منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   قصائد وأشعار (https://www.profvb.com/vb/f216.html)
-   -   المخبر (https://www.profvb.com/vb/t25051.html)

عازف الليل 2010-04-04 00:37

المخبر
 
أنا ما تشاء : أنا الحقيرْ

صبّاغ أحذية الغزاة ، وبائع الدم والضمير

للظالمين . أنا الغراب

يقتات من جثث الفراخ . أنا الدمار ، أنا الخراب !

شفة البغي أعف من قلبي ، وأجنحة الذباب

أنقى وأدفأ من يديّ . كما تشاء .. أنا الحقير !

لكنَّ لي من مقلتيّ ـ إذا تتبَّعتا خطاك

وتقرّتا قسمات وجهك وارتعاشك ـ إبرتينِ

ستنسجان لك الشراكْ

وحواشي الكفن الملطخ بالدماء ، وجمرتينِ

تروّعان رؤاك إن لم تحرقاك !

وتحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة

فتند آهتك المديدة

وتقول : أصبح لا يراني .. بيد أن دمي يراك

إني أحسّك في الهواء وفي عيون القارئين .

لِمَ يقرؤون وينظرون إليّ حيناً بعد حين

كالشامتين ؟

سيعلمون من الذي هو في ضلال

ولأيّنا صدأ القيود .. لأيّنا صدأ القيود ..

لأيّنا ..

نهض الحقير

وسأقتفيه فما يفرّ ، سأقتفيه إلى السعير .

أنا ما تشاء : أنا اللئيم ، أنا الغبيّ ، أنا الحقود

أنا حامل الأغلال في نفسي ، أقيّد من أشاء

بمثلهنّ من الحديد ، وأستبيح من الخدود

ومن الجباه أعزَّهنّ ، أنا المصير ، أنا القضاء .

الحقد كالتنور فيّ : إذا تلهّب بالوقود

ـ الحبر والقرطاس ـ أطفأ في وجوه الأمّهات

تنورهنّ ، وأوقف الدم عن ثديّ المرضعات .

في البدء كان يطيف بي شبحٌ يقال له : الضمير

أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير .

شبحٌ تنفس ثمّ مات

واللص عاد هو الخفير .

في البدء لم أكُ في الصراع سوى أجير

كالبائعات حليبهنّ ، كما تؤجّر ـ للبكاء

ولندب موتى غير موتاهنّ ـ في الهند النساء .

قد أمعن الباكي على مضضٍ ، فعاد هو البكاء !

الخوف والدم والصغّار ، فأي شيء أرتجيه ؟

فعلى يديّ دمٌ وفي أذنيّ وهوهة الدماء

وبمقلتيّ دمٌ ، وللدّم في فمي طعمٌ كريه !

أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير

وانسَ الجريمة بالجريمة والضحية بالضحايا .

لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه وتستطير

لفرط رعبك أو لفرط أساك .. واحتضن الخطايا

بأشدّ ما وسع احتضانٌ تنجُ من وخز الخطايا .

قوتي وقوتُ بنيّ لحمٌ آدمي أو عظام

فليحقدنّ علي كالحمم المستعرة ، الأنام

كي لا يكونوا إخوةً لي آنذاك ، ولا أكون

وريث قابيل اللعين سيسألون .

عن القتيل فلا أقول :

" أأنا الموكل ويلكم بأخي ؟ " فإن المخبرين

بالآخرين موكلون !

سحقاً لهذا الكون أجمع وليحل به الدمار!

مالي وما للناس ؟ لست أباً لكل الجائعين

وأريد أن أروي وأشبع من طوىً كالآخرين

فلينزلوا بي ما استطاعوا من سباب واحتقار

لي حفنة القمح التي بيدي ودانية السنين

ـ خمسٌ وأكثر .. أو قلَّ ـ هي الربيع من الحياة

فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة

روحَ النماء ، وبالبيادر وانتصار الكادحين

فليحلموا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع

إني سأحيا لا رجاء ولا اشتياق ولا نزوع

لا شيء غير الرعب والقلق الممض على المصير

ساء المصير !

رباه إن الموت أهون من ترقُبه المرير

ساء المصير :

لِمَ كنت أحقر ما يكون عليه إنسانٌ حقير ؟!

بدر شاكر السياب, شاعر العراق الكبير

رضامالك 2010-04-04 08:36

رد: المخبر
 
اختيار موفق أخي عازف.

أحمد أمين المغربي 2010-04-05 08:50

رد: المخبر
 
صوت العروبة ينبعث من فرن القصيدة مشهيا داعيا إلى اللحمة والاتحاد
سلمت صاحبي.
إفطاري شعري دسم هذا الصباح
أشكرك.


الساعة الآن 18:27

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd