منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   قصص وروايات (https://www.profvb.com/vb/f218.html)
-   -   تـــســــونامــــــــي (https://www.profvb.com/vb/t24137.html)

سفيـان القـاديـري 2010-03-29 10:25

تـــســــونامــــــــي
 
تسونـامــي


الأمطار تسقط سيولا منهمرة من السماء،و غيوم السماء السوداء التي لم تغادرها منذ ثلاث ليال تعد بالمزيد. .هذا موسم الأمطار المتأخرة، بعدما يئس الناس والضرع والمرعى من نزول المطر. ورغم أن الأطفال لم يخرجوا حفاة عراة، وهم يحملون ( تغنجة)و يجوبون الأزقة والدروب وهم ينشدون المطر..
الشتا صبي صبي والداتك في قبي
آشتا تا تا آوليدات الحراثة....
حتى يصلوا إلى أطراف القرية والحقول القريبة. ورغم ذلك فالأمطار كانت مخيفة وبالكثرة التي لم يتوقعها أحد.
ورغم أن الرجال هم أيضالم يخرجوا حفاة،(وفيهم الزناة، والعصاة، وأشباه الفقهاء، وفيهم سارقو أموال الدولة، والمرتشون، و آكلو أموال اليتامى وعرق العمال البائسين، والأرامل العجائز...) لابسين ثيابهم وجلاليبهم مقلوبة كي يستعطفوا السماء فتفيض بدموعها المدرارة،( فهي تجود من أجل الصبيان و الشيوخ والبهائم فقط...) لأنهم كانوا متيقنين أن السماء لم تمطر أبدا من أجلهم حتى لوأعلنوا عصيانهم على الشيطان و تصالحوا مع الملائكة، ورغم هذا لا يمكن للسماء أن تغفر لهم زلاتهم مع إخوانهم من البشر وإلى الأبد.
ثلاثة أيام حسوما، والسيول تنهمر من السماء كسد وقد انفجر. سالت الوديان والأنهار بسخاء على الأراضي المزروعة، والمدارس والبهائم.جرفت الأبقار والأغنام والدجاج والأرانب.. حتى لم يبق شيء فيه روح غير الإنسان.
ظهرت بنايات الحكومة من فوق مثل رؤوس قرعاء..وبدت مئذنة القرية بيضاء كوجه مؤمنة طاهرة نقية عادت لتوها من الديار المقدسة... كان سكان البادية ينظرون إلى أبقارهم وأغنامهم تجرفها السيول، ويتحسرون وقلوبهم تتقطع ولا يستطيعون حيلة...والنباتات التي تطل من الحقول جذلة مبتهجة، جاء الطوفان فغمرها فأطفأ أنفاسها، وغابت في رحم الأرض.
لم تسلم الأشجار الباسقة التي كانت تتطاول على زميلاتها القصيرات، المثمرات بعنقها الطويل الشبيهة بزرافة إفريقية. الرجال هرعوا يحملون أطفالهم مرعوبين فوق أكتافهم، ويجرون زوجاتهم وراءهم، ويتوجهون إلى أماكن مرتفعة في الجبال، وبعضهم فكر في الصعود إلى المئذنة ولكنه وجد باب المسجد مسدودا.
مر اليوم الأول... اليوم الثاني... وفي اليوم الثالث بلغت القلوب الحناجر.
قال المعلم :
ـ الأرض كروية الشكل...الطفل لم يصدق وقتئذ.
ـ قال في نفسه: لماذا لاتسيل البحار علينا...
اليوم صدقه. اليوم تفرغ السماء ما في جوفها...
المياه تتبع المياه، البحار تنهمر من فوق.. السيول تجري كالوديان في الأزقة، انتهزهابعض الانتهازيين للتخلص مما عنده من سقط المتاع ومن الأزبال، فألقى بها في السيول المتلاطمة.
كان الأطفال يخرجون من المدرسة الوحيدة في القرية، منكمشين في ثيابهم، شعورهم مبللة،فظهروا مثل أفراخ الدجاج العائم، واضعين محفظاتهم فوق رؤوسهم وهم يتسابقون. تفرقوا بسرعة بمجرد ما خرجوا من المدرسة.
ظل طفل وحيد واقفا ينتظر من يأتي من الضفة الأخرى للوادي الذي يسيل في جنون.. لا أحد. وقف ينتظر .. وينتظر..أرعبه الطوفان وهديره المهول. ما العمل، يبقى هنا حتى يخف الماء، أم يعود إلى المدرسة. لكن المدرسة خاوية على عروشها.
يقف الطفل بين الخوف والرجاء. ينتظر المنقذ، تشبث بأمل أن يظهر أحد في هذا الوقت العصيب. وفي هذه الأثناء رأى والده قادما وهو يركض من الضفة الأخرى.
ـ ابق مكانك أنا قادم ..
تسمر الطفل مكانه مبتهجا مرتجفا خائفا...
تقدم الأب بخطى ثابتة، يقدم رجلا فيثبتها قبل أن يلقي بالرجل الأخرى تحت المطر المنهر، والسيل الجارف.
وصل بصعوبة بالغة، وكأنه يجذب برجليه أطنانا من الحديد، واستعان ببعض جذوع الأشجار حتى وصل الضفة الأخرى، فعانق ولده فأمسك الطفل بيد والده جيدا، يد الولد ترتجف من البرد والخوف. الريح والأمطار والغيوم السوداء تزيد من حلكة المساء. الأب يتقدم والابن يتبعه، والسيل يزيد جنونا وعنفا. فجأة تنفلت يد الطفل.. يترنح.. تزل قدمه ..يسقط. يحاول النهوض، لم يستطع..يحاول التشبث بأي شيء، لكن الطوفان كان أقوى...
كان الأب ينظر إلي ابنه في ذهول، ينظر إلى الماء، وينظر إلى السماء عسى أن تنزل قوة تنجي هذا الطفل من هذا السيل الجارف.
مر شريط سريع للأم وهي تسأله :
ـ أين الابن.. أين ابننا..
سمع صوت الطفل ينادي من أعماق السيل..
ـ أغثني يا أبي ..
وكان صوت يرد عليه .. لا عاصم لك اليوم من الماء وقد فار التنور..
ـ من يغيثك من الطوفان يا بني ؟؟
جرفته السيول القوية كعصفور ميت تجره الخيول. ارتطم بالصخور و جذوع الأشجار..
يظهر و يختفي تحت أنظار الأب الذي بهت. مذهول..مفجوع .. غاب العصفور الصغير مع بقايا الأشجار والأوحال. تبعه الأب يجري بجانب الشاطئ حتى اختفى نهائيا.
ظل الأب يجري ..ويجري .. ويعيد الكرة. يجري لمسافات ويعود أدراجه حتى تعب. وجلس مكانه ينظر إلى الماء وهو يهدر. صامتا لايزيغ نظره عن نقطة في السيل. يردد السؤال الذي بقي أعواما وهو يسأله..
ـ ماذا أقول لأمه...
وكان الناس الذين يمرون به، يقولون :
لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

معمر بختاوي


الساعة الآن 14:29

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd