الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير


شجرة الشكر3الشكر
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2017-07-04, 15:49 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي تفسير سورة العنكبوت



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ الۤـمۤ } * { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

اللغَة:
{ فِتْنَةَ } الفتنة: الابتلاء والاختبار { أَثْقَالَهُمْ } جمع ثقل وهو الحمل الثقيل الذي ينوء به الإِنسان، والمراد بالأثقال هنا الذنوب والأوزار { لَبِثَ } أقام ومكث { إِفْكاً } كذباً وزوراً { تُقْلَبُونَ } تُرجعون وتُردون.

سَبَبُ النّزول:
عن سعد بن أبي وقاص قال: " كنت رجلاً باراً بأمي فلما أسلمتُ، قالت: ما هذا الدين الذي أحدثت يا سعد؟ لتدَعن دينك هذا أو لا آكلُ ولا أشربُ حتى أموت فتعيَّر بي فيقال: يا قاتل أمه، قلتُ: لا تفعلي يا أماه، فإِني لا أدع ديني هذا لشيءٍ أبداً، قال: فمكثتْ يوماً وليلةً لا تأكل، فأصبحت قد جُهدت، ثم مكثت يوماً آخر وليلةً لا تأكل، فلما رأيتُ ذلك قلت: تعلمين واللهِ يا أُمَّاه لو كانت لكِ مائةُ نفسٍ فخرجت نفساً نفْساً ما تركتُ ديني هذا لشيءٍ أبداً، فإِن شئت فكلي، وإِن شئتِ فَدعي، فلم رأتْ ذلك أكلت فأنزل الله هذه الآية { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ.. } الآية.

التفسِير:
{ الۤـمۤ } الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }؟ الهمزة للاستفهام الإِنكاري أي أظنَّ الناسُ أن يُتركوا من غير افتتان لمجرد قولهم باللسان آمنا؟ لا ليس كما ظنوا بل لا بدَّ من امتحانهم ليتميز الصادق من المنافق قال ابن جزي: نزلت في قومٍ من المؤمنين كانوا بمكة مستضعفين، منهم " عمار بن ياسر " وغيره، وكان كفار قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإِسلام، فضاقت صدورهم بذلك فآنسهم الله بهذه الآية ووعظهم وأخبرهم أن ذلك اختبار، ليوطنوا أنفسهم على الصبر على الأذى، والثبات على الإِيمان، وأعلمهم أن تلك سيرته في عباده يسلّط الكفار على المؤمنين ليمحصهم بذلك، ويظهر الصادق في إِيمانه من الكاذب { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي ولقد اختبرنا وامتحنا من سبقهم بأنواع التكاليف والمصائب والمحن قال البيضاوي: والمعنى أن ذلك سنة قديمة، جارية في الأمم كلها، فلا ينبغي أن يتوقع خلافه { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } أي فليميزنَ الله بين الصادقين في دعوى الإِيمان، وبين الكاذبين فيه، وعبَّر عن الصادقين بلفظ الفعل { ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } وعن الكاذبين باسم الفاعل { ٱلْكَاذِبِينَ } للإِشارة إِلى أن الكاذبين وصفهم مستمر وأن الكذب راسخ فيهم بخلاف الصادقين فإِن الفعل يفيد التجدد، قال الإِمام الفخر: إِن اسم الفاعل يدل في كثير من المواضع على ثبوت المصدر ورسوخه فيه، والفعل الماضي لا يدل عليه كما يقال: فلانٌ شرب الخمر، وفلانٌ شاربُ الخمر، فإِنه لا يفهم من صيغة الفعل الثبوتُ والرسوخ { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا } أي أيظن المجرمون الذين يرتكبون المعاصي والموبقات أنهم يفوتون من عقابنا ويعجزوننا؟ { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي بئس ما يظنون قال الصاوي: والآية انتقال من توبيخ إلى توبيخ أشد، فالأول توبيخ للناس على ظنهم أنهم يفوتون عذاب الله ويفرون منه مع دوامهم على كفرهم { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ } لما بيَّن تعالى أن العبد لا يترك في الدنيا سُدى، بيَّن هنا أن من اعترف بالآخرة وعمل لها لا يضيع عمله، ولا يخيب أمله والمعنى من كان يرجو ثواب الله فليصبر في الدنيا على المجاهدة في طاعة الله حتى يلقى الله فيجازيه، فإِن لقاء الله قريب الإِتيان، وكلُّ ما هو آتٍ قريب، والآية تسلية للمؤمنين ووعدٌ لهم بالخير في دار النعيم { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي هو تعالى السميع لأقوال العباد، العليم بأحوالهم الظاهرة والباطنة { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ } أي ومن جاهد نفسه بالصبر على الطاعات، والكف عن الشهوات، فمنفعة جهاده إِنما هي لنفسه { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } أي مستغنٍ عن العباد، لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح { لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أي لنمحونَّ عنهم سيئاتهم التي سلفت منهم بسبب إِيمانهم وعملهم الصالح { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي ونجزيهم بأحسن أعمالهم الصالحة وهي الطاعات { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } أي أمرناه أمراً مؤكداً بالإِحسان إِلى والديه غاية الإِحسان، لأنهما سبب وجوده ولهما عليه غاية الفضل والإِحسان، الوالد بالإِنفاق والوالدة بالإِشفاق قال الصاوي: وإِنما أمر الله الأولاد ببر الوالدين دون العكس، لأن الأولاد جُبلوا على القسوة وعدم طاعة الوالدين، فكلفهم الله بما يخالف طبعهم، والآباء مجبولون على الرحمة والشفقة بالأولاد فوكلهم لما جُبلوا عليه { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ } أي وإِن بذلا كلَّ ما في وسعهما، وحرصا كلَّ الحرص على أن تكفر بالله وتشرك به شيئاً لا يصح أن يكون إِلهاً ولا يستقيم، فلا تطعهما في ذلك لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الله { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي إِليَّ مرجع الخلائق جميعاً، مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فأجازي كلاً بما عمل، وفيه وعدٌ حسن لمن برَّ والديه واتبع الهدى، ووعيدٌ لمن عقَّ والديه واتبع سبيل الرَّدى { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } أي لندخلنَّهم في زمرة الصالحين في الجنة قال القرطبي: كرَّر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين العاملين لتحريك النفوس إلى نيل مراتبهم، وفي { ٱلصَّالِحِينَ } مبالغة أي الذين هم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته، ولما ذكر تعالى ما أعده للمؤمنين الخلَّص ذكر حال المنافقين المذبذبين فقال { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } أي ومن الناس فريقٌ يقولون بألسنتهم آمنا بالله، فإِذا أُوذي أحدهم بسبب إِيمانه ارتد عن الدين وجعل ما يصيبه من أذى الناس سبباً صارفاً له عن الإِيمان كعذاب الله الشديد الذي يصرف الإِنسان عن الكفر قال المفسرون: والتشبيه { كَعَذَابِ ٱللَّهِ } من حيث إِن عذاب الله مانع للمؤمنين من الكفر، فكذلك المنافقون جعلوا أذاهم مانعاً لهم من الإِيمان، وكان مقتضى إِيمانهم أن يصبروا ويتشجعوا، ويروا في العذاب عذوبة، وفي المحنة منحة، فإِن العاقبة للمتقين قال الإِمام الفخر: أقسام المكلفين ثلاثة: مؤمنٌ ظاهر بحسن اعتقاده، وكافرٌ مجاهر بكفره وعناده، ومذبذبٌ بينهما يظهر الإِيمان بلسانه ويضمر الكفر في فؤاده، فلما ذكر تعالى القسمين بقوله { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } ذكر القسم الثالث هنا { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ } واللطيفة في الآية أن الله أراد بيان شرف المؤمن الصابر، وخسَّة المنافق الكافر، فقال هناك: أُوذي المؤمن في سبيل الله ليترك سبيله ولم يتركه، وأوذي المنافق الكافر فترك الله بنفسه، وكان يمكنه أن يظهر موافقتهم ويكون قلبه مطمئناً بالإِيمان، ومع هذا لم يفعله بل ترك الله بالكلية { وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } أي ولئن جاء نصر قريب للمؤمنين، وفتح ومغانم قال أولئك المذبذبون: إِنا كنا معكم ننصركم على أعدائكم، فقاسمونا فيما حصل لكم من الغنائم قال تعالى رداً عليهم { أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ }؟ استفهام تقرير أي أوليس الله هو العالم بما انطوت عليه الضمائر من خير وشر، وبما في قلوب الناس من إِيمان ونفاق؟ بلى إِنه بكل شيء عليم، ثم أكد تعالى ذلك بقوله { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } أي وليُظهرنَّ الله لعباده حال المؤمنين وحال المنافقين حتى يتميزوا فيفتضح المنافق، ويظهر شرف المؤمن الصادق قال المفسرون: والمراد { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ } إِظهار علمه للناس حتى يصبح معلوماً لديهم، وإِلا فالله عالم بما كان، وما يكون، وما هو كائن لا تخفى عليه خافية، فهو إِذاً علمُ إِظهار وإِبداء، لا علمُ غيبٍ وخفاء بالنسبة للّه تعالى، وقد فسَّر ابن عباس العلم بمعنى الرؤية { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } أي قال الكفار للمؤمنين اكفروا كما كفرنا، واتَّبعوا ديننا ونحن نحمل عنكم الإِثم والعقاب، إِن كان هناك عقاب قال ابن كثير: كما يقول القائل: افعلْ هذا وخطيئتك في عنقي، فإِن قيل { وَلْنَحْمِلْ } صيغة أمر، فكيف يصح أمر النفس من الشخص؟ فنقول: الصيغةُ أمرٌ والمعنى شرطٌ وجزاء أي إِن اتبعتمونا حملنا خطاياكم { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ } أي وما هم حاملين شيئاً من خطاياهم، لأنه لا يحمل أحدٌ وزر أحد { إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي وإِنهم لكاذبون في ذلك، ثم قال تعالى { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } أي وليحملُنَّ أوزارهم وأوزار من أضلوهم دون أن ينقص من أوزار أولئك شيء كما في الحديث

" ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإِثم مثل آثام من اتّبعه من غير أن يَنْقص من آثامهم شيء " { وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي وليسألنَّ سؤال توبيخ وتقريع { عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي عما كانوا يختلقونه من الكذب على الله عز وجل، ثم ذكر تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قصة نوح تسليةً له عما يلقاه من أذى المشركين فقال { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } أي ولقد بعثنا نوحاً إلى قومه فمكث فيهم تسعمائة وخمسين سنة يدعوهم إلى توحيد الله جلَّ وعلا، وكانوا عبدة أصنام فكذبوه { فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } أي فأهلكهم الله بالطوفان وهم مصرّون على الكفر والضلال قال أبو السعود: والطوفان: كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة، من السيل والريح والظلام، وقد غلب على طوفان الماء قال الرازي: وفي قوله { وَهُمْ ظَالِمُونَ } إِشارة إلى لطيفة، وهي أن الله لا يعذب على مجرد وجود الظلم، وإِنما يعذب على الإِصرار على الظلم ولهذا قال { وَهُمْ ظَالِمُونَ } يعني أهلكهم وهم على ظلمهم { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ } أي فأنجينا نوحاً من الغرق ومن ركب معه في السفينة من أهله وأولاده وأتباعه المؤمنين { وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } أي وجعلنا تلك الحادثة الهائلة عظة وعبرة للناس بعدهم يتعظون بها { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ } قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عبده ورسوله وخليله " إِبراهيم " إِمام الحنفاء، أنه دعا قومه إِلى عبادة الله وحده لا شريك له، والإِخلاص له في التقوى، وطلب الرزق منه وحده، وتوحيده في الشكر فإِنه المشكور على النعم لا مُسدي لها غيره { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي عبادة الله وتقواه خير لكم من عبادة الله الأوثان إِن كنتم تعلمون الخير من الشر وتفرقون بينهما { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً } أي أنتم لا تعبدون شيئاً ينفع أو يضر، وإِنما تعبدون أصناماً من حجارة صنعتموها بأيديكم { وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } أي وتصنعون كذباً وباطلاً قال ابن عباس: تنحتون وتصورون إِفكاً { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً } أي إِن هؤلاء الذين تعبدونهم لا يقدرون على أن يرزقوكم { فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ } أي فاطلبوا الرزق من الله وحده، فإِنه القادر على ذلك { وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ } أي وخصوه وحده بالعبادة واخشعوا واخضعوا له، واشكروه على نعمه التي أنعم بها عليكم { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي إِليه لا إِلى غيره مرجعكم يوم القيامة فيجازي كل عاملٍ بعمله { وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ } لما فرغ من بيان التوحيد أتى بعده بالتهديد أي وإِن تكذبوني فلن تضروني بتكذيبكم وإِنما تضرون بأنفسكم فقد سبق قبلكم أمم كذبوا رسلهم فحلَّ بهم عذاب الله، وسيحل بكم ما حلَّ بهم { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أي وليس على الرسول إِلا تبليغ أوامر الله، وليس عليه هداية الناس قال الطبري: ومعنى { ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أي الذي يبينُ لمن سمعه ما يُراد به، ويفهم منه ما يعني به { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } الاستفهام للتوبيخ لمنكري الحشر أي أولم ير المكذبون بالدلائل الساطعة كيف خلق تعالى الخلق ابتداءً من العدم، فيستدلون بالخلقة الأولى على الإِعادة في الحشر؟ قال قتادة: المعنى أولم يروا بالدلائل والنظر كيف يجوز أن يعيد الله الأجسام بعد الموت؟ { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي سهل عليه تعالى فكيف ينكرون البعث والنشور؟ فإِن من قدر على البدء قدر على الإِعادة، قال القرطبي: ومعنى الآية على ما قاله البعض: أولم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبداً، وكذلك يبدأ خلق الإِنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولداً، وخلق من الولد ولداً، وكذلك سائر الحيوان، فإِذا رأيتم قدرته على الإِبداء والإِيجاد، فهو القادر على الإِعادة لأنه إِذا أراد أمراً قال له كن فيكون { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } أي قل لهؤلاء المنكرين للبعث سيروا في أرجاء الأرض فانظروا كيف أن الله العظيم القدير خلق الخلق على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وانظروا إِلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم الله، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله عز وجل! { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } أي ثم هو تعالى ينشئهم عند البعث نشأةً أخرى { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي لا يعجزه تعالى شيء ومنه البدء والإِعادة { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله الخلق والأمر، لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون { وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } أي وإِليه تُرجعون يوم القيامة { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي لا تفوتون من عذاب الله، وليس لكم مهربٌ في الأرض ولا في السماء قال القرطبي: والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله كقوله{*وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ*}
[النساء: 78] { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي ليس لكم غير الله وليٌّ يحميكم من بلائه، ولا نصير ينصركم من عذابه { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ } أي كفروا بالقرآن والبعث { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } أي أولئك المنكرون الجاحدون قنطوا من رحمتي قال ابن جرير: وذلك في الآخرة عند رؤية العذاب { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي لهم عذاب موجع مؤلم { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } أي فما كان ردُّ قومه عليه حين دعاهم إلى الله ونهاهم عن الأصنام إِلا أن قال كبراؤهم المجرمون: اقتلوه لتستريحوا منه أو حرّقوه بالنار { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } أي فألقوه في النار فجعلها برداً وسلاماً عليه { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي إِنَّ في إِنجائنا لإِبراهيم من النار لدلائل وبراهين ساطعة على قدرة الله لقوم يصدقون بوجود الله وكمال قدرته وجلاله { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً } أي قال إبراهيم لقومه توبيخاً لهم وتقريعاً: إِنما عبدتم هذه الأوثان والأصنام وجعلتموها آلهة مع الله { مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي من أجل أن تدوم المحبة والألفة بينكم في هذه الحياة باجتماعكم على عبادتها { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } أي ثم في الآخرة ينقلب الحال فتصبح هذه الصداقة والمودة عداوةً وبغضاء حيث يقع التناكر ويتبرأ القادة من الأتباع ويلعن الأتباع القادة، لأن صداقتهم في الدنيا لم تكن من أجل الله { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي ومصيركم جميعاً جهنم وليس لكم ناصر أو معين يخلصكم منها { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } أي فآمن معه لوط وصدَّقه وهو ابن أخيه وأول من آمن به لما رأى من الآيات الباهرة { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } أي وقال الخليل إِبراهيم، إِني تاركٌ وطني ومهاجر من بلدي رغبة في رضى الله قال المفسرون: هاجر من سواد العراق إلى فلسطين والشام ابتغاء إِظهار الدين والتمكن من نشره { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي هو العزيز الذي لا يذل من اعتمد عليه، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } أي وهبنا لإِبراهيم - لما فارق قومه في الله - ولداً صالحاً هو إِسحاق وولد ولدٍ وهو يعقوب بن إسحاق { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } أي خصصناه بهذا الفضل العظيم حيث جعلنا كل الأنبياء بعد إِبراهيم من ذريته، وجعلنا الكتب السماوية نازلةً على الأنبياء من بنيه قال ابن كثير: وهذه خصلة سنية عظيمة مع اتخاذ الله إِياه خليلاً، وجعله إِماماً للناس، أن جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فلم يوجد نبيٌ بعد إِبراهيم إِلا وهو من سلالته، فجميع أنبياء بني إِسرائيل من سلالة ولده " يعقوب " ولم يوجد نبي من سلالة " إِسماعيل " سوى النبي العربي عليه أفضل الصلاة والتسليم { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } أي وتركنا له الثناء الحسن في جميع الأديان { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي وهو في الآخرة في عداد الكاملين في الصلاح، وهذا ثناءٌ عظيم على أب الأنبياء إبراهيم عليه السلام.


البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الاستفهام للتقريع والتوبيخ والإِنكار { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا }.

2- الطباق بين { صَدَقُواْ.. وٱلْكَاذِبِينَ } وبين { آمَنُواْ.. وٱلْمُنَافِقِينَ } وبين { يُعَذِّبُ.. وَيَرْحَمُ } وبين { يُبْدِئُ.. يُعِيدُهُ }.

3- التأكيد بإِنَّ واللام { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ } لأن المخاطب منكر.

4- صيغة المبالغة { ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }.

5- الجناس غير التام { يَسِيرٌ.. وسِيرُواْ }.

6- التشبيه المرسل المجمل { فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } حذف منه وجه الشبه فهو مجمل.

7- التفنن في التعبير { أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } لم يقل إِلا خمسين سنة تفنناً لأن التكرار في الكلام الواحد مخالف للبلاغة إِلا إِذا كان لغرضٍ من تفخيم أو تهويل مثل
{*ٱلْقَارِعَةُ مَا ٱلْقَارِعَةُ*}
[القارعة: 1-2].

8- أسلوب الإِطناب { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً.. إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } لغرض التشنيع عليهم في عبادة الأوثان.

9- أسلوب الإِيجاز { ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } أي حرقوه في النار ثم قال { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ } أي ففعلوا فأنجاه الله من النار.

10- الاستعارة اللطيفة { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } شبّه الذنوب بالأثقال لأنها تثقل كاهل الإنسان.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=938006
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-07-05, 16:16 رقم المشاركة : 2
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة العنكبوت


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ظ±لْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ظ±لْعَالَمِينَ } * { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ظ±لرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ظ±لسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ظ±لْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ظ±ئْتِنَا بِعَذَابِ ظ±للَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ظ±لصَّادِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ ظ±نصُرْنِي عَلَى ظ±لْقَوْمِ ظ±لْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِظ±لْبُشْرَىظ° قَالُوغ¤اْ إِنَّا مُهْلِكُوغ¤ أَهْلِ هَـظ°ذِهِ ظ±لْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } * { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ظ±مْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ظ±لْغَابِرِينَ } * { وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ظ±مْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ظ±لْغَابِرينَ } * { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىظ° أَهْلِ هَـظ°ذِهِ ظ±لْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ظ±لسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَإِلَىظ° مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يظ°قَوْمِ ظ±عْبُدُواْ ظ±للَّهَ وَظ±رْجُواْ ظ±لْيَوْمَ ظ±لأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ظ±لأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ظ±لرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ظ±لشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ظ±لسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } * { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىظ° بِظ±لْبَيِّنَاتِ فَظ±سْتَكْبَرُواْ فِي ظ±لأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } * { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ظ±لصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ظ±لأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ظ±للَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـظ°كِن كَانُوغ¤اْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { مَثَلُ ظ±لَّذِينَ ظ±تَّخَذُواْ مِن دُونِ ظ±للَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ظ±لْعَنكَبُوتِ ظ±تَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ظ±لْبُيُوتِ لَبَيْتُ ظ±لْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ ظ±للَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ظ±لْعَزِيزُ ظ±لْحَكِيمُ } * { وَتِلْكَ ظ±لأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ظ±لْعَالِمُونَ } * { خَلَقَ ظ±للَّهُ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضَ بِظ±لْحَقِّ إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { ظ±تْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ظ±لْكِتَابِ وَأَقِمِ ظ±لصَّلاَةَ إِنَّ ظ±لصَّلاَةَ تَنْهَىظ° عَنِ ظ±لْفَحْشَآءِ وَظ±لْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ظ±للَّهِ أَكْبَرُ وَظ±للَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى قصة نوح وإِبراهيم، وما فيهما من مواطن العظة والعبرة، ذكر هنا قصص الأنبياء " لوط، شعيب، هود، صالح " على سبيل الاختصار لبيان عاقبة الله في المكذبين.. وكلُّ ذلك لتأكيد ما ورد في صدر السورة الكريمة من أن الابتلاء سنة الحياة، وأنه من السنن الكونية على مر العصور والدهور.

اللغَة:

{ ظ±لْفَاحِشَةَ } الفعلة المتناهية في القبح قال أهل اللغة: الفاحشةُ: القبيح الظاهر قبحه، وكل فعلٍ زاد في القبح والشناعة فهو فاحشة { نَادِيكُمُ } النادي: المجلس الذي يجتمع فيه القوم للسَّمر أو المشورة أو غيرهما { تَعْثَوْاْ } العُثُوُّ والعُثيُّ أشدُّ الفساد يقال: عثي يعثى، وعثا يعثو بمعنى واحد { رِجْزاً } عذاباً { جَاثِمِينَ } جثم: إِذا قعد على ركبتيه { سَابِقِينَ } فائتين من عذابنا { أَوْهَنَ } أضعف، والوهنُ: الضعف.

التفسِير:

{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } أي واذكر رسولنا لوطاً عليه السلام حين قال لقومه { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ظ±لْفَاحِشَةَ } أي إِنكم يا معشر القوم لترتكبون الفعلة المتناهية في القبح { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ظ±لْعَالَمِينَ } أي لم يسبقكم بهذه الشنيعة، والفعلة القبيحة - وهي اللواطة - أحدٌ من الخلق، ثم فسر تلك الشنيعة فقال { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ظ±لرِّجَالَ } أي إِنكم لتأتون الذكور في الأدبار وذلك منتهى القذارة والخسَّة قال المفسرون: لم يقدم أحد قبلهم عليها اشمئزازاً منها في طباعهم لإِفراط قبحها حتى أقدم عليها قوم لوط، ولم ينز ذكرٌ على ذكر قبل قوم لوط { وَتَقْطَعُونَ ظ±لسَّبِيلَ } أي وتقطعون الطريق على المارة بالقتل وأخذ المال، وكانوا قطاع الطريق قال ابن كثير: كانوا يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ظ±لْمُنْكَرَ } أي وتفعلون في مجلسكم ومنتداكم ما لا يليق من أنواع المنكرات علناً وجهاراً، أما كفاكم قبحُ فعلكم حتى ضممتم إِليه قبح الإِظهار!؟ قال مجاهد: كانوا يأتون الذكور أمام الملأ يرى بعضهم بعضاً، وقال ابن عباس: كانوا يحذفون بالحصى من مرَّ بهم مع الفحش في المزاح، وحل الإِزار، والصفير وغير ذلك من القبائح { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } أي فما كان ردُّ قومه عليه حين نصحهم وذكّرهم وحذَّرهم { إِلاَّ أَن قَالُواْ ظ±ئْتِنَا بِعَذَابِ ظ±للَّهِ } أي إِلا أن قالوا على سبيل الاستهزاء: ائتنا يا لوط بالعذاب الذي تعدنا به { إِن كُنتَ مِنَ ظ±لصَّادِقِينَ } أي إن كنت صادقاً فيما تهددنا به من نزول العذاب قال الإِمام الفخر: فإِن قيل إِن الله تعالى قال هظ°هنا { إِلاَّ أَن قَالُواْ ظ±ئْتِنَا } وقال في موضع آخر
{*إِلاَّ أَن قَالُوغ¤اْ أَخْرِجُوغ¤اْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ*}
[النمل: 56] فكيف وجه الجمع بينهما؟ فنقول: إِن لوطاً كان ثابتاً على الإِرشاد، مكرراً عليهم النهي والوعيد، فقالوا أولاً: ائتنا بعذاب الله، ثم لما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم قالوا أخرجوا آل لوط، ثم إِن لوطاً لما يئس منهم طلب النصرة من الله { قَالَ رَبِّ ظ±نصُرْنِي عَلَى ظ±لْقَوْمِ ظ±لْمُفْسِدِينَ } أي قال لوط ربّ أهلكهم وانصرني عليهم فإِنهم سفهاء مفسدون لا يُرجى منهم صلاح وقد أغرقوا في الغيّ والفساد قال الرازي: واعلم أن نبياً من الأنبياء ما طلب هلاك قوم إِلا إِذا علم أن عدمهم خير من وجودهم كما قال نوح{*إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ*}
[نوح: 27] فكذلك لوط لما رأى أنهم يفسدون في الحال، ولا يرجى منهم صلاح في المآل طلب لهم العذاب { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِظ±لْبُشْرَىظ° } المراد بالرسل هنا " الملائكة " والبشرى هي تبشير إبراهيم بالولد، أي لما جاءت الملائكة تبشّر إِبراهيم بغلام حليم { قَالُوغ¤اْ إِنَّا مُهْلِكُوغ¤ أَهْلِ هَـظ°ذِهِ ظ±لْقَرْيَةِ } أي جئنا لنهلك قرية قوم لوط { إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } أي لأنَّ أهلها ممعنون في الظلم والفساد، طبيعتهم البغيُ والعناد قال المفسرون: لما دعا لوط على قومه، استجاب الله دعاءه، وأرسل ملائكته لإِهلاكهم، فمرُّوا بطريقهم على إِبراهيم أولاً فبشروه بغلامٍ وذرية صالحة، ثم أخبروه بما أُرسلوا من أجله، فجادلهم بشأن ابن أخيه لوط { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً } أي كيف تهلكون أهل القرية وفيهم هذا النبي الصالح " لوط "؟ { قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا } أي نحن أعلم به وبمن فيها من المؤمنين قال الصاوي: وهذا بعد المجادلة التي تقدمت في سورة هود
{*يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ*}
[هود: 74] حيث قال لهم: أتهلكون قريةً فيها ثلاثمائة مؤمن؟ قالوا لا، إِلى أن قال: أفرأيتم إِن كان فيها مؤمن واحد؟ قالوا لا فقال لهم { إِنَّ فِيهَا لُوطاً } فأجابوه بقولهم { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا } ثم بشروه بإِنجاء لوط والمؤمنين { لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ظ±مْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ظ±لْغَابِرِينَ } أي سوف ننجيه مع أهله من العذاب، إِلا امرأته فستكون من الهالكين لأنها كانت تمالئهم على الكفر، ثم ساروا من عنده فدخلوا على " لوط " في صورة شبان حسان { وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } أي ولما دخلوا على لوط حزن بسببهم، وضاق صدره من مجيئهم لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف، فخاف عليهم من قومه، فأعلموه أنهم رسل ربه { وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ } أي لا تخف علينا ولا تحزن بسببنا، فلن يصل هؤلاء المجرمون إِلينا { إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ظ±مْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ظ±لْغَابِرينَ } أي كانت من الهالكين الباقين في العذاب { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىظ° أَهْلِ هَـظ°ذِهِ ظ±لْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ظ±لسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } أي منزلون عليهم عذاباً من السماء بسبب فسقهم المستمر قال ابن كثير: وذلك أن جبريل عليه السلام اقتلع قراهم من قرار الأرض، ثم رفعها إلى عنان السماء ثم قلبها عليهم، وأرسل عليهم حجارة من سجيل منضود، وجعل مكانها بحيرةً خبيثةً منتنة، وجعلهم عبرةً إلى يوم التناد، وهم من أشد الناس عذاباً يوم المعاد { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً } أي ولقد تركنا من هذه القرية علامةً بينةً واضحة، هي آثار منازلهم الخربة { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي لقومٍ يتفكرون ويتدبرون ويستعملون عقولهم في الاستبصار والاعتبار، ثم أخبر تعالى عن قصة شعيب فقال { وَإِلَىظ° مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } أي وأرسلنا إلى قوم مدين أخاهم شعيباً { فَقَالَ يظ°قَوْمِ ظ±عْبُدُواْ ظ±للَّهَ وَظ±رْجُواْ ظ±لْيَوْمَ ظ±لأَخِرَ } أي فقال لقومه ناصحاً ومذكراً: يا قوم وحّدوا الله وخافوا عقابه الشديد في اليوم الآخر { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ظ±لأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي لا تسعوا بالإِفساد في الأرض بأنواع البغي والعدوان { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ظ±لرَّجْفَةُ } أي فكذبوا رسولهم شعيباً فأهلكهم الله برجفةٍ عظيمة مدمرة زلزلت عليهم بلادهم، وصيحة هائلة أخرجت القلوب من حناجرها { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } أي فأصبحوا هلكى باركين على الركب ميتين { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } أي وأهلكنا عاداً وثمود، وقد ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم بالحجاز واليمن آيتنا في هلاكهم أفلا تعتبرون؟ { وَزَيَّنَ لَهُمُ ظ±لشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي وحسَّن لهم الشيطان أعمالهم القبيحة من الكفر والمعاصي حتى رأوها حسنة { فَصَدَّهُمْ عَنِ ظ±لسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } أي فمنعهم عن طريق الحق، وكانوا عقلاء متمكنين من النظر والاستدلال، لكنهم لم يفعلوا تكبراً وعناداً { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } أي وأهلكنا كذلك الجبابرة الظالمين، { قَارُونَ } صاحب الكنوز الكثيرة { وَفِرْعَوْنَ } صاحب الملك والسلطان، ووزيره { وَهَامَانَ } الذي كان يُعينُه على الظلم والطغيان { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىظ° بِظ±لْبَيِّنَاتِ } أي ولقد جاءهم موسى بالحجج الباهرة، والآيات الظاهرة { فَظ±سْتَكْبَرُواْ فِي ظ±لأَرْضِ } أي فاستكبروا عن عبادة الله وطاعة رسوله { وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ } أي وما كانوا ليفلتوا من عذابنا قال الطبري: أي ما كانوا ليفوتونا بل كنا مقتدرين عليهم { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } أي فكلاً من هؤلاء المجرمين أهلكناه بسبب ذنبه وعاقبناه بجنايته قال ابن كثير: أي وكانت عقوبته بما يناسبه { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أي ريحاً عاصفة مدمرة فيها حصباء " حجارة " كقوم لوط { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ظ±لصَّيْحَةُ } أي ومنهم من أخذته صيحةُ العذاب مع الرجفة كثمود { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ظ±لأَرْضَ } أي خسفنا به وبأملاكه الأرض حتى غاب فيها كقارون وأصحابه { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } أي أهلكناه بالغرق كقوم نوح وفرعون وجنده { وَمَا كَانَ ظ±للَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } أي وما كان الله ليعذبهم من غير ذنب فيكون لهم ظالماً { وَلَـظ°كِن كَانُوغ¤اْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي ولكن ظلموا أنفسهم فاستحقوا العذاب والدمار، ثم ضرب تعالى مثلاً للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله فقال { مَثَلُ ظ±لَّذِينَ ظ±تَّخَذُواْ مِن دُونِ ظ±للَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ظ±لْعَنكَبُوتِ ظ±تَّخَذَتْ بَيْتاً } أي مثل الذين اتخذوا من دون الله أصناماً يعبدونها في اعتمادهم عليها ورجائهم نفعها كمثل العنكبوت في اتخاذها بيتاً لا يغني عنها في حر ولا برد، ولا مطر ولا أذى قال القرطبي: هذا مثل ضربه الله سبحانه لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حراً ولا برداً { وَإِنَّ أَوْهَنَ ظ±لْبُيُوتِ لَبَيْتُ ظ±لْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي وإِن أضعف البيوت لبيتُ العنكبوت لتفاهته وحقارته، لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم ما عبدوها { إِنَّ ظ±للَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } أي هو تعالى عالم بما عبدوه من دونه لا يخفى عليه ذلك، وسيجازيهم على كفرهم { وَهُوَ ظ±لْعَزِيزُ ظ±لْحَكِيمُ } أي وهو جل وعلا العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه { وَتِلْكَ ظ±لأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي وتلك الأمثال نبينها للناس في القرآن لتقريبها إلى أذهانهم { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ظ±لْعَالِمُونَ } أي وما يدركها ويفهمها إِلا العالمون الراسخون، الذين يعقلون عن الله عز وجل مراده { خَلَقَ ظ±للَّهُ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضَ بِظ±لْحَقِّ } أي خلقهما بالحق الثابت لا على وجه العبث واللعب { إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } أي إِن في خلقهما بذلك الشكل البديع، والصنع المحكم لعلامة ودلالة للمصدقين بوجود الله ووحدانيته { ظ±تْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ظ±لْكِتَابِ } أي اقرأ يا محمد هذا القرآن المجيد الذي أوحاه إِليك ربك، وتقرّب إِليه بتلاوته وترداده، لأن فيه محاسن الآداب ومكارم الأخلاق { وَأَقِمِ ظ±لصَّلاَةَ } أي دم على إِقامتها بأركانها وشروطها وآدابها فإِنها عماد الدين { إِنَّ ظ±لصَّلاَةَ تَنْهَىظ° عَنِ ظ±لْفَحْشَآءِ وَظ±لْمُنْكَرِ } أي إِنَّ الصلاة الجامعة لشروطها وآدابها، المستوفية لخشوعها وأحكامها، إِذا أداها المصلي كما ينبغي، وكان خاشعاً في صلاته، متذكراً لعظمة ربه، متدبراً لما يتلو، نهته عن الفواحش والمنكرات { وَلَذِكْرُ ظ±للَّهِ أَكْبَرُ } أي ولذكر الله أكبر من كل شيء في الدنيا، وهو أن تتذكر عظمته وجلاله، وتذكره في صلاتك وفي بيعك وشرائك، وفي أمور حياتك ولا تغفل عنه في جميع شؤونك { وَظ±للَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } أي يعلم جميع أعمالكم وأفعالكم فيجازيكم عليها أحسن المجازاة، قال أبو العالية: إن الصلاة فيها ثلاث خصال: الإِخلاص، والخشية، وذكر الله؛ فالإِخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله - القرآن - يأمره وينهاه فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- التأكيد بعده مؤكدات والاطناب بتكرار الفعل تهجيناً لعملهم القبيح وتوبيخاً { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ظ±لْفَاحِشَةَ.. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ظ±لرِّجَالَ } الآية.

2- الاستهزاء والسخرية { ظ±ئْتِنَا بِعَذَابِ ظ±للَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ظ±لصَّادِقِينَ } وجواب الشرط محذوف دل عليه السابق أي إِن كنت صادقاً فائتنا به.

3- التنكير لإِفادة التهويل { رِجْزاً مِّنَ ظ±لسَّمَآءِ } أي رجزاً عظيماً هائلاً.

4- تقديم المفعول للعناية والاهتمام، والإِجمال ثم التفصيل { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ظ±لصَّيْحَةُ } الخ.

5- التشبيه التمثيلي { مَثَلُ ظ±لَّذِينَ ظ±تَّخَذُواْ مِن دُونِ ظ±للَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ظ±لْعَنكَبُوتِ ظ±تَّخَذَتْ بَيْتاً } شبَّه الله الكافرين في عبادتهم للأصنام بالعنكبوت في بنائها بيتاً ضعيفاً واهياً يتهاوى من هبة نسيم أو من نفخة فم، وسمي تمثيلياً لأن وجه الشبه صورة منتزعة من متعدد.

6- توافق الفواصل في الحرف الأخير وما فيه من جرس عذب بديع مثل { ظ±نصُرْنِي عَلَى ظ±لْقَوْمِ ظ±لْمُفْسِدِينَ.. إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } ومثل { وَإِنَّ أَوْهَنَ ظ±لْبُيُوتِ لَبَيْتُ ظ±لْعَنكَبُوتِ } ومثل { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ.. آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الخ وهو من خصائص القرآن.

تنبيه:
أفادت الآية أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقد ثبت " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إِن فلاناً يصلي الليل فاذا أصبح سرق فقال: " ستمنعه صلاته " رواه البزار، يريد عليه السلام أن الصلاة إذا كانت على الوجه الأكمل، تنهى صاحبها عن الفحشاء، ولا تزيده بعداً بل تزيده قرباً.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-07-06, 14:57 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة العنكبوت


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَلاَ تُجَادِلُوغ¤اْ أَهْلَ ظ±لْكِتَابِ إِلاَّ بِظ±لَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ظ±لَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوغ¤اْ آمَنَّا بِظ±لَّذِيغ¤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـظ°هُنَا وَإِلَـظ°هُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ظ±لْكِتَابَ فَظ±لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ظ±لْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـظ°ؤُلاغ¤ءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ظ±لْكَافِرونَ } * { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ظ±لْمُبْطِلُونَ } * { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ظ±لظَّالِمُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ظ±لآيَاتُ عِندَ ظ±للَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ظ±لْكِتَابَ يُتْلَىظ° عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىظ° لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ كَفَىظ° بِظ±للَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ وَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ بِظ±لْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِظ±للَّهِ أُوْلَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لْخَاسِرُونَ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ظ±لْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِظ±لْكَافِرِينَ } * { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ظ±لْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يظ°عِبَادِيَ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَظ±عْبُدُونِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ظ±لْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ظ±لْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ظ±لأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ظ±لْعَامِلِينَ } * { ظ±لَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىظ° رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ظ±للَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ظ±لسَّمِيعُ ظ±لْعَلِيمُ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضَ وَسَخَّرَ ظ±لشَّمْسَ وَظ±لْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ظ±للَّهُ فَأَنَّىظ° يُؤْفَكُونَ } * { ظ±للَّهُ يَبْسُطُ ظ±لرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ ظ±للَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ظ±لأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ظ±للَّهُ قُلِ ظ±لْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا هَـظ°ذِهِ ظ±لْحَيَاةُ ظ±لدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ظ±لدَّارَ ظ±لآخِرَةَ لَهِيَ ظ±لْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ظ±لْفُلْكِ دَعَوُاْ ظ±للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ظ±لدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ظ±لْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ظ±لنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِظ±لْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ظ±للَّهِ يَكْفُرُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ظ±فْتَرَىظ° عَلَى ظ±للَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِظ±لْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَظ±لَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَمَعَ ظ±لْمُحْسِنِينَ }

المنَاسَبَة:

لما بيَّن تعالى ضلال من اتخذ أولياء من دون الله، وضرب المثل ببيت العنكبوت، أمر هنا بالتلطف في دعوة أهل الكتاب إلى الإِيمان، ثم ذكر البراهين القاطعة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وصحة القرآن، وختم السورة الكريمة ببيان المانع من التوحيد وهو اغترار الناس بالحياة الدنيا الفانية، وبيَّن أن المشركين يوحدون الله وقت الشدة، وينسونه وقت الرخاء.

اللغَة:
{ بَغْتَةً } فجأة يقال: بَغَتَه إذا دهمه على حين غفلة { يَغْشَاهُمُ } يجللهم ويغطيهم من فوقهم، والغشاء: الغطاء { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } بوَّأه: أنزله في المكان على وجه الإِقامة { غُرَفَاً } منازل رفيعة عالية في الجنة { يُؤْفَكُونَ } يُصرفون عن الحق إلى الباطل { يَبْسُطُ } يوسّع { وَيَقْدِرُ } يضيق { مَثْوًى } المكان اليذي يقيم فيه الإِنسان.

سَبَبُ النّزول:
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين بالهجرة حين آذاهم المشركون فقال لهم: اخرجوا إلى المدينة وهاجروا، ولا تجاوروا الظلمة، قالوا: ليس لنا بها دار ولا عقار، ولا من يطعمنا ولا من يسقينا فنزلت { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ظ±للَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ.. } الآية.

التفسِير:
{ وَلاَ تُجَادِلُوغ¤اْ أَهْلَ ظ±لْكِتَابِ إِلاَّ بِظ±لَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي لا تدعو أهل الكتاب إلى الإِسلام وتناقشوهم في أَمر الدين إلا بالطريقة الحسنى كالدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه على حججه وبيناته { إِلاَّ ظ±لَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } أي إلا من كان ظالماً، محارباً لكم، مجاهداً في عداوتكم، فجادلوهم بالغلظة والشدة قال الإِمام الفخر: إن المشرك لما جاء بالمنكر الفظيع كان اللائق أن يُجادل بالأخشن، ويُبالغ في توهين شبهه وتهجين مذهبه، وأما أهل الكتاب فإنهم آمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل إلا الاعتراف بالنبي عليه السلام، فلمقابلة إحسانهم يُجادلون بالأحسن إلا الذين ظلموا منهم بإثبات الولد لله، والقول بثالث ثلاثة فإنهم يُجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم، وتبيين جهالتهم { وَقُولُوغ¤اْ آمَنَّا بِظ±لَّذِيغ¤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } أي وقولوا لهم: آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا وبالتوراة والإِنجيل التي أنزلت إليكم، قال أبو هريرة: " كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإِسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، { وَقُولُوغ¤اْ آمَنَّا بِظ±لَّذِيغ¤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } " { وَإِلَـظ°هُنَا وَإِلَـظ°هُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي ربنا وربكم واحد لا شريك له في الألوهية، ونحن له مطيعون، مستسلمون لحكمه وأمره { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ظ±لْكِتَابَ } أي وكما أنزلنا الكتاب على من قبلك يا محمد أنزلناه عليك { فَظ±لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ظ±لْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي فالذين أعطيناهم الكتاب كعبد الله ابن سلام وأمثاله ممن أسلم من اليهود والنصارى يؤمنون بالقرآن { وَمِنْ هَـظ°ؤُلاغ¤ءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ } أي ومن أهل مكة من يؤمن بالقرآن كذلك { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ظ±لْكَافِرونَ } أي وما يكذب بآياتنا وينكرها مع ظهورها وقيام الحجة عليها إلا المتوغلون في الكفر، المصرّون على العناد قال قتادة: وإنما يكون الجحود بعد المعرفة { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } أي وما كنتَ يا محمد تعرف القراءة ولا الكتابة قبل نزول هذا القرآن لأنك أميٌ قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمياً لا يقرأ شيئاً ولا يكتب { إِذاً لاَّرْتَابَ ظ±لْمُبْطِلُونَ } أي لو كنت تقرأ أو تكتب إذاً لشك الكفار في القرآن وقالوا؛ لعله التقطه من كتب الأوائل ونسبه إلى الله، والآيةُ احتجاجٌ على أن القرآن من عند الله، لأنه النبي أميّ وجاءهم بهذا الكتاب المعجز، المتضمن لأخبار الأمم السابقة، والأمور الغيبية، وذلك أكبر برهان على صدقه صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير: المعنى قد لبثت في قومك يا محمد - من قبل أن تأتي بهذا القرآن - عمراً لا تقرأ كتاباً، ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك يعرف أنك أميٌ لا تقرأ ولا تكتب، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة، ولا يخط حرفاً ولا سطراً بيده، بل كان له كتَّاب يكتبون له الوحي { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لْعِلْمَ } { بَلْ } للإِضراب أي ليس الأمر كما حسب الظالمون والمبطلون بل هو آياتٌ واضحاتُ الإِعجاز، ساطعات الدلالة على أنها من عند الله، محفوظة في صدور العلماء، قال المفسرون: من خصائص القرآن العظيم أنَّ الله حفظه من التبديل والتغيير بطريقين: الأول: الحفظُ في السطور، والثاني: الحفظُ في الصدور، بخلاف غيره من الكتب فإنها مسطّرة لديهم غير محفوظة في صدورهم ولهذا دخلها التحريف، وقد جاء في صفة هذه الأمة " أناجيلُهم في صدروهم " وقال الحسن: أُعطيت هذه الأمة الحفظ، وكان من قبلها لا يقرءون كتابهم إلا نظراً، فإذا أطبقوه لم يحفظ ما فيه إلا النبيّون { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ظ±لظَّالِمُونَ } أي وما يكذب بها إلا المتجاوزون الحد في الكفر والعناد { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } أي وقال كفار مكة: هلاَّ أُنزل على محمد آيات خارقة من ربه تدل على صدقه مثل ناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى!! { قُلْ إِنَّمَا ظ±لآيَاتُ عِندَ ظ±للَّهِ } أي قل لهم يا محمد: إنما أمر هذه الخوارق والمعجزات لله وليست بيدي، إن شاء أرسلها، وإن شاء منعها، وليس لأحدٍ دخلٌ فيها { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي وإنما أنا منذر أخوفكم عذاب الله، وليس من شأني أن آتي بالآيات { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ظ±لْكِتَابَ يُتْلَىظ° عَلَيْهِمْ }؟ الاستفهام للتوبيخ أي أولم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي لا يزال يقرع أسماعهم؟ وكيف يطلبون آيةً والقرآن أعظم الآيات وأوضحها دلالة على صحة نبوتك؟ قال ابن كثير: بيَّن تعالى كثرة جهلهم، وسخافة عقلهم، حيث طلبوا آياتٍ تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الذي هو أعظم من كل معجزة، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته، بل عن معارضة سورة منه، أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب العظيم وأنت رجلٌ أميٌ لا تقرأ ولا تكتب، وجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى؟ ولهذا قال بعده { إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىظ° لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي إن في إنزال هذا القرآن لنعمةً عظيمة على العباد بإنقاذهم من الضلالة، وتذكرة بليغة لقوم غرضهم الإِيمان لا التعنت { قُلْ كَفَىظ° بِظ±للَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أي قل لهم: كفى أن يكون الله جلَّ وعلا شاهداً على صدقي، يشهد لي أني رسولُه { يَعْلَمُ مَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ } أي لا تخفى عليه خافية من أمر العباد، فلو كنتُ كاذباً عليه لانتقم مني { وَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ بِظ±لْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِظ±للَّهِ أُوْلَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لْخَاسِرُونَ } أي والذين آمنوا بالأوثان وكفروا بالرحمن، أولئك هم الكاملون في الخسران حيث اشتروا الكفر بالإِيمان { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ } أي يستعجلك يا محمد المشركون بالعذاب يقولون
{*أَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ظ±لسَّمَآءِ*}
[الأنفال: 32] وهو استعجال على جهة التكذيب والاستهزاء { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ظ±لْعَذَابُ } أي لولا أن الله قدَّر لعذابهم وهلاكهم وقتاً محدوداً لجاءهم العذاب حين طلبوه { وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي وليأتينهم فجأة وهم ساهون لاهون لا يشعرون بوقت مجيئه { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِظ±لْكَافِرِينَ } تعجبٌ من قلة فطنتهم ومن تعنتهم وعنادهم والمعنى: كيف يستعجلون العذاب والحال أن جهنم محيطةٌ بهم يوم القيامة كإحاطة السوار بالمعصم، لا مفرَّ لهم منها؟ ثم ذكر كيفية إحاطة جهنم بهم فقال { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ظ±لْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } أي يوم يجللهم العذاب ويحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم، ومن جميع جهاتهم { وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي ويقول الله عز وجل لهم: ذوقوا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا من الاستهزاء والإِجرام، وسيء الأعمال، ثم لما بيَّن تعالى حال المكذبين الجاحدين، أعقبه بذكر حال الأبرار المتقين فقال { يظ°عِبَادِيَ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } خطابُ تشريفٍ للتحريض على الهجرة من دار الكفر إلى دار الإِسلام أي يا من شرفكم الله بالعبودية له هاجروا من مكة إن كنتم في ضيق من إظهار الإِيمان فيها، ولا تجاوروا الظلمة فأرضُ الله واسعة قال مقاتل: نزلت في ضعفاء مسلمي مكة { فَإِيَّايَ فَظ±عْبُدُونِ } أي فخصوني بالعبادة ولا تعبدوا أحداً سواي { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ظ±لْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أي أينما كنتم يدرككم الموتُ، فكونوا دائماً وأبداً في طاعة الله، وحيث أُمرتم فهاجروا فإن الموت لا بدَّ منه ولا محيد عنه، ثم إلى الله المرجع والمآب { وَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ } أي جمعوا بين إخلاص العقيدة وإخلاص العمل { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ظ±لْجَنَّةِ غُرَفَاً } أي لننزلنَّهم أعالي الجنة ولنسكننهم منازل رفيعة فيها { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ظ±لأَنْهَارُ } أي تجري من تحت أشجارها وقصورها أنهار الجنة { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها إلى غير نهاية لا يخرجون منها أبداً { نِعْمَ أَجْرُ ظ±لْعَامِلِينَ } أي نعمت تلك المساكن العالية في جناتِ النعيم أجراً للعاملين { ظ±لَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىظ° رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } هذا بيانٌ للعاملين أي هم الذين صبروا على تحمل المشاقّ من الهجرة والأذى في سبيل الله، وعلى ربهم يعتمدون في جميع أمورهم قال في البحر: وهذان جماع الخير كله: الصبر، وتفويض الأمر إليه تعالى { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } أي كم من دابة ضعيفة لا تقدر على كسب رزقها ولكنَّ الله يرزقها مع ضعفها { ظ±للَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } أي الله تعالى يرزقها كما يرزقكم، وقد تكفل برزق جميع الخلق، فلا تخافوا الفقر إن هاجرتم، فالرازق هو الله قال في التسهيل: والقصدُ بالآية التقوية لقلوب المؤمنين إذا خافوا الفقر والجوع في الهجرة من أوطانهم، فكما يرزق الله الحيوانات الضعيفة كذلك يرزقكم إذا هاجرتم من بلدكم { وَهُوَ ظ±لسَّمِيعُ ظ±لْعَلِيمُ } أي هو السميع لأقوالكم، العليمُ بأحوالكم، ثم عاد الحديث إلى توبيخ المشركين في عبادة غير الله فقال { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضَ وَسَخَّرَ ظ±لشَّمْسَ وَظ±لْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ظ±للَّهُ } أي ولئن سألت المشركين من خلق العالم العلوي والسفلي وما فيهما من العجائب والغرائب؟ ومن ذلَّل الشمس والقمر وسخرهما لمصالح العباد يجريان بنظام دقيق؟ ليقولون: الله خالق ذلك { فَأَنَّىظ° يُؤْفَكُونَ } أي فكيف يُصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك؟ { ظ±للَّهُ يَبْسُطُ ظ±لرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي هو جلَّ وعلا الخالق وهو الرازق، يوسّع الرزق لمن يشاء من عباده امتحاناً، ويضيّق الرزق على من يشاء ابتلاءً، ليظهر الشاكر والصابر { إِنَّ ظ±للَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي إنه تعالى واسع العلم يفعل ما تقتضيه الحكمة والمصلحة { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ظ±لأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ظ±للَّهُ } توبيخٌ آخر وإقامة حجة أخرى عليهم أي ولئن سألت المشركين من الذي أنزل المطر من السماء فأخرج به أنواع الزروع والثمار بعد جدب الأرض ويبسها؟ ليقولون: الله فاعلُ ذلك { قُلِ ظ±لْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } أي قل يا محمد: حمداً لله على ظهور الحجة، بل أكثرهم لا يعقلون، حيث يقرون بأن الله هو الخالق الرازق ويعبدون غيره { وَمَا هَـظ°ذِهِ ظ±لْحَيَاةُ ظ±لدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } أي وما الحياة في هذه الدنيا إلا غرور ينقضي سريعاً ويزول، كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون { وَإِنَّ ظ±لدَّارَ ظ±لآخِرَةَ لَهِيَ ظ±لْحَيَوَانُ } أي وإن الآخرة لهي دار الحياة الحقيقية التي لا موت فيها ولا تنغيص { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي لو كان عندهم علم لم يُؤْثروا دار الفناء على دار البقاء، لأن الدنيا حقيرة لا تزن عند الله جناح بعوضه، ولقد أحسن من قال
تأملْ في الوجود بعين فكر
***
ترى الدنيا الدنيَّة كالخيال
ومَنْ فيها جميعاً سوف يفنى
***
ويبقى وجهُ ربك ذو الجلال
{ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ظ±لْفُلْكِ دَعَوُاْ ظ±للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ظ±لدِّينَ } إقامة حجة ثالثة على المشركين في دعائهم الله عند الشدائد، ثم يشركون به في حال الرخاء والمعنى إذا ركبوا في السفن وخافوا الغرق دعوا الله مخلصين له الدعاء، لعلمهم أنه لا يكشف الشدائد عنهم إلاّ هو، وفي لفظ { مُخْلِصِينَ } ضربٌ من التهكم { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ظ±لْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } أي فلما خلَّصهم من أهوال البحر، ونجاهم إلى جانب البر إذا هم يعودون إلى كفرهم وإشراكهم، ناسين ربهم الذي أنقذهم من الشدائد والأهوال { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } أمرٌ على وجه التهديد أي فليكفروا بما أعطيناهم من نعمة الإِنجاء من البحر، وليتمتعوا في هذه الحياة الدنيا بباقي أعمارهم، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ظ±لنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } أي أولم ير هؤلاء الكفار، رؤية تفكر واعتبار، أنا جعلنا بلدهم " مكة " حرماً مصوناً عن السلب والنهب، آمناً أهله من القتل والسبي، والناسُ حولهم يُسبون ويقتلون؟ قال الضحاك: { وَيُتَخَطَّفُ ظ±لنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } أي يقتل بعضُهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً { أَفَبِظ±لْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ظ±للَّهِ يَكْفُرُونَ } أي أفبعد هذه النعم الجليلة يؤمنون بالأوثان ويكفرون بالرحمن؟ { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ظ±فْتَرَىظ° عَلَى ظ±للَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِظ±لْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ } أي لا أحد أظلم ممن عبد غير الله وكذَّب بالقرآن حين جاءه { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ }؟ أي أليس في جهنم مأوى وموضع إقامة للكافرين بآيات الله جزاء افترائهم وكفرهم؟ { وَظ±لَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } أي والذين جاهدوا النفس والشيطان والهوى والكفرة أعداء الدين ابتغاء مرضاتنا لنهدينهم طريق السير إلينا { وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَمَعَ ظ±لْمُحْسِنِينَ } أي مع المؤمنين بالنصر والعون.

البّلاَغَة:
تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- التحضيض { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ }.

2- الطباق { آمَنُواْ بِظ±لْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِظ±للَّهِ }.

3- إفادة القصر { أُوْلَـظ°ئِكَ هُمُ ظ±لْخَاسِرُونَ } أي لا غيرهم.

4- الإِطناب بذكر العذاب مراتٍ للتشنيع على المشركين { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ } { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ظ±لْعَذَابُ } الخ.

5- الإِضافة للتشريف والتكريم { يظ°عِبَادِيَ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ }.

6- الطباق { يَبْسُطُ ظ±لرِّزْقَ.. وَيَقْدِرُ } ومثله { أَفَبِظ±لْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ظ±للَّهِ يَكْفُرُونَ }.

7- المجاز العقلي { حَرَماً آمِناً } أي آمناً أهله.

8- التشبيه البليغ { وَمَا هَـظ°ذِهِ ظ±لْحَيَاةُ ظ±لدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } أي كاللهو وكاللعب حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فأصبح بليغاً على حد قولهم: " زيدٌ أسد ".

9- الإِيجاز بحذف جواب الشرط لدلالة السياق عليه { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي لو كانوا يعلمون لما آثروا الدنيا على الآخرة، ولا الفانية على الباقية.

10- مراعاة الفواصل لما لها من وقع عظيم على السمع يزيد الكلام رونقاً وجمالاً مثل { أَفَبِظ±لْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ظ±للَّهِ يَكْفُرُونَ } { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } { إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } الخ.

تنبيه:

لا ينبغي لمسلمٍ أن يبقى بأرض لا يتيسر له فيها عبادة الله، فأرض الله واسعة، وقد أشارت الآيات إلى وجوب الهجرة إلى دار الإِسلام وكما قيل " وكل مكان يُنبت العزَّ طيّب ".






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-26, 17:35 رقم المشاركة : 4
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تفسير سورة العنكبوت





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 17:29 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd