الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > قسم خاص بالدروس و العقيدة و الفقه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2012-01-21, 22:46 رقم المشاركة : 6
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الصفة الثانية: صفة المعية والقرب إذا كنا قد انتهينا من الكلام على صفة استواء الله على عرشه كما يليق به دون حاجته إليه، ليحمله، بل هو الحامل سبحانه للعرش، وما دون العرش بقدرته سبحانه، بعد هذا كله أرى من المناسب جداً أن نتحدث عن معية الله تعالى، وقربه من عباده كما يليق به، لما نلاحظ من أن بعض الناس يتصورن – خطأ - صعوبة التوفيق بين استواء الله على عرشه وأنه فوق جميع مخلوقاته، وبين قربه من عباده وأنه معهم حيثما كانوا!! علماً بأنه قد وردت نصوص قرآنية، وأخرى من الأحاديث النوبية لتثبت المعية والقرب كما أثبتت صفة العلو والفوقية. وبتتبع النصوص المشار إليها، وتدبرها يتبين أن المعية تنقسم إلى قسمين: 1- معية عامة تثبت أحكامها لجميع الخلق بمعنى أن الله مع جميع ما خلق يعلم ما هم عليه، ولا تخفى عليه منهم خافية في الأرض، ولا في السماء، بل قد أحاط كل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً. ومن نصوص المعية العامة قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}401. 2- القسم الثاني: المعية الخاصة: وهذا القسم لخواص عباده تعالى الذين خصهم بالتوفيق فتحلوا بالتقوى، والإحسان والصبر وجميع الشمائل الكريمة، ومن أمثلة هذا القسم قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}402، وقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}403، ومن أوضح أمثلة هذا القسم تلك المعية العظيمة التي كان يخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه في الغار أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ويطمئنه بها إذ يقول له: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}404، ما أعظمها من معية وأعظم به من قرب، حيث يكون الله وحده صاحبهما في ذلك السفر، وخليفتهما في الأهل وهو معهما بنصره وتأييده وحفظه والدفاع عنهما، وهما في غاية العجز والضعف في تلك اللحظة الحاسمة، وهو مع من خلّفاهم في مكة بالحفظ والكلأ، وبالربط على قلوبهم حتى يأتي الله بالفرج، مهما طال الليل إذ لا يد من الصبح، هذه أحكام المعية الخاصة بالاختصار. والمعية لنوعيها لا تفيد المخالطة، والممازجة الذاتية لا شرعاً، ولا لغة بل تمنع ذلك باعتبار إضافتها إلى الله تعالى. أما لغة فإن لفظة (مع) لا تدل إلا على مطلق المصاحبة405 والمقارنة، وهذه المقارنة أو المصاحبة أعم من أن تكون بالذات أو بمعان أخر، وإن السياق والقرائن التي تحيط بالمقام هي التي تعين نوع تلك المصاحبة، فإذا وصف الله نفسه بالمعية في عديد من الآيات القرآنية وجاء ذكرها فيما صح عن رسوله عليه الصلاة والسلام فعلينا أن نؤمن بأن معيته سبحانه إنما هي معية علم واطلاع وإحاطة إن كانت عامة على ما تقدم من التفصيل، وتزيد عليها معنى الحفظ والنصر والتأييد إن كانت خاصة. ولا ينبغي أن نفهم منها أيّ معنى من المعاني التي لا تليق بالله تعالى، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه: "فكل من قال: إن الله بذاته في كل مكان، فهو مخالف للكتاب، والسنة وإجماع سلف هذه الأمة وأئمتها، مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده، ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة، وهؤلاء يقولون أقوالاً متناقضة"406 ا.هـ إذ لا يوجد نص صحيح وصريح من كاتب أو سنة يشير إشارة، ولو خفية إلى أن الله في كل مكان بذاته، بل النصوص تدل دلالة واضحة على خلاف ذلك، كما تقدم في غير موضع. وربما يفهم بعض الناس من كلام شيخ الإسلام407 حيث يقول: "إن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة" قد يفهم من هذا الكلام بأن ابن تيمية ممن يقول بأن الله تعالى بذاته معنا في الأرض، أو في كل مكان، وهو بعيد من مثل هذا الحلول رحمه الله. وكلامه الذي نقلناه آنفاً الذي يقول فيه: "فكل من قال: إن الله بذاته في كل مكان، فهو مخالف للكتاب والسنة"... الخ يمكن أن يصحح هذا المفهوم الخاطئ، ويرد هذا الاتهام، والحقيقة التي يعنيها شيخ الإسلام هي الحقيقة التي يتصورها كل من فهم معنى كلمة (مع) وفهم أحكامها، لأن أحكامها يختلف باختلاف الموارد، وسبق أن مثلنا لذلك عند تقسيم المعية إلى العامة والخاصة. شبهة القائلين بأنه في كل مكان بذاته إذ برأنا ساحة ابن تيمية من القول بأن الله في كل مكان بذاته، حيث شرحنا كلامه بكلامه، ينبغي أن نعرف ما هي الشبهة التي أوقعت بعض الناس في هذا الاعتقاد؟!! بعد البحث ما وسعنا البحث في هذه النقطة لم نجد لهم متمسكاً إلا التعلق ببعض العمومات في بعض النصوص التي ذكر المعية أو ذكر القرب، وهي التي تقدم ذكر بعضها، وسيأتي ذكر البعض الآخر، لأنهم لم يفهموا المراد منها، ومراد المتكلم - كما يقول شيخ الإسلام - إنما يفهم بتفهيم من المتكلم نفسه، وبتصريح منه بأنه أراد بكلامه كذا وكذا إن كان في كلامه إجمال وإبهام، أو يحف كلامه بقرائن تعين مراده من كلامه، وليس في كتاب الله أو في سنة رسول الله إبهام يصل بالقارئ والمطلع إلى درجة الحيرة والوقوع في الاعتقاد الفاسد، إذا حالفه التوفيق من الله فجمع بين النصوص بالطرق المعروفة عند أهل العلم. أما في هذه المسألة فإن الجمع والتوفيق بين نصوص الفوقية والعلو وبين نصوص المعية والقرب، ففي غاية الوضوح لمن وفق لفهم نصوص المسألة، وملخصه كالآتي: أ- إن الله تعالى أخبرنا بأنه فوق خلقه مستو على عرشه وهو في العلو لا في السفل، أخبرنا عن ذلك بأساليب مختلفة ومتنوعة في كتابه وفيما أوحاه إلى رسوله وأمينه على وحيه: 1- مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}408. 2- {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}409. 3- {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}410. 4- {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}411. 5- {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}412. هذه آيات من القرآن الكريم أما من السنة فمنها ما يلي: 1- "إن الله كتب في كتاب وهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي - أو غلبت غضبي"413. 2- وفي آخر حديث الأوعال: "الله فوق العرش وعلمه في كل مكان"، وفي لفظ: "ولا يخفى ما أنتم عليه"414. 3- حديث الإسراء والمعراج بكامله415، وفيه نقاط تعتبر نصاً في الموضوع منها نقطة تتحدث عن لحظة فرض الصلوات الخمسين حيث خاطبه ربه سبحانه وأسمعه كلامه دون واسطة جبرائيل، ومنها تردده بين موسى وبين ربه سبحانه وهو يشفع لأمته في تخفيف عدد الصلوات المفروضة لتخفض من خمسين إلى خمس من حيث العدد، وهناك نصوص أخرى في هذا المعنى. وهذه الآيات وتلك الأحاديث وما في معناها من نصوص كثيرة، وآثار، وأقوال السلف مستنبطة من النصوص لا تعتبر نصاً لا يقبل الجدل في أن الله تعالى فوق سماواته مستوٍ على عرشه كما يليق به، فاستواؤه معلوم المعنى من هذه النصوص، وكيفية استوائه مجهولة، ولكن الإيمان بذلك الاستواء واجب، والبحث والتنقيب عن الكيفية بدعة. فلا ينبغي أن يشك مسلم في ذلك. وقد تقدم البحث مستوفى في صفة استواء الله تعالى، وتقدم قول الإمام مالك الذي أشرنا إليه هاهنا. ب- إذا ثبت - دون شك - من هذه الأدلة أن الله تعالى فوق سماواته مستو على عرشه (بذاته) بائن من خلقه، ثم وردتنا نصوص تثبت أنه تعالى مع جميع خلقه، لا يخفى عليه شيء من أمورهم وشئونهم. وخص خواص عباده بأنه معهم في ظروف خاصة تتطلب النصر والتأييد والحفظ والكلاء، والدفاع عنهم حتى ينتصروا، وينتصر بهم دين الله وشريعته، إذا ثبت ذلك لا يفهم من مجموع هذه النصوص إلا أن الله لا يزال ولم يزال أبداً في علوه وفوقيته سبحانه، وهو مع ذلك لا يزال معهم في كل لحظة إما بالمعية العامة، وإما بالمعية الخاصة في ضوء البيان الذي تقدم، وبهذا وحده تجتمع النصوص وتفهم وتطمئن النفوس إلى معاني تلك النصوص التي إذا لم تجمع بمثل هذا الجمع أوهمت الغِرَّ الساذج أنها في غاية من التضارب والاصطدام، ويقف موقف المتفرج الجبان، ولسان حاله يقول: اللهم سلم سلم. وفي واقع الأمر ليس هناك إلا السلامة لو كان يفقه. وأما نصوص المعية والقرب التي يتعلقون بعمومها كما تقدم، والتي يحاولون أن يفهموا منها بأن الله في كل مكان بذاته - وهي لا تدل على ذلك، لو فهموها حق فهمها- وتلك النصوص هي: 1- {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}416. 2- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}417. والمعية في الآيتين معية عامة -كما تقدم- فآية سورة الحديد يخبر الله فيها بأنه سبحانه عالم بكل ما يجري في العالم السفلي والعلوي بالتفصيل، وهو مع عباده أينما كانوا لأنه بصير بجميع أعمالهم خبير بها، فذِكْرُ العلم في أول الآية قبل ذكر المعية ثم تذييل الآية بأنه بصير بأعمالهم قرينة واضحة بأن المراد بالمعية معية العلم والإحاطة، أما قرينة آية سورة المجادلة فإنها أقوى وأصرح، حيث بدأت الآية الحديث بالعلم، وختمت بالعلم أيضاً. وإذا أمعنا النظر في أحكام المعية في الآيتين الكريمتين، وأضفنا إليهما النصوص التي جاء فيها ذكر قرب الله تعالى من بعض عباده في كتابه، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام نستطيع أن نفهم منها ما فهمنا من الآيتين السابقتين، لأن القرينة المذكورة هناك سوف تجري في بقية النصوص التي فيها ذكر المعية أو القرب إن جاءت خالية من القرينة، فيضاف إلى ذلك إخبار الله عن نفسه بأنه فوق سماواته، وقد تقدم ذلك قريباً، مع ما فطر الله عليه عباده من أنه تعالى يدعى من فوق، لا من أسفل، بل يعتبر هذا علماً ضرورياً لا يمكن تجاهله إلا لمن أنكر نداء فطرته، متأثراً بعلم الكلام وفلسفة الفلاسفة، فبهذا الجمع والتوفيق بين نصوص العلو، وبين نصوص المعية تلتئم النصوص، وتنسجم، وتفسر بعضها بعضاً، لا تتنافر ولا تتضارب، ولله الحمد والمنة. قال الحافظ ابن القيم -في صدد حديثه عن المعية والقرب: (وهذا القرب لا ينافي مباينة الله لخلقه واستوائه على عرشه بل يلازمه، فإنه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولكنه نوع آخر418 اهـ. وهذا المعنى هو الذي نحن بصدد تقريره بتوفيق الله. قال الحافظ ابن عبد البر - وهو يناقش نفاة العلو-: "وأما احتجاجهم بقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}419، فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله"420. وهذا الكلام من ابن عبد البر لا يعني إلا الإجماع، وإذا أضفناه إلى ما تقدم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وكلام تلميذه ابن القيم، وكلام من نقلنا كلامهم من الأئمة والعلماء، إن مجموع ذلك يفيد ضرورة أن هذا المفهوم هو المفهوم الوحيد الذي كان عليه المسلمون الأولون قبل أن تظهر فرق أهل الكلام التي فرقت المسلمين بآرائها وفلسفتها، ولقد كان المسلمون في عافية من شرهم. وقبل نهاية حديثنا عن المعية والقرب نحن أن ننوه بفائدة تتعلق بهذه المسألة العظيمة. ذكر الله تعالى قربه من بعض عباده في حالتين اثنتين فقط: الأولى: ذكر في معرض إجابة دعاء من دعاه حيث يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}421، ومعنى القرب هنا واضح، وهو قرب إجابة من دعاه، إذ هو معه، قريب منه، يرى مكانه، ويسمع دعاءه، ويعلم ما يريد العبد أن يقوله قبل أن يقوله لأنه هو الذي وفقه ليدعوه، ثم هو الذي يجيب دعاءه، فهذا قربه من داعيه. يقول بعض أهل العلم: إن الآية المذكورة نزلت جواباً للصحابة رضي الله عنهم حين سألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام قائلين: "ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه"؟ فأنزل الله هذه الآية. الثانية: ذكر القرب في إثابة عابديه، والمتقربين إليه بالأعمال الصالحة، وذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد"422، وقال عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر"423. وورد في صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام في سفر، فارتفعت أصواتنا بالتكبير، فقال: "يا أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"424. هكذا ينتهي الحديث عن المعية والقرب معاً بهد التوفيق بينهما، وبين علو الله تعالى على خلقه، لنثبت بأنه تعالى مع عباده، وقريب منهم وهو في علوه، والعلو وصف ذاتي له سبحانه، دائماً وأبداً.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
قديم 2012-01-21, 22:53 رقم المشاركة : 7
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الصفة الثالثة: صفة النـزول: هذه الصفة من صفات الأفعال التي كثر فيها النـزاع بين السلف والخلف، كاختلافهم في جميع الأفعال عامة، والأفعال اللازمة خاصة. مثل الاستواء والمجيء والإتيان. والقول الحق المؤيد بالأدلة هو الذي عليه سلف الأمة من أن الله تعالى تقوم به هذه الأفعال فيكون النـزول فعلاً فَعَلَه سبحانه وكذلك مجيئه وسائر أفعاله. يقول الإمام ابن تيمية في تأييد هذا القول: "وهذا قول السلف قاطبة وجماهير الطوائف"425 اهـ. وذلك لأنهم يأخذون النصوص على ما وردت دون أن يفرقوا بين ما جمع الله من الصفات والأسماء والأفعال، وأما الخلف فموقفهم مضطرب جداً في هذه الصفة كغيرها من صفات الأفعال منهم من ينكر النـزول إنكاراً فيقول: ما ثم نزول أصلاً. ومنهم من يقول: إنه ينـزل نزولاً بحيث يخلو منه العرش، وهذا يعني أن القوم يحاولون إدراك الكيفية وإلا فالإنكار السافر أو التشبيه، وهو موقف خطير على إيمان المرء. قال الإمام ابن تيمية: "إن أبا بكر الإسماعيلي كتب إلى أهل "جيلان" إن الله ينـزل إلى سماء الدنيا على ما صح به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ}426، وقال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}427، نؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف، ولو شاء الله سبحانه أن يعين ذلك فعل. فانتهينا إلى ما أحكمه. وكففنا عن الذي يتشابه، ثم تلا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ}"428 الآية. وقال عبد الرحمن بن منده بإسناده عن حرب بن إسماعيل، قال: "سألت إسحاق بن إبراهيم قلت: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ينـزل الله إلى السماء الدنيا؟" قال: نعم، ينـزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا، كما شاء، وكيف شاء. وقال عن حرب: "لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين، لقوله تعالى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}"429. وروى أيضاً عن حرب قال: "هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الحديث والأثر، وأهل السنة المعروفين بها، وهو مذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، والحميدي وغيرهم، كان قولهم: إن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، وكما شاء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}430. وقال حماد بن زيد: "إن الله على عرشه، ولكن يقرب من خلقه، كيف شاء"، قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فضيل بن عياض يقول: "إذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء"، وروي مثل ذلك عن الأوزاعي وغيره من السلف أنهم قالوا في حديث النزول: يفعل الله ما يشاء. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: والأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات نزول الرب431 يوم القيامة كثيرة، وكذلك إتيانه لأهل الجنة كيوم الجمعة432اهـ. وهذه الأحاديث التي يحتج بها السلف جاءت موافقة للقرآن، وهذا ما احتج به الإمام إسحاق بن إبراهيم بن راهويه على بعض الجهمية بحضرة الأمير عبد الله بن طاهر أمير خراسان، وذلك حين سئل إسحاق، سأله رجل في مجلس الأمير عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال إسحاق: نعم، قال السائل: كيف ينزل؟!! قال إسحاق أثبته فوق، حتى أصف لك النـزول، فقل له الرجل: أثبته فوق، فقال إسحاق: قال الله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}433، فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب! أهذا يوم القيامة، قال إسحاق: أعز الله الأمير ومن يأتي يوم القيامة فمن يمنعه اليوم...؟ وأما السؤال: فهل نزل يخلو عنه العرش أم لا؟ إن المفروض عدم ورود هذا السؤال، وهي مسألة قد خاض فيها الناس بل حتى بعض السلفيين المعاصرين، وقد كان الواجب الإمساك عن الخوض في هذه النقطة التي سكت عنها السلف. يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة: "إن الصواب المأثور عن سلف الأمة وأئمتها أن الله سبحانه لا يزال فوق العرش، ولا يخلو منه العرش مع دنوه ونزوله إلى السماء الدنيا، ولا يكون العرش فوقه، وكذلك يوم القيامة كما جاء في الكتاب والسنة، وليس نـزوله كنـزول أجسام بني آدم من السطح إلى الأرض، بحيث يبقى السقف فوقهم"434، بل الله منزه عن ذلك، فالله سبحانه وتعالى قريب في عُلُوّه وعليُّ في قربه، وهو مع جميع مخلوقاته بعلمه واطلاعه على تفاصيل أحوالهم، وهو مع الصابرين والمحسنين والمتقين من عباده بالكلأ والحفظ والنصر {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. إذاً فإن السلف انطلاقاً من إيمانهم بتلك الأحاديث التي أشرنا إليها والتي يأتي الكلام عليها - إن شاء الله - إنهم يثبتون نزول الرب سبحانه إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، كما يليق بجلاله وعظمته، ويثبتون المعنى العام للنزول دون الخوض والتنقيب عن الكيفية إيماناً منهم بأن معرفة كيفية الصفة متوقفة على معرفة كيفية الموصوف، فحيث آمنا بالله إيمان تسليم دون بحث عن كنه ذاته سبحانه، فيجب الإيمان بجميع الصفات التي أثبتها لنفسه، أو أثبتها له رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، وصفة النـزول إلى سماء الدنيا من الصفات التي أخبر عنها الرسول، ويشهد له القرآن حيث أخبر الرب سبحانه عن مجيئه يوم القيامة كما تقدم435. فنستطيع أن نقول: إن النـزول ثابت بالكتاب والسنة، ولولا هذه النقول لكففنا عن إثباتها. هذا هو الذي نعني بأنها خبرية محضة، إلا أن العقل الصريح والفطرة السليمة لا يرفضان كل ما ثبت بالنقل الصحيح، ولا يعدانه مستحيلاً، كما يزعم بعض الزاعمين، لأن العقل يشهد أن الذي يفعل ما يشاء أن يفعل مثل النزول والاستواء والمجيء مثلاً، والقادر على كل شيء أكمل من الذي لا يفعل كل ما يريد فعله لأنه {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}436، هكذا بصيغة "فعال" وهي تدل على كثرة الفعل، وقد يفهم من الكثرة التنوع، والله أعلم. هكذا يجتمع العقل والنقل على الدلالة على صفات الأفعال بما في ذلك نزول الرب سبحانه إلى السماء الدنيا كيف يشاء، ولله الحمد والمنة. ذكر بعض الأحاديث الواردة في هذا الباب: وقد وردت في إثبات صفة النـزول أحاديث كثيرة، وصفها الإمام ابن تيمية بالتواتر، وذكر الحافظ ابن عبد البر بأنها منقوله عن طريق متواتر ووجوه كثيرة من أخبار العدول، وللإمام الذهبي كلام يؤيد ما قاله الإمامان ابن تيمية، وابن عبد البر رحمهم الله، إذ يقول: "وقد ألفت أحاديث النـزول في جزء، وذلك متواتر أقطع به"437 ومن هذه الأحاديث المشار إليها: 1- حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام: "ينـزل ربنا عز وجل كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول". وفي رواية: "حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك".438 قال الذهبي: رواه أحمد، وإسناده قوي اهـ. 2- حديث أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "ينـزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له"439. قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: "هذا حديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته، رواه أكثر الرواة عن مالك... إلى أن قال: وفيه دليل على أن الله في السماء على عرشه، من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان، وليس على العرش، والدليل على صحة ما قالوه440 أهل الحق في ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}"441، ثم ساق عدة آيات في هذا المعنى، وهي التي سبق ذكرها. وقد ناقش الحافظ ابن عبد البر مسألة الاستواء على العرش، ومسألة النزول وربط بينهما، ونقل نقولاً مثبتة وأخرى نافية، ومن أغرب تلك النقول ما نقله عن وكيع أنه كان يقول: كفر بشر بن المريسي442 في صفته هذه، قال: هو في كل شيء، قيل له: وفي قلنسوتك هذه؟ قال: نعم، قيل له: وفي جوف حمارك؟ قال: نعم، وقال عبد الله بن المبارك: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية443. قلت: وقد صدق، ولا يشك في صحة قول ابن المبارك وصدقه من سمع كلام بشر السابق آنفاً ذلك الكلام الذي يقشعر جلد المرء عند النطق به، ويقف شعره، الحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به بشراً وأمثاله. ثم قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "وأما قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: "ينـزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا" فقد أكثر الناس في التنازع فيه، والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويصدقون بهذا الحديث، ولا يكيفون، والقول في كيفية النـزول، كالقول في كيفية الاستواء والمجيء، والحجة في ذلك واحدة، وقد قال قوم من أهل الأثر أيضاً: إنه ينزل أمره وتنزل رحمته، وروى ذلك عن حبيب كاتب مالك. وغيره. وأنكره منهم آخرون، وقالوا: هذا ليس بشيء، لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبداً في الليل والنهار، وتعالى الملك الجبار الذي إذا أراد أمراً قال له: كن فيكون في أي وقت شاء"444اهـ. قلت: حبيب بن أبي حبيب هذا الذي روي عنه الأثر السابق هو أبو محمد المصري متروك، كذبه أحمد وأبو داود وجماعة، توفي سنة 216هـ445. وهذا التأويل الذي يتوارثه النفاة فيما بينهم في معنى النـزول قد ناقشه الإمام ابن تيمية في كتابه الفريد في بابه "شرح حديث النزول" وأبطله من عدة وجوه، ومن ذلك أن سياق الحديث يأبى ذلك التأويل، فإن قوله تعالى: "أنا الملك" إلى آخر الحديث صريح في أن الله هو الذي ينزل كيف يشاء، ومما ذكره شيخ الإسلام حول هذا المعنى أنه قال: "وقد سئل بعض نفاة العلو عن النـزول فقال: ينزل أمره - فقال له السائل: فممن ينزل؟!! إن عندك فوق العالم شيء فممن ينـزل الأمر؟ من العدم المحض؟ فبهت"446 اهـ. ويكون معنى الكلام إذا كنت لا تؤمن بأن الله في العلو، فكيف تزعم بأن الأمر ينـزل. فممن ينزل الأمر، فإن الله ليس فوق العالم في زعمك؟ وهو سؤال مفحم كما ترى، ولذلك بهت الذي نفى العلو، ثم زعم نزول الأمر، لأن النزول لا يكون في اللغة إلا من فوق، وهذا السؤال يمكن أن يوجه أيضاً إلى القائلين بأنه تعالى ليس فوق العرش، ولا تحت العرش، ولا يمين العرش، ولا يساره، وهذا الوصف لا ينطبق إلا على العدم، فيكون وجود الرب تعالى عند هؤلاء وجوداً ذهنياً ولا وجود له في الخارج كما لا يخفى، فإذاً ممن ينزل الأمر أو ممن تنزل الرحمة، والحالة ما ذكر؟!! وقال الحافظ ابن القيم: "إن نزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا قد تواترت الأخبار به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواها عنه نحو 28 نفساً من الصحابة، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يبلغه في كل موطن ومجمع447 اهـ. ثم سرد أحاديث الصحابة ابتداء من حديث أبي بكر ثم علي إلى آخر العدد المذكور مع الشرح والتعليق. وقال محمد بن جرير الطبري - بعد كلام طويل حول نصوص الصفات: "وأهل العلم بالكتاب والآثار من السلف والخلف يثبتون جميع ذلك، ويؤمنون به بلا كيف ولا توهم. ويمرون الأحاديث الصحيحة كما جاءت من رسول الله عليه الصلاة والسلام"448 اهـ. قلت: بما في ذلك صفة النزول. قال الحافظ ابن القيم: اختلف أهل السنة في نزول الرب تعالى على ثلاثة أقوال: 1- أحدها: أنه ينزل بذاته، قال شيخنا: وهذا قول طوائف من أهل الحديث والسنة والصوفية والمتكلمين. 2- وقالت طائفة منهم: لا ينزل بذاته. 3- وقالت طائفة أخرى: نقول: ينزل، ولا نقول بذاته، ولا بغير ذاته، بل نطلق اللفظ كما أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم ونسكت عما سكت عنه449 اهـ. وهذا ما يفهم من قول الإمام الأوزاعي وحماد بن زيد وإسحاق بن راهويه، وقد سبق نقل أقوالهم، وقد سئل الإمام أحمد فقال السائل: يا أبا عبد الله أينزل إلى السماء الدنيا؟ قال: نعم، ثم قال السائل: نزوله بعلمه أم ماذا ؟!! فقال الإمام: "اسكت عن هذا" فغضب غضباً شديداًَ ثم قال: امض الحديث على ما روي450 اهـ. وموقف الإمام أحمد هنا شبيه بموقف الإمام مالك بن أنس في مسألة الاستواء، وهو موقف معروف رحمهما الله تعالى، بل هذا موقف أئمة السلف قاطبة في جميع صفات الله تعالى لأن المعروف عنهم أنهم لا يتجاوزن الكتاب والسنة في جميع المطالب الإلهية. ومما يشهد لما ذكرنا ما قاله الحافظ ابن القيم بعد ذكر أقسام الناس في مسألة الانتقال والحركة - وأما الذين أمسكوا عن الأمرين فقالوا: لا نقول يتحرك وينتقل ولا ننفي ذلك عنه، فهم أسعد بالصواب والاتباع، فإنهم نطقوا بما نطق به النص، وسكتوا عما سكت عنه، ثم قال رحمه الله: تظهر صحة هذه الطريقة ظهوراً تاماً فيما إذا كانت الألفاظ التي سكت عنها مجملة محتملة لمعنيين: صحيح وفاسد، مثل لفظ الجسم والحيز والأعراض، ونحو ذلك من الألفاظ التي تحتها حق وباطل، قبل التفصيل، فهذه لا تقبل مطلقاً، ولا ترد مطلقاً لأنها لم يرد إثباتها ولا نفيها451 اهـ. والذي يظهر لي أن لفظ الحركة والانتقال من الألفاظ التي يجب عدم إطلاقها لا نفياً ولا إثباتاً، فيسعنا ما وسع السلف فيها وفي غيرها، وذلك أسلم، والله أعلم. ومن أقوال هؤلاء الأئمة ومواقفهم يتضح جلياً موقف السلف الصالح من هذه الصفة وغيرها من جميع الصفات الإلهية، وهو الاكتفاء بفهم المعاني العامة للصفات، والإمساك عن الخوض فيما وراء ذلك، فهم لا يبالغون في الإثبات إلى حد التشبيه والتجسيم كما لا يبالغون في النفي إلى حد التعطيل، بل يقفون مع ظاهر النصوص، ولا يتجاوزونها، وبالله التوفيق. وأما موقف الخلف هنا كموقفهم في جميع الصفات على ما تقدم تفصيله من وجوب التأويل وعدم اعتقاد ظاهر النصوص، أما النزول فقد أولوه بنزول الملائكة تارة، وبنزول الأمر تارة أخرى، وقد سبق أن ناقشنا غير مرة، وبيّنا أنه يؤدي إلى القول على الله بغير علم، مع بعده عما كان عليه المسلمون الأولون من الصحابة والتابعين. وهم الناس الذي يقتدي بهم في هذا الباب وغيره، ومخالفتهم تعتبر اتباع غير سبيل المؤمنين، وهو أمر في غاية الخطورة، كما لا يخفى. وختاماً نقول قول الإمام مالك في صفة الاستواء: "النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، رحم الله سلفنا ما أقل كلامهم، وما أغزر معناه. الصفة الرابعة: صفة مجيء الله تعالى يوم القيامة: وإذا كنا قد تحدثنا عن استواء الله على عرشه كما يليق به سبحانه، ثم أتبعنا ذلك بالحديث عن معية الله تعالى العامة مع خلقه، بعلمه واطلاعه والخاصة مع خاصة عباده بعلمه، وبنصره وتأييده، ثم أثبتنا نزوله سبحانه إلى سماء الدنيا كل ليلة على ما يليق بعظمته وجلاله رحمة لعباده، يجيب دعوة الداعين، ويعطي السائلين. وبعد الحديث عن هذه الصفات الثلاث فلنتبع ذلك بحديث موجز عن مجيء الرب تعالى يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده في ضوء الكتاب والسنة دون أن نتجاوزهما، لأنهما نورنا الذي نستضيء به في عملنا هذا، فإتيان الله تعالى يوم القيامة ثبت بآيات من الكتاب العزيز، وبأحاديث نبوية صحيحة تلقاها علماء السلف بالقبول، ونقلوها إلى من بعدهم كما فهموها، ودرج على الإيمان بها من بعدهم وإقرارها، وإمرارها كما جاءت، وكما تلقوها. وهم خير القرون، بل هم الناس الذين يسألون عن فهمهم للنصوص كيف فهموها، وكيف عملوا بها، ليقتدى بهم، ولا سيما باب الأسماء والصفات، فالخير والهدى والاطمئنان في اتباعهم، والتأسي بهم، والشر والضلال والاضطراب وعدم اليقين في الدين محقق في مخالفتهم واتباع غير سبيلهم. فعلى هذا المفهوم نتحدث عن هذه الصفة كما تحدثنا عن غيرها على المفهوم نفسه، وبالله التوفيق. الآيات في صفة المجيء: جاءت في كتاب الله عدة آيات تخبرنا عن مجيء الله يوم القيامة ليفصل بين عباده وليحكم بينهم، ومن تلك الآيات قوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}452، وقوله سبحانه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ}453، وقوله سبحانه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}454. ومن التقاليد الموروثة لدى كثير من المفسرين الذين ينهجون منهج الخلف أن يفسروا "المجيء" المذكور في سورة الفجر {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، بمجيء أمر الله سبحانه - وقبل أن أواصل الحديث على هذه النقطة وما بعدها أريد أن أسأل أصحاب هذا الرأي: من أين يأتي أمر الله؟! فلا بد أن يكون الجواب: يأتي أمر الله من عند الله، فهو جواب لا بأس به. وبقي سؤال آخر: أين الله؟ الذي يأتي الأمر من عنده؟ هنا يضطرب النفاة، فأول ما يفعله النفاة من مثل هذا الموقف أن يقولوا: لا يسأل عن الله بأين؟ هكذا يفهمون!! وبذلك يبرهنون على بعدهم عن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أول من سأل عن الله بأين ليختبر إيمان تلك الجارية التي يريد مولاها أن يعتقها لو كانت مؤمنة. والقصة معروفة لدى طلاب العلم. أعود إلى السياق لأقول: إذا كان النفاة لا يثبتون علو الله على خلقه، فلا معنى لقولهم: "جاء أمر ربك"!! لأنهم لا يدرون من أين يأتي الأمر؟ اللهم إلا إذا زعموا أن الأمر يأتي من كل مكان. ولا نعلم أحداً قال بهذا القول!! وعلى كل حال، فإنهم إن عالجوا هذه الآية بهذا التهرب عن الحقيقة، ثم عالجوا آية سورة البقرة بالأسلوب ذاته، فما يصنعون بقوله تعالى في سورة الأنعام {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}!!. أما المفسرون الذين ينهجون منهج السلف الذين يفسرون القرآن تفسيراً لغوياً وأثرياً فيطبقون على أن معنى الآية هكذا. هل ينتظر هؤلاء الذين يعدلون بربهم الأوثان والأصنام ويكفرون بلقاء الله، وجزائه، إلا أن تأتيهم الملائكة بالموت فتقبض أرواحهم، أو أن يأتيهم ربك "يا محمد" يوم القيامة بين خلقه أو أن يأتيهم بعض آيات ربك، من أظهرها طلوع الشمس من مغربها455. هذا قول شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري مع التصرف في العبارة، ثم نقل ابن جرير تفاسير بعض الصحابة والتابعين، ثم سرد عدداً من الأحاديث المرفوعة والموقوفة تأييداً لتفسيره. ثم إنني تتبعت أقوال المفسرين عند غير ابن جرير فلا يكادون يختلفون. وقد نقل الإمام الشوكاني في تفسيره عند الآية المذكورة456 تفاسير كبار المفسرين مثل مقاتل، وابن مسعود، وحديثاً موقوفاً عن أبي سعيد457 الخدري في تفسير الآية، في معنى مجيء الملائكة، ومجيء الله تعالى، ومجيء بعض آياته دون أدنى اختلاف إلا ما كان في العبارة والأسلوب لأنهم يستقون جميعاً من معين واحد، وهو "الوحي" الذي يستوحون منه مراد الله من كلامه سبحانه، ثم يستوضحون ما أشكل عليهم من سنة نبيهم، فلا يقولون على الله بغير علم. وبعد: فليس لدى النفاة - فيما أحسب- جواب بالنسبة لهذه الآية ما لم يركبوا رؤوسهم، إذ لم يبق هناك من يضيفون إليه المجيء لأن الآية قطعت عليهم خط الرجعة -كما يقولون- حيث ذكرت مجيء الملائكة لقبض الأرواح، ثم ذكرت مجيء الرب سبحانه للحساب والقضاء ثم ذكرت مجيء أمر الله تعالى بأمره سبحانه، فأين يذهبون؟!! وماذا يصنعون؟ ولعلهم يَسألون فيقلون: إذا قلتم: ينـزل الرب، ويجيء يوم القيامة، فهل معنى ذلك أن هذا المجيء مجيء بانتقال؟ وهل يخلو منه العرش عندئذ؟ الجواب: هذا نوع من الخوض الذي ناقشناه في صفة النزول، فخرجنا منه بالقول بأن أسعد الناس بالدليل هم الممسكون عن القول بانتقال أو عدم انتقال، والممسكون عن القول بخلو العرش، أو عدم خلوه، لأنهم سكتوا عما سكت عنه الكتاب والسنة. هذا ملخص ما قلناه هناك، وبه نقول هنا، ونزيد أن محاولة معرفة هذه النقطة فيها محاولة الإحاطة بالله علماً، وذلك مستحيل شرعاً وعقلاً. إنما الواقع أن الله هو الذي يحيط خلقه بعلمه، أما هو سبحانه يُعْلَم ولا يحاط به علماً، {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}، ولا يحيطون بذاته ولا بصفاته ولا بأفعاله علماً، فالنزول والمجيء من أفعال ربنا تعالى فينتهي علمنا فيهما وفي غيرهما من أفعال ربنا بمعرفة المعنى العام وكفى. هذا هو مسلك سلفنا الصالح، فيسعنا ما وسعهم. فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف ومما يؤمن به أهل السنة والجماعة أن الله تعالى يُحدثُ من أمره ما يشاء، ومما يحدثه في نهاية المطاف لهذه الدار أن يأمر الشمس أن تطلع من مغربها بدل مشرقها، إعلاناً لنهاية هذه الحياة، من هنا يغلق باب التوبة، ولا يقبل إيمان أو عمل صالح ممن يريد أن يؤمن، أو يعمل صالحاً بعد هذا الطلوع الغريب. ثم إذا جمع الله الأولين والآخرين يأتي يوم القيامة ليحاسب عباده {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}458، هناك يتميز المؤمن الصادق الذي كان يعمل بصدق ويقين {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ}459، فيأتي الرب تعالى فيعرفه المؤمنون بعلامته الخاصة فيسجدون له سبحانه سجود تعظيم وشكر في آن واحد، فيحاول المراؤون أن يتظاهروا كعادتهم بالسجود الأجوف، ولكن الله يفضحهم حيث تصبح ظهورهم. طبقاً فلا يستطيعون السجود بل يسقطون على ظهورهم. هكذا يأتي الله ويحاسب عباده ويفصل بينهم، وسيأتي مزيد بحث لهذه النقطة عند الكلام على الرؤية إن شاء الله تعالى في نهاية الكلام على الصفات المختارة، والله ولي التوفيق.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
قديم 2012-01-21, 23:01 رقم المشاركة : 8
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الصفة الخامسة: صفة الكلام: هذه الصفة من الصفات التي ضل فيها كثير من الناس عن الصواب، وهي من هذه الناحية تشبه صفة "الاستواء"، بل تفرق الناس فيها أكثر من تفرقهم في صفة "الاستواء"، إذ تفرق الناس فيها إلى تسع فرق كلها تائهة عن الجادة إلا واحدة، وهي التي تمسكت بما كان عليه سلف هذه الأمة وخيرها، وأمسكت عن الخوض تأدباً مع نصوص الكتاب والسنة، وإيماناً منها بتلك النصوص المتضافرة والأدلة المتنوعة التي سوف تمر بنا إن شاء الله قريباً، وللإمام الطحاوي عبارة لطيفة في هذا المعنى إذ يقول: ولما أوعد الله بسقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}460، علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر"461 اهـ. وصفة الكلام - عند التحقيق- صفة ذاتية قديمة قائمة بذاته تعالى باعتبار نوع الكلام، وهي صفة فعل تتعلق بها مشيئة الله تعالى باعتبار أفراد الكلام، لأن الكلام الذي خاطب الله به نوحاً عليه السلام في شأن ابنه: {إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}462، غير الكلام الذي خاطب به موسى عليه السلام: {أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}463، وهو غير الكلام الذي خاطب به عيسى عليه السلام: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ}464، وهذا الكلام كله غير الكلام الذي خاطب الله به خاتم رسله، وإمامهم محمداً عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج في شأن الصلاة "لقد خففت عن عبادي، وأمضيت فريضتي"465. وهذا كله غير القرآن الذي أنزله عليه وختم به كتبه، هذا المعنى، وهذا الفهم هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة. وهم الفرقة الناجية التي تمسكت بما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام فيما نعتقد، وهذا يعني أنهم يثبتون لله كلاماً حقيقياً يسمعه المخاطب، وأن هذا القرآن الذي نقرأه بألسنتنا، ونحفظه في صدورنا ونكتبه في ألواحنا وكتبنا أنه كلام الله حقيقة لفظه ومعناه، ولا يبحثون عن كيفية تكلمه تعالى به، لأننا نؤمن به، ولا نحيط به علماً، هذا هو موقف السلف من صفة الكلام بإيجاز، لعلمهم بأن الوصف بالتكلم من أوصاف الكمال، وضده من أوصاف النقص، ولا يختلف العقلاء في ذلك، وكلنا نعلم أن معبود قوم موسى الذي اتخذوه من حليهم مما عيب عليه عدم الكلام، بل يستدل بذلك على أنه ليس بإله، إذ يقول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً}466. 1- ومن أقوى الأدلة على أن الله يتكلم حقيقة، قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}467، حيث أكد الكلام بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمعنى المجازي، وهو أسلوب معروف عند أهل اللغة، فمن قال: قتلت العدو قتلاً لا يفهم من كلامه إلا القتل الحقيقي الذي هو إزهاق الروح، بخلاف ما لو قال: قتلت العدو فسكت، فإنه يحتمل القتل الحقيقي، ويحتمل الضرب الشديد المؤلم جداً، ولعله واضح. ومما يحكى في هذا الصدد أن بعض المعتزلة قال لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة: أريد أن تقرأ {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} بنصب لفظ الجلالة، ليكون موسى هو المتكلم، لا "الله"!! فقال له أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا، فكيف تصنع بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}468 !! فبهت المعتزلي!! 2- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ}469، فأنت ترى أن الله عاقبهم وأهانهم بترك تكليمهم تكليم إكرام وإنعام، ولكنه سبحانه يكلمهم ويوبخهم بقوله: {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}470. 3- قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ}471. أما هذه الآية فمن أقوى الأدلة في أن هذا القرآن المقروء والمسموع كلام الله حقيقة، وهي رد مفحم لأولئك الذي يزعمون أن هذا القرآن ليس بكلام الله حقيقة، وإنما هو دال على كلام الله الحقيقي النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت، أو هو عبارة عنه، يا ليت شعري من الذي عبر عما في نفس الله؟!! هذه عبارات تقليدية وموروثة يرددها المقلدون، وهم لا يفقهون ماذا تعني هذه العبارة؟!! وهي تعني - فيما تعني- الاستخفاف بالقرآن الكريم، وعدم احترامه الاحترام الذاتي، وإنما يحترم بواسطة غيره، وهو ذلك الكلام النفسي الذي يدل عليه. وهذا المعنى مصرح به في بعض كتبهم، وهم يضمرونه في أنفسهم، ولا يصرحون به في كل مكان إلا في مقام التعليم لبيان الواقع -كما يزعمون- هكذا يسيئون إلى كلام الله تأثراً بآراء أهل الكلام المذموم الذي يرجع سنده إلى ما وراء الإسلام، وهو دخيل على الإسلام، وليس من علوم المسلمين كما تقدم في أوائل الرسالة. هذه بعض آيات القرآن التي تدل على أن الله موصوف بصفة الكلام، ومنه القرآن، وهناك أحاديث في هذا المعنى منها: 1- قوله تعالى لأهل الجنة: "يا أهل الجنة هل رضيتم" الحديث، وهو حديث صحيح عن أبي سعيد الخدري. 2- قال مسروق عن ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئاً فإذا فُزّع472 عن قلوبهم، وسكت الصوت عرفوا أنه الحق، ونادوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا الْحَقَّ}473. ويذكر عن جابر وعن عبد الله بن أنيس قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "يحشر الله العباد، فيناديهم بصوت يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قرب، أنا الملك أن الديان". 3- قال الإمام البخاري: باب كلام الرب مع جبريل، ونداء الله الملائكة، ثم ساق سنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض". 4- ثم ساق حديثاً آخر عن الأعرج عن أبي هريرة، وفيه: "ثم يعرج الذين باتوا فيكم - يعني الملائكة- فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يصلون وأتيناهم يصلون". 5- قال الإمام البخاري: باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّه}، ثم ساق حديثاً مسنداً عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه: "يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي". 6- ثم قال الإمام البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه: باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. ثم ساق حديث الشفاعة بطوله وألفاظه المختلفة، وفي آخره يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: "فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله"474. هذه الأحاديث وأخرى كثيرة في صحيح البخاري وصحيح مسلم وعند أصحاب السنن الأربعة تضاف إلى الآيات الكثيرة التي تثبت لله الكلام اللفظي الحقيقي، ومن ذلك القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى. هذه بعض الأدلة لأتباع السلف في إثبات صفة الكلام باقية على ظاهرها كما يليق بالله لا كما يناسب المخلوق. موقف الخلف من هذه الصفة ومناقشتهم أما الخلف فقد اختلفت آراؤهم، وتباينت مذاهبهم في هذه الصفة ولكنهم - على اختلافهم الشديد- متفقون على عدم إيمانهم بكلام الله الحقيقي اللفظي الذي يسمعه المخاطب والذي من جملته القرآن الكريم. فنخص منهم هنا بالحديث الأشاعرة لاعتبارات كثيرة، ليس هذا محل بيانها ومن أهمها: 1- أنهم هم الناس الذين لهم وجود جماعي، وبكثرة ملحوظة في دنيا المسلمين اليوم، لو كانت الكثرة لها اعتبار ما في المعنى الإيجابي بهذا الصدد. 2- ثم إنهم يهتفون بهتاف نحن "أهل السنة والجماعة" بصرف النظر هل "ليلى" تُقر لهم بهذه الدعوى أم لا؟!! وكل يدعي وصلاً لليلى وليلى لا تقر لهم بذاك 3- أنهم أقرب من غيرهم نسبياً إلى منهج السلف، ولو في بعض المواقف ومع ذلك أن موقفهم من "معنى" كلام الله لغريب جداً، حيث زعموا أن كلام الله معنى واحد، قائم بذات الله تعالى، وهو الأمر والنهي والخبر والاستخبار إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة. فياليت شعري من المعبر عما في نفس الله باللغتين؟!! إنه لموقف غريب ولا مثيل له حتى في كلام أهل الكلام مع ما فيهم من التطرف في بعض النقاط، وهذه العقيدة كانت في الأصل لابن كُلاب، وتبعه فيها أبو الحسن الأشعري عقب رجوعه عن الاعتزال وقبل وصوله إلى منهج السلف الذي يعتبر آخر الأطوار الثلاثة له رحمه الله، كما تقدم غير مرة في هذه الرسالة نفسها، أما الأشعرية المعاصرة فعلى ما كان عليه أبو الحسن في الطور الثاني، ولذا نسميهم أحياناً "الأشعرية الكلابية" فليُعلم ذلك. شبهتهم في إنكار الكلام اللفظي: وأما شبهتهم فيما ذهبوا إليه أنهم يقولون: إن كان الله تعالى يتكلم بكلام له صوت وحرف، لزم من ذلك التشبيه والتجسيم، لأنه لا بد له حينئذ من مخارج الحروف من اللسان والشفتين وغيرهما. والله منزه عن ذلك. إلى آخر كلامهم المعروف. هذه شبهتهم وهي من أخوات ما تقدم من الشبهات ومن نسيج واحد. الجواب: إذا قلنا: إنه تعالى يتكلم كما يليق بجلاله وعظمته، دون أن نلزم كلامه لوازم كلام البشر انتفت الشبهة. وقد جاء في القرآن الكريم أن بعض أعضاء بني آدم سوف تتكلم يوم القيامة كما ثبت في السنة كلام بعض الجمادات، وكل ذلك دون أن يكون لها مخارج الحروف، وإذا كنا نؤمن بكلام هذه الأشياء تصديقاً لخبر الله وخبر رسوله عليه الصلاة والسلام، فكيف نستبعد إذاً أن يتكلم الله كيف يشاء ومتى شاء، وهو على كل شيء قدير، أو كيف نحاول أن ندرك كيفية تكلمه؟ وإذا ما عجزنا عن الإدراك، نفينا كلامه، كأننا نكذب كتابه ورسوله الصادق الأمين. أو نتلاعب بالنصوص بعقولنا القاصرة بدعوى التأويل، ونحن عاجزون عن إدراك كيفية كلام الأشياء المذكورة، وهي من مخلوقات الله تعالى؟!! فكم كان حسناً بل من الإنصاف الواجب لو فكر القوم في الرجوع إلى الجادة، وهي خير من "بُنَيّات الطريق". وإليكم النصوص المشار إليها من الكتاب والسنة: 1- قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ}475. 2- قوله تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}476. 3- تسبيح الحصا، وتسبيح الطعام، وسلام الحجر على المبعوث بالمعجزات الباهرات محمد عليه الصلاة والسلام، كما أثبتت السنة ذلك، ونحن وإياكم نؤمن بذلك كله، فلنؤمن إذاً بكلام الله الذي أنطقها، وهو على كل شيء قدير. فقالوا: أما بالنسبة لهذا القرآن فهناك آية تدل على أنه مخلوق!! وهو قوله تعالى: {اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}477، لأن القرآن شيء، فلا بد أن يدخل في عموم "كل" لأنها من ألفاظ العموم. والجواب على هذه الشبهة: أن هذا الاستدلال من أغرب أنواع الاستدلالات لما يأتي: أولاً: كيف يسوغ لهم الاستدلال بالقرآن المخلوق -في زعمهم- على أن القرآن نفسه مخلوق؟!! وبعبارة أخرى: إذا كان قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، مخلوقاً -كما زعموا- فلا يصح أن يكون دليلاً لهم!! هذا، وإن كان القوم لا يصرحون بهذا المعنى إلا في مقام التعليم -كما يقولون- احتراماً لهذا الكلام اللفظي الدال على الكلام النفسي الحقيقي -كما يزعمون- ولكن واقع عقيدتهم في القرآن هو ما ذكرنا، لأنهم يتفقون مع المعتزلة في أن القرآن مخلوق478، وإن اختلفوا معهم في الأسلوب والطريقة لأن أولئك صرحاء فيما يعتقدون، كما تقدم البحث مفصلاً في مسألة الاستواء. ثانياً: هل هم جهلوا أو تجاهلوا تجاهل عارف أن عموم "كل" في كل موضع بحسبه يختلف باختلاف المواضع، يعرف ذلك بالقرائن؟!! ولو أخذ العموم هنا كما أرادوا لدخلت في هذا العموم جميع صفات الله تعالى، بل المفهوم الصحيح أن عموم "كل" هنا إنما يعني كل شيء مخلوق. فلا يدخل في العموم شيء من صفات الله، من الكلام وغيره، ومما يؤيد ما قلناه قوله تعالى في وصف الريح التي أرسلها الله إلى قوم "هود" {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}479، وهي لم تدمر كل شيء موجود، وإنما دمّرت ما أراد الله تدميره من الأشياء التي تستحق التدمير. أما مساكنهم وأشياء كثيرة أخرى لم تدمر، وكذلك قوله تعالى وهو يخبرنا عن "بلقيس": {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}480، وهل أوتيت "بلقيس" من كل شيء في الدنيا أو حتى كل شيء في ناحيتها؟!! لا، وإنما أوتيت من كل شيء يحتاج إليه الملوك في مملكتهم، وهو أمر واضح كما ترى، ولو أن إنساناً قال: قد حضر وليمة فلان كل الناس، إنما يفهم السامع أنه حضرها جميع المدعوين دون أن يتخلف أحد لديه "بطاقة" الدعوة. وبعد: فلما خنقتهم الأدلة، وضايقهم أتباع السلف بالمناقشة حول النصوص التي وضعوها في غير موضعها، وأساؤوا فهمها، لجأوا إلى بيت شعر هزيل، لا مستند له، لشاعر نصراني "الأخطل" حيث يقول: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعِل اللسانُ على الفؤاد دليلا لجوء الغريق في السيل الجارف إلى كل ما تقع عليه يده أياً كان نوعه، وهو يحاول أن يجد ما يتعلق به ليسلم من الغرق، وربما مد يده إلى ذلك "الزبد" الذي يعلو السيل، ويتجمع أحياناً في بعض المنعطفات، فإذا ما وصلت يده إليه، لم يجده شيئاً، بل يتبعثر ويذهب مع الماء. وبيت الأخطل كهذا الزبد أو هو كبيت العنكبوت {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ }481 فالاستدلال به في غاية الفساد للأوجه التالية: أولاً: أن المستدلين بهذا البيت قد ردوا، أو من أصولهم أن يردوا أحاديث نبوية مهما بلغت من الصحة، وتلقاها أهل العلم بالقبول، ما لم تبلغ حد التواتر، أو بلغت حد التواتر عند بعضهم بدعوى أنها أخبار آحاد، أو أدلة لفظية!! فكيف يستدلون بهذا البيت الذي يختلف أهل العلم في ثبوته؟!! وعلى فرض ثبوته فهل تواتر نقله؟!! ثانياً: إن ما يريدون إثباته بهذا البيت النصراني، من أن الكلام ما في النفس أي "حديث النفس" مردود بالنصوص التالية: أ- قوله عليه الصلاة والسلام: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"482. ب- قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها، ما لم تتكلم به أو تعمل به"483. جـ- قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا يتكلموا في الصلاة"484. فاستناداً إلى هذه النصوص قد اتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة عامداً لغير مصلحتها، بطلت صلاته، كما اتفقوا على أن ما يقول بالقلب من حديث النفس لا يبطل الصلاة، فعلم باتفاق من يعتد باتفاقهم أن حديث النفس ليس بكلام، لغة وشرعاًَ. والشارع إنما خاطب الناس بلغة العرب وهي لغة قرآنهم، إذاً فإن الكلام ما كان بصوت وحرف مسموع، ومما هو صريح في هذا المعنى حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: يا رسول الله! إننا لمؤاخذون بما نتكلم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"485. وهذا الحديث وإن لم يسلم سلامة كاملة في سنده حيث رمي بالانقطاع، إلا أنه يشهد له ما تقدم من الأحاديث الصحاح، ليدل على المقصود علماً بأننا نستدل به من الناحية اللغوية مضموماً إلى ما تقدم، كما قلنا وبالله التوفيق. وبعد: فلو ترك الناس على فطرهم السليمة، وعقولهم المستقيمة، ولغتهم العربية الواضحة لم ينزلقوا هذه الانزلاقات في المطالب الإلهية، ولا تنازعوا هذا النزاع الحاد، والله المستعان. ومن المفيد جداً أن أضيف إلى ما ذكرت نموذجاً من كلام الإمام أبي الحسن الأشعري الذي تنتسب إليه الأشعرية المعاصرة أي إلى مذهبه الذي عاش عليه فترة من الزمن مع ابن كلاب، ثم تركه. وهذا النموذج عبارة عن مناقشة حادة مع الجهمية سجلها الإمام أبو الحسن في كتابه "الإبانة في أصول الديانة" وهو آخر كتاب ألفه بعد رجوعه إلى منهج السلف فيما نعلم، وهو على فقرتين، يقول الإمام أبو الحسن في فقرة: أ- زعمت الجهمية -كما زعمت النصارى- لأن النصارى زعمت أن كلمة الله حواها بطن "مريم"، وزادت الجهمية عليهم فزعمت أن القرآن مخلوق، حل في شجرة فكانت الشجرة حاوية له فلزمهم أن تكون الشجرة متكلمة بذلك الكلام، ووجب عليهم أن مخلوقاً من المخلوقات كلم موسى، وأن الشجرة قالت: يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني. ب- وقال الإمام أبو الحسن وهو يصف القرآن الذي تزعم الجهمية والأشاعرة معاً أنه مخلوق: "وهو متلو بالألسنة، قال تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}486". ثم قال الإمام: والقرآن مكتوب في مصاحفنا في الحقيقة، محفوظ في صدورنا في الحقيقة، متلو بألسنتنا في الحقيقة، مسموع لنا في الحقيقة كما قال عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ}487، وقد قال الإمام قبل ذلك: القرآن في اللوح المحفوظ، وهو في صدور الذين أوتوا العلم، قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}488. هكذا يؤكد الإمام أبو الحسن بهذا الأسلوب في عدة مواضع في كتابه الإبانة أن هذا القرآن الذي نقرأه ونحفظه كلام الله حقيقة بألفاظه ومعانيه، وليس هو عبارة عن الكلام النفسي أو دالاً عليه أو ترجمة له كما يزعم متأخرو الأشاعرة، بل هو كلام الله عناه الله بقوله: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ} لأن الكلام اللفظي المقروء هو المسموع، أما حديث النفس فلا يقرأ ولا يسمع. وإذا قارنا بين ما سجله الإمام أبو الحسن الأشعري في "إبانته" وبين ما يقوله ويعتقده متأخرو الأشاعرة، نستطيع أن نقول بأن نسبتهم للإمام أبي الحسن غير صحيحة، فأرى من المناسب أن أسجل هنا ما قاله المحدث المصري السلفي الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله: "أما الأشعرية اسم المذهب المنسوب إلى أبي الحسن الأشعري في علم الكلام"، فكما أنه لا يمثل الأشعري ما كان عليه في طور اعتزاله، فإنه ليس من الإنصاف أن تلصق به الأشعرية بعد أن رجع إلى عقيدة السلف التي أراد أن يلقى الله تعالى عليها. بل إن المذهب الأشعري المنسوب إليه إنما ينسب إلى ما كان عليه ابن كُلاّب البصري المتوفى سنة 240هـ، كما أوضح ذلك تقي الدين ابن تيمية في كتابه العقل والنقل489، وهو كلام في غاية الوجاهة كما ترى، فلا يحتاج إلى تعليق. ثم قال أبو الحسن - وهو يحاور الجهمية بأسلوب آخر غير الذي تقدم ليثبت بأن كلام الله - على تعدده وتنوعه- غير مخلوق، حيث يقول: "قد استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام بكلمات الله التامات من شر ما خلق، إذ يقول عليه الصلاة والسلام: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، وعلم أمته بتلك الاستعاذة وهي الالتجاء إلى الله من شر خلقه، فهي عبادة عظيمة، فلو كانت كلمات الله مخلوقة لما استعاذ بها صلى الله عليه وسلم ولما علّم أمته، لأنه عليه الصلاة والسلام ينهى عن ذلك، بل يعده نوعاً من الإشراك بالله. ما يستفاد من هذه الاستعاذة: ثم إن هذه الاستعاذة المباركة تدلنا على الأمور التالية: أولاً: جواز الاستعاذة بأسمائه وصفاته كما يستعاذ بذاته، ويؤيد ما قلنا قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"490. ثانياً: أن كلمات الله ليست مخلوقة إذ لو كانت مخلوقة لما استعاذ بها رسول الله عليه الصلاة والسلام كما تقدم. ثالثاً: إن كلام الله ليس معنى واحداً يقوم بالذات، ليس بحرف، ولا صوت، كما تزعمه الأشاعرة المتأخرة، بل كلمات الله لا حد لها، لأنها من كمالاته، فكمالاته سبحانه لا تنتهي، ومما يزيد المقام بياناً قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}491، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}492. هذه المعاني هي التي يريد الإمام أبو الحسن إثباتها ليحاجج الجهمية، ومن يوافقهم في اعتقادهم بأن كلام الله مخلوق، وقد سبقه إلى مثل هذا الحوار إمام أهل السنة وقامع البدعة الإمام أحمد بن حنبل حيث ألف كتاباً مستقلاً في الرد على الجهمية، وسبق أن تحدثنا عن ذلك الكتاب، ونود أن ننقل هنا نموذجاً من حواره مع الجهمية في كلام الله تعالى، فيبدأ الحوار هكذا: قالت الجهمية: إن الله لا يكلم ولا يتكلم، إنما كون شيئاً فعبر عن الله، وخلق أصواتاً فأسمع. وزعموا أن الكلام "اللفظي" لا يكون إلا من جوف ولسان وشفتين. فيقول الإمام أحمد: قلنا: هل يجوز لمُكَوّن أو لغير الله أن يقول: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّك}493؟ أو يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}494، فمن زعم ذلك فقد زعم أن غير الله ادعى الربوبية كما زعم الجهم أن الله كوّن شيئاً كأن يقول ذلك المكوّن: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}495، وقال جل ثناؤه:{وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}496، إلى تلك الآيات التي ساقها، وهو يحاورهم، ثم قال: فهذا منصوص القرآن، ثم قال: فأما ما قالوا: "إن الله لا يتكلم" فكيف يصنعون بحديث الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه". ثم قال الإمام أحمد أما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف، وفم وشفتين، ولسان، أليس الله قال للسموات والأرض: {اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}497، أتراها قالت: بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات؟!! وقال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ}498، أتراها يسبحن بجوف وفم ولسان وشفتين"؟!! الجواب الذي لا بد منه "لا" في جميع هذه الاستفهامات، ولكن الله القادر على كل شيء هو الذي أنطق تلك الجمادات، فجعلها تتكلم حقيقة دون آلات معهودة للتكلم عادة تسمى "مخارج الحروف"، فهل الذي مكن لهذه المخلوقات من التكلم يعجز عن الكلام؟ أو يمتنع عليه الكلام "اللفظي" - كما زعمت الجهمية - لماذا يمتنع عليه؟!! هل لأن الكلام نقص؟!! أو بعبارة أخرى: هل الكلام من صفات النقص أو من صفات الكمال؟!! أليس المخلوق الذي يتصف بالكلام خير وأجمل من الذي لا يتكلم؟ الجواب "بلى" بإجماع العقلاء. فهل تُسوّغ عقول الجهمية أن يكون المخلوق أكمل من الخالق؟ لأن كثيراً من المخلوقات تتصف بالكلام - وهو صفة كمال- والخالق يمتنع عليه الكلام؟!! أفليس الذي يعطي الكمال أولى بأن يتصف بالكمال على أكمل وجه بحيث لا يشاركه أحد في خصائص ذلك الكمال؟!! الجواب "بلى" لدى جميع العقلاء. هذا المعنى هو الذي يدور حوله حوار الإمام أحمد، والزاماته للجهمية لو كانوا منصفين وطلاب حق، وأخيراً هو الذي يريد إثباته أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة. الصفة السادسة: صفة المحبة: هذه الصفة تتحقق بين العبد الذي يحب ربه وسيده ومولاه، وبين ربه الكريم عز وجل الذي أخبر أنه يحب عباده المتقين المحسنين، ومحبة العبد لربه -كما يراها بعض المحققين499، وكما هو الواقع -هي حقيقة "لا إله إلا الله"، وهي تتفاوت فيما بين العباد، فكلما يزداد العبد في تحقيق لا إله إلا الله يزداد محبة لله، ورغبة في لقائه، فأكثر العباد محبة لله الأنبياء ثم الصالحون من أتباعهم، لأن محبتهم لله حق المحبة هي التي حملتهم على تحمل المشاق والمصاعب، وعلى تحمل كل ما لاقوه في سبيل الدعوة إلى الله إلى محبته، والإيمان به سبحانه وإصلاح شئون عباده. فالخوف والخشية والتفاني في طاعة الله، وحسن عبادته، وتحمل الأذى في سبيل إظهار دينه، وإعلاء كلمته ونصح عباده، وتقديم الخير لهم كل أولئك ثمرات من ثمار محبة الله الصادقة التي لا تتم إلا إذا وصلت به تلك المحبة إلى درجة أنه من شدة محبته لربه ومن صحة محبته له، يحب كل من يحبه، والعمل الذي يحبه، وكل خصلة أو صفة يعلم أن الله يحبها ومن الأدعية المأثورة: "اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يقربنا إلى حبك". ومحبة العبد لربه - إذا صحت، وتحققت فهي فوق كل محبة تقدر، ولا نسبة لجميع المحاب لها، إذ هي الطاقة المحركة للعبد إلى فعل كل خير واجتناب كل شر، بل كل تصرفات العبد في تعامله مع الله، وتعامله مع عباده نابعة من تلك الطاقة "المحبة" يتحرك العبد ويعمل ويعطي بتلك الطاقة لأن مقرها "القلب" الذي إذا صلح، صلح كل شيء، وإذا فسد، فسد كل شيء، فسد دينه، وفسدت عقيدته، وفقد محبة ربه ومولاه، وإذا ما تعطلت تلك الطاقة وغيض نبعها، هناك الهلاك، والعبد في هذه الحالة قد مات قلبه كلياً وهو لا يدري. فهل صلاة العبد وحسنها والخشوع فيها إلا ثمرة من ثمرات محبته لربه سبحانه ورغبته في قربه منه!! وهل أنفق المنفقون من أموالهم وعصارة كدهم في مرضاة ربهم إلا لمحبتهم لربهم أكثر من محبتهم لأموالهم؟!! وهل صام عبد وحج وجاهد وتكبد المشاق في سبيل ذلك إلا بدافع من محبته لربه ورغبته فيما عنده سبحانه!! وبالاختصار لم يعبد الله عبد، ولم يركع ولم يسجد إلا بدافع المحبة، ولم يتكاسل ولم يعجز إلا لفقدان محبته لربه وتقديره لربه حق قدره أو نقصانها. هذا هو مفهوم المحبة عند أهل السنة وعلماء الحديث الذين هم الناس الذين يقتدى بهم في مثل هذا المجال. وأما محبة الرب سبحانه لعباده من أنبيائه وأوليائه أهل طاعته، فهي صفة عظيمة وحبيبة إلى قلوب عباده المحبين، وهي صفة مستقلة قائمة بالله تعالى، وهي فعل من أفعال الرب تعالى يؤهل لهذه المحبة من شاء من عباده ويخذل من شاء ولا يوفقه لينالها فرحمته وإحسانه وعطاؤه وإكرامه لمن شاء من عباده ثمرة من ثمرات محبته، وثواب لها ومن موجباتها لأن الله تعالى لما أحبهم كان نصيبهم من رحمته وإحسانه وعطائه أوفر نصيب وأتمه. ولو قلت: إن محبة الله تعالى هي حقيقة إيمان العبد بربه لما بالغت، بل هذا ما يعنيه شمس الدين ابن القيم بقوله: "إنها حقيقة لا إله إلا الله" وفي اعتقادي الذي يقرب من الجزم أن الذين ينكرون المحبة إنما ينكرونها إنكاراً تقليدياً، ولا يدركون ماذا يعني هذا الإنكار، وإلا فلو كانوا يدركون أن إنكار محبة الله إنما يعني إنكار الإيمان بالله لما تجرأوا على هذا الإنكار الذي لا يُنْتِج إلا الكفر أو الزندقة. ولو سئل مسلم عادي وهو لا يزال على فطرته: هل تحب الله تعالى؟ لاندهش من هذا السؤال الغريب، ولأجاب: كيف لا أحبه، وأنا مسلم!! ولو قيل له: إن الله تعالى لا يحبك، لكانت دهشته أكبر، ولاعتبر ذلك دعاء عليه أو إخباراً بأنه لا خير فيه، بل هو مطرود من رحمة الله، ولفعل أفاعيل من الغضب الشديد، وأثاره ذلك الموقف، ولهذا أعود فأقول: إن إنكار المنكرين لمحبة العبد لربه، أو محبة الرب سبحانه لأوليائه إنكار تقليدي لا معنى هل، بل إنهم سمعوا أن من تنزيه الله تعالى عما لا يليق به أن لا تعتقد أن الله يحب أحداً، لأن المحبة انفعال نفسي وتغير من حال إلى حال، فذلك من صفات المحدثين، فاتصاف الله بها يؤدي إلى تشبيه الخالق بالمخلوق، فذلك محال، وما يؤدي إلى المحال فهو محال، فوصفه تعالى بأنه يحب محال، هذه خلاصة تقريرهم، والغاية من إنكارهم، فهو كما ترى تقرير تقليدي أجوف، وإنما ينخدع به السذج من الناس، ولكنه قد ترك كثيراً من الناس في حيرة لا يستطيعون التعبير عنها، لأنهم يجدون في أنفسهم شعور المحبة وبشدة أحياناً في حالة انتباههم لآثارها، ثم يتذكرون ذلك التقرير الذي تقدم شرحه، فماذا يصنعون؟!! فكل عبد منّ الله عليه بمحبة صادقة أثمرت له المبادرة إلى طاعة الله وحسن عبادته، ووجد من نفسه الاندفاع إلى مرضاته، والتلذذ بطاعته، والراحة فيها، "أرحنا بها يا بلال"500، يشعر أن محبة الله هي التي بها حياته الروحية، وفيها نعيمه وحسن الأنس بربه، وولي نعمته. ثم إن المحبة الصادقة تتمثل أيضاً في كراهة العصيان، والابتعاد عن المخالفات والابتداع، إذ إن صاحبها يكره أن تدنس تلك العلاقة التي بينه وبين ربه "المحبة الصادقة" بأي نوع من أنواع الانصراف عنه، والغفلة والتمرد، وإذا ما نفذ فيه ما قُدّر عليه، وسبق في علم الله سبحانه أنه لا بد له من كبوة وهفوة، فتحقق ذلك، ولا محالة يعلم أن ربه الحكيم ابتلاه وامتحنه، فيبادر إلى باب مولاه وهو في ندم وحزن لا يعلم مداهما إلا ربه الذي ابتلاه، ليطلب منه في ذل ومسكنة أن يأخذ بيده فينقذه مما هو فيه من عذاب الوحشة من آثار العصيان، فيأتيه إسعافُ "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه"501 الحديث. وقد يستعيد عافيته وصحته أحسن وأقوى من ذي قبل، فيزداد محبة لربه وولي نعمته نعمة قبول توبته، ورده إلى بابه "وربما صحت الأجسام بالعلل". هكذا يعيش المحب طالما تؤدي طاقة المحبة عملها على الوجه المطلوب، وقد يعتريها أحياناً ما يعتريها، ولكن الله يلطف بعباده المحبين، فيُنْزِل رحمته عليها، ويعيد لها قوتها، وهكذا... أما الجهمية النفاة فإنهم يزعمون أن الله لا يُحِب ولا يُحَب، هذا هو المبدأ عندهم، وماذا يصنعون بالنصوص المصرحة بالمحبة من جانب الرب سبحانه، ومن جانب العبد؟ هل يكذبون النصوص؟ وهل يجرؤون على ذلك أمام جمهور المسلمين؟!! "لا" إذاًَ فيتأولون النصوص، نصوص محبة العباد لربهم بمحبة طاعته وعبادته والازدياد من الأعمال الصالة لينالوا الأجر والثواب. وهكذا... ومحبة الطاعة وهذه الأعمال الصالحة وتلك العبادة هي آثار أو ثمرات لتلك المحبة التي أنكروها لو كانوا يفقهون؟ وأما محبة الله لعباده فأولوها بالإحسان إليهم والتفضل بإعطاء الثواب على أعمالهم الصالحة أو بالثناء عليهم ونحو ذلك، وقد أولها بعضهم بإرادة الإنعام والإحسان، وتتلخص تأويلاتهم للمحبة فيما يلي: يؤولونها المفعول المنفصل كالعطاء والإحسان مثلاً، وأما الإرادة نفسها فيزعمون: أن الإرادة إن تعلقت بتخصيص العبد بالأحوال العالية، والمقامات المرضية سميت "محبة"، وإن تعلقت بالعقوبة والانتقام سميت "غضباً"، وهكذا إلى آخر تلك الأسماء التي سموا بها من عند أنفسهم، فتصبح المحبة عندهم أحياناً صفة فعل، وأحياناً صفة ذات. وقد ترجع أكثر صفات الأفعال إلى صفة واحدة وهي الإرادة كصفة الرحمة والمحبة والتعجب والغضب والفرح. وربما أدى تفسير المحبة أحياناً إلى ردها إلى صفة الكلام -"وموقفهم من صفة الكلام معروف" وقد تقدم، وذلك حين يقولون: إن المحبة هي ثناء الله على عباده الصالحين502. وليس لدى القوم مستند فيما ذهبوا إليه لا من الأدلة العقلية، ولا من الأدلة النقلية، بل لا تؤيدهم حتى الفطرة السلمية، بل جميع طرق الأدلة عقلاً ونقلاً وفطرة حتى الذوق السليم، وكلها تدل على إثبات محبة الرب لعبده ومحبة العبد لربه. ولعل مثل هذا الموقف من الجهمية هو الذي جعل الإمام عبد الله بن المبارك يقول قولته المعروفة: "إننا نستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية"503اهـ. ولو تأمل الإنسان مواقف أمهات الطوائف المنتسبة إلى الإسلام كالخوارج والشيعة مثلاً لوجدها كلها تحاول الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة أو على الأقل بنصوص الكتاب وحده، بصرف النظر هل أن تلك النصوص تساعدهم فيما ذهبوا إليه أو تخالفهم وقد تلعنهم!! أما الجهمية فقد بنوا عقيدتهم ومذهبهم بعيداً عن النصوص كتاباً وسنة غير محاولين الاستدلال بها، بل يحاولون تحريفها لتوافق أهوائهم ونظرياتهم، فما حظهم من الإسلام يا ترى؟!! حقاً إنهم مصابون بضعف إيمان، وقلة استسلام وانقياد للنصوص، فمثلاً لو نوقش القوم في الإرادة التي فسروا بها "المحبة" في زعمهم، ستكون النتيجة أحد أمرين: 1- إما أن يستسلموا فيعودوا إلى رشدهم، فيثبتوا الإرادة والمحبة معاً، فيسلم لهم إيمانهم وعقيدتهم لأنهم - في هذه الحالة - سلموا لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام. 2- وإما أن يتعنتوا ويعاندوا، فإن عاندوا تكن فتنة في عقيدتهم، وفساد كبير في إيمانهم، لأنهم ينفون ثمرة الإيمان، وما به حلاوة الإيمان تنال، ثم يلزمهم من هذا النفي نفي الإرادة والصفات المماثلة لها مثل القدرة والعلم مثلاً، لأن "ما ثبت لأحد المثلين ثبت للآخر" سلباً وإيجاباً، ولا محالة وهذا الموقف لا يجتمع، والإيمان الصحيح كما ترى!! وقد يحاولون إيجاد مسوغ لهذا التصرف حيث يزعمون: إن المحبة ملائمة ومناسبة بين المحب والمحبوب، وتوجب للمحب بدرك محبوبه فرحاً ولذة وسروراً إلى آخر ما هنالك من الثرثرة العقيمة التي نعرفها لأهل الكلام. والجواب عن هذه الشبهة الواهية مثل أجوبتنا السابقة على مثلها من تلك الشبهات التي كلها من نسيج واحد، حيث لا يلزم عقلاً إثبات لوازم صفة المخلوق لصفة الخالق إذ لا مناسبة بينهما. فخلاصة الجواب أن ما ذكروه من لوازم "محبة" المخلوق التي نعرف حقيقتها وحقيقة صاحبها لا تلزم "محبة" الله الذي ليس كمثله شيء الذي لا نحيط به علماً ذاتاً وصفة سبحانه ما أحلمه؟!! يسمع خوض الخائضين وحذلقة المتحذلقين، ثم يمهلهم، ولا يعاجلهم لعلهم يتوبون، ويرجعون، وعلى كل حال فإن صفة المحبة صفة ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة من الرعيل الأول وأئمة السلف، فالكلام فيها كالكلام في بقية الصفات الخبرية وبعد إذا ثبت في كتاب الله المبين، والأخبار الصحيحة بأن الله يحب عباده المحسنين، وأنهم يحبونه فليس لأحد كلام مع كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك هذه الآيات: 1- {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}504. 2- {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}505. 3- {ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}506. 4- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}507. 5- {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}508. 6- {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}509. ومن السنة النبوية قوله عليه الصلاة والسلام: 1- "إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه، أو كما يكره أن تؤتى معصيته"510. 2- "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"511، وهو دعاء يدعو به الداعي في ليلة يرجو أن تكون ليلة القدر -كما ثبت ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها. 3- "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أ- "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما". ب- "أن يحب المرء لا يحبه إلا لله". جـ- "وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النار"512. في هذا الحديث الشريف إيضاح ما سبق أن أشرنا إليه من أن محبة الله ومحبة رسوله إذا صدقتا تكونان علامة واضحة على صدق الإيمان وبهما ينال المرء حلاوة الإيمان، ويتذوقه حتى يصل إلى درجة الإحسان "فيعبد الله كأنه يراه ويشاهده"513، إيماناً ويقيناً بأن الله معه ولا يفارقه، وهو سبحانه يراه ويرى مكانه ويسمع كلامه ويعلم خلجات قلبه وحديث نفسه. وهذا الموقف بل هذا الشعور يجعل العبد يستهين بكل شيء من ملاذ الدنيا، وينسى متاعبها، وهي درجة لا يفي حقها وبيان حقيقتها قلم عادي مثل "قلمي" فلنتركها إذاًَ لأصحابها، وهنيئاً لهم. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، بيد أننا نحبهم في الله ونرجو أن ينفعنا الله بمحبتهم. وما ألطف قول الإمام الشافعي في هذا المعنى: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من بضاعته المعاصي وإن كنا جميعاً في البضاعة 4- "إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"514. 5- "إن الله تعالى يحب من عباده الغيور"515. هكذا ينعت القرآن المحبين والمحبوبين، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟!! وقصارى القول: أن أصل الولاية الحب، وأصل العداوة البغض516، والله المستعان.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
قديم 2012-01-21, 23:04 رقم المشاركة : 9
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الصفة السابعة: صفة الرحمة: هذه الصفة من الصفات التي اختلف أهل العلم فيها هل هي من صفات الذات أو من صفات الأفعال، وقد تقدم ذكر الخلاف عند الكلام على صفة الذات وصفة الفعل، والذي يترجح عند بعض أهل العلم أنها من صفات الأفعال، لأنه سبحانه وتعالى يرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، وينتقم منه ولا يرحمه، فحيث تتعلق بها مشيئة الله وقدرته فهي من صفات الأفعال ويمكن عدها من صفات الذات باعتبار أن الله لم يزل متصفاً بالرحمة، فالرحمة العامة ملازمة لذاته تعالى وإن كان أفرادها تتجدد، وقد تقدم ما يشبه هذا في صفة الكلام، والله أعلم. وعلى كل حال فهي صفة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة الذين هم خير الناس على الإطلاق، فلا يختلف السلف والخلف في – الجملة - في وصفه تعالى بالرحمة، بل إثبات بأن الله رحيم، ومن أسمائه {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، وهو أرحم الراحمين، هذا الإثبات أمر فطري لا يتوقف فيه إنسان ما، وقد جاء ذكر الرحمة في القرآن الكريم بأساليب مختلفة نذكر منها الآتي: 1- {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}517. 2- {الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ}518. 3- {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}519. 4- {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ}520. 5- {فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ}521. 6- {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}522. 7- {وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}523. 8- {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}524. كما ورد ذكرها في السنة أيضاً مثل: 1- "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"525. 2- "من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء"526. 3- "إن الله كتب كتاباً وهو عنده فوق العرش، إن رحمتي غلبت غضبي"، وفي رواية "سبقت غضبي"إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي لم تذكر هنا إيثاراً للاختصار. وأما هذا الحديث فهو مشتمل على ثلاث صفات: صفة العلو، وقد تقدم الكلام فيها، وصفة الرحمة وهي محل الشاهد من الحديث، وصفة الغضب وسيأتي الكلام فيها، أضف إلى هذه النصوص دليل العقل والفطرة الذي أشرنا إليه سابقاً وهو أمر واضح لا إشكال فيه. والذي يهمنا هنا تحديد موقف السلف والخلف من معنى هذه الصفة "الرحمة" وأما السلف فموقفهم من معناها كموقفهم من معنى صفة الاستواء التي سبق الحديث فيها وأطلنا فيها الكلام نوعاً ما وصفة المعية وما بعدها وما قيل هناك سيقال هنا في هذه الصفة، وهو الوقوف عند فهم المعنى العام فقط دون تعمق أو تفلسف لمحاولة إدراك الكنه والكيفية ثم اللجوء إلى التأويل عند العجز عند إدراك الحقيقة، وهو أمر محتم وقد فاتهم "أن العجز عن الإدراك هو الإدراك في المطالب الإلهية" لأن إدراك كيفية صفات البارئ فوق مستوى العلم البشري {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}527، هذا هو موقف السلف من معنى صفة الرحمة بكل إيجاز. وأما الخلف فلا يسعهم – عادة - إلا الخوض والتعمق والمناقشات المتطرفة فهاك مناقشتهم بإيجاز: قال الخلف باتفاق: إن "صفة الرحمة لا يجوز إثباتها على ظاهرها، لأن الرحمة رقة في القلب أو رقة تكون في الراحم، وهي ضعف وخور في الطبيعة، وتألم على المرحوم وهذه المعاني "نقص" وما كان كذلك مستحيل في حقه تعالى فإثبات "الرحمة" إذاً مستحيل، وإنما المراد لازمها أو إرادة لازمها528. وهو "إرادة" الخير أو إرادة الإحسان". وردّ هذه الشبهة كالتالي: إن ما ذكره النفاة من "الخلف" من أن حقيقة الرحمة رقة في القلب، وهو ضعف وخور إلى آخر ما هنالك، إنما هو من لوازم صفات المخلوق المعروفة لنا حقيقة ذاته وأما بالنسبة لصفات الله تعالى فهذه اللوازم غير لازمة لصفاته، وقياس صفات الخالق على صفات المخلوق قياس فاسد، وهو سر ضلال الجهمية كما لا يخفى على طالب العلم. وقد ذكرنا في غير موضع في هذه الرسالة - نقلاً من أهل العلم "أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يتحذى حذوه". فإذا كان من غير الجائز قطعاً قياس الخالق سبحانه على المخلوق في ذاته تعالى، فكذلك الأمر في الصفات، فغير جائز قياس صفاته على صفات المخلوق. ولما عرفنا حقيقة المخلوق وأحطنا به علماً ذاتاً وصفة مكنتنا هذه المعرفة من القول بأن حقيقة الرحمة في حقه هي هذه الرقة التي يحس بها الإنسان في بعض المناسبات، كما لو مر على "أعمى" يتخبط في وسط الشارع، وهو خائف قلق يشير بعصاه هنا وهناك، كأنه يحاول أن يدافع بها عن نفسه خطر تلك السيارات، هنا يرق قلب المؤمن ويشفق على هذا المسكين ويحاول إنقاذه من شر تلك السيارات ما استطاع. هذه الرقة يعرفها المرء من نفسه، ومن غيره من مخلوق مثله، وأما من لا نحيط به علماً ومن ليس كمثله شيء سبحانه والذي آمنا به إيمان إثبات وتسليم، فلا ينبغي أن نحاول معرفة حقيقة "رحمته" التي وسعت كل شيء. حتى إذا ما أدركنا تلك الحقيقة حرفنا فيها القول عن مواضعه بدعوى التأويل، علماً بأن تفسير الرحمة بالإرادة سوف لا يحل لهم الإشكال الذي يريدون حله. وبيان ذلك كالآتي: 1- يَرِدُ على هذا التفسير أنهم فسروا الصفة بصفة أخرى، أي: أن الرحمة هي الإرادة وهو تفسير مبتدع ومرفوض لدى العقلاء لأن الإرادة صفة مستقلة قائمة بنفسها كما أن الرحمة كذلك صفة قائمة بنفسها، وكذلك الغضب وسائر الصفات التي فسروها بعضها ببعض، وكلها صفات ثابتة بالكتاب والسنة. 2- ولو سلمنا جدلاً هذا التفسير، فسوف يرد عليهم في صفة الإرادة التي أثبتوها وفسروا بها الرحمة. ما أوردوه على غيرهم في صفة الرحمة. وذلك لأن الإرادة لا تكون إلا لمناسبة بين المريد والمراد، وملاءمته في ذلك تقتضي الحاجة. وإلا فما لا يحتاج إليه الحب لا ينتفع به ولا يريده، وهو معنى لا يليق بالله. فإذاً إثبات الإرادة يؤدي إلى إثبات الحاجة، وهو529 "نقص" ومحال في حق الله تعالى وما يؤدي إلى المحال فهو محال. فإثبات الإرادة محال، وهذا ما يؤدي إلى طرد ذلك الباب الذي فتحوه على أنفسهم حتى تنفى جميع الصفات. والمسلك السليم هو مسلك "الجماعة" وهو أن لوازم صفات المخلوق لا تلزم صفات الخالق، إذ لا مناسبة بين صفات الخالق وصفات المخلوق. وكل الذي اعتمد عليه الخلف في نفي صفة الرحمة أو تأويلها وغيرها من الصفات التي حرفوها فيها "الكلم عن مواضعه" إنما هو إثبات لوازم صفات المخلوق لصفات الخالق وقياسها عليها، وهو خطأ في التصور أو غفلة شنيعة فليعلم ذلك. وهذه الصفة يدرك كل حي أثرها في نفسه وفي غيره في الأرض وفي السماء في كل لحظة ولمحة فما كان ينبغي أن تكون محل نقاش وجدل، بل القوم لا يشكون في آثارها التي أشرنا إليها ولكنهم وجدوا آباءهم كذلك يؤولون ويحرفون فقلدوهم تقليداً لفظياً، وقلوبهم تعترف مضطرة برحمة أرحم الراحمين، والله المستعان. الصفة الثامنة: صفة الرضا: هذه الصفة واحدة من صفات الأفعال التي فصلنا فيها القول سابقاً مثل المعية والمحبة وغيرها، وهي ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع العلماء الذين يعتد بإجماعهم من الأئمة الأربعة وغيرهم ممن هم في طبقتهم أو بعدهم من الذين ينهجون منهج السلف الصالح. بل هذه الصفة هي مطلب كل عابد، وغاية كل سالك من طاعتهم وعباداتهم. ومن الأدعية المأثورة التي يدعو بها طلاب الرضا في أرجى الأوقات ومظان إجابة الدعاء "اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار" فالرضى عنهم في دار الكرامة وعدم السخط عليهم بعد الرضى مطلب ليس بعده مطلب. وقد تضافرت الأدلة من القرآن والسنة بذكر الرضى، أي رضى رب العالمين عن عباده المؤمنين لإيمانهم وطاعتهم وحسن عبادتهم، وإخلاص العبادة له سبحانه وعدم الالتفات إلى سواه عز وجل. كما أخبر الله في كتابه عن رضى عباده المؤمنين عن ربهم حين يتفضل عليهم فيدخلهم الجنة ويحل عليهم رضوانه الذي لا يعقبه السخط أبداً. فلنذكر بعض تلك النصوص المشار إليها فيما يلي: 1- {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ}530. 2- {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}531. 3- {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}532. 4- "اللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك"533. 5- "رضى الله في رضى الوالدين، وسخطه في سخطهما"534. فإيماننا بهذه النصوص من الكتاب والسنة يجعلنا نجزم بأن السلف يثبتون هذه الصفة كغيرها من صفات ربنا تعالى، لأن النصوص المذكورة لا تتحمل التأويل إلا بنوع من التكلف، وقد نهينا عن التكلف كما نهينا عن القول على الله بغير علم. وأما الخلف فقد قالوا في هذه الصفة قولهم في جميع صفات الأفعال والصفات الخبرية وهي وجوب تأويلها بدعوى أن الرضا انفعال نفس وتغير من حال إلى حال، فذلك لا يليق بالله تعالى، وإنما المراد لازمه أو إرادة لازمه. ولازمه هو العطاء أو الإنعام، أو الثواب الجزيل، وسبق أن ناقشنا موقفهم هذا في غير موضع في صفة المحبة وصفة الرحمة وغيرهما من صفات الأفعال التي سبق الكلام فيها فلا نرى لزوماً لإعادة ذلك. الصفة التاسعة: صفة الضحك لله تعالى: الضحك قريب من الفرح والرضا والمحبة، من حيث المعنى العام، وهو صفة من صفات الأفعال تقوم بالله تعالى كما يليق به، وهو من الصفات التي انفردت بها السنة إذ لم يرد ذكرها في القرآن الكريم، وهذا الانفراد لا يؤثر عند أهل السنة والجماعة، لأن ما ثبت بالسنة الصحيحة كالذي ثبت بالقرآن دون فرق، لأن القرآن نفسه يأمر الله فيه عباده بالأخذ بالسنة مطلقاً، جاءت "مؤكدة" أو جاءت "بانَيةً" ودون تفريق بين الأحكام والعقيدة، وقد تقدم هذا البحث مستوفى في حجية الحديث في مدخل هذا الكتاب، وأما الخلف فسوف نتحدث عن موقفهم بعد ذكر النصوص. ومما ورد في إثبات صفة الضحك الأحاديث التالية: 1- حديث أبي هريرة: "يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر فيدخلان الجنة. يقاتل هذا فيُقتَلُ فيتوب الله على القاتل فيسلم فيستشهد"535. 2- حديث أبي موسى الأشعري: "يتجلى ربنا ضاحكاً يوم القيامة"536. 3- حديث أبي رزين العقيلي: "قال: يا رسول الله أيضحك الله سبحانه وتعالى؟ فقال: "نعم". فقال: "لن نعدم من رب يضحك خيراً"537. ولندع الإمام ابن القيم يتحدث قليلاً عن هذه الصفة بأسلوبه اللطيف، وهو بصدد حديثه عن المحبة والفرح والضحك- حيث يقول رحمه الله: "ومن هذا "ضحكه" سبحانه من عبده حيث يأتي من عبوديته بأعظم ما يحبه فيضحك سبحانه فرحاً ورضا، كما يضحك من عبده إذا ثار عن وطائه وفراشه ومضاجعة حبيبه إلى خدمته، يتلو آياته ويتملقه، ويضحك من رجل هرب أصحابه عن العدو فأقبل إليهم، وباع نفسه لله ولقاهم نحره حتى قتل في محبته ورضاه. ويضحك إلى من أخفى الصدقة عن أصحابه لسائل اعترضهم فلم يعطوه، فتخلف بأعقابهم وأعطاه سراً حيث لا يراه إلا الله الذي أعطاه، فهذا الضحك إليه حباً له وفرحاً به. وكذلك الشهيد حين يلقاه يوم القيامة، فيضحك إليه فرحاً به وبقدومه عليه538 اهـ. هكذا يوضح شمس الدين ابن القيم أن ضحك الرب سبحانه إلى بعض عباده في بعض تلك الحالات الخاصة فإنما هو ضحك رضا وفرح ومحبة، لأن الشخص أو الأشخاص الذين يضحك إليهم قد أتوا بأعظم أنواع محابه من جهاد في سبيل الله، ومن بيع للنفس لله، ومن المناجاة التي تفضل الله بها عليهم. وهكذا تجده سبحانه يوفق من شاء من عباده ليأتي بمرضاته فيتقبل منه ثم يفرح به حتى يضحك إليه رضاً ومحبة. سبحانك ما أعظم شأنك!! أما الجمهية الجفاة والمعطلة النفاة فلم يستطيعوا أن يهضموا هذا الموقف الكريم من ربنا العظيم ولم يوفقوا ليُسلّموا له ويفوضوا الأمر إليه، بل أخذوا يتخبطون كالناقة العشواء تصعد وتنزل وتذهب وتجيء، ولا تدري أي السبيل؟!! وقد أشكلت عليهم هذه الصفة لعدم اعتمادهم عل الأدلة النقلية التي سقناها من السنة المطهرة، وهي -كما قلنا سابقاً قد انفردت بها السنة المطهرة. ثم هي من الصفات الخبرية المحضة التي الأصل فيها الأدلة النقلية، وأما العقلية فتبع لها على حسب المنهج السلفي الذي سبق أن أوضحناه في موضعه من الرسالة. فليس في إثبات الضحك أي محذور لأنه ضحك ليس كمثله شيء كما قلنا فيما مضى من الصفات الخبرية، لأن الباب واحد، وتساق الصفات كلها سوقاً واحداً، وأما قولهم: إن المراد بالضحك الرضى والثواب الجزيل فهي شنشنة نعرفها للفلاسفة، وأولادهم من علماء الكلام. فليست غريبة علينا ولا هي جديدة عليهم. وهذا هو التخبط الذي أشرنا إليه وهم في غنى عنه لو حالفهم التوفيق. والعجيب من أمرهم أنهم إذا مرت عليهم صفة الرضى أولوها بالثواب أو بإرادة الثواب، وإذا مرت بهم صفة التعجب أو الفرح أولوها كلها إما بالثواب وما في معناه أو بالإرادة، وكذلك صفة الرضى. وهاهم هنا يؤولون الضحك بالرضى فعلام يدل هذا التصرف؟!! يدل على ما ذكرناه سابقاً في غير موضع من أن عقيدة القوم عقيدة تقليدية لا تستند إلى دليل أو قاعدة، "سمعنا الناس يقولون شيئاً فقلناه"!! وهذا المعنى هو الذي دعا في آخر المطاف الإمام أبا الحسن وكبار شيوخ الأشعرية بعده إلى الرجوع عن هذا التخبط إلى منهج ثابت مبني على أساس قوي لا تؤثر فيه الشبهات وهو منهج أهل الحديث والسنة الذي درج عليه سلف هذه الأمة. وأراد بعضهم أن يتفلسف أكثر فقال: الضحك خفة الروح، فيكون عند تجدد ما يسُر واندفاع ما يضُر. فيقال له: أدركت شيئاً وفاتتك أشياء، إن الضحك الذي تحدثت عنه هو ضحكك وضحك أمثالك من مخلوقات الله، أما ضحك الخالق العظيم سبحانه فلا تُدرك حقيقته لأنك لم تدرك الخالق فكيف تُدرك حقيقة ضحك الخالق، إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات. وقد تقدمت هذه القاعدة في غير موضع.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
قديم 2012-01-21, 23:06 رقم المشاركة : 10
aboukhaoula
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية aboukhaoula

 

إحصائية العضو









aboukhaoula غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام المركز الثاني في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثاتي في  المسابقة االرمضانية الكبرى

وسام المراقب المتميز

افتراضي رد: أنواع الصفات الإلهية عند السلف و الخلف


الصفة العاشرة: صفة التعجب: ومن الصفات التي يثبتها ويؤمن بها أهل السنة والجماعة "صفة التعجب" فيصفون الله تعالى بالتعجب، لأنه وصف نفسه بها ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه، وهي من الصفات التي تتجدد حسب مشيئته تعالى وإرادته، فهي فعل من أفعال الله الكثيرة التي تصدر عن حكمة خفية لا يعلمها إلى الله تعالى. ثم إن الصفة التعجب قد تدل على محبة الله للفعل الذي هو محل التعجب، وهي في هذه الصورة قريبة من معنى الفرح، ومن أمثلة هذا النوع، قوله صلى الله عليه وسلم: "يعجب ربك من شاب ليست له صبوة"539، وقوله صلى الله عليه وسلم: "يعجب ربك من عبده إذا ثار من فراشه ووطائه إلى الصلاة"540، وقوله: "يعجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل"541، وفي رواية: "عجب ربك من قوم بأيدهم السلاسل حتى يدخلوا الجنة". كل ذلك على ما يليق بالله، وإذا كان التعجب في حق الإنسان منشأه غرابة الفعل وأنه حدث على شكل يثير العجب والغرابة، لأن الإنسان فوجئ بالفعل الذي هو محل التعجب، إذا كان هذا هو مثار التعجب عند المخلوق، فإن الله تعالى منزه عن هذه المعاني، لأنه سبحانه هو الذي قدر ذلك الفعل الذي هو محل التعجب وقدره، فلا ترد في حقه سبحانه هذه المعاني وتلك اللوازم لتعجب الإنسان. فلا يسعنا إلا أن نقول فيه ما قلناه في صفات الأفعال التي تقدمت، وهو ما قاله الإمام مالك من قبل: "التعجب معلوم المعنى مجهول الكيفية والكُنه، ولكن الإيمان والتسليم واجب والتعمق والتشكك بدعة ومهلكة، والله المستعان. ثانياً: وقد يدل التعجب على بغض الله للفعل الذي هو محل التعجب ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا}542، وقوله سبحانه: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}543، وقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}544، وقوله: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}545، وقوله: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ}546. قال ابن القيم رحمه الله: "وقد يدل التعجب على امتناع الحكم وعدم حسنه". ومثل له بقوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ}547. وقد يدل أحياناً على حسن المنع منه وأنه لا يليق به مثله. ومثل له بقوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}548،549. والتعجب بأنواعه المشار إليها صفة فعل تقوم بالله تعالى على ما تقدم تفصيله آنفاً. والاستغراب والتأويل غير وارد خشية الوقوع في القول على الله بغير علم لأن التأويل دائماً مبني على الظن والتخمين، لأن المعنى المؤول إليه ظني قطعاً. وهذا ما جعل السلف يلتزمون منهجهم السليم، ولا يحيدون عنه، وهو عدم القول على الله بغير علم، بل التسليم لله في حقائق ذاته وصفاته، وأفعاله، وقوفاً مع النصوص وتأدباً معها بل وتقديراً لله حق قدره. وقال الشهرستاني - وهو يتحدث عن منهج الإمام مالك والإمام أحمد وغيرهم من أئمة السلف- قالوا: إنما توقفنا في تأويل الآيات لأمرين: أحدهما: المنع الوارد في التنـزيل "في سورة آل عمران في الآية السابعة حيث وصف المؤولين بالزيغ" فنحن نَحْذُر عن الزيغ. ثانيهما: أن التأويل أمر مظنون "بالاتفاق" والقول بالظن في "صفات البارئ"غير جائز، فربما أولنا الآية على غير مراد البارئ تعالى فوقعنا في الزيغ550. الصفة الحادية عشرة: صفة الفرح: صفة الفرح من الصفات الفعلية الخبرية التي انفردت بها السنة دون الكتاب، وهي ثابتة بالسنة الصحيحة التي تلقاها أهل السنة بالقبول، وعقد إجماعهم استناداً إليها على إثباتها، وهذه الصفة تدل بالتضمن على لطف الله بعباده ورحمته لهم، حيث يوفق من يشاء من عباده ليتوبوا فإذا تابوا تقبّل توبتهم وفرح بها فرحاً شديداً ولطيفاً في وقت واحد، إذ يَرُدّ إليه عباده الشاردين من طاعته لئلا يضيعوا، وهو الذي لا تضره معصيتهم ولا تنفعه طاعتهم. وهذا المعنى هو الذي يقرره لنا رسول الرحمة بقوله عليه الصلاة والسلام: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة"، وفي رواية لمسلم: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح"551 اهـ. وأهل السنة يؤمنون بهذا لحديث لصحته عن رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ويثبتون الصفة التي جاءت فيه، ولا يتعرضون لها بالتأويل كما لا يشبهون صفات الله بصفات خلقه، وهو شأنهم في جميع الصفات. ومعنى الفرح معلوم والكيف مجهول، والبحث عن الكيفية من أنواع البدع المحدثة، والإيمان به من واجبات الدين الإسلامي وأما الخائضون المتعمقون الذي يبحثون عن الكيفية، وإذا عجزوا عن إدراك الكيفية - وهو أمر محتم- فإنهم يلجأون إلى التحريف. والواجب هو الوقوف عند المعنى العام دون تكلف، وقد نُهينا عن التكلف، هذا هو موقف السلف من معنى هذه الصفة وبالله التوفيق. وأما الخلف فديدنهم معروف، وهو تأويل الصفة بأثرها ولازمها، وهنا قبول التوبة والثواب الجزيل والعطاء الكريم، بدعوى أن حقيقة الفرح مستحيلة على الله لأنها خفة وانفعال وتغير من حال إلى حال وكل ذلك لا يليق بالله تعالى. والجواب على شبهتهم هذه هو جوابنا على الشبهات السابقة، والقوم لا يكادون يفهمون من نصوص الصفات إلا حقائق صفات المخلوق فيفسرون صفات الله بتلك الحقائق فيقعون في التشبيه ثم يحاولون التخلص مما تورطوا فيه من التشبيه بارتكاب بدعة التأويل والقول على الله يغير علم. هذه حيقيتهم في جميع الصفات أو أكثرها على اختلاف مشاربهم والله المستعان. الصفة الثانية عشرة: صفة الغصب: الغضب من صفات الأفعال التي تتعلق بها المشيئة وهي ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ومن الآيات القرآنية التي تثبت هذه الصفة قوله تعالى: 1- {مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ}552. 2- {وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}553. 3- {وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ}554. وهناك عديد من آيات الكتاب المبين في هذه الصفة، ومذهب سائر الأئمة إثباتها، والأحاديث المشار إليها تؤكد ما جاء في هؤلاء الآي من وصف الله بالغضب، وإن هذا الغضب يحدث في وقت دون وقت، ومن ذلك ما جاء في حديث الشفاعة الطويل وهو يخبر عما يقوله الأنبياء اعتذاراً للناس عندما يتقدمون إليهم لطلب الشفاعة منهم، وهم: آدم أوب البشر، ونوح، وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، يخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن كل واحد منهم يقول: "إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى غيري"555 إلى آخر الحديث الطويل. والحديث يدل دلالة واضحة على أن إثبات صفة الغضب من دين الرسل جميعاً، لأن الشرائع كلها متفقة في الأصول بيد أن الله جعل لكل واحد منهم شرعة ومنهاجاً. ومحل الشاهد من الحديث: "إن ربي غضب اليوم"واللفظ صريح في أنه قد يحدث في ذلك اليوم غضب لم يحدث مثله قبل ذلك، كما لا يحدث بعده مثله. - قوله عليه الصلاة والسلام: "من لم يسأل الله يغضب عليه"556، وقد نظم بعضهم هذا المعنى قائلاً: الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنيّ آدم حين يسأل يغضب - قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"557. - قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب! وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟!! فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"558. يستدل أهل السنة بهذا الحديث على أن يحل رضوانه في وقت دون وقت، وأنه قد يحل رضوانه ثم يسخطُ على من شاء، كم يحل سخطه ثم يرضى ولكن هؤلاء أحل عليهم رضواناً لا يعقبه سخط559. ما أصدق ما قاله الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: "ولا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام"560. استناداً إلى هذه النصوص وغيرها من نصوص الكتاب والسنة التي آثرنا عدم ذكرها رغبة في الإيجاز، يؤمن السلف وجمهور الأئمة بهذه الصفة ويبقونها على ظاهرها، الظاهر الذي يليق بالله إيماناً منهم بأن النصوص لا تدل بظاهرها إلا على ما يليق بالله - خلاف ما يزعمه الزاعمون- أي أنهم لا يؤولونه كما أوله غيرهم. يبد أن إثباتهم لا يصل بهم إلى حد التشبيه والتمثيل -كما قلنا في غير موضع- من الرسالة. وأما الخلف فلم يوفقوا في هذه الصفة كما لم يحالفهم التوفيق أيضاً في جميع الصفات على اختلاف مشاربهم، فزعموا: أنه ما ثمةَ غضب. وإنما المراد بالغضب المذكور في النصوص لازم الغضب وهو إرادة الانتقام. وعللوا لما ذهبوا إليه بقولهم: إن أصل الغضب غليان دم القلب عند إرادة الانتقام، وذلك مستحيل على الله تعالى، أو بعبارة أخرى: إن حقيقة الغضب الانفعال والتغير من حال إلى حال، وهو أمر لا يليق بالله، إلى آخر تلك التعليلات والأعذار غير المقبولة لدى غيرهم، من أهل السنة والجماعة. ولدفع هذه الشبهة التي نسجوها من خيوط العنكبوت نقول هنا ما قلناه في رد شبهاتهم السابقة حول الصفات التي تحدثنا عنها سابقاً: وهو أن لوازم صفات المخلوقين التي ذكروها لا تلزم صفات الخالق، إذ لا مناسبة بين صفات الخالق وصفات المخلوق حتى تقاس صفاته سبحانه على صفاتهم، وكما أنهم أثبتوا ذات البارئ دون تفكير في لوازم ذوات المخلوقين، يلزمهم إثبات صفاته ذاتية أو فعلية دون تفكير في لوازم صافت المخلوقين، وهذا الإلزام يلحق أو يلزم جميع النفاة المعتزلة والأشاعرة وأتباعهم. هكذا نوجز القول في هذه الصفة اكتفاء بما تقدم من المناقشة حول الصفات التي قبلها، لأن الكلام في بعض الصفات كالكلام في البعض الآخر. وبالتالي فإن الكلام في الصفة عامة كالكلام في الذات سلباً وإيجاباً.





التوقيع

إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أنواع , الحلف , السلف , الصفات , الإلهية , غنى


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 08:57 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd