منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   تفسير (https://www.profvb.com/vb/f297.html)
-   -   تفسير سورة الذاريات (https://www.profvb.com/vb/t178453.html)

أم سهام 2017-09-11 15:55

تفسير سورة الذاريات
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } * { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } * { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } * { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } * { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ } * { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } * { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } * { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } * { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } * { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } * { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } * { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } * { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } * { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } * { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } * { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } * { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

اللغَة:
{ ٱلْحُبُكِ } الطرائق جمع حبيكة كطريقة وزناً ومعنى قال الزجاج: الحُبك الطرائق الحسنة، والمحبوك في اللغة ما أُجيد عمله وقال ابن الأَعرابي: كلُّ شيءٍ أحكمته وأحسنت عمله فقد حبكته { ٱلْخَرَّاصُونَ } جمع خرَّاص وهو الكذَّاب { غَمْرَةٍ } الغمرة ما ستر الشيء وغطَّاه ومنه نهر غمر { يَهْجَعُونَ } ينامون والهجوع النومُ ليلاً { أَوْجَسَ } أحسَّ وشعر { صَرَّةٍ } صيحة وضجة { مُّسَوَّمَةً } معلَّمة.


التفسِير:
{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } هذا قسمٌ أقسم تعالى به أي أُقسم بالرياح التي تذرو التراب فتفرّقه، وتحمل الرمال من مكان إِلى مكان { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } أي وأقسم بالسحب التي تحمل أثقال الأمطار، وهي محمَّلة بالماء الذي فيه حياة البشر { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } أي وأقسم بالسفن التي تجري على وجه الماء جرياً سهلاً بيسر وهي تحمل ذرية بني آدم { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } أي وأقسم بالملائكة التي تقسم الأرزاق والأَمطار بين العباد، وكل ملك مخصَّص بأمر، فجبريل صاحب الوحي إِلى الأنبياء، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإِسرافيل صاحب الصور، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح قال المفسرون: أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرفها ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعه وقدرته، ثم ذكر جواب القسم فقال { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } أي إِن الذي توعدونه من الثواب والعقاب، والحشر والنشر، لأمرٌ صدقٌ محقَّق لا كذب فيه { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ } أي وإِنَّ الجزاء لكائنٌ لا محالة، ثم ذكر تعالى قسماً آخر فقال { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن قال ابن عباس: ذات الخلق الحسن المستوي { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } جواب القسم أي إِنكم أيها الكفار لفي قول مضطرب في أمر محمد، فمنكم من يقول إِنه ساحر، ومنكم من يقول إِنه شاعر، وبعضكم يقول إِنه مجنون إِلى غير ما هنالك من أقوال مختلفة { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } أي يُصرف عن الإِيمان بالقرآن وبمحمد عليه السلام، من صُرِف عن الهداية في علم الله تعالى وحُرم السعادة { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } أي لُعن الكذابون الذين قالوا إِن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر وكذاب وشاعر قال ابن الأنباري: والقتلُ إِذا أُخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } أي الذين هم غافلون لاهون عن أمر الآخرة { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } أي يقولون تكذيباً واستهزاءً: متى يوم الحساب والجزاء؟ قال تعالى رداً عليهم { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } أي هذا الجزاء كائن يوم يدخلون جهنم ويُحرقون بها { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } أي تقول لهم خزنة النار: ذوقوا تعذيبكم وجزاءكم { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } أي هذا الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاءً.. ولما ذكر حال الكفار ذكر المؤمنين الأبرار فقال { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أي هم في بساتين فيها عيون جاريةٌ، تجري فيها على نهاية ما يُتنزه به { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } أي راضين بما أعطاهم ربهم من الكرامة والنعيم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي كانوا في دار الدنيا محسنين في الأعمال، ثم ذكر طرفاً من إِحسانهم فقال { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } أي كانوا ينامون قليلاً من الليل ويصلُّون أكثره قال الحسن: كابدوا قيام الليل لا ينامون من إلا قليلاً { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أي وفي أواخر الليل يسغفرون الله من تقصيرهم، فهم مع إِحسانهم يعدُّون أنفسهم مذنبين، ولذلك يكثرون الاستغفار بالأسحار قال أبو السعود: أي هم مع قلة نومهم وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار بالأسحار، كأنهم أسلفوا ليلهم باقتراف الجرائم، وهو مدح ثانٍ للمحسنين { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } مدحٌ ثالث أي وفي أموالهم نصيب معلوم قد أوجبوه على أنفسهم بمقتضى الكرم للسائل المحتاج، وللمتعفف الذي لا يسأل لتعففه { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } أي وفي الأرض دلائل واضحة على قدرة الله سبحانه ووحدانيته للموقنين بالله وعظمته، الذين يعرفونه بصنعه قال ابن كثير: أي وفي الأرض من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما فيها من صنوف النباتات والحيوانات، والجبال والقفار، والبحار، والأنهار، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم، والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الخلق البديع، ولهذا قال بعده { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } أي وفي أنفسكم آياتٌ وعبرٌ من مبدأ خلقكم إِلى منتهاه، أفلا تبصرون قدرة الله في خلقكم لتعرفوا قدرته على البعث؟ قال ابن عباس: يريد اختلاف الصور، والألسنة، والألوان، والطبائع، والسمع والبصر والعقل إِلى غير ذلك من العجائب المودعة في ابن آدم وقال قتادة: من تفكَّر في خلق نفسه عرف أنه إِنما خُلق ولُيّنت مفاصله للعبادة { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } أي وفي السماء أسباب رزقكم ومعاشكم وهو المطر الذي به حياة البلاد والعباد، وما توعدون به من الثواب والعقاب مكتوب كذلك في السماء قال الصاوي: والآيةُ قُصد بها الامتنان والوعد والوعيد { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } أي أٌقسم بربِّ السماءِ والأرض إِن ما توعدون به من الرزق والبعث والنشور لحقٌّ كائن لا محالة مثل نطقكم، فكما لا تشكون في نطقكم حين تنطقون فكذلك يجب ألا تشكوا في الرزق والبعث قال المفسرون: وهذا على سبيل التشبيه والتمثيل أي رزقكم مقسوم في السماء كنطقكم فلا تشكوا في ذلك، وهذا كقول القائل: هذا حق كما أنك هٰهنا، وهذا حقٌ كما أنك ترى وتسمع، فالرزق مثل النطق لا يفارق الشخص في حالٍ من الأحوال وفي الحديث
" لو أن أحدكم فرَّ من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت "
. ثم ذكر تعالى قصة ضيف إِبراهيم تسلية لقلب النبي الكريم فقال { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ }؟ الاستفهام للتشويق ولتفخيم شأن تلك القصة كما يقول القائل: هل بلغك الخير الفلاني؟ يريد تشويقه إِلى استماعه والمعنى هل وصل إِلى سمعك يا محمد خبر ضيوف إِبراهيم المعظَّمين؟ قال ابن عباس: يريد جبريل وميكائيل وإِسرافيل عليهم السلام، سُمُّوا مكرمين لكرامتهم عند الله عز وجل { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً } أي حين دخلوا على إِبراهيم فقالوا: نسلِّم عليك سلاماً { قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } أي قال عليكم سلامٌ أنتم قومٌ غرباء لا نعرفكم فمن أنتم؟ قال ابن كثير: وإِنما أنكرهم لأنهم قدموا عليه في صورة شبانٍ حسانٍ عليهم مهابة عظيمة ولهذا أنكرهم وقال أبو حيان: والذي يناسب حال إِبراهيم عليه السلام أنه لا يخاطبهم بذلك، إِذْ فيه من عدم الإِنس ما لا يخفى، وإِنما قال ذلك في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه، بحيث لا يسمع ذلك الأضياف { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ } أي فمضى إِلى أهله في سرعة وخفية عن ضيفه، لأن من أدب المضيف أن يبادر بإِحضار الضيافة من غير أن يشعر به الضيف، حذراً من أن يمنعه الضيف، أو يُثقل عليه في التأخير قال ابن قتيبة: عدل إِليهم في خفية ولا يكون الرَّواغُ إِلا أن تُخفي ذهابك ومجيئك { فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } أي فجاءهم بعجل سمينٍ مشوي، والعجلُ ولدُ البقرة وكان عامة ما له البقر، واختاره لهم سميناً زيادة في إكرامهم { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } أي فأدناه منهم ووضعه بين أيديهم فلم يأكلوا فقال لهم في تلطف وبشاشة: ألا تأكلون هذا الطعام؟ قال ابن كثير: وفي الآية تلطف في العبارة وعرض حسن، وقد انتظمت الآية آداب الضيافة، فإِنه جاء بطعامٍ من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يمتنَّ عليهم أولاً فقال نأتيكم بطعام بل جاء به بسرعةٍ وخفاء، وأتى بأفضل ما وجد من ماله وهو عجل فتيٌّ سمين مشوي، فقربه إِليهم ولم يضعه وقال اقتربوا بل وضعه بين أيديهم، ولم يأمرهم أمراً يشق على سامعه بصيغة الجزم بل قال: ألا تأكلون؟ على سبيل العرض والتلطف كما يقول القائل: إِن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } أي فأضمر في نفسه الخوف منهم لما رأى إِعراضهم عن الطعام { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } أي قالوا له لا تخف إِنا رسل ربك { وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ } أي وبشروه بولدٍ يولد له من زوجته سارة يكون عالماً عند بلوغه قال أبو حيان: وفيه تبشيرٌ بحياته حتى يكون من العلماء، والجمهور على أن المبشر به هو إِسحاق لقوله تعالى في سورة هود
{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }
[هود: 71] { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } أي فأقبلت سارة نحوهم حين سمعت البشارة في صيحةٍ وضجة قال المفسرون: لما سمعت بالبشارة وكانت في زاوية من زوايا البيت جاءت نحوهم في صيحة عظيمة تريد أن تستفسر الخبر { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } أي فلطمت وجهها على عادة النساء عند التعجب قال ابن عباس: لطمت وجهها تعجباً كما تتعجب النساء من الأمر الغريب { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي قالت أنا عجوز عقيم فكيف ألد؟ والعقيم هي التي لم تلد قطّ لانقطاع حبلها قبل الإِمام الجلال: كان عمرها تسعاً وتسعين سنة، وعمر إِبراهيم مائة وعشرين { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ } أي الأمر كما أخبرناك هكذا حكم وقضى ربك من الأزل فلا تعجبي ولا تشكّي فيه { إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } أي الحكيم في صنعه، العليم بمصالح خلقه { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } أي ما شأنكم الخطير الذي لأجله أرسلتم أيها الملائكة الأبرار؟ قال البيضاوي: لما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون مجتمعين إِلا لأمرٍ عظيم سأل عنه { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } أي قالوا إِن الله أرسلنا لإِهلاك قوم لوط الذين ارتكبوا أفحش الجرائم " اللواط " وكانوا ذوي جرائم متعددة، وهي كبار المعاصي من كفر وعصيان { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } أي لنهلكهم بحجارةٍ من طين متحجر مطبوخ بالنار وهو السجيل قال أبو حيان: والسجيلُ طينٌ يطبخ كما يطبخ الآجر حتى يصبح في صلابة الحجارة { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ } أي معلَّمة من عند الله بعلامة، على كل واحدةٍ منها اسم صاحبها الذي يهلك بها { لِلْمُسْرِفِينَ } أي المجاوزين الحدَّ في الفجور قال الصاوي: كان في قرى لوط ستمائة ألف فأدخل جبريل جناحه تحت الأرض فاقتلع قراهم، ورفعها حتى سمع أهل السماء أصواتهم ثم قلبها، ثم أرسل الحجارة على من كان خارجاً عنها { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي فأخرجنا من كان في قرى أهل لوط من المؤمنين لئلا يهلكوا { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي فما كان فيها بعد البحث والتفتيش غير أهل بيت واحد من المسلمين قال مجاهد: هم لوطٌ وابنتاه، والغرضُ من الآية بيان قلة المؤمنين الناجين من العذاب، وكثرة الكافرين المستحقين للهلاك قال الإِمام الجلال: وصفوا بالإِيمان والإِسلام أي هم مصدقون بقلوبهم، عاملون بجوارحهم الطاعات { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً } أي أبقينا في تلك القرى المهلكة بعد إِهلاك الظالمين علامةً على هلاكهم بجعل عاليها سافلها { لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } أي للذين يخافون عذاب الله فإِنهم المعتبرون به قال ابن كثير: ومعنى الآية { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً } أي جعلناها عبرةً بما أنزلنا بهم من العذاب والنكال، وجعلنا محلتهم بحيرةً منتنة خبيثة ففي ذلك عبرةٌ للمؤمنين الذين يخافون العذاب الأليم.
تنبيه:
قال الإِمام الرازي: في قصة ضيف إِبراهيم تسلية لقلب النبي الكريم صلى لله عليه وسلم ببيان أن غيره من الأنبياء عليهم السلام كان مثله، واختار تعالى إِبراهيم لكونه شيخ المرسلين، وكون النبي صلى الله عليه وسلم على سنته في بعض الأشياء، وفيها إِنذار لقومه بما جرى من الضيف ومن إنزال الحجارة على المذنبين المضلين.


أم سهام 2017-09-11 20:36



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَفِي مُوسَىظ° إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىظ° فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَتَوَلَّىظ° بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ظ±لْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ظ±لرِّيحَ ظ±لْعَقِيمَ } * { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَظ±لرَّمِيمِ } * { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىظ° حِينٍ } * { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ظ±لصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { فَمَا ظ±سْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } * { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَظ±لسَّمَآءَ بَنَيْنَظ°هَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } * { وَظ±لأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ظ±لْمَاهِدُونَ } * { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَفِرُّوغ¤اْ إِلَى ظ±للَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ظ±للَّهِ إِلَـظ°هاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ظ±لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } * { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ظ±لذِّكْرَىظ° تَنفَعُ ظ±لْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا خَلَقْتُ ظ±لْجِنَّ وَظ±لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } * { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } * { إِنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لرَّزَّاقُ ذُو ظ±لْقُوَّةِ ظ±لْمَتِينُ } * { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ظ±لَّذِي يُوعَدُونَ }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى قصة ضيف إِبراهيم الذين أُرسلوا لهلاك قوم لوط أتبعه بذكر قصص الأمم الطاغية، فذكر منهم فرعون وجنوده، وعاداً، وثمود، وقوم نوح، تسلية للنبي عليه السلام، وتذكيراً للأنام بانتقام الله من أعدائه وأعداء رسله، ثم ذكر دلائل القدرة والوحدانية، وختم السورة الكريمة بإِنذار المكذبين الضالين.


اللغَة:
{ نَبَذْنَاهُمْ } طرحناهم { ظ±لْيَمِّ } البحر { مُلِيمٌ } آتٍ بما يلام عليه { ظ±لرَّمِيمِ } الشيء الهالك البالي قال الزجاج: الرميمُ: الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم، ورمَّ العظم إِذا بلي فهو رِمَّة ورميم قال جرير يرثي ابنه:
تركْتني حين كفَّ الدهر من بصري وإِذْ بقيتُ كعظم الرمَّة البالي{ ظ±لْمَاهِدُونَ } مهدتُ الفراش مهداً بسطته ووطأته، والتمهيد تسوية الشيء وإِصلاحه { ذَنُوباً } الذَّنوب: بفتح الذال النصيب من العذاب.

التفِسير:
{ وَفِي مُوسَىظ° إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىظ° فِرْعَوْنَ } أي وجعلنا في قصة موسى أيضاً آيةً وعبرة وقت إِرسالنا له إِلى فرعون { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي بحجة واضحة ودليلٍ باهر { فَتَوَلَّىظ° بِرُكْنِهِ } أي فأعرض عن الإِيمان بموسى بجموعه وأجناده، وقوته وسلطانه قال مجاهد: تعزَّز عدوُّ الله بأصحابه والغرض أن فرعون أعرض عن الإِيمان بسبب ما كان يتقوى به من جنوده لأنهم كانوا له كالركن الذي يعتمد عليه البنيان { وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } أي وقال اللعين في شأن موسى إِنه ساحرٌ ولذلك أتى بهذه الخوارق، أو مجنون ولذلك ادَّعى الرسالة، وإِنما قال ذلك تمويهاً على قومه لا شكاً منه في صدق موسى { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ } أي فأخذنا فرعون مع أصحابه وجنوده { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ظ±لْيَمِّ } أي فطرحناهم في البحر لما أغضبونا وكذبوا رسولنا { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي وهو آتٍ بما يلام عليه من الكفر والطغيان.. ثم لما انتهى من قصة فرعون أعقبها بذكر قصة عاد فقال { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ظ±لرِّيحَ ظ±لْعَقِيمَ } أي وجعلنا في قصة عاد كذلك آية لمن تأمل حين أرسلنا عليهم الريح المدمرة، التي لا خير فيها ولا بركة، لأنها لا تحمل المطر ولا تلقّح الشجر، وإِنما هي للإِهلاك، وهي الريح التي تسمَّى الدبور وفي الصحيح
" نُصرت بالصبا وأُهلكت عادٌ بالدَّبور " قال المفسرون: سميت { ظ±لرِّيحَ ظ±لْعَقِيمَ } تشبيهاً لها بعقم المرأة الي لا تحمل ولا تلد، ولما كانت هذه الريح لا تلقح سحاباً ولا شجراً، ولا خير فيها ولا بركة لأنها لا تحمل المطر شبهت بالمرأة العقيم { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ } أي ما تترك شيئاً مرَّت عليه في طريقها مما أراد الله تدميره وإِهلاكه { إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَظ±لرَّمِيمِ } أي إِلا جعلته كالهشيم المتفتت البالي قال ابن عباس: { كَظ±لرَّمِيمِ } الشيء الهالك البالي وقال السدي: هو التراب والرماد المدقوق كقوله تعالى:
{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا }
[الأحقاف: 25] قال المفسرون: كانت الريح التي أرسلها الله عليهم ريحاً صرصراً عاتية، استمرت عليهم ثمانية أيام متتابعة، فكانت تهدم البنيان وتنتزع الرجال فترفعهم إِلى السماء حتى يرى الواحد منهم كالطير ثم ترمي به إلى الأرض جثة هامدة{ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ }
[الحاقة: 7].. ثم أخبر تعالى عن هلاك ثمود فقال { وَفِي ثَمُودَ } أي وجعلنا ثمود أيضاً آية وعبرة { إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىظ° حِينٍ } أي حين قيل لهم عيشوا متمتعين بالدنيا إِلى وقت الهلاك بعد عقرهم للناقة، وهو ثلاثة أيام كما في هود
{ فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ }
[هود: 65] { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } أي فاستكبروا عن امتثال أمر الله، وعصوا رسولهم فعقروا الناقة { فَأَخَذَتْهُمُ ظ±لصَّاعِقَةُ } أي فأخذتهم الصيحة المهلكة - صيحة العذاب - { وَهُمْ يَنظُرُونَ } أي وهم يشاهدونها ويعاينونها لأنها جاءتهم في وضح النهار قال ابن كثير: وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار وقال الألوسي: إِن صالحاً عليه السلام وعدهم بالهلاك بعد ثلاثة أيام وقال لهم: تصبح وجوهكم غداً مصفرة، وبعد غد محمرة، وفي اليوم الثالث مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا الآيات التي بينها عليه السلام عمدوا إِلى قتله فنجاه الله، وفي اليوم الرابع أتتهم الصاعقة وهي نار من السماء وقيل صيحة فهلكوا { فَمَا ظ±سْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ } أي ما قدروا على الهرب والنهوض من شدة الصيحة، بل أصبحوا في ديارهم جاثمين { وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } أي وما كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع عنها العذاب.. ثم أخبر تعالى عن هلاك قوم نوح فقال: { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ } أي وأهلكنا قوم نوحٍ بالطوفان من قبل إِهلاك هؤلاء المذكورين { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } تعليلٌ للهلاك أي لأنهم كانوا فسقةً خارجين عن طاعة الرحمن بارتكابهم الكفر والعصيان.. ولما انتهى من أخبار هلاك الأمم الطاغية المكذبة، شرع في بيان دلائل القدرة والوحدانية فقال { وَظ±لسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ } أي وشيدنا السماء وأحكمنا خلقها بقوةٍ وقدرة قال ابن عباس: { بِأَيْدٍ } بقوة { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أي وإِنا لموسعون في خلق السماء، فإِن الأرض وما يحيط بها من الهواء والماء بالنسبة لها كحلقة صغيرة في فلاة كما ورد في الأحاديث وقال ابن عباس: { لَمُوسِعُونَ } أي لقادرون، من الوسع بمعنى الطاقة { وَظ±لأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أي والأرض مهدناها لتستقروا عليها، وبسطناها لكم ومددنا فيها لتنتفعوا بها بالطرقات وأنواع المزروعات، ولا ينافي ذلك كرويتها، فذلك أمرٌ مقطوع به، فإِنها مع كرويتها واسعة ممتدة، فيها السهول الفسيحة، والبقاع الواسعة، مع الجبال والهضاب ولهذا قال تعالى { فَنِعْمَ ظ±لْمَاهِدُونَ } أي فنعم الباسطون الموسعون لها نحن، وصيغة الجمع للتعظيم { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } أي ومن كل شيء خلقنا صنفين ونوعين مختلفين ذكراً وأنثى، وحلواً وحامضاً ونحو ذلك { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي كي تتذكروا عظمة الله فتؤمنوا به، وتعلموا أن خالق الأزواج واحد أحد { فَفِرُّوغ¤اْ إِلَى ظ±للَّهِ } أي الجأوا إِلى الله، واهرعوا إِلى توحيده وطاعته قال أبو حيان: والأمر بالفرار إِلى الله أمرٌ بالدخول في الإِيمان وطاعة الرحمن، وإِنما ذكر بلفظ الفرار لينبه على أن وراء الناس عقاباً وعذاباً، وأمرٌ حقه أن يُفر منه، فقد جمعت اللفظة بين التحذير والاستدعاء، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ملجأ ولا منجى منك إِلا إِليك " وقال ابن الجوزي: المعنى اهربوا مما يوجب العقاب من الكفر والعصيان، إِلى ما يوجب الثواب من الطاعة والإِيمان { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ } أي إِني أنذركم عذاب الله وأخوفكم انتقامه { مُّبِينٌ } أي واضحٌ أمري فقد أيدني الله بالمعجزات الباهرات { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ظ±للَّهِ إِلَـظ°هاً آخَرَ } أي لا تشركوا مع الله أحداً من بشر أو حجر { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } كرر اللفظ للتأكيد والتنبيه إِلى خطر الإِشراك بالله قال الخازن: وإِنما كرر اللفظ عند الأمر بالطاعة، والنهي عن الشرك، ليعلم أن الإِيمان لا ينفع إِلاّ مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إِلا مع الإِيمان، وأنه لا يفوز وينجو عند الله إِلاّ الجامع بينهما { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ظ±لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي كما كذبك قومك يا محمد، وقالوا عنك إِنك ساحرٌ أو مجنون، كذلك قال المكذبون الأولون لرسلهم، فلا تحزن لما يقول المجرمون { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } أي هل أوصى أولهُم آخرهم بالتكذيب؟ وهو استفهام للتعجب من إِجماعهم على تلك الكلمة الشنيعة، ثم أضرب عن هذا النفي والتوبيخ فقال { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } أي لم يوص بعضهم بعضاً بذلك، بل حملهم الطغيان على التكذيب والعصيان فلذلك قالوا ما قالوا { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي فأعرض يا محمد عنهم { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } أي فلا لوم عليك ولا عتاب، لأنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، وبذلت الجهد في النصح والإِرشاد { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ظ±لذِّكْرَىظ° تَنفَعُ ظ±لْمُؤْمِنِينَ } أي لا تدع التذكير والموعظة فإِن القلوب المؤمنة تنتفع وتتأثر بالموعظة الحسنة.. ثم ذكر تعالى الغاية من خلق الخلق فقال { وَمَا خَلَقْتُ ظ±لْجِنَّ وَظ±لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } أي وما خلقت الثقلين الإِنس والجن إِلا لعبادتي وتوحيدي، لا لطلب الدنيا والانهماك بها قال ابن عباس: { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } إِلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً وقال مجاهد: إِلا ليعرفوني قال الرازي: لما بيَّن تعالى حال المكذبين ذكر هذه الآية ليبيّن سوء صنيعهم حيث تركوا عبادة الله مع أن خلقهم لم يكن إِلا للعبادة { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } أي لا أريد منهم أن يرزقوني أو يرزقوا أنفسهم أو غيرهم بل أنا الرزَّاق المعطي { وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } أي ولا أُريد منهم أن يطعموا خلقي ولا أن يطعموني فأنا الغني الحميد قال البيضاوي: والمراد أن يبيّن أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإِنهم إِنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، فكأنه سبحانه يقول: ما أريد أن أستعين بهم كما يستعين السادة بعبيدهم، فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي { إِنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لرَّزَّاقُ } أي إِنه جل وعلا هو الرازق، المتكفل بأرزاق العباد وحاجاتهم، أتى باسم الجلالة الظاهر للتفخيم والتعظيم، وأكد الجملة بإِن والضمير المنفصل لقطع أوهام الخلق في أمور الرزق، وليقوي اعتمادهم على الله { ذُو ظ±لْقُوَّةِ } أي ذو القدرة الباهرة { ظ±لْمَتِينُ } أي شديد القوة لا يطرأ عليه عجزٌ ولا ضعف قال ابن كثير: أخبر تعالى أنه غير محتاج إِليهم، بل هم الفقراء إِلى الله في جميع أحوالهم فهو خالقهم ورازقهم، وفي الحديث القدسي
" يا بان آدم تفرَّغ لعبادتي أملأُ صدرك غنى، وإِلا تفعل ملأتُ صدرك شغلاً ولم أسدَّ فقرك " { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أي فإِن لهؤلاء الكفار الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم نصيباً من العذاب مثل نصيب أسلافهم الذين أُهلكوا كقوم نحو وعاد وثمود { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } أي فلا يتعجلوا عذابي فإِنه واقع لا محالة إِن عاجلاً أو آجلاً { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ظ±لَّذِي يُوعَدُونَ } أي هلاك ودمار وشدة عذاب لهؤلاء الكفار في يوم القيامة الذي وعدهم الله به.

البَلاَغَة:
تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:


1- الطباق
{ وَفِيغ¤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَظ±لْمَحْرُومِ }
[الذاريات: 19] لأن السائل الطالب، والمحروم المتعفف.

2- تأكيد الخبر بالقسم وإِنَّ واللام
{ فَوَرَبِّ ظ±لسَّمَآءِ وَظ±لأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ }
[الذاريات: 23] ويسمى هذا الضرب إنكارياً، لأن المخاطب منكر لذلك.

3- أسلوب التشويق والتفخيم
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ظ±لْمُكْرَمِينَ }
[الذاريات: 24].

4- الاستعارة { فَتَوَلَّىظ° بِرُكْنِهِ } استعار الركن للجنود والجموع لأنه يحصل بهم التقوى والاعتماد كما يعتمد على الركن في البناء أو استعارة للقوة والشدة.

5- المجاز العقلي { وَهُوَ مُلِيمٌ } أطلق اسم الفاعل على اسم المفعول أي ملام على طغيانه.

6- الاستعارة التبعية { ظ±لرِّيحَ ظ±لْعَقِيمَ } شبه إِهلاكهم وقطع دابرهم بعقم النساء وعدم حملهن ثم أطلق المشبه به على المشبه واشتق منه العقيم بطريق الاستعارة.

7- حذف الإِيجاز
{ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }
[الذاريات: 25] أي أنتم قوم منكرون ومثلها
{ عَجُوزٌ عَقِيمٌ }
[الذاريات: 29] أي أنا عجوز.

8- التشبيه المرسل المجمل { ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أي نصيباً من العذاب مثل نصيب أسلافهم المكذبين في الشدة والغلظة، حذف منه وجه الشبه فهو مجمل.

9- الإِطناب بتكرار الفعل { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } للمبالغة والتأكيد.

10- السجع الرصين غير المتكلف الذي يزيد في جمال الأسلوب ورونقه مثل { وَظ±لسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.. وَظ±لأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ظ±لْمَاهِدُونَ } وهو من المحسنات البديعية.

لطيفَة:
ذكر أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ

{ وَفِي ظ±لسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ ظ±لسَّمَآءِ وَظ±لأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُون }
[الذاريات: 22-23] فقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف! ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إِلى اليمين؟ يا ويح الناس!!

خادم المنتدى 2017-09-12 18:18

رد: تفسير سورة الذاريات
 
-************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك
-**************************-


الساعة الآن 12:14

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd