الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2016-02-11, 21:07 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

cour تفسير سورة التوبة



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } * { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } * { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } * { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } * { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } * { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ } * { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } * { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

اللغَة:

{ بَرَآءَةٌ } برئت من الشيء: إِذا قطعت ما بينك وبينه من سبب وأزلته عن نفسك، قال الزجاج: برئت من الرجل والدين براءة، وبرئت من المرض بُروءاً { فَسِيحُواْ } السياحة: السير في الأرض والذهاب فيها للتجارة أو العبادة أو غيرهما { أَذَانٌ } الأذان: الإِعلام ومنه أذان الصلاة { مَرْصَدٍ } المرصد: الموضع الذي يرقب فيه العدو من قولهم: رصدت فلاناً إِذا ترقبته قال الشاعر: إِن المنية للفتى بالمرصد { ٱسْتَجَارَكَ } طلب جوارك أي أمانك { إِلاَّ } الإِلُّ: العهد والقرابة وأنشد أبو عبيدة:
أفسد الناس خلوف خلفوا *** قطعوا الإِلَّ وأعراف الرحم
{ نَكَثوا } النكث: النقض وأصله في كل ما فُتل ثم حل { وَلِيجَةً } بطانة ودخيلة، قال أبو عبيدة: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة وأصله من الولوج، فالداخل في القوم وليس منهم يسمى وليجة وقال الفراء: الوليجة: البطانة من المشركين يفشي إِليهم سره، ويعلمهم أمره. سَبَبُ النّزول: روي أن جماعة من رؤساء قريش أسروا يوم بدر، وفيهم " العباس بن عبد المطلب " فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيّروهم بالشرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبخ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقال: وهل لكم من محاسن؟ فقال: نعم، إِنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني - الأسير - فنزلت هذه الآية { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ.. } الآية.

التفسِير:

{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي هذه براءة من المشركين ومن عهودهم كائنة من الله ورسوله قال المفسرون: أخذت العرب تنقض عهوداً عقدتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره الله بإِلقاء عهودهم إِليهم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميراً على الحج ليقيم للناس المناسك، ثم أتبعه علياً ليعلم الناس بالبراءة، فقام علي فنادى في الناس بأربع: ألاّ يقرب البيت الحرام بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان، وأنه لا يدخل الجنة إِلا مسلم، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله إِلى مدته، والله بريء من المشركين ورسولهُ { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } أي سيروا آمنين أيها المشركون مدة أربعة أشهر لا يقع بكم منا مكروه، وهو أمر إِباحة وفي ضمنه تهديد { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي لا تفوتونه تعالى وإِن أمهلكم هذه المدة { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } أي مذلهم في الدنيا بالأسر والقتل، وفي الآخرة بالعذاب الشديد { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ } أي إِعلام الى كافة الناس بتبرئ الله تعالى ورسوله من المشركين { يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ } أي يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك قال الزمخشري: وصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } أي إِعلام لهم بأن الله بريء من المشركين وعهودهم، ورسوله بريء منهم أيضاً { فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } أي فإِن تبتم عن الكفر ورجعتم إِلى توحيد الله فهو خير لكم من التمادي في الضلال { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي وإِن أعرضتم عن الإِسلام وأبيتم إِلا الاستمرار على الغيّ والضلال، فاعلموا أنكم لا تفوتون الله طلباً، ولا تُعجزونه هرباً { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي بشر الكافرين بعذاب مؤلم موجع يحل بهم قال أبو حيان: جعل الإِنذار بشارة على سبيل الاستهزاء بهم، وفي هذا وعيد عظيم لهم { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي إِلا الذين عاهدتموهم ولم ينقضوا العهد فأتموا إِليهم عهدهم قال في الكشاف: وهو استثناء بمعنى الاستدراك أي لكن من وفى ولم ينكث فأتموا عليهم عهدهم، ولا تُجروهم مجراهم، ولا تجعلوا الوفي كالغادر { ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً } أي لم ينقصوا من شروط الميثاق شيئاً { وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً } أي لم يعينوا عليكم أحداً من أعدائكم { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ } أي وفوا العهد كاملاً إِلى انقضاء مدته { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي يحب المتقين لربهم الموفين لعهودهم قال البيضاوي: هذا تعليل وتنبيه على أن إِتمام عهدهم من باب التقوى قال ابن عباس: كان قد بقي لحيٍّ من كنانة من عهدهم تسعة أشهر، فأتم صلى الله عليه وسلم إِليهم عهدهم { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } أي مضت وخرجت الأشهر الأربعة التي حرم فيها قتالهم { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } أي اقتلوهم في أي مكانٍ أو زمان من حلٍّ أو حرم، قال ابن عباس: في الحلِّ والحرم وفي الأشهر الحرم { وَخُذُوهُمْ } أي بالأسر { وَٱحْصُرُوهُمْ } أي احبسوهم وامنعوهم من التقلب في البلاد قال ابن عباس: إِن تحصنوا فاحصروهم أي في القلاع والحصون حتى يُضطروا إِلى القتل أو الإِسلام { وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } أي اقعدوا لهم في كل طريق يسلكونه، وارقبوهم في كل ممر يجتازون منه في أسفارهم قال في البحر: وهذا تنبيه على أن المقصود إِيصال الأذى إِليهم بكل وسيلة بطريق القتال أو بطريق الاغتيال { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ } أي فإِن تابوا عن الشرك وأدوا ما فرض عليهم من الصلاة والزكاة { فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } أي كفوا عنهم ولا تتعرضوا لهم { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي واسع المغفرة والرحمة لمن تاب وأناب { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ } أي إِن استأمنك مشرك وطلب منك جوارك { فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } أي أمنه حتى يسمع القرآن ويتدبره قال الزمخشري: المعنى إِن جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر، لا عهد بينك وبينه، واستأمنك ليسمع ما تدعو إِليه من التوحيد والقرآن، فأمنه حتى يسمع كلام الله ويتدبره ويطّلع على حقيقة الأمر أقول: هذا غاية في حسن المعاملة وكرم الأخلاق، لأن المراد ليس النيل من الكافرين، بل إِقناعهم وهدايتهم حتى يعرفوا الحق فيتبعوه، ويتركوا ما هم عليه من الضلال { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } أي ثم إِن لم يُسلم فأوصله إِلى ديار قومه التي يأمن فيها على نفسه وماله من غير غدر ولا خيانة { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } أي ذلك الأمر بالإِجارة للمشركين، بسبب أنهم لا يعلمون حقيقة دين الإِسلام، فلا بد من أمانهم حتى يسمعوا ويتدبروا، ثم بين تعالى الحكمة من البراءة من عهود المشركين فقال { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ } استفهام بمعنى الانكار والاستبعاد أي كيف يكون لهم عهد معتدٌ به عند الله ورسوله، ثم استدرك فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي لكن من عاهدتم من المشركين عند المسجد الحرام ولم ينقضوا العهد قال ابن عباس: هم أهل مكة وقال ابن اسحاق: هم قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، فأمر بإِتمام العهد لمن لم يكن نقض عهده منهم { فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ } أي فما داموا مستقيمين على عهدهم فاستقيموا لهم على العهد قال الطبري: أي فما استقاموا لكم على العهد فاستقيموا لهم على الوفاء { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي يحب من اتقى ربه، ووفى عهده، وترك الغدر والخيانة { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد أي كيف يكون لهم عهد وحالهم هذه أنهم إِن يظفروا بكم { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } أي لا يراعوا فيكم عهداً ولا ذمة، لأنه لا عهد لهم ولا أمان قال أبو حيان: وهذا كله تقرير واستبعاد لثبات قلوبهم على العهد { يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ } أي يرضونكم بالكلام الجميل إِن كان الظفر لكم عليهم { وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ } أي وتمتنع قلوبهم من الإِذعان والوفاء بما أظهروه وقال الطبري: المعنى يعطونكم بألسنتهم من القول خلاف ما يضمرونه لكم في نفوسهم من العداوة والبغضاء، وتأبى قلوبهم أن يذعنوا بتصديق ما يبدونه لكم بألسنتهم { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } أي وأكثرهم ناقضون للعهد خارجون عن طاعة الله { ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أي استبدلوا بالقرآن عرضاً يسيراً من متاع الدنيا الخسيس { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ } أي منعوا الناس عن اتباع دين الإِسلام { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي بئس هذا العمل القبيح الذي عملوه { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } أي لا يراعون في قتل مؤمن لو قدروا عليه عهداً ولا ذمة { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } أي وأولئك الجامعون لتلك الأوصاف الذميمة هم المجاوزون الحد في الظلم والبغي { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ } أي فإِن تابوا عن الكفر وأقاموا الصلاة وأعطوا الزكاة { فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } أي فهم إخوانكم في الدين، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم { وَنُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي ونبين الحجج والأدلة لأهل العلم والفهم، والجملة اعتراضية للحث على التدبر والتأمل { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } أي وإِن نقضوا عهودهم الموثقة بالأيْمان { وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ } أي عابوا الإِسلام بالقدح والذم { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } أي رؤساء وصناديد الكفر { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } أي لا أيمان لهم ولا عهود يوفون بها { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } أي كي يكفوا عن الإِجرام، وينتهوا عن الطعن في الإِسلام، قال البيضاوي: وهو متعلق بـ " قاتلوا " أي ليكن غرضكم في المقاتلة الانتهاء عما هم عليه، لا إِيصال الأذية بهم كما هو طريقة المؤذين { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } تحريض على قتالهم أي ألا تقاتلون يا معشر المؤمنين قوماً نقضوا العهود وطعنوا في دينكم؟ { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } أي عزموا على تهجير الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة حين تشاوروا بدار الندوة على إِخراجه من بين أظهركم { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي هم البادئون بالقتال حيث قاتلوا حلفاءكم خزاعة، والبادئ أظلم، فما يمنعكم أن تقاتلوهم؟ { أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ }؟ أي أتخافونهم فتتركون قتالهم خوفاً على أنفسكم منهم؟ فالله أحق أن تخافوا عقوبته إِن تركتم أمره { إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } أي إِن كنتم مصدقين بعذابه وثوابه قال الزمخشري: يعني أن قضية الإِيمان الصحيح ألا يخشى المؤمن إِلا ربه ولا يبالي بما سواه. . ثم بعد الحض والحث أمرهم بقتالهم صراحة فقال { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } أي قاتلوهم يا معشر المؤمنين فقتالكم لهم عذاب بأيدي أولياء الله وجهاد لمن قاتلهم { وَيُخْزِهِمْ } أي يذلهم بالأسر والقهر { وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } أي يمنحكم الظفر والغلبة عليهم { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } أي يشف قلوب المؤمنين بإِعلاء دين الله وتعذيب الكفار وخزيهم قال ابن عباس: هم قوم من اليمن قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى كثيراً فشكوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشروا فإِن الفرج قريب { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } أي يذهب ما بها من غيظ، وغمٍّ، وكرب، وهو كالتأكيد لشفاء الصدور وفائدته المبالغة في جعلهم مسرورين بما يمنّ الله عليهم من تعذيب أعدائهم قال الرازي: أمر تعالى بقتالهم وذكر فيه خمسة أنواع من الفوائد، كل واحد منها يعظم موقعه إِذا انفرد، فكيف بها إِذا اجتمعت؟ { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } كلام مستأنف أي يمن الله على من يشاء منهم بالتوبة والدخول في الإِسلام كأبي سفيان { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عالم بالأسرار لا تخفى عليه خافية، حكيم لا يفعل إِلا ما فيه حكمة ومصلحة قال أبو السعود: ولقد أنجز الله سبحانه جميع ما وعدهم به على أجمل ما يكون، فكان إِخباره عليه السلام بذلك قبل وقوعه معجزة عظيمة { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } أي منقطعة بمعنى بل والهمزة أي بل أحسبتم يا معشر المؤمنين أن تتركوا بغير امتحان وابتلاء يعرف الصادق منكم في دينه من الكاذب فيه! { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ } أي والحال أنه لم يتبيّن المجاهد منكم من غيره، والمراد بالعلم علم ظهور لا علم خفاء فإِنه تعالى يعلم ذلك غيباً فأراد إِظهار ما علم ليجازي على العمل { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً } أي جاهدوا في سبيل الله ولم يتخذوا بطانة وأولياء من المشركين يفشون إِليهم أسرارهم ويوالونهم من دون المؤمنين، والغرض من الآية: ان الله تعالى لا يترك الناس دون تمحيص يظهر فيه الطيب من الخبيث { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي يعلم جميع أعمالكم لا يخفى عليه شيء منها { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله } أي لا يصح ولا يستقيم ولا ينبغي ولا يليق بالمشركين أن يعمروا شيئاً من المساجد { شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } أي حال كونهم مقرين بالكفر، ناطقين به بأقوالهم وأفعالهم حيث كانوا يقولون في تلبيتهم: " لبيك لا شريك لك، إِلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك " يعنون الأصنام، وكانوا قد نصبوا أصنامهم خارج البيت، وكانوا يطوفون عراة كلما طافوا طوفة سجدوا للأصنام والمعنى: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين: عمارة مساجد الله، مع الكفر بالله وبعبادته { أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي بطلت أعمالهم بما قارنها من الشرك { وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } أي ماكثون في نار حهنم أبداً { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي إِنما تستقيم عمارة المساجد وتليق بالمؤمن المصدق بوحدانية الله، الموقن بالآخرة { وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ } أي أقام الصلاة المكتوبة بحدودها، وأدى الزكاة المفروضة بشروطها { وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي خاف الله ولم يرهب أحداً سواه { فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } أي فعسى أن يكونوا في زمرة المهتدين يوم القيامة قال ابن عباس: كل عسى في القرآن واجبة قال الله لنبيه {*عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً*}
[الإسراء: 79] يقول: إِن ربك سيبعثك مقاماً محموداً وهي الشفاعة قال أبو حيّان: وعسى من الله تعالى واجبة حيثما وقعت في القرآن، وفي التعبير بعسى قطع لأطماع المشركين أن يكونوا مهتدين، إِذ من جمع هذه الخصال الأربعة جعل حاله حال من تُرجى له الهداية، فكيف بمن هو عارٍ منها؟ وفيه ترجيح الخشية على الرجاء، ورفض الاغترار بالأعمال الصالحة { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الخطاب للمشركين، والاستفهام للإِنكار والتوبيخ والمعنى: أجعلتم يا معشر المشركين سقاية الحجيج وسدانة البيت، كإِيمان من آمن بالله وجاهد في سبيله؟ وهو رد على العباس حين قال: لئن كنتم سبقتمونا بالإِسلام والهجرة، فلقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج فنزلت قال الطبري: هذا توبيخ من الله تعالى لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت الحرام، فأعلمهم أن الفخر في الإِيمان بالله، واليوم الآخر، والجهاد في سبيله { لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ } أي لا يتساوى المشركون بالمؤمنين، ولا أعمال أولئك بأعمال هؤلاء ومنازلهم { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } هذا كالتعليل أي لا يوفق الظالمين إِلى معرفة الحق، قال في البحر: ومعنى الآية إِنكار أن يُشبه المشركون بالمؤمنين، وأعمالهم المحبطة بأعمالهم المثبتة، ولما نفى المساواة بينهم أوضحها بأن الكافرين بالله هم الظالمون، ظلموا أنفسهم بعدم الإِيمان، وظلموا المسجد الحرام إِذ جعلوه متعبداً لأوثانهم، وأثبت للمؤمنين الهداية في الآية السابقة، ونفاها عن المشركين هنا فقال { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ثم قال تعالى { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ } هذا زيادة توضيح وبيان لأهل الجهاد والإِيمان والمعنى: إِن الذين طهروا أنفسهم من دنس الشرك بالإِيمان، وطهروا أبدانهم بالهجرة من الأوطان، وبذلوا أنفسهم وأموالهم للجهاد في سبيل الرحمن، هؤلاء المتصفون بالأوصاف الجليلة أعظم أجراً، وأرفع ذكراً من سقاة الحاج، وعمار المسجد الحرام وهم بالله مشركون { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } أي وأولئك هم المختصون بالفوز العظيم في جنات النعيم { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ } أي يبشرهم المولى برحمة عظيمة، ورضوان كبير من ربٍّ عظيم { وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } أي وجنات عالية، قطوفها دانية، لهم في تلك الجنات نعيم دائم لا زوال له { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أي ماكثين في الجنان إِلى ما لا نهاية { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي ثوابهم عند الله عظيم، تعجز العقول عن وصفه قال أبو حيان: لما وصف المؤمنين بثلاث صفات: الإِيمان، والهجرة، والجهاد بالنفس والمال، قابلهم على ذلك بالتبشير بثلاثة: الرحمة، الرضوان، والجنان، فبدأ بالرحمة لأنها أعم النعم في مقابلة الإِيمان، وثنَّى بالرضوان الذي هو نهاية الإِحسان في مقابلة الجهاد، وثلَّث بالجنان في مقابلة الهجرة وترك الأوطان وقال الألوسي: ولا يخفى أن وصف الجنات بأن لهم فيها نعيمٌ مقيم جاء في غاية اللطافة، لأن الهجرة فيها السفر، الذي هو قطعة من العذاب.

البَلاَغَة:


1- { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } التنوين للتفخيم والتقييد بأنها من الله ورسوله لزيادة التفخيم والتهويل.

2- { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا يسمى " الأسلوب التهكمي " لأن البشارة بالعذاب تهكم به.

3- { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } شبّه مضي الأشهر وانقضاءها بالإِنسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده فهو من باب الاستعارة.

4- { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ذكر الاسم الجليل مكان الضمير لتربية المهابة وإِدخال الروعة في القلب.

5- { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } الجملة مفيدة للحصر أي هم الفائزون لا غيرهم.

6- { وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ } في تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر تفخيم لشأنهما وحث على التنبه لهما.

7- { بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ } تنكير الرحمة والرضوان للتفخيم والتعظيم أي برحمة لا يبلغها وصف واصف.

فَائِدَة:
عمارة المساجد نوعان: حسية، ومعنوية، فالحسية بالتشييد والبناء، والمعنوية بالصلاة وذكر الله، وقد ربط الباري جل وعلا بين العمارة والإِيمان وفي الحديث " إِذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإِيمان لأن الله تعالى يقول { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } " فالعمارة الحقيقية بالصلاة وذكر الله.

لطيفَة:
ذكر القرطبي أن أعرابياً قدم المدينة المنورة فقال: من يقرئني مما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأقرأه رجل سورة براءة حتى أتى الآية الكريمة { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } فقرأها عليه بالجرِّ { وَرَسُولُهُ } فقال الأعرابي: وأنا أيضاً أبرأ من رسوله، فاستعظم الناس الأمر وبلغ ذلك عمر فدعاه فقال يا أعرابي: أتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال يا أمير المؤمنين: قدمت المدينة فأقرأني رجل سورة براءة فقلت إِن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه، فقال: ما هكذا الآية يا أعرابي؟ قال فكيف يا أمير المؤمنين! فقرأها عليه بالضم { وَرَسُولُهُ } فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه، فأمر عمر ألا يقرئ الناس إِلا عالم بلغة العرب.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=825696
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-02-25, 20:38 رقم المشاركة : 2
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة التوبة


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

المنَاسَبَة:

لما ذكر تعالى قبائح المشركين، وأثنى على المهاجرين المؤمنين الذين هجروا الديار والأوطان حباً في الله ورسوله، حذر هنا من ولاية الكافرين وذكر أن الانقطاع عن الآباء والأقارب واجب بسبب الكفر، ثم استطرد إِلى تذكير المؤمنين بنصرهم في مواطن كثيرة ليعتزوا بدينهم، ثم عاد إِلى الحديث عن قبائح أهل الكتاب للتحذير من موالاتهم، وأنهم كالمشركين يسعون لإِطفاء نور الله.

اللغَة:

{ أَوْلِيَآءَ } جمع ولي: وهو الناصر والمعين الذي يتولى شئون الغير وينصره ويقويه { وَعَشِيرَتُكُمْ } العشيرة: الجماعة التي يعتز ويحتمي بها الإِنسان قال الواحدي: عشيرة الرجل أهله الأدنون وهو من العِشرة أي الصحبة لأنها من شأن القربى { كَسَادَهَا } كسد الشيء كساداً وكسوداً إِذا بار ولم يكن له تفاق { عَيْلَةً } فقراً يقال: عال الرجل يعيل إذا افتقر قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه *** وما يدري الغني متى يعيل
{ ٱلْجِزْيَةَ } ما أخذ من أهل الذمة سميت جزية لأنهم أعطوها جزاء ما مُنحوا من الأمن { يُضَاهِئُونَ } يشابهون والمضاهاة المماثلة والمحاكاة { يُؤْفَكُونَ } يصرفون عن الحق والإِفك الصرف يقال: أُفك الرجل أي قلب وصرُف.

سَبَبُ النّزول:

قال الكلبي: لما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة الى المدينة، جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته: لقد أمرنا بالهجرة، فمنهم من يسرع إِلى ذلك ويعجبه، ومنهم من تتعلق به زوجته وولده فيقولون: نشدناك الله إن تدعنا من غير شيء فنضيع، فيرق فيجلس معهم ويدع الهجرة فنزلت الآية تعاتبهم { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ.. } الآية.

التفسِير:

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ } النداء بلفظ الإِيمان للتكريم ولتحريك الهمة للمسارعة إِلى امتثال أوامر الله قال ابن مسعود: " إِذا سمعت الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا فأَرْعِها سمعك، فإِنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه " والمعنى: لا تتخذوا آباءكم وإِخوانكم الكافرين أنصاراً وأعواناً تودونهم وتحبونهم { إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ } أي إِن فضلوا الكفر واختاروه على الإِيمان وأصروا عليه إِصراراً { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } قال ابن عباس: هو مشرك مثلهم، لأن من رضي بالشرك فهو مشرك { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ } أي إِن كان هؤلاء الأقارب من الآباء، والأبناء، والإِخوان، والزوجات ومن سواهم { وَعَشِيرَتُكُمْ } أي جماعتكم التي تستنصرون بهم { وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } أي وأموالكم التي اكتسبتموها { وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } أي تخافون عدم نفاقها { وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ } أي منازل تعجبكم الإِقامة فيها { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } هذا هو جواب كان أي إِن كانت هذه الأشياء المذكورة أحب إِليكم من الهجرة إِلى الله ورسوله { وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ } أي وأحب إِليكم من الجهاد لنصرة دين الله { فَتَرَبَّصُواْ } أي انتظروا وهو وعيد شديد وتهديد { حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } أي بعقوبته العاجلة أو الآجلة { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } أي لا يهدي الخارجين عن طاعته إِلى طريق السعادة، وهذا وعيد لمن آثر أهله، أو ماله، أو وطنه، على الهجرة والجهاد، ثم ذكرهم تعالى بالنصر على الأعداء في مواطن اللقاء فقال { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } أي نصركم في مشاهد كثيرة، وحروب عديدة { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } أي ونصركم أيضاً يوم حنين بعد الهزيمة التي منيتم بها بسبب اغتراركم بالكثرة { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } أي حين أعجبكم كثرة عددكم فقلتم: لن نغلب اليوم من قلة، وكنتم اثني عشر ألفاً وأعداؤكم أربعة آلاف، فلم تنفعكم الكثرة ولم تدفع عنكم شيئاً { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } أي وضاقت الأرض على رحبها وكثرة اتساعها بكم من شدة الخوف { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } أي وليتم على أدباركم منهزمين قال الطبري: يخبرهم تبارك وتعالى أن النصر بيده ومن عنده، وأنه ليس بكثرة العدد، وأنه ينصر القليل على الكثير إِذا شاء، ويخلي القليل فيهزم الكثير، قيل للبراء بن عازب: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال البراء: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، ولقد رأيته على بغلته البيضاء - وأبو سفيان آخذ بلجامها يقودها - فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول: أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب
ثم أخذ قبضة من تراب فرمى بها في وجوه المشركين وقال: شاهت الوجوه ففروا، فما بقي أحد إِلا ويمسح القذى عن عينيه، وقال البراء: " كنا والله إِذا حميَ البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وإِن الشجاع منا الذي يحاذيه " { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي أنزل بعد الهزيمة الأمن والطمأنينة على المؤمنين حتى سكنت نفوسهم قال أبو السعود: أي أنزل رحمته التي تسكن بها القلوب وتطمئن إليها { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } قال ابن عباس: يعني الملائكة { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بالقتل والأسر وسبي النساء والذراري { وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } أي وذلك عقوبة الكافرين بالله. { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } أي يتوب على من يشاء فيوفقه للإِسلام، وهو إِشارة إِلى إِسلام هوازن { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي عظيم المغفرة واسع الرحمة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } أي قذر لخبث باطنهم قال ابن عباس: أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير، وقال الحسن: من صافح مشركاً فليتوضأ، والجمهور على أن هذا على التشبيه أي هم بمنزلة النجس أو كالنجس لخبث اعتقادهم وكفرهم بالله جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة في الوصف على حد قولهم: عليٌّ أسدٌ أي كالأسد { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } أي فلا يدخلوا الحرم، أطلق المسجد الحرام وقصد به الحرم كله قال أبو السعود: وقيل: المراد المنع عن الحج والعمرة أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد حج عامهم هذا وهو عام تسع من الهجرة ويؤيده حديث " وألاَّ يحج بعد هذا العام مشرك " وهو العام الذي نزلت فيه سورة براءة ونادى بها عليٌّ في المواسم { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي وإِن خفتم أيها المؤمنون فقراً بسبب منعهم من دخول الحرم أو من الحج فإِن الله سبحانه يغنيكم عنهم بطريق آخر من فضله وعطائه قال المفسرون: لما مُنع المسلمون من تمكين المشركين من دخول الحرم، وكان المشركون يجلبون الأطعمة والتجارات اليهم في المواسم، ألقى الشيطان في قلوبهم الحزن فقال لهم: من أين تأكلون؟ وكيف تعيشون وقد منعت عنكم الأرزاق والمكاسب؟ فأمنهم الله من الفقر والعيلة، ورزقهم الغنائم والجزية { إِن شَآءَ } أي يغنيكم بإِرادته ومشيئته { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } قال ابن عباس: عليم بما يصلحكم، حكيم فيما حكم في المشركين.. ولما ذكر حكم المشركين ذكر حكم أهل الكتاب فقال { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي قاتلوا الذين لا يؤمنون إِيماناً صحيحاً بالله واليوم الآخر وإِن زعموا الإِيمان، فإِن اليهود يقولون عزير ابن الله، والنصارى يعتقدون بألوهية المسيح ويقولون بالتثليث { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي لا يحرمون ما حرم الله في كتابه، ولا رسوله في سنته، بل يأخذون بما شرعه لهم الأحبار والرهبان ولهذا يستحلون الخمر والخنزير وما شابههما { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ } أي لا يعتقدون بدين الإِسلام الذي هو دين الحق { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } هذا بيان للمذكورين أي من هؤلاء المنحرفين من اليهود والنصارى الذين نزلت عليهم التوراة والإِنجيل { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ } أي حتى يدفعوا إِليكم الجزية منقادين مستسلمين { وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي أذلاء حقيرون مقهورون بسلطان الإِسلام، ثم ذكر تعالى طرفاً من قبائحهم فقال { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } أي نسب اللعناء إلى الله الولد، وهو واحد أحد فرد صمد قال البيضاوي: وإِنما قالوا ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد بختنصر من يحفظ التوراة، فلما أحياه الله بعد مائة عام أملى عليهم التوراة حفظاً فتعجبوا من ذلك وقالوا: ما هذا إِلا لأنه ابن الله { وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } أي وزعم النصارى - أعداء الله - أن المسيح ابن الله قالوا: لأن عيسى ولد بدون أب، ولا يمكن أن يكون ولد بدون أب، فلا بد أن يكون ابن الله، قال تعالى رداً عليهم { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } أي ذلك القول الشنيع هو مجرد دعوى باللسان من غير دليل ولا برهان قال في التسهيل: يتضمن معنيين: أحدهما إِلزامهم هذه المقالة والتأكيد في ذلك، والثاني أنهم لا حجة لهم في ذلك، وإِنما هو مجرد دعوى كقولك لمن تكذبه: هذا قولك بلسانك { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } أي يشابهون بهذا القول الشنيع قول المشركين قبلهم: الملائكة بنات الله {*تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ*}
[البقرة: 118] { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } دعاء عليهم بالهلاك أي أهلكهم الله كيف يُصرفون عن الحق الى الباطل بعد وضوح الدليل حتى يجعلوا لله ولداً! قال الرازي: الصيغة للتعجب وهو راجع إِلى الخلق على عادة العرب في مخاطباتهم، والله تعالى عجَّب نبيه من تركهم الحق وإِصرارهم على الباطل { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي أطاع اليهود أحبارهم والنصارى رهبانهم في التحليل والتحريم وتركوا أمر الله فكأنهم عبدوهم من دون الله والمعنى: أطاعوهم كما يطاع الرب وإِن كانوا لم يعبدوهم وهو التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عدي ابن حاتم: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: يا عدي إِطرح عنك هذا الوثن، قال وسمعته يقرأ سورة براءة { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } فقلت يا رسول الله: لم يكونوا يعبدونهم فقال عليه السلام: أليس يُحرمون ما أحل الله تعالى فيحرمونه، ويحلون ما حرم الله فيستحلون؟! فقلت: بلى، قال: فذلك عبادتهم " { وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } أي اتخذه النصارى رباً معبوداً { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } أي والحال أن أولئك الكفرة ما أمروا على لسان الأنبياء إِلا بعبادة إِله واحد هو الله رب العالمين { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } لا معبود بحق سواه { سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزه الله عما يقول المشركون وتعالى علواً كبيراً { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ } أي يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب أن يطفئوا نور الإِسلام وشرع محمد عليه السلام بأفواههم الحقيرة، بمجرد جدالهم وافترائهم، وهو النور الذي جعله الله لخلقه ضياءً، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه بفمه ولا سبيل إِلى ذلك { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } أي ويأبى الله إِلا أن يعليه ويرفع شأنه { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } أي ولو كره الكافرون ذلك { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ } أي أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بالهداية التامة والدين الكامل وهو الإِسلام { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } أي ليعليه على سائر الأديان { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } جوابه محذوف أي ولو كره المشركون ظهوره.

البَلاَغَة:

1- { فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } صيغته أمر وحقيقته وعيد كقوله
{*ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ*}
[فصلت: 40].

2- { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } من باب عطف الخاص على العام للتنويه بشأنه حيث جاء النصر بعد اليأس، والفرج بعد الشدة.

3- { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } شبه ما حل بهم من الكرب والهزيمة والضيق النفسي بضيق الأرض على سعتها على سبيل الاستعارة.

4- { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } الصيغة لإِفادة الحصر واللفظ فيه تشبيه بليغ أي كالنجس في خبث الباطن وخبث الاعتقاد حذفت منه أداة الشبه ووجه الشبه فأصبح بليغاً ومثله { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً } أي كالأرباب في طاعتهم وامتثال أوامرهم في التحريم والتحليل.

5- { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ } عبَّر عن الدخول بالقرب للمبالغة.

6- { يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } أراد به نور الإِسلام فإِن الإِسلام بنوره المضيء وحججه القاطعة يشبه الشمس الساطعة في نورها وضيائها فهو من باب الاستعارة. وهي من لطائف الاستعارات.

لطيفَة:
قال العلامة القرطبي دل قوله تعالى { لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآء } على أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان، وقد أنشدوا في ذلك أبياتاً:
يقولون لي دار الأحبة قد دنت *** وأنت كئيبٌ إِن ذا لعجيب
فقلت: وما تغني ديارٌ قريبة *** إِذا لم يكن بين القلوب قريب






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-03-03, 17:50 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة التوبة


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } * { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }

المنَاسَبَة: لما وصف تعالى رؤساء اليهود والنصارى بالتكبر والتجبر وادعاء الربوبية، وصفهم هنا بالطمع والجشع والحرص على أكل أموال الناس، تحقيراً لشأنهم وتسفيهاً لأحلامهم، لأنهم اتخذوا الدين مطية لنيل الدنيا، وذلك نهاية الذل والدناءة، ثم ذكر تعالى قبائحهم وقبائح المشركين، ثم دعا إِلى النفير العام وذكر موقف المنافقين المثبطين عن الجهاد في سبيل الله.

اللغَة: { ٱلأَحْبَارِ } علماء اليهود { ٱلرُّهْبَانِ } علماء النصارى قال ابن المبارك:
وهل أفسد الدين إِلا الملوك *** وأحبار سوءٍ ورهبانها
{ يَكْنِزُونَ } أصل الكنز في اللغة: الجمع والضم ومنه حديث " ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة " أي يضمه لنفسه ويجمعه، ثم غلب استعماله على المدفون من الذهب والفضة قال الطبري: الكنز كل شيء مجموع بعضه إِلى بعض في بطن الأرض كان أو على ظهرها { تُكْوَىٰ } الكي: إِلصاق المحمي من الحديد وشبهه بالعضو حتى يتمزق الجلد وفي الأمثال " آخر الدواء لكي " { ٱلنَّسِيۤءُ } التأخير يقال: نسأه وأنسأه إِذا أخره ومنه حديث " وينسأ له في أثره " أي يؤخر له في أجله قال الزمخشري: النسيء: تأخير حرمة الشهر إِلى شهر آخر { لِّيُوَاطِئُواْ } أي ليوافقوا والمواطأة: الموافقة يقال: تواطأ القوم: إِذا اتفقوا على أمر خفية { ٱنفِرُواْ } النفر: الخروج بسرعة ومنه
{*وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً*}
[الإسراء: 46] { ٱثَّاقَلْتُمْ } أصله تثاقلتم بمعنى تباطأتم ولم تسرعوا { عَرَضاً } العرض: ما يعرض للانسان من منافع الدنيا سمي عرضاً لأنه لا يدوم وفي الحديث " الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر " { ٱلشُّقَّةُ } المسافة البعيدة التي لا تقطع إِلا بمشقة قال الجوهري: الشقة السفر البعيد، وكأنه مأخوذ من المشقة يقال: شقة شاقة.

سَبَبُ النّزول: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف وغزوة حنين، أمر الناس بالجهاد، لغزو الروم، وذلك في زمن عسرة من البأس، وجدبٍ من البلاد، وشدةٍ من الحر، حين أثمرت النخل، وطابت الثمار، فعظم على الناس غزو الروم، وأحبوا الظلال والمقام في المساكن والمال، وشق عليهم الخروج إِلى القتال فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ.. } الآية.

التفسِير: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ } أي يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إِن كثيرا من علماء اليهود " الأحبار " وعلماء النصارى " الرهبان " { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي ليأخذون أموال الناس بالحرام، ويمنعونهم عن الدخول في دين الإِسلام قال ابن كثير: والمقصود التحذير من علماء السوء، وعباد الضلال قال ابن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا كان في شبه من النصارى { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ } أي يجمعون الأموال ويدخرون الثروات { وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي لا يؤدون زكاتها ولا يبذلون منها في وجوه الخير قال ابن عمر: الكنز ما لم تُؤد زكاته، وما أديت زكاته فليس بكنز { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أسلوب تهكم أي أخبرهم بالعذاب الأليم في دار الجحيم قال الزمخشري: وإِنما قرن بين الكانزين وبين اليهود والنصارى تغليظاً عليهم ودلالة على أن من يأخذ منهم السحت، ومن لا يعطي من المسلمين من طيب ماله، سواء في استحقاق البشارة بالعذاب الأليم { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ } أي يوم يحمى عليها بالنار المستعرة حتى تصبح حامية كاوية { فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } أي تحرق بها الجباه والجنوب والظهور بالكي عليها قال ابن مسعود: والذي لا إِله غيره لا يكوى عبد بكنزٍ فيمس دينار ديناراً، ولا درهم درهماً، ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته، وخصت هذه الأماكن بالكي لأن البخيل يرى الفقير قادماً فيقطب جبهته، فإِذا جاءه أعرض بجانبه، فإِذا طالبه بإِحسان ولاه ظهره، قال القرطبي: الكي في الوجه أشهر وأشنع، وفي الظهر والجنب آلم وأوجع، فلذلك خصها بالذكر من بين سائر الأعضاء { هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } أي يقال لهم تبكيتاً وتقريعاً: هذا ما كنزتموه لأنفسكم فذوقوا وبال ما كنتم تكنزونه وفي صحيح مسلم ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إِلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار، فيكون بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين العباد، ثم يرى سبيله إِما إِلى الجنة وإِما إلى النار " { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } أي إِن عدد الشهور المعتد بها عند الله في شرعه وحكمه هي اثنا عشر شهراً على منازل القمر، فالمعتبر به الشهور القمرية إِذ عليها يدور فلك الأحكام الشرعية { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي في اللوح المحفوظ { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } قال ابن عباس: كتبه يوم خلق السماوات والأرض في الكتاب الإِمام الذي عند الله { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } أي منها أربعة شهور محرمة هي: " ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب " وسميت حرماً لأنها معظمة محترمة تتضاعف فيها الطاعات ويحرم القتال فيها { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي ذلك الشرع المستقيم { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } أي لا تظلموا في هذه الأشهر المحرمة أنفسكم بهتك حرمتهن وارتكاب ما حرم الله من المعاصي والآثام { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } أي قاتلوهم جميعاً مجتمعين غير متفرقين كما يقاتلكم المشركون جميعاً { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } أي معهم بالنصرة والتأييد، وهو بشارة وضمان لأهل التقوى { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } أي إِنما تأخير حرمة شهر لشهر آخر زيادة في الكفر لأنه تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرمه فهو كفر آخر مضموم إِلى كفرهم قال المفسرون: كان العرب أهل حروب وغارات، وكان القتال محرماً عليهم في الأشهر الحرم، فإِذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمون مكانه شهراً آخر، كأنهم يستقرضون حرمة شهر لشهر غيره، فربما أحلوا المحرم وحرموا صفر حتى يكمل في العام أربعة أشهر محرمة { يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي يضل بسببه الكافرين ضلالاً على ضلالهم { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً } أي يحلون المحرم عاماً والشهر الحلال عاماً فيجعلون هذا مكان هذا والعكس { لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي ليوافقوا عدة الأشهر الحرم الأربعة { فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي فيستحلوا بذلك ما حرمه الله قال مجاهد: كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام إِلى الموسم على حمار له، فيقول أيها الناس: إِني لا أعاب ولا أجاب، ولا مرد لما أقول، إِنا قد حرمنا المحرم، وأخرنا صفر، ثم يجيء العام المقبل ويقول: إِنا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم فذلك قوله تعالى { لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } { زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ } أي زين الشيطان لهم أعمالهم القبيحة حتى حسبوها حسنة { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } أي لا يرشدهم إِلى طريق السعادة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ } استفهام للتقريع والتوبيخ، وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتاب لمن تخلف عن غزوة تبوك والمعنى: ما لكم أيها المؤمنون إِذا قيل لكم اخرجوا لجهاد أعداء الله تباطأتم وتثاقلتم، وملتم إِلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه؟! { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } أي أرضيتم بنعيم الدنيا ومتاعها الفاني بدل نعيم الآخرة وثوابها الباقي؟ { فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } أي فما التمتع بلذائذ الدنيا في جنب الآخرة إِلا شيء مستحقر قليل لا قيمة له، ثم توعَّدهم على ترك الجهاد فقال { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أي إِن لا تخرجوا إِلى الجهاد مع رسول الله يعذبكم الله عذاباً أليماً موجعاً، باستيلاء العدو عليكم في الدنيا، وبالنار المحرقة في الآخرة وقال ابن عباس: هو حبس المطر عنهم { وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } أي يهلككم ويستبدل قوماً آخرين خيراً منكم، يكونون أسرع استجابة لرسوله وأطوع { وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً } ولا تضروا الله شيئاً بتثاقلكم عن الجهاد فإِنه سبحانه غني عن العالمين { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي قادر على كل ما يشاء ومنه الانتصار على الأعداء بدونكم قال الرازي: وهو تنبيه على شدة الزجر من حيث إِنه تعالى قادر لا يجوز عليه العجز، فإِذا توعد بالعقاب فعل { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } أي إِن لا تنصروا رسوله فإِن الله ناصره وحافظه وجواب الشرط محذوف تقديره: فسينصره الله دل عليه قوله { فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } والمعنى: إِن لم تنصروه أنتم فسينصره الله الذي نصره حين كان ثاني اثنين، حيث لم يكن معه أنصار ولا أعوان { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي حين خروجه من مكة مهاجراً إِلى المدينة، وأسند إِخراجه إِلى الكفار لأنهم ألجئوه إِلى الخروج وتآمروا على قتله حتى اضطر إِلى الهجرة { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } أي أحد اثنين لا ثالث لهما هو أبو بكر الصديق { إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } أي حين كان هو والصديق مختبئين في النقب في جبل ثور { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } أي حين يقول لصاحبه وهو أبو بكر الصديق تطميناً وتطييباً: لا تخف فالله معنا بالمعونة والنصر، روى الطبري عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه قال بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، وأقدام المشركين فوق رءوسنا فقلت يا رسول الله: لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا فقال يا أبا بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ " وكان سبب حزن أبي بكر خوفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه الرسول تسكيناً لقلبه { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } أي أنزل الله السكون والطمأنينة على رسوله { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } أي قواه بجنود من عنده من الملائكة يحرسونه في الغار لم تروها أنتم { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } أي جعل كلمة الشرك سافلة دنيئة حقيرة، أذل بها الشرك والمشركين { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } أي وكلمة التوحيد " لا إِله إِلا الله " هي الغالبة الظاهرة، أعزَّ الله بها المسلمين، وأذل الشرك والمشركين { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي قاهر غالب لا يُغلب، لا يفعل إِلا ما فيه الحكمة والمصلحة { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } أي اخرجوا للقتال يا معشر المؤمنين شيباً وشباناً، مُشاةً وركباناً، في جميع الظروف والأحوال، في اليسر والعسر، والمنشط والمكره { وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي جاهدوا بالأموال والأنفس لإِعلاء كلمة الله { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي هذا النفير والجهاد خير من التثاقل إِلى الأرض والخلود إِليها والرضا بالقليل من متاع الحياة الدنيا إِن كنتم تعلمون ذلك قال في البحر: والخيرية في الدنيا بغلبة العدو ووراثة الأرض، وفي الآخرة بالثواب العظيم ورضوان الله، ثم ذكر تعالى أحوال المخلفين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وموقف المثبطين المنافقين منهم فقال { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً } أي لو كان ما دعوا إِليه غُنماً قريباً سهل المنال { وَسَفَراً قَاصِداً } أي وسفراً وسطاً ليس ببعيد { لاَّتَّبَعُوكَ } أي لخرجوا معك لا لوجه الله بل طمعاً في الغنيمة { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } أي ولكن بعدت عليهم الطريق والمسافة الشاقة ولذلك اعتذروا عن الخروج لما في قلوبهم من النفاق { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } أي وسيحلفون لكم معتذرين بأعذار كاذبة لو قدرنا على الخروج معكم لما تأخرنا، ولو كان لنا سعة في المال او قوة في الأبدان لخرجنا للجهاد معكم، قال تعالى رداً عليهم وتكذيباً لهم { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } أي يوقعون أنفسهم في الهلاك بأيمانهم الكاذبة { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي لكاذبون في دعواهم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } تلطف في عتاب الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قدم العفو على العتاب إِكراماً له عليه السلام والمعنى سامحك الله يا محمد لم أذنت لهؤلاء المنافقين في التخلف عن الخروج معك بمجرد الاعتذار!! { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } أي وهلا تركتهم حتى يظهر لك الصادق منهم في عذره من الكاذب المنافق قال مجاهد: نزلت في المنافقين قال أناس منهم استأذنوا رسول الله، فإِن أذن لكم فاقعدوا، وإِن لم يأذن لكم فاقعدوا، فقد كانوا مصرين على القعود عن الغزو وإِن لم يأذن لهم، ولهذا أخبر تعالى أنه لا يستأذنه أهل الإِيمان فقال { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي لا يستأذنك يا محمد عن الجهاد والغزو من يؤمن بالله واليوم الآخر { أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } أي كراهية الجهاد بالمال والنفس لأنهم يعلمون ما أعده الله للمجاهدين الأبرار من الأجر الجزيل فكيف يتخلفون عنه؟ { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } أي عليم بهم لأنهم مخلصون في الإِيمان متقون للرحمن { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي إِنما يستأذنك يا محمد المنافقون الذين لم يثبت الإِيمان في قلوبهم { وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } أي شكَّت قلوبهم في الله وثوابه فهم يترددون حيارى لا يدرون ما يصنعون.

البَلاَغَة: 1- { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً } بين يحلون ويحرمون طباق وهو من المحسنات البديعية.

2- { مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ } استفهام يقصد به الإِنكار والتوبيخ.

3- { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } فيه إِيجاز بالحذف أي أرضيتم بنعيم الدنيا ولذائذها بدل نعيم الآخرة.

4- { فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أظهر في مقام الإِضمار لزيادة التقرير والمبالغة في بيان حقارة الدنيا ودناءتها بالنسبة للآخرة.

5- { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً } بينهما جناس الاشتقاق.

6- { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } " كلمة الذين كفروا " استعارة عن الشرك كما أن " كلمة الله " استعارة عن الإِيمان والتوحيد.

7- { خِفَافاً وَثِقَالاً } بينهما طباق.

8- { بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } استعار الشقة للمسافة الطويلة البعيدة التي توجب المشقة على النفس.

9- { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } خبر بقصد تقديم المسرة على المضرة وقد أحسن من قال: إِن من لطف الله بنبيه أن بدأه بالعفو قبل العتب.

فَائِدَة: روي أن اعرابياً قال لابن عمر: أخبرني عن قول الله تعالى { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ } فقال ابن عمر: من كنزها فلم يؤدّ زكاتها فويل له، إِنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرةً للأموال، وما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهباً أزكيه، وأعمل فيه بطاعة الله تعالى!!

تنبيه: دلت الآية { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ } على عظيم فضل الصديق وجليل قدره، إِذ جعله الله صاحب الرسول في الغار، ورفيقه في الهجرة، ولهذا قال العلماء: من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لأنه رد كتاب الله تعالى.

لطيفَة: عن حيان بن زيد قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو، فرأيت شيخاً كبيراً هرماً، قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار فأقبلت عليه فقلت: يا عم لقد أعذر الله إِليك قال: فرفع حاجبيه فقال يا ابن أخي: استنفرنا الله خفافاً وثقالاً، ألا إِنه من يحبه الله يبتليه، ثم يعيده الله فيبقيه، وإِنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر، ولم يعبد إِلا الله عز وجل.

أقول: رحم الله تلك الأنفس الزكية التي باعت أرواحها في مرضاة الله تعالى.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-03-10, 20:53 رقم المشاركة : 4
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة التوبة


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } * { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } * { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلٰوةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ } * { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } * { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } * { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }


المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى المنافقين وتباطؤهم عن الخروج للجهاد، ذكر هنا بعض أعمالهم القبيحة من الكيد، والمكر، وإِثارة الفتن بين المسلمين، والفرح بأذاهم. وذكر تعالى أنهم لو خرجوا مع المؤمنين ما زادوا الجيش إِلا ضعفاً واندحاراً بتفريق الجماعة وتشتيت الكلمة، وذكر كثيراً من مثالبهم وجرائمهم الشنيعة.

اللغَة:
{ ٱنبِعَاثَهُمْ } الانبعاث: الانطلاق في الأمر { فَثَبَّطَهُمْ } التثبيط: رد الإِنسان عن الفعل الذي همَّ به { خَبَالاً } الخبال: الشر والفساد في كل شيء ومنه المخبول للمعتوه الذي فسد عقله { ولأَوْضَعُواْ } الإِيضاع: سرعة السير قال الراجز:
يا ليتني فيها جذع *** أخبُّ فيها وأضع
يقال: وضع البعير إِذا أسرع السير، وأوضع الرجل إِذا سار بنفسه سيراً حثيثاً { يَجْمَحُونَ } جمح: نفر بإِسراع من قولهم فرس جموح أي لا يرده اللجام { يَلْمِزُكَ } اللمز: العيب يقال: لمزه إِذا عابه قال الجوهري: وأصله الإِشارة بالعين ونحوها ورجل لمّاز أي عيَّاب { ٱلْغَارِمِينَ } الغارم: المديون قال الزجاج: أصل الغرم لزوم ما يشق، والغرام العذاب اللازم الشاق وسمي العشق غراماً لكونه أمراً شاقاً ولازماً، وسمي الدين غراماً لكونه شاقاً على الإِنسان.

سَبَبُ النّزول:
" لما أراد صلى الله عليه وسلم الخروج إِلى تبوك قال " للجد بن قيس " - وكان منافقاً - يا أبا وهب: هل لك في جلاد بني الأصفر - يعني الروم - تتخذ منهم سراري ووصفاء؟ فقال يا رسول الله: لقد عرف قومي أني مغرم بالنساء، وإِني أخشى إِن رأيت بني الأصفر ألا أصبر عنهن فلا تفتني وأذَنْ لي في القعود وأعينك بمالي، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك فأنزل الله { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي } " الآية.

التفسِير:
{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } أي ولو أراد هؤلاء المنافقون الخروج معك للجهاد أو كانت لهم نية في الغزو لاستعدوا له بالسلاح والزاد، فتركهم الاستعداد دليل على إِرادتهم التخلف { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } أي ولكن كره الله خروجهم معك { فَثَبَّطَهُمْ } أي كسر عزمهم وجعل في قلوبهم الكسل { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } أي اجلسوا مع المخلفين من النساء والصبيان وأهل الأعذار، وهو ذم لهم لإِيثارهم القعود على الخروج للجهاد، والآية تسلية له صلى الله عليه وسلم على عدم خروج المنافقين معه إِذ لا فائدة فيه ولا مصلحة بل فيه الأذى والمضرة ولهذا قال { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } أي لو خرجوا معكم ما زادوكم إِلا شراً وفساداً { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } أي أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة { يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ } أي يطلبون لكم الفتنة بإِلقاء العداوة بينكم { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } أي وفيكم ضعفاء قلوب يصغون إِلى قولهم ويطيعونهم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } أي عالم بالمنافقين علماً محيطاً بضمائرهم وظواهرهم { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ } أي طلبوا لك الشر بتشتيت شملك وتفريق صحبك عنك من قبل غزوة تبوك كما فعل ابن سلول حين انصرف بأصحابه يوم أحد { وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ } أي دبروا لك المكايد والحيل وأداروا الآراء في إِبطال دينك { حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي حتى جاء نصر الله وظهر دينه وعلا على سائر الأديان { وَهُمْ كَارِهُونَ } أي والحال أنهم كارهون لذلك لنفاقهم { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي } أي ومن هؤلاء المنافقين من يقول لك يا محمد ائذن لي في القعود ولا تفتني بسبب الأمر بالخروج قال ابن عباس: نزلت في " الجد ابن قيس " حين دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إِلى جلاد بني الأصفر، فقال يا رسول الله: ائذن لي في القعود عن الجهاد ولا تفتني بالنساء { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } أي ألا إِنهم قد سقطوا في عين الفتنة فيما أرادوا الفرار منه، بل فيما هو أعظم وهي فتنة التخلف عن الجهاد وظهور كفرهم ونفاقهم قال أبو السعود: وفي التعبير عن الافتتان بالسقوط في الفتنة تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة، المفصحة عن ترديهم في دركات الردى أسفل سافلين { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } أي لا مفر لهم منها لأنها محيطة بهم من كل جانب إِحاطة السوار بالمعصم، وفيه وعيد شديد { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } أي إِن تصبك في بعض الغزوات حسنة، سواء كانت ظفراً أو غنيمة، يسؤهم ذلك { وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ } أي وإِن تصبك مصيبة من نكبة وشدة، أو هزيمة ومكروه يفرحوا به ويقولوا: قد احتطنا لأنفسنا وأخذنا بالحذر والتيقظ فلم نخرج للقتال من قبل أن يحل بنا البلاء { وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } أي وينصرفوا عن مجتمعهم وهم فرحون مسرورون { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } أي لن يصيبنا خير ولا شر، ولا خوف ولا رجاء، ولا شدة ولا رخاء، إِلا وهو مقدر علينا مكتوب عند الله { هُوَ مَوْلاَنَا } أي ناصرنا وحافظنا { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي ليفوض المؤمنون أمورهم إِلى الله، ولا يعتمدوا على أحد سواه { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } أي قل لهم هل تنتظرون بنا يا معشر المنافقين إِلا إِحدى العاقبتين الحميدتين: إِما النصر، وإِما الشهادة، وكل واحدة منهما شيء حسن!! { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } أي ونحن ننتظر لكم أسوأ العاقبتين الوخيمتين: أن يهلككم الله بعذابٍ من عنده يستأصل به شأفتكم، أو يقتلكم بأيدينا { فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } أي انتظروا ما يحل بنا ونحن ننتظر ما يحل بكم، وهو أمر يتضمن التهديد والوعيد { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } أي قل لهم انفقوا يا معشر المنافقين طائعين أو مكرهين، فمهما أنفقتم الأموال فلن يتقبل الله منكم قال الطبري: وهو أمر معناه الخبر كقوله {*ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ*}
[التوبة: 80] والمعنى لن يُتقبل منكم سواء أنفقتم طوعاً أو كرهاً { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } تعليل لرد إِنفاقهم أي لأنكم كنتم عتاة متمردين خارجين عن طاعة الله، ثم أكد هذا المعنى بقوله { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } أي وما منع من قبول النفقات منهم إِلا كفرهم بالله ورسوله { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ } أي ولا يأتون إِلى الصلاة إِلا وهم متثاقلون { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } أي ولا ينفقون أموالهم إِلا بالإِكراه لأنهم يعدونها مغرماً قال في البحر: ذكر تعالى السبب المانع من قبول نفقاتهم وهو الكفر واتبعه بما هو مستلزم له وهو إِتيانهم الصلاة كسالى، وإِيتاء النفقة وهم كارهون، لأنهم لا يرجون بذلك ثواباً ولا يخافون عقاباً، وذكر من أعمال البر هذين العملين الجليلين وهما: الصلاة، والنفقة، لأن الصلاة أشرف الأعمال البدنية، والنفقة في سبيل الله أشرف الأعمال المالية { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي لا تستحسن أيها السامع ولا تفتتن بما أوتوا من زينة الدنيا، وبما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد، فظاهرها نعمة وباطنها نقمة، إِنما يريد الله بذلك استدراجهم ليعذبهم بها في الدنيا قال البيضاوي: وعذابهم بها بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب، وما يرون فيها من الشدائد والمصائب { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } أي ويموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع بزينة الدنيا عن النظر في العاقبة فيشتد في الآخرة عذابهم { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ } أي ويقسمون بالله لكم إِنهم لمؤمنون مثلكم، وما هم بمؤمنين لكفر قلوبهم { وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } أي ولكنهم يخافون منكم أن تقتلوهم كما تقتلون المشركين، فيظهرون الإِسلام تقية ويؤيدونه بالأَيمان الفاجرة { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً } أي حصناً يلجأون إِليه { أَوْ مَغَارَاتٍ } أي سراديب يختفون فيها { أَوْ مُدَّخَلاً } أي مكاناً يدخلون فيه ولو ضيقاً { لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } أي لأقبلوا إِليه يسرعون إِسراعاً كالفرس الجموح، والمراد من الآية تنبيه المؤمنين إلى أنَّ المنافقين لو قدروا على الهروب منهم ولو في شر الأمكنة وأخسها لفعلوا لشدة بغضهم لكم فلا تغتروا بأيمانهم الكاذبة أَنهم معكم ومنكم { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } أي ومنهم من يعيبك يا محمد في قسمة الصدقات { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ } أي فإِن أعطيتهم من تلك الصدقات استحسنوا فعلك { وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } أي وإِن لم تعطهم منها ما يرضيهم سخطوا عليك وعابوك قال المفسرون: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فجاء إِليه رجل من المنافقين يقال له " ذو الخويصرة " فقال: اعدل يا محمد فإِنك لم تعدل فقال صلى الله عليه وسلم: " ويلك إِن لم أعدل فمن يعدل؟ " ، الحديث { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي ولو أن هؤلاء الذين عابوك يا محمد رضوا بما أعطيتهم من الصدقات وقنعوا بتلك القسمة وإِن قلَّت قال أبو السعود: وذكرُ اللهِ عز وجل للتعظيم والتنبيه على أن ما فعله الرسول كان بأمره سبحانه { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } أي كفانا فضل الله وإِنعامه علينا { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } أي سيرزقنا الله صدقة أو غنيمة أخرى خيراً وأكثر مما آتانا { إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } أي إِنا إِلى طاعة الله وإِفضاله وإِحسانه لراغبون، وجواب { لَوْ } محذوف تقديره لكان خيراً لهم قال الرازي: وترك الجواب في هذا المعرض أدل على التعظيم والتهويل وهو كقولك للرجل: لو جئتنا.. ثم لم تذكر الجواب أي لو فعلت ذلك لرأيت أمراً عظيماً، ثم ذكر تعالى مصرف الصدقات فقال { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ } قال الطبري: أي لا تنال الصدقات إِلا للفقراء والمساكين ومن سماهم الله جل ثناؤه والآية تقتضي حصر الصدقات وهي الزكاة في هذه الأصناف الثمانية فلا يجوز أن يعطى منها غيرهم، والفقير الذي له بُلْغة من العيش، والمسكين الذي لا شيء له قال يونس: سألت اعرابياً أفقير أنت؟ فقال: لا والله بل مسكين، وقيل: المسكين أحسن حالاً من الفقير، والمسألة خلافية { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } أي الجباة الذين يجمعون الصدقات { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } هم قوم من أشراف العرب أعطاهم صلى الله عليه وسلم ليتألف قلوبهم على الإِسلام، وروى الطبري عن صفوان بن أمية قال: لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإِنه لأبغض الناس إِلي، فما زال يعطيني حتى إِنه لأحب الناس إِلي { وَفِي ٱلرِّقَابِ } أي وفي فك الرقاب لتخليصهم من الرق { وَٱلْغَارِمِينَ } أي المديونين الذين أثقلهم الدَين { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي المجاهدين والمرابطين وما تحتاج إِليه الحرب من السلاح والعتاد { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } أي الغريب الذي انقطع في سفره { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } أي فرضها الله جل وعلا وحددها { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليم بمصالح العباد، حكيم لا يفعل إِلا ما تقتضيه الحكمة قال في التسهيل: وإِنما حصر مصرف الزكاة في تلك الأصناف ليقطع طمع المنافقين فيها فاتصلت هذه في المعنى بآية اللمز في الصدقات.

البَلاَغَة:
1- { أَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } بينهما جناس الاشتقاق وكذلك في قوله { ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ }.

2- { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } قال الطيبي: فيه استعارة تبعية حيث شبه سرعة إِفسادهم ذات البين بالنميمة بسرعة سير الراكب ثم استعير لها الإِيضاع وهو للإِبل، والأصل ولأوضعوا ركائب نمائمهم خلالكم.

3- { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } فيه استعارة حيث شبه وقوعهم في جهنم بإِحاطة العدو بالجند أو السوار بالمعصم، وإِيثار الجملة الإِسمية للدلالة على الثبات والاستمرار.

4- { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ.. } الآية فيها من المحسنات البديعية ما يسمى بالمقابلة.

5- { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ } تقديم الجار والمجرور على الفعل لإِفادة القصر، وإِظهار الاسم الجليل مكان الاضمار لتربية الروعة والمهابة.

6- { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } بينهما طباق وكذلك بين الرضا والسخط في قوله { رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ }.

7- { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } صيغة فعيل للمبالغة أي عظيم العلم والحكمة.

لطيفَة: قال الزمخشري في قوله تعالى { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } هذا ذم لهم وتعجيز وإِلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت على حد قول القائل:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فإِنك أنت الطاعم الكاسي
تنبيه: قال ابن كثير: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رمته العرب عن قوسٍ واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها، فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته قال ابن أبي وأصحابه: هذا أمر قد توجه - يعني أقبل - فدخلوا في الإِسلام ظاهراً، ثم كلما أعز الله الإِسلام وأهله، أغاظهم ذلك وساءهم ولهذا قال تعالى { وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-03-17, 17:50 رقم المشاركة : 5
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة التوبة


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } * { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } * { وَعَدَ اللهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

المنَاسَبَة:
لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن المنافقين توضيحاً لخطرهم، وتحذيراً للمؤمنين من مكائدهم، وفي هذه الآيات ذكر تعالى نوعاً آخر من قبائحهم، وهو إِيذاؤهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وإِقدامهم على الأيمان الكاذبة، واستهزاؤهم بآيات الله وشريعته المطهرة، إِلى غير ما هنالك من الأعمال المنكرة، والأفعال الخبيثة.

اللغَة:
{ أُذُنٌ } قال الجوهري: يقال رجل أذن إِذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع وقال الزمخشري: الأذن: الرجل الذي يصدق كل ما يسمع، ويقبل قول كل أحد، سمي بالجارحة التي هي آلة السماع. قال الشاعر:
قد صرت أذناً للوشاة سميعة *** ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا
{ يُحَادِدِ } المحادة: المخالفة والمعاداة كالمشاقة وهي أن يكون كل واحد من المتخاصمين في حد وشق غير ما عليه صاحبه { بِخَلاقِهِمْ } الخلاق: النصيب كقوله
{*وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ*}
[البقرة: 200] وقد تقدم { وَخُضْتُمْ } الخوض: الدخول في اللهو والباطل وهو مستعار من الخوض في الماء { حَبِطَتْ } بطلت وذهب ثوابها { وَٱلْمُؤْتَفِكَاتِ } الائتفاك: الانقلاب ويراد بهم قوم لوط لأن أرضهم ائتكفت بهم أي انقلبت، وقيل هو مجاز عن انقلاب حالها من الخير إلى الشر كقول ابن الرومي:
وما الخسف أن تلقى أسافل بلدة *** أعاليها بل أن تسود الأراذل
سَبَبُ النّزول: أ - كان جماعة من المنافقين يؤذون رسول الله ويقولون فيه ما لا ينبغي، فقال بعضهم: لا تفعلوا فإِنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا، فقال " الجلاس بن سويد ": نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإِنما محمد أذن سامعة فأنزل الله { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ.. }.

ب - قال مجاهد: كان المنافقون يعيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي سرنا فأنزل الله { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم.. } الآية.

التفسِير:
{ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ } أي ومن المنافقين أناس يؤذون الرسول بأقوالهم وأفعالهم { وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } أي يصدّق بكل خبرٍ يسمعه { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } أي هو أذن خير لا أذن شر، يسمع الخير فيعمل به، ولا يعمل بالشر إِذا سمعه { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي يصدِّق الله فيما يقول، ويصدِّق المؤمنين فيما يخبرونه به لعلمه بإِخلاصهم { وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } أي وهو رحمة للمؤمنين لأنه كان سبب إِيمانهم { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي والذين يعيبون الرسول ويقولون ما لا يليق بجنابه الشريف لهم عذاب موجع في الآخرة { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } أي يحلفون لكم أنهم ما قالوا شيئاً فيه انتقاص للرسول ليرضوكم بتلك الأيمان { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } أي والحال أنه تعالى ورسوله أحق بالإِرضاء، ولا يكون ذلك إِلا بالطاعة، والمتابعة، وتعظيم أمره عليه السلام { إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } أي إِن كانوا حقاً مؤمنين فليرضوا الله ورسوله { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أنه من يعادي ويخالف الله والرسول، والاستفهام للتوبيخ { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا } أي فقد حق دخوله جهنم وخلوده فيها { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ }. أي ذلك هو الذل العظيم، والشقاء الكبير، المقرون بالفضيحة حيث يفتضحون على رءوس الأشهاد { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } أي يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة تكشف عما في قلوبهم من النفاق { قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ } أي استهزئوا بدين الله كما تشتهون وهو أمر للتهديد كقوله
{*ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ*}
[فصلت: 40] { إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } أي مظهر ما تخفونه وتحذرون ظهوره من النفاق، قال الزمخشري: كانوا يستهزئون بالإِسلام ويحذرون أن يفضحهم الله بالوحي، حتى قال بعضهم: والله لا أرانا إِلا شر خلق الله، ولوددت أني جلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } أي ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما قالوا من الباطل والكذب، في حقك وفي حق الإِسلام، ليقولون لك ما كنا جادين، وإِنما كنا نمزح ونلعب للترويح عن النفس قال الطبري: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إِلى تبوك وبين يديه ناس من المنافقين، فقالوا: انظروا إِلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات!! فأطلع الله نبيه فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبي الله: إِنما كنا نخوض ونلعب فنزلت { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } أي قل لهؤلاء المنافقين: أتستهزئون بدين الله وشرعه، وكتابه ورسوله؟ والاستفهام للتوبيخ، ثم كشف تعالى أمرهم وفضح حالهم فقال { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } أي لا تعتذروا بتلك الأيمان الكاذبة فإِنها لا تنفعكم بعد ظهور أمركم، فقد أظهرتم الكفر بإِيذاء الرسول بعد إِظهاركم الإِيمان { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } أي إِن نعف عن فريقٍ منكم لتوبتهم وإِخلاصهم { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } أي نعذب فريقاً آخر لأنهم أصروا على النفاق والإِجرام { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } أي المنافقون والمنافقات صنف واحد، وهم متشابهون في النفاق والبعد عن الإِيمان، كتشابه أجزاء الشيء الواحد قال في الكشاف: وأريد بقوله { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } نفي أن يكونوا من المؤمنين، وتكذيبهم في قولهم
{*وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ*}
[التوبة: 56] ثم وصفهم بما يدل على مخالفة حالهم لحال المؤمنين فقال { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } أي يأمرون بالكفر والمعاصي وينهون عن الإِيمان والطاعة { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } أي يمسكون أيديهم عن الانفاق في سبيل الله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } أي تركوا طاعته فتركهم من رحمته وفضله وجعلهم كالمنسيين { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } أي الكاملون في التمرد والعصيان، والخروج عن طاعة الرحمن، وكفى به زجراً لأهل النفاق { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ } أي وعد الله المنافقين والمتجاهرين بالكفر بإِصلائهم في نار جهنم { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها أبداً { هِيَ حَسْبُهُمْ } أي هي كفايتهم في العذاب، إِذ ليس هناك عذاب يعادلها { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي أبعدهم من رحمته وأهانهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي دائم لا ينقطع { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي حالكم يا معشر المنافقين كحال من سبقكم من المكذبين، وفيه التفات من الغيبة إِلى الخطاب { كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً } أي كانوا أقوى منكم أجساماً وأشد بطشاً { وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } أي وكانوا أوفر أموالاً، وأكثر أولاداً، ومع ذلك أهلكهم الله فاحذروا أن يحل بكم ما حل بهم { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ } أي تمتعوا بنصيبهم وحظهم من ملاذ الدنيا { فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ } أي استمتعتم بملاذ الدنيا وشهواتها كما استمتع أولئك الذين سبقوكم بنصيبهم منها { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } أي وخضتم في الباطل والضلال كما خاضوا هم فيه قال الطبري: المعنى سلكتم أيها المنافقون سبيلهم في الاستمتاع بالدنيا كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم، وخضتم في الكذب والباطل على الله كخوض تلك الأمم قبلكم، فاحذروا أن يحل بكم من عقوبة الله مثل الذي حل بهم { أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر من قبيح الفعال ذهبت أعمالهم باطلاً فلا ثواب لها إِلا النار { وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أي وأولئك هما الكاملون في الخسران { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر الأمم السابقين حين عصوا الرسل ماذا حلَّ بهم من العقوبة؟ { قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } أي قوم نوح الذين أهلكوا بالطوفان وقوم هود " عاد " الذين أهلكوا بالريح، وقوم صالح " ثمود " الذين أهلكوا بالصيحة { وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ } الذين أهلكوا بسلب النعمة { وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ } قوم شعيب الذين أهلكوا بعذاب يوم الظلة { وَٱلْمُؤْتَفِكَاتِ } قرى قوم لوط الذين انقلبت بهم فصار عاليها سافلها، وأمطروا حجارة من سجيل { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي جاءتهم رسلهم بالمعجزات فكذبوهم { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } أي فما أهلكهم الله ظلماً إِنما أهلكهم بإِجرامهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي ولكن ظلموا أنفسهم بالكفر وارتكاب المعاصي، أفأمن هؤلاء المنافقون أن يُسلك بهم في الانتقام سبيل أسلافهم المكذبين من أهل الإِجرام؟ ولما ذكر تعالى صفات المنافقين الذميمة أعقبها بذكر صفات المؤمنين الحميدة فقال { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } أي هم إِخوة في الدين يتناصرون ويتعاضدون { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي يأمرون الناس بكل خيرٍ وجميلٍ يرضي الله، وينهونهم عن كل قبيح يسخط الله، فهم على عكس المنافقين الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أي يؤدونها على الوجه الكامل { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي يُعطونها إلى مستحقيها ابتغاء وجه الله { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي في كل أمر ونهي { أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } أي سيدخلهم في رحمته، ويفيض عليهم جلائل نعمته { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } أي غالب لا يُغلب من أطاعه ويذل من عصاه { حَكِيمٌ } أي يضع كل شيء في موضعه على أساس الحكمة، في النعمة والنقمة { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي وعدهم على إِيمانهم بجنات وارفة الظلال، تجري من تحت أشجارها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَا } أي لابثين فيها أبداً، لا يزول عنهم نعيمها ولا يبيد { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي ومنازل يطيب فيها العيش في جنات الخلد والاقامة قال الحسن: هي قصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } أي وشيء من رضوان الله أكبر من ذلك كله، وفي الحديث يقول الله تعالى لأهل الجنة:
" يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعط أحداً من خلقك! فيقول: أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي ذلك هو الظفر العظيم الذي لا سعادة بعده { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } قال ابن عباس: جاهد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي اشدد عليهم بالجهاد والقتال والارعاب { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي مسكنهم ومثواهم جهنم { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي بئس المكان الذي يصار إليه جهنم { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } أي يحلف المنافقون أنهم ما قالوا الذي بلغك عنهم من السب قال قتادة: نزلت في عبد الله بن أُبي، وذلك أنه اقتتل رجلان: جهني وانصاري، فعلا الجهني على الأنصاري، فقال ابن سلول للأنصار: ألا تنصرون أخاكم؟ والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل " سمن كلبك يأكلك " فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه يسأله فجعل يحلف بالله ما قاله فأنزل الله فيه هذه الآية { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } هي قول ابن سلول " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } أي أظهروا الكفر بعد إظهار الإِسلام { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } قال ابن كثير: هم نفر من المنافقين همّوا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من تبوك وكانوا بضعة عشر رجلاً { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } أي ما عابوا على الرسول وما له عندهم ذنب إلا أن الله أغناهم ببركته، ويُمن سعادته، وهذه الصيغة تقال حيث لا ذنب.
. ثم دعاهم تبارك وتعالى إلى التوبة فقال { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } أي فإِن يتوبوا عن النفاق يكن رجوعهم وتوبتهم خيراً لهم وأفضل { وَإِن يَتَوَلَّوْا } أي يعرضوا ويصروا على النفاق { يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً } أي يعذبهم عذاباً شديداً { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالنار وسخط الجبار { وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي ليس لهم من ينقذهم من العذاب، أو يشفع لهم فيخلصهم وينجيهم يوم الحساب.

البَلاَغَة: 1
- { هُوَ أُذُنٌ } أصله هو كالأذن يسمع كل ما يقال له، فحذف منه أداة التشبيه ووجه الشبه فصار تشبيهاً بليغاً مثل زيد أسد.

2- { يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ } أبرز اسم الرسول ولم يأت به ضميراً { يُؤْذُونَه } تعظيماً لشأنه عليه السلام وجمعاً له بين الرتبتين العظيمتين " النبوة والرسالة " وإِضافته إِليه زيادة في التكريم والتشريف.

3- { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } الإِشارة بالبعيد عن القريب للإيذان ببعد درجته في الهول والفظاعة.

4- { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } قبض اليد كناية عن الشح والبخل، كما أن بسطها كناية عن الجود والكرم.

5- { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } من باب المشاكلة لأن الله لا ينسى أي تركوا طاعته فتركهم تعالى من رحمته.

6- { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } إِلتفات من الغيبة إِلى الخطاب لزيادة التقريع والعتاب.

7- { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ.. } الآية فيه إِطناب والغرض منه الذم والتوبيخ لاشتغالهم بالمتاع الخسيس، عن الشيء النفيس.

8- { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ.. } في الآية تأكيد المدح بما يشبه الذم على حد قول القائل " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم " البيت.

فَائِدَة:
روى ابن كثير عن علي كرم الله وجهه قال: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف: سيف للمشركين
{*فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ*}
[التوبة: 5] وسيف لأهل الكتاب
{*قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ..*}
[التوبة: 29] وسيفٍ للمنافقين { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } وسيف للبغاة
{*فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ*}
[الحجرات: 9].

لطيفَة:
قال الإِمام الفخر: لما وصف تعالى المؤمنين بكون بعضهم أولياء بعض، ذكر بعده خمسة أمور بها يتميز المؤمن، عن المنافق، فالمنافق يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف، ولا يقوم إِلى الصلاة إِلا بكسل، ويبخل بالزكاة وسائر الواجبات، وإِذا أُمر بالمسارعة إِلى الجهاد فإِنه يتخلف ويثبط غيره، والمؤمن بالضد منه فإِنه يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويؤدي الصلاة على الوجه الأكمل، ويؤتي الزكاة، ويسارع إِلى طاعة الله ورسوله، ولهذا قابل تعالى بين صفات المؤمنين، وصفات المنافقين بقوله { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَ
يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } كما قابل في الجزاء بين نار جهنم والجنة فكانت مقابلة لطيفة.






التوقيع

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 02:12 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd