ما إن بدأت الشمس تشتد حرارتها إلا والناس في تضايق منها، ***قل نار جهنم أشد حرا



بسم الله الرحمان الرحيم

ما إن بدأت الشمس تشتد حرارتها إلا والناس في تضايق منها، لما يصيبهم من حرها وسمومها، لا يطيقون السير فيها، ولا العمل تحت أشعتها. يودون الخلاص من حرارتها، ويبحثون جادين مجتهدين عن سبل التخفيف من حدتها؛ فمنها السفر إلى الأماكن الباردة ولو مرة في الأسبوع. أو استعمال المكيفات في البيوت وأماكن العمل، إلى غير ذلك من الوسائل.
وأما النساء فقد جعلن العري وخلع اللباس آكد هذه الوسائل؛ ولسان حال كل واحدة منهن يقول: إياك أن تسبقي..إياك أن تغبني..ولو سألتهن عن سبب خلع الثياب قلن: لا نطيقه مع الحر.
قال تعالى: "قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون".
فهل حرص الناس على توقي نار الآخرة كما حرصوا على توقي حرارة الشمس؟
هل اتخذوا الوسائل الواقية منها؟
- عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا». البخاري
يا غافلا والموت يسعى في طلبه، يا مشغولا بلهوه مفتونا بلعبه، يا مشتريا راحة تفنى بطول تعبه. اسمع وعي:
- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير». الشيخان.
الفيح: سطوع الحر وفورانه.
ابن آدم تفكر في الحشر والمعاد، وتذكر حين يقوم الأشهاد: إن في القيامة لحسرات، وإن في الحشر لزفرات، وإن عند الصراط لعثرات، وإن عند الميزان لعبرات، وإن الظلم يومئذ ظلمات، والكتب تحوي حتى النظرات، وإن الحسرة العظمى عند السيئات، فريق في الجنة يرتقون في الدرجات، وفريق في السعير يهبطون الدركات، وما بينك وبين هذا إلاَّ أن يقال: فلان مات، وتقول: رَبِّ ارجعون، فيقال: فات.
قال تعالى: ( أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) حتى يغيب أحدهم في رشَحه إلى أنصاف أذنيه». الشيخان.
- عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل»... قال: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً» وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. مسلم.
- عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل، ويزاد في حرها كذا وكذا، يغلي منها الهام كما يغلي القدور، يعرقون فيها على قدر خطاياهم، منهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى وسطه، ومنهم من يلجمه العرق». أحمد والطبراني.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه: «في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار». رواه مسلم.
هل نستطيع الصبر على نار الدنيا؟ فلنقم بتجربة ولنضع أصبعنا على شمعة ولنصبر. لا تنزع يدك. اصبر هل تستطيع؟ إذن فلماذا على ربنا نجترئ؟
قال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم. قيل: يا رسول الله! إنْ كانت لكافية، قال: فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها». الشيخان.
قال أبو عبد الله القرطبي: "قوله: «ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم» يعني أنه لو جُمع كلُّ ما في الوجود من النار التي يوقِدها ابن آدم لكانت جزءا من أجزاء جهنم المذكور، وبيانه أنه لو جُمع حطبُ الدنيا فأُوقِد كلُّه حتى صار نارا لكان الجزءَ الواحدَ من أجزاء نار جهنّم الذي هو من سبعين جزءاً أشدُّ من حرِّ نارِ الدنيا كما بيّنه في آخر الحديث.".
قوله: «إن كانت لكافية» قال الطيبي: "أي إنَّ هذه النار لكافية في إحراق الكفار، وعقوبة الفجّار، فهلاّ اكتفي بها ولِأي شيء زيد في حرّها؟.".
قال المباركفوري: "وإنما أظهر الله هذا الجزء من النار في الدنيا أنموذجا لما في تلك الدار".

عجباً من غفلة مؤمن بالجزاء والمسألة أيقينا بالنجاة؟ أم غرورا وبله؟
- عن النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه ». أخرجه الشيخان.
قال الغزالي: " فانظر الآن إلى من خفف عليه، واعتبر بمن شدد عليه، ومهما تشككت في شدة عذاب النار، فقرب أصبعك من النار، وقس ذلك به، ثم اعلم أنك أخطأت في القياس؛ فإن نار الدنيا لا تناسب نار جهنم."
تفنى اللذات وتبقى التبعات:
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة؛ فيصبغ في النار صبغة. ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيرا قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب!. ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة؛ فيصبغ صبغة في الجنة. فيقال له: يا ابن آدم! هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يارب! ما مر بي بؤس قط. ولا رأيت شدة قط»." مسلم.
قال ابن الجوزي: "هذا الحديث يحثّ على مراعاة العواقب، فإن التعب إذا أُعقب بالراحة هان، والراحة إذا أثمرت النّصب فليست راحة، فالعاقل من نظر في المآل لا في عاجل الحال،.".
- عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه". أحمد والترمذي.
غداً توفى النفوس ما كسبت ... ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم ... وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
__________________

شكرااااااااااااااااااااااااا اختي على المراقبة و على التتبع