الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير


شجرة الشكر4الشكر
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2017-07-14, 16:07 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي تفسير سورة الأحزاب



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } * { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } * { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } * { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } * { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } * { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً }

اللغَة:
{ أَدْعِيَآءَكُمْ } جمع دعيّ وهو الولد المتبنَّى من أبناء الغير قال في اللسان: والدَّعيُ: المنسوب إلى غير أبيه، قال الشاعر:
دعيُّ القوم ينصرُ مدَّعيهِ
***
لِيُلْحقه بذي النَّسب الصَّميم
أبي الإِسلامُ لا أبَ لي سِواه
***
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم
{ أَقْسَطُ } أعدلُ يقال: أقسطَ الرجلُ إذا عدل، وقسطَ إذا ظلم، والقسطُ: العدلُ. { مَسْطُوراً } أي مسطَّراً مكتوباً لا يُمحى. { مِيثَاقَهُمْ } الميثاقُ: العهد المؤكد بيمين أو نحوه. { ٱلْحَنَاجِرَ } جمع حَنْجرة وهي نهاية الحلقوم مدخل الطعام والشراب. { يَثْرِبَ } اسم المدينة المنورة وسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة. { عَوْرَةٌ } خالية من الرجال غير محصَّنة يقال: دارٌ مُعْورة إذا كان يسهل دخولُها، قال الجوهري: العَوْرة كلُّ خلل يُتخوف منه في ثَغر أو حرب. { أَقْطَارِهَا } جمع قُطْر وهو الناحية والجانب. { يَعْصِمُكُمْ } يمنعكم. { ٱلْمُعَوِّقِينَ } المثبطين مشتق من عاقه إذا صرفه.

سَبَبُ النّزول:
أ - روي أن رجلاً من قريش يُدعى " جميل بن مَعْمر " كان لبيباً حافظاً لما يسمع, فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان في جوفه فأنزل الله { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ.. } الآية.

ب - وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد غزوة تبوك أمر الناس بالتجهز والخروج لها، فقال أناس: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فأنزل الله { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.. } الآية.

التفسِير:
{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } النداء على سبيل التشريف والتكرمة لأن لفظ النبوة مشعر بالتعظيم والتكريم أي اثبتْ على تقوى الله ودُمْ عليها، قال أبو السعود: في ندائه صلى الله عليه وسلم بعنوان النبوة تنويهٌ بشأنه، وتنبيهٌ على سمو مكانه، والمراد بالتقوى المأمور به الثباتُ عليه والازديادُ منه، فإِنَّ له باباً واسعاً ومكاناً عريضاً لا يُنال مداه { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } أي ولا تطع أهل الكفر والنفاق فيما يدعونك إليه من اللين والتساهل، وعدم التعرض لآلهتهم بسوء، ولا تقبل أقوالهم وإِن أظهروا أنها نصيحة، قال المفسرون: دعا المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفض ذكر آلهتهم بسوء، وأن يقول إن لها شفاعة، فكره صلى الله عليه وسلم ذلك ونزلت الآية { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أي إنه تعالى عالم بأعمال العباد وما يضمرونه في نفوسهم، حكيم في تدبير شؤونهم { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ } أي واعمل بما يوحيه إليك ربك من الشرع القويم، والدين الحكيم، واستمسك بالقرآن المنزل عليك { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي خبيرٌ بأعمالكم لا تخفى عليه خافية من شئونكم، وهو مجازيكم عليها { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ } أي اعتمد عليه، والجأ في جميع أمورك إليه { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } أي حسبك أن يكون الله حافظاً وناصراً لك ولأصحابك، ثم ردَّ تعالى مزاعم الجاهليين ببيان الحق الساطع فقال: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } أي ما خلق الله لأحدٍ من الناس أياً كان قلبين في صدره، قال مجاهد: نزلت في رجلٍ من قريش كان يُدعى " ذا القلبين " من دهائه, وكان يقول: إنَّ في جوفي قلبين أعقل بكلِ واحدٍ منهما أفضل من عقل محمد { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } أي وما جعل زوجاتكم اللواتي تظاهرون منهنَّ أمهاتكم، قال ابن الجوزي: أعلمَ تعالى أن الزوجة لا تكونُ أُماً، وكانت الجاهلية تُطلّق بهذا الكلام وهو أن يقول لها: أنتِ عليَّ كظهر أمي { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } أي وما جعل الأبناء من التبني الذين ليسوا من أصلابكم أبناءً لكم حقيقةً { ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } أي دعاؤهم أبناء مجرد قول بالفم لا حقيقة له من الواقع { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ } أي والله تعالى يقول الحقَّ الموافق للواقع، والمطابق له من كل الوجوه { وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } أي يرشد إلى الصراط المستقيم، والغرضُ من الآية التنبيهُ على بطلان مزاعم الجاهلية، فكما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، فكذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المظاهر منها أماً، ولا الولد المتبنَّى ابناً، لأن الأم الحقيقية هي التي ولدته، والابن الحقيقي هو الذي وُلد من صلب الرجل، فكيف يجعلون الزوجات المظاهر منهن أمهات؟ وكيف يجعلون أبناء الآخرين أبناءً لهم مع أنهم ليسوا من أصلابهم؟ ثم أمر تعالى بردّ نسب هؤلاء إلى آبائهم فقال: { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } أي انسبوا هؤلاء الذين جعلتموهم لكم أبناء لآبائهم الأصلاء { هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } أي هو أعدلُ وأقسط في حكم الله وشرعه قال ابن جرير: أي دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله وأصدقُ وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } أي فإِن لم تعرفوا آباءهم الأصلاء فتنسبوهم إليهم فهم إخوانكم في الإِسلام { وَمَوَالِيكُمْ } أي أولياؤكم في الدين، فليقل أحدكم: يا أخي ويا مولاي يقصد أخوَّة الدين وولايته، قال ابن كثير: أمر تعالى بردّ أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عُرفوا، فإِن لم يُعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم، عوضاً عما فاتهم من النسب، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة:
" أنت أخونا ومولانا " وقال ابن عمر: ما كنا ندعو " زيد ابن حارثة " إلا زيد بن محمد حتى نزلت { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي وليس عليكم أيها المؤمنون ذنبٌ أو إثم فيمن نسبتموهم إلى غير آبائهم خطأً { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } أي ولكنَّ الإِثم فيما تقصدتم وتعمدتم نسبته إلى غير أبيه { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي واسع المغفرة عظيم الرحمة, يعفو عن المخطئ ويرحم المؤمن التائب، ثم بيَّن تعالى شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحه لهم فقال: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي هو عليه السلام أرأف بهم وأعطف عليهم، وأحقُّ بهم من أنفسهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ وطاعته أوجب { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي وزوجاتُه الطاهرات أمهات المؤمنين في وجوب تعظيمهن واحترامهن، وتحريم نكاحهنَّ قال أبو السعود: أي منزّلات منزلة الأمهات، في التحريم واستحقاق التعظيم، وأما فيما عدا ذلك فهنَّ كالأجنبيات { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ } أي أهل القرابات { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } أي أحقُّ بالإِرث من المهاجرين والأنصار في شرع الله ودينه { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } أي إلاّ أن تحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين والمهاجرين في حياتكم، أو توصوا إليهم عند الموت فإِن ذلك جائز، وبسط اليد بالمعروف مما حثَّ الله عباده عليه قال المفسرون: وهذا نسخٌ لما كان في صدر الإِسلام من توارث المسلمين من بعضهم بالأخوة الإِيمانية وبالهجرة ونحوها { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } أي كان حكم التوارث بين ذوي الأرحام مكتوباً مسطراً في الكتاب العزيز لا يبدل ولا يُغير، قال قتادة: أي مكتوباً عند الله عز وجل أَلاَّ يرث كافر مسلماً { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ } أي اذكر وقت أخذنا من النبيين عهدهم المؤكد باليمين، أن يفوا بما التزموا، وأن يصدِّق بعضهم بعضاً, وأن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالاتهم { وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } أي وأخذنا منك يا محمد الميثاق ومن نوح وإِبراهيم وموسى وعيسى، وهؤلاء هم أولو العزم ومشاهير الرسل، وإِنما قدَّمه صلى الله عليه وسلم في الذكر لبيان مزيد شرفه وتعظيمه، قال البيضاوي: خصَّهم بالذكر لأنهم مشاهير أرباب الشرائع، وقدَّم نبينا عليه الصلاة والسلام تعظيماً له وتكريماً لشأنه وقال ابن كثير: بدأ بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه، وبياناً لعظم مكانته، ثم رتبهم بحسب وجودهم في الزمان { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } أي وأخذنا من الأنبياء عهداً وثيقاً عظيماً على الوفاء بما التزموا به من تبليغ الرسالة { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } أي ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الصادقين عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، قال الصاوي: والحكمة في سؤال الرسل مع علمه تعالى بصدقهم هو التقبيح على الكفار يوم القيامة وتبكيتهم وقال القرطبي: وفي الآية تنبيه على أن الأنبياء إذا كانوا يُسألون يوم القيامة فكيف بمن سواهم؟ وفائدة سؤالهم توبيخ الكفار كما قال تعالى لعيسى:{*أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ*}
[المائدة: 116] { وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } أي وأعد الله للكافرين عذاباً مؤلماً موجعاً، بسبب كفرهم وإِعراضهم عن قبول الحق، ثم شرع تعالى في ذكر " غزوة الأحزاب " وما فيها من نِعَمٍ فائضة، وآيات باهرة للمؤمنين فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي اذكروا فضله وإِنعامه عليكم { إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ } أي وقت مجيء جنود الأحزاب وتألبهم عليكم، قال أبو السعود: والمراد بالجنود الأحزاب وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة وبني النضير، وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلام بإِقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإِشارة " سلمان الفارسي " ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب معسكره والخندقُ بينه وبين المشركين، واشتد الخوف وظنَّ المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق في المنافقين حتى قال " معتب بن قشير " يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } أي فأرسلنا على الأحزاب ريحاً شديدة وجنوداً من الملائكة لم تروهم وكانوا قرابة ألف قال المفسرون: بعث الله عليهم ريحاً عاصفاً وهي ريح الصبا في ليلة شديدة البرد والظلمة، فقلعت بيوتهم، وكفأت قدورهم، وصارت تلقي الرجل على الأرض، وأرسل الله الملائكة فزلزلتهم ـ ولم تقاتل ـ بل ألقت في قلوبهم الرعب { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } أي وهو تعالى مطلع على ما تعملون من حفر الخندق، والثبات على معاونة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ } أي حين جاءتكم الأحزاب من فوق الوادي يعني من أعلاه قبل المشرق، ومنه جاءت أسد وغطفان { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } أي ومن أسفل الوادي يعني أدناه قِبل المغرب، ومنه جاء قريش وكنانة وأوباش العرب، والغرضُ أن المشركين جاءوهم من جهة المشرق والمغرب، وأحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم، وأعانهم يهود بني قريظة فنقضوا العهد مع الرسول وانضموا إلى المشركين، فاشتد الخوف، وعظُم البلاء ولهذا قال تعالى { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ } أي وحين مالت الأَبصار عن سننها ومستوى نظرها حيرةً وشخوصاً لشدة الهول والرعب { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى كادت تبلغ الحناجر، وهذا تمثيلٌ لشدة الرعب والفزع الذي دهاهم، حتى كأن أحدهم قد وصل قلبه إلى حنجرته من شدة ما يلاقي من الهول { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } أي وكنتم في تلك الحالة الشديدة تظنون الظنون المختلفة، قال الحسن البصري: ظن المنافقون أن المسلمين يُستأصلون، وظنَّ المؤمنون أنهم يُنصرون، فالمؤمنون ظنوا خيراً، والمنافقون ظنوا شراً، وقال ابن عطية: كاد المؤمنون يضطربون ويقولون: ما هذا الخُلف للوعد؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين لا يمكن للبشر دفعها، وأما المنافقون فتعجلوا ونطقوا وقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي في ذلك الزمان والمكان امتحن المؤمنون واختبروا، ليتميز المخلص الصادق من المنافق قال القرطبي: وكان هذا الابتلاءُ بالخوف والقتال، والجوع والحصر والنزال { وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } أي وحرّكوا تحريكاً عنيفاً من شدة ما دهاهم، حتى لكأن الأرض تتزلزل بهم وتضطرب تحت أقدامهم، قال ابن جزي: وأصل الزلزلة شدةُ التحريك وهو هنا عبارة عن اضطراب القلوب وتزعزعها { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي واذكر حين يقول المنافقون، والذين في قلوبهم مرض النفاق، لأن الإِيمان لم يخالط قلوبهم { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } أي وما وعدنا الله ورسوله إلا باطلاً وخداعاً، قال الصاوي: والقائل هو " معتب بن قشير " الذي قال: يعدنا محمدٌ بفتح فارس والروم، وأحدُنا لا يقدر أن يتبرز فرقاً، ما هذا إلا وعد غرور، يغرنا به محمد { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } أي واذكر حين قالت جماعة من المنافقين وهم: أوس بن قيظي وأتباعه، وأُبيُّ بن سلول وأشياعه { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي يا أهل المدينة لا قرار لكم هٰهنا ولا إقامة { فَٱرْجِعُواْ } أي فارجعوا إلى منازلكم واتركوا محمداً وأصحابه { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ } ويستأذن جماعة من المنافقين النبي صلى الله عليه وسلم في الإِنصراف متعللين بعلل واهية { يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أي غير حصينة فنخاف عليها العدوَّ والسُّراق { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } تكذيب من الله تعالى لهم أي ليس الأمر كما يزعمون { إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } أي ما يريدون بما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الهرب من القتال، والفرار من الجهاد، والتعبيرُ بالمضارع { وَيَسْتَأْذِنُ } لاستحضار الصورة في النفس، فكأن السامع يبصرهم الآن وهم يستأذنون، ثم فضحهم تعالى وبيَّن كذبهم ونفاقهم فقال: { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا } أي ولو دخل الأعداء على هؤلاء المنافقين من جميع نواحي المدينة وجوانبها { ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا } أي ثم طلب إليهم أن يكفروا وأن يقاتلوا المسلمين لأعطوها من أنفسهم { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } أي لفعلوا ذلك مسرعين، ولم يتأخروا عنه لشدة فسادهم، وذهاب الحق من نفوسهم، فهم لا يحافظون على الإِيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع، وهذا ذمٌ لهم في غاية الذم { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } أي ولقد كان هؤلاء المنافقون أعطوا ربهم العهود والمواثيق من قبل غزوة الخندق وبعد بدر ألا يفروا من القتال { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } أي وكان هذا العهد منهم جديراً بالوفاء لأنهم سيسألون عنه، وفيه تهديدٌ ووعيد، قال قتادة: لما غاب المنافقون عن بدر، ورأوا ما أعطى الله أهل بدرٍ من الكرامة والنصر، قالوا لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ } أي قل يا أيها النبي لهؤلاء المنافقين، الذين يفرون من القتال طمعاً في البقاء وحرصاً على الحياة، إن فراركم لن يطوّل أعماركم ولن يؤخر آجالكم، ولن يدفع الموت عنكم أبداً { وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي ولئن هربتم وفررتم فإِذاً لا تمتعون بعده إلا زمناً يسيراً، لأن الموت مآل كل حي، ومن لم يمت بالسيفِ مات بغيره { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } أي من يستطيع أن يمنعكم منه تعالى { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } أي إن قدَّر هلاككم ودماركم، أو قدَّر بقاءكم ونصركم؟ { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي وليس لهم من دون الله مجير ولا مغيث، فلا قريب ينفعهم ولا ناصر ينصرهم { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } أي لقد علم الله تعالى ما كان من أمر أولئك المنافقين، المثبطين للعزائم، الذين يعّوقون الناس عن الجهاد، ويصدونهم عن القتال { وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي والذين يقولون لإِخوانهم في الكفر والنفاق: تعالوا إلينا واتركوا محمداً وصحبه يهلكوا ولا تقاتلوا معهم، قال تعالى: { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي ولا يحضرون القتال إلا قليلاً منهم رياءً وسمعة، قال الصاوي: لأن شأن من يثبّط غيره عن الحرب ألاّ يفعله إلا قليلاً لغرضٍ خبيث وقال في البحر: المعنى: لا يأتون القتال إلا إتياناً قليلاً، يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم، ولا تراهم يقاتلون إلا شيئاً قليلاً إذا اضطروا إليه، فقتالُهم رياء ليس بحقيقة { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } أي بخلاء عليكم بالمودة والشفقة والنصح لأنهم لا يريدون لكم الخير { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } أي فإِذا حضر القتال رأيت أولئك المنافقين في شدة رعب لا مثيل لها، حتى إنهم لتدور أعينهم في أحداقهم كحال المغشي عليه من معالجة سكرات الموت حَذراً وخَوراً، قال القرطبي: وصفهم بالجبن، وكذا سبيل الجبان ينظر يميناً وشمالاً محدّداً بصره، وربما غُشي عليه من شدة الخوف { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } أي فإِذا ذهب الخوف عنهم وانجلت المعركة آذوكم بالكلام بألسنة سليطة، وبالغوا فيكم طعناً وذماً، قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة بسطوا ألسنتهم فيكم يقولون: أعطونا أعطونا فإِنا قد شهدنا معكم، ولستم أحقَّ بها منا، فأما عند البأس فأجبن قومٍ وأخذلهم للحق، وأمّا عند الغنيمة فأشح قوم وأبسطهم لساناً { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ } أي خاطبوكم بما خاطبوكم به حال كونهم أشحة أي بخلاء على المال والغنيمة { أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر من صفات السوء، لم يؤمنوا حقيقةً بقلوبهم وإِن أسلموا ظاهراً { فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } أي أبطلها بسبب كفرهم ونفاقهم، لأن الإِيمان شرط في قبول الأعمال { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } أي وكان ذلك الإِحباط سهلاً هيناً على الله، ثم أخبر تعالى عنهم بما يدل على جبنهم فقال: { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } أي يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم أن الأحزاب ـ وهم كفار قريش ومن تحزب معهم ـ بعد انهزامهم لم ينصرفوا عن المدينة وهم قد انصرفوا { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ } أي وإِن يرجع إليهم الكفار كرة ثانية للقتال يتمنوا لشدة جزعهم أن يكونوا في البادية من الأعراب ـ لا في المدينة معكم ـ حذراً من القتل وتربصاً للدوائر { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ } أي يسألون عن أخباركم وما وقع لكم فيقولون: أهلك المؤمنون؟ أغلب أبو سفيان؟ ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة { وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي ولو أنهم كانوا بينكم وقت القتال واحتدام المعركة ما قاتلوا معكم إلا قتالاً قليلاً، لجبنهم وذلتهم وحرصهم على الحياة.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- التنكير لإِفادة الاستغراق والشمول { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ } وإِدخال حرف الجر الزائد لتأكيد الاستغراق، وذكر الجوف { فِي جَوْفِهِ } لزيادة التصوير في الإِنكار.

2- جناس الاشتقاق { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }.

3- الطباق بين { أَخْطَأْتُمْ..و.. تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } وبين { سُوۤء..و.. رَحْمَةً } لأن المراد بالسوء الشر، وبالرحمة الخير.

4- التشبيه البليغ { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } حُذف منه وجه الشبه وأداة التشبيه فصار بليغاً، وأصل الكلام وأزواجه مثل أمهاتهم في وجوب الاحترام والتعظيم، والإِجلال والتكريم.

5- المجاز بالحذف { أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } أي أولى بميراث بعض.

6- ذكر الخاص بعد العام للتشريف { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } فقد دخل هؤلاء المذكورون في جملة النبيين ولكنه خصهم بالذكر تنويهاً بشأنهم وتشريفاً لهم.

7- الاستعارة { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } استعار الشيء الحسي ـ وهو الغلظُ الخاص بالأجسام ـ للشيء المعنوي وهو بيان حرمة الميثاق وعظمه وثقل حمله.

8- الالتفات { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ } وغرضه التبكيت والتقبيح للمشركين.

9- الطباق بين { مِّن فَوْقِكُمْ..و.. أَسْفَلَ مِنكُمْ }.

10- التشبيه التمثيلي { تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } لأن وجه الشبه منتزع من متعدد.

11- المبالغة في التمثيل { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } صوَّر القلوب في خفقانها واضطرابها كأنها وصلت إلى الحلقوم.

12- الكناية { لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } كناية عن الفرار من الزحف.

13- الاستعارة المكنية { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } شبَّه اللسان بالسيف المصلت وحذف ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو السلق بمعنى الضرب على طريق الاستعارة المكنية، ولفظ { حِدَادٍ } ترشيح.

14- توافق الفواصل في الحرف الأخير مثل { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً.. مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } ونحوه وهو يزيد في رونق الكلام وجماله، لما له من وقع رائع، وجرْس عذب.

تنبيه:
خاطب الله تعالى الأنبياء بأسمائهم فقال
{*يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا*}
[هود: 48]،
{*يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ*}
[الصافات: 104ـ105]،
{*يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي*}
[الأعراف: 144] ولم يخاطب الرسول إلا بلفظ النبوة والرسالة

{*يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ*}
[الأنفال: 64]،
{*يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ*}
[المائدة: 67] الخ ولا نجد في القرآن العظيم كله نداءً له باسمه، وإِنما النداء بلفظ النبوة والرسالة، وفي هذا تفخيم لشأنه، وتعظيم لمقامه، وإشارة إلى أنه سيد الأولين والآخرين، وإِمام الأنبياء والمرسلين، وتعليم لنا الأدب معه صلى الله عليه وسلم، فلا نذكره إلا مع الإِجلال والإِكرام، ولا نصفه إلا بالوصف الأكمل
{*لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً*}
[النور: 63]،
{*إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ*}
[الحجرات: 3] الآية.

لطيفَة:
إن قيل: ما الفائدة بأمر اللهِ رسوله بالتقوى وهو سيد المتقين؟ فالجواب أنه أمرٌ بالثبات والاستدامة على التقوى كقوله
{*يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ*}
[النساء: 136] أي اثبتوا على الإِيمان وكقول المسلم:
{*ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ*}
[الفاتحة: 6] وهو مهتد إليه وغرضه ثبتنا على الصراط المستقيم، أو نقول: الخطاب للرسول والمراد أمته.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=944381
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-07-15, 16:02 رقم المشاركة : 2
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الأحزاب


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } * { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } * { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى غزوة الأحزاب، وموقف المنافقين المذبذبين منها، بالقعود عن الجهاد، وتثبيط العزائم، أمر المؤمنين في هذه الآيات بالاقتداء بالرسول الكريم في صبره وثباته، وتضحيته وجهاده، ثم جاء الحديث عن زوجات رسول الله الطاهرات، وأمرهنَّ بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في زهده، وعدم التطلع إلى زهرة الدنيا لأنهن قدوة لسائر نساء المؤمنين.

اللغَة:
{ أُسْوَةٌ } الأسوة: القُدوة وفيها لغتان كسر الهمزة وضمها يقال: ائتسى فلان بفلان أي اقتدى به. { نَحْبَهُ } النَّحب: النذرُ والعهد يقال: نَحَبَ ينحب من باب قَتل نذر، ومن باب ضرب بكى، قال لبيد:
ألا تسْألانِ المرءَ ماذا يُحاول
***
أنحْبٌ فيُقضى أم ضلال وباطل
ويقال: قضى نحبه إذا مات، وعبَّر به عن الموت لأن كل حي لا بدَّ أن يموت، فكأنه نذر لازم في رقبته فإِذا مات فقد قضى نحبه أي نذره. { صَيَاصِيهِمْ } حصونهم جمع صيصية وهو ما يتحصن به، قال الشاعر:
فأصبحت الثيرانُ صَرْعى
***
وأصبحت نساءُ تميم يبْتدرنَ الصَّياصيا
{ أُمَتِّعْكُنَّ } متعة الطلاق، وأصل المتاع ما يُتبلَّغ به من الزاد، ومنه متعة المطلقة لأنها تنتفع وتتمتع به. { وَأُسَرِّحْكُنَّ } أطلقكنَّ، وأصل التسريح في اللغة: الإِرسال والإِطلاق. { تَبَرَّجْنَ } تبرجت المرأة: أظهرت زينتها ومحاسنها للأجانب، وأصله من الظهور ومنه سمي البرج لسعته وظهوره. { وَقَرْنَ } إلزمن بيوتكن من قولهم: قررتُ بالمكان أقرُّ به إذا بقيت فيه ولزمته، والقرار: مصدر، وأصل " قرنْ " اقررن حذفت الراء وألقيت فتحتها على ما قبلها، واستغني عن ألف الوصل لتحرك القاف. { ٱلرِّجْسَ } في اللغة: القذر والنجاسة، وعُبّر به هنا عن الآثام لأن عرض المقترف للقبائح يتلوث بها ويتدنس، كما يتلوث بدنه بالنجاسات.

سَبَبُ النّزول:
أ - أخرج ابن جرير الطبري عن أنس بن مالك قال: غاب عمي " أنس بن النضر " عن قتال يوم بدر، فقال: غبتُ عن أول قتالٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لئن أشهدني الله قتالاً ليرينَّ الله ما أصنع؟ فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون ـ انهزموا ـ فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء ـ يعني المشركين ـ وأعتذر إليك ممَّا صنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم مشى بسيفه فلقيه " سعد بن معاذ " فقال: أي سعد والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد! ثم قاتل حتى قتل، فقال سعد يا رسول الله: ما استطعت أن أصنع ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدناه بين القتلى وبه بضع وثمانون جراحة بين ضربةٍ بسيف، أو طعنةٍ برمح، أو رمية بسهم، فما عرفناه حتى جاءت أخته فعرفته ببنانه - رءوس الأصابع ـ قال أنس: فكنا نتحدث أن هذه الآية { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ.
. } نزلت فيه وفي أصحابه.

ب - وروى الإِمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: " أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ والناسُ ببابه جلوس - فلم يُؤذن له، ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فلم يُؤذن له، ثم أُذن لأبي بكرٍ وعمر فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالسٌ وحوله نساؤه وهو ساكت، فقال عمر: لأكلمنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك! فقال يا رسول الله: لو رأيت ابنة زيد ـ امرأة عمر ـ سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدتْ نواجذه، وقال: " هُنَّ حولي يسألنني النفقة "! فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصه كلاهما يقولان: تسألانِ رسول الله ما ليس عنده؟ فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: واللهِ لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده، وأنزل الله آية الخيار { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال لها: إني أذكر لكِ أمراً ما أحبُّ أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية فقالت: أفيك أستأمرُ أبوي؟ بل أختار اللهَ ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألاّ تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت، فقال: إن الله لم يبعثني معنفاً ولكن بعثني معلماً وميسراً، لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها ".

ج ـ عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا نبيَّ الله: ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، والنساء لا يُذكرن!؟ فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ.. } الآية.

التفسِير:
{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي لقد كان لكم أيها المؤمنون في هذا الرسول العظيم قدوةٌ حسنة، تقتدون به صلى الله عليه وسلم في إخلاصه، وجهاده، وصبره، فهو المثل الأعلى الذي يجب أن يُقتدى به، في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، لأنه لا ينطق ولا يفعل عن هوى، بل عن وحيٍ وتنزيل، فلذلك وجب عليكم تتبع نهجه، وسلوك طريقه { لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } أي لمن كان مؤمناً مخلصاً يرجو ثواب الله، ويخاف عقابه { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } أي وأكثر من ذكر ربه، بلسانه وقلبه قال ابن كثير: أمر تبارك وتعالى الناسَ بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في صبره ومصابرته، ومجاهدته ومرابطته، ولهذا قال للذين تضجروا وتزلزلوا، واضطربوا يوم الأحزاب { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } والمعنى: هلاّ اقتديتم به وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم!! ثم حكى تعالى موقف المؤمنين الصادقين في غزوة الأحزاب أثناء رؤيتهم جنود قريش ومن تحزَّب معهم، وما صدر عن المؤمنين من إخلاصٍ ويقين، تُظهر بوضوح روح الإِيمان والتضحية فقال { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي ولمَّا رأى المؤمنون الكفار قادمين نحوهم، وقد أحاطوا بهم من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم، قالوا: هذا ما وعدنا به الله ورسولُه، من المحنة والابتلاء، ثم النصر على الأعداء { وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي صدق الله في وعده، ورسولُه فيما بشرنا به، قال المفسرون:
" لما كان المسلمون يحفرون الخندق اعترضتهم صخرة عظيمة عجزوا عن تكسيرها، فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بها فجاء وأخذ المعول وضربها ثلاث ضربات أضاءت له منها مدائن كسرى، وقصور الروم، فقال: أبشروا بالنصر " ، فلما أقبلت جموع المشركين ورأوهم قالوا: { هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } أي وما زادهم ما رأوه من كثرة جند الأحزاب، ومن شدة الضيق والحصار، إلا إيماناً قوياً عميقاً بالله، واستسلاماً وانقياداً لأوامره { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } أي ولقد كان من أولئك المؤمنين رجالٌ صاقدون، نذروا أنهم إذا أدركوا حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } أي فمنهم من وفّى بنذره وعهده حتى استشهد في سبيل الله كأنس بن النضر وحمزة { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } أي ومنهم من ينتظر الشهادة في سبيل الله { وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } أي وما غيَّروا عهدهم الذي عاهدوا عليه ربهم أبداً { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } أي ليجزي الله الصادقين بسبب صدقهم وحسن صنيعهم أحسن الجزاء في الآخرة { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } أي ويعذّب المنافقين الناقضين للعهود بأن يُميتهم على النفاق فيعذبهم، أو يتوب عليهم فيرحمهم { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } أي واسع المغفرة رحيماً بالعباد، قال ابن كثير: ولما كانت رحمته ورأفته تبارك وتعالى هي الغالبة لغضبه ختم بها الآية الكريمة { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ } أي وردَّ الله الأحزاب الذين تألبوا على غزو المدينة خائبين خاسرين، مغيظين محنقين، لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } أي حال كونهم لم ينالوا أيَّ خير لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل قد اكتسبوا الآثام في مبارزة الرسول عليه السلام وهمّهم بقتله { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } أي كفاهم شرَّ أعدائهم بأن أرسل عليهم الريح والملائكة حتى ولّوا الأدبار منهزمين { وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } أي قادراً على الانتقام من أعدائه، عزيزاً غالباً لا يُقهر، ولهذا كان عليه السلام يقول: " لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده "
{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ } أي وأنزل اليهود ـ وهم بنو قريظة ـ الذين أعانوا المشركين ونقضوا عهدهم وانقلبوا على النبي وأصحابه، أنزلهم من حصونهم وقلاعهم التي كانوا يتحصنون فيها { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } أي ألقى الله في قلوبهم الخوف الشديد حتى فتحوا الحصون واستسلموا قال ابن جزي: نزلت الآية في يهود " بني قريظة " وذلك أنهم كانوا معاهدين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضوا عهده وصاروا مع قريش، فلما انهزم المشركون وانصرفت قريش عن المدينة حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة حتى نزلوا على حكم " سعد بن معاذ " فحكم بأن يُقتل رجالهم، ويُسبى نساءهم وذريتهم فذلك قوله تعالى: { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } يعني الرجال وقتل منهم يومئذٍ ما بين الثمانمائة والتسعمائة { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } يعني النساء والذرية { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } أي وأورثكم يا معشر المؤمنين أرض بني قريظة وعقارهم وخيلهم ومنازلهم وأموالهم التي تركوها { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } أي وأرضاً أخرى لم تطؤوها بعدُ بأقدامكم، وهي خيبر لأنها أخذت بعد قريظة، وكل أرض فتحها المسلمون بعد ذلك { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } أي قادراً على كل ما أراد، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، قال أبو حيان: ختم تعالى هذه الآية ببيان قدرته على كل شيء، وكأن في ذلك إشارة إلى فتحه على المسلمين الفتوح الكثيرة، فكما ملَّكهم هذه الأراضي فكذلك هو قادر على أن يملّكهم غيرها من البلاد { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ } أي قل لزوجاتك اللاتي تأذيتَ منهن بسبب سؤالهن إياك الزيادة في النفقة { إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } أي إن رغبتُنَّ في سعة الدنيا ونعيمها، وبهرجها الزائل { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ } أي فتعالينَ حتى أدفع لكنَّ متعة الطلاق { وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } أي وأطلقكُنَّ طلاقاً من غير ضرار { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } أي وإِن كنتُنَّ ترغبن في رضوان الله ورسوله، والفوز بالنعيم الوافر في الدار الآخرة { فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } جواب الشرط أي فإِن الله تعالى قد هيأ للمحسنات منكنَّ بمقابلة إحسانهن ثواباً كبيراً لا يوصف، وهو الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال في البحر: لما نصر الله نبيه، وفرَّق عنه الأحزاب، وفتح عليه قريظة والنظير، ظنَّ أزواجه أنه اختصَّ بنفائس اليهود وذخائرهم، فقعدن حوله وقلن يا رسول الله: بناتُ كسرى وقيصر في الحُليّ والحُلَل، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق!! وآلمن قلبه بمطالبتهن له بتوسعة الحال، وأن يعاملهنَّ بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم، فأمره الله أن يتلو عليهن ما نزل في أمرهنَّ، وأزواجه إذ ذاك تسع زوجات { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي من تفعل منكن كبيرةً من الكبائر، أو ذنباً تجاوز الحدَّ في القبح، قال ابن عباس: يعني النشوز وسوء الخلق { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } أي يكون جزاؤها ضعف جزاء غيرها من النساء، لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } أي كان ذلك العقاب سهلاً يسيراً على الله، لا يمنعه منه كونهنَّ أزواج ونساء النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الآية تلوينٌ للخطاب، فبعد أن كانت المخاطبة لهن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَّه الخطاب إليهنَّ هنا مباشرةً لإِظهار الاعتناء بأمرهن ونصحهن، قال الصَّاوي: وهذه الآيات خطاب من الله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم إظهاراً لفضلهن، وعظم قدرهن عند الله تعالى، لأن العتاب والتشديد في الخطاب مشعر برفعة رتبتهن، لشدة قربهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنهن أزواجه في الجنة، فبقدر القرب من رسول الله يكون القرب من الله { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ } أي ومن تواظب منكنَّ على طاعة الله وطاعة رسوله { وَتَعْمَلْ صَالِحاً } أي وتتقرب إلى الله بفعل الخير وعمل الصالحات { نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } أي نعطها الثواب مضاعفاً ونثيبها مرتين: مرة على الطاعة والتقوى، وأخرى على طلبهنَّ رضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقناعة وحسن المعاشرة { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } أي وهيأنا لها في الجنة ـ زيادة على ما لها من أجر ـ رزقاً حسناً مرضياً لا ينقطع، ثم أظهر فضيلتهنَّ على النساء فقال: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } أي أنتن تختلفن عن سائر النساء من جهة أنكنَّ أفضل وأشرف من غيركن، لكونكن زوجات خاتم الرسل، وأفضل الخلق محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، فليست الواحدة منكنَّ كالواحدة من آحاد النساء { إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } شرطٌ حذف جوابه لدلالة ما قبله أي إن اتقيتنَّ اللهَ فأنتُنَّ بأعلى المراتب قال القرطبي: بيَّن تعالى أن الفضيلة إنما تتم لهن بشرط التقوى، لما منحهنَّ الله من صحبة رسوله سيد الأولين والآخرين، وقال ابن عباس: يريد في هذه الآية: ليس قدركنَّ عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتُنَّ أكرمُ عليَّ وثوابكنَّ أعظم إن اتقيتُن، فشرط عليهن التقوى بياناً أن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهن برسول الله صلى الله عليه وسلم { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } أي فلا ترققن الكلام عند مخاطبة الرجال { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي فيطمع مَن كان في قلبه فجور وريبة، وحبٌ لمحادثة النساء { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أي وقلن قولاً حسناً عفيفاً لا ريبة فيه، ولا لين ولا تكسر عند مخاطبتكنَّ للرجال قال ابن كثير: ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلامٍ ليس فيه ترخيم، ولا تخاطب الأجنبيَّ كما تخاطب زوجها { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } أي الزَمْنَ بيوتكنَّ ولا تخرجن لغير حاجة، ولا تفعلن كما تفعل الغافلات، المتسكعات في الطرقات لغير ضرورة { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } أي لا تظهرن زينتكن ومحاسنكنَّ للأجانب مثل ما كان نساء الجاهلية يفعلن، حيث كانت تخرج المرأة إلى الأسواق مظهرةً لمحاسنها، كاشفة ما لا يليق كشفه من بدنها قال قتادة: كانت لهن مشية فيها تكسُّرٌ وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ } أي حافظن على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، قال ابن كثير: نهاهنَّ أولاً عن الشر، ثم أمرهن بالخير، من إقامة الصلاة وهي عبادة الله وحده، وإيتاء الزكاة وهي الإِحسان إلى المخلوقين { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي أطعن الله ورسوله في جميع الأوامر والنواهي لتنلن مرتبة المتقيات { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ } أي إنما يريد الله أن يخلصكنَّ من دنس المعاصي، ويطهركنَّ من الآثام، التي يتدنس بها عرض الإِنسان كما يتلوث بدنه بالنجاسات { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } أي يا أهل بيت النبوة { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } أي ويطهركم من أوضار الذنوب والمعاصي تطهيراً بليغاً { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ } أي وأقرأن آيات القرآن، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإِن فيهما الفلاح والنجاح، قال الزمخشري: ذكّرهن أن بيوتهن مهابط الوحي، وأمرهنَّ ألا ينسين ما يُتلى فيها من الكتاب الجامع بين أمرين: آيات بينات تدل على صدق النبوة، وحكمة وعلوم وشرائع سماوية { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } أي عالماً بما يصلح لأمر العباد، خبيراً بمصالحهم ولذلك شرع للناس ما يُسعدهم في دنياهم وآخرتهم، ثم أخبر تعالى أن المرأة والرجل في الجزاء والثواب سواء فقال: { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } هم المتمسكون بأوامر الإِسلام المتخلقون بأخلاقه رجالاً ونساءً { وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي المصدِّقين بالله وآياته، وما أُنزل على رسله وأنبيائه { وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ } أي العابدين الطائعين، المداومين على الطاعة { وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ } أي الصادقين في إيمانهم، ونياتهم، وأقوالهم، وأعمالهم { وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ } أي الصابرين على الطاعات وعن الشهوات في المكره والمنشط { وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ } أي الخاضعين الخائفين من الله جل وعلا، المتواضعين له بقلوبهم وجوارحهم { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ } أي المتصدقين بأموالهم على الفقراء، بالإِحسان وأداء الزكوات { وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ } أي الصائمين لوجه الله شهر رمضان وغيره من الأيام، فالصوم زكاة البدن يزكيه ويطهّره { وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ } أي عن المحارم والآثام، وعما لا يحل من الزنى وكشف العورات { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } أي المديمين ذكر الله بألسنتهم وقلوبهم في كل الأوقات والأمكنة { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } أي أعدَّ لهؤلاء المتقين الأبرار، المتصفين بالصفات الجليلة أعظم الأجر والثواب وهو الجنة، مع تكفير الذنوب بسبب ما فعلوه من الأعمال الحسنة.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الإِطناب بتكرار الاسم الظاهر { هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } كرر الإِسم الكريم للتشريف والتعظيم.

2- الاستعارة { قَضَىٰ نَحْبَهُ } النحبُ، النذر، واستعير للموت لأنه نهاية كل حي، فكأنه نذر لازم في رقبة الإِنسان.

3- الجملة الاعتراضية { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ ـ إِن شَآءَ ـ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } للتنبيه على أن أمر العذاب أو الرحمة موكول لمشيئته تعالى.

4- المقابلة بين { إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } وبين { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ }.

5- التشبيه البليغ { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } أي كتبرج أهل الجاهلية حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فصار بليغاً.

6- عطف العام على الخاص { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بعد قوله: { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ } فإِن إطاعة الله ورسوله تشمل كل ما تقدم من الأوامر والنواهي.

7- الاستعارة { يُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ.. وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } استعار الرجس للذنوب، والطهر للتقوى لأن عرض المرتكب للمعاصي يتندس، وأما الطاعة فالعرض معها نقي مصون كالثوب الطاهر.

8- الإِيجاز بالحذف { وَٱلْحَافِـظَاتِ } حذف المفعول لدلالة السابق عليه أي والحافظات فروجهن.

9- التغليب { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم } غلَّب الذكور وجمع الإِناث معهم ثم أدرجهم في الضمير.

10- توافق الفواصل مثل { يَسِيراً، قَدِيراً، كَثِيراً } وهو من المحسنات البديعية.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-07-20, 15:55 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الأحزاب


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ظ±للَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ظ±لْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ظ±للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } * { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيغ¤ أَنعَمَ ظ±للَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَظ±تَّقِ ظ±للَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ظ±للَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ظ±لنَّاسَ وَظ±للَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىظ° زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ظ±لْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيغ¤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ظ±للَّهِ مَفْعُولاً } * { مَّا كَانَ عَلَى ظ±لنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ظ±للَّهُ لَهُ سُنَّةَ ظ±للَّهِ فِي ظ±لَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ظ±للَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } * { ظ±لَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ظ±للَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ظ±للَّهَ وَكَفَىظ° بِظ±للَّهِ حَسِيباً } * { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـظ°كِن رَّسُولَ ظ±للَّهِ وَخَاتَمَ ظ±لنَّبِيِّينَ وَكَانَ ظ±للَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ ظ±ذْكُرُواْ ظ±للَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } * { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { هُوَ ظ±لَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ظ±لظُّلُمَاتِ إِلَى ظ±لنُّورِ وَكَانَ بِظ±لْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } * { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَظ°كَ شَظ°هِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَدَاعِياً إِلَى ظ±للَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } * { وَبَشِّرِ ظ±لْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ظ±للَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } * { وَلاَ تُطِعِ ظ±لْكَافِرِينَ وَظ±لْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ظ±للَّهِ وَكَفَىظ° بِظ±للَّهِ وَكِـيلاً } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِذَا نَكَحْتُمُ ظ±لْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ظ±للاَّتِيغ¤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ظ±للَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ظ±للاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَظ±مْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ظ±لنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ظ±لْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيغ¤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيغ¤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ظ±بْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىظ° أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَظ±للَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ظ±للَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } * { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ظ±لنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ظ±للَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }


المنَاسَبَة:

لما ذكر تعالى صفات المؤمنين وما نالوه من الدرجات الرفيعة، أعقبها ببيان أن طاعة الرسول من طاعة الله، وأمر الرسول من أمر الله، ثم ذكّرهم تعالى بالنعمة العظمى وهي بعثة السراج المنير، المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.

اللغَة:
{ ظ±لْخِيَرَةُ } مصدر بمعنى الاختيار من تخيَّر على غير قياس مثل الطيرة من تطيَّر { مُبْدِيهِ } أبدى الشيء: أظهره { وَطَراً } الوطر: الحاجة التي هي في النفس قال الزجاج: الوطر الحاجةُ التي لك فيها هِمَّة فإِذا بلغها الإِنسان يقال: قضى وطره، وقال المبرّد: الوطرُ: الشهوةُ يقال: ما قضيتُ من لقائك وَطَراً أي ما استمتعتُ بك كما تشتهي نفسي وأنشد:
وكيفَ ثَوابي بالمدينةِ بعدما
***
قَضَى وطراً منها جميل بن معمر
{ حَرَجٍ } ضيق وإِثم { خَلَوْاْ } مضو وذهبوا { قَدَراً مَّقْدُوراً } قضاءً مقضياً في الأزل { بُكْرَةً } البُكرة: هي أول النهار { أَصِيلاً } الأصيل: آخر النهار { تُرْجِي } تؤخر يقال أرجيتُ الأمر وأرجأته إذا أخرته { تُؤْوِيغ¤ } تضم ومنه
{*آوَىغ¤ إِلَيْهِ أَخَاهُ*}
[يوسف: 69].

سَبَبُ النّزول:
عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لمولاه " زيد بن حارثة " فاستنكفت منه وكرهت وأبت فنزلت الآية { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ظ±للَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ظ±لْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.. } الآية فأذعنت زينب حينئذٍ وتزوجته.. وفي رواية فامتنعت وامتنع أخوها عبد الله لنسبها من قريش فلما نزلت الآية جاء أخوها فقال يا رسول الله مرني بما شئت قال: فزوِّجها من زيد، فرضي وزوَّجها.

التفسِير:

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } أي لا ينبغي ولا يصح ولا يليق بأي واحدٍ من المؤمنين والمؤمنات { إِذَا قَضَى ظ±للَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً } أي إذا أمر الله عز وجل وأمر رسوله بشيءٍ من الأشياء قال الصاوي: ذكرُ اسم الله للتعظيم وللإِشارة إلى أن قضاء رسول الله هو قضاء الله لكونه لا ينطق عن الهوى { أَن يَكُونَ لَهُمُ ظ±لْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } أي أن يكون لهم رأيٌ أو اختيار، بل عليهم الانقياد والتسليم، قال ابن كثير: وهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسولُه بشيءٍ فليس لأحدٍ مخالفته، ولا اختيار لأحدٍ ولا رأي ولا قول، ولهذا شدَّد النكير فقال: { وَمَن يَعْصِ ظ±للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } أي ومن يخالف أمر الله وأمر رسوله فقد حاد عن الطريق السوي، وأخطأ طريق الصواب، وضلَّ ضلالاً بيّناً واضحاً { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيغ¤ أَنعَمَ ظ±للَّهُ عَلَيْهِ } أي اذكر أيها الرسول وقت قولك للذي أنعم الله عليه بالهداية للإِسلام { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالتحرير من العبودية والإِعتاق، قال المفسرون: هو " زيد بن حارثة " كان من سبي الجاهلية اشترته " خديجة " ووهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان مملوكاً عنده ثم أعتقه وتبنَّاه، وزوَّجه ابنة عمته " زينب بنت جحش " رضي الله عنها { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَظ±تَّقِ ظ±للَّهَ } أي أمسكْ زوجتك زينب في عصمتك ولا تطلّقها، واتّقِ الله في أمرها { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ظ±للَّهُ مُبْدِيهِ } أي وتضمر يا محمد في نفسك ما سيظهره الله وهو إرادة الزواج بها قال في التسهيل: الذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر جائز مباح لا إثم فيه ولا عتب، ولكنه خاف أن يقول الناس تزوج امرأة ابنه إذ كان قد تبناه، فأخفاه حياءً وحشمة وصيانة لعرضه من ألسنتهم، فالذي أخفاه صلى الله عليه وسلم هو إرادة تزوجها ليبطل حكم التبني فأبدى الله ذلك بأن قضى له بتزوجها { وَتَخْشَى ظ±لنَّاسَ وَظ±للَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } أي تهاب أن يقول الناسُ تزوج محمد حليلة ابنه، واللهُ أحقُّ أن تخشاه وحده، وأن تجهر بما أوحاه إليك من أنك ستتزوج بها بعد أن يطلقها زيدٌ، قال ابن عباس: خشي أن يقول المنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه { فَلَمَّا قَضَىظ° زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } أي فلما قضى زيدٌ حاجته من نكاحها وطلَّقها زوجناك إياها يا محمد، وهذا نصٌ قاطع صريح على أن الذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو إرادة الزواج بها بعد تطليق زيدٍ لها تنفيذاً لأمر الوحي، لا حبُّه لها كما زعم الأفَّاكون، ومعنى { زَوَّجْنَاكَهَا } جعلناها زوجةً لك، قال المفسرون: إنَّ الذي تولَّى تزويجها هو الله جل وعلا، فلما انقضت عدتها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا إذنٍ ولا عقدٍ ولا مهرٍ ولا شهود، وكان ذلك خصوصية للرسول صلى لله عليه وسلم روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
" كانت زينبُ تفخَر على أزواج النبي صلى لله عليه وسلم وتقول: زوَّجكُنَّ أهاليكُنَّ، وزوَّجني ربي من فوقِ سبع سموات " ثم ذكر تعالى الحكمة من هذا الزواج فقال: { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ظ±لْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيغ¤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } أي لئلا يكون في تشريع الله على المؤمنين ضيق ومشقة وتأثم في حق تزوج مطلقات الأبناء من التبني، إذا لم يبق لأزواجهن حاجة فيهن، قال ابن الجوزي: المعنى زوجناك زينب ـ وهي امرأة زيد الذي تبنَّيته ـ لكيلا يُظنَّ أن امرأة المتبنَّى لا يحل نكاحها { وَكَانَ أَمْرُ ظ±للَّهِ مَفْعُولاً } أي وكان أمر الله لك، ووحيه إليك بتزوج زينب مقدَّراً محتماً كائناً لا محالة، ولما نفى الحرج عن المؤمنين، نفى الحرج عن سيد المرسلين بخصوصه على سبيل التكريم والتشريف فقال: { مَّا كَانَ عَلَى ظ±لنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ظ±للَّهُ لَهُ } أي لا حرج ولا إثم ولا عتاب على النبي فيما أباح الله له وقسم من الزوجات، قال الضحاك: كان اليهود عابوه بكثرة النكاح، فردَّ الله عليهم بقوله: { سُنَّةَ ظ±للَّهِ فِي ظ±لَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } أي هذه سنة الله في جميع الأنبياء السابقين حيث وسَّع عليهم فيما أباح لهم، قال القرطبي: أي سنَّ لمحمد صلى الله عليه وسلم في التوسعة عليه في النكاح، سنة الأنبياء الماضية كداود وسليمان، فكان لداود مائة امرأة ولسليمان ثلاثمائة امرأة، عدا السُّريات { وَكَانَ أَمْرُ ظ±للَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } أي قضاءً مقضياً، وحكماً مقطوعاً به من الأزل، لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، ثم أثنى تعالى على جميع الأنبياء والمرسلين بقوله: { ظ±لَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ظ±للَّهِ } أي هؤلاء الذين أخبرتك عنهم يا محمد وجعلتُ لك قدوة بهم، هم الذين يبلّغون رسالاتِ الله إلى من أُرسلوا إليه { وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ظ±للَّهَ } أي يخافون الله وحده ولا يخافون أحداً سواه، فاقتد يا محمد بهم { وَكَفَىظ° بِظ±للَّهِ حَسِيباً } أي يكفي أن يكون الله محاسباً على جميع الأعمال والأفعال، فينبغي أن لا يُخْشى غيره، ثم أبطل تعالى حكم التبني الذي كان شائعاً في الجاهلية فقال: { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } قال المفسرون: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب قال الناس: إن محمداً قد تزوج امرأة ابنه فنزلت هذه الآية قال الزمخشري: أي لم يكن أبا رجلٍ منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح { وَلَـظ°كِن رَّسُولَ ظ±للَّهِ وَخَاتَمَ ظ±لنَّبِيِّينَ } أي ولكنّه عليه السلام آخر الأنبياء والمرسلين، ختم الله به الرسالات السماوية، فلا نبيَّ بعده قال ابن عباس: يريد: لو لم أختم به النبيّين لجعلتُ له ولداً يكون بعده نبياً { وَكَانَ ظ±للَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي هو العالم بأقوالكم وأفعالكم، لا تخفى عليه خافية من أحوالكم { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ ظ±ذْكُرُواْ ظ±للَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } أي اذكروا الله بالتهليل والتحميد، والتمجيد والتقديس ذكراً كثيراً، بالليل والنهار، والسفر والحضر { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي وسبحوا ربكم في الصباح والمساء قال العلماء: خصهما بالذكر لأنهما أفضل الأوقات بسبب تنزل الملائكة فيهما { هُوَ ظ±لَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ } أي هو جل وعلا يرحمكم على الدوام، ويعتني بأمركم، وبكل ما فيه صلاحكم وفلاحكم { وَمَلاَئِكَتُهُ } أي وملائكتُه يصلون عليكم أيضاً بالدعاء والاستغفار وطلب الرحمة قال ابن كثير: والصلاةُ من الله سبحانه ثناؤه على العبد عند الملائكة، وقيل: الصلاة من الله الرحمةُ، ومن الملائكة: الدعاءُ والاستغفار { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ظ±لظُّلُمَاتِ إِلَى ظ±لنُّورِ } أي لينقذكم من الضلالة إلى الهدى، ومن ظلمات العصيان إلى نور الطاعة والإِيمان { وَكَانَ بِظ±لْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } أي واسع الرحمة بالمؤمنين، حيث يقبل القليل من أعمالهم، ويعفوا عن الكثير من ذنوبهم، لإِخلاصهم في إيمانهم { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } أي تحية هؤلاء المؤمنين يوم يلقون ربهم السلامُ والإِكرام في الجنة من الملك العلاّم كقوله تعالى{*سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ*}
[يس: 58] { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } أي وهيأ لهم أجراً حسناً وهو الجنة وما فيها من النعيم المقيم، قال ابن كثير: والمراد بالأجر الكريم الجنةُ وما فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والملاذّ والمناظر، مما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، ثم لما بيَّن تعالى أنه أخرج المؤمنين من ظلمات الكفر والضلال إلى أنوار الهداية والإِيمان، عقَّبه بذكر أوصاف السراج المنير الذي أضاء الله به الأكوان فقال: { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً } أي شاهداً على أمتك وعلى جميع الأمم بأن أنبيائهم قد بلغوهم رسالة ربهم { وَمُبَشِّراً } أي مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم { وَنَذِيراً } أي ومنذراً للكافرين من عذاب الجحيم { وَدَاعِياً إِلَى ظ±للَّهِ بِإِذْنِهِ } أي وداعياً للخلق إلى توحيد الله وطاعته وعبادته، بأمره جل وعلا لا من تلقاء نفسك { وَسِرَاجاً مُّنِيراً } أي وأنت يا محمد كالسراح الوهَّاج المضيء للناس، يُهْتدى بك في الدهماء، كما يُهْتدى بالشهاب في الظلماء، قال ابن كثير: أي أنت يا محمد كالشمس في إشراقها وإِضاءتها لا يجحدها إلا معاند وقال الزمخشري: شبَّهه بالسراج المنير لأن الله جلى به ظلمات الشركِ، واهتدى به الضالون، كما يُجلى ظلامُ الليل بالسراج المنير ويُهْتدى به، وصفه تعالى بخسمة أوصاف كلُّها كمالٌ وجمال، وثناءٌ وجلال، وختمها بأنه صلوات الله عليه هو السراج الوضاء الذي بدَّد الله به ظلمات الضلال، فصلواتُ ربي وسلامه عليه في كل حين وآن { وَبَشِّرِ ظ±لْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ظ±للَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } أي وبشر يا محمد المؤمنين خاصة بأنَّ لهم من الله العطاء الواسع الكبير في جنات النعيم { وَلاَ تُطِعِ ظ±لْكَافِرِينَ وَظ±لْمُنَافِقِينَ } أي لا تطعهم فيما يطلبونه منك من المساهلة والملاينة في أمر الدين، بل اثبت على ما أُوحي إليك { وَدَعْ أَذَاهُمْ } أي ولا تكترث بإِذايتهم لك، وصدّهم الناسَ عنك { وَتَوَكَّـلْ عَلَى ظ±للَّهِ } أي واعتمد في جميع أمورك وأحوالك على الله { وَكَفَىظ° بِظ±للَّهِ وَكِـيلاً } أي إن الله يكفي من توكل عليه في أمور الدنيا والآخرة قال الصاوي: وفي الآية إشارة إلى أن التوكل أمره عظيم، فمن توكل على الله كفاه ما أهمَّه من أمور الدنيا والدين، ولما كان الحديث عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم وقصة زيد وتطليقه لزينب، جاء الحديث عن نساء المؤمنين والطريقة المثلى في تطليقهن فقال تعالى { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِذَا نَكَحْتُمُ ظ±لْمُؤْمِنَاتِ } أي يا أيها المؤمنون الذين صدَّقوا بالله ورسوله إذا عقدتم عقد الزواج على المؤمنات وتزوجتموهن { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } أي ثم طلقتموهنَّ من قبل أن تجامعوهنَّ، وإنما خصَّ المؤمنات بالذكر مع أن الكتابيات يدخلن في الحكم، للتنبيه على أن الأليق بالمسلم أن يتخيَّر لنطفته، وألاّ ينكح إلا مؤمنة عفيفة { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } أي فليس لكم عليهم حق في العدة تستوفون عددها عليهن، لأنكم لم تعاشروهن فليس هناك احتمال للحمل حتى تحتسبوا المرأة من أجل صيانة نسبكم { فَمَتِّعُوهُنَّ } أي فالواجب عليكم إكرامهن بدفع المتعة بما تطيب نفوسكم به من مالٍ أو كسوةٍ، تطييباً لخاطرهن، وتخفيفاً لشدة وقع الطلاق عليهن { وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } أي وخلّوا سبيلهنَّ تخليةً بالمعروف، من غير إضرار ولا إيذاء، ولا هضمٍ لحقوقهن، قال أبو حيان: والسراحُ الجميلُ هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب، ثم ذكر تعالى ما يتعلق بأحوال زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ظ±للاَّتِيغ¤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } أي إنا قد أبحنا لك يا محمد أنواعاً من النساء، توسعة عليك وتيسيراً لك في تبليغ الدعوة، فمن ذلك أننا أبحنا لك زوجاتك اللاتي تزوجتهن بصداقٍ مُسمَّى، وهُنَّ في عصمتك { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ظ±للَّهُ عَلَيْكَ } أي وأبحنا لك أيضاً النساء اللاتي تملكهن في الحرب بطريق الانتصار على الكفار، وإِنما قيَّدهن بطريق الغنائم لأنهن أفضلُ من اللائي يُمْلكن بالشراء، فقد بذل في إحرازهنَّ جهدٌ ومشقة لم يكن في الصف الثاني { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ظ±للاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ } أي وأبحنا لك قريباتك من بنات الأعمام والعمات، والأخوال والخالات بشرط الهجرة معك { وَظ±مْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } أي وأحللنا لك النساء المؤمناتِ الصالحات اللواتي وهبن أنفسهن لك، حباً في الله ورسوله وتقرباً لك { إِنْ أَرَادَ ظ±لنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا } أي إن أردت يا محمد أن تتزوج من شئت منهم بدون مهر { خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ظ±لْمُؤْمِنِينَ } أي خاصة لك يا محمد من دون سائر المؤمنين، فإِنه لا يحل لهم التزوج بدون مهر، ولا تصح الهبة، بل يجب مهر المثل { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيغ¤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي قد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين من نفقةٍ، ومهر، وشهود في العقد، وعدم تجاوز أربع من النساء، وما أبحنا لهم من ملك اليمين عدا الحرائر، وأما أنت فقد خصصناك بخصائص تيسيراً لك { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } أي لئلا يكون عليك مشقة أو ضيق { وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي عظيم المغفرة واسع الرحمة { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيغ¤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ } أي ولك ـ أيها النبي ـ الخيار في أن تطلق من تشاء من زوجاتك، وتُمسك من تشاء منهن { وَمَنِ ظ±بْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ } أي وإِذا أحببتَ أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتَ من القسمة فلا إثم عليك ولا عتب { ذَلِكَ أَدْنَىظ° أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } أي ذلك التخيير الذي خيرناك في أمرهنَّ أقرب أن ترتاح قلوبهن فلا يحزنَّ، ويرضين بصنيعك، لأنهن إذا علمن أن هذا أمرٌ من الله، كان أطيب لأنفسهن فلا يشعرن بالحزن والألم { وَظ±للَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ } خطابٌ للنبي على جهة التعظيم أي يعلم ما في قلبك يا محمد وما في قلب كل إنسان، من عدل أو ميل، ومن حب أو كراهية، وإِنما خيرناك فيهن تيسيراً عليك فيما أردت { وَكَانَ ظ±للَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } أي واسع العلم يعلم جميع ما تظهرون وما تخفون، حليماً يضع الأمور في نصابها ولا يعاجل بالعقوبة، بل يُؤخر ويمهل لكنه لا يُهْمل، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
" كنتُ أغار من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم وأقول: اتهبُ المرأة نفسها؟ فلما نزلت { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيغ¤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ظ±بْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ } قلت: ما أرى ربك إلاّ يسارع في هواك " ثم قال تعالى { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ظ±لنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } أي لا يحل لك أيها النبي النساء من بعد هؤلاء التسع اللاتي في عصمتك { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ } أي ولا يحل لك أن تطلّق واحدة منهن وتنكح مكانها أُخرى { وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } أي ولو أعجبك جمال غيرهن من النساء { إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } أي إلا ما كان من الجواري والإِماء فلا بأس في ذلك لأنهن لسن زوجات { وَكَانَ ظ±للَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً } أي مطلعاً على أعمالكم شاهداً عليها، وفيه تحذير من مجاوزة حدوده، وتخطي حلاله وحرامه. قال المفسرون: أباح الله لرسوله أصنافاً أربعة " الممهورات، المملوكات، المهاجرات، الواهبات أنفسهن " توسعة عليه صلى الله عليه وسلم وتيسيراً له في نشر الرسالة وتبليغ الدعوة، ولما نزلت آية التخيير
{*قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ظ±لْحَيَاةَ ظ±لدُّنْيَا..*}
[الأحزاب: 28] الآية، وخيَّرهن عليه السلام، واخترن الله ورسوله والدار الآخرة، أكرمهن الله تعالى بأن قصره عليهن، وحرَّم عليه أن يتزوج بغيرهن.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- التنكير لإِفادة العموم { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، أي ليس لواحدٍ منهم أن يريد غير ما أراده الله ورسوله.

2- الطباق بين { تُخْفِي.. مُبْدِيهِ } وبين { ظ±لظُّلُمَاتِ..و.. ظ±لنُّورِ } وبين { مُبَشِّراً..و.. نَذِيراً } وهو من المحسنات البديعية.

3- جناس الاشتقاق { قَدَراً مَّقْدُوراً }.

4- طباق السلب { وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً }.

5- التشبيه البليغ { وَسِرَاجاً مُّنِيراً } أصل التشبيه: أنت يا محمد كالسراج الوضاء في الهداية والإرشاد، حذفت منه أداة التشبيه ووجه الشبه فأصبح بليغاً على حد قولهم: علي أسدٌ، ومحمدٌ قمر.

6- الكناية { مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } كنَّى عن الجماع بالمسِّ وهي من الكنايات المشهورة، ومن الآداب القرآنية الحميدة لأن القرآن يتحاشى الألفاظ البذيئة.

7- الطباق بين { بُكْرَةً..و.. أَصِيلاً } وبين { تُرْجِي..و.. تُؤْوِيغ¤ } وبين { ظ±بْتَغَيْتَ..و.. عَزَلْتَ }.

8- توافق الفواصل ممّا يزيد في الجمال والإِيقاع على السمع مثل { وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً.. وَسِرَاجاً مُّنِيراً } ومثل { سَرَاحاً جَمِيلاً.. عَلِيماً حَلِيماً.. غَفُوراً رَّحِيماً } وهذا من خصائق القرآن العظيم، وهو من المحسنات البديعية.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-07-22, 16:34 رقم المشاركة : 4
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الأحزاب


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ظ±لنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىظ° طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَظ±دْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَظ±نْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَظ°لِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ظ±لنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَظ±للَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ظ±لْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَظ±سْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذظ°لِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ظ±للَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوغ¤اْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذظ°لِكُمْ كَانَ عِندَ ظ±للَّهِ عَظِيماً } * { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ظ±للَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيغ¤ آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَظ±تَّقِينَ ظ±للَّهَ إِنَّ ظ±للَّهَ كَانَ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } * { إِنَّ ظ±للَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ظ±لنَّبِيِّ يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ يُؤْذُونَ ظ±للَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ظ±للَّهُ فِي ظ±لدُّنْيَا وَظ±لآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَظ±لَّذِينَ يُؤْذُونَ ظ±لْمُؤْمِنِينَ وَظ±لْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ظ±كْتَسَبُواْ فَقَدِ ظ±حْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ظ±لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذظ°لِكَ أَدْنَىظ° أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ظ±لْمُنَافِقُونَ وَظ±لَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَظ±لْمُرْجِفُونَ فِي ظ±لْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوغ¤اْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } * { سُنَّةَ ظ±للَّهِ فِي ظ±لَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ظ±للَّهِ تَبْدِيلاً } * { يَسْأَلُكَ ظ±لنَّاسُ عَنِ ظ±لسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ظ±للَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ظ±لسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } * { إِنَّ ظ±للَّهَ لَعَنَ ظ±لْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ظ±لنَّارِ يَقُولُونَ يظ°لَيْتَنَآ أَطَعْنَا ظ±للَّهَ وَأَطَعْنَا ظ±لرَّسُولاَ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ظ±لسَّبِيلاْ } * { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ظ±لْعَذَابِ وَظ±لْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَظ±لَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىظ° فَبرَّأَهُ ظ±للَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ظ±للَّهِ وَجِيهاً } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ ظ±تَّقُواْ ظ±للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ظ±للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } * { إِنَّا عَرَضْنَا ظ±لأَمَانَةَ عَلَى ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ وَظ±لْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ظ±لإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ظ±للَّهُ ظ±لْمُنَافِقِينَ وَظ±لْمُنَافِقَاتِ وَظ±لْمُشْرِكِينَ وَظ±لْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ظ±للَّهُ عَلَى ظ±لْمُؤْمِنِينَ وَظ±لْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

المنَاسَبَة:

لمّا ذكر تعالى أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه، ذكر هنا الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمنون عند دخولهم بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من الاستئذان وعدم الإِثقال، ثم بيَّن شرف الرسول بصلاة الله والملائكة عليه، وختم السورة الكريمة بالحديث عن الساعة وما يعقبها من أهوالٍ لأهل الكفر والضلال، وحال الأشقياء والسعداء في دار البقاء.

اللغَة:

{ إِنَاهُ } نضجه قال في اللسان: إنّى الشيء بلوغه وإِدراكُه والإِنى بكسر الهمزة والقصر: النضجُ { مُسْتَأْنِسِينَ } الاستئناس: طلبُ الأنس بالحديث، تقول: استأنست بحديثه أي طلبت الأنس والسرور به، وما بالدار من أنيس أي ليس بها أحد يؤانسك أو يسليك { مَتَاعاً } المتاعُ: الغرض والحاجة كالماعون وغيره { بُهْتَاناً } البهتانُ: الافتراء والكذب الواضح، وأصله من البهت وهو القذف بالباطل { جَلاَبِيبِهِنَّ } جمع جلباب وهو الثوب الذي يستر جميع البدن وهو يشبه الملاءة " الملحفة " في زماننا، قال الشاعر:
تمشي النسورُ إليه وهي لاهيةٌ
***
مشيَ العَذارى عليهنَّ الجلابيب
{ ظ±لْمُرْجِفُونَ } جمع مرجف وهو الذي يشيع الكذب والباطل لإِخافة الناس به قال الشاعر:
وإِنَّا وإن عيرتمونا بقتله
***
وأرجف بالإِسلام باغٍ وحاسد
{ نُغْرِيَنَّكَ } أغراه به: حثه وسلّطه عليه. { سَعِيراً } ناراً شديدة الاستعار.

سَبَبُ النّزول:
أ - روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوَّج " زينب بنت جحش " أَوْلمَ عليها، فدعا الناس فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجتُه مولّيةٌ وجهها إلى الحائط، فثقُلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس: فما أدري أأنا أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أن القوم قد خرجوا أو أخبرني، قال: فانطلق حتى دخل البيتَ فذهبتُ أدخلُ معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجابُ، ووُعظ الناسُ بما وُعظوا به وأنزل الله { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ظ±لنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ.. }.

ب - وقال ابن عباس: كان ناسٌ من المؤمنين يتحيَّنون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون قبل أن يُدرك الطعام، ويقعدون إلى أن يُدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون فنزلت.

ج - وعن عائشة أنَّ عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله: إنَّ نساءَكَ يدخلُ عليهنَّ البرُّ والفاجرُ، فلو أمرتهنَّ أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَظ±سْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذظ°لِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } الآية.

د - عن السُّدّي أن الفُسَّاق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل، فإِذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا: هذه حرة، وإِذا رأوها بغير قناع قالوا: أمةٌ فآذوها فأنزل الله: { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ظ±لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ.. } الآية.

التفسِير:
{ يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ظ±لنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } الإِضافة للتشريف والتكريم، والآية توجيه للمؤمنين لهذا الأدب السامي العظيم والمعنى: لا تدخلوا بيوت النبي في حالٍ من الأحوال إلا في حال الإِذن لكم منه عليه السلام، مراعاةً لحقوق نسائه، وحرصاً على عدم إيذائه والإِثقال عليه { إِلَىظ° طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أي إِلاّ حين يدعوكم إلى طعام غير منتظرين نُضْجه { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَظ±دْخُلُواْ } أي ولكنْ إذا دُعيتم وأُذن لكم في الدخول فادخلوا { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَظ±نْتَشِرُواْ } أي فإِذا انتهيتم من الطعام فتفرقوا إلى دوركم ولا تمكثوا { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } معطوف على { غَيْرَ نَاظِرِينَ } أي لا تدخلوا بيوته منتظرين للطعام، ولا مستأنسين لحديث بعضكم بعضاً قال أبو حيان: نهُوا أن يطيلوا الجلوسَ يستأنس بعضهم ببعض لحديثٍ يحدثه به { إِنَّ ذَظ°لِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ظ±لنَّبِيَّ } أي إن صنيعكم هذا يؤذي الرسول، ويضايقه ويثقل عليه، ويمنعه من قضاءِ كثيرٍ من مصالحه وأموره { فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ } أي فيستحيي من إخراجكم، ويمنعه حياؤه أن يأمركم بالانصراف، لخُلقه الرفيع، وقلبه الرحيم { وَظ±للَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ظ±لْحَقِّ } أي واللهُ جل وعلا لا يترك بيان الحق، ولا يمنعه مانع من إظهار الحق وتبيانه لكم، قال القرطبي: هذا أدبٌ أدَّب الله به الثقلاء، وفي كتاب الثعلبي: حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَظ±سْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } أي وإِذا أردتم حاجةً من أزواجه الطاهرات فاطلبوه من وراء حاجزٍ وحجاب { ذظ°لِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } أي سؤالكم إياهنَّ المتاع من وراء حجاب أزكى لقلوبكم وقلوبهن وأطهر، وأنفى للريبة وسوء الظن { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ظ±للَّهِ } أي وما ينبغي لكم ولا يليق بكم أن تؤذوا رسولكم الذي هداكم الله به في حياته { وَلاَ أَن تَنكِحُوغ¤اْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } أي ولا أن تتزوجوا زوجاته من بعد وفاته أبداً، لأنهن كالأمهات لكم، وهو كالوالد فهل يليق بكم أن تؤذوه في نفسه أو أهله؟ { إِنَّ ذظ°لِكُمْ كَانَ عِندَ ظ±للَّهِ عَظِيماً } أي إن إيذاءه ونكاح أزواجه من بعده أمر عظيم، وذنب كبير لا يغفره الله لكم قال أبو السعود: وفيه من تعظيمه تعالى لشأن رسوله صلى الله عليه وسلم وإِيجاب حرمته حياً وميتاً ما لا يخفى ثم قال تعالى: { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ } أي إن تظهروا أمراً من الأمور أو تخفوه في صدوركم { فَإِنَّ ظ±للَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي فإِن الله عالم به وسيجازيكم عليه، قال البيضاوي: وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويلٍ ومبالغة في الوعيد، ثم لما أنزل تعالى الحجاب استثنى المحارم فقال: { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيغ¤ آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } أي لا حرج ولا إثم على النساء في ترك الحجاب أمام المحارم من الرجال قال القرطبي: لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحنُ أيضاً نكلمهنَّ من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية، والمراد بـ { نِسَآئِهِنَّ } نساءُ المؤمنين، قال ابن عباس: لأن نساء اليهود والنصارى يصفن لأزواجهن النساء المسلمات، فلا يحل للمسلمة أن تُبدي شيئاً منها لئلا تصفها لزوجها الكافر { وَظ±تَّقِينَ ظ±للَّهَ } أي اتَّقين يا معشر النساء اللهَ، واخشينه في الخلوة والعلانية { إِنَّ ظ±للَّهَ كَانَ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } أي لا تخفى عليه خافية من أموركن، يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح، قال الرازي: وهذا في غاية الحسن في هذا الموضع، لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم، فختمها بأن الله شاهد عند اختلاء بعضهم ببعض، فالخلوة عنده مثل الجلوة فعليهم أن يتقوا الله، ثم بيَّن تعالى قدر الرسول العظيم فقال: { إِنَّ ظ±للَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ظ±لنَّبِيِّ } أي إن الله جل وعلا يرحم نبيَّه، ويعظّم شأنه، ويرفع مقامه، وملائكتُه الأبرار يدعون للنبي ويستغفرون له، ويطلبون من الله أن يمجّد عبده ورسوله ويُنيله أعلى المراتب، قال القرطبي: والصلاةُ من الله رحمتُه ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاءُ والتعظيمُ لأمره وقال الصاوي: وهذه الآية فيها أعظم الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم مهبط الرحمات، وأفضل الأولين والآخرين على الإِطلاق، إذ الصلاة من الله على نبيه رحمتُه المقرونة بالتعظيم، ومن اللهِ على غير النبي مطلقُ الرحمة كقوله:

{*يَدُ ظ±للَّهِ مَغْلُولَةٌ*}
[المائدة: 64] وقول النصارى
{*ظ±لْمَسِيحُ ظ±بْنُ ظ±للَّهِ*}
[التوبة: 30] ويؤذون الرسول بالتكذيب برسالته، والطعن في شريعته، والاستهزاء بدعوته، قال ابن عباس: نزلت في الذين طعنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفية بن حيُي { لَعَنَهُمُ ظ±للَّهُ فِي ظ±لدُّنْيَا وَظ±لآخِرَةِ } أي طردهم من رحمته، وأحل عليهم سخطه وغضبه في الدنيا بالهوان والصغار، وفي الآخرة بالخلود في عذاب النار { وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } أي وهيأ لهم عذاباً شديداً، بالغَ الغاية في الإِهانة والتحقير { وَظ±لَّذِينَ يُؤْذُونَ ظ±لْمُؤْمِنِينَ وَظ±لْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ظ±كْتَسَبُواْ } أي يؤذون أهل الإِيمان بغير ما فعلوه، وبغير جنايةٍ واستحقاق للأذى { فَقَدِ ظ±حْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أي فقد حمَّلوا أنفسهم البهتان والكذب، والزور، والذنب الواضح الجلي قال القرطبي: أطلق إيذاء الله ورسوله، وقيَّد إيذاء المؤمنين والمؤمنات، لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق أبداً، وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه ومنه ولما حرَّم تعالى الإِيذاء، أمر نبيه الكريم أن يوجه النداء إلى الأمة جمعاء، للتمسك بالإِسلام وتعاليمه الرشيدة، وبالأخص في أمرٍ اجتماعي خطير وهو " الحجاب " الذي يصون للمرأة كرامتها، ويحفظ عليها عفافها، ويحميها من النظرات الجارحة، والكلمات اللاذعة، والنوايا الخبيثة لئلا تتعرض لأذى الفساق فقال { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ظ±لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } أي قل يا محمد لزوجاتك الطاهرات - أمهات المؤمنين - وبناتك الفضليات الكريمات، وسائر نساء المؤمنين، قل لهنَّ يلبسن الجلباب الواسع، الذي يستر محاسنهن وزينتهن، ويدفع عنهم ألسنة السوء، ويميزهن عن صفاتِ نساء الجاهلية، روى الطبري: عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: أمر اللهُ نساء المؤمنين إِذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة، وروى ابن كثير عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } فغطّى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى { ذظ°لِكَ أَدْنَىظ° أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } أي ذلك التستر أقرب بأن يُعْرفن بالعفة والتستر والصيانة، فلا يطمع فيهن أهل السوء والفساد، وقيل: أقرب بأن يُعرفن أنهن حرائر، ويتميزن عن الإِماء، { وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي إنه تعالى غفور لما سلف منهن من تفريط، رحيم بالعباد حيث راعى مصالحهم وشئونهم تلك الجزيئات.. ثم هدَّد المولى جل وعلا كل المؤذين من جميع الأصناف بأنواع العقاب فقال: { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ظ±لْمُنَافِقُونَ وَظ±لَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي لئن لم يترك هؤلاء المنافقون ـ الذين يُظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر ـ نفاقهم، والزناةُ ـ الذين في قلوبهم مرض فجور - فجورهم { وَظ±لْمُرْجِفُونَ فِي ظ±لْمَدِينَةِ } أي الذين ينشرون الأراجيف والأكاذيب لبلبلة الأفكار، وخلخلة الصفوف، ونشر أخبار السوء { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي لنسلطنك عليهم يا محمد { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } أي ثم يخرجون من المدينة فلا يعودون إلى مجاروتك فيها إلا زمناً قليلاً، ريثما يتأهبون للخروج، قال الرازي: وعد الله نبيه أن يخرج أعداءه من المدينة وينفيهم على يده، إظهاراً لشوكته { مَّلْعُونِينَ } أي مبعدين عن رحمته تعالى { أَيْنَمَا ثُقِفُوغ¤اْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } أي أينما وجدوا وأُدركوا أُخذوا على وجه الغلبة والقهر ثم قُتِّلوا لكفرهم بالله تقتيلاً { سُنَّةَ ظ±للَّهِ فِي ظ±لَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } أي هذه سنة الله في المنافقين وعادتُه فيمن سبق منهم أن يُفعل بهم ذلك، قال القرطبي: أي سنَّ الله عز وجل فيمن أرجف بالأنبياء وأظهر نفاقه أن يُؤخذ ويُقتل { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ظ±للَّهِ تَبْدِيلاً } أي ولن تتغير أو تتبدل سنة الله، لكونها بُنيت على أساسٍ متين، قال الصاوي: وفي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي فلا تحزن على وجود المنافقين يا محمد، فإِن ذلك سنة قديمة لم يخل منهم زمن من الأزمان ثم ذكر تعالى الساعة وأهوالها فقال: { يَسْأَلُكَ ظ±لنَّاسُ عَنِ ظ±لسَّاعَةِ } أي يسألك يا محمد المشركون على سبيل الاستهزاء والسخرية عن وقت قيام الساعة { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ظ±للَّهِ } أي قل لهم: لست أعرف وقتها وإِنما يعلم ذلك علاّم الغيوب، فإِن الله أخفاها لحكمة ولم يُطلع عليها مَلكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ظ±لسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } أي وما يُعلمك أن الساعة تكون في وقت قريب؟ قال أبو السعود: وفيه تهديدٌ للمستعجلين، وتبكيتٌ للمتعنّتين، والإِظهارُ في موضع الإِضمار للتهويل وزيادة التقرير { إِنَّ ظ±للَّهَ لَعَنَ ظ±لْكَافِرِينَ } أي طرد الكافرين وأبعدهم عن رحمته { وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } أي وهيأ لهم ناراً شديدة مستعرة { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أي مقيمين في السعير أبد الآبدين { لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي لا يجدون لهم من ينجيهم وينقذهم من عذاب الله { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ظ±لنَّارِ } أي يوم تتقلب وجوههم من جهة إلى جهة كاللحم يُشوى بالنار { يَقُولُونَ يظ°لَيْتَنَآ أَطَعْنَا ظ±للَّهَ وَأَطَعْنَا ظ±لرَّسُولاَ } أي يقولون متحسرين على ما فاتهم: يا ليتنا أطعنا الله ورسوله حتى لا نبتلى بهذا العذاب المهين { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ظ±لسَّبِيلاْ } أي أطعنا القادة والأشراف فينا فأضلونا طريق الهدى والإِيمان { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ظ±لْعَذَابِ } أي اجعل عذابهم ضعفي عذابنا، لأنهم كانوا سبب ضلالنا { وَظ±لْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } أي والعنهم أشد أنواع اللعن وأعظمه، ثم حذر تعالى من إيذاء الرسول كما آذى اليهود نبيهم فقال: { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَظ±لَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىظ° فَبرَّأَهُ ظ±للَّهُ مِمَّا قَالُواْ } أي لا تكونوا أمثال بني إسرائيل الذين آذوا نبيهم موسى واتهموه ببرصٍ في جسمه أو أُدْرةٍ لفرط تستره وحيائه، فأظهر الله براءته وأكذبهم فيما اتهموه به، روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شيءٌ استحياءً منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يتستر هذا التستر إلا من عيبٍ بجلده، إما برص وإما أدرة ـ انتفاخ الخصية ـ وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى مر على ملإٍ من بني إسرائيل فرأوه أحسن ما خلق الله عرياناً، وأبرأه مما يقولون " الحديث { وَكَانَ عِندَ ظ±للَّهِ وَجِيهاً } أي وكان موسى ذا وجاهة ورفعة ومكانة عند ربه، قال ابن كثير: أي له وجاهة وجاه عند ربه، لم يسأل شيئاً إلا أعطاه { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ ظ±تَّقُواْ ظ±للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } أي راقبوا الله في جميع أقوالكم وأفعالكم، وقولوا قولاً مستقيماً مرضياً لله قال الطبري: أي قولاً قاصداً غير جائر، حقاً غير باطل { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي يوفقكم لصالح الأعمال ويتقبلها منكم قال ابن عباس: يتقبل حسناتكم { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي يمحو عنكم الذنوب والأوزار { وَمَن يُطِعِ ظ±للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أي ومن أطاع الله والرسول فقد نال غاية مطلوبة، ثم لما أرشدهم إلى مكارم الأخلاق، نبّههم على قدر التكاليف الشرعية التي كلّف الله بها البشرية فقال { إِنَّا عَرَضْنَا ظ±لأَمَانَةَ عَلَى ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ وَظ±لْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } أي عرضنا الفرائض والتكاليف الشرعية على السماواتِ والأرض والجبال الراسيات فأعرضن عن حملها وخفن من ثقلها وشدتها، والغرض تصوير عظم الأمانة وثقل حملها، قال أبو السعود: والمعنى أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام ـ التي هي مثل في القوة والشدة ـ وكانت ذات شعور وإِدراك على مراعاتها لأبين قبولها وأشفقن منها وقال ابن جزي: الأمانةُ هي التكاليف الشرعية من التزام الطاعات، وترك المعاصي، وقيل: هي الأمانةُ في الأموال، والصحيحُ العموم في التكاليف، وعرضُها يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون اللهُ خلق لها إدراكاً فعرضت عليها الأمانة حقيقةً فأشفقت منها وامتنعت من حملها، والثاني: أن يكون المراد تعظيم شأن الأمانة وأنها من الثقل بحيث لو عُرضت على السماوات والأرضِ والجبال، لأبين من حملها وأشفقن منها، فهذا ضربٌ من المجاز كقولك: عرضتُ الحمل العظيم على الدابة فأبتْ أن تحمله، والمراد أنها لا تقدر على حمله { وَحَمَلَهَا ظ±لإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } أي وتحمَّلها الإِنسان إنه كان شديد الظلم لنفسه، مبالغاً في الجهل بعواقب الأمور، قال ابن الجوزي: لم يرد بقوله { أبَيْنَ } المخالفة، وإِنما أبين للخشية والمخافة، لأن العَرض كان تخييراً لا إلزاماً { لِّيُعَذِّبَ ظ±للَّهُ ظ±لْمُنَافِقِينَ وَظ±لْمُنَافِقَاتِ وَظ±لْمُشْرِكِينَ وَظ±لْمُشْرِكَاتِ } قال ابن كثير: أي إنما حمَّل بني آدم الأمانة وهي التكاليف ليعذب الله المنافقين الذين يظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر، والمشركين الذين ظاهرهم وباطنهم على الكفر { وَيَتُوبَ ظ±للَّهُ عَلَى ظ±لْمُؤْمِنِينَ وَظ±لْمُؤْمِنَاتِ } أي ويرحم أهل الإِيمان، ويعود عليهم بالتوبة والمغفرة والرضوان { وَكَانَ ظ±للَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي واسع المغفرة للمؤمنين حيث عفا عما سلف منهم، رحيماً بهم حيث أثابهم وأكرمهم بأنواع الكرامات.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الإِضافة للتشريف { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ظ±لنَّبِيِّ } لأنها لما نسب للنبي تشرفت.

2- الطباق بين { ظ±دْخُلُواْ..و.. ظ±نْتَشِرُواْ } وبين { تُبْدُواْ..و.. تُخْفُوهُ } وبين { ثُقِفُوغ¤اْ..و.. أُخِذُواْ }.

3- طباق السلب { فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَظ±للَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ظ±لْحَقِّ }.

4- ذكر الخاص بعد العام { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ظ±لْمُنَافِقُونَ.. وَظ±لْمُرْجِفُونَ } والمرجفون هم المنافقين، فعمَّم ثم خصَّص زيادة في التقبيح والتشنيع عليهم.

5- ذكر اللفظ بصيغة " فعول " و " فعيل " للمبالغة مثل { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } { بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } { عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } الخ.

6- الإِتيان بالمصدر مع الفعل للتأكيد { وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } { وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }.

7- التحسر والتفجع بطريق التمني { يَقُولُونَ يظ°لَيْتَنَآ أَطَعْنَا ظ±للَّهَ وَأَطَعْنَا ظ±لرَّسُولاَ }.

8- التشبيه { لاَ تَكُونُواْ كَظ±لَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىظ° } ويسمى التشبيه المرسل المجمل.

9- الاستعارة التمثيلية { إِنَّا عَرَضْنَا ظ±لأَمَانَةَ عَلَى ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ وَظ±لْجِبَالِ } مثَّل للأمانة في ضخامتها وعظمها وتفخيم شأنها بأنها من الثقل بحيث لو عرضت على السماوات والأرض والجبال وهي من القوة والشدة بأعلى المنازل لأبت عن حملها وأشفقت منها، وهو تمثيل رائع لتهويل شأن الأمانة.

10- المقابلة اللطيفة بين { لِّيُعَذِّبَ ظ±للَّهُ ظ±لْمُنَافِقِينَ وَظ±لْمُنَافِقَاتِ } وبين { وَيَتُوبَ ظ±للَّهُ عَلَى ظ±لْمُؤْمِنِينَ وَظ±لْمُؤْمِنَاتِ } وفي ختم السورة بهذه الآية من البدائع ما يسميه علماء البديع " رد العجز على الصدر " لأن بدء السورة كان في ذم المنافقين، وختامها كان في بيان سوء عاقبة المنافقين، فحسن الكلام في البدء والختام.

11- الثناء على الرسول { إِنَّ ظ±للَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ } ورد بهذه الصيغة وفيه دقائق بيانية:

أ - جاء الخبر مؤكداً بـ " إنَّ " اهتماماً به.

ب - وجيء بالجملة إسمية لإِفادة الدوام.

ج - وكانت الجملة إسمية في صدرها " إن الله " فعلية في عجزها " يصلون " للإِشارة إلى أن هذا الثناء من الله تعالى على رسوله يتجدد وقتاً فوقتاً على الدوام، فتدبر هذا السر الدقيق.

12- مراعاة الفواصل لما له من الوقع الحسن على السمع مثل { أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً.. لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً.. وَظ±لْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } الخ وهو من المحسنات البديعية.

لطيفَة:
أشارت الآية الكريمة { قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ظ±لْمُؤْمِنِينَ } إلى لطيفة وهي أن الدعوة لا تثمر إِلا إذا بدأ الداعي بها في نفسه وأهله، وهذا هو السر في البدء بالحجاب الشرعي بنساء الرسول وبناته.

" الردُّ على من أباح كشف الوجه، وطائفة من أقوال المفسرين في وجوب سترة "

1- قال ابن كثير: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب.

2- وقال ابن الجوزي: في قوله تعالى { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } أي يغطين رءوسهن ووجوههن ليُعلم أنهن حرائر.

3- وقال أبو السعود: ومعنى الآية أي يغطين بها وجوههن وأبدانهن إِذا برزن لداعية من الدواعي.

4- وقال الطبري: أي لا تتشبهن بالإِماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن لئلا يعرض لهن فاسق.

5- وقال في البحر: والمراد بقوله: { عَلَيْهِنَّ } أي على وجوههن، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه.

6- وقال االجصاص: وفي الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب لئلا يطمع فيها أهل الريب. فهذه جملة من أقوال أئمة التفسير في وجوب ستر وجه المرأة، والله يقول الحق ويهدي السبيل.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-26, 17:43 رقم المشاركة : 5
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تفسير سورة الأحزاب





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 22:51 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd