الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > قسم خاص بالدروس و العقيدة و الفقه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2010-06-14, 19:31 رقم المشاركة : 1
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف



أ- الصفات السلبية: أما السلف فإنهم لم يتوسعوا في تقسيم الصفات وتنويعها، إذ ليس من عاداتهم الإسراف في الكلام في المطالب الإلهية، بل لا يكادون يتجاوزون الكتاب والسنة في مبحث الصفات، إلا أن أولئك الذين حضروا زمن الفتنة (بعد نشأة علم الكلام في عهد العباسيين) وابتلوا بمناقشة علماء الكلام وجدالهم بأسلوبهم اضطروا للخوض في تقسيم الصفات بِقَدَرٍ، كما سيأتي بيان ذلك عند الكلام على الصفات الخبرية إن شاء الله. وأما الخلف326، فقد أولعوا بتقسيم الصفات وتنويعها، ومن ذلك تنويعهم الصفات إلى نفسية وسلبية وصفات معان، ومعنوية وصفات فعلية، وصفات جامعة، والصفة الإضافية وهي تتداخل مع الفعلية كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله. أما الصفات السلبية فهي خمس صفات عند الأشاعرة: 1- القدم. 2- البقاء. 3- الوحدانية. 4- المخالفة للحوادث. 5- الغنى المطلق، المعروف عندهم (القيام بالنفس). قال العلامة الشيخ محمد أمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان: "اعلم أن المتكلمين قسموا صفاته جل وعلا إلى ستة أقسام: 1- صفة نفسية. 2- صفة سلبية. 3- صفة معنى. 4- صفة معنوية. 5- صفة فعلية. 6- صفة جامعة. مثل العلو والعظمة مثلاً. 7- الصفة الإضافية هي تتداخل مع الفعلية. لأن كل صفة فعلية من مادة متعدية إلى المفعول كالخلق والإحياء والإماتة فهي صفة إضافية، وليست كل صفة إضافية فعلية، فبينهما عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في نحو الخلق والإحياء والإماتة. وتنفرد الفعلية في نحو الاستواء وتنفرد الإضافية في نحو كونه تعالى موجوداً قبل كل شيء، وأنه فوق كل شيء، لأن القبلية والفوقية من الصفات الإضافية وليستا من صفات الأفعال327 اهـ. وضابط الصفة السلبية عندهم: هي الصفة التي لا تدل بدلالة المطابقة، على معنى وجودي أصلاً، وإنما تدل على المعنى السلبي غير الثبوتي كالقدم يدل على ما سبق العدم، والبقاء يدل على عدم لحوق الفناء إلى آخر الصفات الخمسة التي تقدم ذكرها. وقال بعضهم: هي التي تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله328 والتعريفان متقاربان كما ترى. وهناك صفات سلبيات أخرى غير الصفات السلبيات التي اصطلح عليها الأشاعرة التي تقدم الحديث عنها، ونعني بالسلبيات هنا الصفات التي تدخل عليها (أداة) النفي مثل (لا)، و (ما) و(ليس) وهذا النوع من السلوب والنفي كثير في القرآن، وإنما يقع النفي في القرآن لتضمنه كمال ضد الصفة المنفية، بل لقد ثبت (بالاستقراء) أن كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده، كقوله تعالى: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}329، لكمال عدله، وقوله تعالى: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ}330، لكمال علمه، وقوله: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}331، لكمال قوته، وقوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}332، لكمال حياته وقيوميته، وقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}333، لكمال جلاله وعظمته وكبريائه، وإلا فالنفي الصرف لا مدح فيه، ألا ترى أن قول الشاعر: قُبَيِّلَة لا يَغْدِرَون بذمِّة ولا يظلمون الناس حبة خردل لما اقترن بنفي الغدر والظلم عنهم ما ذكره قبل هذا البيت وبعده، وتصغيرهم بقوله: (قُبَيِّلَة) عُلِمَ أن المراد عجزهم وضعفهم لا كمال قدرتهم، وقول آخر: لكنَّ قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا334 لما اقترن بنفي الشر عنهم ما دل على ذمهم علم أنّ المراد عجزهم وضعفهم أيضاً، ولهذا يأتي الإثبات للصفات في كاتب الله مفصلاً والنفي مجملاً عكس طريقة أهل الكلام المذموم، فإنهم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل، يقولون: ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة لحم، ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض إلى آخر تلك السلوب الكثيرة التي تمجها الأسماع وتأنق من ذكرها النفوس والتي تتنافى مع تقدير الله تعالى حق قدره، وهذه السلوب نقلها أبو الحسن الأشعري رحمه الله عن المعتزلة، وهي لا تخلو من الحق، ولكن فيها من الباطل الشيء الكثير، ويظهر ذلك لمن يعرف أسلوب الكتاب والسنة في هذا الباب. وهو التفصيل في الإثبات والإجمال في النفي كما تقدم. ثم إن هذا النفي المجرد مع كونه لا مدح فيه، فيه إساءة أدب مع الله سبحانه. فإنك لو قلت لسلطان: أنت لست بزبَّال ولا كسّاح ولا حجام ولا حائك لأدبك على هذا الوصف وإن كانت صادقاً، وإنما تكون مادحاً إذا أجملت فقلت: أنت لست مثل أحدٍ من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف وأجل، فإن أجملت في النفي أجملت في الأدب. والتعبير على الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة335. والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع في الأسماء والصفات ولا يتدبرون معانيها ويجعلون ما يبتدعونه من المعاني والألفاظ هو الحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده. "والمقصود: أن غالب عقائدهم السلوب ليس بكذا، وأما الإثبات فهو قليل، وهو أنه عالم، قادر حي" اهـ336. فلنكتف بهذا المقدار من الصفات السلبية لنأخذ في الحديث في الصفات الثبوتية في الفصل التالي (مستعينين بالله وحده). ب- الصفات الثبوتية: إذا علم مما تقدم أن الصفات السلبية هي التي لا تدل بدلالة المطابقة على معنى وجودي، وإنما تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله كالقِدّم الذي ينفي عن الله عدم الأولية والبقاء الذي ينفي عن الله لحوق العدم، أي عدم الآخرية، أو التي تقع في سياق النفي، أي بعد أداة النفي مثل (لا) و (ما) و (ليس) كقوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}337، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}338، إذا علم ذلك فإن الصفات الثبوتية هي التي تدل على معنى ثبوتي ووجودي. ومن الصفات الثبوتية تلك الصفات السبع المعروفة عند الأشاعرة بصفات المعاني: كالقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والحياة والكلام، وهذه الصفات وأمثالها تدل بدلالة المطابقة على معنى وجودي مع تضمنها سلب أضدادها، فالقدرة مثلاً تدل على معنى وجودي لأنها صفة بها إيجاد الممكنات وإعدامها على وفق الإرادة وفي الوقت نفسه تدل على سلب العجز عن الله تعالى ضرورة استحالة اجتماع الضدين عقلاً، وهكذا بقية الصفات الثبوتية، وهذه الصفات محل إجماع بين الصفاتية من أتباع السلف الصالح والأشاعرة وغيرهم من مثبتة الصفات، لذلك لسنا بحاجة إلى سوق الأدلة لإثباتهان وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع بين أهل الإثبات على اختلافهم فيما عداها كما سيأتي قريباً. ج- صفات الذات: يقال للصفات الثبوتية: صفات الذات إضافة إلى الذات العلية لملازمتها للذات لأنها لا تتجدد تجدد صفات الأفعال، فهي بهذا الاعتبار ذاتية، ومن حيث دلالتها على معنى ثبوتي ووجودي يقال: (ثبوتية، كالعلم والسمع والبصر والعزة والحكمة) وغيرها. وهي بهذا الاعتبار تقابل السلبية وقد تقدم الكلام عليها. ومن الصفات الذاتية صفات شرعية وعقلية مثل الصفات السلبية الخمس المعروفة عند الأشاعرة وصفات المعاني التي تقدم الكلام فيها، ومنها صفات خبرية محضة وهي الصفات التي الأصل في إثباتها الخبر عن الله عز وجل أو عن رسوله المعصوم مثل الوجه واليد والقدم والساق والأصابع هذه صفات ذاتية ملازمة للذات العلية وثابتة ثبوت الذات، فإذا هي ثبوتية وذاتية وهي معروفة بالصفات الخبرية، وسيأتي تفصيل الكلام فيها وهي تقابل الصفات الفعلية المتجددة كما تقابل الصفات السلبية من حيث الدلالة، والله أعلم. د- صفات الفعل: أما الصفات الفعلية فقد اختلف أهل العلم في تعريفها، وفي التفريق بينها وبين الصفات الذاتية. وهي من الصفات الثبوتية التي تقدم ذكرها. قال (ملا علي القاري) الحنفي المتوفى سنة (1001هـ) رحمه الله في شرحه على (الفقه الأكبر) للإمام أبي حنيفة رحمه الله (المتوفى سنة150هـ). قال (ملا) في تعريف الصفات الفعلية: "وهي التي يتوقف ظهورها على وجود الخلق"، ثم قال: "اعلم أن الحد بين صفات الذات وصفات الفعل مختلف فيه. فعند المعتزلة: ما جرى في النفي والإثبات فهو من صفات339 الفعل، كما يقال خَلَقَ لفلان ولداً، ولم يخلق لفلان، ورزق زيداً مالاً ولم يرزق عمراً. وما لا يجري فيه النفي فهو من صفات الذات، كالعلم والقدرة، فلا يقال: لم يعلم كذا، ولم يقدر على كذا. والإرادة والكلام من صفات الفعل عند المعتزلة بخلاف غيرهم من أهل السنة والأشاعرة قلت: على تفصيل معروف عند كل طائفة. وأما عند الأشعرية فالفرق بينهما أن ما يلزم من نفيه نقيضه فهو من صفات الذات، فإنك لو نفيت الحياة يلزم الموت، ولو نفيت القدرة يلزم العجز، وكذا العلم مع الجهل وما لا يلزم من نفيه نقيضه فهو من صفات الفعل. ولو نفيت الإحياء أو الإماتة أو الخلق أو الرزق لم يلزم من نفيه نقيضه، كما لا يخفى. فعلى هذا الحد لو نفيت الإرادة لزم منه الجبر والاضطرار، ولو نفيت عنه الكلام لزم منه الخرس والسكوت فثبت أنهما من صفات الذات، لا كما تقول المعتزلة كما تقدم، ثم قال القاري: وعندنا – يعني (الماتريدية)- أن كل ما وصف به ولا يجوز أن يوصف بضده فهو من صفات الذات، كالقدرة والعلم والعزة والعظمة، وكل ما يجوز أن يوصف به وبضده فهو من صفات الفعل كالرأفة والرحمة والسخط والغضب"340 اهـ. هذه اصطلاحات وقد لا يختلفون في جوهر المسألة... مناقشة أقوال الثلاثة عند إمعان النظر في الأقوال الثلاثة في تحديد صفة الفعل وبيان الفرق بينهما وبين صفة الذات، وعند إمعان النظر في تلك الأقوال نجد أن الخلاف لفظي تقريباً، لأن المعتزلة الذين قد يثبتون الأسماء أو أحكامها أحياناً، أو يلزمهم ذلك- يمثلون للصفات الفعلية بالخلق والرزق مثلاً، وكذلك فعلت الأشاعرة أيضاً كما يتفق الفريقان على أن القدرة والعلم والعزة مثلاً من صفات الذات. وكذلك الماتريدية تتفق مع الفريقين في أمثلة الصفات الذاتية، هذا بالجملة، وأما عند التفصيل فنجد اتفاقاً أحياناً واختلافاً وتداخلاً أحياناً، لأنه أقوال ترجع في غالبها إلى الاصطلاح والاصطلاحات قد تتفق وقد تختلف، كما هو معروف، ولا يمس ذلك جوهر المسألة كما أسلفنا. فالقول الإجماع لهذه الأقوال - في فهمنا- أن صفات الأفعال أو الصفات الاختيارية تختلف عن الصفات الذاتية الثبوتية التي تتعلق بها مشيئة الله تعالى لا بأعيانها ولا بأنواعها، كالقدرة والإرادة والعلم والسمع، والبصر والحكمة والعزة والوجه واليد وغيرها، بل هي صفات تتعلق بها مشيئة الله، وتتجدد حسب المشيئة، كالمجيء والاستواء والغضب والفرح والضحك. أما صفة الكلام فهي من صفات الذات باعتبار أصل الصفة، ومن صفات الأفعال باعتبار أنواع الكلام وأفراده، والله أعلم. هذا ما يدل عليه كلام أهل العلم من أتباع السلف عند التحقيق، وبالله التوفيق.






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=161569
آخر تعديل aboukhaoula يوم 2012-01-21 في 22:17.
    رد مع اقتباس
قديم 2012-01-21, 22:23 رقم المشاركة : 2
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الفصل الأول: الصفات الشرعية العقلية والصفات الخبرية تتنوع صفات الرب تعالى من حيث ثبوتها إلى نوعين: النوع الأول: الصفات الشرعية العقلية، وهي التي يشترك في إثباتها الدليل الشرعي السمعي والدليل العقلي، والفطرة السليمة وهي أكثر صفات الرب تعالى، بل أغلب الصفات الثبوتية يشترك فيها الدليلان السمعي والعقلي، وقد تقدم الحديث عنها في غير موضع. النوع الثاني: الصفات الخبرية وتسمى النقلية والسمعية، وهي التي لا سبيل إلى إثباتها إلا بطريق السمع، والخبر عن الله، أو عن رسوله الأمين عليه الصلاة والتسليم، أي لا سبيل للعقل على انفراده إلى إثباتها، لولا الأخبار المنقولة عن الله، وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، وهي خبرية محضة بيد أن العقل السليم لا يعارض فيها الخبر الصحيح كما هو معروف، وأمثلتها كالآتي: 1- الوجه، 2- اليد، 3- العين، 4- الغضب، 5- الرضا، 6- الفرح، 7- القَدَم. 8- الاستواء، 9- النـزول، 10- المجيء، 11- الضحك. وهي تنقسم إلى قسمين: أ- صفات فعلية تجدد حسب مشيئة الله وهي: 1- النـزول، 2- الاستواء على العرش، 3- المجيء لفصل القضاء بين عباده سبحانه يوم القيامة كما يليق به، 4- الغضب، 5- الفرح، 6- الضحك كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه، نثبتها كلها ونؤمن بها لورود الخبر، وصحته ولولا ذلك لأمسكنا عن الكلام في هذه الصفات وغيرها من الصفات والأسماء، لأنها توقيفية، هذا ما نعنيه بالخبرية ولا يمنع ذلك إثبات الصفات الخبرية بالأدلة العقلية مع الأدلة النقلية التي هي الأصل، وسيأتي ذكر الأدلة بالتفصيل في آخر فقرة من فقرات هذا الباب إن شاء الله. ب- صفات ذاتية قائمة بذاته العلية وهي قديمة قِدَم الذات مثل الوجه واليد والعين والقَدَم: وهذه الصفات وإن كانت تعد في حق المخلوق جوارح وأعضاء وأبعاضاً وأجزاء ولكنها في حق الله تعالى صفات أثبتها لنفسه، أو أثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام، لا نخوض فيها بأهوائنا وآرائنا، بل نفوض كنهها وحقيقتها إلى الله تعالى لعدم معرفتنا لحقيقة الذات، لأن معرفة حقيقة الصفة متوقفة على معرفة حقيقة الذات كما لا يخفى، بل نثبتها ونؤمن بها دون تحريف أو تعطيل، ودون تكييف وتجسيم وتشبيه. وهكذا يقال في الرحمة والمحبة والرضا، وسائر صفات الرب تعالى. وهذه الصفات وكثير من صفات الله قد تشترك مع صفات خلقه في اللفظ وفي المعنى العام المطلق قبل أن تضاف صفات الله إلى الله، وتضاف صفات المخلوق إلى المخلوق، وبمجرد الإضافة تختص صفات الخالق بالخالق، وصفات المخلوق بالمخلوق، فصفات الله كما يليق بعظمته وجلاله، وصفات المخلوق كما يليف بحدوثه وضعفه ومخلوقيته، ولا يغيب عن بالنا- ونحن نتحدث عن صفات الله- ولا ينبغي أن يغيب- ما قاله أحد الأئمة الأربعة المشهود لهم بالإمامة، بل هو أحد أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين (وهم الثوري بالعراق، والأوزاعي بالشام، والليث بن سعد بمصر، ومالك بالحجاز)341، وهو المعروف بإمام دار الهجرة، أجل لا يغيب عن بالنا ما قاله هذا الإمام عندما سئل عن كيفية استواء الله على عرشه، حيث قال السائل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}342 كيف استوى؟ هكذا نص السؤال. وقد اندهش الإمام مالك من هذه الجرأة، ثم أجاب قائلاً: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وهذا الجواب مشهور عن الإمام مالك، رواه غير واحد من أهل العلم، ويروى عن شيخه (ربيعة) وقبله عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذا الجواب صالح لكل سؤال يوجه، وهو يبحث عن كيفية صفة من صفات الله تعالى، مثل النـزول، والمجيء، والوجه، واليد، وغيرها (وبالله التوفيق).





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
قديم 2012-01-21, 22:28 رقم المشاركة : 3
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الفصل الثاني: مبحث التجدد في الصفات والأفعال قبل أن أقول شيئاً من عند نفسي ومن فهمي أستحسن أن أنقل هنا قطعة قصيرة من كلام الإمام الطحاوي في عقيدة مفسرة بكلام الشارح وموضحة. قال الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: "ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً"، وهذا كلام موجز جداً، ولكنه مليء يحمل في طياته معنى عظيماً وعميقاً. قال الشارح - وهو يشرح هذا الكلام ويوضحه: أي أن الله سبحانه وتعالى، لم يزل متصفاً بصفات الكمال، صفات الذات وصفات الفعل، ولا يجوز أن يعتقد أن الله اتصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها، لأن صفاته سبحانه صفات كمال، وفقدها صفة نقص، فلا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفاً بضده. ثم قال الشارح: ولا يرد على هذه (القاعدة) صفات الفعل والصفات الاختيارية ونحوها، كالخلق والتصوير، والإحياء والإماتة والقبض، والبسط والطي والاستواء، والإتيان والمجيء والنـزول والغضب والرضى، ونحو ذلك مما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، وإن كنا لا ندرك كنهه وحقيقته التي هي تأويله، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، ولكن أصل معناه معلوم لنا كما قال الإمام مالك رضي الله عنه ورحمه لما سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}343 كيف استوى؟ فقال الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". ثم قال الشارح: "وإن كانت هذه الأفعال تحدق في وقت دون وقت كما في حديث الشفاعة: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله"344. لأن هذا الحدوث بهذا الاعتبار غير ممتنع، ولا يطلق عليه أنه حدث بعد أن لم يكن، ألا ترى أن من تكلم اليوم وكان متكلماً بالأمس لا يقال: إنه حدث له الكلام، ولو كان غير متكلم لآفة كالصغر والخرس ثم تكلم، يقال: حدث له كلام، فالساكت لغير آفة يسمى متكلماً بالقوة، بمعنى أنه يتكلم إذا شاء، وفي حال تكلمه يسمى متكلماً بالفعل345 اهـ. وفي ضوء كلام الإمام الطحاوي: "ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه" إلى آخره، ثم كلام الشارح الذي أوضح المسألة بما لم يترك مجالاً للتساؤل أو التردد، نستطيع أن نقول: إن صفات الله تعالى ثابتة أزلاً وأبداً، ولا تتجدد سواء في ذلك صفات الذات – والأمر فيها واضح- أو صفات الفعل على ما تقدم، وفي ضوء ذلك نقول: إن تجدد صفات الفعل في وقت دون وقت لا يقال فيه: إنه تعالى اتصف بصفة كان فاقدها، أو كانت ممتنعة في حقه، أو فعل فعلاً كان ممتنعاً في حقه، كما يزعم بعض أهل الكلام المذموم، بل الفعل ممكن في حقه تعالى، في كل وقت لأنه لا يجوز أن يعتقد أنه تعالى كان معطلاً عن الفعل في وقت من الأوقات، لأن الفعل كمال، وعدمه نقص346، بمعنى أن الفعل كان ممتنعاً، ثم انقلب من الامتناع الذاتي، إلى الإمكان الذاتي، كما تقول المعتزلة: ومن إذا أراد أن يفعل فَعَلَ، ولا مانع له من الفعل، فهو فاعل باشَر الفِعْل، أو لم يباشر على ما تقدم في صفة الكلام، ولعل قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}347 يدل على هذا المعنى. وأحسب أن هذا ما يعنيه القائلون باستمرارية أفعال الرب تعالى، وأبديتها، بل وأزليتها، كما يقول ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وجمهور أهل العلم. وهذا المعنى وارد شرعاً وعقلاً كما ترى، وكيف يسوغ عقلاً أن يعتقد أن الله تعالى كان معطلاً348 عن الفعل في لحظة من اللحظات، فمن الذي يمنعه ويحول بينه وبين أن يفعل ما يشاء إذا شاء؟‍‍‍‍‍‍‍!! سبحانه وتعالى عما يزعمه المعطلون علواً كبيراً. وهنا مسألة في غاية الأهمية وهي أن بعض نفاة349 الصفات أو نفاة صفات الفعل قد يتذرع إلى نفي هذه الصفات بقولهم: لا يليق بالله أن نصفه بحلول الحوادث بذاته تعالى، هكذا يجملون القول، فيسلم السني للنافي ذلك على إجماله، ظناً منه أنه نفى عن الله سبحانه ما لا يليق بجلاله، ثم يحاول النافي أن يلزم السني نفي صفات الفعل، وهو غير لازم له عند التحقيق، ولكن السني أتي من تسليمه هذا النفي المجمل، وهو أنه تعالى لا تحل به الحوادث، فلو استفسر السني واستفصل لما ألزمه. ولذلك لا ينبغي استعمال هذه الألفاظ المجملة لا نفياً ولا إثباتاً، إلا بعد بيان المعنى المراد. ومسألة حلول الحوادث بذاته من المسائل، أو من التعبيرات التي أحدثها المتكلمون، وخاضوا فيها، وخدعوا بها من لا يفطن لأساليبهم، وهو تعبير لا وجود له لا في الكتاب، ولا في السنة لا نفياً ولا إثباتاً، وغير معروف عن سلف الأمة، وهذا النفي قد يكون صحيحاً بعد التفسير لأنه إن أريد به بأنه لا يحل بذات الله المقدسة شيء من المخلوقات المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن له من قبل، فهذا النفي صحيح على ما تقدم في معنى التجدد. وإن أريد بالنفي أن الله تعالى لا يفعل ما يشاء، ولا يتكلم بما شاء، إذا شاء، ولا يفرح ولا يغضب، ولا يرضى كما يليق به في ذلك كله، أي لا يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله من الصفات التي ذكرناها وغيرها كالاستواء والنـزول، والمجيء لفصل القضاء يوم القيامة فهذا النفي باطل. ولا يقال: إن من يثبت هذه الصفات، وما في معناها يقول بحلول الحوادث بالله تعالى، لأن التعبير اصطلاح جديد ابتدعه علماء الكلام بعد نشأة علم الكلام، وانتشاره في صفوف المسلمين المتأخرين (الخلف)، ولا ينبغي أن نجعل هذا الاصطلاح الحديث قاعدة نبني عليها نفي صفات الله التي وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله الأمين، ودرج المسلمون الأولون من الصحابة والتابعين على إثباتها، والإيمان بها دون أن يَشِذّ فردٌ منهم، ولله الحمد والمنة على ذلك. ومما له صلة بهذه الفقرة مسألة: هل الصفة زائدة على الذات، أو هل هي غير الذات أم لا؟ وهذا أيضاً من الأساليب التي أحدثها علماء الكلام، ولا عهد لعلماء السلف بهذا الأسلوب، بل السلف يكرهون مثل هذه الألفاظ المجملة، رغبة منهم في الوقوف مع النصوص، وعدم الخروج منها في هذه المطالب الإلهية العظيمة. أما المتأخرون من أتباع السلف الذين اضطروا إلى الخوض مع أهل الكلام للذود عن العقيدة، وللحفاظ عليها فإنهم قالوا: إن أريد بقولهم بأن الصفة غير الذات أو زائدة على الذات أن هناك ذاتاً مجردة قائمة بنفسها، منفصلة عن الذات، فهذا غير صحيح. وإن أريد أن الصفات زائدة عن الذات بمعنى أن للذات معنى غير معنى الصفة ومفهوم الصفات زائد على مفهوم الذات، بيد أنها لا تنفك عن الذات، فهذا صحيح350. ولكن لا ينبغي استخدامه إلا عند الحاجة، ومع التفصيل والبيان وبدون ذلك يعتبر خوضاً لا طائل تحته، والله أعلم. ومن هذا القبيل مسألة: هل الاسم غير المسمى، أو عين المسمى إذ قد يراد بالاسم المسمى نفسه، كأن يقال: الله مجيب الدعوات، الله لطيف بعباده، وقد يطلق الاسم مراداً به اللفظ المنطوق ذاته، كأن يقال: الله أكبر من ألفاظ الأذان أو الله أكبر كلمة يدخل بها في الصلاة مثلاً. وقد تقدم هذا البحث عند الكلام على الأسماء الحسنى في الباب الأول فليراجع. وعلى كل حال، إن هذا النوع من الخوض قد يضطر إليه الإنسان المعاصر وهو كاره على حد قولهم: (مكره أخاك لا بطل). وبعد أن استعرضنا أنواع الصفات المصطلح عليها عند السلف والخلف351 وأدركنا أثناء الاستعراض أن هناك صفات مجمعاً على إثباتها عند جميع الصفاتية سلفاً وخلفاً، وهناك صفات يختلفون فيها، حيث يرى السلف إثباتها، وإمرارها كما جاءت، شأنها عندهم شأن الصفات الأخرى المثبتة بإجماع الطرفين، بينما يرى الخلف وجوب تأويلها، والخروج بها من ظاهرها. ففيما يلي نخص هذا النوع بالحديث لنحاول أن نعرف المعنى العام لكل صفة من تلك الصفات عند السلف مع تفويض كنهها وحقيقتها إلى الله سبحانه على منهجهم الواضح الذي سبق أن أوضحناه، ولنرى تكلف الخلف بالتأويل الذي هو تحريف الكلم عن موضعه تحت العنوان الآتي.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
قديم 2012-01-21, 22:30 رقم المشاركة : 4
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الفصل الثالث:معاني الصفات الخبرية نتحدث عن معاني هذه الصفات على الوجه التالي: 1- الاستواء، 2- النـزول، 3- الرحمة، 4- المحبة، 5- الغضب، 6- اليد، 7- الفرح، 8- الرضا، 9- الضحك، 10- الوجه، 11- القَدَم، 12- الكلام، 13- المجيء، 14- إثبات النفس له تعالى، 15- إثبات الرؤية لأهل الجنة وغيرها من صفات الأفعال والصفات الخبرية التي سيأتي تفصيلها قريباً إن شاء الله. القاعدة العامة عند السلف في هذا الباب: أما السلف فلدقة فقههم في هذا الباب خاصة وفي الأبواب الأخرى عامة في الأصول والفروع، فقد سَلّموا لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، فيرون بأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله، كما لا يصفه من خلقه أعلم به سبحانه من رسوله، فَوقَفُوا مع نصوص الكتاب والسنة دون محاولة لتجاوزها فلم يخوضوا فيها بالتحريف بدعوى أن ظاهرها غير مراد، بل أمروا النصوص كما جاءت، كتفين بفهم المعنى العام الذي يدل عليه اللفظ بالوضع دون تعمق أو تفلسف، أثبتوا لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله الأمين، عليه الصلاة والسلام، دون أن يصل بهم هذا الإثبات إلى حد التشبيه والتجسيم، بل سلكوا طريقاً وسطاً بين التعطيل والتشبيه والتجسيم، وهو طريق السلامة كما ترى، وكما سيتضح عندما نأخذ في التفصيل إن شاء الله. وسر المسألة أن معرفة حقيقة الصفة وكيفيتها تابعة لمعرفة حقيقة الموصوف وكيفيته، فإذا كان إيمان العباد بالله إيمان إثبات وتسليم دون محاولة لمعرفة حقيقة ذاته سبحانه فيلزم أن يكون إيمانهم بصفاته كذلك إيمان إثبات وتسليم لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يسلم إيمان المرء إلا بهذا التسليم وحده، ذلك لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يحذو حذوه، ولا فرق عندهم بين هذه الصفات الخبرية التي نتحدث عنها وبين الصفات الأخرى من صفات المعاني والمعنوية والسلبية التي تقدمت، وتقدم الحديث عنها في غير موضع من الرسالة إذ كلها تبقى على ظاهرها، الظاهر الذي يليق بالله تعالى، ولا يفهم من النصوص إلا ذلك الظاهر اللائق، بل لا يجوز أن يعتقد أن النصوص قد تدل بظاهرها على مالا يليق بالله، لما في ذلك من إساءة أدب، بل إساءة ظن بالله الذي أنزل تلك النصوص، وأوحى بها إلى رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام. وهل يجوز أن يعتقد أن الله ينـزل آيات، ويوحي إلى نبيه بأحاديث ظاهرها ضلال أو كفر؟ ثم إن الرسول نفسه عليه الصلاة والسلام لا يبين المعاني الصحيحة الحقة لأصحابه؟!‍ فلازم ذلك أن الصحابة لم يفهموا هذه النصوص على حقيقتها، فكيف يفهمون لأن الرسول لم يبين لهم تلك الحقيقة التي فهمها الخلف فيما بعد، وليت شعري من أين فهموها؟!! وقصارى القول: أن صفة الاستواء وما ذُكر بعدها في الصفحة السابقة من الصفات تبقى على ظاهرها كما يليق بالله تعالى، هذا هو موقف السلف بالاختصار. ثانياً: موقف الخلف في الجملة: أما الخلف: فمرادنا بهم علماء الكلام على اختلاف مناهجهم ومشاربهم، فإنهم قد تكلفوا جميعاً، فخاضوا – وهم في غنى عن الخوض، لو وُفقوا- وقد ذهبوا في تكلفهم ذلك مذاهب مختلفة ومتعددة، منهم من يؤول صفات الأفعال، وبعض الصفات الخبرية، وهم الأشاعرة مع إثباتهم كثيراً من الصفات الذاتية، كما سيأتي تفصيل ذلك، ومنهم من ينفي هذه الصفات نفياً دون اكتراث، أو التفات إلى النصوص الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة التي نطقت بهذه الصفات بأساليب متنوعة بدعوى أنها أدلة لفظية لا تفيد العلم واليقين، وهي مع ذلك مخالفة للدليل العقلي القطعي الذي يدل على أن إثبات هذه الصفات يؤدي إلى أحد مستحيلين: 1- إما تعدد القدماء إن قلنا: إن هذه الصفات قديمة قدم الذات، لأن ذلك يتنافى مع التوحيد، هكذا زعموا لأن حقيقة التوحيد عندهم نفي الصفات وإثبات ذات مجردة ذهنية، لا وجود لها في الخارج. 2- أو حلول الحوادث بذاته تعالى، إن قلنا: إنها حادثة، وذلك محال على الله، لأنه يؤدي إلى القول بأن الله محل للحوادث. وما أدّى إلى المحال فهو محال. فإثابتها إذاً محال. هكذا زعموا‍‍.!! هذا موقف الجهمية والمعتزلة، وبهذه الثرثرة التي زعموها أدلة قطعية نفوا جميع صفات الكمال - وصفات الله كلها كمال- ولم يثبتوا له أي صفة حتى أصبح وجود الله عندهم، وفي زعمهم وجوداً ذهنياً، إذ لا يتصور في الخارج موجود مجرد عن الصفات. وإنما يفرضه الذهن فرضاً كما يفرض أو يتخيل أي محال. وهذه النتيجة الحتمية التي لا بد منها لكل من أعرض عن كتاب الله، وهدي نبيه واتبع هواه. مناقشة الأشاعرة بالأدلة العقلية: ومن وصل إلى هذا المستوى من الإعراض، قلّما تجدي معه المناقشة، فلنترك المعتزلة إذاً لنعود لمناقشة الأشاعرة لقربهم من الصواب نوعاً ما، وعلى الرغم مما نقوله، ويقوله غيرنا من أن الأشاعرة يعدون من المثبتة، أو من الصفاتية، لإثباتهم كثيراً من الصفات الذاتية التي يسمونها - في اصطلاحهم- صفات المعاني وغيرها. على الرغم من هذا النوع من الإثبات، فإنهم وافقوا المعتزلة في تأويل الصفات الخبرية352، ذاتية أو فعلية فبذلك وقعوا في تناقض لم يقع فيه أحد لا من المثبتة ولا من النفاة، لأنهم فرقوا بين ما جمع الله في كتابه، أو فيما أوحاه إلى رسوله عليه الصلاة والسلام، فتراهم يثبتون السمع والبصر مثلاً، ولا يخطر ببالهم شيء من لوازم سمع وبصر المخلوقين، بل يزعمون أنهم يثبتون هذه الصفات على ما يليق بالله، فما هو المانع العقلي إذاً من إثبات الوجه، واليدين، وغيرهما مما أوجبوا التأويل فيه من الصفات على ما يليق بالله؟!! فما المانع أن نثبت لله وجهاً يليق به، واستواء يليق به دون التفات إلى لوازم وجه المخلوق، ومجيء المخلوق، واستوائه؟!! وما الذي يمنعهم أن يثبتوا جميع الصفات الثابتة بالأدلة النقلية دون أن يفرقوا بينها؟!! في ضوء قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، والآية جمعت بين التنـزيه والإثبات كما ترى ومعها آيات أخرى كثيرة في هذا المعنى، هل لعدم الثقة في كلام الله، وكلام رسوله مع الثقة الكاملة فيما يقوله الشيوخ؟!! فادعوا وجوب تأويل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، وقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} وقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}، وغيرها من نصوص الصفات مع عدم وجوب تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وغيرها من النصوص التي بينت نوعاً خاصاً من الصفات، وهي صفات المعاني والصفات المعنوية على الاصطلاح الخاص بهم، وكذلك الصفات السلبية على تفسيرهم. إن هذه الدعوى، وهذا التصرف الأشعري أو الكلابيّ على الأصح - إنما هو تصرف يستند إلى مجرد التقليد، لا يستند إلى دليل نقلي، أو عقلي مقبول لدى غيرهم من العقلاء، بل الذي ثبت بالتجربة والدراسة أن اللاحق منهم يرث هذا المنهج من السابق. فما وجده في كتاب من سبقه، أو سمعه من شيوخه هو المذهب الصحيح وهو الدّين وهو العقيدة دون تفكير في الدليل، ومن جهة أخرى، إن ما نفاه الشيوخ هو المنفي، ولو دلت عليه آية صريحة أو سنة صحيحة. والشيخ لا يسئل ولا يناقش فيما أثبته أو نفاه، بدعوى أن المناقشة غير جائزة في مثل هذه الموضوعات، والأسلوب التقليدي المتبع هو (هكذا نقلنا عن مشايخنا، وهم أعلم منا)!! وبعد، فإن الأسلوب الذي أشرنا إليه هو الأسلوب الذي كان متبعاً، وملتزماً لدى مشايخنا الذين درسنا عليهم العقيدة الأشعرية، وإنما نوّهت به، أو رويته لأثبت بالعيان، لا بالإخبار، أن العقيدة الأشعرية كثيراً ما تعتمد على التقليد353 الوراثي كما أسلفنا، وهذا هو سر تناقضهم بالتفريق بين الصفات كما تقدمت الإشارة إلى الأمثلة، والذي يقتضيه المنطق السليم إما أن يثبتوا جميع الصفات الثابتة بالكتاب والسنة، دون تفريق بين صفة وصفة، وهو المنهج السلفي الذي عليه علماء الحديث والسنة قديماً وحديثاً، وهو الذي يساير العقل والنقل كما علمنا مما تقدم، وفيه السلامة والعافية من القول على الله بغير علم، وهو موقف خطير جداً كما لا يخفى. وإما أن ينفوا جميع الصفات دون تفريق بين الذاتية والفعلية فيقفوا مع المعتزلة صفاً واحداً، ليتجه المصلحون السلفيون اتجاهاً واحداً ويواجهوا جبهة واحدة تنفي جميع الصفات ولا تؤمن إلا بالوجود الذهني هذا هو المفترض، ولكن الواقع خلاف هذا المفترض كما رأيت. خلاصة مواقفهم من معاني تلك النصوص: 1- هناك خلف يتناقض، فيثبت بعض الصفات مع اعتقاد وجوب تأويل بعض الصفات، والخروج بها ن ظاهرها، مع وجوب اعتقاد أن ظواهر تلك النصوص غير مرادة، فالتفويض محتم إذاً، ومعناه الإعراض عن تدبر النصوص، وفهم معانيها. وكل نص أوهم التشبيها أوّله أو فوّض ورم تنـزيها هكذا زعموا! {أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ}354؟!! 2- هناك خلف ذهب بعيداً عن النصوص، ولم يلتفتوا إلى الأدلة النقلية، فلم يثبتوا لله شيئاً من الصفات، لا الذاتية ولا الفعلية، بل وصفوا الله بسلوب كثيرة نقل كثيراً منها الإمام أبو الحسن الأشعري الذي عاش بينهم أربعين عاماً، ثم تاب الله عليه فتاب في آخر حياته، فنقل كثيراً من السلوب التي استخدمته الجهمية وهم غلاة المعتزلة التي تدل على أن القوم ليس لديهم مسكة من تقدير الله وتعظيمه تعالى، إذ يصرحون بعدم صلاحية النصوص في هذا الباب، فيعمدون إلى الإجمال في الإثبات، والتفصيل في النفي عكس طريقة القرآن إذ يقولون مثلاً: ليس بجسم، ولا عرض، ولا ذي برودة، ولا ذي حرارة، ولا لون، ولا طعم، ولا جثة، ولا دم...الخ. أين هذا من أسلوب القرآن، الذي يجمل النفي في مثل قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}355، {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}356، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}357، {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}358، ويفصل في الإثبات: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}359، {الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}360، {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}361، {ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}362، {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}363. بين يدي الصفات المختارة فكمالات الله تعالى لا تدخل تحت حصر أو عدّ. فصفات الله العلي وأسماؤه الحسنى لا تحصى، ولكننا سوف نختار من صفات الله الكثيرة تسع عشرة صفة لنخصها بالحديث. وبيان موقف السلف والخلف من معانيها بإيجاز، ثم نتبعها بالحديث عن رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة فتصبح الصفات التي نتناولها بالحديث عشرين صفة، وسر اختيارنا إياها من بين الصفات الأخرى واهتمامنا بها دون غيرها، هو ما نعلمه من الخلاف الحادّ، والنـزاع المزمن بين السلف والخلف في معاني هذه الصفات المختارة بصورة لم تقع في أي صفة أخرى من صفات ربنا تعالى، إذ أجمع الخلف معتزليهم وأشعريهم على نفي هذه الصفات، أو تحريف نصوصها باسم التأويل، فصارت النتيجة استحالة هذه الصفات على الله في زعمهم وعدم جواز إثباتها لله تعالى بدعوى أنها لا تليق بالله، على تفصيل معروف في موضعه. هذا الموقف هو الذي حملنا على اختيار هذه الصفات لتكون موضوع حديثنا الرئيسي في هذه الرسالة، وهي زبدة الرسالة المقصودة بالذات. وأما الصفات التي يثبتها جميع الصفاتية من السلفيين، والأشاعرة، فسوف نمسك عن التوسع فيها لعدم الحاجة الملحة التي تدعو للخوض فيها.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
قديم 2012-01-21, 22:45 رقم المشاركة : 5
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الفصل الرابع: معاني تلك الصفات بالتفصيل أ- الصفات الفعلية: الصفة الأولى: صفة استواء الله عز وجل على العرش وعلوه على خلقه: وقد ورد ذكر هذه الصفة في القرآن الكريم في عديد من الآيات القرآنية، وأما بصيغة (استوى) فقد ذكرت هذه الصفة في سبع آيات على النحو التالي على ترتيب السور: 1- آية سورة الأعراف: وهي قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (آية: 53). 2- آية سورة يونس: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} (آية: 3). 3- آية سورة الرعد: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} (آية: 2). 4- آية سورة طه: {طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (آية 1-5). 5- آية سورة الفرقان: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (آية 58-59). 6- آية سورة السجدة: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ} (آية 4-5). 7- آية سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} (آية: 4). هذه الآيات الكريمات، وفي معناها عدة نصوص من الآيات والأحاديث الصحيحة التي يأتي ذكرها إن شاء الله، كلها تدل على علو الله تعالى على خلقه، كما يليق به، وأما هذه الآيات السبع فتنص على أن الله تعالى استوى على عرشه بعد أن خلق السموات والأرض استواء يليق به، ولا نعلم منه إلا المعنى العام المفهوم من الوضع، إذاً هنا صفتان: 1- صفة استواء على العرش: وهي صفة فعلية خبرية كما دلت عليه الآيات السابقة. 2- صفة العلو: وهي صفة ذاتية لازمة للذات بمعنى أنه تعالى لم يزل في علوه، وهي في الوقت نفسه عقلية وسمعية أي فهي ثابتة بالعقل والفطرة، والسمع، بل السمع جاء مؤكداً بما آمن به العباد بفطرهم، وبعقولهم من أن الله يدعى من فوق، وترفع إليه أكف الضراعة، وقلوب العباد مشدودة إلى فوق، ولو في حال وضعهم جباههم على الأرض ساجدين لربهم الأعلى الذي يراهم من فوقهم، ويجيب دعوتهم، وهم ساجدون له سبحانه. وهذا الاعتقاد ضروري لا يستطيع أي إنسان دفعه عن نفسه، ومن الحِكَم اللطيفة أن شرع الله لعباده أن يقولوا في سجودهم: "سبحان ربي الأعلى" شرع لهم ذلك على لسان نبيه، وفي هدي رسوله إشارة إلى علوه الدائم، حتى لا يفهم من سجود العبد على الأرض أن معبوده في أسفل منه – حاشاه - بل كلما يزداد العبد خضوعاً وتذللاً، لمعبوده العلي العظيم ازداد منه قرباً معنوياً ومعية خاصة، تخص خواص عباده المؤمنين، وفي هذا يقول رسول الهدى، ونبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد فأكثروا الدعاء"364. ومن الآيات التي تدل على علو الله على خلقه، علاوة على الآيات السبع التي ذكرناها والتي تنص على استواء الله على عرشه كما يليق به، قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}365، وقد جاءت الفوقية في هذه الآية مقرونة بحرف (من) وهي مُعَيِّنة للفوقية (بالذات)366، وهو معنى معروف عند أهل اللغة، بخلاف قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}367، وهي محتملة كما لا يخفى. 1- قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}368. 2- {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ}369. 3- {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}370. 4- {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}371. 5- {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}372. وبعد، فهذه طائفة من آيات الكتاب المبين وفي معناها آيات أخرى عديدة اقتصرنا على هذا المقدار خشية الإطالة، وكلها تدل دلالة واضحة على علو الله على خلقه، وأنه مستو على عرشه كما يليق به. ونضيف إليها بعض الأحاديث الواردة في هذا المعنى، ونقتصر على ما صح منها فقط، ففيها الكفاية مع الآيات السابقة للدلالة على المقصود، وهي كالآتي: 1- قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله لما قضى الخلق، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي سبقت غضبي"، وفي رواية: "غلبت غضبي"373. 2- قول أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها وهي تعتز وتفتخر على أمهات المؤمنين زوجات النبي رضي الله عنهن إذ تقول: "زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات"374. يُستدل بقول أم المؤمنين زينب رضي الله عنها لأنها قالت ذلك اعتقاداً منها بأن الله فوق خلقه – وهو اعتقاد كل صاحب فطرة سليمة- وليس هو في كل مكان، كما تزعم بعض الجهمية وأتباعهم، وقد كان ذلك في زمن نـزول الوحي فهو إذاً اعتقاد فطري أثبته الشرع، ولله الحمد والمنة. وهو أخيراً يصور لنا فقه السلف في هذا الباب، وهم يفهمون معاني النصوص على ظواهرها مع التنـزيه بمعناه الصحيح، وهو إثبات لا يتضمن التشبيه. 3- قوله عليه الصلاة والسلام عند تفسير قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}375، "أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء"376. وقد قال أهل العلم: المراد بالظهور عنا العلو، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ}377، أي: يعلوه، وقالوا: فهذه الأسماء الأربعة متقابلة: اسمان منهما لأزلية الرب سبحانه وتعالى وأبديته، واسمان لعلوه وقربه)378 اهـ. فهو سبحانه قريب في علوه كما يليق به، وعلي في قربه. 3- قوله عليه الصلاة والسلام: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم"الحديث379. 5- قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً"380. 6- إشارته عليه الصلاة والسلام إليه تعالى بأصبعه في حجة الوداع - وهو أعلم بربه سبحانه - وفي ذلك اليوم العظيم وفي المكان المقدس العظيم يرفع النبي عليه الصلاة والسلام إصبعه الكريمة إلى السماء يرفعها إلى من هو فوقها وفوق كل شيء قائلاً: "اللهم اشهد"، ونحن نشهد أنه عليه الصلاة والسلام بلغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وعرفهم بربهم الأعلى381. وهذه مقتطفات من حديث جابر بن عبد الله الطويل الذي شرح فيه حجة الوداع شرحاً كاملاً ووافياً، رواه مسلم وبعض أصحاب السنن. وقد خاطب النبي أصحابه في هذه الخطبة المشار إليها قائلاً: "إنكم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون؟" قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت" أعْظِمْ بها من شهادة لأعْظَم مشهود له. وبعد: فلا يخفى خطأ قول الذي قول: لا تجوز الإشارة الحسية إلى السماء، بل ربما قال: إن من اعتقد أن الله في السماء كفر، وإلا فهو فاسق382. وما أشد خطأ قول الذين يزعمون أن الذي يشير بإصبعه إلى السماء عند قراءة قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، أو قوله تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} تقطع أصبعه، وربما نسبوا هذا القول إلى بعض الأئمة؟!! كالإمام مالك والإمام أحمد رحمهما الله، والنسبة غير صحيحة، بل نسبة باطلة وغير لائقة383. وحديث جابر الذي تقدم فيه التصريح بأن النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى السماء إشارة حسية، وهو يقول لربه سبحانه الذي يشير إليه: "اللهم اشهد"، وهو يرد هذا الزعم، والحديث مخرج في صحيح مسلم كما تقدم، ومتلقى بالقبول فكيف يعتذر لهؤلاء إذاً؟!! في نظرة خير ما يعتذر به لأمثال هؤلاء هو الجهل، وعدم الاطلاع على السنة، ثم التقليد المتوارث الذي تحدثنا عنه فيما تقدم وقررنا أنه هو المستند الوحيد للأشاعرة الجدد. 7- حديث الإسراء والمعراج وفيه عدة نقاط تدل على المقصود: أ- مجرد العروج إلى فوق السماء السابعة بل إلى حيث سمع صريف الأقلام، أقلام الملائكة الذي يكتبون ما يكتبون بأمر الله وإلى حيث سمع كلام الله وهو سبحانه يخاطبه في شأن الصلاة. ب- تردده عليه الصلاة والسلام بين موسى وبين ربه سبحانه في طلب تخفيف الصلاة عن أمته. جـ- ما جاء في الحديث: ثم رجع إلى المكان الذي كان فيه. أي حيث كلمه ربه، وفرض عليه الصلاة، وغير ذلك من النقاط في روايات الحديث المذكور في الصحيحين البخاري ومسلم وغيرهما. 8- سؤال الجارية بلفظ (أين الله؟) في حديث صحيح عند مسلم، وهي قصة معروفة لجارية معاوية بن الحكم السلمي حيث قال النبي للجارية: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة. ولقد ذكرني هذا السؤال النبوي الكريم والرحيم أيضاً عبارة تقليدية كنت درستها وأنا طالب صغير لم أبلغ الحلم، كنت درستها في ضمن ما درسته في بعض كتب الأشعرية وهي: لا يسئل عن الله بالألفاظ الآتية: 1- أين، 2- وكيف، 3- ومتى، 4-وكم كان من مشايخنا لا يسمحون لنا بشرح هذه الألفاظ، والسؤال عن الجواب لو سئل الإنسان عنها، ويقولون: هكذا تؤخذ، ولا تناقش لأن النقاش في هذه المواضيع غير جائز. وقد كان المفروض بل الواجب أن يكون طالب العلم على شيء من المعرفة ليتولى الإجابة على كل سؤال إذ لا بد أن يكون لكل سؤال جواب، فمثلاًَ لو سئل الإنسان: (أين الله)؟ فهو لفظ سأل به رسول الله الجارية التي يريد مولاها عتقها، إن كانت مؤمنة، وهو لا يعلم هل هي مؤمنة أم لا، ولما عرض عتقها على رسول الله عليه الصلاة والسلام طلبها الرسول فوجه لها سؤالين فقط، اختباراً لإيمانها. السؤال الأول: "أين الله؟" الجواب: في السماء. السؤال الثاني: "من أنا؟" الجواب: أنت رسول الله. النتيجة: "أعتقها فإنها مؤمنة"، أي باقية على إيمانها الفطري الذي لم تلوثه الآراء الفاسدة، فليحذر الذين يحرمون استخدام هذه اللفظة في حق الله جهلاً منهم بأن الرسول استخدمها كما رأيت. - نعم لو سئل الإنسان أين الله؟ الجواب: في السماء. ولو سئل: (كيف الله)؟ الجواب: لا يعلم كيف هو إلا هو سبحانه إذ لا يحيطون به علماً. ولو سئل: (متى الله)، الجواب: هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء. ولو سئل: (كم الله)؟ الجواب: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. هكذا يجب أن يُعدَّ العدة كل طالب علم، ويستحضر الأجوبة على كل سؤال مقدر وخصوصاً في هذا الزمن، زمن الكلام الكثير والعلم القليل، بصرف النظر هل هذه الأسئلة واردة، أو غير واردة أو هل هي مستساغة، أم لا؟ 9- قوله عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"384. 10- قوله عليه الصلاة والسلام: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء"385. الآثار المروية عن التابعين وتابعي التابعين في مسألة العلو: 1- عن كعب الأحبار قال: "قال الله عز وجل في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي أدبر أمر عبادي، لا يخفى عليّ شيء في السماء، ولا في الأرض"386. 2- عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة قال: "حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات"387. 3- أثر مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} قال: "هو على عرشه وعلمه معهم"، وفي لفظ: "هو فوق العرش وعلمه معهم"، وفي لفظ: "هو فوق العرش وعلمه معهم أينما كانوا"388. 4- أثر عبد الرحمن بن حبيب بن أبي حبيب عن أبيه عن جده قال: "شهد خالد بن عبد الله القسري - وخطبهم بواسط- فقال: يا أيها الناس ضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد علواً كبيراً، ثم نزل فذبحه". وهذه القصة ذكرها غير واحد من أهل العلم، وهي مشهورة، ذكرها البخاري في خلق أفعال العباد، والدارمي في الرد على الجهمية وإن كان في سندها كلام لبعض أهل العلم. 5- روى أبو عبد الله الحاكم عن الأوزاعي قال: "كنا - والتابعون متوافرون- نقول: إن الله عز وجل فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته"389. 6- روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية: حدثني أبي (فذكر سنده) عن عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: "الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء"390. 7- قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي والليث بن سعد ومالكاً والثوري عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك؟ فقالوا: "امضها بلا كيف"391، وفي لفظ: "أمروها كما جاءت بلا كيف"، وقولهم: "أمروها كما جاءت" يرد على المعطلة. وقولهم: "بلا كيف" يرد قول المشبهة392. وبعد هذه أنواع الأدلة الثلاثة التي صنفناها على الوجه التالي: 1- آيات من الكتاب المبين اخترنا منها نحو ثلاث عشرة آية. 2- أحاديث صحاح انتخبنا منها عشرة أحاديث. 3- آثار وكلام أهل العلم من التابعين وتابعيهم، اقتصرنا منها على سبعة آثار على كثرتها، رغبة في الإيجاز. ولعل قائلاً يقول: ما هو الموجب لذكر الآثار بعد الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟!! الجواب: ذكر الآثار بعد النصوص يفيد أمرين مهمين: الأمر الأول: يفيد أن النصوص المذكورة لم تنسخ، بل هي محكمة باقية كما جاءت إذ تعتبر هذه الآثار تفسيراً وبياناً للنصوص. الأمر الثاني: تحديد مفهوم السلف، وأنهم كانوا يفهمون من هذه النصوص كتاباً وسنة ما تدل عليه بوضعها وبظاهرها باقية على حقيقتها، ولم يؤولوها ويخرجوا بها عن ظاهرها كما يزعم الخلف، والله أعلم. أعود فأقول: إن هذه الأنواع الثلاثة من الأدلة قليل من كثير من الأدلة الدالة على علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه على ما يليق به تعالى. إذاً إن صفة العلو أو الفوقية صفة كمال ثابتة بوابل من أدلة الكتاب والسنة ودرج على إثباتها على ظاهرها جميع الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وليس فيها نقص ولا تستلزم نقصاً ولا توجب محذوراً، ولا تخالف كتاباً ولا سنة، بل توافقهما كما رأيت، وقد عقد عليها إجماع المسلمين الأولين كما علمت، وهم القوم الذين يحتج بإجماعهم، لأنهم خير هذه الأمة "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"393، وإذا كان الأمر كذلك فما هي شبهة الأشاعرة والحالة ما ذكر؟!! خلاصة شبهتهم انهم تصوروا – خطأ - أن النصوص التي نطقت بأن الله في السماء تدل بظاهرها على أنه تعالى مظروف في جوف السماء فشبهوه بمخلوق داخل مخلوق آخر، كما فهموا – خطأ - أيضاً من قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}394، وما في معناه من النصوص أنه تعالى جالس على العرش، وأنه محتاج إليه، فشبهوه بإنسان جالس على سريره، محتاجاً إليه، فأرادوا أن يفروا من هذا التشبيه الذي وقعوا فيه لسوء فهمهم، فوقعوا في التعطيل. وأما النصوص فلا تدل على ما لا يليق بالله دائماً – وحاشاها - فأمرهم يتردد إذاًَ بين التشبيه والتعطيل. ولو وقفوا حيث وقف السلف من قبلهم، وهو الموقف الذي اختار الله للإمام أبي الحسن الأشعري في آخر أطواره، نعم لو وَقَفوا حيث وقف القوم، فسلموا لله ولرسوله، لما وقعوا فيما وقعوا فيه من الاضطراب في العقيدة، وعدم اليقين فيما يعتقدون نحو ربهم وخالقهم. وعدم اليقين فيما يعتقد العبد نحو ربه أمر له خطورته في أي جزئية فيما يجب إثباته لله عز وجل أو نفيه عنه. ثم إنهم اختلفوا بعد ما نفوا صفة العلو والاستواء اختلافاً خطيراً، حيث زعم بعضهم بأنه سبحانه وتعالى في كل مكان بذاته، بينما يزعم الآخرون بأنه تعالى: ليس فوق العرش، ولا تحت العرش، ولا يمينه، ولا يساره. ونص كلام بعضهم هكذا: "فليس الله عن يمين العرش، ولا عن شماله، ولا أمامه، ولا خلفه، ولا فوقه، ولا تحته، فليحذر كل الحذر مما يعتقده العامة من أن الله تعالى فوق العالم، ثم استدرك قائلاً: لكن الصحيح أن معتقد الجهة لا يكفر"395، وهذه العبارة كان يحفظها أطفالنا حفظ الفاتحة ظناً منهم ومن مشايخهم أنها عقيدة سلف هذه الأمة، التي بلغها لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تزال تدرس في كثير من معاهدنا وجامعاتنا العربية والإسلامية على حساب عقيدة أهل السنة والجماعة. فعقيدة الجماعة مجهولة لديهم، لأنهم لا يدرسونها، وتلك الشبهة التي أدّت إلى هذا المصير، وهو الاضطراب والتردد – كما رأيت - شبهة واهية على خطورتها، لا تثبت أمام تلك الأدلة المتنوعة التي سبق أن ذكرنا بعضها أو طرفاً منها كما نقلنا أقوال بعض الأئمة في هذا المعنى عند مناقشتنا موقف المعتزلة والأشاعرة في المبحث الثامن من المدخل. قال الحافظ ابن القيم: إن الأحاديث الصحيحة التي وردت في إثبات استوائه تعالى بلغت خمسين حديثاً، ثم ذكر بعدها أقوال عدد كبير من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم في إثبات الاستواء، وله رحمه الله كلام طويل ونفيس في هذه الصفة وغيرها من صفات الأفعال التي أنكرتها الأشاعرة في كثير من كتبه القيمة396، وبعد، فإنني لعَلَى يقين لا يخالطه شك في أن كل من ينفي علو الله تعالى بلسانه تقليداً، أو مسايرة لجمهور أهل الكلام فإن ضميره يكذبه من داخله، وهو متكلف يهرف بما لا يعرف، وأن قلبه يلتفت إلى فوق عندما يشرع في الدعاء، والتضرع إلى الله، قبل أن يرفع يديه إلى السماء، وهو يعلم ذلك من نفسه، ولكن التقليد وتقديس الآراء والاعتقاد في الشيوخ، ومسايرة الجمهور، كل ذلك حال دون اتباع الحق الذي نطق به الكتاب والسنة، ودلت عليه الفطرة، وأجمع عليه المسلمون الأولون من الصحابة والتابعين، وسبق أن ذكرنا قول الإمام الأوزاعي وهو يخبر ما كان يقوله أتباع التابعين ويعتقدونه إذ يقول: "كنا - والتابعون متوافرون- نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن ما وردت به السنة من الصفات"397. نقل هذا التصريح غير واحد من أهل العلم مثل الذهبي، والبيهقي، وأخيراً الإمام ابن تيمية في الحموية الكبرى، وهذا التصريح -كما ترى يعني إجماع التابعين، وهو مبني على إجماع الصحابة المستند إلى صريح الكتاب وصحيح السنة، وهو أقوى إجماع عرف -فيما أعلم- وقد ذكر الأوزاعي هذا الإجماع للرد على عقيدة الجهمية التي أخذت تظهر في عصر تابعي التابعين ليبين للناس أن ما يدعو إليه (جهم) وأتباعه مخالف لإجماع الصحابة والتابعين وأئمة تابعي التابعين. وبعد: فإن صفة استواء الله على عرشه، وصفة الكلام، وموضوع إثبات رؤية الله للمؤمنين يوم القيامة هذه المسائل التي كثر فيها اضطراب الأشاعرة وتناقضهم، ولذلك كثر حديث الأئمة وكلامهم فيها ومناقشتهم للأشاعرة بأساليب مختلفة، وجمعوا فيما ألفوا من الكتب في الرد عليهم أدلة عقلية ونقلية، فهذا الحافظ ابن القيم يناقش الأشاعرة، ويبطل دعواهم بأن معنى (استوى) في الآيات التي سبق أن سقناها بمعنى (استولى) أو مجاز عن الملك والسلطان، يبطل هذه الدعوى باثنين وأربعين وجهاً398. ويثبت بأن الفعل (استوى) في مثل سياق الآيات السبع المذكورة لا يكون إلا بمعنى (علا) و (ارتفع)، هذا ما يدل عليه اللفظ بالوضع، ويجب أن ينتهي إلى هنا علم العباد، وأما ما زاد على هذا القدر من محاولة إدراك حقيقة الصفة، أو اللجوء إلى التأويل، والخروج باللفظ عن ظاهره، أو دعوى التفويض والإعراض عن المعنى الظاهر للفظ، فكل ذلك تكلف، نهينا عنه، أو قول على الله بغير علم. وهو من جملة ما حرم الله على عباده حيث يقول تعالى: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}399، ويقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}400، والله المستعان.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أنواع , الحلف , السلف , الصفات , الإلهية , غنى

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 09:49 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd