منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   تفسير (https://www.profvb.com/vb/f297.html)
-   -   سورة الحج (https://www.profvb.com/vb/t176417.html)

أم سهام 2017-05-30 15:41

سورة الحج
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } * { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ } * { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }


اللغَة:
{ زَلْزَلَةَ } الزلزلة: شدة الحركة وأصل الكلمة من زلَّ عن الموضع أي زال عنه وتحرك، وزلزل الله قدمه أي حركها، وهذه اللفظة تستعمل في تهويل الشيء { تَذْهَلُ } ذهل عن الشيء اشتغل عنه بشاغل من هم أو وجع أو غيره { مُّضْغَةٍ } المضغة: اللحمة الصغيرة قدر ما يُمضغ { مُّخَلَّقَةٍ } تامة الخِلْقة { بَهِيجٍ } حسن سار للناظر { عِطْفِهِ } العطف: الجانب ومنه قولهم: فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه ويسمى الرداء العِطاف والمعطف لأنه يوضع على الجانبين { ٱلْعَشِيرُ } الصاحب والخليل.

التفسِير:

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } خطاب لجميع البشر أي خافوا عذاب الله وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وجماع القول في التقوى هو: طاعةُ الله واجتناب محارمه ولهذا قال بعض العلماء: التقوى أن لا يراك حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } تعليلٌ للأمر بالتقوى أي إن الزلزال الذي يكون بين يدي الساعة أمر عظيم وخطب جسيم لا يكاد يتصور لهوله { يَوْمَ تَرَوْنَهَا } أي في ذلك اليوم العصيب الذي تشاهدون فيه تلك الزلزلة وترون هول مطلعها { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ } أي تغفل وتذهل - مع الدهشة وشدة الفزع - كل أنثى مرضعة عن رضيعها، إذ تنزع ثديها من فم طفلها وتنشغل - لهول ما ترى - عن أحب الناس إليها وهو طفلها الرضيع { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } أي تراهم كأنهم سكارى يترنحون ترنح السكران من هول ما يدركهم من الخوف والفزع { وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } أي وما هم على الحقيقة بسكارى من الخمر { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } استدراك لما دهاهم أي ليسوا بسكارى ولكن أهوال الساعة وشدائدها أطارت عقولهم وسلبت أفكارهم فهم من خوف عذاب الله مشفقون { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي وبعضٌ من الناس من يخاصم وينازع في قدرة الله وصفاته بغير دليل ولا برهان ويقول ما لا خير فيه من الأباطيل قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلاً يقول الملائكة بناتُ الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا بعث بعد الموت قال أبو السعود: والآية عامة له ولأضرابه من العُتاة المتمردين { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } أي يطيع ويقتدي بكل عاتٍ متمرد كرؤساء الكفر الصادّين عن الحق { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ } أي حكم الله وقضى أنه من تولى الشيطان واتخذه ولياً { فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } أي فأن الشيطان يغويه ويسوقه إلى عذاب جهنم المستعرة، وعبر بلفظ { وَيَهْدِيهِ } على سبيل التهكم، ولما ذكر تعالى المجادلين في قدرة الله، المنكرين للبعث والنشور ذكر دليلين واضحين على إمكان البعث أحدهما في الإِنسان، والثاني في النبات فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } أي إن شككتم في قدرتنا على إحيائكم بعد موتكم فانظروا في أصل خلقكم ليزول ريبكم فقد خلقنا أصلكم " آدم " من التراب، ومن قدر على خلقكم أول مرة قادر على أن يعيدكم ثاني مرة، والذي قدر على إخراج النبات من الأرض، بعد موتها قادر على أن يخرجكم من قبوركم { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } أي ثم جعلنا نسله من المني الذي ينطف من صلب الرجل قال القرطبي: والنطف: القطر سمي نطفة لقلته { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } وهو الدم الجامد الذي يشبه العلقة التي تظهر حول الأحواض والمياه { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } أي من قطعة من لحم مقدار ما يمضغ { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } أي مستبينة الخلق مصورة وغير مصورة قال ابن زيد: المخلقة التي خلق الله فيها الرأس واليدين والرجلين، وغير مخلقة التي لم يخلق فيها شيء { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } أي خلقناكم على هذا النموذج البديع لنبين لكم أسرار قدرتنا وحكمتنا قال الزمخشري: أي لنبين لكم بهذا التدريج قدرتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا، ثم من نطفة ثانياً، ولا تناسب بين التراب والماء، وقدر على أن يجعل النطفة علقة وبينهما تباين ظاهر، ثم يجعل العلقة مضغة والمضغة عظاماً، قادر على إعادة ما بدأه، بل هذا أدخل في القدرة وأهون في القياس { وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ } أي ونثبت من الحمل في أرحام الأمهات من أردنا أن نُقرَّه فيها حتى يتكامل خلقه { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي إلى زمن معين هو وقت الوضع { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي ثم نخرج هذا الجنين طفلاً ضعيفاً في بدنه وسمعه وبصره وحواسه، ثم نعطيه القوة شيئاً فشيئاً { ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ } أي كمال قوتكم وعقلكم { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } أي ومنكم من يموت في ريعان شبابه { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } أي ومنكم من يعمر حتى يصل إلأى الشيخوخة والهرم وضعف القوة والخرف { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } أي ليعود إلى ما كان عليه في أوان الطفولة من ضعف البنية، وسخافة العقل، وقلة الفهم، فينسى ما علمه وينكر ما عرفه ويعجز عما قدر عليه كما قال تعالى {*وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ*}
[يس: 68] { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } هذه هي الحجة الثانية على إمكان البعث أي وترى أيها المخاطب أو أيها المجادل الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } أي فإذا أنزلنا عليها المطر تحركت بالنبات وانتفخت وزادت وحييت بعد موتها { وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي وأخرجت من كل صنفٍ عجيب ما يسر الناظر ببهائه ورونقه { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } أي ذلك المذكور من خلق الإِنسان والنبات لتعلموا أن الله هو الخالق المدبر وأن ما في الكون من آثار قدرته وشاهد بأن الله هو الحق { وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } أي وبأنه القادر على إحياء الموتى كما أحيا الأرض الميتة بالنبات { وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي وبأنه قادر على ما أراد { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } أي وليعلموا أن الساعة كائنة لا شك فيها ولا مرية { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ } أي يحيي الأموات ويعيدهم بعدما صاروا رمماً، ويبعثهم أحياء إلى موقف الحساب { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } أي يجادل في شأنه تعالى من غير تمسك بعلمٍ صحيح يهدي إلى المعرفة ولا كتابٍ نير بيّن الحجة بل بمجرد الرأي والهوى قال ابن عطية: كرر هذه على وجه التوبيخ فكأنه يقول: هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان ومن الناس مع ذلك من يجادل في الله بغير دليل ولا برهان { ثَانِيَ عِطْفِهِ } أي معرضاً عن الحق لاوياً عنقه كفراً قال ابن عباس: مستكبراً عن الحق إذا دُعي إليه قال الزمخشري: وثنيُ العطف عبارة عن الكِبر والخيلاء فهو كتصعير الخد { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي ليصُدَّ الناس عن دين الله وشرعه { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } أي له هوان وذل في الحياة الدنيا { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي ونذيقه في الآخرة النار المحرقة { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أي ذلك الخزي والعذاب بسبب ما اقترفته من الكفر والضلال { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ } أي وأن الله عادل لا يظلم أحداً من خلقه { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } أي ومن الناس من يعبد الله على جانب وطرفٍ من الدين، وهذا تمثيلُ للمذبذبين الذين لا يعبدون الله عن ثقة ويقين بل عن قلق واضطراب كالذي يكون على طرف من الجيش فإن أحسَّ بظفر أو غنيمة استقر وإلا فرَ قال الحسن: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه وقال ابن عباس: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ } أي فإن ناله خير في حياته من صحةٍ ورخاء أقام على دينه { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي وإن ناله شيء يفتتن به من مكروه وبلاء ارتد فرجع إلى ما كان عليه من الكفر { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } أي أضاع دنياه وآخرته فشقي الشقاوة الأبدية { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } أي ذلك هو الخسران الواضح الذي لا خسران مثله { يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } أي يعبد الصنم الذي لا ينفع ولا يضر { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } أي ذلك هو نهاية الضلال الذي لا ضلال بعده، شبه حالهم بحال من أبعد في التيه ضالاً عن الطريق { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } أي يعبد وثناً أو صنماً ضره في الدنيا بالخزي والذل أسرع من نفعه الذي يتوقعه بعبادته وهو الشفاعة له يوم القيامة، وقيل: الآية على الفرض والتقدير: أي لو سلمنا نفعه أو ضره لكان ضره أكثر من نفعه، والآية سيقت تسفيهاً وتجهيلاً لمن يعتقد أنه ينتفع بعبادة غير الله حين يستشفع بها { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } أي بئس الناصر وبئس القريب والصاحب { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } لما ذكر حال المشركين وحال المنافقين المذبذبين ذكر حال المؤمنين في الآخرة والمعنى إن الله يدخل المؤمنين الصادقين جنات تجري من تحت قصورها وغرفها أنهار اللبن والخمر والعسل وهم في روضات الجنات يحبرون { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } أي يثيب من يشاء ويعذب من يشاء لا معقب لحكمه، فللمؤمنين الجنة بفضله، وللكافرين النار بعدله { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي من كان يظن أن لن ينصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ } أي فليمدد بحبل إلى السقف ثم ليقطع عنقه وليختنق به { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } أي فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيظ؟ قال ابن كثير: وهذا القول قول ابن عباس وهو أظهر في المعنى وأبلغ في التهكم فإن المعنى: من كان يظنُّ أنَّ الله ليس بناصر محمداً وكتابه ودينه فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه فإن الله ناصره لا محالة { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي ومثل ذلك الإِنزال البديع المنطوي على الحكم البالغة أنزلنا القرآن الكريم كله آيات واضحات الدلالة على معانيها الرائقة { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } أي وأن الله هو الهادي لا هادي سواه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي صدقوا الله ورسوله وهم أتباع محمد عليه السلام { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } أي اليهود وهم المنتسبون إلى موسى عليه السلام { وَٱلصَّابِئِينَ } هم قوم يعبدون النجوم { وَٱلنَّصَارَىٰ } هم المنتسبون إلى ملة عيسى عليه السلام { وَٱلْمَجُوسَ } هم عبدة النيران { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } هم العرب عبدة الأوثان { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } أي يقضي بين المؤمنين وبين الفرق الخمسة الضالة فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي شاهد على أعمال خلقه عالم بكل ما يعملون { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } أي يسجد لعظمته كل شيء طوعاً وكرهاً، الملائكة في أقطار السماوات، والإِنس والجن وسائر المخلوقات في العالم الأرضي { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ } أي وهذه الأجرام العظمى مع سائر الجبال والأشجار والحيوانات تسجد لعظمته سجود انقياد وخضوع، قال ابن كثير: وخص الشمس والقمر والنجوم بالذكر لأنها قد عبدت من دون الله، فبيّن أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة.

البَلاَغَة:

تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- التشبيه البليغ المؤكد { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } أي كالسكارى من شدة الهول، حذفت أداة التشبيه والشبه.

2- الاستعارة { شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } استعار لفظ الشيطان لكل طاغية متمرد على أمر الله

3- الطباق بين { يُضِلُّهُ.. وَيَهْدِيهِ }.

4- أسلوب التهكم { وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }.

5- طباق السلب { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ }.

6- الاستعارة اللطيفة { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } شبه الأرض بنائم لا حركة له ثم يتحرك وينتعش وتدب فيه الحياة بنزول المطر عليه ففيها استعارة تبعية.

7- الكناية { ثَانِيَ عِطْفِهِ } كناية عن التكبر والخيلاء.

8- المجاز المرسل { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } علاقته السببية لأن اليد هي التي تفعل الخير أو الشر.

9- الاستعارة التمثيلية { مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } مثل للمنافقين وما هم فيه من قلق واضطراب في دينهم بمن يقف على شفا الهاوية يريد العبادة والصلاة، ويا له من تمثيل رائع!

10- المقابلة البديعة بين { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ.. وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ }.

11- الطباق بين { يَضُرُّهُ.. ويَنفَعُهُ } وبين { يُهِنِ.. فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ }.

12- السجع اللطيف بين كثير من الآيات.

فَائِدَة:

المُرضع التي شأنها أن ترضع، والمرضعة هي التي في حال الإِرضاع ملقمة ثديها لطفلها ولهذا قال { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ } ولم يقل: مرضع ليكون ذلك أعظم في الذهول إذ تنزع ثديها من فم الصبي - أحب الناس إليها - وذلك غاية في شدة الهول والفزع.

تنبيه:
روى ابن أبي حاتم أنه قيل لعلي: " إن هٰهنا رجلاً يتكلم في المشيئة فاستدعاه فقال له، يا عبد الله: خلقك كما يشاء أو كما تشاء؟ قال بل كما شاء، قال فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت، قل: بل إِذا شاء، قال: فيشفيك إذا شاء أو إِذا شئت؟ قال: بل إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث يشاء؟ قال: بل حيث يشاء، قال والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي بين عينيك بالسيف ".

أم سهام 2017-06-01 19:24

رد: سورة الحج
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ هَـظ°ذَانِ خَصْمَانِ ظ±خْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ظ±لْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَظ±لْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوغ¤اْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ظ±لْحَرِيقِ } * { إِنَّ ظ±للَّهَ يُدْخِلُ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ظ±لأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَهُدُوغ¤اْ إِلَى ظ±لطَّيِّبِ مِنَ ظ±لْقَوْلِ وَهُدُوغ¤اْ إِلَىظ° صِرَاطِ ظ±لْحَمِيدِ } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ظ±للَّهِ وَظ±لْمَسْجِدِ ظ±لْحَرَامِ ظ±لَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ظ±لْعَاكِفُ فِيهِ وَظ±لْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ظ±لْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَظ±لْقَآئِمِينَ وَظ±لرُّكَّعِ ظ±لسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ظ±لنَّاسِ بِظ±لْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىظ° كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } * { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ظ±سْمَ ظ±للَّهِ فِيغ¤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىظ° مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ظ±لأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ظ±لْبَآئِسَ ظ±لْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِظ±لْبَيْتِ ظ±لْعَتِيقِ } * { ذظ°لِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ظ±للَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ظ±لأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىظ° عَلَيْكُمْ فَظ±جْتَنِبُواْ ظ±لرِّجْسَ مِنَ ظ±لأَوْثَانِ وَظ±جْتَنِبُواْ قَوْلَ ظ±لزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِظ±للَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ظ±لطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ظ±لرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } * { ذظ°لِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ظ±للَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ظ±لْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىظ° أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىظ° ظ±لْبَيْتِ ظ±لْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ظ±سْمَ ظ±للَّهِ عَلَىظ° مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ظ±لأَنْعَامِ فَإِلَـظ°هُكُمْ إِلَـظ°هٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ظ±لْمُخْبِتِينَ } * { ظ±لَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ظ±للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَظ±لصَّظ°بِرِينَ عَلَىظ° مَآ أَصَابَهُمْ وَظ±لْمُقِيمِي ظ±لصَّلَظ°وةِ وَمِمَّا رَزَقْنَظ°هُمْ يُنفِقُونَ } * { وَظ±لْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ظ±للَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَظ±ذْكُرُواْ ظ±سْمَ ظ±للَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ظ±لْقَانِعَ وَظ±لْمُعْتَرَّ كَذظ°لِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { لَن يَنَالَ ظ±للَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـظ°كِن يَنَالُهُ ظ±لتَّقْوَىظ° مِنكُمْ كَذظ°لِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ظ±للَّهَ عَلَىظ° مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ظ±لْمُحْسِنِينَ }

المنَاسَبَة:

لما ذكر تعالى أهل السعادة وأهل الشقاوة، ذكر هنا ما دار بينهم من الخصومة في دينه وعبادته، ثم ذكر عظم حرمة البيت العتيق وبناء الخليل له، وعظم كفر هؤلاء المشركين الذين يصدون الناس عن سبيل الله والمسجد الحرام.

اللغَة:
{ يُصْهَرُ } الصهر: الإِذابة صهرت الشيء فانصهر أي أذبته فذاب { مَّقَامِعُ } المقامع: السياط جمع مقمعة سميت بذلك لأنها تقمع الفاجر { ظ±لْعَاكِفُ } المقيم الملازم { وَظ±لْبَادِ } القادم من البادية { بَوَّأْنَا } أنزلنا وهيأنا وأرشدنا { رِجَالاً } جمع راجل وهو الماشي على قدميه { ضَامِرٍ } الضامر: البعير المهزول الذي أتعبه السفر { تَفَثَهُمْ } التفث في اللغة: الوسخ والقذر قال الشاعر:
حفوا رءوسهم لم يحلقوا تفثاً
***
ولم يسلُّـوا لهم قملاً وصئباناً
قال الثعلبي: أصل التفث في اللغة الوسخ، تقول العرب للرجل تستقذره: ما أتفثك أي ما أوسخك وأقذرك { ظ±لْمُخْبِتِينَ } المخبت: المتواضع الخاشع لله.

التفسِير:
{ هَـظ°ذَانِ خَصْمَانِ } أي هذان فريقان مختصمان فريق المؤمنين المتقين، وفريق الكفرة المجرمين { ظ±خْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أي اختلفوا وتنازعوا من أجل الله ودينه قال مجاهد: هم المؤمنون والكافرون، فالمؤمنون يريدون نصرة دين الله، والكافرون يريدون إطفاء نور الله { فَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } أي فصلت لهم ثيابٌ من نار على قدر أجسادهم ليلبسوها إذا صاروا إلى النار قال القرطبي: شبهت النار بالثياب لأنها لباس لهم كالثياب ومعنى { قُطِّعَتْ } خيطت وسويت، وذكر بلفظ الماضي لأن الموعود منه كالواقع المحقق { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ظ±لْحَمِيمُ } أي يصب على رءوسهم الماء الحار المغلي بنار جهنم { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَظ±لْجُلُودُ } أي يذاب به ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء مع الجلود قال ابن عباس: لو سقطت منه قطرة على جبال الدنيا لأذابتها وفي الحديث " إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان " قال الإِمام الفخر: والغرض أن الحميم إذا صب على رءوسهم كان تأثيره في الباطن مثل تأثيره في الظاهر، فيذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم وهو أبلغ من قوله
{*وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ*}
[محمد: 15] { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } أي ولهم مطارق وسياط من الحديد يضربون بها ويدفعون وفي الحديث " لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها " { كُلَّمَآ أَرَادُوغ¤اْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } أي كلما أراد اهل النار الخروج من النار من شدة غمها ردوا إلى أماكنهم فيها قال الحسن: إن النار تضربهم بلهبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً { وَذُوقُواْ عَذَابَ ظ±لْحَرِيقِ } أي ويقال لهم: ذوقوا عذاب جهنم المحرق الذي كنتم فيه تكذبون، ولما ذكر تعالى ما أعد للكفار من العذاب والدمار، ذكر ما أعده للمؤمنين من الثواب والنعيم فقال { إِنَّ ظ±للَّهَ يُدْخِلُ ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ظ±لأَنْهَارُ } أي يدخل المؤمنين الصالحين في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار العظيمة المتنوعة { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } أي تلبسهم الملائكة في الجنة الأساور الذهبية كحلية وزينة يتزينون بها { وَلُؤْلُؤاً } أي ويحلون باللؤلؤ كذلك إكراماً من الله لهم { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } أي ولباسهم في الجنة الحرير، ولكنه أعلى وأرفع مما في الدنيا بكثير { وَهُدُوغ¤اْ إِلَى ظ±لطَّيِّبِ مِنَ ظ±لْقَوْلِ } أي أرشدوا إلى الكلام الطيب والقول النافع إذ ليس في الجنة لغوٌ ولا كذب { وَهُدُوغ¤اْ إِلَىظ° صِرَاطِ ظ±لْحَمِيدِ } أي إلى صراط الله وهو الجنة دار المتقين، ثم عدد تعالى بعض جرائم المشركين فقال { إِنَّ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ظ±للَّهِ وَظ±لْمَسْجِدِ ظ±لْحَرَامِ } أي جحدوا بما جاء به محمد عليه السلام ويمنعون المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام لأداء المناسك فيه قال القرطبي: وذلك حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام عام الحديبية، وإنما قال { وَيَصُدُّونَ } بصيغة المضارع ليدل على الاستمرار فكأن المعنى: إن الذين كفروا من شأنهم الصد عن سبيل الله ونظيره قوله{*ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ظ±للَّهِ*}
[الرعد: 28] { ظ±لَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ظ±لْعَاكِفُ فِيهِ وَظ±لْبَادِ } أي الذي جعلناه منسكاً ومتعبداً للناس جميعاً سواء فيه المقيم الحاضر، والذي يأتيه من خارج البلاد { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } أي ومن يرد فيه سوءاً أو ميلاً عن القصد أو يهم فيه بمعصية { نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي نذقه أشد أنواع العذاب الموجع قال ابن مسعود: لو أن رجلاً بِعدَنَ همَّ بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه الله عذاباً أليماً وقال مجاهد: تُضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ظ±لْبَيْتِ } أي واذكر حين أرشدنا إبراهيم وألهمناه مكان البيت { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } أي أمرناه ببناء البيت العتيق خالصاً لله قال ابن كثير: أي ابنه على اسمي وحدي { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَظ±لْقَآئِمِينَ وَظ±لرُّكَّعِ ظ±لسُّجُودِ } أي طهر بيتي من الأوثان والأقذار لمن يعبد الله فيه بالطواف والصلاة قال القرطبي: والقائمون هم المصلون، ذكر تعالى من أركان الصلاة أعظمها وهو القيام والركوع والسجود { وَأَذِّن فِي ظ±لنَّاسِ بِظ±لْحَجِّ } أي ونادِ في الناس داعياً لهم لحج بيت الله العتيق قال ابن عباس: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: أذن في الناس بالحج، قال يا رب: وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي الإِبلاغ فصعد إبراهيم على جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة، ويجيركم من عذاب النار فحجوا، فأجابه من كان في أصلاب الرجال، وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىظ° كُلِّ ضَامِرٍ } أي يأتوك مشاة على أقدامهم أو ركباناً على كل جمل هزيل قد أتعبه وأنهكه بعد المسافة { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي تأتي الإِبل الضامرة من كل طريق بعيد قال القرطبي: ورد الضمير إلى الإِبل { يَأْتِينَ } تكرمةً لها لقصدها الحج مع أربابها كما قال

{*وَظ±لْعَادِيَاتِ ضَبْحاً*}
[العاديات: 1] في خيل الجهاد تكرمةً لها حين سعت في سبيل الله { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } أي ليحضروا منافع لهم كثيرة دينية ودنيوية قال الفخر الرازي: وانما نكَّر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات { وَيَذْكُرُواْ ظ±سْمَ ظ±للَّهِ فِيغ¤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىظ° مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ظ±لأَنْعَامِ } أي ويذكروا عند ذبح الهدايا والضحايا اسم الله في أيام النحر شكراً لله على نعمائه وعلى ما رزقهم وملكهم من الأنعام وهي: الإِبل والبقر والغنم والمعز قال الرازي: وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي ذكر اسمه تعالى عند الذبح وأن يخالف المشركين في ذلك فإنهم كانوا يذبحونها للنصب والأوثان { فَكُلُواْ مِنْهَا } أي كلوا من لحوم الأضاحي { وَأَطْعِمُواْ ظ±لْبَآئِسَ ظ±لْفَقِيرَ } أي أطعموا منها البائس الذي أصابه بؤس وشدة، والفقير الذي أضعفه الإِعسار قال ابن عباس: البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون كذلك، ثيابه نقية ووجهه وجه غني { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } أي ثم بعد الذبح ليزيلوا وسخهم الذي أصابهم بالإِحرام وذلك بالحلق والتقصير وإزالة الشعث وقص الشارب والأظافر { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } أي ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر طاعةً لله { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِظ±لْبَيْتِ ظ±لْعَتِيقِ } أي ليطوفوا حول البيت العتيق طواف الإِفاضة وهو طواف الزيارة الذي به تمام التحلل، والعتيق: القديم سمي به لأنه أول بيت وضع للناس { ذظ°لِكَ } أي الأمر والشأن ذلك قال الزمخشري: كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال: هذا وقد كان كذا { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ظ±للَّهِ } أي من يعظم ما شرعه الله من أحكام الدين ويجتنب المعاصي والمحارم { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } أي ذلك التعظيم خير له ثواباً في الآخرة { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ظ±لأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىظ° عَلَيْكُمْ } أي أحللنا لكم جميع الأنعام إلا ما استثني في الكتاب المجيد كالميتة والمنخنقة وما ذبح لغير الله وغير ذلك { فَظ±جْتَنِبُواْ ظ±لرِّجْسَ مِنَ ظ±لأَوْثَانِ } أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما تجتنب الأنجاس، وهو غاية المبالغة في النهي عن عبادتها وتعظيمها { وَظ±جْتَنِبُواْ قَوْلَ ظ±لزُّورِ } أي واجتنبوا شهادة الزور { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } أي مائلين إلى الحق مسلمين لله غير مشركين به أحداً { وَمَن يُشْرِكْ بِظ±للَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ظ±لطَّيْرُ } تمثيل للمشرك في ضلاله وهلاكه أي ومن أشرك بالله فكأنما سقط من السماء فتخطفه الطير وتمزقه كل ممزق { أَوْ تَهْوِي بِهِ ظ±لرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } أي أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة { ذظ°لِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ظ±للَّهِ } أي ذلك ما وضحه الله لكم من الأحكام والأمثال ومن يعظم أمور الدين ومنها أعمالُ الحج والأضاحي والهدايا { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ظ±لْقُلُوبِ } أي فإن تعظيمها من أفعال المتقين لله قال القرطبي: أضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى في القلب وفي الحديث
" التقوى هظ°هنا " وأشار إلى صدره { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىظ° أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي لكم في الهدايا منافع كثيرة من الدر والنسل والركوب إلى وقت نحرها { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىظ° ظ±لْبَيْتِ ظ±لْعَتِيقِ } أي ثم مكان ذبحها في الحرم بمكة أو منى، وخص البيت بالذكر لأنه أشرف الحرم كقوله تعالى
{*هَدْياً بَالِغَ ظ±لْكَعْبَةِ*}
[المائدة: 95] { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي شرعنا لكل أُمة من الأمم السابقة من عهد إبراهيم مكاناً للذبح تقرباً لله قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل { لِّيَذْكُرُواْ ظ±سْمَ ظ±للَّهِ } أي أمرناهم عند الذبح أو يذكروا اسم الله وأن يذبحوا لوجهه تعالى { عَلَىظ° مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ظ±لأَنْعَامِ } أي شكراً لله على ما أنعم به عليهم من بهيمة الأنعام من الإِبل والبقر والغنم، بين تعالى انه يجب أن يكون الذبح لوجهه تعالى وعلى اسمه لأنه هو الخالق الرازق لا كما كان المشركون يذبحون للأوثان { فَإِلَـظ°هُكُمْ إِلَـظ°هٌ وَاحِدٌ } أي فربكم أيها الناس ومعبودكم إله واحد لا شريك له { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي فأخلصوا له العبدة واستسلموا لحكمه وطاعته { وَبَشِّرِ ظ±لْمُخْبِتِينَ } أي بشر المطيعين المتواضعين الخاشعين بجنات النعيم، ثم وصف تعالى المخبتين بأربع صفات فقال { ظ±لَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ظ±للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي إذا ذكر الله خافت وارتعشت لذكره قلوبهم لإِشراق أشعة جلاله عليها فكأنهم بين يديه واقفون، ولجلاله وعظمته مشاهدون { وَظ±لصَّابِرِينَ عَلَىظ° مَآ أَصَابَهُمْ } أي يصبرون في السراء والضراء على الأمراض والمصائب والمحن وسائر المكاره { وَظ±لْمُقِيمِي ظ±لصَّلاَةِ } أي الذين يؤدونها في أوقاتها مستقيمةً كاملة مع الخشوع والخضوع { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي ومن بعض الذي رزقناهم من فضلنا ينفقون في وجوه الخيرات { وَظ±لْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ظ±للَّهِ } أي والإِبل السمينة - سميت بدناً لبدانتها وضخامة أجسامها - جعلناها من أعلام الشريعة التي شرعها الله لعباده قال ابن كثير: وكونها من شعائر الدين انها تُهدى إلى بيته الحرام بل هي أفضل ما يهدى { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قال ابن عباس: نفعٌ في الدنيا وأجرٌ في الآخرة { فَظ±ذْكُرُواْ ظ±سْمَ ظ±للَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } أي اذكروا عند ذبحها اسم الله الجليل عليها حال كونها صواف أي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي فإذا سقطت على الأرض بعد نحرها، وهو كنايةٌ عن الموت { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ظ±لْقَانِعَ وَظ±لْمُعْتَرَّ } أي كلوا من هذه الهدايا وأطعموا القانع أي المتعفف والمعتر أي السائل قاله ابن عباس، وقال الرازي: الأقرب أن القانع هو الراضي بما يدفع إليه من غير سؤال وإلحاح، والمعتر هو الذي يتعرض ويطلب ويعتريهم حالاً بعد حال { كَذظ°لِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي مثل ذلك التسخير البديع جعلناها منقادة لكم مع ضخامة اجسامها لكي تشكروا الله على إنعامه { لَن يَنَالَ ظ±للَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } أي لن يصل إليه تعالى شيء من لحومها ولا دمائها { وَلَـظ°كِن يَنَالُهُ ظ±لتَّقْوَىظ° مِنكُمْ } أي ولكن يصل إليه التقوى منكم بامتثالكم أوامره وطلبكم رضوانه { كَذظ°لِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ظ±للَّهَ عَلَىظ° مَا هَدَاكُمْ } أي كرره للتأكيد أي كذلك ذللها لكم وجعلها منقادة لرغبتكم لتكبروا الله على ما أرشدكم إليه من أحكام دينه { وَبَشِّرِ ظ±لْمُحْسِنِينَ } أي بشر المحسنين في أعمالهم بالسعادة والفوز بدار النعيم.

البَلاَغة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الإِيجاز { ظ±خْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أي في دين ربهم فهو على حذف مضاف.

2- الاستعارة { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } استعارة عن إحاطة النار بهم كما يحيط الثوب بلابسه.

3- الطباق بين { ظ±لْعَاكِفُ.. وَظ±لْبَادِ } لأن العاكف المقيم في المدينة والباد القادم من البادية.

4- التأكيد بإعادة الفصل { فَظ±جْتَنِبُواْ ظ±لرِّجْسَ مِنَ ظ±لأَوْثَانِ وَظ±جْتَنِبُواْ قَوْلَ ظ±لزُّورِ } للعناية بشأن كل استقلالاً، ويسمى في علم البديع الإِطناب.

5- التشبيه التمثيلي { وَمَن يُشْرِكْ بِظ±للَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ظ±لطَّيْرُ } لأن وجه الشبه منتزع من متعدد.

6- الجناس الناقص { وَجَبَتْ جُنُوبُهَا }.

7- الطباق بين { ظ±لْقَانِعَ وَظ±لْمُعْتَرَّ } لأنه القانع المتعفف والمعتر السائل.

8- السجع اللطيف مثل { عَميِقٍ } ، { سَحِيقٍ } ، { ظ±لْعَتِيقِ } ومثل { ظ±لْمُحْسِنِينَ } ، { ظ±لْمُخْبِتِينَ }.

تنبيه:
لم يؤاخذ الله تعالى أحداً من خلقه على الهم بالمعصية إلا في المسجد الحرام { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } لأنه المكان المقدس الذي يجب أن يكون فيه الإِنسان نقي القلب، طاهر النفس، صافي السريرة، خالصاً بكليته لله، فمن ينتهك حرمة الملك في حماه جدير بالجحيم والعذاب الأليم.

أم سهام 2017-06-02 19:06

رد: سورة الحج
 
[COLOR="Sienna"]* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

[/COLOR]{ إِنَّ ظ±للَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِنَّ ظ±للَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } * { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ظ±للَّهَ عَلَىظ° نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } * { ظ±لَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ظ±للَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ظ±للَّهِ ظ±لنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ظ±سمُ ظ±للَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ظ±للَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ظ±للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ظ±لَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ظ±لأَرْضِ أَقَامُواْ ظ±لصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ظ±لزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِظ±لْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ظ±لْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ظ±لأُمُورِ } * { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } * { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىظ° فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىظ° عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ظ±لأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ظ±لأَبْصَارُ وَلَـظ°كِن تَعْمَىظ° ظ±لْقُلُوبُ ظ±لَّتِي فِي ظ±لصُّدُورِ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ظ±للَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ظ±لْمَصِيرُ } * { قُلْ يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَظ±لَّذِينَ سَعَوْاْ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىظ° أَلْقَى ظ±لشَّيْطَانُ فِيغ¤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ظ±للَّهُ مَا يُلْقِي ظ±لشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ظ±للَّهُ آيَاتِهِ وَظ±للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ظ±لشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَظ±لْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ظ±لظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { وَلِيَعْلَمَ ظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لْعِلْمَ أَنَّهُ ظ±لْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهَادِ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِلَىظ° صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلاَ يَزَالُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىظ° تَأْتِيَهُمُ ظ±لسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } * { ظ±لْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ظ±لنَّعِيمِ } * { وَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيظ°تِنَا فَأُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ظ±للَّهِ ثُمَّ قُتِلُوغ¤اْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ظ±للَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ظ±لرَّازِقِينَ } * { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } * { ذظ°لِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ظ±للَّهُ إِنَّ ظ±للَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ يُولِجُ ظ±للَّيْلَ فِي ظ±لنَّهَارِ وَيُولِجُ ظ±لنَّهَارَ فِي ظ±للَّيْلِ وَأَنَّ ظ±للَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ظ±لْبَاطِلُ وَأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْعَلِيُّ ظ±لْكَبِيرُ }

المنَاسَبَة:
لما بيَّن تعالى مناسك الحج وما فيه من منافع الدنيا والآخرة، وذكر أن الكفار صدوا المؤمنين عن دين الله وعن دخول مكة، بيَّن هنا أنه يدافع عن المؤمنين وذكر الحكمة من مشروعية القتال ومنها الدفاع عن المقدسات، وحماية المستضعفين، وتمكين المؤمنين من عبادة الله تعالى.

اللغَة:
{ صَوَامِعُ } جمع صومعة وهي البناء المرتفع وهي مختصة بالرهبان { بِيَعٌ } جمع بيعة وهي كنيسة النصارى { وَصَلَوَاتٌ } كنائس اليهود وقال الزجاج: وهي بالعبرانية صَلُوتا { نَكِيرِ } مصدر بمعنى الإِنكار قال الجوهري: النكيرُ والإِنكارُ تغيير المنكر { مُّعَطَّلَةٍ } متروكة وتعطيل الشيء إبطال منافعه { مَّشِيدٍ } مرفوع البنيان.

التفسِير:
{ إِنَّ ظ±للَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ } أي ينصر المؤمنين ويدفع عنهم بأس المشركين، وهذه بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار وكفِّ كيدهم عنهم { إِنَّ ظ±للَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } أي إنه تعالى يبغض كل خائنٍ للأمانة جاحدٍ نعمة الله { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } فيه محذوف تقديره: أُذن لهم في القتال بسبب أنهم ظُلموا قال ابن عباس: هذه أو آيةٍ نزلت في الجهاد قال المفسرون: هم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديداً وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مضروب ومشجوح ويتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بقتالهم حتى هاجروا فأُنزلت هذه الآية وهي أول آيةٍ أُذن فيها بالقتال بعدما نهي عنه في أكثر من سبعين آية { وَإِنَّ ظ±للَّهَ عَلَىظ° نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } أي هو تعالى قادر على نصر عباده من غير قتال ولكنه يريد منهم أن يبذلوا جهدهم في طاعته لينالوا أجر الشهداء { ظ±لَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } أي أُخرجوا من أوطانهم ظلماً وعدواناً بغير سبب موجب للإِخراج قال ابن عباس: يعني محمداً وأصحابه أُخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ظ±للَّهُ } أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب إلا أنهم وحدوا الله ولم يشركوا به أحداً { وَلَوْلاَ دَفْعُ ظ±للَّهِ ظ±لنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي لولا ما شرعه الله من الجهاد وقتال الأعداء لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وتعطلت الشعائر ولكنه تعالى دفع شرهم بأن أمر بقتالهم { لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ } أي لتهدمت معابد الرهبان وكنائس النصارى { وَصَلَوَاتٌ } أي كنائس اليهود { وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ظ±سمُ ظ±للَّهِ كَثِيراً } أي ومساجد المسلمين التي يعبد فيها الله بكرة وأصيلاً، ومعنى الآية أنه لولا كفُّه تعالى المشركين بالمسلمين، وإذنه بمجاهدة المسلمين للكافرين لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمانهم فهدموا موضع عباداتهم، ولم يتركوا للنصارى بيعاً، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود كنائس، ولا للمسلمين مساجد، ولغلب المشركون أهل الأديان، وإنما خص المساجد بهذا الوصف { يُذْكَرُ فِيهَا ظ±سمُ ظ±للَّهِ كَثِيراً } تعظيماً لها وتشريفاً لأنها أماكن العبادة الحقة { وَلَيَنصُرَنَّ ظ±للَّهُ مَن يَنصُرُهُ } قسمٌ أي والله سينصر الله من ينصر دينه ورسوله { إِنَّ ظ±للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي إنه تعالى قادر لا يعجزه شيء، عزيزٌ لا يُقهر ولا يغلب قال ابن كثير: وصف نفسه بالقوة والعزة، فبقوته خلق كل شيء، وبعزته لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب { ظ±لَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ظ±لأَرْضِ أَقَامُواْ ظ±لصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ظ±لزَّكَـاةَ } قال ابن عباس: هم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان، والمعنى: هؤلاء الذين يستحقون نصرة الله هم الذين إن جعلنا لهم سلطاناً في الأرض وتملكاً واستعلاء عبدوا الله وحافظوا على الصلاة وأداء الزكاة { وَأَمَرُواْ بِظ±لْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ظ±لْمُنْكَرِ } أي دعوا إلى الخير ونهوا عن الشر { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ظ±لأُمُورِ } أي مرجع الأمور إلى حكمه تعالى وتقديره { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ووعيد للمشركين أي إن كذبك أهل مكة فاعلم إنك لست أول رسول يكذبه قومه فقد كان قبلك أنبياء كُذبوا فصبروا إلى أهلك الله المكذبين، فاقتد بهم واصبر { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ } أي وكذب قوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب { وَكُذِّبَ مُوسَىظ° } أي وكذب موسى أيضاً مع وضوح آياته، وعظم معجزاته فما ظنك بغيره؟ { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أي أمهلتهم ثم أخذتهم بالعقوبة { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } استفهام تقريري أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعذاب ألم يكن أليماً؟ ألم أبدلهم بالنعمة نقمة، وبالكثرة قلة، وبالعمارة خراباً؟ فكذلك أفعل بالمكذبين من أهل مكة { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } أي كم من قرية أهلكنا أهلها بالعذاب الشامل { وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي وهي مشركة كافرة { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىظ° عُرُوشِهَا } أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف فهي مخربة مهدمة { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } أي وكم من بئر عطلت فتركت لا يستقى منها لهلاك أهلها { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } أي وكم من قصر مرفوع البنيان أصبح خالياً بلا ساكن، أليس في ذلك عبرة للمعتبر؟ { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ظ±لأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } أي أفلم يسافر أهل مكة ليشاهدوا مصارع الكفار فيعتبروا بما حل بهم من النكال والدمار!! وهلاّ عقلوا ما يجب أن يُعقل من الإِيمان والتوحيد! { أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } أي أو تكون لهم آذانٌ يسمعون بها المواعظ والزواجر { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ظ±لأَبْصَارُ وَلَـظ°كِن تَعْمَىظ° ظ±لْقُلُوبُ ظ±لَّتِي فِي ظ±لصُّدُورِ } أي ليس العمى على الحقيقة عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة فمن كان أعمى القلب لا يعتبر ولا يتدبر، وذِكرُ الصدور للتأكيد ونفي توهم المجاز { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ظ±للَّهُ وَعْدَهُ } أي ويستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون بالعذاب استهزاءً، وإن ذلك واقع لا محالة، لكن لوقوعه أجل لا يتعداه لأنه تعالى لا يخلف الميعاد { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } أي هو تعالى حليم لا يعجل فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حلمه فلِم إذاً يستبعدونه ويستعجلون العذاب؟ ولهذا قال بعد ذلك { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي وكثير من أهل قرية أخرت إهلاكهم وأمهلتهم مع استمرارهم على الظلم فاغتروا بذلك التأخير { ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ظ±لْمَصِيرُ } أي ثم أخذتهم بالعذاب بعد طول الإِمهال وإليَّ المرجع والمآب قال في البحر: لما كان تعالى قد أمهل قريشاً حتى استعجلت بالعذاب ذكر الآية تنبيهاً على أن السابقين أُمهلوا ثم أُهلكوا وأن قريشاً وإن أملى تعالى لهم وأمهلهم فإن لا بد من عذابهم فلا يفرحوا بتأخير العذاب عنهم { قُلْ يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي قل يا محمد لهؤلاء المستعجلين للعذاب إنما أنا منذر لكم أخوفكم عذاب الله وأنذركم إنذاراً بيناً من غير أن يكون لي دخلٌ في تعجيل العذاب أو تأخيره { فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي فالمؤمنون الصادقون الذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح لهم عند ربهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم في جنان النعيم قال الرازي: بين سبحانه أن من جمع بينهما فالله تعالى يجمع له بين المغفرة والرزق الكريم وقال القرطبي: إذا سمعت الله تعالى يقول { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } فاعلم أنه الجنة { وَظ±لَّذِينَ سَعَوْاْ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي كذبوا بآياتنا وسعوا في إبطالها مغالبين مشاقين يريدون إطفاء نور الله { أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ } أي فأولئك هم أصحاب النار الحارة الموجعة، الشديد عذابها ونكالها، شبههم من حيث الدوام بالصاحب قال الرازي: فإن قيل: إنه عليه السلام بشر المؤمنين أولاً، وأنذر الكافرين ثانياً في هذه الآية فكان القياس أن يقال { إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } والجواب أن الكلام مسوق إلى المشركين وهم الذين استعجلوا العذاب و { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ } نداءٌ لهم، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة لغيظهم وإيذائهم { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ } أي وما أرسلنا قبلك يا محمداً رسولاً ولا نبياً { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىظ° } أي إلا إذا أحبَّ شيئاً وهويته نفسه { أَلْقَى ظ±لشَّيْطَانُ فِيغ¤ أُمْنِيَّتِهِ } أي ألقى الشيطان فيما يشتهيه ويتمناه بعض الوساوس التي توجب اشتغاله بالدنيا كما قال عليه السلام
" إنه ليُغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة " قال الفراء: تمنى إذا حدَّث نفسه وفي البخاري: قال ابن عباس: " إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " إلا إذا حدَّث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته، ويقال: أمنيته: قراءته قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية وأجله، ومعنى الآية: وما أرسلنا رسولاً ولا نبياً فحدث نفسه بشيء وتمنى لأمته الهداية والإِيمان إلا ألقى الشيطان الوساوس والعقبات في طريقه بتزيين الكفر لقومه وإلقائه في نفوسهم مخالفةً لأمر الرسول وكأنَّ الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم تقول له: لا تحزن يا محمد على معاداة قومك لك فهذه سنة المرسلين { فَيَنسَخُ ظ±للَّهُ مَا يُلْقِي ظ±لشَّيْطَانُ } أي يزيل ويبطل الله ما يلقيه الشيطان من الوساوس والأوهام { ثُمَّ يُحْكِمُ ظ±للَّهُ آيَاتِهِ } أي يثبت في نفس الرسول آياته الدالة على الوحدانية والرسالة { وَظ±للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي مبالغٌ في العلم حكيم يضع الأشياء في مواضعها قال أبو السعود: وفي الآية دلالة على جواز السهو من الأنبياء عليهم السلام، وتطرق الوسوسة إليهم { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ظ±لشَّيْطَانُ } أي ليجعل تلك الشبه والوساوس التي يلقيها الشيطان { فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي فتنة للمنافقين الذين في قلوبهم شك وارتياب { وَظ±لْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } أي وفتنةً للكافرين الذين لا تلين قلوبهم لذكر الله، وهم خواص من الكفار عتاةٌ كأبي جهل، والنضر، وعتبة { وَإِنَّ ظ±لظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي وإن هؤلاء المذكورين من المنافقين والمشركين لفي عداوة شديدة لله ولرسوله، ووصف الشقاق بلفظ { بَعِيدٍ } لأنه في غاية الضلال والبعدِ عن الخير { وَلِيَعْلَمَ ظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لْعِلْمَ أَنَّهُ ظ±لْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي وليعلم أهل العلم أن القرآن هو الحق النازل من عند الله تعالى { فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } أي يؤمنوا بهذا القرآن { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي تخشع وتسكن له قلوبهم بخلاف من في قلبه مرض { وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهَادِ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِلَىظ° صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي مرشد المؤمنين إلى الصراط المستقيم ومنقذهم من الضلالة والغواية { وَلاَ يَزَالُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } أي ولا يزال هؤلاء المشركون في شك وريب من هذا القرآن { حَتَّىظ° تَأْتِيَهُمُ ظ±لسَّاعَةُ بَغْتَةً } أي حتى تأتيهم الساعة فجأة دون أن يشعروا قال قتادة: ما أخذ الله قوماً قطُّ إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } أي أو يأتيهم عذاب يوم القيامة وسمي عقيماً لأنه لا يوم بعده قال أبو السعود: كأنَّ كل يوم يلد ما بعده من الأيام، فما لا يوم بعده يكون عقيماً، والمراد به الساعة أيضاً كأنه قيل: أو يأتيهم عذابها، ووضع ذلك موضع الضمير لمزيد التهويل { ظ±لْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ } أي الملك يوم القيامة لله وحده لا منازع له فيه ولا مدافع { يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أي يفصل بين عباده بالعدل، فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار ولهذا قال { فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ظ±لنَّعِيمِ } أي فالذين صدقوا الله ورسوله وفعلوا صالح الأعمال لهم النعيم المقيم في جنات الخلد { وَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآياتِنَا فَأُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي والذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسله لهم العذاب المخزي مع الإِهانة والتحقير في دار الجحيم { وَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ظ±للَّهِ } أي تركوا الأوطان والديار ابتغاء مرضاة الله وجاهدوا لإِعلاء كلمة الله { ثُمَّ قُتِلُوغ¤اْ أَوْ مَاتُواْ } أي قتلوا في الجهاد أو ماتوا على فرشهم { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ظ±للَّهُ رِزْقاً حَسَناً } أي ليعطينهم نعيماً خالداً لا ينقطع أبداً وهو نعيم الجنة { وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ظ±لرَّازِقِينَ } أي هو تعالى خير من أعطى فإنه يرزق بغير حساب { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } أي ليدخلنهم مكاناً يرضونه وهو الجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر { وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } أي عليم بدرجات العاملين حليم عن عقابهم { ذظ°لِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي جازى الظالم بمثل ما ظلمه { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ظ±للَّهُ } أي ثم اعتدى الظالم عليه ثانياً لينصرن الله ذلك المظلوم { إِنَّ ظ±للَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي مبالغ في العفو والغفران، وفيه تعريض بالحث على العفو والصفح، فإنه تعالى مع كمال قدرته على الانتقام يعفو ويغفر فغيره أولى بذلك { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ يُولِجُ ظ±للَّيْلَ فِي ظ±لنَّهَارِ وَيُولِجُ ظ±لنَّهَارَ فِي ظ±للَّيْلِ } أي ذلك النصر بسبب أن الله قادر، ومن آيات قدرته إيلاج الليل في النهار أي أنه يدخل كلاً منهما في الآخر.
بأن ينقص من الليل فيزيد في النهار وبالعكس وهذا مشاهد ملموس في الصيف والشتاء { وَأَنَّ ظ±للَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أي سميع لأقوال عباده بصير بأحوالهم لا تخفى عليه خافية { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْحَقُّ } أي ذلك بأن الله هو الإِله الحق { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ظ±لْبَاطِلُ } أي وأن الذي يدعوه المشركون من الأصنام والأوثان هو الباطل الذي لا يقدر على شيء { وَأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْعَلِيُّ ظ±لْكَبِيرُ } أي هو العالي على كل شيء ذو العظمة والكبرياء فلا أعلى منه ولا أكبر.

البَلاَغَة:

تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- صيغة المبالغة { خَوَّانٍ كَفُورٍ } لأن فعال وفعول من صيغ المبالغة.

2- الحذف لدلالة السياق عليه { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } أي أُذن بالقتال للذين يقاتلون.

3-تأكيد المدح بما يشبه الذم { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ظ±للَّهُ } أي لا ذنب لهم إلا هذا.

4- المقابلة اللطيفة بين { فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } وبين { وَظ±لَّذِينَ سَعَوْاْ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ }.

5- جناس الاشتقاق { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ }.

6- الطباق بين { يَنسَخُ.. ثُمَّ يُحْكِمُ }.

7- الاستعارة البديعة { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } وهذا من أحسن الاستعارات لأن العقيم المرأة التي لا تلد، فكأنه سبحانه وصف ذلك اليوم بأنه لا ليل بعده ولا نهار لأن الزمان قد مضى، والتكليف قد انقضى، فجعلت الأيام بمنزلة الولدان لليالي، وجعل ذلك اليوم من بينها عقيماً على طريق الاستعارة.

أم سهام 2017-06-04 16:03

رد: سورة الحج
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ظ±للَّهَ أَنزَلَ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ظ±لأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ظ±للَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { لَّهُ مَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهُوَ ظ±لْغَنِيُّ ظ±لْحَمِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ظ±للَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ظ±لأَرْضِ وَظ±لْفُلْكَ تَجْرِي فِي ظ±لْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ظ±لسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ظ±لأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ظ±للَّهَ بِظ±لنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَهُوَ ظ±لَّذِيغ¤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ظ±لإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } * { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ظ±لأَمْرِ وَظ±دْعُ إِلَىظ° رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىظ° هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ظ±للَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ظ±للَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ظ±للَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ظ±لسَّمَآءِ وَظ±لأَرْضِ إِنَّ ذظ°لِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذظ°لِكَ عَلَى ظ±للَّهِ يَسِيرٌ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { وَإِذَا تُتْلَىظ° عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ ظ±لْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِظ±لَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَظ°تِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذظ°لِكُمُ ظ±لنَّارُ وَعَدَهَا ظ±للَّهُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ظ±لْمَصِيرُ } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَظ±سْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ظ±لَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ظ±جْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ظ±لذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ظ±لطَّالِبُ وَظ±لْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ظ±للَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ظ±للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ظ±للَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ظ±لْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ظ±لنَّاسِ إِنَّ ظ±للَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى ظ±للَّهِ تُرْجَعُ ظ±لأُمُورُ } * { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ ظ±رْكَعُواْ وَظ±سْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَظ±فْعَلُواْ ظ±لْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ظ±للَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ظ±جْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ظ±لدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ظ±لْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـظ°ذَا لِيَكُونَ ظ±لرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ظ±لنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ظ±لصَّلاَةَ وَآتُواْ ظ±لزَّكَـاةَ وَظ±عْتَصِمُواْ بِظ±للَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ظ±لْمَوْلَىظ° وَنِعْمَ ظ±لنَّصِيرُ }


المنَاسَبَة:
لمّا ذكر تعالى ما دلَّ على قدرته الباهرة من إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل ونبه به على نعمه، أتبعه هنا بأنواع أخر من الدلائل على قدرته وحكمته، وجعلها كالمقدمة لإِثبات البعث والمعاد، وختم السورة بدعوة المؤمنين إلى عبادة الله الواحد الأحد.

اللغَة:

{ سُلْطَاناً } حجة وبرهاناً { يَسْطُونَ } يبطشون، والسطوة: القهر وشدة البطش يقال: سطا يسطو إذا بطش به { يَسْلُبْهُمُ } سلب الشيء: اختطفه بسرعة { قَدَرُواْ } عظموا { يَصْطَفِي } يجتبي ويختار { حَرَجٍ } ضيق { مِّلَّةَ } الملة: الدين.

التفسِير:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ظ±للَّهَ أَنزَلَ مِنَ ظ±لسَّمَآءِ مَآءً } استفهام تقريري أي ألم تعلم ايها السامع أن الله بقدرته أنزل من السحاب المطر؟ { فَتُصْبِحُ ظ±لأَرْضُ مُخْضَرَّةً } أي فأصبحت الأرض منتعشة خضراء بعد يبسها ومحولها، وجاء بصيغة المضارع { فَتُصْبِحُ } لاستحضار الصورة وإفادة بقائها كذلك مدة من الزمن { إِنَّ ظ±للَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } قال ابن عباس: لطيف بأرزاق عباده خبير بما في قلوبهم من القنوط، والغرض من الآية إقامة الدليل على كمال قدرته وعلى البعث والنشور فمن قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت ولهذا قال { وَهُوَ ظ±لَّذِيغ¤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } { لَّهُ مَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ } أي جميع ما في الكون ملكه جل وعلا، خلقاً وملكاً وتصرفاً، والكل محتاج إلى تدبيره وإتقانه { وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهُوَ ظ±لْغَنِيُّ ظ±لْحَمِيدُ } أي هو تعالى غني عن الأشياء كلها لا يحتاج لأحد، وهو المحمود في كل حال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ظ±للَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ظ±لأَرْضِ } تذكير بنعمة أُخرى أي ألم تر أيها العاقل أن الله سخر لعباده جميع ما يحتاجون إليه من الحيوانات والأشجار والأنهار والمعادن { وَظ±لْفُلْكَ تَجْرِي فِي ظ±لْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } أي وسخر السفن العظيمة المثقلة بالأحمال والرجال تسير في البحر لمصالحكم بقدرته ومشيئته { وَيُمْسِكُ ظ±لسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ظ±لأَرْضِ } أي ويمسك بقدرته السماء كي لا تقع على الأرض فيهلك من فيها { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي إلا إذا شاء وذلك عند قيام الساعة { إِنَّ ظ±للَّهَ بِظ±لنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي وذلك من لطفه بكم ورحمته لكم حيث هيأ لكم أسباب المعاش فاشكروا آلاءه { وَهُوَ ظ±لَّذِيغ¤ أَحْيَاكُمْ } أي أحياكم بعد أن كنتم عدماً { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } أي يميتكم عند انتهاء آجالكم { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أي بعد موتكم للحساب والثواب والعقاب { إِنَّ ظ±لإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } أي مبالغ في الجحود لنعم الله قال ابن عباس: المراد بالإِنسان الكافر والغرض من الآيات توبيخ المشركين كأنه يقول: كيف تجعلون لله أنداداً وتعبدون معه غيره وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف!! { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي لكل نبي من الأنبياء وأمةٍ من الأمم السابقين وضعنا لهم شريعة ومتعبداً ومنهاجاً كقوله
{*لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً*}
[المائدة: 48] { هُمْ نَاسِكُوهُ } أي هم عاملون به أي بذلك الشرع { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ظ±لأَمْرِ } أي لا ينازعك أحدٌ من المشركين فيما شرعتُ لك ولأمتك فقد كانت الشرائع في كل عصر وزمان، وهو نهيٌ يراد به النفي أي لا ينبغي منازعةُ النبي صلى الله عليه وسلم لأن الحق قد ظهر بحيث لا يسع النزاع فيه { وَظ±دْعُ إِلَىظ° رَبِّكَ } أي أدعُ الناس إلى عبادة ربك وإلى شريعته السمحة المطهرة { إِنَّكَ لَعَلَىظ° هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } أي فإِنك على طريق واضحٍ مستقيم، موصل إلى جنات النعيم { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ظ±للَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي وإِن خاصموك بعد ظهور الحق وقيام الحجة عليهم فقل لهم: الله أعلم بأعمالكم القبيحة وبما تستحقون عليها من الجزاء، وهذا وعيد وإِنذار { ظ±للَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } أي الله يفصل في الآخرة بين المؤمنين والكافرين فيما كانوا فيه يختلفون من أمر الدين، فيعرفون حينئذٍ الحق من الباطل { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ظ±للَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ظ±لسَّمَآءِ وَظ±لأَرْضِ } الاستفهام تقريري أي لقد علمت يا محمد أنَّ الله أحاط علمه بما في السماء والأرض فلا تخفى عليه أعمالهم { إِنَّ ذظ°لِكَ فِي كِتَابٍ } أي إن ذلك كله مسطر في اللوح المحفوظ { إِنَّ ذظ°لِكَ عَلَى ظ±للَّهِ يَسِيرٌ } أي إن حصر المخلوقات تحت علمه وإِحاطته سهلٌ عليه يسيرٌ لديه ثم بيَّن سبحانه ما يقدم عليه الكفار مع عظيم نعمه، ووضوح دلائله فقال { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ } أي ويعبد كفار قريش غير الله تعالى أصناماً لا تنفع ولا تسمع { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } أي ما لم يرد به حجة ولا برهان من جهة الوحي والشرع { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي وما ليس عندهم به علم من جهة العقل وإنما هو مجرد التقليد الأعمى للآباء { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } أي ليس لهم ناصر يدفع عنهم عذاب الله { وَإِذَا تُتْلَىظ° عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي وإذا تليت على هؤلاء المشركين آيات القرآن الواضحة الساطعة وما فيها من الحجج القاطعة على وحدانية الله { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ ظ±لْمُنْكَرَ } أي ترى في وجوه الكفار الإِنكار بالعبوس والكراهة { يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِظ±لَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَظ°تِنَا } أي يكادون يبطشون بالمؤمنين الذين يتلون عليهم القرآن { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذظ°لِكُمُ ظ±لنَّارُ } أي قل لهم: هل أخبركم بما هو أسوأ أو أشنع من تخويفكم للمؤمنين وبطشكم بهم؟ إنه نار جهنم وعذابها ونكالها { وَعَدَهَا ظ±للَّهُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وعدها الله للكافرين المكذبين بآياته { وَبِئْسَ ظ±لْمَصِيرُ } أي بئس الموضع الذي يصيرون إليه { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَظ±سْتَمِعُواْ لَهُ } أي يا معشر المشركين ضرب الله مثلاً لما يعبد من دون الله من الأوثان والأصنام فتدبروه حق التدبر واعقلوا ما يقال لكم { إِنَّ ظ±لَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ظ±جْتَمَعُواْ لَهُ } أي إنَّ هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله لن تقدر على خلق ذبابة على ضعفها وإن اجتمعت على ذلك، فكيف يليق بالعاقل جعلها آلهة وعبادتها من دون الله! قال القرطبي: وخص الذباب لأربعة أمور: لمهانته، وضعفه، ولاستقذاره، وكثرته، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوهم من دون الله على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين، وأرباباً مطاعين؟ وهذا من أقوى الحجة وأوضح البرهان { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ظ±لذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } أي لو اختطف الذباب وسلب شيئاً من الطيب الذي كانوا يضمخون به الأصنام لما استطاعت تلك الآلهة استرجاعه منه رغم ضعفه وحقارته { ضَعُفَ ظ±لطَّالِبُ وَظ±لْمَطْلُوبُ } أي ضعف العابد الذي يطلب الخير من الصنم، والمطلوب الذي هو الصنم، فكل منهما حقير ضعيف { مَا قَدَرُواْ ظ±للَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق تعظيمه حيث جعلوا الأصنام - على حقارتها - شركاء للقوي العزيز ولهذا قال { إِنَّ ظ±للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي هو تعالى قادر لا يعجزه شيء، غالب لا يغلب، فكيف يسوون بين القوي العزيز والعاجز الحقير؟! { ظ±للَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ظ±لْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ظ±لنَّاسِ } أي الله يختار رسلاً من الملائكة ليكونوا وسطاء لتبليغ الوحي إلى أنبيائه، ويختار رسلاً من البشر لتبليغ شرائع الدين لعباده، والآية ردٌّ على من أنكر أن يكون الرسول من البشر { إِنَّ ظ±للَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أي يسمع ما يقولون ويرى ما يفعلون { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي يعلم ما قدموا وما أخَّروا من الأفعال والأقوال والأعمال { وَإِلَى ظ±للَّهِ تُرْجَعُ ظ±لأُمُورُ } أي إليه وحده جل وعلا ترد أمور العباد فيجازيهم عليها { يظ°أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ آمَنُواْ ظ±رْكَعُواْ وَظ±سْجُدُواْ } أي صلوا لربكم خاشعين، وإِنما عبر عن الصلاة بالركوع والسجود لأنهما أشرف أركان الصلاة { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } أي أفردوه بالعبادة ولا تعبدوا غيره { وَظ±فْعَلُواْ ظ±لْخَيْرَ } أي افعلوا ما يقربكم من الله من أنواع الخيرات والمبرات كصلة الأرحام، ومواساة الأيتام، والصلاة بالليل والناس نيام { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي لتفوزوا وتظفروا بنعيم الآخرة { وَجَاهِدُوا فِي ظ±للَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } أي جاهدوا بأموالكم وأنفسكم لإِعلاء كلمة الله حقَّ الجهاد باستفراغ الوسع والطاقة { هُوَ ظ±جْتَبَاكُمْ } أي هو اختاركم من بين الأمم لنصرة دينه، وخصكم بأكمل شرع وأكرم رسول { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ظ±لدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي وما جعل عليكم في هذا الدين من ضيق ولا مشقة، ولا كلفكم ما لا تطيقون بل هي الحنيفية السمحة ولهذا قال { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } أي دينكم الذي لا حرج فيه هو دين ابراهيم فالزموه لأنه الدين القيم كقوله {*دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً*}
[الأنعام: 161] { هُوَ سَمَّاكُمُ ظ±لْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـظ°ذَا } أي الله سماكم المسلمين في الكتب المتقدمة وفي هذا القرآن، ورضي لكم الإِسلام ديناً قال الإِمام الفخر: المعنى انه سبحانه في سائر الكتب المتقدمة على القرآن، وفي القرآن أيضاً بيَّن فضلكم على الأمم وسمَّاكم بهذا الاسم الأكرم، لأجل الشهادة المذكورة، فلما خصكم بهذه الكرامة فاعبدوه ولا تردوا تكاليفه { لِيَكُونَ ظ±لرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ظ±لنَّاسِ } أي ليشهد عليكم الرسول بتبليغه الرسالة لكم وتشهدوا أنتم على الخلائق أنَّ رسلهم قد بلَّغتهم { فَأَقِيمُواْ ظ±لصَّلاَةَ وَآتُواْ ظ±لزَّكَـاةَ } أي وإذْ قد اختاركم الله لهذه المرتبة الجليلة فاشكروا الله على نعمته بأداء الصلاة ودفع الزكاة { وَظ±عْتَصِمُواْ بِظ±للَّهِ } أي استمسكوا بحبله المتين وثقوا واستعينوا بالله في جميع أموركم { هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ظ±لْمَوْلَىظ° وَنِعْمَ ظ±لنَّصِيرُ } أي نعم هو تعالى الناصر والمعين.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الامتنان بتعداد النعم { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ظ±للَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ظ±لأَرْضِ وَظ±لْفُلْكَ تَجْرِي.. } الخ وكذلك الاستفهام الذي يفيد التقرير.

2- الطباق { يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ }.

3- صيغة المبالغة { إِنَّ ظ±لإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } أي مبالغ في الجحود.

4- النهي الذي يراد منه نفي الشيء { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ } أي لا ينبغي لهم منازعتك فقد ظهر الحق وبان.

5- الاستعارة اللطيفة { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ ظ±لْمُنْكَرَ } أي تستدل من وجوههم على المكروه وإرادة الفعل القبيح مثل قولهم: عرفت في وجه فلان الشر.

6- التمثيل الرائع { إِنَّ ظ±لَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } أي مثل الكفار في عبادتهم لغير الله كمثل الأصنام التي لا تستطيع أن تخلق ذبابة واحدة قال الزمخشري: سميت القصة الرائقة المتلقاة بالاستحسان مثلاً تشبيهاً لها ببعض الأمثال.

7- المجاز المرسل { ظ±رْكَعُواْ وَظ±سْجُدُواْ } من إطلاق الجزء على الكل أي صلوا لأن الركوع والسجود من اركان الصلاة.

8- ذكر العام بعد الخاص لإِفادة العموم مع العناية بشأن الخاص { ظ±رْكَعُواْ وَظ±سْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَظ±فْعَلُواْ ظ±لْخَيْرَ } بدأ بخاص، ثم بعام، ثم بأعم.

خادم المنتدى 2017-08-26 17:23

رد: سورة الحج
 
http://www.karom.net/up/uploads/132550284012.gif


الساعة الآن 23:29

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd