الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير


شجرة الشكر2الشكر
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2017-09-29, 15:57 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي تفسير سورة الحديد



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

اللغَة:
{ سَبَّحَ } نزَّه الله ومجَّده وقدَّسه { ٱلْعَزِيزُ } القوي الغالب على كلي شيء { ٱلأَوَّلُ } السابق على جميع الموجودات { ٱلآخِرُ } الباقي بعد فنائها { يَلِجُ } يدخل { يَعْرُجُ } يصعد { ٱلظَّاهِرُ } بوجوده ومصنوعاته وآثاره { ٱلْبَاطِنُ } بكنه ذاته عن إِدارك الأبصار له { ٱلْحُسْنَىٰ } المثوبة الحسنة والمراد بها الجنة { ٱنظُرُونَا } انتظرونا { نَقْتَبِسْ } نستضيء ونهتدي بنوركم { سُورٍ } حاجز بين الجنة والنار { ٱلْغَرُورُ } الشيطان وكل من خدع غيره فهو غار وغرور.


التفسِير:
{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي مجَّد اللهَ ونزَّهه عن السوء كلُّ ما في الكون من إِنسان، وحيوان، ونبات قال الصاوي: والتسبيحُ تنزيهُ المولى عن كل ما لا يليق به قولاً، وفعلاً، واعتقاداً، من سبح في الأرض والماءِ إِذا ذهب وأبعد فيهما، وتسبيحُ العقلاء بلسان المقال، وتسبيح الجماد بلسان الحال أي أن ذاتها دالة على تنزيه صانعها عن كل نقص، وقيل بلسان المقال أيضاً

{ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }
[الإِسراء: 44] وقال الخازن: تسبيحُ العقلاء تنزيهُ الله عز وجل عن كل سوء، وعما لا يليق بجلاله، وتسبيحُ غير العقلاء من ناطق وجماد اختلفوا فيه، فقيل: تسبيحه دلالته على صانعه، فكأنه ناطق بتسبيحه، وقيل: تسبيحه بالقول ويدل عليه قوله تعالى
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }
[الإِسراء: 44] أي قولهم، والحقُّ أن التسبيح هو القولُ الذي لا يصدر إِلا من العاقل العارف بالله تعالى، وما سوى العاقل ففي تسبيحه وجهان: أحدهما: أنها تدل على تعظيمه وتنزيهه والثاني: أن جميع الموجودات بأسرها منقادةٌ له يتصرف فيها كيف يشاء، فإِن حملنا التسبيح على القول كان المراد بقوله { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } الملائكةُ والمؤمنون العارفون بالله، وإِن حملنا التسبيح على التسبيح المعنوي، فجميع أجزاء السماوات وما فيها من شمس، وقمر، ونجوم وغير ذلك وجميع ذرات الأرضين وما فيها من جبالٍ، وبحار، وشجر، ودواب وغير ذلك كلها مسبحة خاشعة خاضعة لجلال عظمة الله، منقادةٌ له يتصرف فيها كيف يشاء، فإِن قيل: قد جاء في بعض فواتح السور { سَبَّحَ للَّهِ } بلفظ الماضي، وفي بعضها { يُسَّبح للهِ } بلفظ المضارع فما المراد؟ قلت: فيه إشارة إِلى كون جميع الأشياء مسبحاً لله أبداً، غير مختص بوقت دون وقت، بل هي كانت مسبحة أبداً في الماضي، وستكون مسبحة أبداً في المستقبل { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي وهو الغالب على أمره الذي لا يمانعه ولا ينازعه شيء، الحكيمُ في أفعاله الذي لا يفعل إِلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.. ثم ذكر تعالى عظمته وقدرته فقال { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي هو جل وعلا المالك المتصرف في خلقه، يحيي من يشاء، ويُميت من يشاء قال القرطبي: يميتُ الأحياء في الدنيا، ويحيي الأموات للبعث والنشور { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولفظُ { قَدِيرٌ } مبالغة في القادر لأن " فعيل " من صيغ المبالغة { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ } أي ليس لوجوده بداية، ولا لبقائه نهاية { وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ } أي الظاهرُ للعقول بالأدلة والبراهين الدالة على وجوده، الباطنُ الذي لا تدركه الأبصار، ولا تصلُ العقولُ إِلى معرفة كنه ذاته وفي الحديث" أنت الأولُ فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء " قال شيخ زاده: وقد فسَّر صاحب الكشاف " الباطن " بأنه غير المدرك بالحواسِ وهو تفسير بحسب التشهي يؤيد مذهبه من استحالة رؤية الله في الآخرة، والحقُّ أنه تعالى ظاهرٌ بوجوده، باطنٌ بكنهه، وأنه تعالى جامعٌ بين الوصفين أزلاًَ وأبداً { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي هو تعالى عالمٌ بكل ذرةٍ في الكون، لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي خلقهما في مقدار ستة أيام ولو شاء لخلقهما بلمح البصر، وهو تحقيقٌ لعزته، وكمال قدرته، كما أن قوله { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ } تحقيق لحكمته، وكمال علمه { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } استواءً يليق بجلاله من غير تمثيلٍ ولا تكييفٍ { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } أي يعلم ما يدخل في الأرض من مطر وأموات، وما يخرج منها من معادن ونبات وغير ذلك { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } أي وما ينزل من السماء من الأرزاق، والملائكة، والرحمة، والعذاب، وما يصعد فيها من الملائكة والأعمال الصالحة كقوله
{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ }
[فاطر: 10] { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } أي هو جل وعلا حاضرٌ مع كل أحدٍ بعلمه وإِحاطته قال ابن عباس: هو عالمٌ بكم أينما كنتم قال ابن كثير: أي هو رقيبٌ عليكم، شهيدٌ على أعمالكم، حيث كنتم وأين كنتم، من برٍّ وبحر، في ليلٍ أو نهار، في البيوت أو القفار، الجميع في علمه على السواء، يسمع كلامكم ويرى مكانكم، ويعلم سرَّكم ونجواكم { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي رقيب على أعمال العباد، مطلع على كل صغيرة وكبيرة { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } كرره للتأكيد والتمهيد لإِثبات الحشر والنشر أي هو المعبود على الحقيقة، المتصرف في الخلق كيف يشاء { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي إِليه وحده مرجع أمور الخلائق في الآخرة فيجازيهم على أعمالهم { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } أي هو المتصرف في الكون كيف يشاء، يقلِّب الليل والنهار بحكمته وتقديره، ويدخل كلاً منهما في الآخر، فتارة يطول الليل ويقصر النهار، وأُخرى بالعكس { وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي هو العالم بالسرائر والضمائر، وما فيها من النوايا والخفايا، ومن كانت هذه صفته فلا يجوز أن يُعبد سواه.
. ثم لما ذكر دلائل عظمته وقدرته، أمر بتوحيده وطاعته فقال { آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي صدِّقوا بأن الله واحد وأن محمداً عبده ورسوله { وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } أي وتصدّقوا من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها، فهي في الحقيقة لله لا لكم قال في التسهيل: يعني أن الأموال التي بأيديكم إِنما هي أموال الله لأنه خلقها، ولكنه متَّعكم بها وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها، فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء فلا تمنعوها من الإِنفاق فيما أمركم مالكها أن تنفقوها فيه، والمقصود التحريضُ على الإِنفاق والتزهيد في الدنيا ولهذا قال بعده { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } أي فالذين جمعوا بين الإِيمان الصادق والإِنفاق في سبيل الله ابتغاء وجهه الكريم لهم أجر عظيم وهو الجنة قال أبو السعود: وفي الآية من المبالغات ما لا يخفى، حيث جعل الجملة اسمية { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وأعيد ذكرُ الإِيمان والإِنفاق { آمَنُواْ.... وَأَنفَقُواْ } وكرر الإِسناد { لَهُمْ } وفخَّم الأجر بالتنكير ووصفه بالكبير { لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } استفهام للإِنكار والتوبيخ أي أيُّ عذرٍ لكم في ترك الإِيمان بالله؟ { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ } أي والحالُ أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوكم للإِيمان بربكم وخالقكم، بالبراهين القاطعة، والحجج الدامغة { وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ } أي وقد أخذ الله ميثاقكم - وهو العهد المؤكد - بما ركز في العقول من الأدلة الدالة على وجود الله قال أبو السعود: وذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر وقال الخازن: أخذ ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم وأعلمكم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه، وقيل: أخذ ميثاقكم حيث ركب فيكم العقول، ونصب لكم الأدلة والبراهين والحجج التي تدعو إِلى متابعة الرسول { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } شرطٌ حذف جوابه أي إِن كنتم مؤمنين في وقت من الأوقات فالآن أحرى الأوقات لقيام الحجج والبراهين عليكم.. ثم ذكر تعالى بعض الأدلة الدالة على وجوب الإِيمان فقال { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي هو تعالى الذي ينزّل على محمد القرآن العظيم، المعجز في بيانه، الواضح في أحكامه قال القرطبي: يريد بالآيات البينات القرآن وقيل: المعجزات أي لزمكم الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لما معه من المعجزات، والقرآنُ أكبرها وأعظمها { لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي ليخرجكم من ظلمات الكفر إِلى نور الإِيمان { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي مبالغ في الرأفة والرحمة بكم، حيث أنزل الكتب وأرسل الرسل لهدايتكم، ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }؟ أيْ أيُّ شيءٍ يمنعكم من الإِنفاق في سبيل الله، وفيما يقربكم من ربكم، وأنتم تموتون وتخلّفون أموالكم وهي صائرة إِلى الله تعالى؟ قال الإِمام الفخر: المعنى إِنكم ستموتون فتورثون، فهلاَّ قدمتموه في الإِنفاق في طاعة الله!! وهذا من أبلغ الحث على الإِنفاق في سبيل الله { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } أي لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل الأعداء مع رسول الله قبل فتح مكة، مع من أنفق ماله وقاتل بعد فتح مكة قال المفسرون: وإِنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم، لأن حاجة الإِسلام إِلى الجهاد والإِنفاق كانت أشد، ثم أعز الله الإِسلام بعد الفتح وكثَّر ناصريه، ودخل الناس في دين الله أفواجاً { أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ } أي أعظم أجراً، وأرفع منزلة من الذين أنفقوا من بعد فتح مكة وقاتلوا لإِعلاء كلمة الله قال الكلبي: نزلت في " أبي بكر " لأنه أول من أسلم، وأول من أنفق ماله في سبيل الله، وذبَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي وكلاً ممن آمن وأنفق قبل الفتح، ومن آمن وأنفق بعد الفتح، وعده الله الجنة مع تفاوت الدرجات { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي عالمٌ بأعمالكم، مطلع على خفاياكم ونواياكم، ومجازيكم عليه، وفي الآية وعدٌ ووعيد { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله ابتغاء رضوانه { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } أي يعطيه أجره على إِنفاقه مضاعفاً { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي وله مع المضاعفة ثواب عظيم كريم وهو الجنة قال ابن كثير: أي جزاء جميل ورزق باهر وهو الجنة،
" ولما نزلت هذه الآية قال " أبو الدحداح الأنصاري " يا رسول الله: وإنَّ الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده، قال: فإِني قد أقرضت ربي حائطي ـ أي بستاني ـ وله فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه هي وعيالها، فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح قالت: لبيك، قال اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل، فقالت: ربح بيعك يا أبا الدحداح ونقلت منه متاعها وصبيانها " . ثم أخبر تعالى عن المؤمنين الأبرار، وما يتقدمهم من الأنوار وهم على الصراط فقال { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } أي اذكر يوم ترى أنوار المؤمنين والمؤمنات تتلألأ من أمامهم ومن جميع جهاتهم ليستضيئوا بها على الصراط، وتكون وجوههم مضيئة كإِضاءة القمر في سواد الليل { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي ويقال لهم: أبشروا اليوم بجنات الخلد والنعيم، التي تجري من تحت قصورها أنهار الجنة { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها أبداً { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي الفوز الذي لا فوز بعده لأنه سبب السعادة الأبدية، روي أن نور كل أحدٍ على قدر إِيمانه، وأنهم متفاوتون في النور، فمنهم من يضيء نوره ما قرب من قدميه، ومنهم من يُطفأ نوره مرة ويظهر مرة قال الزمخشري: وإِنما قال { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم." إن الله تعالى يقول للكافر: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟! فيقول: نعم يا ربّ، فيقول الله تبارك وتعالى: قد سألتك ما هو أيسرُ من ذلك وأنت في ظهر أبيك آدم، أن لا تشرك بي فأبيتَ إِلا الشرك " { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أي مقامكم ومنزلكم نار جهنم { هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي هي عونكم وسندكم وناصركم لا ناصر لكم غيرها، وهو تهكم بهم { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي وبئس المرجع والمنقلب نار جهنم.

قال بعض العلماء: " السعيد من لا يغتر بالطمع ولا يركن إِلى الخدع، ومن أطال الأمل نسي العمل، وغفل عن الأجل ".
. ولما شرح حال المؤمنين يوم القيامة، أتبع ذلك بشرح حال المنافقين فقال { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي انتظرونا لنستضيء من نوركم قال المفسرون: إِن الله تعالى يعطي المؤمنين نوراً يوم القيامة على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط، ويترك الكافرين والمنافقين بلا نور، فيستضيء المنافقون بنور المؤمنين، فبينما هم يمشون إِذ بعث الله فيهم ريحاً وظلمة، فبقوا في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم فيقولون للمؤمنين: انتظرونا لنستضيء بنوركم { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } أي فيقول لهم المؤمنون سخريةً واستهزاءً بهم: ارجعوا إِلى الدنيا فالتمسوا هذه الأنوار هناك قال أبو حيان: وقد علموا أن لا نور وراءهم، وإِنما هو إِقناطٌ لهم { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ } أي فضرب بين المؤمنين والمنافقين بحاجزٍ له باب، يحجز بين أهل الجنة وأهل النار { بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } أي في باطن السور الذي هو جهة المؤمنين الرحمةُ وهي الجنة، وفي ظاهره وهو جهة الكافرين العذاب وهو النارُ قال ابن كثير: هو سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين، فإِذا انتهى إِليه المؤمنون دخلوه من بابه، فإِذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } أي ينادي المنافقون المؤمنين: ألم نكن معكم في الدنيا، نصلي كما تصلون، ونصوم كما تصومون، ونحضر الجمعة والجماعات، ونقاتل معكم في الغزوات؟ { قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } أي قال لهم المؤمنون: نعم كنتم معنا في الظاهر ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق { وَتَرَبَّصْتُمْ } أي انتظرتم بالمؤمنين الدوائر { وَٱرْتَبْتُمْ } أي شككتم في أمر الدين { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ } أي خدعتكم الأماني الفارغة بسعة رحمة الله { حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي حتى جاءكم الموتُ { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } أي وخدعكم الشيطان الماكر بقوله: إن الله عفو كريم لا يعذبكم قال قتادة: ما زالوا على خُدعةٍ من الشيطان حتى قذفهم الله في نار جهنم قال المفسرون: الغرور بفتح الغين الشيطان لأنه يغر ويخدع الإنسان قال تعالى
{ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ * إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً }
[فاطر: 5-6] { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي ففي هذا اليوم العصيب لا يقبل منكم بدلٌ ولا عوضٌ يا معشر المنافقين، ولا من الكافرين الجاحدين بالله وآياته وفي الحديث






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=951028
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-09-30, 16:13 رقم المشاركة : 2
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الحديد


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ظ±للَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ظ±لْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ظ±لأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ظ±عْلَمُوغ¤اْ أَنَّ ظ±للَّهَ يُحْيِـي ظ±لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ظ±لآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ظ±لْمُصَّدِّقِينَ وَظ±لْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ظ±للَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ بِظ±للَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لصِّدِّيقُونَ وَظ±لشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ } * { ظ±عْلَمُوغ¤اْ أَنَّمَا ظ±لْحَيَظ°وةُ ظ±لدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ظ±لأَمْوَظ°لِ وَظ±لأَوْلَظ°دِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ظ±لْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَظ°هُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَظ°ماً وَفِي ظ±لآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ظ±للَّهِ وَرِضْوَظ°نٌ وَمَا ظ±لْحَيَظ°وةُ ظ±لدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَظ°عُ ظ±لْغُرُورِ } * { سَابِقُوغ¤اْ إِلَىظ° مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ظ±لسَّمَآءِ وَظ±لأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِظ±للَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ظ±للَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَظ±للَّهُ ذُو ظ±لْفَضْلِ ظ±لْعَظِيمِ } * { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ظ±لأَرْضِ وَلاَ فِيغ¤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَظ°بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَظ°لِكَ عَلَى ظ±للَّهِ يَسِيرٌ } * { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىظ° مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَظ±للَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { ظ±لَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ظ±لنَّاسَ بِظ±لْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْغَنِيُّ ظ±لْحَمِيدُ } * { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِظ±لْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ظ±لْكِتَابَ وَظ±لْمِيزَانَ لِيَقُومَ ظ±لنَّاسُ بِظ±لْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ظ±لْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ظ±للَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِظ±لْغَيْبِ إِنَّ ظ±للَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ظ±لنُّبُوَّةَ وَظ±لْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىظ° آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ظ±بْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ظ±لإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ظ±لَّذِينَ ظ±تَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ظ±بتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ظ±بْتِغَآءَ رِضْوَانِ ظ±للَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ ءَامَنُواْ ظ±تَّقُواْ ظ±للَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَظ±للَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ظ±لْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىظ° شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ظ±للَّهِ وَأَنَّ ظ±لْفَضْلَ بِيَدِ ظ±للَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَظ±للَّهُ ذُو ظ±لْفَضْلِ ظ±لْعَظِيمِ }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى اغترار المنافقين والكافرين بالحياة الدنيا، نبَّه المؤمنين ألا يكونوا مثلهم، أو مثل أهل الكتاب بالاغترار بدار الفناء، ثم ضرب مثلاً للحياة الدنيا وبهرجها الخادع الكاذب، وختم السورة الكريمة ببيان فضيلة التقوى والعمل الصالح، وأرشد المؤمنين إِلى مضاعفة الأجر والنور باتباعهم هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.


اللغَة:
{ يَأْنِ } يحن يقال: أني يأْني مثل رمى يرمي أي حان، قال الشاعر:
ألم يأنِ لي يا قلب أن أترك الجهلا وأن يُحدث الشيب المبينُ لنا عقلاً{ تَخْشَعَ } تذل وتلين { ظ±لأَمَدُ } الأجل أو الزمان { يَهِيجُ } هاج الزرع إِذا جف ويبس بعد خضرته ونضارته { حُطَاماً } فُتاتاً يتلاشى بالرياح { قَفَّيْنَا } ألحقنا وأتبعنا { كِفْلَيْنِ } مثنى كفل وهو النصيب.

سَبَبُ النّزول:
لما قدم المؤمنون المدينة، أصابوا من لين العيش ورفاهيته، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا ونزلت هذه الآية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ظ±للَّهِ } قال ابن مسعود: " ما كان بين إِسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إِلا أربع سنوات ".


التفسِير:
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ظ±للَّهِ } أي أما حان للمؤمنين أن ترقَّ قلوبهم وتلين لمواعظ الله؟ { وَمَا نَزَلَ مِنَ ظ±لْحَقِّ } أي ولما نزل من آيات القرآن المبين؟ { وَلاَ يَكُونُواْ كَظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لْكِتَابَ مِن قَبْلُ } أي ولا يكونوا كاليهود والنصارى الذين أعطاهم الله التوراة والإِنجيل { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ظ±لأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي فطال عليهم الزمن الذي بينهم وبين أنبيائهم، حتى صلبت قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة قال ابن عباس: { قست قلوبهم } مالوا إِلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ القرآن وقال أبو حيان: أي صلبت بحيث لا تنفعل للخير والطاعة والغرض أن الله يحذِّر المؤمنين أن يكونوا مع القرآن كاليهود والنصارى حين قست قلوبهم لما طال عليهم الزمان { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي وكثير من أهل الكتاب خارجون عن طاعة الله، رافضون لتعاليم دينهم، من فرط قسوة القلب قال ابن كثير: نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الزمن بدَّلوا كتاب الله الذي بأيديهم، ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد { ظ±عْلَمُوغ¤اْ أَنَّ ظ±للَّهَ يُحْيِـي ظ±لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي اعلموا يا معشر المؤمنين أن الله يحيي الأرض القاحلة المجدبة بالمطر، ويخرج منها النبات بعد يبسها، وهو تمثيل لإِحياء القلوب القاسية بالذكر وتلاوة القرآن، كما تحيا الأرض المجدبة بالغيث الهتان قال ابن عباس: يلين القلوب بعد قسوتها فيجعلها مخبتةً منيبة، وكذلك يحيي القلوب الميتة بالعلم والحكمة قال في البحر: ويظهر أنه تمثيلٌ لتليين القلوب بعد قسوتها، ولتأثير ذكر الله فيها، فكما يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إِجدابها مخصبة، كذلك تعود القلوب النافرة مقبلةً يظهر فيها أثر الخشوع والطاعات { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ظ±لآيَاتِ } أي وضحنا لكم الحجج والبراهين الدالة على كمال قدرتنا ووحدانيتنا { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا وتتدبروا ما أنزل الله في القرآن { إِنَّ ظ±لْمُصَّدِّقِينَ وَظ±لْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ظ±للَّهَ قَرْضاً حَسَناً } أي الذين تصدقوا بأموالهم على الفقراء ابتغاء وجه الله، والذين أنفقوا في سبيل الله وفي وجوه البر والإِحسان طيبة بها نفوسهم { يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي يضاعف لهم ثوابهم بأن تكتب الحسنة بعشر أمثالها، ولهم فوق ذلك ثواب حسن جزيل وهو الجنة قال المفسرون: أصل { ظ±لْمُصَّدِّقِينَ } المتصدقين أدغمت التاء في الصاد فصارت المصدّقين، ومعنى القرض الحسن هو التصدق عن طيب النفس، وخلوص النية للفقير، فكأن الإِنسان بإِحسانه إِلى الفقير قد أقرض اللهَ قرضاً يستحق عليه الوفاء في دار الجزاء { وَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ بِظ±للَّهِ وَرُسُلِهِ } أي صدَّقوا بوحدانية الله ووجوده، وآمنوا برسله إِيماناً راسخاً كاملاً، لا يخالجه شك ولا ارتياب { أُوْلَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لصِّدِّيقُونَ وَظ±لشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ } أي أولئك الموصوفون بالإِيمان بالله ورسله، هم الذين جمعوا أعلى المراتب فحازوا درجة الصديقية والشهادة في سبيل الله قال مجاهد: كل من آمن بالله ورسله فهو صدِّيقٌ وشهيد { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } أي لهم في الآخرة الثواب الجزيل، والنور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم { وَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ } أي والذين جحدوا بوحدانية الله وكذبوا بآياته أولئك هم المخلدون في دار الجحيم قال البيضاوي: فيه دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار، من حيث أن الصيغة تشعر بالاختصاص { أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ } والصحبة تدل على الملازمة.

. ولما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين، ذكر بعده ما يدل على حقارة الدنيا وكمال حال الآخرة فقال { ظ±عْلَمُوغ¤اْ أَنَّمَا ظ±لْحَيَاةُ ظ±لدُّنْيَا لَعِبٌ } أي اعلموا يا معشر السامعين أن هذه الحياة الدنيا ما هي إِلا لعبٌ يُتعب الناس فيها أنفسهم كإِتعاب الصبيان أنفسهم باللعب { وَلَهْوٌ } أي وشغل للإِنسان يشغله عن الآخرة وطاعة الله { وَزِينَةٌ } أي وزينة يتزين بها الجهلاء كالملابس الحسنة، والمراكب البهية، والمنازل الرفيعة { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } أي ومباهاة وافتخار بالأحساب والأنساب والمال والولد كما قال القائل:أرى أهل القُصور إِذا أُميتوا بنوا فوق المقابر بالصخورأبوا إِلا مباهاةً وفخراً على الفقراء حتى في القبور{ وَتَكَاثُرٌ فِي ظ±لأَمْوَالِ وَظ±لأَوْلاَدِ } أي مباهاة بكثرة الأموال والأولاد قال ابن عباس: يجمع المال من سخط الله، ويتباهى به على أولياء الله، ويصرفه في مساخط الله، فهو ظلماتٌ بعضها فوق بعض { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ظ±لْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } أي كمثل مطرٍ غزير أصاب أرضاً، فأعجب الزُرَّاع نباتُه الناشىء عنه { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } أي ثم ييبس بعد خضرته ونُضرته فتراه مصفر اللون بعد أن كان زاهياً ناضراً { ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } أي ثم يتحطم ويتكسر بعد يبسه وجفافه فيصبح هشيماً تذروه الرياح كذلك حال الدنيا قال القرطبي: والمراد بالكفار هنا الزُرَّاع لأنهم يغطون البذر، ومعنى الآية أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إِليه لخضرته بكثرة الأمطار، ثم لا يلبث أن يصير هشيماً كأن لم يكن، وإِذا أعجب الزراع فهو في غاية الحسن { وَفِي ظ±لآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ظ±للَّهِ وَرِضْوَانٌ } أي والجزاء في الآخرة إِما عذاب شديد للفجار، وإِما مغفرة من الله ورضوانٌ للأبرار { وَمَا ظ±لْحَيَاةُ ظ±لدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ ظ±لْغُرُورِ } أي وليست الحياة الدنيا في حقارتها وسرعة انقضائها إِلا متاعٌ زائل، ينخدع بها الغافل، ويغتر بها الجاهل قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغُرور إِن ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إِذا دعتك إِلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة، فنعم المتاع ونعم الوسيلة.. ولما حقَّر الدنيا وصغَّر أمرها، وعظَّم الآخرة وفخَّم شأنها، حثَّ على المسارعة إِلى نيل مرضاة الله، التي هي سبب للسعادة الأبدية في دار الخلود والجزاء فقال { سَابِقُوغ¤اْ إِلَىظ° مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } أي تسابقوا أيها الناس وسارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم قال أبو حيان: وجاء التعبير بلفظ { سَابِقُوغ¤اْ } كأنهم في ميدان سباق يجرون إِلى غاية مسابقين إِليها، والمعنى سابقوا إِلى سبب مغفرة وهو الإِيمان، وعملُ الطاعات { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ظ±لسَّمَآءِ وَظ±لأَرْضِ } أي وسارعوا إِلى جنةٍ واسعة فسيحة، عرضها كعرض السماوات السبع مع الأرض مجتمعة قال السدي: إِن الله تعالى شبَّه عرض الجنة بعرض السماوات السبع والأرضين السبع، ولا شك أن طولها أزيد من عرضها، فذكر العرض تنبيهاً على أن طولها أضعاف ذلك وقال البيضاوي: إِذا كان العرض كذلك فما ظنك بالطول، { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِظ±للَّهِ وَرُسُلِهِ } أي هيأها الله وأعدها للمؤمنين المصدّقين بالله ورسله قال المفسرون: وفي الآية دلالة على أن الجنة مخلوقة وموجودة لأن ما لم يُخلق بعد لا يوصف بأنه أُعدَّ وهُيءَ { ذَلِكَ فَضْلُ ظ±للَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } أي ذلك الموعود به من المغفرة والجنة هو عطاء الله الواسع، يتفضل به على من يشاء من عباده من غير إِيجاب { وَظ±للَّهُ ذُو ظ±لْفَضْلِ ظ±لْعَظِيمِ } أي ذو العطاء الواسع والإِحسان الجليل { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ظ±لأَرْضِ } أي ما يحدث في الأرض مصيبةً من المصائب كقحطٍ، وزلزلةٍ، وعاهة في الزروع، ونقصٍ في الثمار { وَلاَ فِيغ¤ أَنفُسِكُمْ } أي من الأمراض، والأوصاب، والفقر، وذهاب الاولاد { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } أي إِلاَّ وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل أن نخلقها ونوجدها قال في التسهيل: المعنى أن الأمور كلها مقدَّرة في الأزل، مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل أن تكون، وفي الحديث" إن الله كتب مقادير الأشياء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء " { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ظ±للَّهِ يَسِيرٌ } أي إن إثبات ذلك على كثرته سهلٌ هيّنٌ على الله عز وجل وإِن كان عسيراً على العباد.. ثم بيَّن تعالى لنا الحكمة في إِعلامنا عن كون هذه الأشياء واقعة بالقضاء والقدر فقال { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىظ° مَا فَاتَكُمْ } أي أثبت وكتب ذلك كي لا تحزنوا على ما فاتكم من نعيم الدنيا { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } أي ولكي لا تبطروا بما أعطاكم الله من زهرة الدنيا ونعيمها قال المفسرون: والمراد بالحزن الحزنُ الذي يوجب القنوط، وبالفرح الفرحُ الذي يورث الأشر والبطر، ولهذا قال ابن عباس: " ليس من أحدٍ إِلا وهو يحزن ويفرح، ولكنَّ المؤمن يجعل مصيبته صبراً، وغنيمته شكراً " ومعنى الآية: لا تحزنوا حزناً يخرجكم إِلى أن تهلكوا أنفسكم، ولا تفرحوا فرحاً شديداً يطغيكم حتى تأشروا فيه وتبطروا، ولهذا قال بعض العارفين: " من عرف سرَّ الله في القدر هانت عليه المصائب " وقال عمر رضي الله عنه: " ما أصابتني مصيبة إِلا وجدت فيها ثلاث نعم: الأولى: أنها لم تكن في ديني، الثانية: أنها لم تكن أعظم مما كانت، الثالثة: أن الله يعطي عليها الثواب العظيم والأجر الكبير
{ وَبَشِّرِ ظ±لصَّابِرِينَ * ظ±لَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـظ°ئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لْمُهْتَدُونَ }
[البقرة: 155-157] { وَظ±للَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي لا يحب كل متكبر معجبٍ بما أعطاه الله من حظوظ الدنيا، فخور به على الناس.. ثم بيَّن تعالى أوصاف هؤلاء المذمومين فقال { ظ±لَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ظ±لنَّاسَ بِظ±لْبُخْلِ } أي يبخلون بالإِنفاق في سبيل الله، ولا يكفيهم ذلك حتى يأمروا الناس بالبخل ويرغبوهم في الإِمساك { وَمَن يَتَوَلَّ } أي ومن يعرض عن الإِنفاق { فَإِنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْغَنِيُّ ظ±لْحَمِيدُ } أي فإِن الله مستغنٍ عنه وعن إِنفاقه، محمودٌ في ذاته وصفاته، لا يضره الإِعراض عن شكره، ولا تنفعه طاعة الطائعين، وفيه وعيدٌ وتهديد { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِظ±لْبَيِّنَاتِ } اللام موطئة لقسم محذوف أي والله لقد بعثنا رسلنا بالحجج القواطع والمعجزات البينات { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ظ±لْكِتَابَ وَظ±لْمِيزَانَ } أي وأنزلنا معهم الكتب السماوية التي فيها سعادة البشرية، وأنزلنا القانون الذي يُحكم به بين الناس، وفسَّر بعضهم الميزان بأنه العدلُ وقال ابن زيد: هو ما يُوزن به ويُتعامل { لِيَقُومَ ظ±لنَّاسُ بِظ±لْقِسْطِ } أي ليقوم الناس بالحق والعدل في معاملاتهم { وَأَنزَلْنَا ظ±لْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } أي وخلقنا وأوجدنا الحديد فيه بأس شديد، لأن آلات الحرب تُتخذ منه، كالدروع، والرماح، والتروس، والدبابات وغير ذلك { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } أي وفيه منافع كثيرة للناس كسكك الحراثة، والسكين، والفأس وغير ذلك وما من صناعةٍ إِلا والحديدُ آلة فيها قال أبو حيان: وعبَّر تعالى عن إيجاده بالإِنزال كما قال{ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ظ±لأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ }
[الزمر: 6] لأن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تُلقى من السماء جعل الكل نزولاً منها، وأراد بالحديد جنسه من المعادن قاله الجمهور { وَلِيَعْلَمَ ظ±للَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِظ±لْغَيْبِ } عطفٌ على محذوف مقدر أي وأنزلنا الحديد ليقاتل به المؤمنون أعداءهم ويجاهدوا لإِعلاء كلمة الله، وليعلم الله من ينصر دينه ورسله باستعمال السيوف والرماح وسائر الأسلحة مؤمناً بالغيب قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه، ثم قال تعالى { إِنَّ ظ±للَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي قادر على الانتقام من أعدائه بنفسه، عزيزٌ أي غالب لا يُغالب فهو غني بقدرته وعزته عن كل أحد قال البيضاوي: أي قويٌ على إِهلاك من أراد إِهلاكه، عزيزٌ لا يفتقر إِلى نصرة أحد، وإِنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا الثواب وقال ابن كثير: معنى الآية أنه جعل الحديد رادعاً لمن أبى الحقَّ وعانده بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة تُوحى إِليه السور، ويقارعهم بالحجة والبرهان، فلما قامت الحجة على من خالف أمر الله، شرع الله الهجرة وأمر المؤمنين بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب، ولهذا قال عليه السلام " بُعثت بالسيف بين يدي الساعة، وجُعل رزقي تحت ظل رُمحي، وجعل الذل والصَّغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم " ثم قال تعالى { إِنَّ ظ±للَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي هو قوي عزيز ينصر من شاء من غير احتياج منه إِلى الناس، وإِنما شرع الجهاد ليبلو بعضهم ببعض { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ظ±لنُّبُوَّةَ وَظ±لْكِتَابَ } لما ذكر بعثة الرسل ذكر هنا شيخ الأنبياء نوحاً عليه السلام، وأبا الأنبياء إِبراهيم عليه السلام وبيَّن أنه جعل في نسلهما النبوة والكتب السماوية أي وباللهِ لقد أرسلنا نوحاً وإِبراهيم وجعلنا النبوة في نسلهما، كما أنزلنا الكتب الأربعة وهي " التوراة والزبور والإِنجيل والقرآن " على ذريتهما، وإِنما خصَّ نوحاً وإِبراهيم بالذكر تشريفاً لهما وتخليداً لمآثرهما الحميدة { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي فمن ذرية نوح وإِبراهيم أناس مهتدون، وكثيرٌ منهم عصاةٌ خارجون عن الطاعة وعن الطريق المستقيم { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىظ° آثَارِهِم بِرُسُلِنَا } أي ثم أتبعنا بعدهم برسلنا الكرام، أرسلناهم رسولاً بعد رسول، موسى، وإِلياس، وداود، وسليمان، ويونس وغيرهم { وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ظ±بْنِ مَرْيَمَ } أي وجعلناه بعد أولئك الرسل لأن كان آخر الأنبياء من بني إِسرائيل { وَآتَيْنَاهُ ظ±لإِنجِيلَ } أي وأنزلنا عليه الإِنجيل الذي فيه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ظ±لَّذِينَ ظ±تَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً } أي وجعلنا في قلوب أتباعه الحواريين الشفقة واللين قال في التسهيل: هذا ثناء من الله عليهم بمحبة بعضهم في بعض كما وصف تعالى أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم
{ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ }
[الفتح: 29] { وَرَهْبَانِيَّةً ظ±بتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } أي ورهبانيةً ابتدعها القسسُ والرهبان وأحدثوها من تلقاء أنفسهم، ما فرضناها عليهم ولا أمرناهم بها قال أبو حيان: والرهبانيةُ رفضُ النساء وشهوات الدنيا، واتخاذ الصوامع ومعنى { ظ±بتَدَعُوهَا } أي أحدثوها من عند أنفسهم { إِلاَّ ظ±بْتِغَآءَ رِضْوَانِ ظ±للَّهِ } أي ما أمرناهم إِلا بما يرضي الله، والاستثناء منقطع والمعنى ما كتبنا عليهم الرهبانية، ولكنهم فعلوها من تلقاء أنفسهم ابتغاء رضوان الله { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أي فما قاموا بها حقَّ القيام، ولا حافظوا عليها كما ينبغي قال ابن كثير: وهذا ذمٌ لهم من وجهين: أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به اللهُ والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة تقربهم إِلى الله عز وجل، وفي الحديث " لكل أمة رهبانية، ورهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله " { فَآتَيْنَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } أي فأعطينا الصالحين من أتباع عيسى الذين ثبتوا على العهد وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ثوابهم مضاعفاً { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي وكثير من النصارى خارجون عن حدود الطاعة منتهكون لمحارم الله كقوله تعالى
{ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ظ±لأَحْبَارِ وَظ±لرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ظ±لنَّاسِ بِظ±لْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ظ±للَّهِ }
[التوبة: 34] { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ ظ±تَّقُواْ ظ±للَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ } أي يا من صدقتم بالله اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ودوموا واثبتوا على الإِيمان { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أي يعطكم ضعفين من رحمته { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } أي ويجعل لكم في الآخرة نوراً تمشون به على الصراط { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أي ويغفر لكم ما أسلفتم من المعاصي { وَظ±للَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي عظيم المغفرة واسع الرحمة { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ظ±لْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىظ° شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ظ±للَّهِ } أي إِنما بالغنا في هذا البيان ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على تخصيص فضل الله بهم، ولا يمكنهم حصر الرسالة والنبوة فيهم، فلا في قوله { لِّئَلاَّ } زائدة والمعنى ليعلم قال المفسرون: إن أهل الكتاب كانوا يقولون الوحي والرسالة فينا، والكتابُ والشرع ليس إِلا لنا، والله خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين، فردَّ الله عليهم بهذه الآية الكريمة { وَأَنَّ ظ±لْفَضْلَ بِيَدِ ظ±للَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } أي وأن أمر النبوة والهداية والإِيمان بيد الرحمن يعطيه لمن يشاء من خلقه { وَظ±للَّهُ ذُو ظ±لْفَضْلِ ظ±لْعَظِيمِ } أي والله واسع الفضل والإِحسان.

البَلاَغَة:
تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:


1- الطباق بين { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } وبين { ظ±لأَوَّلُ وَظ±لآخِرُ } وبين { ظ±لظَّاهِرُ وَظ±لْبَاطِنُ }.

2- المقابلة بين
{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ظ±لأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا }[الحديد: 4].

3- رد العجز على الصدر
{ يُولِجُ ظ±لْلَّيْلَ فِي ظ±لنَّهَارِ وَيُولِجُ ظ±لنَّهَارَ فِي ظ±لْلَّيْلِ }
[الحديد: 6] وهو وما سبقه من المحسنات البديعية.

4- حذف الإِيجاز
{ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ظ±لْفَتْحِ وَقَاتَلَ }
[الحديد: 10] حذف منه جملة " ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل " وذلك لدلالة الكلام عليه ويسمى هذا الحذف بالإِيجاز.

5- الاستعارة اللطيفة
{ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ظ±لظُّلُمَاتِ إِلَى ظ±لنُّورِ }
[الحديد: 9] أي ليخرجكم من ظلمات الشرك إِلى نور الإِيمان، فاستعار لفظ { ظ±لظُّلُمَاتِ } للكفر والضلالة ولفظ { ظ±لنُّورِ } للإِيمان والهداية وقد تقدم.

6- الاستعارة التمثيلية
{ مَّن ذَا ظ±لَّذِي يُقْرِضُ ظ±للَّهَ قَرْضاً حَسَناً }
[الحديد: 11] مثَّل لمن ينفق ماله ابتغاء وجه الله مخلصاً في عمله بمن يُقرض ربه قرضاً واجب الوفاء بطريق الاستعارة التمثيلية.

7- الأسلوب التهكمي
{ مَأْوَاكُمُ ظ±لنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ }
[الحديد: 15] أي لا ولي لكم ولا ناصر إِلا نار جهنم وهو تهكم بهم.

8- المقابلة اللطيفة بين قوله
{ بَاطِنُهُ فِيهِ ظ±لرَّحْمَةُ }
[الحديد: 13] وقوله
{ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ظ±لْعَذَابُ }
[الحديد: 13].

9- التشبيه التمثيلي { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ظ±لْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً.. } لأن وجه الشبه منتزع من متعدد.

10- الجناس الناقص { أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا } لتغير الشكل وبعض الحروف.

11- السجع المرصَّع كأنه الدر المنظوم { وَأَنزَلْنَا ظ±لْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } وقوله تعالى
{ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ظ±لرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ظ±لْعَذَابُ }
[الحديد: 13] وهو كثير في القرآن.
[الحديد: 4] وبين
{ وَمَا يَنزِلُ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا }





التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-10-27, 20:49 رقم المشاركة : 3
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تفسير سورة الحديد


-*************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك

بوركت و بوركت جهودك


وفقك الله لما يحبه و يرضاه

-**************************-






    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 06:59 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd