الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الثقافة والفنون والعلوم الإنسانية > الفكر و التاريخ و الحضارة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2010-05-29, 21:25 رقم المشاركة : 1
رشدية جابرية
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية رشدية جابرية

 

إحصائية العضو







رشدية جابرية غير متواجد حالياً


وسام المشاركة في دورة HTML

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رهان النقد في الحوار الفلسفي.



مع مقال جديد متخصص في طبيعة الحوار الفلسفي. لكاتبه الاستاذ محمد ازويتة، عن موع الفمكر محمد عابد الجابري.

رهان النقد في الحوار الفلسفي
محمد ازويتة


لا يمكن أن نفكر في إنجازات الأستاذ بنعبد العالي خارج الفرش النظري الذي تقدمه مباحث الفكر الفلسفي المعاصر في رهاناته النقدية الكبرى[1].. أن تكون في صميم الفكر الفلسفي المعاصر معناه "الوعي" بما أصبحت تعنيه الفلسفة اليوم "وقد غدت استراتيجية لمجاوزة الميتافيزيقا".. يمكن مقاربة هذا الوعي من خلال ثلاثة مداخل منتظمة هي بمثابة استراتيجية/برنامج عمل المؤلف:
1-مدخل نظري أكاديمي يمثله بحث المؤلف[2].
2-مدخل نقدي تمثله "متابعة" المؤلف النقدية لحركة الفكر الفلسفي في المغرب[3].
3-مدخل نقدي في صيغة "موسعة" حيث يقوض المؤلف بعضا من التمثلات الميتافيزيقية في مستويات متنوعة، وتمثله الإصدارات الأخيرة[4].
لا يتعلق الأمر بتأطير خطي ينتظم إنتاج المؤلف.. بل بإجراء توزيعي يظل فيه الإنتاج مفتوحا على بعضه في حركة لا متناهية.. والورقات/المداخل التالية تثبت ذلك:
- I
يشكل بحث المؤلف في أسس الفكر الفلسفي المعاصر رهانا جديدا يقتحم حركة الفكر الفلسفي الغربي في تحولاته الكبرى.. وهي التحولات التي استهدفت، في تنوع فاعلياتها النقدية.. الانفلات من قبضة هيغل "باعتباره الفيلسوف الذي اكتملت عنده الميتافيزيقا"..
تتجسد مهمة الفكر الفلسفي المعاصر إذن في رصد جينيالوجيا الميتافيزيقا، وذلك برصد مختلف المفاهيم الأساسية التي يحاول الفكر الفلسفي المعاصر أن يخلخلها، وفي مقدمة ذلك التاريخ الهيغيلي، ومفهوم الزمان التاريخي كما أرستهما المثالية المطلقة..
هكذا يتوقف المؤلف –في القسم الأول من الدراسة- مع الفاعليات التي أخذت على عاتقها تقويض التاريخ والزمن الهيغيليين أي جينيالوجيا نيتشه، وتقويضية هيدغر، وحفريات فوكو، وأخيرا تفكيكية دريدا.. كما يتوقف المؤلف في القسم الثاني مع "منطق" الثنائيات الذي يحكم النظر الميتافيزيقي، وآليات المجاوزة التي تعتمدها الفاعليات المذكورة..
ينتهي المؤلف في القسم الأول إلى التمييز بين طريقتين لتأريخ الحقيقة: الطريقة الأولى: تعتبر قيام الحقائق نموا وتراكما، وأن تاريخ الحقيقة عملية بناء تحاول أن تلاحق ميلاد الحقائق "(...) هكذا لم ير هيغل في الفلسفات إلا فلسفة واحدة.. يقول: "ما القول في هذه الفلسفات المتعددة التي يقال عنها إنها حجة ضد الفلسفة أي ضد الحقيقة؟ ينبغي أن نرد أولا أنه لا وجود إلا لفلسفة واحدة".. لقد نظر هيغل إلى تاريخ الفلسفة من وجهة نظر الوحدة والتطابق، فاعتبر الاختلاف مجرد تعارض ما يلبث أن يزول لتهيمن الوحدة والاتصال والاستمرارية والانسجام.. أما الطريقة الثانية فتعتبر نشأة الحقائق قضاء على الأخطاء، وفضحا للأوهام.. أي أن تاريخ الحقيقة هو عملية تقويض، وتراجع وحفر وتفكيك..[5].
أما في القسم الثاني، فينتهي المؤلف إلى أن الاستراتيجيات النقدية التي استهدفت تقويض البناء الازدواجي الذي يحكم منطق الميتافيزيقا، قد عملت على صياغة "منطق جديد مضاد"، لن يكون قلبا ميكانيكيا للبناء الازدواجي، بل تقويضا له.. وذلك بالعمل على صياغة أفق مفاهيمي جديد، يؤسس لحمولة جديدة تحرر السلب من العتمة.. يتعلق الأمر بسلسلة مفاهيمية "لا متناهية" (التكرار، السيمولاكر، الزيادة، الهامش، النسخة، الكتابة..).
وهكذا فعالم السيمولاكر هو "عالم يحكمه الاستنساخ، وتصبح فيه الهوية تكرارا، عالم لا وجود فيه للشيء إلا في عودته، ولا حضور له إلا بنظائره وبدائله، إنه عالم تتصدع فيه الذات وتنهار فيه الذاتية"[6].. كما أن عالم الكتابة "لن تظل فيه المادة الخطية-الفضائية ظاهرة برانية تمثيلية وثانوية بالمقارنة مع الصوت الذي يسير جنبا إلى جنب مع مركزية اللوغوس.. إذ سيتم تقويض هذا النظر وذاك "بإنتاج مفهوم جديد للكتابة، نستطيع تسميته حرفا أو اختلافا، أي لعبة من الاختلافات تتطلب تركيبات وإحالات تمنع أن يكون أي عنصر بسيط(...) حاضرا لذاته وفي ذاته، وسواء كان الأمر متعلقا بالخطاب الشفوي أو المكتوب، فإن أي عنصر لا يمكن أن يشتغل كدليل دون الإحالة على عنصر آخر لا يكون هو نفسه حاضرا حضورا بسيطا. هذا التسلسل يجعل من كل عنصر (وحدة صوتية كانت أن خطية) متكونا انطلاقا مما يوجد فيه من العناصر الأخرى من السلسلة أو النسق (...) إذ لا وجود كلية إلا للاختلافات وآثار الآثار"[7].
- II
يستند المؤلف في قراءته للفكر الفلسفي في المغرب إلى المدخل المفاهيمي.. "حيث يشتغل التفكير الفلسفي عندنا من خلال مفاهيم استراتيجية ترمي إلى مراجعة مفاهيم الفلسفة، وقضاياها، وإعادة النظر في التراث الفلسفي"[8].
يسمح المدخل المفاهيمي الموظف في تملك التراث العربي والإسلامي أو الغربي بمعاينة حركة الفكر الفلسفي في المغرب انطلاقا من ثلاثة مفاهيم أساسية:
ـ مفهوم التاريخ: وما يرتبط به من مفاهيم أخرى كالتراث والكلية والتاريخية..
ـ مفهوم الهوية: وما يتعلق به من مفاهيم كالأصالة والقومية والخصوصية والتغاير..
ـ مفهوم الإيديولوجيا: وما يرتبط به كمفهوم التأويل والقراءة والموضوعية والحقيقة..[9].
يميز المؤلف في "متابعته" للمتكأ المفاهيمي أعلاه بين ثلاث استراتيجيات مختلفة.. تتقدم من خلالها استراتيجية الخطيبي النقدية كأفق موجه: توضيح ذلك، أن الاستراتيجية المذكورة، قد استهدفت إحداث "قطيعة" مع "النظر الفلسفي" السائد في المغرب، وذلك بالعمل على تفكيك التصورات المفاهيمية، التي ينهض عليها.. والتي تتخذ –في تنويعاتها النظرية- أفقا ذا نزعة ميتافيزيقية واضحة.. وهكذا فإذا كانت دعوة الأستاذ العروي تستوجب الخضوع للفكر التاريخي.. وبالتالي التحرر من سراب التراث وأوهام الأصالة، فإن الخطيبي يؤاخذ عليه إهماله للتواريخ "الفعلية لحساب تاريخ كوني وكلية ميتافيزيقية هي بذاتها موهومة"[10].. وحتى عندما يراهن الأستاذ الجابري على آليات جديدة في قراءة التراث، يتكامل فيها الانفصال بالاتصال ضمن شروط منهجية تراعي الموضوعية والتاريخية.. فإن رهان الهوية، ضمن سلسلة الوحدة والاتصال والاستمرارية.. فضلا عن موقف معين من التراث- يجعل الخطيبي في موقع المتجاوز للتاريخ "ككلية ميتافيزيقية نسيجها الاستمرارية والعقلانية والميل إلى النظام والإرادة.."[11].
في هذا الأفق النظري إذا، يعمل الأستاذ بنعبد العالي على قراءة عدد من المؤلفات المتنوعة (فكرية، إبستمولوجية، وأخرى تندرج في سياق أدبي..).
نحيل على بعضها كما يلي:
1-ينطلق المؤلف في قراءته لـ نحن والتراث للأستاذ الجابري، على أساس التمييز بين مؤرخ الإيديولوجيات ومؤرخ الفلسفة، "فإذا كان مؤرخ الإيديولوجية يخلق الوحدات ويولد التطابق ويرسم التيارات والمذاهب والنظرات إلى العالم، مستخدما مفاهيم الانسجام والكلية والاستمرارية والوحدة، فإن مؤرخ الفلسفة يحاول أن ينتج الفوارق ويعدد الهوية، وينحاز إلى الهوامش، لذا فهو يلجأ إلى مفاهيم مغايرة، كمفهوم الاختلاف والتعارض البنيوي والتعدد والمنظورية[12].
بهذا المعنى، يعتبر المؤلف قراءة الجابري للتراث الفلسفي العربي الإسلامي بمثابة "تاريخا للإيديولوجيا"، وقد تمظهرت من خلال مستويين:
ـ مستوى منهجي/إجرائي: ضرورة التمييز بين المحتوى المعرفي والإيديولوجي، الأول ميت غير قابل للحياة، أما الثاني فيظل حيا على مر الزمان..
ـ مستوى رؤيوي: أن القراءة الإيديولوجية تستجيب لحاجة عملية يفرضها وضع الذات العربية في الظرف الراهن..
لا يعني ذلك –كما يؤكد بنعبد العالي- أن النوعين من التأريخ يوجدان منفصلين عن بعضهما.. أو أن الواحد منهما أهم من الآخر.. وإنما بيان طبيعة النظر هنا وهناك. وإذا كانت حركية الفكر الفلسفي المعاصر تستهدف العمل "خارج" التأريخ الإيديولوجي، ذو الطبيعة الميتافيزيقية، فإن جدة عمل الأستاذ الجابري، -بالنسبة للوضع العربي وللقراءات السائدة- تكمن في الوعي بهذا النوع من القراءة، الذي هو "أفضل ألف مرة من أن نستمر في قراءة تراثنا قراءة إيديولوجية غير واعية، قراءة مزيفة مقلوبة"[13].
2-يركز الأستاذ بنعبد العالي في قراءته لكتاب فلسفة العلم والعقلانية المعاصرة للأستاذ سالم يفوت، على تقويض نظر هذا الأخير إلى الإبستمولوجية الباشلارية، "فالأستاذ سالم يفوت، لم يعط لنفسه فرصة إدراك هذه الجدة، لأنه اقتصر على النظر إلى باشلار من المنظور الإبستمولوجي الصرف، فزج بها في تاريخ الميتافيزيقا (...) هذا في حين أن قيمة الموقف الباشلاري تتجلى أساسا في هذا الابتعاد، وأن حضوره يكمن في هذا الغياب، وجدته في خصامه مع تاريخ الميتافيزيقا"[14]. فما هي ملامح التقويض الميتافيزيقي كما مارسها باشلار على صعيد الإبستمولوجيا؟
*إن من أهم علامات الجدة في الإبستمولوجيا الباشلارية إلحاحها على الجهوية، ورفضها للنسق والضم الكلي(…)، كما يرفض الحديث عن إبستمولوجيا العلم بصيغة المفرد"[15].
*الإبستمولوجيا الباشلارية تقويض للمفاهيم الميتافيزيقية، وزعزعة لعاداتنا الفلسفية، إنها محاولة لهدم مفاهيم الفلسفة، التي سكنت جهة معينة من جهات المعارف العلمية لتحيا فيها، وتستمد منها قوتها مثل مفهوم البداهة والحقيقة[16]..
*لا تستهدف الإبستمولوجيا الباشلارية استبدال فلسفة بأخرى، وإنما تريد أن تقوض الركائز التي تعتمدها الفلسفات التقليدية، وتتجاوز الميتافيزيقا، فتخلخل مختلف الأزواج التي تقوم عليها(...)، فالجدة هنا ليست جدة مضامين ومعاني، وإنما هي جدة استراتيجية، إنها الجدة التي تصبح الفلسفة بمقتضاها استراتيجية"[17].
*السعي إلى تقويض المفهوم الميتافيزيقي للحقيقة، بإعادة الاعتبار لمنزلة الخطأ، ومكانته الأنطولوجية[18].
3-أما بخصوص قراءة المؤلف لكتاب الأدب والغرابة للأستاذ كيليطو، فقد تم التأكيد على استراتيجة المؤلف النقدية، وعلى الرهانات الجديدة للنقد الأدبي في تقويض الأساس الميتافيزيقي، الذي تقدمه الكتابات النقدية السائدة: فإذا كانت إواليات "الألفة –في الأدب والغرابة- تستمد إلى ما هو معتاد، مجتر ومكرور.. أي ما يؤشر إلى الحضور والتطابق والهوية.. والذي يأخذ مظاهر متعددة:
*كالركون إلى مفاهيم معينة (النص – الأدب..)، وإعطاءها معاني واحدة جامدة "مما يفصلها عن حياتها ومخاضها ويغفل إرادتها القوة التي تتصارع من وراءها..".
*الاشتغال ضمن تنويعات مركزية تجنح إلى الإقصاء والتهميش.. إقصاء نصوص معينة، عبر اتهامها بالسوقية أو الهزلية.. أو اعتبار نموذج معين من الدراسات الأدبية نموذجا مطلقا يتعالى عن الزمان والمكان..
*النظر إلى العمل الأدبي من خلال ميتافيزيقا الذاتية والإرادية وفلسفة الوعي المباشر.. مما يحول الناقد إلى واعظ أخلاقي يلعب دور الموجه في اختيار النماذج التي يجب اتباعها والطريقة التي يلزم السير على هديها..
فإن "الغرابة" مرتبطة بالتجديد.. التجديد المؤسس للألفة الحقة.. عبر تفكيك مرجعيات الألفة المطمئنة، المضللة.. وتنسيب "أحكامها"..
يحاول كيليطو "إخراج النقد من ميدان القيمة (...) ليجعل منه عملا سندباديا يتحول في فضاءات مختلفة، وينقلنا من الألفة إلى الغرابة لينتج الفراغات ضد الامتلاء.." ذلك أن الامتلاء كما يقول بارت ذاتيا هو الذكرى (الماضي-الأب)، وعصابيا هو التكرار، واجتماعيا هو التحجر والتجمد، وفي مقابل كل هذا هناك الفراغ الذي لا ينبغي أن ينظر إليه كنوع من الغياب، الفراغ هو التجدد وعودة الجديد الذي هو نقيض التكرار"[19].
- III
تتقدم الإصدارات الجديدة كمفعول نقدي ينتظمه حقل اشتغال النظر الفلسفي الحديث.. أو لنقل إن استراتيجية مجاوزة الميتافيزيقا تتخذ في الإصدارات المذكورة واجهات متعددة.. كما تتكلم لغات متعددة..
بيان ذلك أن الميتافيزيقا لم تعد "فرعا من فروع المعرفة، وإنما هي حاضرة في جميع الأشكال الثقافية والسلوكية للإنسان، بل إنها بنية الوجود وتاريخ الكائن، لذا فإن مجاوزتها لا يمكن أن تقتصر على عملية نقد النصوص الفلسفية وتأويلها.. فالتفكيك والتقويض يطالان جميع الأشكال الثقافية، ويتصيدان الأوهام الميتافيزيقية التي تسكن النص الميتافيزيقي، ولكن أيضا تلك التي تنقش على الجدران وتحل في اللغة وتوشم على الأجسام".
يستفاد من هذا النظر، أن الميتافيزيقا، تتخذ أشكالا "خطابية" متنوعة، تمس نظامنا اللغوي، كما تتجسد من خلال ممارساتنا السلوكية المتعددة.. ومن هنا الإقرار "بصلابتها".. وبالمقابل، فإن التقويض والتفكيك موكول لهما تصيد تلك الأوهام الميتافيزيقية في تنويعاتها الدقيقة.. ومن هنا التنويع الاستراتيجي الملازم لاشتغال الفكر الفلسفي المعاصر باعتباره مجاوزة للميتافيزيقا..
وكيفما كان "أفق الصورة" هنا وهناك.. فلا بد من الإقرار من أننا –في المنظور الأول- أمام شبكة انتظام ميتافيزيقي تمس الجهاز المعرفي الموظف، من خلال نوعية القراءة المعتمدة والمفاهيم المشتغل بها.. ثم أشكال الأوهام و"الأساطير" التي تتلبسها تلك القراءة أو هذه المفاهيم مما يحمل طابعا ميتافيزيقيا.. وفي المنظور الثاني، هناك انتظام في تفكيك النسق الميتافيزيقي المذكور.. بكل تنويعاته أعلاه.
استتباعا، يلامس الأستاذ بنعبد العالي –ضمن حركة توليدية غير قابلة للاختزال- حقول النظر الفلسفي الحديث.. وذلك بالتمييز بين مرجعيتين:
مرجعية ميتافيزيقية: تكرس هيمنة الفكر التقليدي في النظر إلى الإنسان والمعرفة، حيث "طغيان مفاهيم (الأصل، الهوية، التراث..) ضمن تصورات ارتكاسية تجعل من الإنسان "استمرارا وعمارة واتصالا"(…) كما يجعل من المعرفة اجترارا وتكرارا، حيث ثبات الحقيقة ووحدتها..
مرجعية "مضادة": تنظر إلى المفهومات ذاتها على أنها حركة، وعلى أنها أساسا لعبة اختلافات.. على هذا النحو تنظر المناهج المعاصرة في ميدان الإبستمولوجية أو السميولوجية أو الأنتروبولوجية إلى الفعالية البشرية كمجالات يتحكم فيها "منطق" الاختلاف..
يترتب عن ذلك، أن القراءة –وبالتالي التأويل- لم تعد "عملية إظهار وتملك للمعنى الوحيد والحقيقة المطلقة"، مع ما يرتبط بذلك من بحث عن "التناغمات والتشابهات"، وبالتالي الاشتغال داخل "عالم منغلق على نفسه يستعيد دون هوادة لعبة التراسلات، ويحكي بلا توقف "أسطورة التطابق".. بل أصبحت (القراءة) رهانا لفيض من المعاني اللامتناهية.. ويستلزم عن ذلك:
*أن لا وجود لمعنى واحد ووحيد.. كما أن لا وجود لأصل سابق، أي "أننا مهما تراجعنا القهقرى، فلن نجد إلا تأويلا أعيد تأويله، ولن نقف أبدا على الكائن في عرائه"[20].
*أن تعددية التأويل تكشف عن "إرادات القوى والسلطات التي توجد من وراء التأويل"، إذ لا شيء كما يقول دولوز "سوى كميات من القوة في علاقة توتر".
يترتب عن القول بحرب التأويلات، الإعلان عن تعدد الحقائق وتنوعها.. مما يعني من جهة تقويض النظر التقليدي للحقيقة كشيء مجرد مفصول عن اللغة.. ومن جهة أخرى النظر إلى "حقيقة الواقع كقوة سبق الاستحواذ عليها بعنف التأويل".
سيكون مجازفة القول بأن رهانات التأويل الجديد –مقابل التأويل الميتافيزقي- ستضعنا فعلا أمام انفصال واضح عن الميتافيزقا.. ذلك أن هذه الأخيرة تتلبس مفاهيم النظر الجديد، تمسخها لتجعلها في حالة عود مفاهيمي ميتافيزيقي.. لنصبح أمام ما يمكن وسمه بوهم "المفاهيم الجديدة".. على هذا الأساس يميز المؤلف بين القوة المفاهيمية التي يتم الاشتغال بها في الفكر الفلسفي الحديث عن سواها.. بيان ذلك، أن مفهوم الاختلاف، قد تعاملت معه الميتافيزيقا "كتعدد وتنوع ما دامت الأشياء تتمايز عن بعضها".. ومع أن هيغل يعتبر الموقف المذكور بأنه ساذج واختباري، فإن بلوغ حركة الاختلاف الباطني أو الجوهري، لا تتم إلا بتحرير السلب من التناقض الجدلي الهيغيلي ذاته..
في الانتظام ذاته، تنظر الميتافيزقا إلى مفهوم الانفصال "كحركة تقابل وتعارض وتناقض بين خصمين.. بهذا المعنى، فإن الفكر الجدلي إذ يقر بالانفصال فلغاية التصالح والوحدة، في حين أن الاختلاف بين النقيضين –في إطار تحرير السلب- هو اختلاف لا متناه.. "إن جوهر الانفصال لا يكمن في الفصل والقطيعة، وإنما في لا تنامي الفصل ولا محدودية القطيعة"[21].
إذا جاز الحديث عن الأوهام المفاهيمية ذات الطابع الميتافيزيقي.. فإن الوجه الثاني للأوهام الميتافيزيقية يأخذ طابع الممارسة السلوكية، فيتجسد عينيا في مظاهر متعددة.. يتعلق الأمر بأوهام تؤطر مخيالنا.. فنحيا بها كجزء من عالمنا: يرصد الأستاذ بنعبد العالي الكثير من هذه الأوهام التي تؤسس عالمنا.. وذلك من منظور سيميولوجي يعمل، وبحركة مزدوجة على بيان كيفية اشتغال العلامات، مع تقويض أفقها الميتافيزيقي..
يعتقد (بارت) أن المصارعة ليست رياضة دنيئة كما يعتقد العديد من الناس،، بل إنها فرجة.. على أن لا نفهم الفرجة كديكور: "ليست الفرجة مجموعة من الصور، وإنما علاقة اجتماعية تتوسطها الصور، إنها لب لا واقعية المجتمع الواقعي". فوراء كل فرجة هناك عملية تحويل وإنتاج وصناعة..مما يعني أن الفرجة تستهدف في استعمالها لوسائل متنوعة من دعاية وإعلان وإشهار أن "تجعل مرئيا ذلك العالم الذي لم يعد يمكن الإمساك به مباشرة".. وهذا ما يخلص إليه بارت من كون ما يهم الجمهور في المصارعة ليس حقيقتها، بل رؤيتها..".
في هذا السياق، يدعونا (بودريار) لكي نفهم آليات المجتمع المعاصر الذي يتحكم فيه الإشهار، أن نرفع عن تلك الفعاليات كل طابع "واقعي".. وأن ننظر إلى الإشهار، فيما وراء الصواب والخطأ(...) الجمال والقبح(...) الصدق والكذب، وبصفة أعم إلى الأشياء في وظيفتها كدلائل.. بهذا المعنى، فإن مقاربة لمنطق العلامات وإنتاجها، لن يكون منطق إيديولوجيا.. ولا منطق علوم، وإنما "منطق السيميولوجيا"..
تستهدف آليات العمل المرآوي إنتاج مجتمع الفرجة، عبر فبركة الإنسان ضمن صور مرغوبة -يصبح الإنسان موضوع استهلاك- تكون مقصديتها السعي إلى قولبة اختلافاتنا، بالنظر إليها من منظور توحيدي، كلياني.. تتم تغطيته تحت يافطة (الرأي العام)، حيث تذوب الفروق ويمحي الاختلاف والتعدد[22]..
طبعا لا يمكن فصل هذا المنظور عن أشكال السلطة الحديثة، المبنية على أساس المراقبة تحت صيغة "الوضع تحت الأنظار"..
في هذا الأفق، نفهم مقاربة (هيدغر) "المسألة التقنية"، كمسألة فلسفية.. موضحا "بأن قضية التقنية تمس الكائن ذاته، وأنها لا تخص مسألة تطبيق المعرفة العلمية، وإنما مصير الكاتب ووضعه المعاصر(...) التقنية بهذا المعنى شكل من أشكال الحقيقة، وكيفية من كيفيات الوجود..". ليس العلم-التقنية في نظر هيدغر إلا الميتافيزيقا وقد بلغت أوجها، العلم هو البعد الميتافيزيقي للعلم المعاصر.
يمكن "ملامسة" المعطى الميتافيزيقي أيضا في تأكيد (هيدغر) على "أن ما يميز عالم التقنية هو غياب الاختلاف"، ومعنى ذلك أن الفاعلية التقنية (التقنية) قد استهدفت خلق كائن موحد، يلبس لباسا واحدا، ويمشى مشية واحدة، ويتحرك حركة واحدة.. كائن ينصهر فيه جميع الأفراد في كتلة واحدة، تلك الكتلة التي يقدمها لنا "مجتمع الفرجة" في مظاهر متنوعة.. لكنها منتظمة وموحدة[23]..
في نفس الانتظام الاستراتيجي لمفكري الاختلاف، أو من خلال "الثورة السيميولوجية".. نقف على انقلاب إبستمولوجي فعال: "فإذا كانت الإبستمولوجية التقليدية، قد عملت على اعتبار "الخطأ والجهل نقصا وعيبا ولا وجودا".. فإن العقلانية المعاصرة قد أعادت الاعتبار لمفهوم الخطأ، باعتبار دوره الإيجابي في نشأة المعرفة العلمية.." فالحقيقة عند باشلار تستمد معناها من تقويم الأخطاء (…) بل إن صورة الفكر العلمي ذاته ليست إلا حقيقة منسوجة على أرضية من الخطأ(...) بهذا المعنى ليس الجهل فراغا معرفيا، الجهل كثافة وامتلاء.."
يمس منطق الميتافيزيقا مفهوم الأزمة ذاته، وهكذا فبدل النظر إلى الأزمات "كفترات انتقال وقنطرات عبور".. مما يعني تجاوز الاختلال الذي يمكن أن يصاحبها بالبحث عن توازن جديد.. بدل ذلك فإن الإبستمولوجيا المعاصرة تنظر إلى "الأزمة" كمقامات قارة وليست أحوالا عابرة، والأهم من ذلك أنها "ليست أزمة كلية، وإنما سلسلة أزمات جهوية، قطاعية تدخل في تركيب المنظومة ونسيجها".
ويترتب عن ذلك، أن المنطق الجديد الذي تراهن عليه الإبستمولوجيا المعاصرة يؤسس لمنظور مغاير: إذ في مقابل المنطق الكلي والكلياني للعقل وبالتالي للحقيقة.. تقيم العقلانية الجديدة "أشكالا لا متناهية من المعقولية، وفيضا من المعاني، وتعددا للتأويل وغزارة للحقيقة..".
لا يمكن أن نفصل التنويع الاستراتيجي الذي أشرنا على بعض مظاهره المتنوعة عن فاعلية التقويض الميتافيزيقي في مجال الكتابة أو ما اصطلح عليه "بالدراسات الأدبية"..: من ذلك أن ما يميز النص –في النظر الجديد- هو انفلاته من كل تأويل نهائي، إنه لا يقبل الانغلاق ورمزيته لا حدود لها، وهو نسيج من الاقتباسات والإحالات والأصداء..
تراهن الكتابة الجديدة على النص الشذري، لا يقصد بذلك تجزيئه إلى وحدات منغلقة، وإنما جعله منفتحا يقطن التعدد كل وحدة من وحداته.. "النص المعاصر ليس نسيجا عنكبوتيا موحد البناء، وإنما هو نص مفكك، أقرب إلى الشذرات والفتات منه إلى الوحدة والبناء".. وهكذا، فمقابل الوحدة الباردة والهارمونيا التقليدية والانسجام المنطقي.. تقيم الكتابة المقطعية المفصولة "نصا بلوريا، متوترا، متصدعا، متفجرا..".
من جهة أخرى، تتقدم الإصدارات الجديدة للأستاذ بنعبد العالي كمفعول جديد لحركة النقد المعاصر.. ولاستراتيجية الكتابة الجديدة:
·فهي بقدر ما تعلن عن استراتيجية النقد المعتمدة في الفكر المعاصر.. هي في الآن ذاته تقدم نفسها كصيغة جديدة مربكة لما هو متعارف عليه من الكتابات.. إذ نقف على اختراق واضح لأفق التصنيف، بما هو معطى "إيديولوجي" يوزع الصفات، ويحدد المرجعيات كقبليات..
·أنها بقدر ما تشتغل ضمن مستويات معرفية تقع على هامش الفلسفة، تقدم نفسها كمفعول قوي لمسار الفلسفة الجديد في ارتباطه بوضع الحاضر، وبأنطولوجيا الإنسان المعاصر، في ظل جملة من التحولات الكبرى التي شهدها عصرنا..
·أنها تؤسس –في شكل تجاوز ممكن- لانتشاء في التقويض، جمالية في التجاوز كما تكشف عن حيوية نقدية، نقف عليها في كثافة اللغة، في مسافة التوتر التي تنتظمها العلامات، في إيقاع الكلمات والأشياء، في الكتابة الموشاة بالفرح والمتعة، وبالاحتفالية أيضا.. تماكن جديد "للنص الفلسفي"، يأخذ وسما جديدا "شعرية الفلسفة"..
نتعرف أيضا، على "الحس الأدبي" والجمالي لأفق الأستاذ بنعبد العالي.. وربما لأثر قمقم شعري سابق.. نقف عليه في القدرة على التقاط الأشياء، أزيزها، حركتها، لسعتها، الحركة التي تستدعي بها التنويعات الميتافيزيقية لأحداث "الثقب فيها"، إرباكها وتصديع بنياتها..

[1] - رهان لا يجد سنده في حاضر الغرب الذي يعرف أزمة حضور معلنة.. بل فيما يمكن أن يستلزم عن ذلك من فاعليات نظر تفكك أوهاما ميتافيزيقية متصلبة هنا وهناك..

[2] - أسس الفكر الفلسفي المعاصر، مجاوزة الميتافيزيقا، دار توبقال، ط1، السنة 1991.

[3] - التراث والهوية، دراسات في الفكر الفلسفي في المغرب، دار توبقال، ط1، السنة 1987.

[4] - ثقافة الأذن والعين، بين بين، ميثولوجيا الواقع، ط1، 1994، 1996، 1999.

[5] - أسس الفكر الفلسفي المعاصر، ص84.

[6] - ص105، أسس ف.ف.م.

[7] - ص133 وما بعدها.. أ.ف.ف.م./ ص29، مواقع دريدا.

[8] - ص9، التراث والهوية.

[9] - ص9/10، التراث والهوية.

[10] - ص10/11، " ".

[11] - ص10/11 وما بعدها.

[12] ص19 وما بعدها، التراث والهوية.

[13] - انظر مقدمة نحن والتراث..

[14] - ص76، التراث والهوية.

[15] - ص71، " ".

[16] - ص73، " ".

[17] - ص74، " ".

[18] - ص75 " ".

[19] - ص81، التراث والهوية.

[20] - في هذا السياق، يرى ر.بارث أن القول بالمعنى الأول ما هو إلا "أسطورة علمية"..

[21] - في هذا السياق تتحدد عدد من المفاهيم –خارج الأفق الميتافيزقي- بصيغ "مضادة".. فالهوية (يسكنها الاختلاف)، والأصل (حلقة في التأويل)، النقد (كتقويض)، الذات (كوظيفة)..

[22] - نتحول إلى آلات "راغبة" تحركها صور الإشهار ولعبة الإعلانات..

[23] - يرى (باديو) قارئ (هيدغر) أن "التحقق التقني للميتافيزيقا قد ولد نتيجتين حتميتين: العلم الحديث والدولة الكليانية (…) فالتقنية في واقعها إرادة الإرادة التي تدفع إلى العدم بكينونة الكائن.. إن إرادة التعقيل والاستحواذ هي نفسها إرادة الإعدام..






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=149856
التوقيع

"لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي، كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية"
محمد عابد الجابري
    رد مع اقتباس
قديم 2010-08-17, 00:39 رقم المشاركة : 2
pianiste des merveilles
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية pianiste des merveilles

 

إحصائية العضو







pianiste des merveilles غير متواجد حالياً


افتراضي رد: رهان النقد في الحوار الفلسفي.


Intéressent comme sujet de lecture et de réflexion aussi
Merci pour l’effort
Mes salutations






التوقيع



Comprendre une personne c'est déjà lui parler. Poser l'existence d'autrui en la laissant être, c'est déjà avoir accepté cette existence, avoir tenu compte d'elle.
    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحوار , الفلسفي. , النقد , رهان , فى


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 03:22 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd