منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   القصة (https://www.profvb.com/vb/f214.html)
-   -   مالكة.....نص خاص بمندى الأستاذ (https://www.profvb.com/vb/t25071.html)

محمد محضار 2010-04-04 14:06

مالكة.....نص خاص بمندى الأستاذ
 

كانت شمس الظهيرة ترسل أشعتها الملتهبة، والنسوة مجتمعات في "العين" وقد انصرفن إلى تصبين بعض البطانيات والأثواب الوسخة، وهن يرددن أهازيج محلية، وعلى بعد خطى انتصبت قبلة الولي الصالح سيدي محمد بلبصير(1) بلونها الأبيض، وقد حط على سقفها سرب من الحمام انساب هديله يملأ رحابة المكان، وتحت ظل كرمة مديدة العروش افترش بواب الضريح نصف حصير مهترئ ويمم وجهه نحو باب القبة، وقد زاغت عيناه المعمشتان، وسكنت يداه النافرتا العروق وبدا في جلبابه الأسود كصخرة جامدة.
عند ناصية الطريق الزراعي لاحت مالكة بثوبها الوردي الوسخ، وصندلها القديم الذي زار إسكافي الدوار أكثر من مرة، وقد بدا وجهها الصغير المدور غارقا في سبحات الوجوم، كانت قدماها الصغيرتان ترسمان خطى متخاذلة وعيناها الذابلتان تستحمان في موج الحزن وهي تتقدم في إتجاه الضريح وحين مرت بالقرب من البواب ألقت إليه بتحية خافتة، رد عليها بإبتسامة، وما عتمت أن دلفت داخلة إلى قبة – الولي بعد أن تركت صندلها عند عتبة الباب، اقتربت من التابوت المكسو بالثوب الأخضر ثم جلست وأدخلت رأسها الصغير ذي الجدائل المعصوقة إلى الخلف، تحت ثوب التابوت ولثمت خشبه ثم استندت إليه وأجهشت باكية.
تناثرت الكلمات من فمها مرتعشة وهي تتوسل "للولي" !! وتترجاه تخفيف عذابهاو آلامها، فقد شقت بما فيه الكفاية وشربت كؤوس اللظى حتى الثمالة، ولم تعد قادرة على المزيد من ظلم الحياة. قبل لحظة من حضورها إلى الضريح كانت قد انتهت من أشغال البيت الشاقة، نظفت الزربية من روث البهائم، وقدمت العلف للبقرة، والحب للدجاج ثم غسلت أواني المطبخ، وبيضت بلاط غرف الدار الثلاث، نفضت الغبار عن الأثاث وطوت "البطانيات" والملاءات وأخيرا أكلت ما جادت عليها به زوجة أبيها من فضلات، وبعد حين من الآن عليها أن تذهب إلى دار الشيخ لتساعد زوجته كالمعتاد فتلك رغبة والدها وزوجته وهي لا تملك سوى السمع والطاعة.
اجتاح حواسها صمت رهيب وانتابتها رعشة خوف، راحت تكبر داخلها حتى استحالت إلى بحر هائج مضطرب وتدفقت ينابيع الماضي بين تعاريج ذاكرتها تبعث الحياة في كيان ذكرياتها الدفينة.
أين هي اليوم...من الأمس؟؟ !! فقبل سبع سنوات من يوم الناس هذا كانت تنعم بدفء وحنان أمها، وكانت الحياة ذات نكهة ولذة... وكان للنهار حلاوة، ولليل طراوة، وكان للفجر أنسام، وللسحر شذى، كانت يومها لغة الحياة هي السعادة وكان والدها على العكس منه اليوم أبا حقيقيا يغمرها بنبع حبه الصافي.
لكن سرعان ما هبت عواصف الأيام على دنياها الجميلة، ولم تبق وتذر منها إلا الهشيم، وإذا بالسماء حولها خرساء مظلمة والأرض ناتئة متعرجة لا تستقيم تحت قدميها. كان ذلك ذات مساء شتوي حين عادت إلى البيت من مدرستها، وجدته مقلوبا رأسا على عقب. "مصيبة وقعت ما في ذلك شك" هذا ما أوحاه لها منظر النسوة والرجال المتواجدين بكثرة في باحة البيت وقد علت وجوههم طبقة سميكة من الحزن "أمك يا بنيتي.. أمك المسكينة داهمها جمل ولد المكي وهي تحلب البقرة أمام البيت، كان الملعون هائجا و"كشاكش" الغضب تتدفق من شدقيه، ولولا أن أدركها بعض الرجال لفتك بها، لقد نقلوها في سيارة الشيخ إلى المدينة.." بهذه الكلمات قابلتها جدتها لوالدها وعيناها تطفران بالدموع.
انطلقت داخلها صرخة ألم، وتساقطت الهواجس العملاقة على رأسها الصغير، لم تعد تدرك ما يدور حولها.. ضباب كثيف يغشى عينيها، وحزن عميق يحطم كيانها. لما عاد والدها صحبة الشيخ وولد المكي في ساعة متأخرة قال:"إنهم لم يفعلوا شيئا من أجلها.. قالوا لنا اذهبوا.. الطبيب لن يحضر إلا صباح الغد، يبدو أن حالتها خطيرة جدا".
في اليوم التالي ترجت والدها أن يصطحبها معه لرؤية أمها فوافق بعد طول جدل وحين دخلت إلى الغرفة حيث ترقد هذه الأخيرة اعترتها رعشة شديدة وفرت الدموع غزيرة من عينيها.
بعد شهر من الحادث عادت أمها إلى البيت عاجزة لا تقوى على الحركة، فقد أصيبت بكسر في العمود الفقري، حكم عليها بموجبه بالعجز الأبدي، وانقضى ردح من الزمن، فإذا بسلوك والدها يتغير كلية فهو غاضب باستمرار يلعن ويسب ويشتم لأقل سبب.. ويغيب عن البيت بكثرة حتى ذات يوم قال:"أنا لم أعد قادرا على هذه "العيشة" سأتزوج لابد أن أتزوج". وردت عليه جدتها غاضبة: "لن تفعل هذا وأنا على قيد الحياة.. لن تدخل الضرة على ابنة أخي"، أما أمها المرمية في ركن منبوذ من البيت فلم تقل شيئا، كانت تعلم أنها لم تعد تصلح واستبدالها أصبح ضروريا، ولم تجد أمامها إلا السماء ترجوها أن تمن عليها بالرحيل إلى العالم الآخر حتى ترتاح وتريح وكان لها ما أرادت ففي ليلة صامتة مظلمة أسلمت الروح وانتهت مسيرة عذابها. لم يكد تراب قبرها يجف حتى توقف قلب الجدة العجوز عن الخفقان ولحقت بها إلى حيث "سيذهب الجميع"، وخلا الجو لوالدها فتزوج أرملة العسولي فقيه الدوار الذي قضى منذ سنة، لم تكد هذه الأخيرة تضع قدميها في البيت حتى كشرت عن أنيابها وكشفت عن ميولها العدوانية وروحها الاستبدادية، وسرعان ما احتوت الأب، فصار أرجوزا بين يديها تحركه كما تريد وما عتمت أن التفتت إلى مالكة فصبت جام حقدها عليها، وكانت البداية بحرمانها من الدراسة وبعدها إثقال كاهلها بأشغال البيت الشاقة ثم إرغامها على العمل بدار الشيخ بعد الزوال من كل يوم، كانت زوجة أبيها ساحرة آثمة فقد رأتها أكثر من مرة تطمر التمائم والتعاويذ في الوسادة التي ينام عليها والدها وتضع المحاليل الغربية في أكله وشربه، ولم تكن تستطيع إزاء ذلك إلا الصمت فهذا قدرها وقدر والدها.
تابت مالكة إلى نفسها حين دقت الساعة المعلقة في منتصف جدار الضريح معلنة الثانية بعد الزوال، فموعد ذهابها إلى دار الشيخ قد حان وعليها أن تستحث الخطى حتى لا تعنفها زوجته.



(1) يوجد هذا الضريح بمنطقة الحوازم قبيلة السماعلة، ناحية وادي زم.

كتب هذا النص سنة 1986ونشر بجريدة العلم في نفس السنة..
ونشر كذلك بجريدة النهار المغربية سنة 2006


خالد السوسي 2010-04-04 14:25

رد: مالكة.....نص خاص بمندى الأستاذ
 


احداث مليئة بالعبرات والاشجان والالام

ووصف دقيق واقعي وتشخيص مميز لاهم الاحداث مع تقنية فاش باك متميزة


مسكينة مالكة مالها سوى مالك الملك لينقذها من براثن زوجة ابيها وواقعها


لو تتكرم استاذي الكريم وتكتب لها نهاية سعيدة مثل قصص الف ليلة وليل : عندما يأتي فارس احلامها المغوار الذي لايشق له غبار ......

و البقية تعرفها :d:d

حتى نفرح لها ونسعد بتغير حالها :)



لي وقفة مع :


اقتباس:


وهي تتقدم في إتجاه الضريح وحين مرت بالقرب من البواب ألقت إليه بتحية خافتة، رد عليها بإبتسامة، وما عتمت أن دلفت داخلة إلى قبة – الولي بعد أن تركت صندلها عند عتبة الباب، اقتربت من التابوت المكسو بالثوب الأخضر ثم جلست وأدخلت رأسها الصغير ذي الجدائل المعصوقة إلى الخلف، تحت ثوب التابوت ولثمت خشبه ثم استندت إليه وأجهشت باكية.
تناثرت الكلمات من فمها مرتعشة وهي تتوسل "للولي" !! وتترجاه تخفيف عذابهاو آلامها،



هذا تجسيد رائع لواقع مرير جد مؤلم نعيشه في بلادنا المسلمة

بلاد الاضرحة بامتياز

وهذا وصف دقيق لواقعة واحدة واحد لما يحدث في تلك الاضرحة بشكل شبه يومي من شرك اكبر صريح ودعاء ورجاء وتوسل وطواف لغير الله تعالى

نسال الله السلامة والعافية

وجزاكم الله خيرا استاذي القدير محمد محضار على ابداعكم الجديد والمتميز وبارك الرحمن فيكم وارجو ان تتقبلوا فائق امتناني ومودتي


ميمون بوجنان 2010-04-04 14:29

رد: مالكة.....نص خاص بمندى الأستاذ
 
أخي محضار...دام إبداعك...نص يمتح من المعاش.....فقدان الام أصعب ما يمكن ان تتعرض له البنت في صباها...بل حتى الابن......لا ولن يعوض حنان الام أبدا....القصة في مجملها مغرية للقراءة....عقدتها ملغومة....تابى الانصياع....هذا هو السهل الممتنع....مودتي الدائمة....

محمد محضار 2010-04-04 14:33

رد: مالكة.....نص خاص بمندى الأستاذ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد السوسي (المشاركة 104049)

احداث مليئة بالعبرات والاشجان والالام

ووصف دقيق واقعي وتشخيص مميز لاهم الاحداث مع تقنية فاش باك متميزة


مسكينة مالكة مالها سوى مالك الملك لينقذها من براثن زوجة ابيها وواقعها


لو تتكرم استاذي الكريم وتكتب لها نهاية سعيدة مثل قصص الف ليلة وليل : عندما يأتي فارس احلامها المغوار الذي لايشق له غبار ......

و البقية تعرفها :d:d

حتى نفرح لها ونسعد بتغير حالها :)



لي وقفة مع :





هذا تجسيد رائع لواقع مرير جد مؤلم نعيشه في بلادنا المسلمة


بلاد الاضرحة بامتياز


وهذا وصف دقيق لواقعة واحدة واحد لما يحدث في تلك الاضرحة بشكل شبه يومي من شرك اكبر صريح ودعاء ورجاء وتوسل وطواف لغير الله تعالى

نسال الله السلامة والعافية

وجزاكم الله خيرا استاذي القدير محمد محضار على ابداعكم الجديد والمتميز وبارك الرحمن فيكم وارجو ان تتقبلوا فائق امتناني ومودتي

الواقع ان مالكة ..تلميذة شقراء وجميلة كانت تدرس عندي بالقسم الثاني بمنطقة السماعلة...ولست أدري السبب الذي جعلني اختارها كشخصية للأحداث المتخيلة والواقعية في نفس الوقت ..فسيدي محمد بلبصير موجود فعلا بالمنطقة..وقدسيته تدخل في باب الموروث الثقافي البعيد عن الاسلام هذا الموروث الذي يقدس القبور..ويتوسل بها إلى الله. بدل التوجه مباشرة الى العلي القدير بالدعاء...فالموتى في حاجة الى الترحم عليهم ..مالكة تربت على واقع معين ..وقد تعمدت إدراج كلمات دارجة فيها من السداجة والبساطة الكثير لا عملية الاسترجاع كانت تمارسها الطفلة مالكة..وعقل مالكة يجب احترامه...مودتي

خالد السوسي 2010-04-04 14:58

رد: مالكة.....نص خاص بمندى الأستاذ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محضار (المشاركة 104052)
الواقع ان مالكة ..تلميذة شقراء وجميلة كانت تدرس عندي بالقسم الثاني بمنطقة السماعلة...ولست أدري السبب الذي جعلني اختارها كشخصية للأحداث المتخيلة والواقعية في نفس الوقت ..فسيدي محمد بلبصير موجود فعلا بالمنطقة..وقدسيته تدخل في باب الموروث الثقافي البعيد عن الاسلام هذا الموروث الذي يقدس القبور..ويتوسل بها إلى الله..فالموتى في حاجة الى الترحم عليهم وليس طلب واسطتهم ..مالكة تربت على واقع معين ..وقد تعمدت إدراج كلمات دارجة فيها من السداجة والبساطة الكثير لا عملية الاسترجاع كانت تمارسها الطفلة مالكة..وعقل مالكة يجب احترامه...مودتي

بارك الله فيكم استاذي الكريم محمد محضار وشكرا جزيلا لكم على توضيحاتكم القيمة والكريمة وجزاكم الله خيرا

واستسمحكم كثيرا استاذي الكريم فقولكم ان الاسلام يقدس القبور قول لم افهمه ولم يتضح لي معناه

اما التوسل بالموتى لله فغير جائز في ديننا

نعم الموتى في حاجة الى دعائنا لهم بالمغفرة والرحمة والتباث

اما ان نقدم حاجاتنا لهم ونطلب منهم ان يتوسلوا لنا الى الله بالشفاء من مرض او العون او المساعدة على كشف غم او ازالة هم او ماشابه ذلك فمعلوم بالضرورة انه لايجوز ويرحم قطعا ومخالف للتوحيد الصحيح والادلة كثيرة وعديدة من الكتاب والسنة الصحيحة تنكر وتحرم مثل تلك الافعال التي يقع فيها العديد من المسلمين في بلادنا خاصة وفي معظم البلدان الاسلامية عامة

ومن جهة اخرى فبناء الاضرحة وتشييد القباب منهي عنه شرعا كما ورد ذلك عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم

ومرة اخرى اشكركم على ابداعكم ارائع وتجسيدكم للواقع مرير واسال الله لكم التوفيق والسداد والسعادة في الدارين


وتقبلوا استاذي الغالي فائق تقديري وامتناني واحترامي


الساعة الآن 23:19

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd