كتب الأطفال في عصرنا الحاضر





قال أحد الشعراء الإنجليز: «قد تكون عندك ثروة ضخمة لاتساويها ثروة أخرى، تملأ بها عدداً كبيراً من علب المجوهرات وخزائن الذهب، لكن لا يمكن أن تكون أبداً أغنى مني، فقد كانت لي أم اعتادت أن تقرأ لي».

«لقد أصبح معيار الحضارة بين الشعوب، هو بمقدار اهتمام كل شعب بأطفاله، ولم تعد الدول التي تضع الطفولة في الدرجة الثانية أو الثالثة من اهتماماتها تستطيع أن تواكب ركب العصر ولا أن تجد مكانها لتتطلع إلى مستقبل إنساني مشرق…



في أمريكا، يجتمع في كل سنة مؤتمر على أعلى مستوى فكري يضم صفوة العلماء والمفكرين، هو مؤتمر «المعنيين بالطفولة» وكان الرئيس السابق ريتشاد نيكسون حريصاً على أن يحتفظ بعضوية المؤتمر والإسهام في جهوده برغم مهامه الخطيرة أيام كان رئيساً للولايات المتحدة .. وكان من حديث له في افتتاح المؤتمر الحادي والعشرين قوله:

«



يجب أن تكون الطفولة حجر الأساس في بناء مجتمعنا، ويجب أن تتوافر لكل طفل عندنا عزته وكرامته، وأن يتأكد فيه احترامه لنفسه وذاته، حتى يشب محباً لبلده، محباً للإنسانية كلها، وأن يمتلئ قلبه بالوفاء لوطنه، والشعور بالانتماء إليه .. إذ يحس أن وطنه قد حقق له كل العزة والكرامة، ولبى له كل حاجاته فاستحق منه بذلك كل الإخلاص والتقدير والحب».



في روسيا – في الاتحاد السوفيتي سابقاً- يقف كبير الخبراء في التربية ورعاية الطفولة أمام أعضاء الحزب المركزي ليردد قول علمائهم المأثور: «لقد ألغت بلادنا الألقاب والامتيازات، ولم يعد لدينا أباطرة ولا قياصرة، لكننا نؤكد دائماً أن في بلادنا قيصراً واحداً سيظل يتمتع بكل الامتياز والتقدير، وذلك هو الطفل».



في إنجلترا: بلد احترام التقاليد والالتزام بالقوانين، يحرص المجتمع كله على أن يتمتع الطفل بكل أسباب السعادة والرفاهية، حتى إن عالماً موقراً جليلاً من علمائهم ثار لأول مرة في حياته ثورة عارمة، وحمل حملة شعواء على الحكومة حين رفعت مرة سعر «الشيكولاته» وصرخ يقول: «قد تضطرنا الظروف لتوزيع الخبز بالبطاقات ونحن نقبل ذلك عن طيب خاطر، وقد تسن الحكومة بعض القوانين التي قد تحد من حرية الكبار ونحن نقبل ذلك راضين .. لكننا نثور ونرفض أي قيد يمس سعادة الأطفال ورفاهيتهم».

يقول الأديب والكاتب المصري محمد جبريل عن الكاتب المسرحي والسياسي عاطف الغمري: زمان كانت المناهج الدراسية تقدم مستوى كبيراً من الفكر والأدب، وتجعلنا نتذوق القراءة، ويصبح التذوق عادة، حيث يخلص الإحساس بقيمة المعنى والأسلوب الرشيق لكن المناهج الدراسية الآن أصبحت مسطحة والتعليم لا يعود التلميذ على التفكير – أذكر- أثناء عملي في إنجلترا والولايات المتحدة أن المشكلات التي يواجهها المجتمع سواء كانت سياسية أم اجتماعية، يعطى الأطفال عنها دروساً مبسطة، ويطالبونهم بتصور الحلول».



ثمة سؤال افتراضي قد يراود بعضنا وهو: «هل لكتب الأطفال أهمية في زمن تتدفق فيه على أطفالنا سيول من الأفلام شديدة الجاذبية والإثارة، تعرض عبر الشاشات الصغيرة والكبيرة، إضافة لبرامج الألعاب الإلكترونية التي يدمن عليها ملايين الأطفال على كوكب أرضنا، ناهيك عن مغامرات الإبحار عبر شبكة الإنترنت؟ يقول الدكتور سليمان العسكري في المجلس العربي لكتب الأطفال والنشء: سؤال يبدو منطقي الطرح، لكن الأكثر منطقية أن نعود بالأمور إلى أصولها، فنجد أن كل هذه الوسائل المرئية والمسموعة والرقمية في معظم الأحوال، -وبغض النظر مؤقتاً عن اتفاقنا أو اختلافنا معها-، هي في الأساس تنفيذ لأفكار مكتوبة على ورق، والكثير منها تجسيد لمواضيع عالجتها الكتب، فالمسألة في أصلها وجذورها كتابة ولا شيء غير الكتابة. أمام ذلك كله، باتت الكلمة المطبوعة في سباق مع زمن مرئي خاطف، وأصبح الكتاب في امتحان لا تكاد تقرأ أسئلته من فرط سرعتها، وبدت مهمة أصحاب القلم أصعب من ذي قبل إذا أرادوا وصف الواقع في تغييره أو تسجيل الحياة في تبدلها، ومن ثم كتاب الطفل يجب أن ينفتح على العالم بعيداً عن الاستلاب وأن يؤمن بالقيم الإنسانية للسلام بعيداً عن قيم الخضوع والاستسلام بعد أن أصبح الكتاب المدرسي عبئاً على عقل الطفل وليس وسيلة لتنمية هذا العقل.



حقيقة إن مسؤولية الحصار الذي يعيشه الأطفال العرب موزعة على جهات عدة على رأسها نظام الأسرة، المؤسسة التعليمية، المؤسسات الثقافية والإعلامية، وتلك الهوة من التخلف التي نعيش فيها والتي ارتضيناها لأنفسنا كأنها قدر محتوم، فأنظمة التعليم العربي لا تخنق الحرية فقط ولكنها تقتلها عمداً، والواقع العربي لا يجعل الطفل يأخذ نصيبه العادل من خبرات الطفولة.

المدرسة عقدت مع البيت حلفاً مقدساً من أجل استيعاب الطفل ومسخه، والنزعة التربوية الوعظية تتحدث عن أقسام الزهرة لا جمالها.

والكتاب لا يتنبهون إلى أهمية علم نفس الطفولة وعلم النفس اللغوي، والمنتج الشعري للطفل جاف وركيك ومدرسي يقيد خيال الطفل.

هناك هوة واسعة بين الطفل العربي وبين ما يكتب له، والوطن العربي يصدر سنوياً ألف كتاب للأطفال والرقم متواضع لمئة مليون طفل، بعد أن أفقدت الفضائيات والتليفزيون أطفالنا براءتهم.

الأمر جد خطير فقد بينت دراسة أمريكية أن القراءة تقي من الإجرام وتقلل من معدلات الانحراف حيث أظهرت أن الأطفال الذين تعلموا القراءة من الصف الثاني الابتدائي أقل عرضة للإدمان وارتكاب جرائم السرقة والعنف والسجن عندما يصبحون بالغين.

ينبغي معالجة كل السلبيات سالفة الذكر ومن ثم نخلق حالة من الود بين الكتاب والطفل القارئ بوعي وإدراك وفهم.

الكاتب: جمال إسماعيل إبراهيم

المصدر : المجلة العربية