منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   تفسير (https://www.profvb.com/vb/f297.html)
-   -   تفسير سورة الجاثية (https://www.profvb.com/vb/t178255.html)

أم سهام 2017-08-25 15:43

تفسير سورة الجاثية
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ حـمغ¤ } * { تَنزِيلُ ظ±لْكِتَابِ مِنَ ظ±للَّهِ ظ±لْعَزِيزِ ظ±لْحَكِيمِ } * { إِنَّ فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ لأيَظ°تٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَظ°تٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { وَظ±خْتِلاَفِ ظ±للَّيْلِ وَظ±لنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ظ±للَّهُ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ظ±لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ظ±لرِّيَاحِ ءَايَظ°تٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { تَلْكَ ءَايَظ°تُ ظ±للَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِظ±لْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ظ±للَّهِ وَءَايَظ°تِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يَسْمَعُ ءَايَظ°تِ ظ±للَّهِ تُتْلَىظ° عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَظ°تِنَا شَيْئاً ظ±تَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ظ±تَّخَذُواْ مِن دُونِ ظ±للَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { هَـظ°ذَا هُدًى وَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَظ°تِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } * { ظ±للَّهُ ظ±لَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ظ±لْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ظ±لْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَظ°تٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ظ±للَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَـظ°لِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىظ° رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيغ¤ إِسْرَائِيلَ ظ±لْكِتَابَ وَظ±لْحُكْمَ وَظ±لنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ظ±لطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ظ±لْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ظ±لأَمْرِ فَمَا ظ±خْتَلَفُوغ¤اْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ظ±لْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىظ° شَرِيعَةٍ مِّنَ ظ±لأَمْرِ فَظ±تَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ظ±لَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ظ±للَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ظ±لظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَظ±للَّهُ وَلِيُّ ظ±لْمُتَّقِينَ } * { هَـظ°ذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

اللغَة:
{ يَبُثُّ } ينشر ويفرِّق { تَصْرِيفِ } تقليب، صرَّف الله الريح قلَّبها من جهة إلى جهة { وَيْلٌ } كلمة تستعمل في العذاب والدمار { أَفَّاكٍ } كذَّاب، والإِفك: الكذبُ { أَثِيمٍ } كثير الإِثم والإِجرام { رِّجْزٍ } أشد العذاب { يُصِرُّ } أصرَّ على الشيء: عزم على البقاء عليه بقوة وشدة { يُغْنِي } ينفع أو يدفع ومنه

{ مَآ أَغْنَىظ° عَنِّي مَالِيَهْ }
[الحاقة: 28] { بَصَائِرُ } دلائل ومعالم.

التفسِير:
{ حمغ¤ } الحروف المقطَّعة للتنبيه على إِعجاز القرآن { تَنزِيلُ ظ±لْكِتَابِ مِنَ ظ±للَّهِ ظ±لْعَزِيزِ ظ±لْحَكِيمِ } أي هذا القرآن تنزيلٌ من الله، العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه، الذي لا يصدر عنه إلا كل ما فيه حكمةٌ ومصلحة للعباد، ثم أخبر تعالى عن دلائل الوحدانية والقدرة فقال { إِنَّ فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } أي إنَّ في خلق السماواتِ والأرض وما فيهما من المخلوقات العجيبة، والأحوال الغريبة، والأمور البديعة، لعلامات باهرة على كمال قدرة الله وحكمته، لقوم يصدّقون بوجود الله ووحدانيته { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي وفي خلقكم أيها الناسُ من نطفةٍ ثم من علقة، متقلبة في أطوارٍ مختلفة إلى تمام الخلق، وفيما ينشره تعالى ويُفرقه من أنواع المخلوقات التي تدب على وجه الأرض، آياتٌ باهرةٌ أيضاً لقومٍ يصدّقون عن إذعانٍ ويقين بقدرة ربِّ العالمين { وَظ±خْتِلاَفِ ظ±للَّيْلِ وَظ±لنَّهَارِ } أي وفي تعاقب الليل والنهار، دائبين لا يفتران، هذا بظلامه وذاك بضيائه، بنظام محكم دقيق { وَمَآ أَنَزَلَ ظ±للَّهُ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ } أي وفيما أنزله الله تبارك وتعالى من السحاب، من المطر الذي به حياة البشر في معاشهم وأرزاقهم قال ابن كثير: وسمَّى تعالى المطر رزقاً لأنه به يحصل الرزق { فَأَحْيَا بِهِ ظ±لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي فأحيا بالمطر الأرض بعدما كانت هامدةً يابسة لا نبات فيها ولا زرع، فأخرج فيها من أنواع الزروع والثمرات والنبات { وَتَصْرِيفِ ظ±لرِّيَاحِ } أي وفي تقليب الرياح جنوباً وشمالاً، باردة وحارة { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي علامات ساطعة واضحة على وجود الله ووحدانيته، لقومٍ لهم عقول نيّرة وبصائر مشرقة قال الصاوي: ذكر الله سبحانه وتعالى من الدلائل ستةً في ثلاث آيات، ختم الأولى بـ { لِّلْمُؤْمِنِينَ } ، والثانية بـ { يُوقِنُونَ } والثالثة بـ { يَعْقِلُونَ } ووجه التغاير بينها في التعبير أن الإِنسان إذا تأمل في السماواتِ والأرض، وأنه لا بدَّ لهما من صانع آمن، وإِذا نظر في خلق نفسه ونحوها ازداد إِيماناً فأيقن، وإِذا نظر في سائر الحوادث كمل عقله واستحكم علمه { تَلْكَ آيَاتُ ظ±للَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِظ±لْحَقِّ } أي هذه آيات الله وحججه وبراهينه، الدالة على وحدانيته وقدرته، نقصُّها عليك يا محمد بالحق المبين الذي لا غموض فيه ولا التباس { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ظ±للَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ }؟ أي وإِذا لم يصدِّق كفار مكة بكلام الله، ولم يؤمنوا بحججه وبراهينه، فبأي كلامٍ يؤمنون ويصدِّقون؟ والغرضُ استعظام تكذيبهم للقرآن بعد وضوح بيانه وإِعجازه { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } أي هلاك ودمارٌ لكل كذَّاب مبالغٍ في اقتراف الآثام قال الرازي: وهذا وعيدٌ عظيم، والأَفَّاك الكذَّاب، والأثيمُ المبالغ في اقتراف الآثام { يَسْمَعُ آيَاتِ ظ±للَّهِ تُتْلَىظ° عَلَيْهِ } أي يسمع آيات القرآن تُقرأ عليه، وهي في غاية الوضوح والبيان { ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } أي ثم يدوم على حاله من الكفر، ويتمادى في غيّه وضلاله، مستكبراً عن الإِيمان بالآيات كأنه لم يسمعها { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي فبشّره يا محمد بعذاب شديد مؤلم، وسمَّاه " بشارة " تهكماً بهم، لأن البشارة هي الخبر السارُّ قال في التسهيل: وإِنما عطفه بـ " ثم " لاستعظام الإِصرار على الكفر بعد سماعه آيات الله، واستبعاد ذلك في العقل والطبع قال المفسرون: نزلت في " النضر بن الحارث " كان يشتري أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآيةُ عامةٌ في كل من كان موصوفاً بالصفة المذكورة { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً ظ±تَّخَذَهَا هُزُواً } أي إِذا بلغه شيء من الآيات التي أنزلها الله على محمد، سخر واستهزأ بها { أُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي أولئك الأفاكون المستهزءون بالقرآن لهم عذاب شديد مع الذل والإِهانة { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } أي أمامهم جهنم تنتظرهم لما كانوا فيه من التعزز في الدنيا والتكبر عن الحق { وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً } أي لا ينفعهم ما ملكوه في الدينا من المال والولد { وَلاَ مَا ظ±تَّخَذُواْ مِن دُونِ ظ±للَّهِ أَوْلِيَآءَ } أي ولا تنفعهم الأصنام التي عبدوها من دون الله { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي ولهم عذاب دائم مؤلم قال أبو السعود: وتوسيط النفي { وَلاَ مَا ظ±تَّخَذُواْ } مع أن عدم إِغناء الأصنام أظهر وأجلى من عدم إِغناء الأموال والأولاد، مبنيٌ على زعمهم الفاسد حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم، وفيه تهكم بهم { هَـظ°ذَا هُدًى } أي هذا القرآن كامل في الهداية لمن آمن به واتَّبعه { وَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } أي جحدوا بالقرآن مع سطوعه، وفيه زيادة تشنيع على كفرهم به، وتفظيع حالهم { لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } أي لهم عذاب من أشدِّ أنواع العذاب مؤلمٌ موجعٌ قال الزمخشري: والرجزُ أشدُّ العذاب، والمراد بـ { بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } القرآن.
. ثم لمَّا توعَّدهم بأنواع العذاب ذكَّرهم تعالى بنعمه الجليلة ليشكروه ويوحّدوه فقال { ظ±للَّهُ ظ±لَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ظ±لْبَحْرَ } أي الله تعالى بقدرته وحكمته هو الذي ذلَّل لكم البحر على ضخامته وعِظمه { لِتَجْرِيَ ظ±لْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ } أي لتسير السفنُ على سطحه بمشيئته وإرادته، دون أن تغوص في أعماقه قال الإِمام الفخر: خلَق وجه الماء على الملاسة التي تجري عليها السفن، وخلق الخشبة على وجهٍ تبقى طافيةً على وجه الماء دون أن تغوص فيه، وذلك لا يقدر عليه أحد إلا الله { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي ولتطلبوا من فضل الله بسبب التجارة، والغوص على اللؤلؤ والمرجان، وصيد الأسماك وغيرها { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي ولأجل أَن تشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم وتفضَّل قال القرطبي: ذكر تعالى كمال قدرته، وتمام نعمته على عباده، وبيَّن أنه خلقَ ما خلق لمنافعهم، وكلُّ ذلك من فعله وخلقه، وإِحسانٌ منه وإِنعام { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } أي وخلق لكم كل ما في هذا الكون، من كواكب، وجبال، وبحار، وأنهار، ونباتٍ، وأشجار، الجميع من فضله وإِحسانه وامتنانه، من عنده وحده جلَّ وعلا { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي إِنَّ فيما ذُكر لعبراً وعظات لقوم يتأملون في بدائع صنع الله فيستدلون على قدرته ووحدانيته ويؤمنون، ثم لما بيَّن تعالى دلائل التوحيد والقدرة والحكمة، أردفه بتعليم فضائل الأخلاق، ومحاسن الأفعال فقال { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ظ±للَّهِ } أي قل يا محمد للمؤمنين يصفحوا عن الكفار، ويتجاوزوا عمَّا يصدر عنهم من الأذى والأفعال الموحشة قال مقاتل: شتم رجلٌ من الكفار عمر بمكة فهمَّ أن يبطش به، فأمر الله بالعفو والتجاوز وأنزل هذه الآية، والمرادُ من قوله { لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ظ±للَّهِ } أي لا يخافون بأسِِ الله وعقابه لأنهم لا يؤمنون بالآخرة ولا بلقاء الله قال ابن كثير: أُمر المسلمون أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب، ليكون ذلك تأليفاً لهم، ثم لما أصرُّوا على العناد، شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد { لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } وعيدٌ وتهديد أي ليجازي الكفرة المجرمين بما اقترفوه من الإِثم والإِجرام، والتنكيرُ للتحقير { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } أي من فعل خيراً في الدنيا فنفعُه لنفسه، ومن ارتكب سوءاً وشراً فضرره عائد عليها، ولا يكاد يسري عملٌ إلى غير عامله { ثُمَّ إِلَىظ° رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } أي ثم مرجعكم يوم القيامة إلى الله وحده، فيجازي كلاً بعمله، المحسنَ بإِحسانه، والمسيءَ بإِساءته.
. ولما ذكَّر بالنعم العامة أردفه بذكر النعم الخاصة على بني إِسرائيل فقال { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيغ¤ إِسْرَائِيلَ ظ±لْكِتَابَ وَظ±لْحُكْمَ وَظ±لنُّبُوَّةَ } أي والله لقد أعطينا بني إِسرائيل التوراة، وفصل الحكومات بين الناس، وجعلنا فيهم الأنبياء والمرسلين { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ظ±لطَّيِّبَاتِ } أي ورزقناهم من أنواع النعم الكثيرة من المآكل والمشارب، والأقوات والثمار { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ظ±لْعَالَمينَ } أي وفضلناهم على سائر الأمم في زمانهم قال الصاوي: والمقصود من ذلك تسليته صلى الله عليه وسلم كأنه قال: لا تحزن يا محمد على كفر قومك، فإِننا آتينا بني إسرائيل الكتاب والنعم العظيمة، فلم يشكروا بل أصرُّوا على الكفر، فكذلك قومك { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ظ±لأَمْرِ } أي وبينا لهم في التوراة أمر الشريعة وأمر محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه قال ابن عباس: يعني أمر النبي صلى الله عليه وسلم وشواهد نبوته بأنه يُهاجر من تهامة إلى يثرب وينصره أهلها { فَمَا ظ±خْتَلَفُوغ¤اْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ظ±لْعِلْمُ } أي فما اختلفوا في ذلك الأمر، إلا من بعد ما جاءتهم الحجج والبراهين والأدلة القاطعة على صدقه { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي حسداً وعناداً وطلباً للرياسة قال الإِمام الفخر: والمقصودُ من الآية التعجبُ من هذه الحالة، لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف، وهظ°هنا صار العلم سبباً لحصول الاختلاف، لأنه لم يكن مقصودهم نفس العلم وإِنما المقصود منه طلب الرياسة والتقدم، فلذلك علموا وعاندوا { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي هو جل وعلا الذي يفصل بين العباد يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أمر الدين، وفي الآية زجرٌ للمشركين أن يسلكوا مسلك من سبقهم من الأمم العاتية الطاغية { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىظ° شَرِيعَةٍ مِّنَ ظ±لأَمْرِ فَظ±تَّبِعْهَا } أي ثم جعلناك يا محمد على طريقةٍ واضحة، ومنهاجٍ سديد رشيد من أمر الدين، فاتبع ما أوحى إليك ربك من الدين القيّم { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ظ±لَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا تتَّبع ضلالات المشركين قال البيضاوي: لا تتبع آراء الجهال التابعة للشهوات، وهم رؤساء قريش حيث قالوا: ارجع إلى دين آبائك { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ظ±للَّهِ شَيْئاً } أي لن يدفعوا عنك شيئاً من العذاب إن سايرتهم على ضلالهم { وَإِنَّ ظ±لظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } أي وإِن الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا ولا ولي لهم في الآخرة { وَظ±للَّهُ وَلِيُّ ظ±لْمُتَّقِينَ } أي وهو تعالى ناصر ومعين المؤمنين المتقين في الدنيا والآخرة { هَـظ°ذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي هذا القرآن نور وضياء للناس بمنزلة البصائر في القلوب، وهو رحمة لمن آمن به وأيقن.

أم سهام 2017-08-25 16:11

رد: تفسير سورة الجاثية
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ أَمْ حَسِبَ ظ±لَّذِينَ ظ±جْتَرَحُواْ ظ±لسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ظ±للَّهُ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضَ بِظ±لْحَقِّ وَلِتُجْزَىظ° كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ظ±تَّخَذَ إِلَـظ°هَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ظ±للَّهُ عَلَىظ° عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىظ° سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىظ° بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ظ±للَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ظ±لدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ظ±لدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىظ° عَلَيْهِمْ ءَايَظ°تُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ظ±ئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلِ ظ±للَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىظ° يَوْمِ ظ±لْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـظ°كِنَّ أَكْثَرَ ظ±لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ظ±لسَّمَاوَاتِ وَظ±لأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ظ±لسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ظ±لْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىظ° كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىظ° إِلَىظ° كِتَابِهَا ظ±لْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـظ°ذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِظ±لْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَأَمَّا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ظ±لْفَوْزُ ظ±لْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَظ°تِى تُتْلَىظ° عَلَيْكُمْ فَظ±سْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ظ±للَّهِ حَقٌّ وَظ±لسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ظ±لسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقِيلَ ظ±لْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـظ°ذَا وَمَأْوَاكُمُ ظ±لنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ظ±تَّخَذْتُمْ ءَايَظ°تِ ظ±للَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ظ±لْحَيَاةُ ظ±لدُّنْيَا فَظ±لْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } * { فَلِلَّهِ ظ±لْحَمْدُ رَبِّ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَرَبِّ ظ±لأَرْضِ رَبِّ ظ±لْعَالَمِينَ } * { وَلَهُ ظ±لْكِبْرِيَآءُ فِي ظ±لسَّمَاوَاتِ وَظ±لأَرْضِ وَهُوَ ظ±لْعِزِيزُ ظ±لْحَكِيمُ }

المنَاسَبَة:
لما حكى تعالى ضلالات بني إِسرائيل، وبيَّن أن القرآن نور وهداية لمن تمسَّك به، أعقبه ببيان أنه لا يتساوى المؤمن مع الكافر، ولا البر مع الفاجر، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ثم ذكر الأدلة على البعث والنشور.


اللغَة:
{ ظ±جْتَرَحُواْ } اكتسبوا والاجتراحُ الاكتساب ومنه الجوارح { غِشَاوَةً } غطاء وغشَّى الشيءَ غطَّاه { جَاثِيَةً } باركةً على الركب لشدة الهول جثا - يجثو إِذا قعد على ركبتيه { نَسْتَنسِخُ } استنسخ الشيء أمر بكتابته وتدوينه { حَاقَ } نزل وأحاط { يُسْتَعَتَبُونَ } يُطلب منهم إِرضاء ربهم يقال: استعتبتهُ فأعتبني أي استرضيتُه فقبل مني عذري { ظ±لْكِبْرِيَآءُ } العظمة والمُلك والجلال.


سَبَبُ النّزول:
روي أن أبا جهلٍ طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: واللهِ إني لأعلم أنه لصادق، فقال له: مهْ، وما دلَّك على ذلك؟ فقال يا أبا عبد شمسٍ: كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما تمَّ عقلهُ وكمُل رشده نسميه الكذاب الخائن!! والله إني لأعلم أنه لصادق، قال: فما يمنعك أن تصدِّقه وتُؤمن به؟ قال: تتحدث عني بنات قريش أني اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسْرة واللاتِ والعُزَّى لا أتَّبعه أبداً فنزلت { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ظ±تَّخَذَ إِلَـظ°هَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ظ±للَّهُ عَلَىظ° عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىظ° سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ.. } الآية.


التفسِير:
{ أَمْ حَسِبَ ظ±لَّذِينَ ظ±جْتَرَحُواْ ظ±لسَّيِّئَاتِ } الاستفهام للإِنكار والمعنى هل يظنُّ الكفار الفجار الذين اكتسبوا المعاصي والآثام { أَن نَّجْعَلَهُمْ كَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ } أي أن نجعلهم كالمؤمنين الأبرار { سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ } أي نساوي بينهم في المحيا والممات؟ لا يمكن أن نساوي بين المؤمنين والكفار، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإِن المؤمنين عاشو على التقوى والطاعة، والكفار عاشوا على الكفر والمعصية، وشتان بين الفريقين كقوله

{ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ }
[السجدة: 18]؟ قال مجاهد: المؤمنُ يموت مؤمناً ويُبعث مؤمناً، والكافر يموت كافراً ويُبعث كافراً { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي ساء حكمهم في تسويتهم بين أنفسهم وبين المؤمنين قال ابن كثير: ساء ما ظنّوا بنا وبعدلنا أن نساوي بين الأَبرار والفجار، فكما لا يُجتنى من الشوكِ العنبُ، كذلك لا ينال الفُجَّار منازل الأبرار { وَخَلَقَ ظ±للَّهُ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضَ بِظ±لْحَقِّ } أي وخلق الله السماواتِ والأرض بالعدل والأمر الحقِّ ليدل بهما على قدرته ووحدانيته { وَلِتُجْزَىظ° كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي ولكي يُجزى كل إِنسان بعمله، وبما اكتسب من خير أو شر، دون أن يُنقص في ثواب المؤمن أو يُزاد في عذاب الكافر قال شيخ زاده: لمّا خلق تعالى السماواتِ الأرض لإِجل إِظهار الحق، وكان خلقهما من جملة حكمته وعدله، لزم من ذلك أن ينتقم من الظالم لأجل المظلوم، فبثت بذلك حشر الخلائق للحساب { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ظ±تَّخَذَ إِلَـظ°هَهُ هَوَاهُ } أي أخبرني يا محمد عن حال من ترك عبادة الله وعبد هواه!! قال في البحر: أي هو مطواعٌ لهوى نفسه يتبع ما تدعوه إليه، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلَهه قال ابن عباس: ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئاً إلاّ ركبه { وَأَضَلَّهُ ظ±للَّهُ عَلَىظ° عِلْمٍ } أي وأضلَّ الله ذلك الشقي في حال كونه عالماً بالحق غير جاهل به، فهو أشدُّ قبحاً وشناعةً ممن يضل عن جهل، لأنه يُعرض عن الحقِّ والهُدى عناداً كقوله تعالى
{ وَجَحَدُواْ بِهَا وَظ±سْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً }
[النمل: 14] { وَخَتَمَ عَلَىظ° سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } أي وطبع على سمعه وقلبه بحيث لا يتأثر بالمواعظ، ولا يتفكر في الآيات والنُّذر { وَجَعَلَ عَلَىظ° بَصَرِهِ غِشَاوَةً } أي وجعل على بصره غطاء حتى لا يبصر الرشد، ولا يرى حجة يستضيء بها { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ظ±للَّهِ }؟ أي فمن الذي يستطيع أن يهديه بعد أن أضله الله؟ لا أحد يقدر على ذلك { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي أفلا تعتبرون أيها الناس وتتعظون؟ قال الصاوي: وصف تعالى الكفار بأربعة أوصاف: الأول: عبادة الهوى، والثاني: ضلالهم على علم الثالث: الطبع على أسماعهم وقلوبهم الرابع: جعل الغشاوة على أبصارهم، وكلَّ وصفٍ منها مقتضٍ للضلالة، فلا يمكن إِيصال الهدى إليهم بوجهٍ من الوجوه.. ثم حكى تعالى عن المشركين شبهتهم في إنكار القيامة، وفي إِنكار الإِله القادر العليم فقال { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ظ±لدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا } أي وقال المشركون: لا حياة إلا هذه الحياة الدنيا، يموت بعضنا ويحيا بعضنا، ولا آخرة، ولا بعث، ولا نشور قال ابن كثير: هذا قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد، ومرادهم ما ثمَّ إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وليس هناك معادٌ ولا قيامة، وهذا قول الفلاسفة الدهريين، المنكرين للصانع، المعتقدين أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ظ±لدَّهْرُ } أي وما يهلكنا إلا مرورُ الزمان، وتعاقبُ الأيام قال الرازي: يريدون أن الموجب للحياة والموت تأثيراتُ الطبائع وحركاتُ الأفلاك، ولا حاجة إلى إثبات الخالق المختار، فهذه الطائفة جمعوا بين إنكار الإِله وبين إِنكار البعث والقيامة، قال تعالى رداً عليهم { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } أي وليس لهم مستندٌ من عقل أو نقل، ولذلك أنكروا وجود الله من غير حجةٍ ولا بينة { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } أي ما هم إلا قوم يتوهمون ويتخيلون، يتكلمون بالظن من غير يقين { وَإِذَا تُتْلَىظ° عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي وإِذا قرئت آياتُ القرآن على المشركين، واضحات الدلالة على البعث والنشور { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ظ±ئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي ما كان متمسكهم في دفع الحق الصريح إلا أن يقولوا: أحْيوا لنا آباءنا الأولين، إِن كان ما تقولونه حقاً، سُمِّيَ قولهم الباطل حجةً على سبيل التهكم { قُلِ ظ±للَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } أي قل لهم يا محمد: اللهُ الذي خلقكم ابتداءً حين كنتم نُطفاً هو الذي يميتكم عند انقضاء آجالكم، لا كما زعمتم أنكم تحيون وتموتون بحكم الدهر { ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىظ° يَوْمِ ظ±لْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي ثم بعد الموت يبعثكم للحساب والجزاء كما أحياكم في الدنيا، فإِنَّ من قدر على البدء قدر على الإِعادة، والحكمةُ اقتضت الجمع للجزاء في يوم القيامة، الذي لا شك فيه ولا ارتياب { وَلَـظ°كِنَّ أَكْثَرَ ظ±لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي ولكنَّ أكثر الناس لجهلهم وقصورهم في النظر والتفكر، لا يعلمون قدرة الله فينكرون البعث والجزاء.
. ثم بيَّن إمكان الحشر والنشر ذكر تفاصيل أحوال يوم القيامة فقال { وَلِلَّهِ مُلْكُ ظ±لسَّمَاوَاتِ وَظ±لأَرْضِ } أي هو جل وعلا المالك لجميع الكائنات العلوية والسفلية { وَيَوْمَ تَقُومُ ظ±لسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ظ±لْمُبْطِلُونَ } أي ويوم القيامة يخسر الكافرون الجاحدون بآيات الله { وَتَرَىظ° كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } أي وترى أيها المخاطب كل أمةٍ من الأمم جالسةً على الركب من شدة الهول والفزع، كما يجثوا الخصوم بين يدي الحاكم بهيئة الخائف الذليل قال ابن كثير: وهذا إذا جيء بجهنم فإِنها تزفر زفرةً لا يبقى أحدٌ إلا جثا على ركبتيه { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىظ° إِلَىظ° كِتَابِهَا } أي كلُّ أمةٍ من تلك الأمم تُدعى إلى صحائف أعمالها { ظ±لْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي يقال لهم: في هذا اليوم الرهيب تنالون جزاء أعمالكم من خيرٍ أو شر { هَـظ°ذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِظ±لْحَقِّ } أي هذا كتابُ أعمالكم يشهد عليكم بالحق من غير زيادةٍ ولا نقصان قال في التسهيل: فإِن قيل: كيف أضاف الكتاب تارةً إِليهم وتارةً إلى الله تعالى؟ فالجواب أنه أضافه إِليهم لأن أعمالهم ثابتةٌ فيه، وأضافه إلى الله تعالى لأنه مالكه وأنه هو الذي أمر الملائكة أن يكتبوه { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي كنَّا نأمر الملائكة بكتابة أعمالكم، وإِثباتها عليكم قال المفسرون: تنسخ هنا بمعنى تكتب، وحقيقة النسخ هو النقل من أصلٍ إلى آخر، وقال ابن عباس: تكتب الملائكة أعمال العباد ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابل الملائكة الموكلون بديوان الأعمال ما كتبه الحفظة، مما قد أُبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر، مما كتبه الله في القِدم على العباد قبل أن يخلقهم، فلا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، فذلك هو الاستنساخ، وكان ابن عباس يقول: ألستم عرباً، هل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟ ثم بيَّن تعالى أحوال كلٍ من المطيعين والعاصين فقال { فَأَمَّا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ } أي فأما المؤمنون الصالحون المتقون لله في الحياة الدنيا، فيدخلهم الله في الجنة، سُميت الجنة رحمةً لأنها مكان تنزل رحمةِ الله { ذَلِكَ هُوَ ظ±لْفَوْزُ ظ±لْمُبِينُ } أي ذلك هو الفوز العظيم، البيّن الظاهر الذي لا فوز وراءه { وَأَمَّا ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىظ° عَلَيْكُمْ } أي وأمَّا الكافرون فيقال لهم توبيخاً وتقريعاً: أفلم تكن الرسل تتلو عليكم آيات الله؟ { فَظ±سْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } أي فتكبرتم عن الإِيمان بها، وأعرضتم عن سماعها، وكنتم قوماً مغرقين في الإِجرام { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ظ±للَّهِ حَقٌّ } أي وإِذا قيل لكم إن البعث كائن لا محالة { وَظ±لسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا } أي والقيامة آتيةٌ لا شك في ذلك ولا ريب { قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ظ±لسَّاعَةُ } أي قلتم لغاية عتوكم، أيُّ شيء هي؟ أحقٌّ أم باطل؟ قال البيضاوي: قالوا هذا استغراباً واستبعاداً وإِنكاراً لها { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } أي لا نصدِّق بها ولكن نسمع الناس يقولون: إِنَّ هناك آخرة فنتوهم بها توهماً { وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } أي ولسنا مصدِّقين بالآخرة يقيناً، وهذا تأكيد منهم لإِنكار القيامة { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي وظهر لهم في الآخرة قبائح أعمالهم { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي ونزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا { وَقِيلَ ظ±لْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـظ°ذَا } أي ويقال لهم: اليوم نتركُكم في العذاب ونعاملكم معاملة الناسي، كما تركتم الطاعة التي هي الزاد ليوم المعاد فلم تعملوا لآخرتكم { وَمَأْوَاكُمُ ظ±لنَّارُ } أي ومستقركم في نار جهنم { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي وليس لكم من ينصركم ويخلصكم من عذاب الله { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ظ±تَّخَذْتُمْ آيَاتِ ظ±للَّهِ هُزُواً } أي إِنما جازيناكم هذا الجزاء، بسبب أنكم سخرتم من كلام الله واستهزأتم به { وَغَرَّتْكُمُ ظ±لْحَيَاةُ ظ±لدُّنْيَا } أي خدعتكم الدنيا بزخارفها وأباطيلها، حتى ظننتم ألاَّ حياة سواها، وأَلاَّ بعث ولا نشور { فَظ±لْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } أي فاليوم لا يُخْرجون من النار، ولا يُطلبُ منهم أن يرضوا ربَّهُم بالتوبة والطاعة لعدم نفعها يومئذٍ { فَلِلَّهِ ظ±لْحَمْدُ رَبِّ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَرَبِّ ظ±لأَرْضِ رَبِّ ظ±لْعَالَمِينَ } أي فلله الحمد خاصة لا يستحق الحمد أحدٌ سواه لأنه الخالق والمالك لجميع المخلوقات والكائنات { وَلَهُ ظ±لْكِبْرِيَآءُ فِي ظ±لسَّمَاوَاتِ وَظ±لأَرْضِ } أي وله العظمة والجلال، والبقاء والكمال في السماوات والأرض { وَهُوَ ظ±لْعِزِيزُ ظ±لْحَكِيمُ } أي الغالب الذي لا يغلب، الحكيم في صنعه وفعله وتدبيره.



البَلاَغَة:
تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:


1- التأكيد بأنَّ واللام
{ إِنَّ فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ لآيَاتٍ }
[الجاثية: 3] لأن المخاطبين منكرون لوحدانية الله.

2- صيغة المبالغة
{ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ }
[الجاثية: 7] لأن فعّال وفعيل من صيغ المبالغة.

3- الأسلوب التهكمي
{ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
[الجاثية: 8] لأن البشارة تكون بالخير واستعمالها بالشر تهكمٌ.
4- المجاز المرسل
{ وَمَآ أَنَزَلَ ظ±للَّهُ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ }
[الجاثية: 5] أي مطر، مجاز مرسل علاقته المسببية لأن الرزق لا ينزل من السماء، ولكن ينزل المطر الذي ينشأ عنه النبات والرزق.

5- التشبيه المرسل
{ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا }
[الجاثية: 8] أي كأنه لم يسمع آيات القرآن.

6- المبالغة بذكر المصدر
{ هَـظ°ذَا هُدًى }
[الجاثية: 11] كأن القرآن لوضوح حجته عين الهُدى.

7- الإِطناب بتكرار اللفظ
{ سَخَّرَ لَكُمُ ظ±لْبَحْرَ.. وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ }
[الجاثية:12ـ13] لإِظهار الامتنان.

8- طباق السلب
{ فَظ±تَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ظ±لَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }
[الجاثية: 18].

9- المجاز المرسل { فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ } أي في الجنة لأنها مكان تنزل رحمة الله.

10- الطباق بين
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا }
[الجاثية: 15] وبين { نَمُوتُ وَنَحْيَا } وبين { يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ }.

11- الاستعارة التصريحية { هَـظ°ذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِظ±لْحَقِّ } أي يشهد عليكم، والاستعارة هنا أبلغ من الحقيقة، لأن شهادة الكتاب ببيانه أقوى من شهادة الإِنسان بلسانه.

12- الالتفات { فَظ±لْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة لإِسقاطهم من رتبة الخطاب.

13- الاستعارة التمثيلية { ظ±لْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـظ°ذَا } مثَّل تركهم في العذاب بمن حُبس في مكانٍ ثم نسيه السَّجان من الطعام والشراب حتى هلك بطريق الاستعارة التمثيلية، والمراد من الآية نترككم في العذاب ونعاملكم معاملة الناسي، لأن الله تعالى لا ينسى ولا يعرض عليه النسيان.

خادم المنتدى 2017-08-26 17:28

رد: تفسير سورة الجاثية
 
http://www.karom.net/up/uploads/132550284012.gif


الساعة الآن 21:14

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd