الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2017-01-26, 20:12 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي تفسير سورة الكهف



[u]* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق [/u]

{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } * { قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } * { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } * { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } * { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } * { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } * { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } * { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } * { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } * { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } * { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } * { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } * { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } * { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } * { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً }

اللغَة:
{ بَاخِعٌ } قاتلٌ ومهلكٌ قال الليث: بخع الرجل نفسه إذا قتلها غيظاً وأصلُ البخع الجهد كما قال الفراء { جُرُزاً } الجُرُز: الأرض التي لا نبات عليها { ٱلْكَهْفِ } النقب المتسع في الجبل وإِذا لم يكن متسعاً فهو غار { وَٱلرَّقِيمِ } اللوح الذي كتبت فيه أسماء أصحاب الكهف { شَطَطاً } الشطط: الجور والغلو وتعدي الحد قال الفراء: اشتط في الأمر جاوز الحد، وشطَّ المنزل بَعُدَ { تَّزَاوَرُ } تتنحَّى وتميل من الازورار بمعنى الميل قال عنترة " وازْورَّ من وقع القنا بلبانه " { بِٱلوَصِيدِ } الفِناء أي فناء الكهف { فَجْوَةٍ } متَّسع من المكان { بِوَرِقِكُمْ } الوَرِق: اسمٌ للفضة سواءً كانت مضروبةً أم لا { أَعْثَرْنَا } أطلعنا { تُمَارِ } تجادل والمراءُ: المجادلة.

التفسِير:
{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ } أي الثناء الكامل مع التعظيم والإِجلال لله الذي أنزل على رسوله محمد القرآن نعمةً عليه وعلى سائر الخلق { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } أي لم يجعل فيه شيئاً من العوج لا في ألفاظه ولا في معانيه، وليس فيه أي عيبٍ أو تناقض { قَيِّماً } أي مستقيماً لا اختلاف فيه ولا تناقض قال الطبري: هذا من المُقدَّم والمؤخر أي أنزل الكتاب قيّماً ولم يجعل له عِوَجاً يعني مستقيماً لا اختلاف فيه ولا تفاوت، ولا اعوجاج ولا ميل عن الحق، { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ } أي لينذر بهذا القرآن الكافرين عذاباً شديداً من عنده تعالى { وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ } أي ويبشّر المصدقين بالقرآن الذين يعملون الأعمال الصالحة { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } أي أن لهم الجنة وما فيها من النعيم المقيم { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } أي مقيمين في ذلك النعيم الذي لا انتهاء له ولا انقضاء { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } أي ويخوّف أولئك الكافرين الذين نسبوا لله الولد عذابه الأليم قال البيضاوي: خصَّهم بالذكر وكَّرر الإِنذار استعظاماً لكفرهم، وإِنما لم يذكر المُنْذَر به استغناءً بتقدم ذكره { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } أي ما لهم بذلك الافتراء الشنيع شيءٌ من العلم أصلاً { وَلاَ لآبَائِهِمْ } أي ولا لأسلافهم الذي قلَّدوهم فتاهوا جميعاً في بيداء الجهالة والضلالة { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } أي عظمت تلك المقالة الشنيعة كلمة قبيحة ما أشنعها وأفظعها؟ خرجت من أفواه أولئك المجرمين، وهي في غاية الفساد والبطلان { إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } أي يقولون إلا كذباً وسفهاً وزوراً { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ } أي فلعلك قاتلٌ نفسك يا محمد ومهلكها غمّاً وحزناً على فراقهم وتوليهم وإِعراضهم عن الإِيمان { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } أي إن لم يؤمنوا بهذا القرآن حسرةً وأسفاً عليهم، فما يستحق هؤلاء أن تحزن وتأسف عليهم، والآية تسليةٌ للنبي عليه السلام { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } أي جعلنا ما عليها من زخارف ورياش ومتاع وذهب وفضة وغيرها زينة للأرض كما زينا السماء بالكواكب { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } أي لنختبر الخلق أيهم أطوع لله وأحسن عملاً لآخرته { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } أي سنجعل ما عليها من الزينة والنعيم حطاماً وركاماً حتى تصبح كالأرض الجرداء التي لا نبات فيها ولا حياة بعد أن كانت خضراء بهجة قال القرطبي: الآية وردت لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى: لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإِنا إِنما جعلنا ذلك امتحاناً واختباراً لأهلها، فمنهم من يتدبر ويؤمن ومنهم من يكفر، ثم إن يوم القيامة بين أيديهم، فلا يعظمنَّ عليك كفرُهم فإِنا سنجازيهم { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً }؟ بدء قصة أصحاب الكهف، والكهفُ الغار المتسع في الجبل، والرقيمُ اللوح الذي كتب فيه أسماء أصحاب الكهف على المشهور والمعنى: لا تظننَّ يا محمد أن قصة أهل الكهف - على غرابتها - هي أعجبُ آيات الله، ففي صفحات هذا الكون من العجائب والغرائب ما يفوق قصة أصحاب الكهف قال مجاهد: أحسبت أنهم كانوا أعجب آياتنا؟ قد كان في آياتنا أعجب منهم { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } أي اذكر حين التجأ الشبان إلى الغار في الجبل وجعلوه مأواهم { فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي أعطنا من خزائن رحمتك الخاصة مغفرة ورزقاً { وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } أي أصلح لنا أمرنا كلَّه واجعلنا من الراشدين المهتدين { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } أي ألقينا عليهم النوم في الغار سنين عديدة { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } أي ثم أيقظناهم من بعد نومهم الطويل لنرى أيَّ الفريقين أدقُّ إحصاءً للمدة التي ناموها في الكهف؟ قال في التسهيل: والمراد بالحزبين: أصحابُ الكهف، والذين بعثهم الله إليهم حتى رأوهم وقال مجاهد: الحزبان من أصحاب الكهف لما استيقظوا اختلفوا في المدة التي لبثوها في الكهف فقال بعضهم: يوماً أو بعض يوم وقال آخرون: ربكم أعلم بما لبثتم، والقول الأول مروي عن ابن عباس { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } أي نحن نقص عليك يا محمد خبرهم العجيب على وجه الصدق دون زيادةٍ ولا نقصان { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } أي إنهم جماعة من الشبان آمنوا بالله فثبتناهم على الدين وزدناهم يقيناً { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي قوينا عزمهم وألهمناهم الصبر حتى أصبحت قلوبهم ثابتة راسخة، مطمئنة إلى الحق معتزةً بالإِيمان { إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي حين قاموا بين يدي الملك الكافر الجبار من غير مبالاة فقالوا ربنا هو خالق السماوات والأرض لا ما تدعونا إليه من عبادة الأوثان والأصنام { لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } أي لن نشرك معه غيره فهو واحد بلا شريك { لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } أي لئن عبدنا غيره نكون قد تجاوزنا الحقَّ، وحُدنا عن الصواب، وأفرطنا في الظلم والضلال { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } أي هؤلاء أهل بلدنا عبدوا الأصنام تقليداً من غير حجة { لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ } أي هلاّ يأتون على عبادتهم لها ببرهان ظاهر، والغرض من التحضيض { لَّوْلاَ } التعجيز كأنهم قالوا إنهم لا يستطيعون أن يأتوا بحجة ظاهرة على عبادتهم للأصنام فهم إذاً كذبة على الله { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } استفهام بمعنى النفي أي لا أحد أظلم ممن كذب على الله بنسبة الشريك إليه تعالى { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي وإِذْ اعتزلتم أيها الفتية قومكم وما يعبدون من الأوثان غير الله تعالى { فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ } أي التجئوا إلى الكهف { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } أي يبسط ربكم ويوسّعْ عليكم رحمته { وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } أي يُسهّل عليكم أسباب الرزق وما ترتفقون به من غداء وعشاء في هذا الغار { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } أي ترى أيها المخاطب الشمس إذا طلعت تميل عن كهفهم جهة اليمين { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ } أي وإِذا غربت تقطعهم وتُبعد عنهم جهة الشمال والغرض أن الشمس لا تصيبهم عند طلوعها ولا عند غروبها كرامةً لهم من الله لئلا تؤذيهم بحرها { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } أي في متَّسع من الكهف وفي وسطه بحيث لا تصيبهم الشمس لا في ابتداء النهار، ولا في آخره { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } أي ذلك الصنيع من دلائل قدرة الله الباهرة قال ابن عباس: لو أن الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم، ولو أنهم لا يُقلَّبون لأكلتهم الأرض { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } أي من يُوفقه الله للإيمان ويرشده إلى طريق السعادة فهو المهتدي حقاً { وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } أي ومن يضلله الله بسوء عمله فلن تجد له من يهديه { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ } أي لو رأيتهم أيها الناظر لظننتهم أيقاظاً لتفتح عيونهم وتقلبهم والحال أنهم نيام { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ } أي ونقلبهم من جانب إلى جانب لئلا تأكل الأرض أجسامهم { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } أي وكلبهم الذي تبعهم باسطٌ يديه بفناء الكهف كأنه يحرسهم { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } أي لو شاهدتهم وهم على تلك الحالة لفررت منهم هارباً رعباً منهم، وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة، فرؤيتهم تثير الرعب إذ يراهم الناظر نياماً كالأيقاظ، يتقلبون ولا يستيقظون { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } أي كما أنمناهم كذلك بعثناهم من النوم وأيقظناهم بعد تلك الرقدة الطويلة التي تشبه الموت ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة مكثهم وإِقامتهم في الغار { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } أي قال أحدهم: كم مكثنا في هذا الكهف؟ فقالوا مكثنا فيه يوماً أو بعض يوم قال المفسرون: إنهم دخلوا في الكهف صباحاً وبعثهم الله في آخر النهار فلما استيقظوا ظنوا أن الشمس قد غربت فقالوا لبثنا يوماً، ثم رأوها لم تغرب فقالوا أو بعض يوم، وما دروا أنهم ناموا ثلاثمائة وتسع سنين { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } أي قال بعضهم، الله أعلم بمدة إقامتنا ولا طائل وراء البحث عنها فخذوا بما هو أهم وأنفع لكم فنحن الآن جياع { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } أي فأرسلوا واحداً منكم إلى المدينة بهذه النقود الفضية { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ } أي فليختر لنا أحلَّ وأطيب الطعام فليشتر لنا منه { وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } أي وليتلطف في دخول المدينة وشراء الطعام حتى لا يشعر بأمرنا أحد { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ } أي إن يظفر يقتلوكم بالحجارة أو يردوكم إلى دينهم الباطل { وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } أي وإِن عدتم إلى دينهم ووافقتموهم على كفرهم فلن تفوزوا بخيرٍ أبداً، وهكذا يتناجى الفتية فيما بينهم خائفين حذرين أن يظهر عليهم الملك الجبار فيقتلهم أو يردهم إلى عبادة الأوثان فيوصون صاحبهم بالتلطف بالدخول والخروج وأخذ الحيطة والحذر { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا } أي وكما بعثناهم من نومهم كذلك أطلعنا الناس عليهم ليستدلوا بذلك على صحة البعث ويوقنوا أن القيامة لا شك فيها، فتكون قصة أصحاب الكهف حجة واضحة ودلالة قاطعة على إمكان البعث والنشور فإن القادر على بعث أهل الكهف بعد نومهم ثلاثمائة عام قادر على بعث الخلق بعد مماتهم { إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } أي حين تنازع القوم في أمر أهل الكهف بعد أن أطلعهم الله عليهم ثم قبض أرواحهم { فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً } أي قال بعض الناس: ابنوا على باب كهفهم بنياناً ليكون علَماً عليهم { رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } أي الله أعلم بحالهم وشأنهم { قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } أي قال الفريق الآخر وهم الأكثرية الغالبة: لنتخذنَّ على باب الكهف مسجداً نصلي فيه ونعبد الله فيه { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } أي سيقول هؤلاء القوم الخائضون في قصتهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب هم ثلاثة رجال يتبعهم كلبهم { وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } أي ويقول البعض: إِنهم خمسةٌ سادسهم الكلب قذفاً بالظنِّ من غير يقين ولا علم كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } أي ويقول البعض إنهم سبعةٌ والثامن هو الكلب { قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } أي الله أعلم بحقيقة عددهم { مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } أي لا يعلم عدتهم إلا قليل من الناس قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، كانوا سبعةً إن الله عدَّهم حتى انتهى إلى السبعة قال المفسرون: إن الله تعالى لما ذكر القول الأول والثاني أردفه بقوله { رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } ولما ذكر القول الأخير لم يقدح فيه بشيء فكأنه أقر قائله ثم نبَّه رسوله إلى الأفضل والأكمل وهو ردُّ العلم إلى علام الغيوب { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً } أي فلا تجادل أهل الكتاب في عدتهم إلا جدال متيقنٍ عالم بحقيقة الخبر { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } أي لا تسأل أحداً عن قصتهم فإِنَّ فيما أوحي إليك الكفاية { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } أي لا تقولنَّ لأمرٍ عزمت عليه إني سأفعله غداً إلا إذا قرنته بالمشيئة فقلت إن شاء الله قال ابن كثير: سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف قال: (غداً أجيبكم) فتأخر الوحي عنه خمسة عشر يوماً { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } أي أذا نسيت أن تقول إن شاء الله ثم تذكرت فقلها لتبقى نفسك مستشعرةً عظمة الله { وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } أي لعلَّ الله يوفقني ويرشدني إلى ما هو أصلح من أمر ديني ودنياي { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } أي مكثوا في الكهف نائمين ثلاثمائة وتسع سنين، وهذا بيانٌ لما أُجمل في قوله تعالى { سِنِينَ عَدَداً } { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } أي الله أعلم بمدة لبثهم في الكهف على وجه اليقين { لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي هو تعالى المختص بعلم الغيب وقد أخبرك بالخبر القاطع عن أمرهم الحكيمُ الخبير { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } أي ما أبصره بكل موجود، وما أسمعه لكل مسموع، يدرك الخفيات كما يدرك الجليات { مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ } أي ليس للخلق ناصرٌ ولا معين غيره تعالى { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } أي ليس له شريك ولا مثيل ولا نظير، ولا يقبل في قضائه وحكمه أحداً لأنه الغنيّ عما سواه.


البَلاَغَة:

تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الطباق بين { يُبَشِّرَ.. وَيُنْذِرَ } وبين { يَهْدِ..ويُضْلِلْ } وبين { أَيْقَاظاً..ورُقُودٌ } وبين { ذَاتَ ٱليَمِينِ..وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ }.

2- الطباق المعنوي بين { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ..ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } لأن معنى الأول أنمناهم والثاني أيقظناهم.

3- الجناس الناقص بين { قَامُواْ..وقَالُواْ }.

4- الإِطناب بذكر الخاص بعد العام { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيدا } { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } لشناعة دعوى الولد لله، وفيه من بديع الحذف وجليل الفصاحة حذف المفعول الأول أي لينذر الكافرين بأساً شديداً، ثم ذكر المفعول الأول وحذف الثاني في قوله { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } عذاباً شديداً فحذف العذاب لدلالة الأول عليه وحذف من الأول المنذرين لدلالة الثاني عليه، وهذا من ألطف الفصاحة.

5- صيغة التعجب { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ }.

6- الاستعارة التمثيلية { بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ } شبَّه حاله عليه السلام مع المشركين بحال من فارقته الأحباب فهمَّ بقتل نفسه أو كاد يهلك نفسه حزناً ووجداً عليهم.

7- الاستعارة التبعية { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ } شبّهت الإِنامة الثقيلة بضرب الحجاب على الآذان كما تضرب الخيمة على السكان وكذلك يوجد استعارة في { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } لأن الربط هو الشد والمراد شددنا على قلوبهم كما تشد الأوعية بالأوكية.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=887922
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-01-26, 20:30 رقم المشاركة : 2
عبـد العـزيـز
الإدارة العامــــــة
 
الصورة الرمزية عبـد العـزيـز

 

إحصائية العضو








عبـد العـزيـز غير متواجد حالياً


المرتبة الثالثة في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام العضو المميز

وسام التحدي

وسام المشاركة

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المؤطر

وسام المشاركة

افتراضي رد: تفسير سورة الكهف


بارك الله فيك أختي الكريمة
جزاك الله خيرا على التقاسم القيم...





التوقيع



    رد مع اقتباس
قديم 2017-02-02, 20:19 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الكهف


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَظ±تْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَظ±صْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ظ±لَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِظ±لْغَدَاةِ وَظ±لْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَظ±تَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } * { وَقُلِ ظ±لْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَظ±لْمُهْلِ يَشْوِي ظ±لْوجُوهَ بِئْسَ ظ±لشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } * { أُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ظ±لأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ظ±لأَرَآئِكِ نِعْمَ ظ±لثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } * { وَظ±ضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ظ±لْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـظ°ذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ظ±لسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىظ° رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِظ±لَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّظ°كِنَّاْ هُوَ ظ±للَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاغ¤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ظ±للَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِظ±للَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىظ° رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ظ±لسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } * { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىظ° عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يظ°لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ظ±للَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ظ±لْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ظ±لْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } * { وَظ±ضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ظ±لسَّمَاءِ فَظ±خْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ظ±لأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ظ±لرِّياحُ وَكَانَ ظ±للَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } * { ظ±لْمَالُ وَظ±لْبَنُونَ زِينَةُ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا وَظ±لْبَاقِيَاتُ ظ±لصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } * { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ظ±لْجِبَالَ وَتَرَى ظ±لأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىظ° رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } * { وَوُضِعَ ظ±لْكِتَابُ فَتَرَى ظ±لْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يظ°وَيْلَتَنَا مَالِ هَـظ°ذَا ظ±لْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاغ¤ئِكَةِ ظ±سْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوغ¤اْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ظ±لْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ظ±لْمُضِلِّينَ عَضُداً } * { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ظ±لَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } * { وَرَأَى ظ±لْمُجْرِمُونَ ظ±لنَّارَ فَظَنُّوغ¤اْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى قصة أهل الكهف وهي تُمثل صور التضحية والبطولة في سبيل العقيدة والإِيمان، أعقبها بذكر قصة صاحب الجنتين وهي نموذج آخر للعقيدة ممثلة في قصة الأخوين من بني إسرائيل: المؤمن المعتز بإِيمانه، والكافر وهو صاحب الجنتين، وما فيها من عبر وعظات، وفي ثنايا الآيات جاءت بعض التوجيهات القرآنية الكريمة.

اللغَة:
{ مُلْتَحَداً } ملجأ وأصله من لحَد إذا مال، ومن لجأتَ إليه فقد ملتَ إليه هكذا قال أهل اللغة { فُرُطاً } مجاوزاً للحد من قولهم فرسٌ فُرُط إذا كان متقدماً للخيل، قال الليث: الفُرُط الأمر الذي يفرَّط فيه قال الشاعر:
لقد كلفتني شَطاً
***
وأمراً خائباً فُرُطاً
{ سُرَادِقُهَا } السُّرادق: السور والحائط { ظ±لْمُهْلِ } كل ما أذيب من المعادن قال أبو عبيدة: كل شيءٍ أذبته من ذهب أو نحاسٍ أو فضة فهو المُهل { سُنْدُسٍ } السندس: الرقيق من الحرير { وَإِسْتَبْرَقٍ } الاستبرق: الغليظ من الحرير وهو الديباج قال الشاعر:
تراهنَّ يلبسن المشاعر مرةً
***
واستبرق الديباج طوراً لباسها
{ ظ±لأَرَآئِكِ } جمع أريكة وهي السرير المزيَّن بالثياب والستور كسرير العروس { حُسْبَاناً } جمع حسبانه وهي الصاعقة { هَشِيماً } الهشيم: اليابس المتكسر من النبات { نُغَادِرْ } نترك.

سَبَبُ النّزول:
روى أن أشراف قريش اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: إن أردت أن نؤمن بك فاطرد هؤلاء الفقراء من عندك يعنون " بلالاً، وخباباً، وصهيباً " وغيرهم فإنا نأنف أن نجتمع بهم، وتعيِّن لهم وقتاً يجتمعون فيه عندك فأنزل الله { وَظ±صْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ظ±لَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِظ±لْغَدَاةِ وَظ±لْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ.. } الآية.

التفسِير:
{ وَظ±تْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ } أي إقرأ يا محمد ما أوحاه إليك ربك من آيات الذكر الحكيم { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } أي لا يقدر أحدٌ أن يغيّر أو يبدّل كلام الله { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } أي لن تجد ملجأ غير الله تعالى أبداً { وَظ±صْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ظ±لَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِظ±لْغَدَاةِ وَظ±لْعَشِيِّ } أي احبس نفسك مع الضعفاء والفقراء من المسلمين الذين يدعون ربهم بالصباح والمساء { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } أي يبتغون بدعائهم وجه الله تعالى { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } أي لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف قال المفسرون: كان عليه السلام حريصاً على إيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم ولم يكن مريداً لزينة الدنيا قط، فأمِر أن يجعل إِقباله على فقراء المؤمنين وأن يُعرض عن أولئك العظماء والأشراف من المشركين { تُرِيدُ زِينَةَ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا } أي تبتغي بمجالستهم الشرف والفخر قال ابن عباس: لا تجاوزهم إلى غيرهم تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } أي لا تطع كلام الذين سألوك طرد المؤمنين فقلوبهم غافلة عن ذكر الله، وقد شغلوا عن الدين وعبادةِ ربهم بالدنيا قال المفسرون: نزلت في عيُُينة بن حصن وأصحابه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جماعة من الفقراء منهم " سلمان الفارسي " وعليه شملة صوف قد عرق فيها فقال عُيينة للنبي صلى الله عليه وسلم: أما يؤذيك ريح هؤلاء؟ ونحن سادةُ مضر وأشرافُها إن أسلمنا يسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحِّهمْ عنك حتى نتبعك، أو اجعل لنا مجلساً ولهم مجلس، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم إلى ما طلبوا فلما نزلت الآية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس هؤلاء الفقراء فلما رآهم جلس معهم وقال " الحمد لله الذي جعل في أُمتي من أمرني ربي أن أصبر نفسي معهم " { وَظ±تَّبَعَ هَوَاهُ } أي سار مع هواه وترك أمر الله { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } أي كان أمره ضياعاً وهلاكاً ودماراً { وَقُلِ ظ±لْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } ظاهرُه أمرٌ وحقيقته وعيدٌ وإِنذار أي قل يا محمد لهؤلاء الغافلين لقد ظهر الحق وبان بتوضيح الرحمن فإِن شئتم فآمنوا وإِن شئتم فاكفروا كقوله
{*ظ±عْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ*}
[فصلت: 40] { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } أي هيأنا للكافرين بالله ورسوله ناراً حاميةً شديدة أحاط بهم سورها كإِحاطة السوار بالمعصم { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَظ±لْمُهْلِ يَشْوِي ظ±لْوجُوهَ } أي وإِن استغاثوا من شدة العطش فطلبوا الماء أُغيثوا بماءٍ شديد الحرارة كالنحاس المذاب أو كعكر الزيت المحمى يشوي وجوههم إذا قَرُب منهم من شدة حره وفي الحديث " ماءٌ كعكر الزيت فإِذا قُرب إليه سقطت فروة وجهه فيه " أي سقطت جلدة وجهه فيه أعاذنا الله من جهنم { بِئْسَ ظ±لشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } أي بئس ذلك الشراب الذي يُعاثون به وساءت جهنم منزلاً ومقيلاً يرتفق به أهل النار { إِنَّ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } لما ذكر تعالى حال الأشقياء أعقبه بذكر حال السعداء، على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب، أي إنا لا نضيع ثواب من أحسن عمله وأخلص فيه بل نزيده وننميه { أُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي لهم جنات إقامة { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ظ±لأَنْهَارُ } أي تجري من تحت غرفهم ومنازلهم أنهار الجنة { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } أي يُحلَّون في الجنة بأساوِر الذهب قال المفسرون: ليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أساور: سوارٌ من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ، لأن الله تعالى: قال
{*وَحُلُّوغ¤اْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ*}
[الإنسان: 21] وقال
{*وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ*}
[فاطر: 33] وفي الحديث " تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء " { وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } أي وهم رافلون في ألوانٍ من الحرير، برقيق الحرير وهو السندس، وبغليظه وهو الاستبرق قال الطبري: معنى الآية أنهم يلبسون من الحلي أساور من ذهب، ويلبسون من الثياب السندس وهو ما رقَّ من الديباج، والاستبرق وهو ما غلظ فيه وثَخُن { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ظ±لأَرَآئِكِ } أي متكئين في الجنة على السرر الذهبية المزينة بالثياب والستور قال ابن عباس: الآرائك الأسرة من ذهب وهي مكلَّلة بالدُر والياقوت عليها الحجال، الأريكةُ ما بين صنعاء إلى أيلة، وما بين عدن إلى الجابية { نِعْمَ ظ±لثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } أي نعم ذلك جزاء المتقين، وحسنت الجنة منزلاً ومقيلاً لهم { وَظ±ضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } أي اضرب لهؤلاء الكفار الذين طلبوا منك أن تطرد الفقراء هذا المثل قال المفسرون: هما أخوان من بني إسرائيل، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، ورثا مالاً عن أبيهما فاشترى الكافر بماله حديقتين، وأنفق المؤمن ماله في مرضاة الله حتى نفد ماله فعيَّره الكافر بفقره، فأهلك الله مال الكافر، وضرب هذا مثلاً للمؤمن الذي يعمل بطاعة الله، والكافر الذي أبطرته النعمة { جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ } أي جعلنا لأحدهما - وهو الكافر - بستانينِ من شجر العنب، مثمريْن بأنواع العنب اللذيذ { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } أي أحطناهما بسياجٍ من شجر النخيل { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } أي جعلنا وسط هذين البستانين زرعاً ويتفجر بينهما نهر، وإِنه لمنظرٌ بهيجٌ يصوره القرآن أروع تصوير، منظر الحديقتين المثمرتين بأنواع الكرم، المحفوفتين بأشجار النخيل، تتوسطهما الزروع وتتفجر بينهما الأنهار { كِلْتَا ظ±لْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } أي كلُّ واحدة من الحديقتين أخرجت ثمرها يانعاً في غاية الجودة والطيب ولم تنقص منه شيئاً { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } أي جعلنا النهر يسير وسط الحديقتين { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } أي وكان للأخ الكافر من جنتيه أنواع من الفواكه والثمار { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } أي قال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن وهو يجادله ويخاصمه ويفتخرعليه ويتعالى: أنا أغنى منك وأشرف، وأكثر أنصاراً وخدماً { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } أي أخذ بيد أخيه المؤمن ودخل الحديقة يطوف به فيها ويريه ما فيها من أشجار وثمار وأنهار وهو ظالم لنفسه بالعُجب والكفر { قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـظ°ذِهِ أَبَداً } أي ما أعتقد أن تفنى هذه الحديقة أبداً { وَمَآ أَظُنُّ ظ±لسَّاعَةَ قَائِمَةً } أي وما أعتقد القيامة كائنة وحاصلة، أنكر فناء جنته وأنكر البعث والنشور { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىظ° رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا } أي ولئن كان هناك بعثٌ - على - سبيل الفرض والتقدير كما تزعمُ - فسوف يعطيني الله خيراً من هذا وأفضل { مُنْقَلَباً } أي مرجعاً وعاقبة، فكما أعطاني هذا في الدنيا فسيعطيني في الآخرة لكرامتي عليه { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } أي قال ذلك المؤمن الفقير وهو يراجع أخاه ويجادله { أَكَفَرْتَ بِظ±لَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } أي أجحدت الله الذي خلق أصلك من تراب ثم من منيّ ثم سوَّاك إنساناً سوياً؟ الاستفهام للتقريع والتوبيخ { لَّظ°كِنَّاْ هُوَ ظ±للَّهُ رَبِّي } أي لكنْ أنا اعترف بوجود الله فهو ربي وخالقي { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } أي لا أُشرك مع الله غيره، فهو المعبودُ وحده لا شريك له { وَلَوْلاغ¤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ظ±للَّهُ } أي فهلاّ حين دخلتَ حديقتك وأُعجبت بما فيها من الأشجار والثمار قلت: هذا من فضل الله، فما شاءَ اللهُ كان وما لم يشأْ لم يكن { لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِظ±للَّهِ } أي لا قدرة لنا على طاعته إلا بتوفيقه ومعونته { إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } أي قال المؤمن للكافر: إن كنت ترى أنني أفقر منك وتعتز عليَّ بكثرة مالك وأولادك { فعسَىظ° رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ } جواب الشرط أي إني أتوقع من صنع الله تعالى وإِحسانه أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني جنةً خيراً من جنتك لإِيماني به، ويسلب عنك نعمته لكفرك به ويخرّب بستانك { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ظ±لسَّمَآءِ } أي يرسل عليها آفةً تجتاحها أو صواعق من السماء تدمّرها { فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } أي تصبح الحديقة أرضاً ملساء لا تثبت عليها قدم، جرداء لا نبات فيها ولا شجر { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } أي يغور ماؤها في الأرض فيتلف كل ما فيها من الزرع والشجر، وحينئذٍ لا تستطيع طلبَه فضلاً عن إعادته وردّه، وينتهي الحوار هنا وتكون المفاجأة المدهشة فيتحقَّق رجاءُ المؤمن بزاول النعيم عن الكافر وفجأة ينقلنا السياق من مشهد البهجة والازدهار الى مشهد البوار والدمار { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } أي هلكت جنته بالكلية واستولى عليها الخراب والدمار في الزروع والثمار { فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا } أي يقلب كفيه ظهراً لبطن أسفاً وحزناً على ماله الضائع وجهده الذاهب قال القرطبي: أي يضرب إحدى يديه على الأخرى ندماً لأن هذا يصدر من النادم { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىظ° عُرُوشِهَا } أي مهشّمة محطمة قد سقطت السقوف على الجدران فأصبحت خراباً يباباً { وَيَقُولُ يظ°لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } أي وهو نادم على إشراكه بالله يتمنى أن لم يكن قد كفر النعمة، ندم حين لا ينفع الندم قال تعالى { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ظ±للَّهِ } أي لم تكن له جماعة تنصره وتدفع عنه الهلاك { وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } أي وما كان بنفسه ممتنعاً عن انتقام الله سبحانه، فلم تنفعه العشيرة والولد حين اعتزّ وافتخر بهم وما استطاع بنفسه أن يدفع عنه العذاب { هُنَالِكَ ظ±لْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ظ±لْحَقِّ } أي في ذلك المقام وتلك الحال تكون النصرة لله وحده لا يقدر عليها أحد فهو الوليُّ الحق الذي ينصر أولياءه { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } أي الله خير ثواباً في الدنيا والآخرة لمن آمن به، وهو خيرٌ عاقبةً لمن اعتمد عليه ورجاه { وَظ±ضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ظ±لسَّمَاءِ فَظ±خْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ظ±لأَرْضِ } هذا مثلٌ آخر للدنيا وبهرجها الخادع يشبه مثل الجنتين في الفناء والزوال والمعنى اضرب يا محمد للناس مثل هذه الحياة في زوالها وفنائها وانقضائها بماءٍ نزل من السماء فخرج به النبات وافياً غزيراً وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه { فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ظ±لرِّياحُ } أي صار النبات متكسراً من اليبس متفتتاً تنسفه الرياح ذات اليمين وذات الشمال { وَكَانَ ظ±للَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } أي قادراً على الإِفناء والإِحياء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء { ظ±لْمَالُ وَظ±لْبَنُونَ زِينَةُ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا } أي الأموال والأولاد زينة هذه الحياة الفانية، ذاك مثلها وهذه زينتها والكل إلى فناء وزوال لا يغتر بها إلا الأحمق الجهول { وَظ±لْبَاقِيَاتُ ظ±لصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } أي أعمال الخير تبقى ثمرتها أبد الآباد فهي خير ما يؤمله الإِِنسان ويرجوه عند الله قال ابن عباس: الباقيات الصالحات هي الصلوات الخمس وعنه أيضاً أنها كل عمل صالحٍ من قول أو فعلٍ يبقى للآخرة وفي الحديث
" سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هنَّ الباقيات الصالحات " { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ظ±لْجِبَالَ } لما ذكر الدنيا ومآلها وذكر القيامة وأهوالها أي واذكر يوم نزيل الجبال من أماكنها ونسيّرها كما نسيّر السحاب فنجعلها هباءً منبثاً { وَتَرَى ظ±لأَرْضَ بَارِزَةً } أي وترى الأرض ظاهرة للعيان ليس عليها ما يسترها من جبل ولا شجر ولا بنيان، قد قلعت جبالها وهُدم بنيانها فهي بارزة ظاهرة { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } أي جمعنا الأولين والآخرين لموقف الحساب فلم نترك أحداً منهم { وَعُرِضُواْ عَلَىظ° رَبِّكَ صَفَّاً } أي عُرضوا على رب العالمين مصطفّين، لا يحجبُ أحدٌ أحداً وفي الحديث " يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ صفوفاً " قال مقاتل: يُعرضون صفاً بعد صف كالصفوف في الصلاة كل أمةٍ وزمرةٍ صفاً { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي يقال للكفار على وجه التوبيخ والتقريع: لقد جئتمونا حفاةً عراةً لا شيء معكم من المال والولد كهيئتكم حين خلقناكم أول مرة { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } أي زعمتم أن لا بعث ولا جزاء، ولا حساب ولا عقاب { وَوُضِعَ ظ±لْكِتَابُ } أي وضعت صحائف أعمال البشر وعُرضت عليهم { فَتَرَى ظ±لْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } أي فترى المجرمين خائفين مما فيه من الجرائم والذنوب { وَيَقُولُونَ يظ°وَيْلَتَنَا } أي يا حسرتنا ويا هلاكنا على ما فرطنا في حياتنا الدنيا { مَالِ هَـظ°ذَا ظ±لْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } أي ما شأن هذا الكتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ضبطها وأحاط بها؟ قال تعالى { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } أي مكتوباً مثبتاً في الكتاب { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } أي لا يعاقب إنساناً بغير جرم، ولا يُنقص من ثواب المحسن { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاغ¤ئِكَةِ ظ±سْجُدُواْ لأَدَمََ } أي اذكر حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة { فَسَجَدُوغ¤اْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ظ±لْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } أي سجد جميع الملائكة لكن إبليس الذي هو من الجن خرج عن طاعة ربه، والآية صريحة في أن إبليس من الجن لا من الملائكة { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } أي أفتتخذونه يا بني آدم هو وأولاده الشياطين أولياء من دون الله وهم لكم أعداء { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } أي بئست عبادة الشيطان بدلاً عن عبادة الرحمن { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ } أي ما أشهدت هؤلاء الشياطين الذين عبدتموهم من دوني خلق السماوات والأرض { وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض فهم عبيد أمثالكم لا يملكون شيئاً { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ظ±لْمُضِلِّينَ عَضُداً } أي وما كنت متخذ الشياطين أعواناً في الخلق فكيف تطيعونهم من دوني؟ { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ظ±لَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أي ويوم يقول الله للمشركين: أُدعوا شركائي ليمنعوكم من عذابي ويشفعوا لكم كما كنتم تزعمون { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } أي فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } أي جعلنا بين العابدين والمعبودين مهلكةً لا يجتازها هؤلاء وهي النار { وَرَأَى ظ±لْمُجْرِمُونَ ظ±لنَّارَ فَظَنُّوغ¤اْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } أي عاينوها وهي تتغيظ حنقاً عليهم فأيقنوا أنهم داخلوها { وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } أي لم يجدوا عنها معدلاً وذلك لأنها أحاطت بهم من كل جانب فلم يقدروا على الهرب منها.

البَلاَغة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الطباق { ظ±لْغَدَاةِ.. وَظ±لْعَشِيِّ } وبين { فَلْيُؤْمِن.. فَلْيَكْفُرْ }.

2- المقابلة البديعة بين الجنة { نِعْمَ ظ±لثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } والنار { بِئْسَ ظ±لشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }.

3- التشبيه { بِمَآءٍ كَظ±لْمُهْلِ يَشْوِي ظ±لْوجُوهَ } ويسمى مرسلاً مفصلاً لذكر الأداة ووجه الشبه.

4- التشبيه التمثيلي { وَظ±ضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } لأن وجه الشبه منتزع من متعدد وكذلك يوجد التشبيه التمثيلي في { وَظ±ضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ }.

5- المبالغة بإِطلاق المصدر على اسم الفاعل { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً } أي غائراً.

6- الكناية { يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } كناية عن التحسر والندم لأن النادم يضرب بيمينه على شماله.

7- الإِنكار والتعجيب { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ }؟.

تنبيه:
الجمهور على أن الباقيات الصالحات هن الكلمات المأثور فضلها " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " وقد ورد بذلك حديث تقدم ذكره وفي الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لقيتُ إبراهيم ليلةَ أُسري بي فقال يا محمد: أقرئْ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر " رواه الترمذي.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-02-16, 20:46 رقم المشاركة : 4
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الكهف


تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـظ°ذَا ظ±لْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ظ±لإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } * { وَمَا مَنَعَ ظ±لنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوغ¤اْ إِذْ جَآءَهُمُ ظ±لْهُدَىظ° وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ظ±لأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ظ±لْعَذَابُ قُبُلاً } * { وَمَا نُرْسِلُ ظ±لْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَظ°دِلُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِظ±لْبَظ°طِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ظ±لْحَقَّ وَظ±تَّخَذُوغ¤اْ ءَايَظ°تِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَظ°تِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىظ° قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىظ° ظ±لْهُدَىظ° فَلَنْ يَهْتَدُوغ¤اْ إِذاً أَبَداً } * { وَرَبُّكَ ظ±لْغَفُورُ ذُو ظ±لرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ظ±لْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ظ±لْقُرَىظ° أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىظ° لِفَتَظ°هُ لاغ¤ أَبْرَحُ حَتَّىظ° أَبْلُغَ مَجْمَعَ ظ±لْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } * { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَظ±تَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ظ±لْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَظ°هُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـظ°ذَا نَصَباً } * { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ظ±لصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ظ±لْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ظ±لشَّيْطَظ°نُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَظ±تَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ظ±لْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَظ±رْتَدَّا عَلَىظ° آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } * { قَالَ لَهُ مُوسَىظ° هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىظ° أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىظ° مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيغ¤ إِن شَآءَ ظ±للَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ظ±تَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىظ° أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } * { فَظ±نْطَلَقَا حَتَّىظ° إِذَا رَكِبَا فِي ظ±لسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } * { فَظ±نْطَلَقَا حَتَّىظ° إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَظ°حِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَظ±نطَلَقَا حَتَّىظ° إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ظ±سْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } * { قَالَ هَـظ°ذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ظ±لسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ظ±لْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ظ±لْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ظ±لْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ظ±لْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَوَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

المنَاسَبَة:[/color]
لما ضرب تعالى المثل في قصة صاحب الجنتين، وضرب المثل للحياة الدنيا وما فيها من نعيم خادع ومتاع زائل، نبَّه تعالى إلى الغاية من ذكر هذه الأمثال وهي " العظةُ والاعتبار " ثم ذكر القصة الثالثة " قصة موسى مع الخضر " وما فيها من أمور غيبيَّة عجيبة.

اللغَة:
{ قُبُلاً } مقابلةً وعياناً { مَوْئِلاً } ملجأ ومنجى قال ابن قتيبة: وأل فلان إلى كذا لجأ إليه وألاً ووءولاً والموئل: الملجأ قال الأعشى:
وقد أُخالِسُ ربَّ البيت غفلتَه
***
وقد يحاذِرُ مني ثم لا يئلُ
{ حُقُباً } جمع حقبة وهي السنة والمراد بالحُقُب هنا الزمان الطويل { سَرَباً } السَّرب: المسلك في جوف الأرض { نَصَباً } النَّصب: التعب والمشقة { أمْراً } أمراً عظيماً يقال: إمِر الأمر إِذا عظم { نُّكْراً } منكراً فظيعاً جداً.

التفسِير:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـظ°ذَا ظ±لْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي بيّنا في هذا القرآن الأمثال وكرَّرنا الحجج والمواعظ { وَكَانَ ظ±لإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } أي وطبيعة الإِنسان الجدلُ والخصومة لا ينيب لحق ولا ينزجر لموعظة { وَمَا مَنَعَ ظ±لنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوغ¤اْ إِذْ جَآءَهُمُ ظ±لْهُدَىظ° } أي ما منع الناسَ من الإِيمان حين جاءهم الهُدى من الله { وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ } أي ومن الاستغفار من الذنوب والآثام { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ظ±لأَوَّلِين } أي إلا انتظارهم أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإِهلاك { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ظ±لْعَذَابُ قُبُلاً } أي يأتيهم عذاب الله عياناً ومقابلة ومعنى الآية أنه ما منعهم من الإِيمان والاستغفار إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وُعدوا به عياناً ومواجهة كقولهم
{*فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ظ±لسَّمَآءِ أَوِ ظ±ئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*}
[الأنفال: 32] { وَمَا نُرْسِلُ ظ±لْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } أي ما نرسل الرسل إلا لغرض التبشير والإِنذار لا للإِهلاك والدمار، مبشرين لأهل الإِيمان ومنذرين لأهل العصيان { وَيُجَادِلُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِظ±لْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ظ±لْحَقَّ } أي ومع وضوح الحق يجادل الكفار بالباطل ليغلبوا به الحق ويبطلوه فهم حين يطلبون الخوارق ويستعجلون العذاب لا يريدون الإِيمان وإِنما يستهزئون ويسخرون { وَظ±تَّخَذُوغ¤اْ آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً } أي أتخذوا القرآن وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاءً { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَظ°تِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } أي لا أحد أظلمُ ممن وُعظ بآيات الله البينة، وحججه الساطعة، فتعامى عنها وتناساها ولم يُلقِ لها بالاً { وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي نسي ما عمله من الجرائم الشنيعة، والأفعال القبيحة، ولم يتفكر في عاقبتها { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىظ° قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } أي جعلنا على قلوبهم أغطية تحول دون فقه هذا القرآن وإدراك أسراره، والانتفاع بما فيه من المواعظ والأحكام { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً } أي وفي آذانهم صمماً معنوياً يمنعهم أن يسمعوه سماع تفهم وانتفاع { وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىظ° ظ±لْهُدَىظ° فَلَنْ يَهْتَدُوغ¤اْ إِذاً أَبَداً } أي وإِن دعوتهم إلى الإِيمان والقرآن فلن يستجيبوا لك أبداً لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون، فللهدى قلوبٌ متفتحة مستعدة لقبول الإِيمان وهؤلاء كالأنعام { وَرَبُّكَ ظ±لْغَفُورُ ذُو ظ±لرَّحْمَةِ } أي وربك يا محمد واسع المغفرة عظيم الرحمة بالعباد مع تقصيرهم وعصيانهم { لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ظ±لْعَذَابَ } أي لو يعاقبهم بما اقترفوا من المعاصي والإِجرام لعجَّل لهم عذاب الدنيا، ولكنه تعالى يمهلهم ويؤخر عنهم العذاب الذي يستعجلونه به رحمةً بهم، وقد جرت سنته بأن يمهل الظالم ولكن لا يهمله { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } أي لهم موعد آخر في القيامة يرون فيه الأهوال لن يجدوا لهم فيه ملجأ ولا منجى { وَتِلْكَ ظ±لْقُرَىظ° أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ } أي تلك هي أخبار الأمم السالفة والقرون الخالية كقوم هود وصالح ولوط وشعيب أهلكناهم حين ظلموا { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } أي جعلنا لهلاكهم وقتاً محدَّداً معلوماً، أفلا يعتبر هؤلاء المكذبون المعاندون؟ والآية وعيد وتهديد لكفار قريش قال ابن كثير: والمعنى احذروا أيها المشركون أن يصيبكم ما أصابهم فقد كذبتم أعظم نبيٍّ وأشرف رسول، ولستم بأعزَّ علينا منهم فخافوا عذابي ونُذري { وَإِذْ قَالَ مُوسَىظ° لِفَتَاهُ لاغ¤ أَبْرَحُ حَتَّىظ° أَبْلُغَ مَجْمَعَ ظ±لْبَحْرَيْنِ } هذه هي القصة الثالثة في هذه السورة الكريمة والمعنى اذكر حين قال موسى الكليم لفتاة " يوشع بن نون " لا أزال أسير وأتابع السير حتى أصل الى ملتقى بحر فارس وبحر الروم مما يلي جهة المشرق وهو مجمع البحرين { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } أي أسير زماناً إلى أن أبلغ ذلك المكان { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } أي فلما بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين نسي " يوشع " أن يخبر موسى بأمر الحوت وما شاهده منه من الأمر العجيب، روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأخذ معه حوتاً فيجعله في مِكْتل فحيثما فقد الحوت فهناك الرجل الصالح { فَظ±تَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ظ±لْبَحْرِ سَرَباً } أي اتخذ الحوت سبيله في البحر مسلكاً قال المفسرون: كان الحوت مشوياً فخرج من المِكْتل ودخل في البحر وأمسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه وجمد الماء حوله وكان ذلك آيةً من آيات الله الباهرة لموسى عليه السلام { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا } أي فلما قطعا ذلك المكان وهو مجمع البحرين الذي جُعل موعداً للملاقاة قال موسى لفتاه أعطنا طعام الغذاء { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـظ°ذَا نَصَباً } أي لقينا في هذا السفر العناء والتعب، وكان قد سار ليلة وجزءاً من النهار بعد أن جاوز الصخرة { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ظ±لصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ظ±لْحُوتَ } أي قال الفتى " يوشع بن نون " حين طلب موسى منه الحوت للغذاء أرأيت حين التجأنا إلى الصخرة التي نمت عندها ماذا حدث من الأمر العجيب؟ لقد خرج الحوتُ من المكتل ودخل البحر وأصبح عليه مثل الكوة وقد نسيتُ أن أذكر لك ذلك حين استيقظتَ { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ظ±لشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } أي وقد أنساني الشيطان أن أخبرك عن قصته الغريبة { وَظ±تَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ظ±لْبَحْرِ عَجَباً } أي واتخذ الحوتُ طريقه في البحر وكان أمره عجباً، يتعجب الفتى من أمره لأنه كان حوتاً مشوياً فدبَّت فيه الحياة ودخل البحر { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } أي قال موسى هذا الذي نطلبه ونريده لأنه علامة على غرضنا وهو لُقْيا الرجل الصالح { فَظ±رْتَدَّا عَلَىظ° آثَارِهِمَا قَصَصاً } أي رجعا في طريقهما الذي جاءا منه يتتبعان أثرهما الأول لئلا يخرجا عن الطريق { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ } أي وجدا الخضر عليه السلام عند الصخرة التي فقد عندها الحوت، وفي الحديث أن موسى وجد الخضر مسجَّى بثوبه مستلقياً على الأرض فقال له: السلام عليك فرفع رأسه وقال: وأنّى بأرضك السلام؟ { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } أي وهبناه نعمة عظيمة وفضلاً كبيراً وهي الكرامات التي أظهرها الله على يديه { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } أي علماً خاصاً بنا لا يُعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب قال العلماء: هذا العلم الرباني ثمرة الإخلاص والتقوى ويسمى " العلم اللدُنِّي " يورثه الله لمن أخلص العبودية له، ولا ينال بالكسب والمشقة وإِنما هو هبة الرحمن لمن خصَّه الله بالقرب والولاية والكرامة { قَالَ لَهُ مُوسَىظ° هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىظ° أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } أي هل تأذن لي في مرافقتك لأقتبس من علمك ما يرشدني في حياتي؟ قال المفسرون: هذه مخاطبة فيها ملاطفة وتواضع من نبي الله الكريم وكذلك ينبغي أن يكون الإنسان مع من يريد أن يتعلم منه { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } أي قال الخضر: إنك لا تستطيع الصبر على ما ترى قال ابن عباس: لن تصبر على صنعي لأني علمتُ من غيب علم ربي { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىظ° مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } أي كيف تصبر على أمرٍ ظاهرة منكرٌ وأنت لا تعلم باطنه؟ { قَالَ سَتَجِدُنِيغ¤ إِن شَآءَ ظ±للَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } أي قال موسى ستراني صابراً ولا أعصي أمرك إن شاء الله { قَالَ فَإِنِ ظ±تَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىظ° أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } شرط عليه قبل بدء الرحلة ألا يسأله ولا يستفسر عن شيء من تصرفاته حتى يكشف له سرها، فقبل موسى شرطه رعايةً لأدب المتعلم مع العالم، والمعنى لا تسألني عن شيء مما أفعله حتى أبيّنه لك بنفسي { فَظ±نْطَلَقَا حَتَّىظ° إِذَا رَكِبَا فِي ظ±لسَّفِينَةِ خَرَقَهَا } أي انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينة فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر فلما ركبا السفينة عمد الخضر إلى فأس فقلع لوحاً من ألواح السفينة بعد أن أصبحت في لجة البحر { قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } أي قال له موسى مستنكراً: أخرقت السفينة لتغرق الركاب؟ { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } أي فعلت شيئاً عظيماً هائلاً، يروى أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخرق ثم قال للخضر: قومٌ حملونا بغير أجرٍ عمدتَ إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهل السفينة لقد فعلت أمراً منكراً عظيماً!! { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } أي ألم أخبرك من أول الأمر أنك لا تصبر على ما ترى من صنيعي؟ ذكَّره بلطفٍ في مخالفته الشرط { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } أي لا تؤاخذني بمخالفتي الشرط ونسياني العهد { وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } أي لا تكلفني مشقةً في صحبتي إياك وعاملني باليُسر لا بالعُسر { فَظ±نْطَلَقَا حَتَّىظ° إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } أي فقبل عذره وانطلقا بعد نزولهما من السفينة يمشيان فمرَّا بغلمانٍ يلعبون وفيهم غلام وضيء الوجه جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده ثم رماه في الأرض { قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } أي قال موسى: أقتلت نفساً طاهرةً لم ترتكب جرماً ولم تقتل نفساً حتى تقتل به { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } أي فعلت شيئاً منكراً عظيماً لا يمكن السكوت عنه.
. لم يكن موسى ناسياً في هذه المرة ولا غافلاً ولكنه قاصدٌ أن يُنكر المنكر الذي لا يصبر على وقوعه بالرغم من تذكره لوعده، وقال هنا { نُّكْراً } أي منكراً فظيعاً وهو أبلغ من قوله { أمْراً } في الآية السابقة، ذكر القرطبي أن موسى عليه السلام لما قال للخضر { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً } غضب واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه فإِذا مكتوب في عظم كتفه كافرٌ لا يؤمن بالله أبداً { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } أي ألم أقل لك أنثَ على التعيين والتحديد لن تستطيع الصبر على ما ترى مني؟ قال المفسرون: وقَّره في الأول فلم يواجهه بكاف الخطاب فلما خالف في الثاني واجهه بقوله { لَّكَ } لعدم العذر هنا، ويعود موسى لنفسه ويجد أنه خالف وعده مرتين، فيندفع ويقطع على نفسه الطريق ويجعلها آخر فرصةٍ أمامه { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي } أي إن أنكرت عليك بعد هذه المرة واعترضتُ على ما يصدر منك فلا تصحبني معك { قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } أي قد أعذرت إليَّ في ترك مصاحبتي فأنت معذورٌ عندي لمخالفتي لك ثلاث مرات { فَظ±نطَلَقَا حَتَّىظ° إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ظ±سْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا } أي مشيا حتى وصلا إلى قرية قال ابن عباس: هي انطاكية فطلبا طعاماً وكان أهلها لئاماً لا يطعمون جائعاً، ولا يتسضيفون ضيفاً، فامتنعوا عن إضافتهما أو إطعامهما { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } أي وجدا في القرية حائطاً مائلاً يوشك أن يسقط ويقع { فَأَقَامَهُ } أي مسحه الخضر بيده فاستقام، وقيل إنه هدمه ثم بناه وكلاهما مرويٌ عن ابن عباس { قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } أي قال له موسى لو أخذت منهم أجراً نستعين به على شراء الطعام!! أنكر عليه موسى صنيع المعروف مع غير أهله، روي أن موسى قال للخضر: قومٌ استطعمناهم فلم يطعمونا، وضِفناهم فلم يضيّفونا ثم قعدت تبني لهم الجدار لو شئتَ لاتخذت عليه أجراً! { قَالَ هَـظ°ذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } أي قال الخضر: هذا وقت الفراق بيننا حسب قولك { سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } أي سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاث التي أنكرتها عليَّ ولم تستطع عليها وفي الحديث
" رحم الله أخي موسى لوددت أنه صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما ولو لبث مع صاحبه لأبصر العجب " { أَمَّا ظ±لسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ظ±لْبَحْرِ } هذا بيانٌ وتفصيل للأحداث العجيبة التي رآها موسى ولم يطق لها صبراً والمعنى أما السفينة التي خرقتها فكانت لأناس ضعفاء لا يقدرون على مدافعة الظَّلمة يشتغلون بها في البحر بقصد التكسب { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أي أردتُ بخرقها أن أجعلها معيبة لئلا يغتصبها الملك الظالم { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } أي كان أمامهم ملك كافر ظالمٌ { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } أي يغتصب كل سفينة صالحة لا عيب فيها { وَأَمَّا ظ±لْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } أي وأما الغلام الذي قتلتُه فكان كافراً فاجراً وكان أبواه مؤمنين وفي الحديث " إِن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً " { فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } أي فخفنا أن يحملهما حبُّه على اتّباعه في الكفر والضلال { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } أي فأردنا بقتله أن يرزقهما الله ولداً صالحاً خيراً من ذلك الكافر وأقربَ براً ورحمة بوالديه { وَأَمَّا ظ±لْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ظ±لْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } أي وأما الجدار الذي بنيتُه دون أجر والذي كان يوشك أن يسقط فقد خبئ تحته كنزٌ من ذهب وفضة لغلامين يتيمين { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً } أي وكان والدهما صالحاً تقياً فحفظ الله لهما الكنز لصلاح الوالد قال المفسرون: إن صلاح الأباء ينفع الأبناء، وتقوى الأصول تنفع الفروع { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا } أي فأراد الله بهذا الصنيع أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما من تحت الجدار { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أي رحمةً من الله بهما لصلاح أبيهما { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } أي ما فعلتُ ما رأيتَ من خرْقِ السفينة، وقتل الغلام، وإِقامة الجدارعن رأيي واجتهادي، بل فعلته بأمر الله وإِلهامه { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } أي ذلك تفسير الأمور التي لم تستطع الصبر عليها وعارضت فيها قبل أن أخبرك عنها.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:

1- الطباق بين { مُبَشِّرِينَ.. وَمُنذِرِينَ } وبين { نَسِيتُ.. وَأَذْكُرَ }.

2- اللف والنشر المرتَّب { أَمَّا ظ±لسَّفِينَةُ } { وَأَمَّا ظ±لْغُلاَمُ } { وَأَمَّا ظ±لْجِدَارُ } فقد جاء بها مرتبة بعد ذكر ركوب السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار بطريق اللف والنشر المرتب وهو من المحسنات البديعية.

3-الحذف بالإِيجاز { كُلَّ سَفِينَةٍ } أي صالحةٍ حذف لدلالة لفظ " أعيبها " وكذلك حذف لفظ كافر من { وَأَمَّا ظ±لْغُلاَمُ } لدلالة قوله تعالى { فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ }.

4- التغليب { أَبَوَاهُ } المراد باللفظ أبوه وأمه.

5- الاستعارة { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } لأن الإِرادة من صفات العقلاء وإِسنادها إِلى الجدار من لطيف الاستعارة وبليغ المجاز كقول الشاعر:

يريد الرمحُ صدر أبي براءٍ
***
ويرغب عن دماء بني عقيل
6- التنكير للتفخيم والإِضافة للتشريف { عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ }.

7- السجع مراعاة لرءوس الآيات مثل { نَصَباً.. سَرَباً.. عَجَباً }.

8- تعليم الأدب { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } وهناك قال { فَأَرَادَ رَبُّكَ } حيث أسند ما ظاهره شر لنفسه وأسند الخير إلى الله تعالى، وذلك لتعليم العباد الأدب مع الله جل وعلا.

" قصة موسى والخضر كما في الصحيحين "

عن أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عز وجل عليه إذْ لم يرُدَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أنَّ لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ حوتاً فتجعله في مِكْتل فحيثما فقدتَ الحوت فهو ثمَّ، فانطلق موسى: ومعه فتاه " يوشع بن نون " حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المِكْتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرَباً، وأمسك الله عن الحوت جريه الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً - قال ولم يجد موسى النَّصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به - فقال فتاه { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ظ±لصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ظ±لْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ظ±لشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَظ±تَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ظ±لْبَحْرِ عَجَباً } قال فكان للحوت سَرَباً ولموسى وفتاه عجَباً فقال موسى { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَظ±رْتَدَّا عَلَىظ° آثَارِهِمَا قَصَصاً } قال رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإِذا هو مسجَّى بثوب فسلَّم عليه موسى فقال الخضر: وأنَّى بأرضك السلام! من أنت؟ قال: أنا موسى، قال موسى بني إسرائيل؟ قال نعم أتيتك لتعلمني مما عُلمت رُشداً { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }.. يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علَّمنيه، وأنت على علمٍ من علم الله علّّمكه لا أعلمه، فقال موسى { سَتَجِدُنِيغ¤ إِن شَآءَ ظ±للَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } فقال الخضر { فَإِنِ ظ±تَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىظ° أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نوْل - أي بدون أجر - فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ قد حملونا بغير نوْل عمدت إلى سفينتهم فخرقتها { لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكانت الأولى من موسى نسياناً، وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمي وعلمكَ من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذْ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله، فقال له موسى { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً قال سُفيان: وهذه أشدُّ من الأولى { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } فانطلقا { حَتَّىظ° إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ظ±سْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } فقال الخضر بيده هكذا - أي أشار بيده - فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } قال الخضر: { هَـظ°ذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص الله علينا من أخبارهما "

!! أخرجه الشيخان.

تنبيه:

قال العلامة القرطبي: " كرامات الأنبياء ثابتة على ما دلت عليه الأخبار والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد أو الفاسق الحائد، فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، وما ظهر على يدها حيث هزَّت النخلة وكانت يابسة فأثمرت، وهي ليست بنبية، ويدل أيضاً ما ظهر على يد الخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإِقامة الجدار " أ هـ. القرطبي 11/28






التوقيع

آخر تعديل أم سهام يوم 2017-02-16 في 20:52.
    رد مع اقتباس
قديم 2017-02-23, 20:53 رقم المشاركة : 5
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الكهف


[u]* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق [/u]

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ظ±لْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } * { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ظ±لأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } * { فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىظ° إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ظ±لشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يظ°ذَا ظ±لْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } * { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىظ° رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } * { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ظ±لْحُسْنَىظ° وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىظ° إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ظ±لشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىظ° قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىظ° إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يظ°ذَا ظ±لْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ظ±لأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىظ° أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ظ±لْحَدِيدِ حَتَّىظ° إِذَا سَاوَىظ° بَيْنَ ظ±لصَّدَفَيْنِ قَالَ ظ±نفُخُواْ حَتَّىظ° إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيغ¤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ظ±سْطَاعُوغ¤اْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ظ±سْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـظ°ذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ظ±لصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ظ±لَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } * { أَفَحَسِبَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيغ¤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } * { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِظ±لأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } * { ظ±لَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } * { أُوْلَـظ°ئِكَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ وَزْناً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَظ±تَّخَذُوغ¤اْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ظ±لْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } * { قُل لَّوْ كَانَ ظ±لْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ظ±لْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىظ° إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـظ°هُكُمْ إِلَـظ°هٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى قصة الخضر أعقبها بقصة ذي القرنين ورحلاته الثلاث إلى الغرب، والشرق، وإلى السَّدين، وبناؤه للسدّ في وجه " يأجوج ومأجوج " وهي القصة الرابعة من القصص المذكورة في هذه السورة، وجميعها ترتبط بالعقيدة والإيمان، وهو الهدف الأصيل للسورة الكريمة.

اللغَة:
(ذو القرنين) هو الاسكندر المقدوني وهو ملِكٌ صالح أعطي العلم والحكمة، سمي بذي القرنين لأنه ملك مشارق الأرض ومغاربها وكان مسلماً عادلاً قال الشاعر:
قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً
***
ملكاً علا في الأرض غير مفنَّد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي
***
أسباب مُلكٍ من كريمٍ سيد
{ حَمِئَةٍ } كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء { سَدّاً } السدُّ: الحاجز والحائل بين الشيئين { رَدْماً } الردَّم. السدُّ المنيع وهو أكبر من السدّ لأن الرَّدم ما جعل بعضه على بعض حتى يصبح كالحجاب المنيع فالردم الحاجز الحصين المتين { زُبَرَ ظ±لْحَدِيدِ } قطع الحديد مفردة زُبرة وهي القطعة { ظ±لصَّدَفَيْنِ } جانبا الجبل قال أبو عبيدة: الصَّدف كل بناء عظيم مرتفع { قِطْراً } القِطر: النحاس المذاب { نَقْباً } خرقاً وثقْباً { دَكَّآءَ } مدكوكاً مسوَّى بالأرض قال الأزهري: دككته أي دققته { يَمُوجُ } يختلط ويضطرب { ظ±لْفِرْدَوْسِ } قال الفراء: البستان الذي فيه العنب وقال ثعلب: كل بستان يحوَّط عليه فهو فردوس.

سَبَبُ النّزول:

أ - قال قتادة: إن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فأنزل الله { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ظ±لْقَرْنَيْنِ.. } الآية.

ب - قال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إني أتصدق، وأصلُ الرحم، ولا أصنع ذلك إلا لله تعالى، فيُذكر ذلك مني وأُحمد عليه فيسرني ذلك وأُعجب به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً فأنزل الله { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً }.

التفسِير:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ظ±لْقَرْنَيْنِ } أي يسألك اليهود يا محمد عن ذي القرنين ما شأنه؟ وما قصته؟ { قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً } أي قل لهم سأقص عليكم من نبأه وخبره قرآناً ووحياً { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ظ±لأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } أي يسرنا له أسباب الملك والسلطان والفتح والعمران، وأعطيناه كل ما يحتاج إليه للوصول إلى غرضه من أسباب العلم والقدرة والتصرف قال المفسرون: ذو القرنين هو " الاسكندر اليوناني " ملكَ المشرق والمغرب فسمي ذا القرنين، وكان ملكاً مؤمناً مكَّن الله له في الأرض فعدل في حكمه وأصلح، وكان في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما روي أن الذين ملكوا الأرض أربعة: مؤمنان وكافران، أما المؤمنان فسليمان وذو القرنين، وأما الكافران فنمرود وبختنصر { فَأَتْبَعَ سَبَباً } أي سلك طريقه الذي يسره الله له وسار جهة المغرب { حَتَّىظ° إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ظ±لشَّمْسِ } أي وصل المغرب { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } أي وجد الشمس تغرب في ماء وطين - حسب ما شاهد لا حسب الحقيقة - فإِن الشمس أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض قال الرازي: إن ذا القرنين لما بلغ أقصى المغرب ولم يبق بعدة شيء من العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهذه مظلمة وإِن لم تكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إِذا لم ير الشطَّ وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } أي وجد عند تلك العين الحارة ذات الطين قوماً من الأقوام { قُلْنَا يظ°ذَا ظ±لْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } أي قلنا له بطريق الإِلهام: إما أن تقتلهم أو تدعوهم بالحسنى إلى الهداية والإيمان قال المفسرون: كانوا كفاراً فخيَّره الله بين أن يعذبهم بالقتل، أو يدعوهم إلى الإِسلام فيُحسن إليهم { قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } أي من أصرَّ على الكفر فسوف نقتله { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىظ° رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً } أي ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذاباً منكراً فظيعاً في نار جهنم { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ظ±لْحُسْنَىظ° } أي وأمّا من آمن بالله وأحسن العمل في الدنيا وقدَّم الصالحات فجزاؤه الجنة يتنعَّم فيها { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } أي نيسر عليه في الدنيا فلا نكلفه بما هو شاق بل بالسهل الميسَّر. اختار الملك العادل دعوتهم بالحسنى فمن آمن فله الجنة، والمعاملة الطيبة، والمعونة والتيسير، ومن بقي على الكفر فله العذاب والنكال في الدنيا والآخرة { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } أي سلك طريقاً بجنده نحو المشرق { حَتَّىظ° إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ظ±لشَّمْسِ } أي حتى إِذا وصل أقصى المعمورة من جهة الشرق حيث مطلع الشمس في عين الرائي { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىظ° قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } أي وجد الشمس تشرقُ على أقوامٍ ليس لهم من اللباس والبناء ما يسترهم من حر الشمس فإِذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب تحت الأرض، وإِذا غربتْ خرجوا لمكاسبهم قال قتادة: مضى ذو القرنين يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إلاّ من آمن حتى أتى مطلع الشمس فأصاب قوماً في أسراب عراةً، ليس لهم طعام إلا ما أنضجته الشمس إذا طلعت، حتى إذا زالت عنهم الشمس خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم، وذُكر لنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان ويقال إنهم الزنج { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } أي كذلك فعل بأهل المشرق من آمن تركه ومن كفر قتله كما فعل بأهل المغرب وقد أحطنا علماً بأحواله وأخباره، وعتاده وجنوده، فأمرُه من العظمة وكثرة المال بحيث لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } أي سلك طريقاً ثالثاً بين المشرق والمغرب يوصله جهة الشمال حيث الجبال الشاهقة { حَتَّىظ° إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } أي حتى إذا وصل إلى منطقة بين حاجزين عظيمين، بمنقطع أرض بلاد الترك مما يلي أرمينية وأذربيجان قال الطبري: والسَّدُ: الحاجز بين الشيئين وهما هنا جبلان سُدَّ ما بينهما، فردَم ذو القرنين حاجزاً بين يأجوج ومأجوج من ورائهم ليقطع مادة غوائلهم وشرهم عنهم { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } أي وجد من وراء السدين قوماً متخلفين لا يكادون يعرفون لساناً غير لسانهم إلا بمشقة وعُسر قال المفسرون: إنما كانوا لا يفقهون القول لغرابة لغتهم، وبطء فهمهم، وبعدهم عن مخالطة غيرهم، وما فهم كلامهم إلا بواسطة ترجمان { قَالُواْ يظ°ذَا ظ±لْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ظ±لأَرْضِ } أي قال القوم لذي القرنين: إن يأجوج ومأجوج - قبيلتان من بني آدم في خلقهم تشويهٌ، منهم مفرطٌ في الطول، ومنهم مفرطٌ في القِصر - قومٌ مفسدون بالقتل والسلب والنهب وسائر وجوه الشر قال المفسرون: كانوا من أكلة لحوم البشر، يخرجون في الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه، ولا يابساً إلا احتملوه { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } أي هل نفرض لك جزءاً من أموالنا كضريبة وخراج { عَلَىظ° أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } أي لتجعل سدا يحمينا من شر يأجوج ومأجوج قال في البحر: هذا استدعاءٌ منهم لقبول ما بيذلونه على جهة حسن الأدب { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } أي ما بسطه الله عليَّ من القُدرة والمُلك خيرٌ مما تبذلونه لي من المال { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } أي لا حاجة لي إلى المال فأعينوني بالأيدي والرجال { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } أي أجعل بينكم وبينهم سدا منيعاً، وحاجزاً حصيناً، وهذه شهامة منه حيث رفض قبول المال وتطوَّع ببناء السد واكتفى بعون الرجال { آتُونِي زُبَرَ ظ±لْحَدِيدِ } أي أعطوني قطع الحديد واجعلوها لي في ذلك المكان { حَتَّىظ° إِذَا سَاوَىظ° بَيْنَ ظ±لصَّدَفَيْنِ } أي حتى إذا ساوى البناء بين جانبي الجبلين { قَالَ ظ±نفُخُواْ } أي انفخوا بالمنافيخ عليه { حَتَّىظ° إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } أي جعل ذلك الحديد المتراكم كالنار بشدة الإِحماء { قَالَ آتُونِيغ¤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } أي أعطوني أصبُّ عليه النحاس المذاب قال الرازي: لما أتوه بقطع الحديد وضع بعضها على بعض حتى صارت بحيث تسدُّ ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافخ عليها حتى إذا صارت كالنار صبَّ النحاس المذاب على الحديد المحمي فالتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً { فَمَا ظ±سْطَاعُوغ¤اْ أَن يَظْهَرُوهُ } أي فما استطاع المفسدون أن يعلوه ويتسوروه لعلوه وملاسته { وَمَا ظ±سْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } أي وما استطاعوا نقبه من أسفل لصلابته وثخانته، وبهذا السد المنيع أغلق ذو القرنين الطريق على يأجوج ومأجوج { قَالَ هَـظ°ذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي } أي قال ذو القرنين: هذا السدُّ نعمةٌ من الله ورحمة على عباده { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } أي فإِذا جاء وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج وذلك قرب قيام الساعة { جَعَلَهُ دَكَّآءَ } أي جعله الله مستوياً بالأرض وعاد متهدماً كأن لم يكن بالأمس { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } أي كان وعده تعالى بخراب السدِّ وقيام الساعة كائناً لا محالة.
. وهظ°هنا تنتهي قصة ذي القرنين ثم يأتي الحديث عن أهوال الساعة وشدائد القيامة قال تعالى { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } أي تركنا الناس يوم قيام الساعة يضطرب بعضهم ببعض - لكثرتهم - كاضطراب موج البحر { وَنُفِخَ فِي ظ±لصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } أي ونفخ في الصور النفخة الثانية فجمعناهم للحساب والجزاء في صعيد واحدٍ جمعاً لم يتخلف منهم أحد { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } أي أبرزنا جهنم وأظهرناها للكافرين يوم جمع الخلائق حتى شاهدوها بأهوالها عرضاً مخيفاً مفزعاً { ظ±لَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي } أي هم الذين كانوا في الدنيا عُمياً عن دلائل قدرة الله ووحدانيته فلا ينظرون ولا يتفكرون { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } أي لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى لظلمة قلوبهم قال أبو السعود: وهذا تمثيلٌ لإِعراضهم عن الأدلة السمعية، وتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار فكأنهم عمْيٌ صم { أَفَحَسِبَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيغ¤ أَوْلِيَآءَ } الهمزة للإِنكار والتوبيخ أي أفظنَّ الكافرون أن يتخذوا بعض عبادي آلهة يعبدونهم دوني كالملائكة وعزير والمسيح ابن مريم، وأن ذلك ينفعهم أو يدفع عنهم عذابي؟ قال القرطبي: جواب الاستفهام محذوف تقديره أفحسبوا أن ذلك ينفعهم، أولا أعاقبهم { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } أي هيأنا جهنم وجعلناها ضيافةً لهم كالنُزُل المعد للضيف قال البيضاوي: وفيه تهكمٌ بهم وتنبيهٌ على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر جهنم دونه { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِظ±لأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } أي قل يا محمد لهؤلاء الكافرين هل نخبركم بأخسر الناس عند الله؟ { ظ±لَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ظ±لْحَيَاةِ ظ±لدُّنْيَا } أي بطل عملهم وضاع في هذه الحياة الدنيا لأن الكفر لا تنفع معه طاعة قال الضحاك: هم القسيّسون والرهبان يتعبدون ويظنون أن عبادتهم تنفعهم وهي لا تقبل منهم { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } أي يظنون أنهم محسنون بأفعالهم { أُوْلَـظ°ئِكَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي كفروا بالقرآن وبالبعث والنشور فبطلت أعمالهم { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ وَزْناً } أي ليس لهم عند الله قيمةٌ ولا وزن، ولا قدرٌ ولا منزلة وفي الحديث " يُؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة " { ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَظ±تَّخَذُوغ¤اْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً } أي ذلك جزاؤهم وعقوبتهم نارُ جهنم بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسله { إِنَّ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ } أي آمنوا بالله وعملوا بما يرضيه { كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ظ±لْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } أي لهم أعلى درجات الجنة وهي الفردوس منزلاً ومستقراً { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } أي ماكثين فيها أبداً لا يطلبون عنها تحولاً قال ابن رواحة: في جنان الفِردوس ليسَ يخافون: خُروجاً عنها ولا تحويلاً { قُل لَّوْ كَانَ ظ±لْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } هذا تمثيلٌ لسعة علم الله والمعنى لو كانت بحار الدنيا حبراً ومداداً وكتبت به كلمات الله وحكمه وعجائبه { لَنَفِدَ ظ±لْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } أي لفني ماء البحر على كثرته وانتهى، وكلامُ الله لا ينفد لأنه غير متناهٍ كعلمه جل وعلا { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } أي ولو أتينا بمثل ماء البحر وزدناه به حتى يكثر فإِن كلام الله لا يتناهى { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىظ° إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـظ°هُكُمْ إِلَـظ°هٌ وَاحِدٌ } أي قل لهم يا محمد إِنما أنا إِنسان مثلكم أكرمني الله بالوحي، وأمرني أن أخبركم أنه واحدٌ أحد لا شريك له { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } أي فمن كان يرجو ثواب الله ويخاف عقابه { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً } أي فليخلص له العبادة { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } أي لا يرائي بعمله ولا يبتغي بما يعمل غير وجه الله، فإِن الله لا يقبل إِلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.

البَلاغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الطباق بين { مَطْلِعَ.. مَغْرِبَ }.

2- التشبيه البليغ { جَعَلَهُ نَاراً } أي كالنار في الحرارة وشدة الإِحمرار حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فأصبح بليغاً.

3- الاستعارة { يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } شبّههم لكثرتهم وتداخل بعضهم في بعضٍ بموج البحر المتلاطم واستعار لفظ يموج لذلك ففيه استعارة تبعية.

4- الاستعارة أيضاً { كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي } أي كانوا ينظرون فلا يعتبرون وتُعرض عليهم الآيات الكونية فلا يؤمنون، ولم تكن أعينهم حقيقةً في غطاء وحجاب وإِنما هو بطريق التمثيل.

5- الجناس الناقص { يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ } لتغير الشكل وبعض الحروف، ويسمى أيضاً جناس التصحيف.

6- الاستفهام الذي يراد به التوبيخ والتقريع { أَفَحَسِبَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ }؟

7- المقابلة اللطيفة { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ظ±لْحُسْنَىظ° } مقابل { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } الآية.

لطيفَة: كثيراً ما يرد في القرآن لفظ " حبط " وأصل الحبوط هو انتفاخ بطن الدابة حين تأكل نوعاً ساماً من الكلأ ثم تَلْقى حتفها، وهذا اللفظ أنسب شيء لوصف الأعمال فإِنها تنتفخ وأصحابها يظنونها صالحة ناجحة رابحة ثم تنتهي إلى البوار






التوقيع

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 14:06 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd