلاء الأفرادالذين يجسدون القمع والتصلب على "آهو" كل على حدة لإقناعها بالتوقف عنالمسابقة. فيقترب منها الزوج أولا وينصحها بالتوقف, فتأبى, ثم يهددهابالطلاق وينسحب في مشهد جميل خلاب وكأنك أمام لوحة بديعة تستحق كل الإعجاب. ولكن "آهو" بنظراتها الحادة ووجهها المليء بالتحدي لا تكترث لما يقولونوتتابع السباق دون أن تفرط في التشادور الذي تعظ عليه بأسنانها بشدة متشبثةبالتقاليد, متحدية العيش تحت نظام عائلي متسلط.
وضعت مشكيني بصمتهاالخاصة في الإلهام السينمائي بتقنيات جديدة وطرق وأساليب ملهمة في الإخراجوبأقل قدر من الكلام يستحق كل الاحترام والتقدير. لقد أمتعتنا حقا بسلسلةغنية باللقطات المتتابعة الرائعة والصور الجميلة في عملية صناعة الفيلمالإيراني. ويأتي مشهد الختام على الشاطئ ليكلل قمة التعبير في الصورة، ومدىما تنطوي عليه من رموز ودلالات حيث تجتمع النساء الثلاث "بالصدفة" (حواءالآن امرأة) لتصبح القصة واحدة تتطرق إلى هموم ومشاكل ومكبوتات متعددة منحياة امرأة واحدة. فجاءت الصورة مشحونة بالكثير من المعاني والتشويق علىالطريقة الايطالية.

هذا هو الفيلم الإيراني الجديد الملتزم وما يحمله من نقد للمجتمع نتيجةالمناخ الثقافي الجديد والانفتاح السياسي الكبير واحترام حرية التعبير داخلإيران والمساواة بين الرجل والمرأة في هذا القطاع بالذات.
إيران تصور المستحيل:
صورت إيران أفلاما ذات نفحة فلسفية وروحية أخفق في تصويرها الغربونتناول هنا بالتحليل والمقارنة فيلمين: الأول إيراني تحت عنوان "لونالجنة" والثاني من إنتاج أوروبي-أمريكي تحت عنوان "العطر: قصة قاتل" وكلاهما يتناول الحاسة و الحس لتحقيق رسالتهما.
-"لون الجنة":
من معجزات السينما الإيرانية فيلم "لون الجنة" (الترجمة الحقيقية "صبغة الله" وهي اقرب لمضمون الفيلم) للمخرج مجيد مجيدي. هذا الفيلم يحفر في الذاكرة وفي أعماق الروح إلى الأبد ويتميز عن الأفلامالإيرانية الأخرى بكونه تطرق إلى موضوع ذي نكهة فلسفية تغوص في الجاذبيةالحسيه وجمال الطبيعة. انه فيلم مليء بالمشاهد المذهلة اللافتة للنظروالتأملات, وعلو شأنه يكمن في قيمة التعبير في الصورة، ومدى ما تنطوي عليهمن رموز ودلالات يرغب المخرج في بلورتها داخل اللقطة، كي تفرز إثارة تخيليةذات أبعاد معينة داخل نسق الفيلم. ولكي يوصل لنا هذه الرسالة يستعملالمخرج حسّ صبي ضرير يحاكي جمال الطبيعة. ويحمل الفيلم عمقاً مدهشاً حيثيستخدم مجيدي ممثلين غير محترفين يؤدون أدوارا في غاية الحساسية، مما يعطيصبغة واقعية إنسانية أكثر للأحداث. ويختطفك هذا الطفل الصغير المكفوف منمكانك أثناء مشاهدة الفيلم وأدائه دوره ببراعة مذهلة وبكل عفوية وبراءةواقتدار تستحق كل الاحترام والامتنان. لكن كيف تمكن المخرج أن يجعل الطفليرى جمال الطبيعة رغم عاهته؟يحكي الفيلم قصة طفل ضرير في الثامنة منعمره وأحاسيسه وألفته لما حوله من الطبيعة ليكتشف حكمة الخالق وسر الوجود. هذا الطفل اسمه محمد "محسن رمضاني" وهو بالفعل مكفوف ويمثل لأول مرة. يدرسفي مدرسة للمكفوفين في طهران وفي إجازة الصيف يرحل إلى بلدته الجبلية فيشمال إيران. ويبدو سعيدا باجتماعه بأختيه هنيه "الهام شاريم" وبهيرة "فرهاناز" وكذلك جدته "ساعي قايزي" ووالده الأرمل هاشم "حسين محجوب" الذييعتبر ابنه حملا ثقيلا على كاهله ويبدو منشغلا بالكامل بالمرأة التي يسعىللزواج منها. لكن محمد يبدو سعيدا لوجوده في الطبيعة وبين أهله. وهنا يتحتمعلى المشاهد المتذوق ملاحظة أدق التفاصيل في? ?حركات الكاميرا التي أبدعفيها مجيد مجيدي والهام الممثل الصغير محمد الذي? أدى دورا خالدا وبطريقةعبقرية سلب بها عطف المتفرجين في العالم. ولا? ?ينتهي? ?الإبداع عند هذاالحد بل يتفتح كباقة زهور ونحن نشاهده وهو يلامس أطراف النبات والأعشابويستمع إلى حفيف الأوراق ونسيم الهواء وصوت الطيور وأمواج البحر. كان يستمعإلى صوت طير نقار الخشب وهو ينقر في جذوع الأشجار ليفهم ماذا يقول. فمحمدهو عالم الصوت والطبيعة هي صلبه! إنها رسالة سحرية فلسفية في أبهى صفاتالإنسانية يتفوق مجيدي في نقلها لنا عن طريق مشاعر الطفل المكفوف ونعيش معهتلك اللحظة ونشعر بجمال الطبيعة وزهوها كأننا نكتشفها لأول مرة! حيث نشاهدبنظرة تأملية الطبيعة وأصواتها، وكيف أن الطفل الأعمى محمد كان قادراً علىأن يقرأ هذه الطبيعة بروحه، ويستشعرها بكل حواسه الأخرى ويوقظ في نفسالمشاهد أحاسيس الجمال التي لم يعد يشعر بها. وتصل الرسالة الإنسانية إلىقمتها عندما تهمس الجدة للأب وهي على فراش الموت: إني أخشى عليك, وكأنهاتخاطب البشرية التي تعيش في الجنة ولا ترى ألوانها!
ومن اللقطات الساحرةالتي برعت الكاميرا في تسجيلها عندما كان يجلس محمد في حديقة المدرسةمنتظرا والده فسمع صوت عصفور صغير سقط من عشه. وبينما هو يتلمس طريقه بحثاعن مصدر الصوت مستخدما حاسة سمعه المرهفة يسمع صوت قطة تقترب. فيقاومهاويبعدها عن الفرخ ويأخذه بكل رأفة وحنان ويعيده إلى عشه بعد عناء كبير وهويتسلق الشجرة. فيتحسس مناقير الفراخ الأخرى في العش بأنامله الرقيقة ويهتزابتهاجا ويبتسم ابتسامة بريئة تلاشى معها عالمه المظلم وكشف لنا عن سعادةامتلأت معها جيوب السماء وكأنه رأى بقلبه وروحه صبغة الخالق. كذلك برعتالكاميرا في تصوير يدي محمد وهو يمس شعر شقيقته ويقول لها كم كبرت وتسألهكيف عرف ذلك ويقول لها: إن أصابعي تخبرني بذلك! وفي خضم كل هذا الحوارالروحي-الفلسفي تنبعث أصداء موسيقى تصويرية في أحسن نقائها وصفائهاورهافتها وأدائها, تهتز معها روح الإنسان ومشاعره وكأنها بزغت من فردوسالفردوسي! وتتراجع الكاميرا إلى الخلف وبطريقة جذابة لتكشف لنا عن طبيعةفصل الربيع الخلابة وتناغمت الموسيقى بالصورة بطريقة سحرية تكاد تنحبس معهاالأنفاس! هذه هي جرأة الإبداع الإيراني السينمائي الذي يتحقق بأعجوبةوتحمل بصمة خاصة ومسحة فلسفية روحانية ورسالة إنسانية باهرة, وترصد لنابحساسية عالية القيم الإنسانية النبيلة المتمثلة في عالم الأطفال والطبيعةوالفلسفة والخلود بشكل دقيق ومفصل.

وقد تكون أفلام مجيد مجيدي التي تقدم صورة مشرقة عن الروح الإنسانية هيالتي عبدت الطريق لهذا المخرج الإنسان ليرشح مرتين على التوالي عام 1999وعام 2000 للأوسكار عن فليمه "أطفال الجنة" و "لون الجنة" و عام 2002 عنفيلمه "باران" وربما للمرة الرابعة لاوسكار 2009 القادم عن فيلمه "زقزقةالعصافير"! إن التزامه العميق وحبه للبشرية الذي ينهمر من روحه جعلت منهزهرة متبرعمة داخل إيران وخارجها حتى أن الصين اختارته مع أربع مخرجيندوليين لتصوير فيلم وثائقي فتحت به الألعاب الاولمبية الأخيرة في بكين.
وفيالأخير نذكر أن الفيلم حصل على 10 جوائز دولية منها أحسن مخرج, وأحسنممثل, وأحسن فيلم. كما رشح إلى ثماني مهرجانات دولية أخرى من بينهاالأوسكار. هكذا يصنع مجيد مجيدي معجزة لم تكلفه الكثير (180 ألف دولار) ولكن جلبت له أموالا طائلة ( مليونين من الدولارات في أمريكا لوحدها).
"
العطر: قصة قاتل"
تحول كتاب الكاتب الألماني الشهير "باتريك زوسكند" العطر: قصة قاتل, الرواية الرائعة في قصتها وحبكتها ولغتها والمقروءة بشكل واسعوالمعروفة جيدا داخل وخارج ألمانيا بعد ترجمتها إلى أكثر من أربعين لغة إلىفيلم كلف تصويره 64 مليون دولار. حقق الكتاب نجاحا كبيرا وقرأه 15 مليونأوربي على الأقل. قراءة القصة فيها الكثير من المتعة, وأسلوب الرواية رائع. إلا أن تحويلها إلى فيلم كانت صعبة ويمكن القول بدون تردد كانت فاشلة, فماالسر في ذلك؟أخفق الفيلم رغم أنه جندت له جميع الوسائل الماديةوالمعنوية. السبب راجع إلى أن الفيلم يدور حول مسألة حساسة هي حاسة الشم! فأنف جان بابتيس غرنوي "بنيديكت ويشاو" هو أهم شيء في القصة. وفي القصةيبني القارئ عالمه الخاص المتصور ليصبح أنفه كذلك مثل أنف غرنوي يتحسس بهجمال النساء على طريقته الخاصة. وعند بداية قراءة القصة يصعب على القارئالتوقف نظرا لتركيبتها الغامضة وسحرها المثير والجذاب في نفس الوقت. أما فيالفيلم فأنف غرنوي مفقود! وبذلك تصبح حاسة الشم في الفيلم معطلة وفشلتالكاميرا من نقل حالة الشم عبر الصورة ولم يشعر المتفرج برائحة العطرالسحري الأبدي الذي يحول غرنوي إلى قاتل مهووس خلال بحثه عن عناصره. ورغمالدور المتميز للبطل الرئيسي استحالت علاقة الأنف بروائح البشر عبر الصورةالسينمائية. والأنف في الرواية هو المقياس الأهم عند غرنوي وما تتيحهالكلمة لقارئها في تخيل الروائح واستخدام حاسة الشم لكن صعب ذلك في نقلهإلى صورة مجسدة. وشعرت بالإحباط لأني توقعت الكثير من الفيلم ولم أجد فيهشيئا سيما عندما رحل غرنوي إلى الجبال حيث لا حياة هناك إلا الطبيعة. فجاءتالصورة متجهمة وقاتمة ومفزعة تركز على التقاسيم الجسدية وان كانت لحظةيراد بها التمركز على الذات من أجل كشف أسرار الوجود والخلود. وهكذا يأخذنامخرج فيلم العطر, توم تايكور إلى اتجاهات غامضة. وأصبح الفيلم أقرب إلىالأسطورة بمشاهده التاريخية! ثم إلى حفل ديني حينما كان غرنوي على أهبةالصلب وكأنه المسيح. وهبط الفيلم إلى مستوى كاريكاتوري حين تعقب مسيرةالحسناء الجميلة "لورا" بحاسة الشم وسط الموانع والجبال لينقض عليها.

ومن شاهد عملي مجيد مجيدي وتوم تايكور, يدرك أن العملين يحملان لمساتإبداعية مختلفة ومتميزة. وهنا تفوق مجيد مجيدي بكثير على توم تايكور, بحذقهوحساسيته في التعامل مع الطبيعة عندما خلى إليها بطله كذلك وحولها إلى لغةبصرية سينمائية تحمل المزيد من الجماليات سيما لمسات الطفل الضرير السحريةللنبات التي أضفت المزيد من الإبداع والغوص عميقا في النفس البشرية ولايملك المرء سوى أن يقع في عشق عالم مجيد مجيدي الذي جاء كتحفة فنية رائعةوالاستنفار من العمل الآخر المظلم الزائف.
وإذا ما وقفنا وتأملنا لقطتينمن العملين, الأولى لحظة وقف الأب يشاهد ابنه يسقط من على الجسر وتجرفهتيارات الوادي القوية وتكشف عن صراع داخلي. والثانية لحظة تأمل غرنوي "لورا" وهي منتصبة أمامه وهو على أهبة تحقيق عنصره الثالث عشر. كلاالممثلين لا يفوح بكلمة واحدة وكلاهما برعا في أدائهما بنجاح باهر لكن أداءالممثل الإيراني حسين محجوب كان مذهلا ورائعا في هذا المشهد النهائي حيثاجتمع في وجهه نقيضا وجمال "الجوكاندا" ووضعنا أمام لغز كبير وفي حيرة أكبرمما سيفعل لاحقا وهو يشاهد ابنه ينجرف بعيدا. وطال الانتظار وكأنه عمرينقضي بكامله قبل أن يقفز في النهر لينقذ ابنه. هنا تبدو موهبة وإلمامالإيرانيين بمعايير صناعة السينما العالمية ليس من الجانب التقني وحسب ولكنمن الجانب السيكولوجي كذلك: فالإيرانيون يفهمون أذواق الغرب وعقليته.
هكذاتتميز السينما الإيرانية عن سواها وتستقطب المشاهد العالمي بسحرها وتستحوذعلى مخيلته وتطير به إلى عالمها الغني بإبداعات التصوير والإخراجوالموسيقى, وتصنع "عطرها الأبدي الخالد" في أدق التفاصيل الذي يحمل كلالجمال والمتعة والتألق الإنساني!








: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=165623
التوقيع


هل جلست العصر مثلي ... بين جفنات العنب
و العناقيد تدلـــــــــــــت ... كثريات الذهب

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السينما , العالم؟ , الإيرانية , احترام , انتزعت , كيف

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 20:40 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd