منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   تفسير (https://www.profvb.com/vb/f297.html)
-   -   تفسير سورة الحجرات (https://www.profvb.com/vb/t178383.html)

أم سهام 2017-09-04 16:36

* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } * { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }

اللغَة:
{ يَغُضُّونَ } غضَّ صوته خفضه وخافت به { فَاسِقٌ } الفاسق: الخارج من حدود الشرع، وهو في أصل الاشتقاق موضوع لما يدل على معنى الخروج، مأخوذ من قولهم: فسقت الرطبة إِذا خرجت من قشرها، وسمي فاسقاً لخروجه عن الطاعة { نبأ } النبأ: الخبر الهام قال الراغب: لا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يكون ذا فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن { عَنِتُّمْ } وقعتم في العَنت وهو المشقة والهلاك قال في اللسان: العنت: الهلاك وأعنته أوقعه في الهلكة { ٱلرَّاشِدُونَ } جمع راشد وهو المهتدي إِلى محاسن الأمور { تَفِيۤءَ } ترجع { بَغَتْ } اعتدت واستطالت وأصله مجاوزة الحد في الظلم والطغيان { تَلْمِزُوۤاْ } تعيبوا.


سَبَبُ النّزول:
أ- روي أن بعض الأعراب الجفاة جاءوا إِلى حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه: يا محمد أُخرج إِلينا، يا محمد أُخرج إِلينا فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }.


ب - وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث " الوليد بن عقبة " إِلى الحارث بن ضرار ليقبض ما كان عنده من الزكاة التي جمعها من قومه، فلما سار الوليد واقترب منهم خاف وفزع، فرجع إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله: إِنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة، فهمَّ بعض الصحابة بالخروج إِليهم وقتالهم فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ.. } الآية.

ج - عن أنس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت " عبد الله بن أُبيٍّ " - وهو رأس المنافقين - فانطلق إِليه وركب حماراً، وانطلق معه المسلمون يمشون، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إِليك عني - أي تنحَّ وابتعد عني - فوالله لقد آذاني نتنُ حمارك، فقال رجل من الأنصار والله لحمارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه، وغضب للأنصاري آخرون من قومه، فكان بينهم ضربٌ بالجريد والأيدي والنعال، فأنزل الله { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا.. } الآية.

التفسِير:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي يا أيها المؤمنون، يا من اتصفتم بالإِيمان، وصدَّقتم بكتاب الله، لا تُقدموا أمراً أو فعلاً بين يدي الله ورسوله، وحُذِف المفعول للتعميم ليذهب ذهن السامع إِلى كل ما يمكن تقديمه من قولٍ أو فعل، كما إِذا عرضت مسألة في مجلسه صلى الله عليه وسلم لا يسبقونه بالجواب، وإِذا حضر الطعام لا يبتدئون بالأكل، وإِذا ذهبوا معه إِلى مكان لا يمشون أمامه ونحو ذلك قال ابن عباس: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه صلى الله عليه وسلم وقال الضحاك: لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال البيضاوي: المعنى لا تقطعوا أمراً قبل أن يحكم الله ورسوله به، وقيل: المراد بين يدي رسول الله، وذُكر اللهُ تعظيماً له وإِشعاراً بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي واتقوا الله فيما أمركم به، إِن الله سميعٌ لأقوالكم، عليمٌ بنياتكم وأحوالكم، وإِظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والروعة في النفس.
. ثم أرشد تعالى المؤمنين إلى وجوب توقير الرسول وإِجلاله واحترامه فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } أي إِذا كلمتم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فاخفضوا أصواتكم ولا ترفعوها على صوتِ النبي { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي ولا تبلغوا حدَّ الجهر عند مخاطبته صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضكم في الحديث مع البعض، ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضاً فتقولوا: يا محمد، ولكنْ قولوا يا نبيَّ الله، ويا رسول الله، تعظيماً لقدره، ومراعاةً للأدب قال المفسرون: نزلت في بعض الأعراب الجفاة الذين كانوا ينادون رسول الله باسمه، ولا يعرفون توقير الرسول الكريم { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أي خشية أن تبطل أعمالكم من حيث لا تشعرون ولا تدرون، فإِن في رفع الصوت والجهر بالكلام في حضرته صلى الله عليه وسلم استخفافاً قد يؤدي إِلى الكفر المحبط للعمل قال ابن كثير: روي " أن ثابت بن قيس كان رفيع الصوت، فلما نزلت الآية قال: أنا الذي كنتُ أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا من أهل النار، حبط عملي، وجلس في أهله حزيناً، فافتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إِليه فقالوا له: تفقَّدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك؟ فقال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم حبط عملي أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا بل هو من أهل الجنة " وفي رواية " أترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة؟ فقال: رضيتُ ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرفع صوتي أبداً على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم " { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } أي إِن الذين يخفضون أصواتهم في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الذين أخلص الله قلوبهم للتقوى ومرَّنها عليها وجعلها صفة راسخةً فيها قال ابن كثير: أي أخلصها للتقوى وجعلها أهلا ومحلاً { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي لهم في الآخرة صفحٌ عن ذنوبهم، وثواب عظيم في جنات النعيم.. ثم ذمَّ تعالى الأعراب الجفاة الذين ما كانوا يتأدبون في ندائهم للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } أي يدعونك من وراء الحجرات، منازِل أزواجك الطاهرات { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } أي أكثر هؤلاء غير عقلاء، إذ العقل يقتضي حسن الأدب، ومراعاة العظماء عند خطابهم، سيّما لمن كان بهذا المنصب الخطير قال البيضاوي: قيل إِن الذي ناداه " عُيينة بن حُصين " و " الأقرع بن حابس " وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد أخرج إِلينا { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي ولو أنَّ هؤلاء المنادين لم يزعجوا الرسول صلى الله عليه وسلم بمناداتهم وصبروا حتى يخرج إِليهم لكان ذلك الصبر خيراً لهم وأفضل عند الله وعند الناس، لما فيه من مراعاة الأدب في مقام النبوة { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي الغفور لذنوب العباد، الرحيم بالمؤمنين حيث اقتصر على نصحهم وتقريعهم، ولم يُنزل العقاب بهم.. ثم حذَّر تعالى من الاستماع للأخبار بغير تثبت فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } أي إِذا أتاكم رجل فاسق - غير موثوق بصدقه وعدالته - بخبرٍ من الأخبار { فَتَبَيَّنُوۤاْ } أي فتثبتوا من صحة الخبر { أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } أي لئلا تصيبوا قوماً وأنتم جاهلون حقيقة الأمر { فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } أي فتصيروا نادمين أشد الندم على صنيعكم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } أي واعلموا - أيها المؤمنون - أنَّ بينكم الرسول المعظَّم، والنبيُّ المكرم، المعصوم عن اتباع الهوى { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } أي لو يسمع وشاياتكم، ويصغي بسمعه لإِرادتكم، ويطيعكم في غالب ما تشيرون عليه من الأمور، لوقعتم في الجهد والهلاك قال ابن كثير: أي اعلموا أنَّ بين أظهركم رسول الله فعظّموه ووقروه، فإِنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم، ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدَّى ذلك إلى عنتكم وحرجكم { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ } أي ولكنه تعالى - بمنّه وفضله - نوَّر بصائركم فحبَّب إِلى نفوسكم الإِيمان { وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي وحسَّنه في قلوبكم، حتى أصبح أغلى عندكم من كل شيء { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } أي وبغَّض إِلى نفوسكم أنواع الضلال، من الكفر والمعاصي والخروج عن طاعة الله قال ابن كثير: والمراد بالفسوق الذنوبُ الكبار، وبالعصيان جميع المعاصي { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } أي أولئك المتصفون بالنعوت الجليلة هم المهتدون، الراشدون في سيرتهم وسلوكهم، والجملة تفيد الحصر أي هم الراشدون لا غيرهم { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً } أي هذا العطاء تفضلٌ منه تعالى عليكم وإِنعام { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليمٌ بمن يستحق الهداية، حكيم في خلقه وصنعه وتدبيره.. ثم عقَّب تعالى على ما يترتب على سماع الأنباء المكذوبة من تخاصم وتباغضٍ وتقاتل فقال { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } أي وإِنْ حدث أنَّ فئتين وجماعتين من إِخوانكم المؤمنين جنحوا إِلى القتال فأصلحوا بينهما، واسعوا جهدكم للإِصلاح بينهما، والجمعُ { ٱقْتَتَلُواْ } باعتبار المعنى، والتثنية { بَيْنَهُمَا } باعتبار اللفظ { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } أي فإِن بغت إحداهما على الأخرى، وتجاوزت حدَّها بالظلم والطغيان، ولم تقبل الصلح وصمَّمت على البغي { فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي فقاتلوا الفئة الباغية حتى ترجع إِلى حكم الله وشرعه، وتُقلع عن البغي والعدوان، وتعمل بمقتضى أخوة الإِسلام { فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ } أي فإِن رجعت وكفَّت عن القتال فأصلحوا بينهما بالعدل، دون حيفٍ على إِحدى الفئتين، واعدلوا في جميع أموركم { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } أي يحبُّ العادلين الذين لا يجورون في أحكامهم قال البيضاوي: والآية نزلت في قتالٍ حدث بين " الأوس " و " الخزرج " في عهده صلى الله عليه وسلم كان فيه ضرب بالسَّعف والنعال، وهي تدلُّ على أن الباغي مؤمن، وأنه إِذا كفَّ عن الحرب ترك، وأنه يجب تقديم النصح والسعي في المصالحة { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أي ليس المؤمنون إِلا إخوة، جمعتهم رابطة الإِيمان، فلا ينبغي أن تكون بينهم عداوة ولا شحناء، ولا تباغضٌ ولا تقاتل قال المفسرون: { إِنَّمَا } للحصر فكأنه يقول: لا أخوَّة إلا بين المؤمنين، ولا أخوة بين مؤمن وكافر، وفي الآية إشارة إلى أنَّ أخوة الإِسلام أقوى من أخوَّة النسب، بحيث لا تعتبر أخوَّة النسب إِذا خلت عن أخوة الإِسلام { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } أي فأصلحوا بين إِخوانكم المؤمنين، ولا تتركوا الفرقة تدبُّ، والبغضاء تعمل عملها { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لتنالكم رحمته، وتسعدوا بجنته ومرضاته { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي يا معشر المؤمنين، يا من اتصفتم بالإِيمان، وصدَّقتم بكتاب الله وبرسوله، لا يهزأ جماعة بجماعة، ولا يسخر أحد من أحد، فقد يكون المسخور منه خيراً عند الله من الساخر، وربَّ أشعث أغبر ذو طمرين لو أقسم على الله لأبرَّه { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } أي ولا يسخر نساء من نساء فعسى أن تكون المحتقر منها خيراً عند الله وأفضل من الساخرة { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } أي ولا يعب بعضكم بعضاً، ولا يدع بعضكم بعضاً بلقب السوء، وإِنما قال { أَنفُسَكُمْ } لأن المسلمين كأنهم نفسٌ واحدة { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ } أي بئس أن يسمى الإِنسان فاسقاً بعد أن صار مؤمناً قال البيضاوي: وفي الآية دلالة على أن التنابز فسقٌ، والجمع بينه وبين الإِيمان مستقبح { وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } أي ومن لم يتبْ عن اللَّمز والتنابز فأولئك هم الظالمون بتعريض أنفسهم للعذاب { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ } أي ابتعدوا عن التهمة والتخون وإِساءة الظنِّ بالأهل والناس، وعبَّر بالكثير ليحتاط الإِنسان في كل ظنٍّ ولا يسارع فيه بل يتأملُ ويتحقَّق { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ } أي إِنَّ في بعض الظنِّ إِثم وذنب يستحق صاحبه العقوبة عليه قال عمر رضي الله عنه: " لا تظُنَّنَّ بكلمةٍ خرجت من أخيكَ المؤمنِ إِلا خيراً، وأنت تجدُ لها في الخير محملاً " { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } أي لا تبحثوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوا معايبهم { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } أي لا يذكر بعضكم بعضاً بالسوء في غيبته بما يكرهه { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } تمثيلٌ لشناعة الغيبة وقبحها بما لا مزيد عليه من التقبيح أي هل يحب الواحد منكم أن يأكل لحم أخيه المسلم وهو ميت؟ . شبَّه تعالى الغيبة بأكل لحم الأخ حال كونه ميتاً، وإِذا كان الإِنسان يكره لحم الإِنسان - فضلاً عن كونه أخاً، وفضلاً عن كونه ميتاً وجب عليه أن يكره الغيبة بمثل هذه الكراهة أو أشد { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوا الله واحذروا عقابه، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } أي إِنه تعالى كثير التوبة، عظيم الرحمة، لمن اتقى اللهَ وتاب وأناب، وفيه حثٌ على التوبة، وترغيبٌ بالمساعة إِلى الندم والاعتراف بالخطأ لئلا يقنط الإِنسان من رحمة الله.
{ فَكَرِهْتُمُوهُ } أي فكما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا الغيبة شرعاً، فإِن عقوبتها أشدُّ من هذا.



أم سهام 2017-09-05 16:42

رد: تفسير سورة الحجرات
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىظ° وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوغ¤اْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ظ±للَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ظ±للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } * { قَالَتِ ظ±لأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـظ°كِن قُولُوغ¤اْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ظ±لإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ظ±للَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ظ±للَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ظ±لْمُؤْمِنُونَ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ بِظ±للَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ظ±للَّهِ أُوْلَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لصَّادِقُونَ } * { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ظ±للَّهَ بِدِينِكُمْ وَظ±للَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ظ±لسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ وَظ±للَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ظ±للَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ وَظ±للَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

المنَاسَبَة:
لمَّا دعا تعالى إِلى مكارم الأخلاق ونهى عن مساوئها، وحذَّر المؤمنين من بعض الأفعال القبيحة، دعا الناس هنا جميعاً للتعارف والتآلف ونهاهم عن التفاخر بالأنساب، ثم بيَّن صفات المؤمن الكامل.


اللغَة:
{ يَلِتْكُمْ } ينقصكم { قَبَآئِلَ } جمع قبيلة وهي الجماعة التي يربطها حسبٌ أو نسبٌ، وهي أخصُّ من الشعب، لأن الشعب الجمع العظيم المنتسبون إِلى أصل واحد، فالشعب يجمع القبيلة، والقبيلة تجمع البطون والأفخاذ { يَرْتَابُواْ } يشكُّوا والريب: الشكُ { يَمُنُّونَ } المنُّ: الامتنان على الشخص والاعتداد عليه بفعل المعروف، وأصله في اللغة القطع ومنه

{ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }
[التين: 6].

سَبَبُ النّزول:
عن ابن عباس قال: جاءت بنو أسدٍ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله: أسلمنا، وقاتلتك العرب ولم نقاتلك، وأخذوا يمنون عليه فنزلت الآية الكريمة { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ.. } الآية.


التفسِير:
{ يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىظ° } الخطاب لجميع البشر أي نحن بقدرتنا خلقناكم من أصلٍ واحد، وأوجدناكم من أب وأم فلا تفاخر بالآباء والأجداد، ولا اعتداد بالحسب والنسب، كلكم لآدم وآدمُ من تراب { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوغ¤اْ } أي وجعلناكم شعوباً شتى وقبائل متعددة، ليحصل بينكم التعارف والتآلف، لا التناحر والتخالف قال مجاهد: ليعرف الإِنسان نسبه فيقال فلان بن فلان من قبيلة كذا، وأصل تعارفوا تتعارفوا حذفت إِحدى التاءين تخفيفاً قال شيخ زاده: والمعنى إِن الحكمة التي من أجلها جعلكم على شعوب وقبائل هي أن يعرف بعضكم نسب بعض ولا ينسبه إِلى غير آبائه، لا أن تتفاخر بالآباء والأجداد، والنسبُ وِإِن كان يُعتبر عرفاً وشرعاً، حتى لا تُزوج الشريفة بالنبطيّ، إلا أنه لا عبرة به عند ظهور ما هو أعظم قدراً منه وأعز، وهو الإِيمان والتقوى، كما لا تظهر الكواكب عند طلوع الشمس { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ظ±للَّهِ أَتْقَاكُمْ } أي إِنما يتفاضل الناس بالتقوى لا بالأحساب والأنساب، فمن أراد شرفاً في الدنيا ومنزلةً في الآخرة فليتق الله كما قال صلى الله عليه وسلم:
" من سرَّه أن يكون أكرم الناس فليتَّق الله " وفي الحديث " الناسُ رجلان: رجل برٌّ تقيٍ كريم على الله تعالى، ورجل فاجر شقي هيّن على الله تعالى " { إِنَّ ظ±للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } أي عليمٌ بالعباد، مطلع على ظواهرهم وبواطنهم، يعلم التقي والشقي، والصالح والطالح
{ فَلاَ تُزَكُّوغ¤اْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ظ±تَّقَىظ° }
[النجم: 32]. { قَالَتِ ظ±لأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـظ°كِن قُولُوغ¤اْ أَسْلَمْنَا } أي زعم الأعراب أنهم آمنوا قل لهم يا محمد: إِنكم لم تؤمنوا بعد، لأن الإِيمان تصديقٌ مع ثقة واطمئنان قلب، ولم يحصل لكم، وإِلا لما مننتم على الرسول بالإِسلام وترك المقاتلة، ولكنْ قولوا استسلمنا خوف القتل والسبي قال المفسرون: نزلت في نفرٍ من بني أسد، قدموا المدينة في سنةٍ مجدبة، وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وفلان، يريدون الصَّدقة ويمنّون على الرسول، وقد دلت الآية على أن الإِيمان مرتبةٌ أعلى من الإِسلام، الذي هو الاستسلام والانقياد بالظاهر ولهذا قال تعالى { وَلَمَّا يَدْخُلِ ظ±لإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي ولم يدخل الإِيمان إِلى قلوبكم ولم تصلوا إِلى حقيقته بعد، ولفظةُ " لمَّا " تفيد التوقع كأنه يقول: وسيحصل لكم الإِيمان عند اطلاعكم على محاسن الإِسلام، وتذوقكم لحلاوة الإِيمان قال ابن كثير: وهؤلاء الأعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا منافقين، وإِنما هم مسلمون لم يستحكم الإِيمان في قلوبهم، فادَّعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إِليه فأدبوا في ذلك، ولو كانوامنافقين - كما ذهب إِليه البخاري - لعُنفوا وفُضِحوا { وَإِن تُطِيعُواْ ظ±للَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } أي وإِن أطعتم الله ورسوله بالإِخلاص الصادق، والإِيمان الكامل، وعدم المنِّ على الرسول لا ينقصكم من أجوركم شيئاً { إِنَّ ظ±للَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي عظيم المغفرة، واسع الرحمة، لأن صيغة " فعول " و " فعيل " تفيد المبالغة.. ثم ذكر تعالى صفات المؤمنين الكُمَّل الصادقين في إِيمانهم فقال { إِنَّمَا ظ±لْمُؤْمِنُونَ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ بِظ±للَّهِ وَرَسُولِهِ } أي إِنما المؤمنون الصادقون في دعوى الإِيمان، الذين صدَّقوا الله ورسوله، فأقروا لله بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، عن يقين راسخ وإِيمان كامل { ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } أي ثم لم يشكوا ويتزلزلوا في إِيمانهم بل ثبتوا على التصديق واليقين { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ظ±للَّهِ } أي وبذلوا أموالهم ومهجهم في سبيل الله وابتغاء رضوانه { أُوْلَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لصَّادِقُونَ } أي أولئك الذين صدقوا في ادعاء الإِيمان.. وصف تعالى المؤمنين الكاملين بثلاثة أوصاف: الأول: التصديق الجازم بالله ورسوله الثاني: عدم الشك والارتياب الثالث: الجهاد بالمال والنفس، فمن جمع هذه الأوصاف فهو المؤمن الصادق { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ظ±للَّهَ بِدِينِكُمْ } الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي قل يا محمد: أتخبرون الله بما في ضمائركم وقلوبكم؟ { وَظ±للَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ظ±لسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ } أي وهو جل وعلا العليم بأحوال جميع العباد، لا تخفى عليه خافية لا في السماوات ولا في الأرض { وَظ±للَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي واسع العلم رقيب على كل شيء، لا يعزب عنه مثقال ذرة، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } أي يعدُّون إِسلامهم عليك يا محمد منَّة، يستوجبون عليها الحمد والثناء { قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ } أي قل لهم لا تمتنوا عليَّ بإِسلامكم، فإِن نفع ذلك عائد عليكم { بَلِ ظ±للَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي بل للهِ المنةُ العظمى عليكم، بالهداية للإِيمان والتثبيت عليه، إن كنتم صادقين في دعوى الإِيمان { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ } أي يعلم ما غاب عن الأبصار في السماوات والأرض { وَظ±للَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي مطَّلع على أعمال العباد، لا تخفى عليه خافية.. كرَّر تعالى الإِخبار بعلمه بجميع الكائنات، وإِحاطته بجميع المخلوقات، ليدل على سعة علمه، وشموله لكل صغيرة وكبيرة، في السر والعلن، والظاهر والباطن.

البَلاَغَة:
تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:


1- الاستعارة التمثيلية
{ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ظ±للَّهِ وَرَسُولِهِ }
[الحجرات: 1] شبَّه حالهم في إِبداء الرأي وقطع الأمر في حضرة الرسول بحال ملكٍ عظيم تقدَّم للسير أمامه بعض الناس وكان الأدب يقضي أن يسيروا خلفه لا أمامه، وهذا بطريق الاستعارة التمثيلية.

2- التشبيه المرسل المجمل
{ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِظ±لْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ }
[الحجرات: 2] لوجود أداة التشبيه.

3- الالتفات من الخطاب إِلى الغيبة
{ أُوْلَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لرَّاشِدُونَ }
بعد قوله
{ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ظ±لإِيمَانَ }
[الحجرات: 7] وهذا من المحسنات البديعية.

4- المقابلة بين
{ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ظ±لإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ }
[الحجرات: 7] وبين
{ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ظ±لْكُفْرَ وَظ±لْفُسُوقَ وَظ±لْعِصْيَانَ }
[الحجرات: 7].

5- الطباق
{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ظ±لْمُؤْمِنِينَ ظ±قْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا }
[الحجرات: 9].

6- جناس الاشتقاق
{ وَأَقْسِطُوغ¤اْ إِنَّ ظ±للَّهَ يُحِبُّ ظ±لْمُقْسِطِينَ }
[الحجرات: 9].

7- التشبيه التمثيلي
{ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً }
[الحجرات: 12] مثَّل للغيبة بمن يأكل لحم الميت، وفيه مبالغات عديدة لتصوير الاغتياب بأقبح الصور وأفحشها في الذهن.

8- طباق السلب { آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ }.

9- الاستفهام الإِنكاري للتوبيخ { أَتُعَلِّمُونَ ظ±للَّهَ بِدِينِكُمْ }.

10- التشبيه البليغ
{ إِنَّمَا ظ±لْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }
[الحجرات: 10] أصل الكلام المؤمنون كالإِخوة في وجوب التراحم والتناصر، فحذف وجه الشبه وأداة التشبيه فأصبح بليغاً مع إفادة الجملة الحصر.

تنبيه: سورة الحجرات تسمى سورة " الأخلاق والآداب " فقد أرشدت إِلى مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال، وجاء فيها النداء بوصف الإِيمان خمس مراتٍ، وفي كل مرة إِرشاد إِلى مكرمة من المكارم وفضيلة من الفضائل، وهذه الآداب الرفيعة نستعرضها في فقرات:

أولاً: وجوب الطاعة والانقياد لأوامر الله ورسوله وعدم التقدم عليه بقول أو رأي
{ يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ظ±للَّهِ وَرَسُولِهِ }
[الحجرات: 1].

ثانياً: احترام الرسول وتعظيم شأنه
{ يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوغ¤اْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ظ±لنَّبِيِّ.. }
[الحجرات: 2].

ثالثاً: وجوب التثبت من الأخبار
{ يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوغ¤اْ.. }
[الحجرات: 6].

رابعاً: النهي عن السخرية بالناس
{ يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىظ° أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ.. }
[الحجرات: 11].

خامساً: النهي عن التجسس والغيبة وسوء الظن
{ يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ ظ±جْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ظ±لظَّنِّ.. }
[الحجرات: 12] الآية.

لطيفَة: سئل بعض العلماء عما وقع بين الصحابة من قتال فقال " تلك دماءٌ قد طهَّر الله منها أيدينا فلا نلوّث بها ألسنتنا، وسبيل ما جرى بينهم كسبيل ما جرى بين يوسف وإِخوته ".

خادم المنتدى 2017-09-05 18:17

رد: تفسير سورة الحجرات
 
-*****************************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك
على ما تفضلت بانتقائه و تقديمه لنا


تحياتيــ و التقدير
-******************-


الساعة الآن 17:23

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd