جامعة العلم والديبلوم - منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

2010-05-20, 13:30

رقم المشاركة : 1

ابن خلدون

بروفســــــــور

إحصائية العضو

ابن خلدون غير متواجد حالياً

جامعة العلم والديبلوم

جامعة العلم والديبلوم

سعيد بوخليط

هسبريس : 20 - 05 - 2010
صادفت يوما، جلسة توجيهية بين أب ونجله، تطرق موضوعها المحوري إلى موازنة تقييمية بين الذهاب إلى الجامعة بعد الحصول على شهادة الباكلوريا، أو التفكير في إحدى المدارس الخاصة، بالتأكيد مقابل مبالغ مهمة، ولما لا ، كحل ثالث شد الرحيل إلى منطقة أخرى من العالم. طبعا، انحاز موقف الأب بشكل من الأشكال، إلى جانب مدرجات الجامعة المغربية، بينما فضل ابنه الرهان على المسارين المتقابلين، مضيفا بنبرة حادة لا تخلو من ضغينة ممزوجة بالتهكم، أدهشت الحاضرين، قياسا لعمر الشاب ونوعية الشخصية التي يجسدها عبر اهتماماته الغارقة كليا في دوامة الأصدقاء والرحلات وأنماط الفرجة والتسكع، غير مبال تماما أو له أدنى حس، بخريطة القهر والمعاناة، التي يئن تحت وطأتها الأغلبية الساحقة من أقرانه الفقراء على امتداد هذا الوطن، وقد جردتهم السياسات المتبعة، من ثمرات أبسط حقوقهم الآدمية. هكذا، صرخ في وجه أبيه :
- ((إذا كنت سألاحق خيوط خواء ديبلوم، سينتهي بي حتما ذات مساء إلى تأليف ألحان على "الدربوكة" في الحفلات والأعراس !! إذن فلأختصر الطريق منذ اللحظة، وأقصد أقرب محل للآلات الغنائية. كما أني، غير مستعد تماما كي أُجلد كل صباح مائة جلدة عند أقدام بناية تسمى عندنا برلمانا))، ثم، أضاف والثقة بادية على محياه : ((حيث، لا عمل ل "نيام" الأمة، عفوا "نوابها" غير التفنن في كيفيات ترديد صدى إجماع ...ع..ع)) !! تلكم، أهم فقرات مجريات السجال، بين الطرفين، أو بالأصح جيلين اختلفت منظومة رؤيتهما، نظرا لسياقات وتحولات مثلت باستمرار إجهازا على ما تبقى من مكتسبات شعبية، تحققت بالألم والدماء.
إحالة الشاب الضمنية على الجلد والسياط، ترميز لهذا العقاب المخزني الحقير، المتربص بأصحاب الديبلومات العليا، المرابطين أمام بناية البرلمان، دفاعا عن الحق المشروع في الشغل، بمعنى الكرامة، وليس أسفار حمار. بهذا الصدد، أرفض استعمال لفظ المعطلين، لأنه نعت ملغوم ، قصد به واضعوه نوايا مضلّلة. بالتالي، يحتاج إلى قدر من التدقيق والاحتراس حين التفوه به. فالعطالة، القصور الذاتي والسلبية...، تتعدد محدداتها الإبستمولوجية، لكونها نظاما معرفيا يختلف تداول تأويلاته من بنية مجتمعية إلى أخرى، يحتم في أبسط تجلياته مسؤولية اختيارات الفرد مادام قد تحرر باطنيا، وكذا على مستوى علاقاته الموضوعية ثم انفتاح المنظومات والمؤسسات التي تتدبر أحوال مصيره !!.
على العموم، فأهم تضمينات موقف الشاب، تكمن في ثلاث حيثيات : 1) تعديمه لماهية الجامعة المغربية، بناء على وضعها الحالي، كمسلك ممكن لتموقع سوسيواقتصادي، مستخفا بحمولة الشهادة التي قد توفرها، متبنيا نموذجا مضادا، ألا وهو الشدو في الحفلات، كوظيفة ذات مردودية مادية وافرة، ويختصر عن نفسه مشاق الكد والدراسة. 2) إحالته الفورية على معارك خريجي الجامعة ومعاهدها، مع قوات الأمن والشرطة ومن ورائهم"سادة" الشأن العام. 3) سخريته اللاذعة من كل رهان على البرلمان، لأن أقصى ما بوسعه فعله لدعاوي هؤلاء، أن يلحن بشخير أهله الدوي الصاخب للاحتجاجات.
بلا شك، حينما نستحضر الجامعة وآفاقها الإشعاعية، قبل كل اختزال معاشي، فالأمر يطوي في حقيقته، إعادة التساؤل بكيفية تاريخية، عن ممكنات المنظومة التعليمية المغربية بشتى أسسها وروافدها وتوجهاتها. إشكال، ليس وليد العقدين الأخيرين، عندما تراكمت واستفحلت المشاكل بحدة، وبدأت الأجيال تكتوي حقا بنتائج سياسة لم تكن قط، يوما ما، شعبية وجماهيرية، بل استهدفت في العمق خدمة مصالح الأقليات المهيمنة والقابضة على خيرات البلد. فمنذ السبعينات وبين طيات جميع تقارير وبيانات وأدبيات وكذا وثائق مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، النقابة الطلابية اليسارية العتيدة، التي نتحسر حاضرا على ريادتها في التعبئة والتأطير، وقد اعتُبرت من بين أقوى التنظيمات في العالم آنذاك، وشكلت مختبرا وجبهة لكل نظريات الفكر التقدمي الذي أضاعته مؤسسات البلد بغباء وأنانية مرضية، كان سيجعلنا لو أّدركت مراميه الحقيقية ومن تم احتضنه الجميع، ووظّف بجدية ووطنية صادقة، أن يسمو بنا إلى صف الأمم والشعوب التي يُحسب لها حسابها من طرف الجميع. أقول، بأن أولى شعارات المنظمة، حدست طبقية التعليم عندنا وانتفاء الوازع الشعبي عن توجهاته. لذلك، وإن تجلت بعض هواجس الأوليغارشية فيما يتعلق بالتكوين، فمنطقها لا ينزاح عن متطلبات ظرفية تخلقها شروط الرأسمالية السائدة في السوق المحلي، جراء ارتباطها بقوانين الرأسمالية العالمية. بالتالي، ما يسمى مثلا، بالحل المقاولاتي، يظل في تفكير المسؤولين المغاربة، خاضعا لتدابير وقتية وحلول ترقيعية، تستهدف أولا وأخيرا إيجاد بعض الطاقات البشرية القادرة على تحريك مجالات استثمارهم المتأرجحة بين الخدمات، الصناعات التحويلية الغذائية الخفيفة ثم القطاع البنكي والعقاري...، هي، ميادين سريعة الربح والمردودية بغير مقتضيات الثروة البشرية وكفاءات دماغية تتطلب تأهيلا طويلا وعميقا مع لزومية منظومة مجتمعية قادرة على التثوير سياسيا واقتصاديا وعلميا، كما يحدث مع الصناعات الثقيلة بشقيها المدني والعسكري، ثم الإليكترونية التي تقوم في لبناتها الحقيقية على أنساق معرفية تشتغل وفق هندسة الافتراض والاحتمال، والتي تتوازى مع نفس خطوات تشكل مجمتع يعيش باستمرار صيرورة الاختلاف والتعدد، ثم تخلصه أقصى ما يمكنه ذلك، من أنماط الواحدية والاستلاب ... .
ولكي لا يستغرقنا هذا النقاش طويلا، تبقى الإشارة ملحة إلى أن توهج الجامعة المغربية، حتى سنوات ليس بالبعيدة، تأتى بفضل مسألتين اثنتين : 1) الاندفاع الإيديولوجي للفكر التحرري، وطبيعة العلاقة الجدلية حينئذ، بين الجامعة ثم الأجهزة المؤطرة للنخبة الفاعلة داخل المجتمع. 2) ومن جهة ثانية، الانتقال بالسؤال الأكاديمي إلى فضاءات أخرى، خارج أسوار الجامعة، ذلك أن رواد الجيل الأول للفكر المغربي مثل العروي، الجابري، الخطيبي، محمد جسوس ...، تبنوا مشاريع علمية متينة مستندين على فلسفة الأنوار، وفكر الحداثة، رغبة في طرق روافد جديدة وأسئلة مغايرة، تصارع الثقافة التقليدية التي سعت القوى الرجعية إلى تجذيرها في المجتمع، تكريسا لمصالحها السياسية والاقتصادية. كذلك، وبجانب اشتغالاتها الفكرية، انخرطت تلك الرموز عمليا في نضالات القوى الوطنية، هنا نتذكر العلاقة التي جمعت العروي بالشهيد المهدي بن بركة، وما يروى عن صياغة المفكر لتقرير الاختيار الثوري، ثم الوضع القيادي الذي كان لمحمد عابد الجابري داخل حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" قبل رسالة استقالته الشهيرة من مكتبه السياسي مطلع الثمانينات، وهو الذي صاغ إلى جانب عمر بن جلون التقرير الإيديولوجي لمؤتمر الحزب الاستثنائي المنعقد سنة 1975، حيث أضحى الوثيقة الأولى في أدبيات "الاتحاد الاشتراكي"...
بناء على استثناءات كتلك، مثلت الجامعة، لحظة متقدمة جدا، بغيرها تنخرها بيروقراطية متعفنة، كما هو الأمر حاليا، اكتفت بوضعية جهاز إداري تعبره كل صبيحة مجموعة موظفين، يراكمون يوميات جد مبتذلة بلا روح أو طعم، أما من يتباهون خطبا بأنهم عند درجة "دكاترة" ومريدي "شواهد" فمآلهم هذا، لا يقدم أية شفاعة تذكر أمام تحديات المستقبل الجسيمة انطلاقات من أسئلة الذات والأشياء، حيث التلازم المفصلي بين العمل والنظر، وما تقتضيه جدتهما.
إن سؤال الديبلوم الجامعي هو ذاته مستويات التموضع الزاخم لمؤسسات بلد ما، بل أكثر من ذلك، ستظل السلطة المعرفية مصدرا موجها نحو الأسمى لباقي السلط الأخرى، لذا حينما تختفي المعرفة ويتموقع الجهل، تختل المواقع والتوازنات، وتتأسس بداية دروب الظلام والانقراض.
تتمرأى جامعتنا حقا، عطالة مجتمع تقوّض لبناته الأساسية. لذا، يحتاج إلى جرعة سياسية مكثفة ونقلة نوعية، تضع الأمور في نصابها الصحيح، وتجعل منا حقا مجموعة بشرية جديرة بذاتها والحياة. أما حالة الانتظار القاتلة، والاستهلاك المجاني للتطلعات الكبرى، كما تلفنا، فبالتأكيد هي مسار تراجيدي لوطن ينزف كل آن واقفا.

: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=141649


	للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :