منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى أخبار التربية والتعليم (https://www.profvb.com/vb/f13.html)
-   -   امتحان الباكلوريا أمام محك تكافؤ الفرص سراب بقيعة (https://www.profvb.com/vb/t33589.html)

ابن خلدون 2010-06-10 23:40

امتحان الباكلوريا أمام محك تكافؤ الفرص سراب بقيعة
 
امتحان الباكلوريا أمام محك تكافؤ الفرص سراب بقيعة

10/06/2010

http://www.oujdacity.net/i/data/ocv3...8-25028662.jpg



الامتحان من فعل محن يمحن ـ بفتح الحاء ـ محنا بمعنى اختبر وجرب عندما يتعلق الأمر بالإنسان ، وقد يدل على عقوبة الضرب فيقال محنه مائة سوط أي ضربه ، وإذا تعلق الأمر بغير العاقل قد يدل على الإجهاد فيقال محن الناقة إذا جهدها بالسير ، ويقال محن المعدن إذا صفاه وخلصه بالنار من الشوائب . ومنه المحنة وهي البلية التي يمحن بها الإنسان . ومنه المحن وهو الدأب لهذا يقال كان في محن أي في دأب. فالامتحان حسب المادة اللغوية في اللسان العربي يجمع بين التجريب والاختبار والعقوبة والإجهاد والتصفية . وقد أطلق اسم مشتق من المحن أوالامتحان على سورة من سور القرآن الكريم وهي سورة الممتحنة ومما جاء فيها حديث عن النساء المؤمنات في قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن )) والمعنى هنا اختبروهن .وجاء ذكر الامتحان أيضا في سورة الحجرات في قوله تعالى : (( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى )) والمعنى هنا أخلص قلوبهم كما يخلص ويصفى المعدن. وامتحان الباكلوريا الإشهادي كما يسمى بيداغوجيا هو قياس مدى كفاية المتعلمين في هذا المستوى من خلال مجموعة من الاختبارات المتعلقة بمجموعة من المواد الدراسية الموجودة ضمن منهاج دراسي. وهو عملية تصفية وتخليص إذ يصفى ويخلص بالاختبارات ذوي الكفايات من غيرهم . وكما تتم تصفية المعدن حين يمحن بالنار ، فإن تصفية المتعلمين في امتحان الباكلوريا تكون بواسطة نار معنوية لتنفك شوائب الجهل عنهم . وكما أن نار المعادن محرقة ، فنار الباكلوريا المجازية أيضا محرقة لا يقل ألمها عن ألم النار الحقيقية إذ يجلس الممتحن جلسة خاصة ليسأل ، ويجرد من كل شيء يمت بصلة للوصول السهل إلى الأجوبة . ويراقب عن طريق رقابة مشددة داخل فصل يسجن فيه ، ولا يسمح له بالخروج منه وخارجه أيضا حيث رقابة أخرى ، وتكون الرقابة بعضها فوق بعض إذ أخرج يده وفيها ما يريب لم يكد يفرح بها من فرط الرقابة . ل
قد واجه هذا الموقف الحرج ما يقارب 335 ألف مترشح والسؤال الذي يطرح نفسه هل كان مبدأ تكافؤ الفرص متاحا لكل هذا العدد أم أن في الأمر ما يدعو إلى وقفة ومساءلة ، وربما محاسبة يعقبها ندم شديد بعد تأنيب ضمير . من المعلوم أن امتحان الباكلوريا ككل الامتحانات الإشهادية عندنا كتب على من يتقدم لاجتيازه أن يستعد لامتحان في فصل قائظ ، حيث تضم الحرارة الحقيقية إلى الحرارة المعنوية فيكون المحن أو التصفية حقيقة ومجازا في نفس الوقت . لقد عاينت حرارة الطقس بمدينة عين بني مطهر حيث كلفت بملاحظة امتحان الباكلوريا ، وجعلت أتساءل إذا كانت هذه درجة حرارة هذه المدينة فما هي درجة حرارة مدن الجنوب ؟ وتواصل حبل تفكيري في المناخ فتوقف تفكيري عند المدن الساحلية ذات الأجواء اللطيفة ، وقلت في نفسي قبل أن أعبر عن ذلك لمن كان معي :أين مبدأ تكافؤ الفرص مناخيا بين أبناء الوطن الواحد وهم أمام امتحان واحد ؟ فئة تمتحن والنسيم العليل ينعش أجسادها ، و أخرى تمتحن والحرور يلفح وجوهها ،أفلا يوجد أدنى تأثير على النتائج بسبب الفارق بين مناخ لطيف وآخر قائظ ؟ ومقابل انعدام تكافؤ الفرص بسبب اختلاف المناخ فكرت في انعدام تكافؤ الفرص لأسباب أخرى أذكر منها اختلاف المؤسسات التربوية في المدارات الحضرية والقروية ، وتفاوت هذه المؤسسات داخل المدار الواحد إذ لا تقاس مؤسسة بحي شعبي بمؤسسة بحي راق ، ولا تقاس مؤسسة في بادية بأخرى في حاضرة ، ولا تقاس إمكانيات هذه المؤسسة بتلك ، ولا تقاس ظروف الوصول إلى هذه المؤسسات بظروف الوصول إلى تلك ، ولا تقاس وسائل النقل بهذا المدار بوسائل النقل بذاك فهي تتراوح بين السير على الأقدام بأحذية يمكن وصفها بالتأديبية وبين السيارات الفخمة المكيفة الهواء وما بين هذين الحدين المتباعدين درجات هوائية مضنية ونارية زاعقة ، وحافلات نقل عمومي تنوء بالزحام ، وحتى عربات تجرها الخيل والحمير والبغال . المدارات مختلفة ، والإمكانيات مختلفة ، ووسائل النقل مختلفة وكل شيء مختلف ولكن امتحان الباكلوريا واحد ، وهو امتحان يقتضي بالضرورة مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع حسب التوجيهات التربوية الرسمية وبئس ما هي . وإذا تأملنا مبدأ تكافؤ الفرص في ظروف الامتحان من حيث الإنجاز سواء تعلق الأمر بالمراقبة أم بالسهر على عمليات الامتحان المختلفة نجد هذا المبدأ ضربا من الوهم والخيال.
ففي مؤسسات وفي فصولها الرقيب عتيد ما يلفظ لديه من قول أو تقلب من صفحة أو تسقط من ورقة إلا بعلمه ، وفي فصول مؤسسات أخرى أذن فيها بضرب قيود الامتحان عرض الحائط ، وسادها التسيب وأبيح كل ما يمنع في الامتحان من وسائل غش بدءا بسكوت الرقابة سكوت الشيطان الأخرس ، وانتهاء بتورط إدارة بكامل طاقمها الإداري والتربوي في هذا الغش لأن في فصولها فلذات أكباد هذه الطواقم الحالمة بأعلى المعدلات من أجل ولوج أرقى المدارس ، وتبوء أحسن المراكز . ففي وقت يجتمع الطقس الحار والرقيب العتيد في الداخل والخارج على فئة من أبنائنا يكون نصيب فئة أخرى الطقس اللطيف ، والرقيب الرحيم في الداخل والخارج ، فأنى لمبدأ تكافؤ الفرص أن يوجد في وضع كهذا ؟ يمر الامتحان ونسمع حكايات يمكن أن تكون فصولا جديدة في كتاب ألف ليلة وليلة ، وربما صارت مائة ألف ليلة وليلة ، وربما مليون ليلة وليلة ترويها شهرزادات عديدات . ومما يحسب على مبدأ تكافؤ الفرص ظروف تصحيح أوراق امتحان الباكلوريا ، فهي شبيهة بظروف الامتحان من حيث مناخها ومحسوبيتها .
ففئة من المصححين يقومون بعملية التصحيح في ظروف مناخية مغرية في قاعات مكيفة ، أو مطلة على شاطىء جميل ، وبها بارد ولذيذ الشراب الذي لا يصيب معه ظمأ ، في حين تقوم فئة أخرى بالتصحيح في قاعات لا تطاق ، وإذا استغاثوا أغيثوا بماء حار وربما كان من ملحت أجاجا ، علما بأن القضاء يشترط في القاضي ، والمصحح قاض ساعة التصحيح أن يكون في ظرف لا يعكر مزاجه فيؤثر على حكمه. وربما تحولت عملية التصحيح إلى فرصة محسوبية بامتياز حيث توجه أوراق التصحيح إلى جهات دون جهات ، وقد تمر سنوات ببعض المدرسين لا يعرفون معنى التصحيح و لا المداولات لأن أسماءهم لا يسمح لها المسؤولون بأن تكون ضمن لوائح المصححين بالرغم من كفاءتهم ونزاهتهم ، وقد يكلف بالتصحيح من لا توجد عنده مثقال ذرة من نزاهة ، وإنما يمر بأوراق التصحيح مرور الكرام مع فعل اللئام. وكل ذلك مما له تأثير على مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين لامتحان الباكلوريا في بلادنا . ومن قال غير ما أقول استحلفته برب لا تنام عينه سبحانه ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أن يقسم لشهادته أحق من شهادتي ، وما أظنه يفعل إلا أن يكون حالف يمين غموس ، إذ لا يعتد بيمين لغو في هذا المجال. وستعلن النتائج فيكون الفائز بسبب لطف المناخ ، و فتور الرقيب ، و قصاصات الغش ، و حسن ظروف النقل ، وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ويكون الراسب بسبب قساوة المناخ ، وقسوة الرقيب ، وسوء ظروف النقل ، وما لا يعلمه إلا علام الغيوب ، ولئن قدر لأحد في مثل هذه الظروف أن ينجح فهو ذوحظ عظيم من أولي الصبر وأولي العزم ، ويحق له أن يفخر بفوزه لأنه محن بالفعل كما يمحن المعدن ، في حين نال غيره بيسر ما ناله هو بشق الأنفس . وستطلع علينا كالعادة نسب مئوية مذهلة في نيابات دون غيرها ، إذ تكون نسب النجاح أكبر حيث لا مبدأ تكافؤ بل مبدأ ترك الحبل على الغارب. وسيقف المسؤولون في الجهات خلف عدسات وسائل الإعلام يمدحون النتائج ، وينسبون أبوة عذريتها لأنفسهم خصوصا في موسم رفع شعار النجاح ولات حين نجاح .

محمد شركي
عن وجدة سيتي نت


الساعة الآن 10:10

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd