أنس مزور
Friday, February 19, 2010
في الصورة مشهد لرعي الماشية في إحدى القرى المغربية -أرشيف

لم تتمالك المرأتان نفسيهما..والصراخ والعويل لوحدهما لن ينقذا ماعزهما التي جرفتها السيول بوادي بوصفصاف دقائق بعد آذان العصر من يوم الأربعاء الماضي..

هذا هو حال معظم سكان الدواوير الفقيرة الواقعة بإقليم خنيفرة..لا يمكنهم أن يظلوا مكتوفي الأيدي أمام ضياع جزء من مصدر قوتهم اليومي على قلته..

لكن ما هو الثمن الذي دفعته السيدتان التي يبلغ عمر الأولى 66 سنة والثانية 30 سنة ؟

قبل 9 سنوات..وبالضبط سنة 2001 انطلق برنامج التنمية القروية بالمنطقة بدعم مالي من الاتحاد الأوربي بلغ قدره15 مليون أورو, وبشراكة مع المندوبية السامية للمياه والغابات..

وقع الاختيار على هذه المنطقة التي تقطن بها حوالي 90 ألف نسمة بحكم أنها سكانها يحافظون على عاداتهم وثقافتهم المحلية بشكل كبير..ويتوفرون على موارد طبيعية مهمة من غابات الأرز وفرشات مائية ضخمة وأراضي خصبة للزراعة..وبالمقابل فإنها تعرف استنزافا متناميا لهذه الثروات بشكل يضر بمصالح الساكنة التي تعاني من الفقر والأمية والتهميش..

ووسط هذا الواقع المزري توجد المرأة في قلب المعاناة..مما جعل المشرفين على البرنامج يعتبرون تهميشها إلى جانب المعطيات المذكورة عائقا أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة..

ورغم كل ما أنجز لحد الساعة..الهدف لم يتحقق بعد..ولإنقاذ عدد محدود من الماعز هناك من يدفع الثمن غاليا..فقبل يوم واحد من انعقاد الندوة الصحفية التي قدم فيها ممثل الاتحاد الأوروبي بالمغرب حصيلة برنامج المساعدة الذي قدمته منظمته لبلادنا..كان الثمن الذي دفعته السيدتان المنحدرتان من دوار بوعزة هو حياتهما..

نحن بدورنا لا يمكننا أن نظل مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث ليس فقط بالمناطق الفقيرة..ولكن بجميع أنحاء بلادنا..

والاتحاد الأوروبي الذي سيجمعنا به أول لقاء للمحاسبة الشهر المقبل بإسبانيا كان واضحا معنا..فاعتماد خارطة الطريق الخاصة بوضع الشراكة المتقدم شهر أكتوبر 2008 لا يعني أنه قدم وعدا بطلب انضمام المملكة إلى صفوفه..فهو يسعى فقطإلى تحقيق تقارب مؤسساتي من أجل شراكة متعددة الأبعاد..لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار المشترك..

ما بين سنتي 2007 و 2010 استفادت بلادنا من مساعدة بلغت قيمتها 654 مليون أورو ليكون المغرب البلد المتصدر للدول المستفيدة من ميزانية العمل الخارجي للاتحاد..وهناك وعود لترشيد نفقات ما تبقى من الميزانية المخصصة للفترة 2010-2013, لتبدأ مرحلة جديدة بعد ذالك يرافق فيها الاتحاد بلادنا بدعم أكبر..

دول الاتحاد الأوروبي التي يراقب فيها البرلمان الحكومة حقيقة..ويحاسبها مواطنوها في كل محطة انتخابية..تعرف جيدا ماذا تريد منا. فما الذي نريده نحن؟

هم يعرفون ماذا يريدون ويعرفون كذالك مدى مصداقية التزامات حكومتنا أمام مؤسساتهم..وتتابع مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية - التي تساعدهم على اتخاذ القرارات المناسبة - عن كثب حياتنا السياسية, ومواقف المتنفذين في مربع القرار- الذي يوجد خارج المؤسسة الحكومية الرسمية- من الأحزاب الشرعية التي تمثل وجها متقدما للدفع بعجلة الديمقراطية بالمملكة..

رحم الله السيدتين اللتين غامرتا بحياتهما لإنقاذ ماعز يكسبان بها قوتهما اليومي..وتقبلهما في عداد الشهداء..وكفاهما شرفا أنهما منحانا درسا جديدا..لا تظلوا مكتوفي الأيدي أمام الخطر الذي يدهمكم مهما بلغ ثمن محاولة الإنقاذ..

هيسبريس.