2010-06-14, 17:42
|
رقم المشاركة : 12 |
إحصائية
العضو | | | رد: عرض المبحث السادس من الفصل الثاني:الإلتزام المهني و الأخلاقي. | بارك الله فيكم جميعا على إسهاماتكم الرائعة . لقد أدرك المربون المسلمون أهمية وجود المعلم القدوة وأبرز الصفات التي يجب توافرها فيه، فألفوا في ذلك كتباً عديدة تناولت هذه الصفات بكثير من التفصيل والبسط، مما يؤكد أصالة الفكر التربوي الإسلامي وعراقة التراث الإسلامي، الذي ينبغي دراسته وتحليله والاستفادة من معطياته، وليس أدل على نجاح هذا الفكر وأصالته من أنه قد أنتج الآلاف من العلماء البارزين في كل ميادين المعرفة الإنسانية، ولذلك فيجب الرجوع إلي الفكر الإسلامي لتأصيل التربية المعاصرة والاستفادة من ايجابيات هذا الفكر، الذي ينطلق من العقيدة الإسلامية والثقافة العربية الأصيلة، كونه يراعي ظروف خصائصنا الثقافية والاجتماعية، ويساعد على المحافظة على الهوية الثقافية الإسلامية، في ضل التحديات الثقافية المعاصرة التي تمثلها العولمة الثقافية التي تهدف إلى تذويب ثقافة الناشئة، وصهرها في بوتقة ثقافات مغايرة ( العمرو، 2002م، 106 ). مما يؤثر سلباً على القيم الخلقية للناشئة. ولذلك يجب على " كل مسئول عن أي موقع من مواقع الحياة، عندما يتناول المشكلات التي تعوق انطلاقة العمل في موقعه، أن يضع المشكلة الخلقية على رأس تلك المشكلات " ( عفيفي، 1988م، 566 ) فتدهور القيم الخلقية يعتبر إحدى الأزمات والمشكلات الرئيسة في العالم المعاصر، حيث ظهرت في بعض الممارسات والأنماط السلوكية غير السوية، سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات. وإذا كانت سلبيات هذه الأزمة تنعكس على جميع فئات المجتمع، فإن محاولة معالجتها يجب أن تبدأ بعد تشخيصها بتربية التلاميذ، وحسن رعايتهم، منذ بداية تكوينهم وحتى نهاية مراحلهم الدراسية على القيم الخلقية الفاضلة من خلال وسائل وأساليب العملية التربوية المختلفة. ( الغيلي، 1999م، 4 – 5 ). فالتربية، في ذاتها، عملية أخلاقية، تستند إلى القيم وتسعى إلى تحقيقها، فهي الأساس في تربية النشء، وهي وسيلة المجتمع في تحقيق أهدافه، وتنمية قيمه الأصيلة التي تعبر عن ثقافته وخصوصياته، التي تنطلق من واقعه وما يناسبه، ولذلك أهتم الإسلام بالأخلاق وأولاها رعاية واهتماماً كبيرين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً " ( البيهقي، د. ت، ج10، 193). فالدين الإسلامي هو المرجع الأول والأساسي للتربية الأخلاقية الصحيحة. والإسلام منذ بداية ظهوره حرص على الدعوة إلى طلب العلم، وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، إلا أن العلم لكي يعطي ثماره ويكون له الأثر الواضح على المجتمع يجب أن يقترن بالأدب، والخلق الحسن، وذلك لما للأخلاق من أهمية كبيرة في حياة الأفراد والجماعات، فهي تحمي الأفراد من الوقوع في الرذائل، وتحفظ المجتمع من التصدع والانهيار، "ولذلك يعد تهذيب الجانب الخلقي في شخصية الفرد أحد الجوانب الهامة في عملية التربية التي تستهدف شخصيته بالرعاية والتنمية، وتعد أسمى أهداف التربية وغايتها" ( سعد، 2000م، 130 ). ولذلك فقد اهتم الإسلام بالجانب الأخلاقي، وحدد قيماً وقواعد أخلاقية لكل جانب من جوانب الحياة، وقد اهتم المسلمون بتلك التعاليم الأخلاقية الإسلامية، وعملوا على تطبيقها في كافة جوانب حياتهم، فكانت من أهم عوامل ازدهار حضارتهم، كما واكب ذلك الاهتمام اهتمام مماثل من جانب المفكرين عامة والتربويين خاصة، فصنفوا العديد من الرسائل والدراسات التي عنيت بأخلاق المعلمين والمتعلمين وآدابهم على السواء، تلك الأخلاق التي تستمد من الإسلام ونظرته الشاملة للإنسان والكون والحياة. والتعليم يعد ضرورة من ضرورات الحياة المعاصرة؛ إذ أن العلم طريق التقدم والنهضة والتفوق. ولقد استطاعت المجتمعات التي قامت على أساس من العلم أن تحصل على التفوق العلمي الذي مكنها من تلبية احتياجات شعوبها، لأنها اهتمت بالعلم ورفعت من شأنه وعملت على تطويره. "وبما أننا نعيش في مجتمع إسلامي، فإن الفكر الذي يعكس حياتنا الثقافية في المجال التعليمي، هو الفكر التربوي الإسلامي بكل أصوله وركائزه ومحدداته ومقوماته وأساليبه" ( الرشدان، 2004م، 9 ). ذلك أن الفكر الإسلامي مبني على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولكي يحقق الفكر الإسلامي أهدافه، يجب أن يصاحبه تطبيق تربوي، وهذا التطبيق إنما يكون بالتربية التي تعتمد على منطلقات هذا الفكر ومسلماته ومبادئه وتترجمه إلى واقع حي ( راشد، 1994م، 255-256 ). ولذلك فقد رفع الإسلام من شأن المعلم، وجعل له منزلة كبيرة تقترب من منزلة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامة، ورفع درجة العلماء إلى أعلى الدرجات، قال تعالى: " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " ( المجادلة، آية: 11 ). ويقابل تلك المنزلة التي يحظى بها المعلم في المجتمع الإسلامي مسئوليات يفرضها عليه ذلك المجتمع، أهمها مسئوليته تجاه تلامذته، " فالتلاميذ في أي فصل دراسي إنما هم رعية والمسئول عنها هو المعلم" ( راشد، 1994م، 270 ). ومن هذا المنطلق فإن الفكر التربوي الإسلامي قد أوجب على المعلم الالتزام بأخلاق وآداب مثالية عالية، تشمل جميع جوانب حياته وتحيط بها، "وتحكم مهنة التعليم وكل من امتهنها، كما تنبع منها مسئوليات المعلم أولاً، ثم الصفات الخلقية التي لابد أن تتوفر في المعلم والمربي المسلم حتى تكون نبراساً لكل من لهم شرف الانتساب لمهنة التعليم" ( بحاري، 1989م، 100) ذلك أن الجانب الخلقي في شخصية المعلم شرط ضروري لنجاحه في تأثيره على تلامذته، فمن أهم مسئولياته تجاههم غرس القيم الخلقية الحسنة في نفوسهم. فالتلاميذ لا يأخذون العلم والمعلومات عن المعلمين فحسب، بل إنهم يقتبسون من أخلاقهم ويتأثرون بسلوكهم ( العمرو، 2002م، 105 ). والمدرسة وهي تتعهد الناشئين، إنما تنشد نماذج معينة من السلوك وتتوقع أن يكون المعلم ممثلاً لها أو هي جزء من سماته الشخصية ( مكروم، 1983م، 183 )؛ " لأن دور المعلم خطير، فأعين تلامذته معقودة به، يتخذونه مثالاً يقتدى ونموذجاً يحتذى، ويرون كل قول يخرج منه صواباً، وكل فعل يصدر عنه صحيحاً، فلينظر كل معلم، كم يصلح من الناس وكم يفسد! فالتعليم بالقدوة أعظم تأثيراً وأقوى حجة منه بمجرد الكلام والبيان، فيكف إذا كان الفعل يخالف القول، والسلوك يصادم التوجيه " ( حسن، 2002م، 84 ). ولذلك فالمعلم في حاجة ماسة إلى الصفات الخلقية الطيبة حتى يؤثر في تلامذته وينجح في مهنته ( الرشدان، 1987م، 13 ). حيث أن هناك مسئوليات وواجبات على المعلم أن يلتزم بها نحو ربه وخالقه أولاً ونحو نفسه وتجاه مهنته وتلامذته والمستفيدين منه، وزملائه في العمل، وكذلك تجاه المسئولين وأولياء الأمور والمجتمع بشكل عام منها: أن يقصد باشتغاله بالعلم وجه الله تعالى (ابن جماعة، د. ت، 47). أن يكون المعلم نظيفاً في جسمه وملبسه، أنيقاً في هيئته، طيباً في رائحته، جميلاً في مظهره. (البغدادي، 1983، ج1، 383). أن يكون متواضعاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما تواضع أحداً لله إلا رفعه" (المباركفوري، 1995، ج6، 141، رقم 2029). أن يكون قدوة حسنة لتلامذته في كل شيء، حيث يطالب الغزالي المعلم بأن يكون عاملاً بعلمه فلا يكذب قوله فعله ( الغزالي، د0 ت، ج1، 58 ). أن يعامل التلاميذ بالحسنى واللين والرفق، وأن يجريهم مجرى بنيه في الشفقة عليهم ( النووي، د.ت ، ج1،51 ). أن يسعى في مصالح الطلبة وجمع قلوبهم، ومساعدتهم بما تيسر له من جاه ومال عند قدرته على ذلك ( ابن جماعه، د. ت، 61 ). أن يكون لدى المعلم القدرة على تنمية قدراته باستمرار، لازدياد فعاليته سنوياً، وذلك بعدم الاكتفاء بتكرار الخبرات السابقة ( الماوردي، 1995م، 53 ).
وبحسب ما أشارت إليه كثير من الدراسات التربوية، فالمعلم هو أكثر العوامل المدرسية تأثيراً على سلوك تلامذته ( المومني، 1993م، 82 ) وبمقدار صلاحه يكون صلاح التعليم، ولكي يتم ذلك لابد من أن يكون المعلم متمسكاً بالقواعد الأخلاقية الإسلامية، والأخلاق الفاضلة، خاصة ما كان منها متعلقاً بمسئولياته تجاه تلامذته. "ولأن المعلم من أهم مدخلات العملية التعليمية وأخطرها أثراً في تربية النشء، فهو بالتالي يحدد نوعية مستقبل الأجيال وحياة الأمة ... لأن أي إصلاح مستهدف للأمة، أو تعديل مسارها بغية تقدمها إنما ينطلق من البصمات التي يتركها المعلم على سلوكيات طلابه وأخلاقهم وعقولهم وشخصياتهم" (عبد الجواد ومتولي، 1993م، 18)، فمهما تطورت مناهج التعليم - الكتب المدرسية - وشيدت المدارس وجهزت بأحدث الأدوات والتجهيزات التكنولوجية، فإن ذلك لن يجدي نفعاً في بناء المجتمع، ما لم يكن هناك معلم قدير( باعباد، 1983م، 15). والاهتمام بوضع المعلم المهني والعلمي وبتأهيله ليس جديداً لا على المستوى العالمي أو العربي، فقد أصبح ظاهرة عالمية في التربية منذ الستينات والسبعينات، وتزايد ذلك الاهتمام خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وقد وجدت الدول التي وضعت استراتيجيات للإصلاح التربوي الشامل، أن التربية لا تضطلع بدورها دون اعتبار للمعلم وتأهيله وتفعيل أدواره، كجزء أساسي من مهام تلك الاستراتيجيات وأحد مرتكزات تحقيق أهدافها ( الوطحي، 2000م، 39 ). ومن خلال عمل الباحثة في الميدان التربوي، لاحظت ضعف التزام بعض المعلمين بأخلاق المهنة مما يؤدي إلى فقدان حلقة التواصل الأخلاقي بين المعلم والطالب، وهناك من المعلمين من يغفل الجانب العاطفي في علاقته مع تلامذته ولا يدرك " أن العلاقات العاطفية المتبادلة بين المعلم وتلامذته، تساعد على إنشاء نظام للعمل يسمح للمعلم بالتأثير التربوي الإيجابي على تلامذته، ذلك أن النشاط التربوي بين المعلم والتلاميذ هو نشاط مشترك يتوقف نجاحه على طبيعة تلك العلاقات المتبادلة بين الطرفين" ( بشارة، 1986م، 43 ). ومن وجهة نظر الباحثة فإن معظم الاعتداءات التي تقع على المعلم في أي مؤسسة تربوية، ترجع إلى سوء العلاقة بين المعلم والطالب، " التي يكون مردها إما إلى المعلم أو إلى الطالب أو هما معاً، ولا يعفى المعلم من تحمل جزء من مسئولية ما يتعرض له من اعتداء، ذلك أن بعض المعلمين لا يحسنون التعامل مع الطلاب، ولا يستوعبون التصرفات والسلوكيات غير السوية التي تصدر من بعضهم، فمن المعلمين من يتهور في ضرب التلاميذ بطريقة عنيفة وعشوائية لأتفه الأسباب، ومنهم من يزجر التلميذ المسيء بطريقة جارحة ومهينة فيهتك حجاب الهيبة والاحترام بينه وبين التلميذ، مما يدفع الأخير إلى التهجم على معلمه" ( النزيلي، 2001، 89). وقد توصلت دراسة (الخياط والمخلافي، 2000م، 54- 55) إلى أن من أهم المشكلات التربوية: كثرة استخدام العقاب البدني للتلاميذ. سوء العلاقة بين إدارة المدرسة والمعلمين مع بعضهم البعض، مما يوجد جواً خالياً من الاحترام المتبادل بين المعلمين وإدارات المدارس يترتب عنه فقدان احترام الطلبة للمعلمين.
وفي محاولة لمعرفة أسباب سوء العلاقة هذه ذكر أنه يكمن في الآتي (المرجع السابق): سوء اختيار الإدارة وفسادها. ضعف قدرة المعلمين العلمية والمهنية. عدم احترام المعلمين لأنفسهم والحزبية والصراع السياسي فيما بين العاملين في المدرسة.
كل تلك المشكلات التربوية، أوجدت لدى الباحثة دافعاً لتناول أخلاق مهنة التعليم، والتعرف على مدى تمثل معلمي المرحلة الأساسية لها في الواقع السلوكي العملي تجاه التلاميذ " لاسيما وأن التعليم الأساسي يشكل العمود الفقري لإصلاح بنية التعليم والنهوض به وتحديث اتجاهاته، ويتيح مثل هذا التعليم للتلاميذ أن ينموا نمواً متكاملاً يضعهم على عتبة الحياة وأبواب العمل بحيث يكون في إمكانهم استثمار الخبرات وتوظيف المعارف بكل يسر" ( الهيتي، 2000 م، 30). ولكي يتم ذلك فلابد من وجود المعلم الكفء القادر على القيام بدوره على أكمل وجه المضطلع بمسؤوليات مهنة التعليم ومهامها وأخلاقياتها. ومن هذا المنطلق كانت الدعوة إلى الاهتمام بتعميق أخلاق مهنة التعليم وضرورة تحلي المعلم بهذه الأخلاق المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية والفكر التربوي الإسلامي. | التوقيع | إذا الشّعب يوما أراد الحياة **** فلا بد أن يستقيم البشر
و لا بد للجهل إن ينجلي **** و لا بد للعلم أن ينتشر
و لا بد للشعب أن يرجع **** إلى عز دين به ننتصر
إلى رحب شرع إلى مسجد **** إلى نور علم به مزدجر
إلى سنة النبي المصطفى **** ففيها الهدى و الضيا و الدرر
... إلى نور قرآننا المنزل **** رسول كريم به قد نزل
إلى شرعة ربنا السمحة **** ففيها النجاة و فيها الضّفر
و فيها الخلاص و فيها المناص **** من الظلمات و من كل شر
فيا شعب إسلامنا الماجد **** أنيبوا و عودوا إلى مقتدر
و توبوا إلى الله كي تفلحوا **** و تنجوا و إلا فبئس المقر | |
| |