منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

وسبِّح بحمد ربك
يقول الله تعالى في محكم تنـزيله : ( 000وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48)وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (الطور:49)
يقول علماء اللغة : التسبيح هو التنـزيه ، وسبحان الله معناه : التنـزيه لله وهو نصب على المصدر كأنك تقول : أبرئُ اللهَ من السوء براءة 0
وسُبُحات وجه الله تعالى : جلالته ، ففي الحديث الذي أورده الإمام مسلم في صحيحه أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه 0
وسُبُوح: من صفات الله تعالى ، ففي الحديث الذي أورده الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح0
وقوله تعالى : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) أي حين تقوم من النوم ؛ فكان صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من النوم قال : سبحان الله وبحمده ، والحمد لله والله أكبر ، ولا إله إلا الله 0
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)أي : حين تقوم إلى صلاتك وقبل دخولك فيها فقد أورد الإمام السيوطي في كتابه "الدر المنثور" أن التابعي الجليل سعيد بن المسيب قال : حق على كل مسلم حين يقوم أن يقول : سبحان الله وبحمده0
وقيل : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)أي : في الصلاة ؛ وهذا ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد أورد الإمام أبو داود في سننه ، أن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك ،وتبارك اسمك وتعالى جدك ،ولا إله غيرك0
وقال العلاَّمة جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور في معجمه لسان العرب: تعالى جدُّك: أي : علا جلالك وسمت عظمتك0
وقوله سبحانه:(وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجن:3)أي : عظمة ربنا ، وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه :كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا 0
أي : عَظُم في أعيننا0
وهذا دعاء الاستفتاح عند السادة الأحناف ؛ أما عندنا في مذهب الإمام الشافعي فدعاء الاستفتاح كما ورد في سنن الإمام البيهقي:وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ؛ إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ؛ لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين 0
قال الإمام الشافعي : يجعل مكان (وأنا أول المسلمين) التي وردت في الآية الكريمة (163) في سورة الأنعام على لسان خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام : وأنا من المسلمين 0
وبذلك أمر محمد بن المنكدر وجماعة من فقهاء المدينة ؛ وابن المنكدر هو: الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الله القرشي التيمي المدني محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ؛ حدَّث عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ، وعن أبي هريرة وعن ابن عمر وعن جابر بن عبد الله وعن ابن عباس وعن ابن الزبير رضوان الله عليهم أجمعين 0
وحدَّث مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ والحديث المرسل هو : ما رفعه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً ؛ صغيراً كان التابعي أو كبيراً ، بشرط أن يكون لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم 0
والتابعي : هو مسلم لقي صحابياً ومات على الإسلام ؛ سواء أطال لقاؤهما أم قصر 0
وحدَّث عن ابن المنكدر الأئمة : عمرو بن دينار ،وابن شهاب الزهري ومالك بن أنس ، وجعفر الصادق ، والأوزاعي ، وعبد العزيز بن الماجشون ، وأبو حنيفة ، وكان سيداً يطعم الطعام ويجتمع عنده القراء؛ أثنى عليه العلماء بأنه كان غاية في الإتقان والحفظ والزهد ، وكانت وفاته سنة (130) هجرية
وقال بعض المفسرين أيضاً في قوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)أي : حين تقوم من المجلس حيث ورد أن الله تعالى أرسل جبريل عليه السلام ليعلِّم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، أستغفرك وأتوب إليك 0
وقد ذكر ذلك الإمام عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه 0
والإمام عبد الرزاق هو :الحافظ الكبير عالم اليمن عبد الرزاق بن همام بن نافع ؛ أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني ؛ الثقة ؛ ارتحل إلى الحجاز والشام والعراق وسافر في تجارة ؛ حدَّث عن الأئمة وهشام ابن حسان وعبيد الله بن عمر ومعمر بن راشد فأكثر عنه ، وحجاج بن أرطاة، والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس كما حدَّث عن والده همام بن نافع وخلق آخرين وحدَّث عنه الأئمة معتمر بن سليمان ، وأحمد ابن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وغيرهم0
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرازق أنه ولد سنة (120) هجرية 0
وقد تفرد الإمام عبد الرزاق الصنعاني بمصنفه بحيث لو أطلق لفظ المصنف عند ذكر كتب الحديث فهو : مصنف الإمام عبد الرزاق ، وقد وصف الحافظ الذهبي المصنف بأنه : " خزانة علم "0
ومما لاشك فيه أنه يأتي بعد الصحيحين وكذلك بعد بقية السنن، وجعله الإمام ولي الله الدهلوي في كتابه "حجة الله البالغة" : في الطبقة الثالثة من طبقات كتب السنة فقال : "الطبقة الثالثة : مسانيد وجوامع ومصنفات صنفت قبل الإمامين البخاري ومسلم وفى زمانهما وبعدهما جمعت بين الصحيح والحسن والضعيف والمعروف والغريب والشاذ والمنكر ، ولم تشتهر بين العلماء ذلك الاشتهار0
وقد اشتمل المصنف على جميع مراتب الحديث ، وفيه ما ليس بحديث كفتاوى الصحابة والتابعين0
وبدوره علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام رضوان الله عليهم هذا الدعاء ـ حتى وصل إلينا متواتراً ـ وبيَّن لهم أنه دعاء آخر المجلس ، ومن قاله آخر المجلس غفر الله تعالى له ما كان منه في ذلك المجلس أي : من هفوات 0
وعن عطاء بن أبي رباح أن قول الله تعالى (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)أي: حين تقوم من كل مجلس إن كنتَ أحسنتَ ازددت خيراً ، وإن كنت غير ذلك كان هذا كفارة له0
وأورد الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك؛ إلا غُفِر له ما كان في مجلسه ذلك0
وقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)أي : أكثر يا رسول الله من التسبيح في الليل ، وحين تدبر النجوم آخر الليل حتى يطلع الفجر؛ ومن جملة التسبيح سُنَّة الصبح إذ إنها تسبيح عملي0
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين : 000وهكذا تكفل الله تعالى أن يحفظ حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم من أعدائه ، فلم يتمكنوا من قتله أو اغتياله رغم محاولاتهم الكثيرة وحقق الله تعالى جل شأنه قوله في كتابه العزيز : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )0
وكما تكفل سبحانه بحفظ رسوله صلى الله عليه وسلم تكفل أيضاً بحفظ رسالته وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فقال جل شأنه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو آخر المرسلين وخاتمهم ، فلا رسول بعده ، ورسالته عمت جميع الأمم والملل إلى يوم الدين فاقتضت حكمة الله تعالى أن يحفظ هذا القرآن إلى يوم الدين لتبقى رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم القيامة ، وفي هذا يقول الله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ 000) (الأنعام:19)
وقوله تعالى (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )أي : لينذر صلى الله عليه وسلم أهل زمانه ، وينذر من بلغه القرآن على مر الزمان إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها والسموات إنه على كل شيء قدير0
وإذا قال قائل : كيف ينذر رسول الله صلى الله عليه وسلم به بعد وفاته ؟
نقول له : ما عزاه الإمام السيوطي في الدر المنثور إلى ابن مردويه وأبي نعيم والخطيب البغدادي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من بلغه القرآن فكأنما شافهته به "ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم :( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ 000)
بقلم الكاتب السوري
فؤاد الدقس
يتبع بمشيئة الله تعالى : وأوحي إليَّ هذا القرآن