الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير


شجرة الشكر4الشكر
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام
  • 1 Post By أم سهام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2017-05-25, 12:46 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي تفسير سورة الأنبياء



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } * { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } * { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } * { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } * { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } * { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } * { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } * { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } * { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } * { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ }

اللغَة:
{ أَضْغَاثُ } أخلاط جمع ضغث وهي الأهاويل التي يراها الإِنسان في منامه { قَصَمْنَا } القصْم: كسر الشيء الصلب يقال: قصمتُ ظهره وانقصمت سنُّة إِذا انكسرت { يَرْكُضُونَ } الركضُ: العدو بشدَّة والركض ضرب الدابة بالرِّجل حثاً على العدو { خَامِدِينَ } خمدت النار طفئت والخمود الهمود ويراد به الموت تشبيهاً بخمود النار { فَيَدْمَغُهُ } دَمَغَه: أصاب دماغه نحو كَبَده ورَأسَه أصاب كبده ورأسه { يَسْتَحْسِرُونَ } يعيون مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالإِعياء والتعب.

التفسِير:

{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } أي قرب ودنا وقت حساب الناس على أعمالهم { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } أي وهم مستغرقون في الشهوات، غافلون عن ذلك اليوم الرهيب، لا يعملون للآخرة ولا يستعدون لها كقول القائل: الناس في غفلاتهم: ورحَى المنيَّة تطحن، وإِنما وصف الآخرة بالاقتراب لأن كل ما هو آتٍ قريب { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } أي ما يأتيهم شيءٌ من الوحي والقرآن من عند الله متجدّد في النزول فيه عظةٌ لهم وتذكير { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } أي إِلاّ استمعوا القرآن مستهزئين قال الحسن: كلما جُدّد لهم الذكرُ استمروا على الجهل { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } أي ساهيةً قلوبهم عن كلام الله، غافلةً عن تدبر معناه { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي تناجى المشركون فيما بينهم سراً { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } أي قالوا فيما بينهم خفيةً هل محمد الذي يدّعى الرسالة إِلا شخص مثلكم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أي أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر؟ قال الألوسي: أرادوا أن ما أتى به محمد عليه السلام من قبيل السحر، وذلك بناءً على ما ارتكز في اعتقادهم أن الرسول لا يكون إِلا ملكاً وأن كل ما جاء به من الخوارق من قبيل السحر وعنوا بالسحر القرآن { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي قال محمد صلى الله عليه وسلم إِنَّ ربي لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي السميع بأقوالكم، العليم بأحوالكم، وفي هذا تهديدٌ لهم ووعيد { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } هذا إِضرابٌ من جهته تعالى وانتقال إلى ما هو أشنع وأقبح حيث قالوا عن القرآن إِنه أخلاط منامات { بَلِ ٱفْتَرَاهُ } أي اختلقه محمد من تلقاء نفسه { بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } أي بل محمد شاعر وما أتى به شعر يخيل للسامع أنه كلام رائع مجيد قال في التسهيل: حكى عنهم هذه الأقوال الكثيرة ليظهر اضطراب أمرهم وبطلان أقوالهم فهم متحيرون لا يستقرون على شيء { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } أي فليأتنا محمدٌ بمعجزةٍ خارقة تدل على صدقه كما أُرسل موسى بالعصا وصالح بالناقة { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } أي ما صدَّق قبل مشركي مكة أهل القرى الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات بل كذبوا فأهلكهم الله أفيصدّق هؤلاء بالآيات لو رأوها؟ كلا قال أبو حيان: وهذا استبعادٌ وإِنكار أي هؤلاء أعتى من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات فلو أعطيناهم ما اقترحوا لكانوا أضلَّ من أولئك واستحقوا عذاب الاستئصال ولكنَّ الله تعالى حكم بإِبقائهم لعلمه أنه سيخرج منهم مؤمنون { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } أي وما أرسلنا قبلك يا محمد إِلا رسلاً من البشر لا ملائكة فكيف ينكر هؤلاء المشركون رسالتك ويقولون: ما هذا إِلا بشر مثلكم؟ { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي فاسألوا يا أهل مكة العلماء بالتوراة والإِنجيل هل كان الرسل الذين جاءوهم بشراً أم ملائكة؟ إِن كنتم لا تعلمون ذلك { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } أي ما جعلنا الأنبياء أجساداً لا يأكلون ولا يشربون كالملائكة بل هم كسائر البشر يأكلون ويشربون، وينامون ويموتون { وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } أي ما كانوا مخلَّدين في الدنيا لا يموتون { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ } أي ثم صدقنا الأنبياء ما وعدناهم به من نصرهم وإِهلاك مكذبيهم وإِنجائهم مع أتباعهم المؤمنين { وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } أي وأهلكنا المكذبين للرسل، المجاوزين الحدَّ في الكفر والضلال، وهذا تخويفٌ لأهل مكة { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } اللام للقسم أي والله لقد أنزلنا إِليكم يا معشر العرب كتاباً عظيماً مجيداً لا يماثله كتاب فيه شرفُكم وعزُّكم لأنه بلغتكم { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي أفلا تعقلون هذه النعمة فتؤمنون بما جاءكم به محمد عليه السلام؟ { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } أي وكثيراً أهلكنا من أهل القرى الذين كفروا بآيات الله وكذبوا رسله { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } أي وخلقنا أمة أخرى بعدهم { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } أي فلما رأوا عذابنا بحاسة البصر وتيقنوا نزوله إذا هم يهربون فارين منهزمين قال أبو حيان: لما أدركتهم مقدمة العذاب ركبوا دوابّهم يركضونها هاربين منهزمين { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } أي تقول لهم الملائكة استهزاءً: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب وارجعوا إِلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور ولين العيش { وَمَسَاكِنِكُمْ } أي ارجعوا إِلى مساكنكم الطيبة { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي لعلكم تُسألون عما جرى عليكم، وهذا كله من باب الاستهزاء والتوبيخ { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي قالوا يا هلاكنا ودمارنا إِنا كنا ظالمين بالإِشراك وتكذيب الرسل، اعترفوا وندموا حين لا ينفعهم الندم { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } أي فما زالت تلك الكلمات التي قالوها يكررونها ويردّدونها { حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } أي حتى أهلكناهم بالعذاب وتركناهم مثل الحصيد موتى كالزرع المحصود بالمناجل { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } أي لم نخلق ذلك عبثاً وباطلاً وإِنما خلقناهما دلالةً على قدرتنا ووحدانيتنا ليعتبر الناس ويستدلوا بالخلق على وجود الخالق المدبّر الحكيم { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } قال ابن عباس: هذا ردٌّ على من قال اتخذ الله ولداً والمعنى لو أردنا أن نتخذ ما يُتلهى به من زوجةٍ أو ولد { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ } أي لاتخذناه من عندنا من الحور العين أو الملائكة { إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } أي لو أردنا فعل ذلك لاتخذنا من لدنا ولكنه منافٍ للحكمة فلم نفعله { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ } أي بل نرمي بالحق المبين على الباطل المتزعزع فيقمعه ويُبطله { فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } أي هالك تالف { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } أي ولكم يا معشر الكفار العذاب والدمار من وصفكم الله تعالى بما لا يجوز من الزوجة والولد { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي وله جلَّ وعلا جميع المخلوقات ملكاً وخلقاً وتصرفاً فكيف يجوز أن يشرك به ما هو عبدٌ ومخلوق له؟ { وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } أي والملائكة الذين عبدتموهم من دون الله لا يتكبرون عن عبادة مولاهم ولا يَعْيَون ولا يملُّون { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } أي هم في عبادة دائمة ينزّهون الله عما لا يليق به ويصلّون ويذكرون الله ليل نهارَ لا يضعفون ولا يسأمون { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } لما ذكر الدلائل على وحدانيته وأن من في السماوات والأرض ملكٌ له وأن الملائكة المقربين في طاعته وخدمته عاد إِلى ما كان عليه من توبيخ المشركين وذمهم وتسفيه أحلامهم، و { أَمِ } منقطعة بمعنى بل والهمزة فيها استفهام معناه التعجب والإِنكار والمعنى هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهةً من الأرض قادرين على إِحياء الموتى؟ كلا بل اتخذوا آلهة جماداً لا تتصف بالقدرة على شيء فهي ليست بآلهة على الحقيقة لأن من صفة الإِلَه القدرةُ على الإِحياء والإِماتة { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } هذا برهان على وحدانيته تعالى أي لو كان في الوجود آلهة غير الله لفسد نظام الكون كله لما يحدث بين الآلهة من الاختلاف والتنازع في الخلق والتدبير وقصد المغالبة، ألا ترى أنه لا يوجد ملِكان في مدينة واحدة، ولا رئيسان في دائرة واحدة؟ { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي تنزّه الله الواحد الأحد خالق العرش العظيم عما يصفه به أهل الجهل من الشريك والزوجة والولد { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } أي لا يسأل تعالى عمّا يفعل لأنه مالك كل شيء والمالك يفعل في ملكه ما يشاء، ولأنه حكيم فأفعاله كلُّها جارية على الحكمة، وهم يُسألون عن أعمالهم لأنهم عبيد { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } كرَّر هذا الإِنكار استعظاماً للشرك ومبالغة في التوبيخ أي هل اتخذوا آلهة من دون الله تصلح للعبادة والتعظيم؟ { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } أي قل يا محمد لأولئك المشركين ائتوني بالحجة والبرهان على ما تقولون { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } أي هذا الكتاب الذي معي والكتب التي من قبلي كالتوراة والإِنجيل ليس فيها ما يقتضي الإِشراك بالله، ففي أي كتابٍ نزل هذا؟ في القرآن أم في الكتب المنزّلة على سائر الأنبياء؟! فما زعمتموه من وجود الآلهة لا تقوم عليه حجة لا من جهة العقل ولا النقل، بل كتب الله السابقة شاهدة بتنزيهه عن الشركاء والأنداد { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } أي بل أكثر المشركين لا يعلمون التوحيد فهم معرضون عن النظر والتأمل في دلائل الإِيمان.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- التنكير في غفلة للتعظيم والتفخيم { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ }.

2- صيغة المبالغة { ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }.

3- الإِضراب الترقي { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } وهذا الاضطراب في وصف القرآن يدل على التردُّد والتحير في تزويرهم للحق الساطع المنير فقولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني.

4- الإِنكار التوبيخي { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }؟

5- التشبيه البليغ { حَصِيداً خَامِدِينَ } أي جعلناهم كالزرع المحصود وكالنار الخامدة. 6- الاستعارة التمثيلية { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ } شُبّه الحق بشيء صَلب والباطل بشيء رخو واستعير لفظ القذف والدمغ لغلبة الحق على الباطل بطريق التمثيل فكأنه رمي بجرم صلب على رأس دماغ الباطل فشقّه وفي هذا التعبير مبالغة بديعة في إِزهاق الباطل.

7- طباق السلب { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }.

8- التبكيت وإِلقام الحجر للخصم { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰ }.

فَائِدَة:
سئل كعب عن الملائكة كيف يسبّحون الليل والنهار لا يفترون؟ أما يشغلهم شأن، أما تشغلهم حاجة؟ فقال للسائل: يا ابن أخي جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النَّفس، ألست تأكل وتشرب، وتقوم وتجلس، وتجيء وتذهب وأنت تتنفس؟ فكذلك جُعل لهم التسبيح.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=931508
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-05-25, 13:18 رقم المشاركة : 2
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الأنبياء


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيغ¤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاغ¤ إِلَـظ°هَ إِلاَّ أَنَاْ فَظ±عْبُدُونِ } * { وَقَالُواْ ظ±تَّخَذَ ظ±لرَّحْمَـظ°نُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } * { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِظ±لْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ظ±رْتَضَىظ° وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } * { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيغ¤ إِلَـظ°هٌ مِّن دُونِهِ فَذظ°لِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ظ±لظَّالِمِينَ } * { أَوَلَمْ يَرَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ أَنَّ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ظ±لْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِي ظ±لأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ظ±لسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ظ±لَّذِي خَلَقَ ظ±لْلَّيْلَ وَظ±لنَّهَارَ وَظ±لشَّمْسَ وَظ±لْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ظ±لْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ظ±لْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ظ±لْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِظ±لشَّرِّ وَظ±لْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَإِذَا رَآكَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـظ°ذَا ظ±لَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ظ±لرَّحْمَـظ°نِ هُمْ كَافِرُونَ } * { خُلِقَ ظ±لإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىظ° هَـظ°ذَا ظ±لْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ظ±لنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ظ±سْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِظ±لَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِظ±لْلَّيْلِ وَظ±لنَّهَارِ مِنَ ظ±لرَّحْمَـظ°نِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } * { بَلْ مَتَّعْنَا هَـظ°ؤُلاغ¤ءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىظ° طَالَ عَلَيْهِمُ ظ±لْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ظ±لأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ظ±لْغَالِبُونَ } * { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِظ±لْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ظ±لصُّمُّ ظ±لدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } * { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يظ°ويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَنَضَعُ ظ±لْمَوَازِينَ ظ±لْقِسْطَ لِيَوْمِ ظ±لْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىظ° بِنَا حَاسِبِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىظ° وَهَارُونَ ظ±لْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } * { ظ±لَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِظ±لْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ظ±لسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } * { وَهَـظ°ذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }

المنَاسَبَة:
لما بيَّن تعالى أحوال المشركين وأقام الأدلة والبراهين على وحدانية الله وبطلان تعدد الألهة، ذكر هنا أن دعوة الرسل جميعاً إِنما جاءت لبيان التوحيد ثم ذكر بقية الأدلة على قدرة الله ووحدانيته في هذا الكون العجيب.

اللغَة: { رَتْقاً } الرتق: الضمُّ والالتحام وهو ضد الفتق يقال رتقتُ الشيء فأرتق أي التأم ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج { تَمِيدَ } تتحرك وتضطرب { فِجَاجاً } جمع فجّ وهو المسلك والطريق الواسع { يَسْبَحُونَ } يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء { فَتَبْهَتُهُمْ } تدهشهم وتحيرهم قال الجوهري: بهته بهتاً أخذه بغتة وقال الفراء: بهتَه إِذا واجهه بشيء يحيّره { يَكْلَؤُكُم } يحرسكم ويحفظكم والكلاءة: الحراسة والحفظ.

سَبَبُ النّزول:

مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان: هذا نبيُّ بني عبد مناف!! فغضب أبو سفيان وقال: ما تنكر أن يكون لبني عبد منافٍ نبيٌّ؟ فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى أبي جهل وقال له: ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمَّك الوليد بن المغيرة فنزلت { وَإِذَا رَآكَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً.. } الآية.

التفسِير:
{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ } أي وما بعثنا قبلك يا محمد رسولاً من الرسل { إِلاَّ نُوحِيغ¤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاغ¤ إِلَـظ°هَ إِلاَّ أَنَاْ } أي إِلا أوحينا إِليه أنه لا ربَّ ولا معبود بحق سوى الله { فَظ±عْبُدُونِ } أي فاعبدوني وحدي وخصوني بالعبادة ولا تشركوا معي أحداً { وَقَالُواْ ظ±تَّخَذَ ظ±لرَّحْمَـظ°نُ وَلَداً } أي قال المشركون اتخذ الله من الملائكة ولداً قال المفسرون: هم حيٌّ من خزاعة قالوا: الملائكة بنات الله { سُبْحَانَهُ } أي تنزَّه الله وتقدَّس عما يقول الظالمون { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } أي بل هم عبادٌ مبجَّلون اصطفاهم الله فهم مكرمون عنده في منازل عالية، ومقاماتٍ سامية وهم في غاية الطاعة والخضوع { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِظ±لْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } أي لا يقولون شيئاً حتى يقوله شأنهُم شأن العبيد المؤدبين وهم بطاعته وأوامره يعملون لا يخالفون ربهم في أمرٍ من الأوامر { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي علمه تعالى محيط بهم لا يخفى عليه منهم خافية { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ظ±رْتَضَىظ° } أي لا يشفعون يوم القيامة إِلا لمن رضي الله عنه وهم أهل الإِيمان كما قال بن عباس: هم أهل شهادة لا إِله إِلا الله { وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } أي وهم من خوف الله ورهبته خائفون حذرون لأنهم يعرفون عظمة الله قال الحسن: يرتعدون من خشية الله { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيغ¤ إِلَـظ°هٌ مِّن دُونِهِ } أي يقل من الملائكة إني إلهٌ ومعبودٌ مع الله { فَذظ°لِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } أي فعقوبته جهنم قال المفسرون: هذا على وجه التهديد وعلى سبيل الفرض والتقدير لأن هذا شرط والشرطُ لا يلزم وقوعه والملائكة معصومون { كَذَلِكَ نَجْزِي ظ±لظَّالِمِينَ } أي مثل ذلك الجزاء الشديد نجزي من ظلم وتعدى حدود الله { أَوَلَمْ يَرَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ أَنَّ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا } استفهام توبيخ لمن ادعى مع الله آلهة وردٌّ على عبدة الأوثان أي أولم يعلم هؤلاء الجاحدون أن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً ملتصقتين ففصل الله بينهما ورفع السماء إِلى حيث هي وأقرَّ الأرض كما هي؟ قال الحسن وقتادة: كانت السماوات والأرض ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء وقال ابن عباس: كانت السماوات رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تُنبت ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات { وَجَعَلْنَا مِنَ ظ±لْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } أي جعلنا الماء أصل كل الأحياء وسبباً للحياة فلا يعيش بدونه إِنسان ولا حيوان ولا نبات { أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } أي أفلا يصدّقون بقدرة الله؟ { وَجَعَلْنَا فِي ظ±لأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } أي جعلنا في الأرض جبالاً ثوابت لئلا تتحرك وتضطرب فلا يستقر لهم عليها قرار { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } أي وجعلنا في هذه الجبال مسالك وطرقاً واسعة كي يهتدوا إِلى مقاصدهم في الأسفار قال ابن كثير: جعل في الجبال ثُغراً يسلكون فيها طرقاً من قطر إِلى قطر، وإِقليم إِلى إِقليم، كما هو المشاهد في الأرض يكون الجبل حائلاً بين هذه البلاد وهذه فيجعل الله فيها فجوةً ليسلك الناس فيها من هظ°هنا إِلى هظ°هنا { وَجَعَلْنَا ظ±لسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } أي جعلنا السماء كالسقف للأرض محفوظة من الوقوع والسقوط وقال ابن عباس: حفظت بالنجوم من الشياطين { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } أي والكفار عن الآيات الدالة على وجود الصانع وقدرته من الشمس والقمر والنجوم وسائر الأدلة والعبر معرضون لا يتفكرون فيما ابدعته يد القدرة من الخلق العجيب والتنظيم الفريد الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة قال القرطبي: بيَّن تعالى أن المشركين غفلوا عن النظر في السماوات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها، وما فيها من القدرة الباهرة إِذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعاً قادراً واحداً يستحيل أن يكون له شريك { وَهُوَ ظ±لَّذِي خَلَقَ ظ±لْلَّيْلَ وَظ±لنَّهَارَ وَظ±لشَّمْسَ وَظ±لْقَمَرَ } أي وهو تعالى بقدرته نوَّع الحياة فجعل فيها ليلاً ونهاراً هذا في ظلامه وسكونه، وهذا بضيائه وأنسه، يطول هذا تارة ثم يقصر أُخرى وبالعكس، وخلق الشمس والقمر آيتين عظيمتين دالتين على وحدانيته { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } أي كلٌّ من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ظ±لْخُلْدَ } أي وما جعلنا لأحدٍ من البشر قبلك يا محمد البقاء الدائم والخلود في الدنيا { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ظ±لْخَالِدُونَ } أي فهل إِذا متَّ يا محمد سيخلَّدون بعدك في هذه الحياة؟ لا لن يكون لهم ذلك بل كلٌّ إِلى الفناء قال المفسرون: هذا ردٌّ لقول المشركين

{*شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ظ±لْمَنُونِ*}
[الطور: 30] فأعلم تعالى بأن الأنبياء قبله ماتوا وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ظ±لْمَوْتِ } أي كل مخلوقٍ إِلى الفناء ولا يدوم إِلا الحيُّ القيوم { وَنَبْلُوكُم بِظ±لشَّرِّ وَظ±لْخَيْرِ فِتْنَةً } أي ونختبركم بالمصائب والنِّعم لنرى الشاكر من الكافر، والصابر من القانط قال ابن عباس: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسَّقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال وقال ابن زيد: نختبركم بما تحبون لنرى كيف شكركم، وبما تكرهون لنرى كيف صبركم!! { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أي وإِلينا مرجعكم فنجازيكم بأعمالكم { وَإِذَا رَآكَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } أي إِذا رآك كفار قريش كأبي جهل وأشياعه ما يتخذونك إِلاّ مهْزُوءاً به يقولون { أَهَـظ°ذَا ظ±لَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } استفهام فيه إِنكار وتعجيب أي هذا الذي يسب آلهتكم ويُسفّه أحلامكم؟ { وَهُمْ بِذِكْرِ ظ±لرَّحْمَـظ°نِ هُمْ كَافِرُونَ } أي وهم كافرون بالله ومع ذلك يستهزئون برسول الله قال القرطبي: كان المشركون يعيبون من جحد إِلهية أصنامهم وهم جاحدون لإِلهية الرحمن، وهذا غاية الجهل { خُلِقَ ظ±لإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } أي رُكّب الإِنسان على العَجلة فخُلق عجولاً يستعجل كثيراً من الأشياء وإِن كانت مضرَّة قال ابن كثير: والحكمة في ذكر عجلة الإِنسان هظ°هنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلوا ذلك ولهذا قال { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } أي سأوريكم انتقامي واقتداري على من عصاني فلا تتعجلوا الأمر قبل أوانه { وَيَقُولُونَ مَتَىظ° هَـظ°ذَا ظ±لْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي ويقول المشركون على سبيل الاستهزاء والسخرية: متى هذا العذاب الذي يعدنا به محمد إِن كنتم يا معشر المؤمنين صادقين فيما أخبرتمونا به قال تعالى { لَوْ يَعْلَمُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ظ±لنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ } أي لو عرف الكافرون فظاعة العذاب حين لا يستطيعون دفع العذاب عن وجوههم وظهورهم لأنه محيط بهم من جميع جهاتهم لما استعجلوا الوعيد قال في البحر: وجواب { لَوْ } محذوف لأنه أبلغ في الوعيد وأهيب وقدَّره الزمخشري بقوله: لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكنَّ جهلهم هو الذي هوَّنه عندهم { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي لا ناصر لهم من عذاب الله { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ } أي بل تأتيهم الساعة فجأة فتدهشهم وتحيرهم { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي فلا يقدرون على صرفها عنهم ولا يُمهلون ويُؤخرون لتوبةٍ واعتذار { وَلَقَدِ ظ±سْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزاء المشركين أي والله لقد استهزئ برسلٍ أولي شأن خطير وذوي عدد كثير من قبلك يا محمد { فَحَاقَ بِظ±لَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي فنزل وحلَّ بالساخرين من الرسل العذاب الذي كانوا يستهزئون به قال أبو حيان: سلاّه تعالى بأنَّ من تقدَّمه من الرسل وقع من أممهم الاستهزاء بهم، وأن ثمرة استهزائهم جَنَوْها هلاكاً وعقاباً في الدنيا والآخرة فكذلك حال هؤلاء المستهزئين { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِظ±لْلَّيْلِ وَظ±لنَّهَارِ مِنَ ظ±لرَّحْمَـظ°نِ } أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين من يحفظكم من بأس الرحمن في أوقاتكم؟ ومن يدفع عنكم عذابه وانتقامه إِن أراد إِنزاله بكم؟ وهو سؤال تقريع وتنبيه كيلا يغْترُّوا بما نالهم من نعم الله { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } أي بل هؤلاء الظالمون معرضون عن كلام الله ومواعظه لا يتفكرون ولا يعتبرون { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } أي ألهم آلهة تمنعهم من العذاب غيرنا؟ { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ } أي لا يقدرون على نصر أنفسهم، فكيف ينصرون عابديهم؟ { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } أي وليست هذه الآلهة تستطيع أن تجير نفسها من عذاب الله لأنها في غاية العجز والضغف قال ابن عباس: يُصحبون: يُجارون أي لا يُجيرهم منا أحد لأن المجير صاحب لجاره { بَلْ مَتَّعْنَا هَـظ°ؤُلاغ¤ءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىظ° طَالَ عَلَيْهِمُ ظ±لْعُمُرُ } أي متعنا هؤلاء المشركين وآباءهم من قبلهم بما رزقناهم من حطام الدنيا حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة وحسبوا أن ذلك يدوم فاغتروا بذلك { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ظ±لأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } أي أفلا ينظرون فيعْتبرون بأننا نأتي أرضهم فننقصها من أطرافها بالفتح على النبي وتسليط المسلمين عليها؟ { أَفَهُمُ ظ±لْغَالِبُونَ } استفهام بمعنى التقريع والإِنكار أي أفهم الغالبون والحالة هذه أم المغلوبون؟ بل هم المغلوبون الأخسرون الأرذلون { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِظ±لْوَحْيِ } أي قل لهم يا محمد إِنما أخوفكم واحذركم بوحيٍ من الله لا من تلقاء نفسي، فأنا مبلّغٌ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب والنكال { وَلاَ يَسْمَعُ ظ±لصُّمُّ ظ±لدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } أي ولكنكم أيها المشركون لشدة جهلكم وعنادكم كالصُمّ الذين لا يسمعون الكلام والإِنذار فلا يتعظون ولا ينزجرون { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ } أي ولئن أصابهم شيء خفيف مما أُنذروا به من عذاب الله ولو كان يسيراً { لَيَقُولُنَّ يظ°ويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي ليعترفنَّ بجريمتهم ويقولون: يا هلاكنا لقد كنا ظالمين لأنفسنا بتكذيبنا رسل الله { وَنَضَعُ ظ±لْمَوَازِينَ ظ±لْقِسْطَ لِيَوْمِ ظ±لْقِيَامَةِ } أي ونقيم الموازين العادلة التي توزن بها الأعمال في يوم القيامة { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } أي فلا يُنقص محسنٌ من إِحسانه، ولا يُزاد مسيءٌ على إِساءته { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا } أي وإِن كان العمل الذي عملته زنة حبةٍ من خردل جئا بها وأحضرناها قال أبو السعود: أي وإِن كان في غاية القلة والحقارة، فإِن حبة الخردل مثلٌ في الصغر { وَكَفَىظ° بِنَا حَاسِبِينَ } أي كفى بربك أن يكون محصياً لأعمال العباد مجازياً عليها قال الخازن: والغرضُ منه التحذير فإِن المحاسب إِذا كان في العلم بحيث لا يمكن أن يشتبه عليه شيء، وفي القدرة بحيث لا يعجز عن شيء فحقيق بالعاقل أن يكون على أشدّ الخوف منه { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىظ° وَهَارُونَ ظ±لْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } أي ولقد أعطينا موسى وهارون التوراة الفارقة بين الحق والباطل والهدى والضلال نوراً وضياءً وتذكيراً للمؤمنين المتقين { ظ±لَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِظ±لْغَيْبِ } أي هم الذين يخافون الله ولم يروه لأنهم عرفوا بالنظر والاستدلال أن لهم رباً عظيماً قادراً يجازي على الأعمال فهم يخشونه وإِن لم يروه { وَهُمْ مِّنَ ظ±لسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } أي وهم من أهوال القيامة وشدائدها خائفون وجلون { وَهَـظ°ذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } أي وهذا القرآن العظيم كتاب عظيم الشأن فيه ذكرٌ لمن تذكّر، وعظة لمن اتعظ، كثير الخير أنزلناه عليكم بلغتكم { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } أي أفأنتم يا معشر العرب منكرون له وهو في غاية الجلاء والظهور؟ قال الكرخي: الاستفهام للتوبيخ والخطابُ لأهل مكة فإِنهم من أهل اللسان يدركون مزايا الكلام ولطائفه، ويفهمون من بلاغة القرآن ما لا يدركه غيرهم مع أن فيه شرفهم وصيتَهم فلو أنكره غيرهم لكان لهم مناصبته وعداؤه.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:

1- جناس الاشتقاق { أَرْسَلْنَا.. رَّسُولٍ }.

2- الاستفهام الذي معناه التعجب والإِنكار { أَوَلَمْ يَرَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُوغ¤اْ }.

3- الطباق بين الرتق والفتق في قوله { كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا }.

4- التنكير للتعميم { وَجَعَلْنَا مِنَ ظ±لْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ }.

5- الالتفات من المتكلم إِلى الغائب { وَهُوَ ظ±لَّذِي خَلَقَ ظ±لْلَّيْلَ وَظ±لنَّهَارَ } بعد قوله { وَجَعَلْنَا مِنَ ظ±لْمَآءِ } وذلك لتأكيد الاعتناء بالنعم الجليلة التي أنعم بها على العباد.

6- الطباق بين الشر والخير { وَنَبْلُوكُم بِظ±لشَّرِّ وَظ±لْخَيْرِ }.

7- المبالغة { خُلِقَ ظ±لإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق من نفس العجل كقول العرب لمن لازم اللعب: هو من لعب وكوصف بعضهم قوماً بقوله " نساؤهم لُعُب ورجالهم طرب ".

8- الاستعارة { وَلاَ يَسْمَعُ ظ±لصُّمُّ ظ±لدُّعَآءَ } استعار الصُمَّ للكفار لأنهم كالبهائم التي لا تسمع الدعاء ولا تفقه النداء.

9- الكناية { حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } كناية عن العمل ولو كان في غاية القلة والحقارة.

10- السجع اللطيف { يَهْتَدُونَ } ، { يَسْبَحُونَ } ، { يُنصَرُونَ } الخ.

تنبيه:
سئل ابن عباس: هل الليل كان قبل أو النهار؟ فقال: أرأيتم إلى السماوات والأرض حين كانتا رتقاً هل كان بينهما إِلا ظلمة؟ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار.

لطيفَة:
عن ابن عمر أن رجلاً أتاه يسأله عن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما فقال له: إِذهب إِلى ذلك الشيخ فاسأله ثم تعال فأخبرني بما قال لك - يريد ابن عباس - فذهب إِليه فسأله فقال ابن عباس: كانت السماوات رتقاً لا تُمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تُنبت، فلما خلق للأرض أهلاً فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات، فرجع الرجل الى ابن عمر فأخبره فقال ابن عمر: قد كنت أقول: ما يعجبني جراءة ابن عباس في تفسير القرآن، فالآن علمتُ بأنه قد أُوتي في القرآن علماً.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-05-27, 20:12 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الأنبياء


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـظ°ذِهِ ظ±لتَّمَاثِيلُ ظ±لَّتِيغ¤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } * { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } * { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالُوغ¤اْ أَجِئْتَنَا بِظ±لْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ظ±للاَّعِبِينَ } * { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ ظ±لَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىظ° ذظ°لِكُمْ مِّنَ ظ±لشَّاهِدِينَ } * { وَتَظ±للَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـظ°ذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ظ±لظَّالِمِينَ } * { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } * { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىظ° أَعْيُنِ ظ±لنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } * { قَالُوغ¤اْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـظ°ذَا بِآلِهَتِنَا يظ°إِبْرَاهِيمُ } * { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـظ°ذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } * { فَرَجَعُوغ¤اْ إِلَىظ° أَنفُسِهِمْ فَقَالُوغ¤اْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ظ±لظَّالِمُونَ } * { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىظ° رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـظ°ؤُلاغ¤ءِ يَنطِقُونَ } * { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَظ±نصُرُوغ¤اْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يظ°نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَظ°ماً عَلَىظ° إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ظ±لأَخْسَرِينَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ظ±لأَرْضِ ظ±لَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ظ±لْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ظ±لصَّلاَة وَإِيتَآءَ ظ±لزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } * { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ظ±لْقَرْيَةِ ظ±لَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ظ±لْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ظ±لصَّالِحِينَ } * { وَنُوحاً إِذْ نَادَىظ° مِن قَبْلُ فَظ±سْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ظ±لْكَرْبِ ظ±لْعَظِيمِ } * { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ظ±لْقَوْمِ ظ±لَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ظ±لْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ظ±لْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } * { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ظ±لْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَظ±لطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ظ±لرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ظ±لأَرْضِ ظ±لَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } * { وَمِنَ ظ±لشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذظ°لِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }

المناسَبَة:
لمّا ذكر تعالى الدلائل على التوحيد والنبوة والمعاد أتبع ذلك بذكر قصص الأنبياء، وما نال كثيراً منهم من الابتلاء تسليةً للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ليتأسّى بهم في الصبر واحتمال الأذى في سبيل الله تعالى، وتوطين النفس على مجابهة المشركين أعداء الله.

اللغَة:
{ رُشْدَهُ } هداه إِلى وجوه الصلاح { ظ±لتَّمَاثِيلُ } جمع تمثال وهو الصورة المصنوعة مشبهة بمخلوق من مخلوقات الله تعالى يقال: مثَّلت الشيء بالشيء أي شبهته به واسم ذلك الممثَّل تمثال { جُذَاذاً } فتاتاً والجذُّ: الكسر والقطع قال الشاعر:
بنوالمهلَّب جذَّ الله دابرهم
***
أمْسوا رماداً فلا أصلٌ ولا طرف
{ نُكِسُواْ } النَّكْسُ: قلب الشيء بحيث يصير أعلاه أسفل { نَافِلَةً } زيادة ومنه النفل لأنه زيادة على ما فرض الله ويقال لولد الولد نافلة لأنه زيادة على الولد { ظ±لْكَرْبِ } الغم الشديد { نَفَشَتْ } النَّفش: الرعيُ بالليل بلا راع يقال: نفشت بالليل، وهملت بالنهار إِذا رعت بلا راع.

التفسِير:

{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ } أي والله لقد أعطينا إِبراهيم هُداه وصلاحه إِلى وجوه الخير في الدين والدنيا { مِن قَبْلُ } أي من صغره حيث وفقناه للنظر والاستدلال إِلى وحدانية ذي الجلال { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } أي عالمين أنه أهلٌ لما آتيناه من الفضل والنبوة { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـظ°ذِهِ ظ±لتَّمَاثِيلُ ظ±لَّتِيغ¤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } هذا بيانٌ للرشد الذي أُوتيه إِبراهيم من صغرة أي حين قال لأبيه آزر وقومه المشركين ما هذه الأصنام التي أنتم مقيمون على عبادتها؟ وفي قوله { مَا هَـظ°ذِهِ ظ±لتَّمَاثِيلُ } تحقيرٌ لها وتصغيرٌ لشأنها وتجاهل بها مع علمه بتعظيمهم لها { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } أي نعبدها تقليداً لأسلافنا قال ابن كثير: لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي لقد كنتم وأسلافكم الذين عبدوا هذه الأصنام في خطأٍ بيّن بعبادتكم إِياها إِذ هي جمادات لا تنفع ولا تضر ولا تسمع { قَالُوغ¤اْ أَجِئْتَنَا بِظ±لْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ظ±للاَّعِبِينَ } أي هل أنت جادٌّ فيما تقول أم لاعب؟ وهل قولك حقٌّ أم مزاح؟ استعظموا إِنكاره عليهم، واستبعدوا أن يكون ما هم عليه ضلالاً، وجوَّزوا أن ما قاله على سبيل المزاح لا الجد فأضرب عن قولهم وأخبر أنه جادٌّ فيما قال غير لاعب { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ ظ±لَّذِي فطَرَهُنَّ } أي ربكم الجدير بالعبادة هو ربّ السماوات والأرض الذي خلقهنَّ وأبدعهنَّ لا هذه الأصنام المزعومة { وَأَنَاْ عَلَىظ° ذظ°لِكُمْ مِّنَ ظ±لشَّاهِدِينَ } أي وأنا شاهد للَّهِ بالوحدانية بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة كالشاهد الذي تقطع به الدَّعاوى { وَتَظ±للَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } أي وأقسمُ بالله لأمكرنَّ بآلهتكم وأحتالنَّ في وصول الضر إِليها بعد ذهابكم عنها إِلى عيدكم قال المفسرون: كان لهم عيد يخرجون إِليه في كل سنة ويجتمعون فيه فقال آزر لإِبراهيم: لو خرجت معنا إِلى عيدنا أعجبك ديننا!! فخرج معهم إِبراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض وقال إني سقيم أشتكى رجلي فتركوه ومضوا ثم نادى في آخرهم { وَتَظ±للَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } فسمعها رجلٌ فحفظها { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً } أي كسَّر الأصنام حتى جعلها فتاتاً وحُطاماً { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } أي إلا الصنم الكبير فإنه لم يكسره قال مجاهد: ترك الصنم الأكبر وعلَّق الفأس الذي كسر به الأصنام في عنقه ليحتجّ به عليهم { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } أي لعلهم يرجعون إِلى الصنم فيسألونه عمن كسَّر الأصنام فيتبين لهم عجزه وتقوم الحجة عليهم { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـظ°ذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ظ±لظَّالِمِينَ } في الكلام محذوفٌ تقديره: فلما رجعوا من عيدهم ونظروا إلى آلهتهم ورأوا ما فُعل بها قالوا على جهة البحث والإِنكار والتشنيع والتوبيخ: إِنَّ من حطَّم هذه الآلهة لشديد الظلم عظيم الجرم لجراءته على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } أي قال من سمع إِبراهيم يقول { وَتَظ±للَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } سمعنا فتى يذكرهم بالذم ويسبُّهم ويعيبهم يسمى إِبراهيم فلعله هو الذي حطَّم الآلهة! { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىظ° أَعْيُنِ ظ±لنَّاسِ } أي قال نمرود وأشراف قومه أحضروا إِبراهيم بمرأى من الناس حتى يروه، والغرضُ أن تكون محاكمته على رءوس الأشهاد بحضرة الناس كلهم ليكون عقابه عبرة لمن يعتبر { لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } أي لعلهم يحضرون عقابه ويرون ما يصنع به { قَالُوغ¤اْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـظ°ذَا بِآلِهَتِنَا يظ°إِبْرَاهِيمُ } أي هل أنتَ الذي حطَّمت هذه الآلهة يا إِبراهيم؟ { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـظ°ذَا } أي قال إِبراهيم بل حطَّمها الصنم الكبير لأنه غضب أن تعبدوا معه هذه الصغار فكسرها، والغرض تبكيتُهم وإِقامة الحجة عليهم ولهذا قال { فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } أي اسألوا هذه الأصنام من كسرها؟ إِن كانوا يقدرون على النطق قال القرطبي: والكلام خرج مخرج التعريض وذلك أنهم كانوا يعبدونهم ويتخذونهم آلهة من دون الله كما قال إِبراهيم لأبيه {*لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً*}
[مريم: 42] فقال إِبراهيم { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـظ°ذَا } ليقولوا إِنهم لا ينطقون ولا ينفعون ولا يضرون فيقول لهم فلم تعبدونهم؟ فتقوم عليهم الحجة منهم كما يجوز فرض الباطل مع الخصم حتى يرجع إلى الحق من نفسه فإِنه أقرب في الحجة وأقطع للشبهة { فَرَجَعُوغ¤اْ إِلَىظ° أَنفُسِهِمْ } أي رجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم { فَقَالُوغ¤اْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ظ±لظَّالِمُونَ } أي أنتم الظالمون في عبادة ما لا ينطق { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىظ° رُءُوسِهِمْ } أي أنقلبوا من الإِذعان إِلى المكابرة والطغيان { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـظ°ؤُلاغ¤ءِ يَنطِقُونَ } أي قالوا في لجاجهم وعنادهم: لقد علمتَ يا إِبراهيم أن هذه الأَصنام لا تتكلم ولا تجيب فكيف تأمرنا بسؤالها؟ وهذا إِقرار منهم بعجز الآلهة، وحينئذٍ توجهت لإِبراهيم الحجة عليهم فأخذ يوبخهم ويعنّفهم { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } أي أتعبدون جمادات لا تضر ولا تنفع؟ { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ } أي قبحاً لكم ونتناً لكم وللأصنام التي عبدتموها من دون الله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي أفلا تعقلون قبح صنيعكم؟ { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَظ±نصُرُوغ¤اْ آلِهَتَكُمْ } لمَا لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب عدلوا إِلى البطش والتنكيل فقالوا: احرقوا إِبراهيم بالنار انتقاماً لآلهتكم ونصرةً لها { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } أَي إِن كنتم ناصريها حقاً { قُلْنَا يظ°نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَظ°ماً عَلَىظ° إِبْرَاهِيمَ } أي ذات بردٍ وسلامة وجاءت العبارةُ هكذا للمبالغة قال المفسرون: لما أرادوا إِحراق إِبراهيم جمعوا له حطباً مدة شهر حتى كانت المرأة تمرض فتنذر إِن عوفيت أن تحمل حطباً لحرق إِبراهيم، ثم جعلوه في حفرة من الأرض وأضرموها ناراً فكان لها لهب عظيم حتى إِن الطائر ليمرُّ من فوقها فيحترق من شدة وهجها وحرها، ثم أوثقوا إِبراهيم وجعلوه في منجنيق ورموه في النار، فجاء إِليه جبريل فقال: ألك حاجة؟ قال أمّا إِليك فلا، فقال جبريل: فاسأل ربك، فقال: " حسبي من سؤالي علمه بحالي " فقال الله: يا نار كوني برداً وسلاماً على إِبراهيم، ولم تحرق النار منه سوى وثاقه وقال ابن عباس: لو لم يقل الله { وَسَلَظ°ماً } لآذى إِبراهيم بردها { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً } أي أرادوا تحريقه بالنار { فَجَعَلْنَاهُمُ ظ±لأَخْسَرِينَ } أي أخسر الناس وأخسر من كل خاسر حيث كادوا لنبيّ اللهِ فردَّ الله كيدهم في نحورهم { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ظ±لأَرْضِ ظ±لَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } أي ونجينا إِبراهيم مع ابن أخيه لوط حيث هاجرا من العراق إِلى الشام التي بارك الله فيها بالخِصب وكثرة الأنبياء ووفرة الأنهار والأشجار قال ابن الجوزي: وبركتُها أن الله عزَّ وجل بعث أكثر الأنبياء منها وأكثر فيها الخِصب والأنهار { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } أي أعطينا إِبراهيم - بعدما سأل ربه الولد - إسحاق وأعطيناه كذلك يعقوب نافلةً أي زيادة وفضلاً من غير سؤال قال المفسرون: سأل إِبراهيم ربه ولداً فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة زيادة على ما سأل لأنَّ ولد الولد كالولد { وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } أي وكلاً من إِبراهيم وإِسحاق ويعقوب جعلناه من أهل الخير والصلاح { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي جعلناهم قدوةً ورؤساء لغيرهم يرشدون الناس إِلى الدين بأمر الله { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ظ±لْخَيْرَاتِ } أي أوحينا إِليهم أن يفعلوا الخيرات ليجمعوا بين العلم والعمل { وَإِقَامَ ظ±لصَّلاَة وَإِيتَآءَ ظ±لزَّكَـاةِ } أي وأمرناهم بطريق الوحي بإِقامة الصلاة وإِيتاء الزكاة، وإِنما خصهما بالذكر لأن الصلاة أفضلُ العبادات البدنية، والزكاة أفضلُ العبادات المالية { وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } أي موحدين مخلصين في العبادة { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } أي وأعطينا لوطاً النبوة والعلم والفهم السديد قال ابن كثير: كان لوط قد آمن بإِبراهيم عليه السلام واتَّبعه وهاجر معه كما قال تعالى {*فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىظ° رَبِّيغ¤*}
[العنكبوت: 26] فآتاه الله حُكماً وعلماً وأوحى إِليه وجعله نبياً وبعثه إِلى " سدوم " فكذبوه فأهلكهم الله ودمَّر عليهم كما قصّ خبرهم في غير موضع من كتابة العزيز { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ظ±لْقَرْيَةِ ظ±لَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ظ±لْخَبَائِثَ } أي خلَّصناه من أهل قرية سدوم الذين كانواْ يعملون الأعمال الخبيثة كاللواط وقطع السبيل وغير ذلك { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } أي كانوا أشراراً خارجين عن طاعة الله { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ظ±لصَّالِحِينَ } أي أدخلناه في أهل رحمتنا لأنه من عبادنا الصالحين { وَنُوحاً إِذْ نَادَىظ° مِن قَبْلُ } أي واذكر قصة نوح حين دعا على قومه من قبل هؤلاء الأنبياء المذكورين، دعا عليهم بالهلاك حين كذبوه بقوله
{*رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ظ±لأَرْضِ مِنَ ظ±لْكَافِرِينَ دَيَّاراً*}
[نوح: 26] { فَظ±سْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ظ±لْكَرْبِ ظ±لْعَظِيمِ } أي استجبنا دعاءه فأنقذناه ومن معه من المؤمنين - ركاب السفينة - من الطوفان والغرق الذي كان كرباً وغماً شديداً يكاد يأخذ بالأنفاس { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ظ±لْقَوْمِ ظ±لَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي منعناه من شر قومه المكذبين فنجيناه وأهلكناهم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } أي كانوا منهمكين في الشرّ فأغرقناهم جميعاً ولم نُبْق منهم أحداً { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ظ±لْحَرْثِ } أي واذكر قصة داود وسليمان حين يحكمان في شأن الزرع { إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ظ±لْقَوْمِ } أي وقت رعت فيه غنم القوم ليلاً فأفسدته { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } أي كنا مطَّلعين على حكم كلٍ منهما عالمين به { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } أي علمنا وألهمنا سليمان الحكم في القضية { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } أي وكلاً من داود وسليمان أعطيناه الحكمة والعلم الواسع مع النبوة قال المفسرون: تخاصم إِلى داود رجلان دخلت غنم أحدهما على زرع الآخر بالليل فأفسدته فلم تُبق منه شيئاً، فقضى بأن يأخذ صاحب الزرع الغنم، فخرج الرجلان على سليمان وهو الباب فأخبراه بما حكم به أبوه فدخل عليه فقال: يا نبيَّ الله لو حكمتَ بغير هذا كان أرفق للجميع! قال: وما هو؟ قال: يأخذ صاحب الغنم الأرض فيصلحها ويبذرها حتى يعود زرعها كما كان، ويأخذ صاحب الزرع الغنم وينتفع بألبانها وصوفها ونسلها، فإِذا خرج الزرع رُدَّت الغنم إِلى صاحبها والأرض إِلى ربها فقال له داود: وُفّقت يا بُنيَّ وقضى بينهما بذلك فذلك قوله تعالى { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ظ±لْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَظ±لطَّيْرَ } أي جعلنا الجبال والطير تسبّح مع داود إِذا سبّح قال ابن كثير: وذلك لطيب صوته بتلاوة الزبور فكان إِذا ترنّم بها تقف الطير في الهواء فتجاوبه وتردُّ عليه الجبال تأويباً وإِنما قدَّم ذكر الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأغرب وأدخل في الإِعجاز لأنها جماد { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } أي وكنا قادرين على فعل ذلك { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } أي علمنا داود صنع الدروع بإِلانةِ الحديد له قال قتادة: أول من صنع الدروع داود وكانت صفائح فهو أول من سردها وحلَّقها { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } أي لتقيكم في القتال شرَّ الأعداء { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } استفهامٌ يراد به الأمر أي اشكروا الله على ما أنعم به عليكم، ولما ذكر تعالى ما خصَّ به نبيه داود عليه السلام ذكر ما خصَّ به ابنه سليمان فقال { وَلِسُلَيْمَانَ ظ±لرِّيحَ عَاصِفَةً } أي وسخرنا لسليمان الريح عاصفةً أي شديدة الهبوب { تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ظ±لأَرْضِ ظ±لَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } أي تسير بمشيئته وإِرادته إِلى أرض الشام المباركة بكثرة الأشجار والأنهار والثمار، وكانت مسكنه ومقر ملكه { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } أي وكنا عالمين بجميع الأمور فما أعطيناه تلك المكانة إِلا لما نعلمه من الحكمة { وَمِنَ ظ±لشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ } أي وسخرنا لسليمان بعض الشياطين يغوصون في الماء ويدخلون أعماق البحار ليستخرجوا له الجواهر واللآلئ { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذظ°لِكَ } أي ويعملون أعمالاً أخرى سوى الغوص كبناء المدن والقصور الشاهقة والأمور التي يعجز عنها البشر { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } أي نحفظهم عن الزيغ عن أمره أو الخروج عن طاعته.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات من وجوه الفصاحة والبديع ما يلي:

1- الاستعارة اللطيفة { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىظ° رُءُوسِهِمْ } شبه رجوعهم عن الحق إِلى الباطل بانقلاب الشخص حتى يصبح أسفله أعلاه بطريق الاستعارة.

2- الطباق بين { يَنفَعُكُمْ.. ويَضُرُّكُمْ }.

3- المبالغة { كُونِي بَرْداً } أطلق المصدر وأراد اسم الفاعل أي باردة أو ذات برد.

4- عطف الخاص على العام { فِعْلَ ظ±لْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ظ±لصَّلاَة وَإِيتَآءَ ظ±لزَّكَـاةِ } لأن الصلاة والزكاة من فعل الخيرات وإِنما خصهما بالذكر تنبيهاً لعلو شأنهما وفضلهما.

5- الاحتراس { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } دفعاً لتوهم انتقاص مقام داود عليه السلام.

6- المجاز المرسل { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ } أي في الجنة لأنها مكان تنزل الرحمة فالعلاقة المحلية.

7- السجع غير المتكلف { العَابِدِينَ ظ±لصَّابِرِينَ } ، { ظ±لصَّالِحِينَ } الخ.

تنبيه:
وصف تعالى الريح هظ°هنا بقوله { عَاصِفَةً } ووصفها في مكان آخر بقوله
{*رُخَآءً*}
[ص: 36] والعاصفة هي الشديدة، والرخاء هي اللَّينة، ولا تعارض بين الوصفين لأن الريح كانت ليّنة طيبة وكانت تسرع في جريها كالعاصف فجمعت الوصفين فتدبر.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-05-29, 21:59 رقم المشاركة : 4
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة الأنبياء


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىظ° رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ظ±لضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ظ±لرَّاحِمِينَ } * { فَظ±سْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىظ° لِلْعَابِدِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ظ±لْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ظ±لصَّابِرِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ظ±لصَّالِحِينَ } * { وَذَا ظ±لنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىظ° فِي ظ±لظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـظ°هَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ظ±لظَّالِمِينَ } * { فَظ±سْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ظ±لْغَمِّ وَكَذظ°لِكَ نُنجِـي ظ±لْمُؤْمِنِينَ } * { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىظ° رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ظ±لْوَارِثِينَ } * { فَظ±سْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىظ° وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ظ±لْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } * { وَظ±لَّتِيغ¤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَظ±بْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { إِنَّ هَـظ°ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَظ±عْبُدُونِ } * { وَتَقَطَّعُوغ¤اْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ظ±لصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } * { وَحَرَامٌ عَلَىظ° قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { حَتَّىظ° إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } * { وَظ±قْتَرَبَ ظ±لْوَعْدُ ظ±لْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ يظ°وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـظ°ذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } * { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } * { لَوْ كَانَ هَـظ°ؤُلاغ¤ءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } * { إِنَّ ظ±لَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ظ±لْحُسْنَىظ° أُوْلَـظ°ئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ظ±شْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } * { لاَ يَحْزُنُهُمُ ظ±لْفَزَعُ ظ±لأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ظ±لْمَلاَئِكَةُ هَـظ°ذَا يَوْمُكُمُ ظ±لَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { يَوْمَ نَطْوِي ظ±لسَّمَآءَ كَطَيِّ ظ±لسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ظ±لزَّبُورِ مِن بَعْدِ ظ±لذِّكْرِ أَنَّ ظ±لأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ظ±لصَّالِحُونَ } * { إِنَّ فِي هَـظ°ذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىظ° إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـظ°هُكُمْ إِلَـظ°هٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىظ° سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيغ¤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } * { إِنَّهُ يَعْلَمُ ظ±لْجَهْرَ مِنَ ظ±لْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } * { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىظ° حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ظ±حْكُم بِظ±لْحَقِّ وَرَبُّنَا ظ±لرَّحْمَـظ°نُ ظ±لْمُسْتَعَانُ عَلَىظ° مَا تَصِفُونَ }

المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى جملةً من الأنبياء " إبراهيم، نوح، لوط، داود، سليمان " وما نال كثيراً منهم من الابتلاء، ذكر هنا قصة أيوب وابتلاء الله له بأنواع المحن ثم أعقبها بذكر محنة يونس وزكريا وعيسى وكلُّ ذلك بقصد التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ليتأسى بهم.

اللغَة:
{ ذَا ظ±لنُّونِ } النون: الحوت وذا النون لقب ليونس بن متّى لابتلاع النون له { أَحْصَنَتْ } الإِحصان: العفة يقال: رجل محصنٌ وامرأة محصنة أي عفيفة { رَغَباً وَرَهَباً } الرغب: الرجاء، والرهب: الخوف { كُفْرَانَ } الكفر والكفران: الجحود وأصله الستر لأن الكافر يستر نعمة الله ويجحدها { حَدَبٍ } الحدب: ما ارتفع من الأرض مأخوذ من حدبة الظهر قال عنترة:
فما رعِشتْ يداي ولا ازدهاني
***
تواترهم إِليَّ من الحِداب
{ يَنسِلُونَ } يسرعون يقال: نسل الذئب ينسل نسلاناً أي أسرع { حَصَبُ } الحصب: ما توقد به النار كالحطب وغيره { زَفِيرٌ } أنين وتنفس شديد { حَسِيسَهَا } الحسيس: الصوتُ والحسُّ والحركة الذي يُحس به من حركة الأجرام { ظ±لسِّجِلِّ } الصحيفة لأن بها يُسجل المطلوب.

سَبَبُ النّزول:

عن ابن عباس قال: لما نزل قوله تعالى { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } شقَّ ذلك على كفار قريش وقالوا: شتم آلهتنا وأتوا ابن الزَّبعري وأخبروه فقال: لو حضرتُه لرددتُ عليه قالوا: وما كنت تقول له؟ قال أقول له: هذا المسيح تعبده النصارى، وهذا عزير تعبده اليهود؛ أفهما من حصب جهنم؟ فعجبت قريش من مقالته ورأوا أنَّ محمداً قد خصم فأنزل الله { إِنَّ ظ±لَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ظ±لْحُسْنَىظ° أُوْلَـظ°ئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }.

التفسِير:
{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىظ° رَبَّهُ } أي واذكر قصة نبيّ الله أيوب حين دعا ربَّه بتضرع وخشوع { أَنِّي مَسَّنِيَ ظ±لضُّرُّ } أي نالني البلاء والكرب والشدة قال المفسرون: كان أيوب نبياً من الروم، وكان له أولاد ومال كثير، فأذهب الله ماله فصبر، ثم أهلك الأولاد فصبر، ثم سلَّط البلاء والمرض على جسمه فصبر فمر عليه ملأ من قومه فقالوا: ما أصابه هذا إِلا بذنب عظيم فعند ذلك تضرَّع إِلى الله فكشف عنه ضره { وَأَنتَ أَرْحَمُ ظ±لرَّاحِمِينَ } أي أكثرهم رحمة فارحني، ولم يصرّح بالدعاء ولكنه وصف نفسه بالعجز والضعف، ووصف ربه بغاية الرحمة ليرحمه، فكان فيه من حسن التلطف ما ليس في التصريح بالطلب { فَظ±سْتَجَبْنَا لَهُ } أي أجبنا دعاءه وتضرعه { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } أي أزلنا ما أصابه من ضر وبلاء { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } قال ابن مسعود: مات أولاده وهم سبعة من الذكور وسبعة من الإِناث فلما عوفي أُحيوا له وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات. والمعنى أعطيناه أهله في الدنيا ورزقناه من زوجته مثل ما كان له من الأولاد والأتباع { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } أي من أجل رحمتنا إِيّاه { وَذِكْرَىظ° لِلْعَابِدِينَ } أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر قال القرطبي: أي وتذكيراً للعُبَّاد لأنهم إِذا ذكروا بلاء أيوب ومحنته وصبره وطّنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا مثل ما فعل أيوب وهو أفضل أهل زمانه، يُروى أنَّ أيوب مكث في البلاء ثمان عشرة سنة فقالت له امرأته يوماً: لو دعوتَ الله عز وجل فقال لها: كم لبثنا في الرخاء؟ فقالت: ثمانين سنة فقال: إِني أستحيي من الله أن أدعوه وما مكثت في بلائي المدة التي مكثتها في رخائي { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ظ±لْكِفْلِ } أي واذكر لقومك قصة إِسماعيل بن إِبراهيم وإِدريس بن شيث وذا الكفل { كُلٌّ مِّنَ ظ±لصَّابِرِينَ } أي كل من هؤلاء الأنبياء من أهل الإِحسان والصبر، جاهدوا في الله وصبروا على ما نالهم من الأذى { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا } أي أدخلناهم بصبرهم وصلاحهم الجنة دار الرحمة والنعيم { إِنَّهُمْ مِّنَ ظ±لصَّالِحِينَ } أي لأنهم من أهل الفضل والصلاح { وَذَا ظ±لنُّونِ } أي واذكر لقومك قصة يونس الذي ابتلعه الحوت، والنونُ هو الحوتُ نُسب إِليه لأنه التقمه { إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } أي حين خرج من بلده مغاضباً لقومه إِذ كان يدعوهم إِلى الإِيمان فيكفرون حتى أصابه ضجر منهم فخرج عنهم ولذلك قال الله تعالى

{*وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ظ±لْحُوتِ*}
[القلم: 48] ولا يصح قول من قال: مغاضباً لربه قال أبو حيان: وقولُ من قال مغاضباً لربه يجب طرحه إِذ لا يناسب منصب النبوة وقال الرازي: لا يجوز صرف المغاضبة إِلى الله تعالى لأن ذلك صفة من يجهل كون الله مالكاً للأمر والنهي، والجاهلُ بالله لا يكون مؤمناً فضلاً عن أن يكون نبياً، ومغاضبتُه لقومه كانت غضباً لله، وأنفةً لدينه، وبغضاً للكفر وأهله { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي ظنَّ يونس أنْ لن نضيّق عليه بالعقوبة كقوله
{*وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ*}
[الطلاق: 7] أي ضُيّق عليه فيه فهو من القدر لا من القُدرة قال الإِمام الفخر: من ظنَّ عجز الله فهو كافر، ولا خلاف أنه لا يجوز نسبة ذلك إِلى آحاد المؤمنين فكيف إِلى الأنبياء عليهم السلام! روي أنه دخل ابن عباس على معاوية فقال له معاوية: لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقتُ فيها فلم أجدْ لي خلاصاً إِلا بك، فقال: وما هي؟ قال: يظنُّ نبيُّ الله يونس أن لن يقدر الله عليه؟ فقال ابن عباس: هذا من القدْر لا من القُدرة { فَنَادَىظ° فِي ظ±لظُّلُمَاتِ } أي نادى ربه في ظلمة الليل وهو في بطن الحوت قال ابن عباس: جمعت الظلمات لأنها ظلمة الليل، وظلمةُ البحر، وظلمةُ بطن الحوت { أَن لاَّ إِلَـظ°هَ إِلاَّ أَنتَ } أي نادى بأن لا إِله إِلا أنت يا رب { سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ظ±لظَّالِمِينَ } أي تنزَّهت يا ربّ عن النقص والظلم، وقد كنتُ من الظالمين لنفسي وأنا الآن من التائبين النادمين فاكشفْ عني المحنة وفي الحديث
" ما من مكروبٍ يدعو بهذا الدعاء إِلا استجيب له " { فَظ±سْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ظ±لْغَمِّ } أي استجبنا لتضرعه واستغاثته ونجيناه من الضيق والكرب الذي ناله حين التقمه الحوت { وَكَذظ°لِكَ نُنجِـي ظ±لْمُؤْمِنِينَ } أي كما نجينا يونس من تلك المحنة ننجي المؤمنين من الشدائد والأهوال إِذا استغاثوا بنا { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىظ° رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } أي واذكر يا محمد خبر رسولنا زكريا حين دعا ربه دعاء مخلص منيب قائلاً: ربّ لا تتركني وحيداً بلا ولد ولا وارث قال ابن عباس: كان سنُّه مائة وسنُّ زوجته تسعاً وتسعين { وَأَنتَ خَيْرُ ظ±لْوَارِثِينَ } أي وأنت يا رب خير من يبقى بعد كل من يموت قال الألوسي: وفيه مدحٌ له تعالى بالبقاء، وإشارة إلى فناء من سواه من الأحياء، واستمطارٌ لسحائب لطفه عز وجل { فَظ±سْتَجَبْنَا لَهُ } أي أجبنا دعاءه { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىظ° } أي رزقناه ولداً اسمه يحيى على شيخوخته { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أي جعلناها ولوداً بعد أن كانت عاقراً وقال ابن عباس: كانت سيئة الخُلُق طويلة اللسان فأصلحها الله تعالى فجعلها حسنة الخُلُق { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ظ±لْخَيْرَاتِ } أي إِنما استجبنا دعاء من ذُكر من الأنبياء لأنهم كانوا صالحين يجدّون في طاعة الله ويتسابقون في فعل الطاعات وعمل الصالحات { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } أي طمعاً ورجاءً في رحمتنا وخوفاً وفزعاً من عذابنا { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } أي كانوا متذللين خاضعين للّه يخافونه في السر والعلن { وَظ±لَّتِيغ¤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } أي واذكر مريم البتول التي أعفت نفسها عن الفاحشة وعن الحلال والحرام كقوله
{*وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً*}
[مريم: 20] قال ابن كثير: ذكر تعالى قصة مريم وابنها عيسى مقرونة بقصة زكريا وابنه يحيى لأن تلك مربوطة بهذه فإِنها إِيجاد ولدٍ من شيخ كبير قد طعن في السن وامرأة عجوز لم تكن تلد في حال شبابها، وهذه أعجب فإِنها إِيجاد ولدٍ من أنثى بلا ذكر ولذلك ذكر قصة مريم بعدها { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا } أي أمرنا جبريل فنفخ في فتحة درعها - قميصها - فدخلت النفخة إِلى جوفها فحملت بعيسى، وأضاف الروح إِليه تعالى على جهة التشريف { وَجَعَلْنَاهَا وَظ±بْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } أي وجعلنا مريم مع ولدها عيسى علامةً وأعجوبة للخلق تدل على قدرتنا الباهرة ليعتبر بها الناس { إِنَّ هَـظ°ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي دينكم وملتكم التي يجب ان تكونوا عليها أيها الناس ملةٌ واحدة غير مختلفة وهي ملة الإِسلام، والأنبياء كلهم جاءوا برسالة التوحيد قال ابن عباس: معناه دينكم دينٌ واحد { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَظ±عْبُدُونِ } أي وأنا إِلهكم لا ربَّ سواي فأفردوني بالعبادة { وَتَقَطَّعُوغ¤اْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي اختلفوا في الدين وأصبحوا فيه شيعاً وأحزاباً فمن موحّد، ومن يهودي، ونصراني ومجوسّي { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } أي رجوعهم إِلينا وحسابهم علينا قال الرازي: معنى الآية جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قِطعاً كما تتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه تمثيلاً لاختلافهم في الدين وصيرورتهم فرقاً وأحزاباً شتى { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ظ±لصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي من يعمل شيئاً من الطاعات وأعمال البرّ والخير بشرط الإِيمان { فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي لا بُطلان لثواب عمله ولا يضيع شيء من جزائه { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي نكتب عمله في صحيفته والمراد أمر الملائكة بكتابة أعمال الخلق { وَحَرَامٌ عَلَىظ° قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } قال ابن عباس: أي ممتنعٌ على أهل قرية أهلكناهم أن يرجعوا بعد الهلاك إِلى الدنيا مرة ثانية وفي رواية عنه { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أي لا يتوبون قال ابن كثير: والأول أظهر وقال في البحر: المعنى وممتنع على أهل قرية قدرنا إِهلاكهم لكفرهم رجوعهم في الدنيا إِلى الإِيمان إِلى أن تقوم الساعة فحينئذٍ يرجعون { حَتَّىظ° إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } أي حتى إذا فتح سدُّ يأجوج ومأجوج { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } أي وهم لكثرتهم من كل مرتفع من الأرض ومن كل أكمة وناحية يسرعون النزول والمرادُ أن يأجوج ومأجوج لكثرتهم يخرجون من كل طريق للفساد في الأرض { وَظ±قْتَرَبَ ظ±لْوَعْدُ ظ±لْحَقُّ } أي اقترب وقت القيامة قال المفسرون: جعل الله خروج يأجوج ومأجوج علماً على قرب الساعة قال ابن مسعود: الساعةُ من الناس بعد يأجوج ومأجوج كالحامل المتّمم لا يدري أهلُها متى تفْجؤهم بولدها ليلاً أو نهاراًً { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ } الضمير للقصة والشأن أي فإِذا شأن الكافرين أنَّ أبصارهم شاخصة من هول ذلك اليوم لا تكاد تطرف من الحيرة وشدة الفزع { يظ°وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا في الدنيا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـظ°ذَا } أي ويقولون يا ويلنا أي يا حسرتنا وهلاكنا قد كنا في غفلةٍ تامة عن هذا المصير المشئوم واليوم الرهيب { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } أضربوا عن القول السابق وأخبروا بالحقيقة المؤلمة والمعنى لم نكن في غفلةٍ حيث ذكَّرتنا الرسلُ ونبَّهتنا الآيات بل كنا ظالمين لأنفسنا بالتكذيب وعدم الإِيمان { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ } أي إِنكم أيها المشركون وما تعبدونه من الأوثان والأصنام { حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي حطب جهنم ووقودها قال أبو حيان: الحَصب ما يحصب به أي يُرمى بهْ في نار جهنم، وقبل أن يُرمى به لا يُطلق عليه حصبٌ إِلا مجازاً { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } أي أنتم داخلوها مع الأصنام، وإِنما جمع الله الكفار مع معبوداتهم في النار لزيادة غمّهم وحسرتهم برؤيتهم الآلهة التي عبدوها معهم في عذاب الجحيم { لَوْ كَانَ هَـظ°ؤُلاغ¤ءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } أي لو كانت هذه الأصنام التي عبدتموها آلهةً ما دخلوا جهنم { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } أي العابدون والمعبدون كلهم في جهنم مخلَّدون { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } أي لهؤلاء الكفرة في النار زفير وهو صوت النَّفس الذي يخرج من قلب المغموم وهو يشبه أنين المحزون والمكلوم { وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } أي لا يسمعون في جهنم شيئاً لأنهم يُحشرون صُماً كما قال تعالى{*وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ظ±لْقِيَامَةِ عَلَىظ° وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً*}
[الإسراء: 97] قال القرطبي: وسماعُ الأشياء فيها روح وأُنس، فمنع الله الكفار ذلك في النار وقال ابن مسعود: إِذا بقي من يُخلَّد في نار جهنم جعلوا في توابيت من نار، فيها مسامير من نار فلا يسمعون شيئاً، ولا يرى أحد منهم أنه يُعذَّب في النار غيره ثم تلا الآية { إِنَّ ظ±لَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ظ±لْحُسْنَىظ° } أي سبقت لهم السعادة { أُوْلَـظ°ئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } أي هم عن النار مبعدون لا يصلون حرَّها ولا يذوقون عذابها قال ابن عباس: أولئك أولياء الله يمرون على الصراط مرّاً أسرع من البرق ويبقى الكفار فيها جثياً { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } أي لا يسمعون حسَّ النار ولا حركة لهبها وصوتها { وَهُمْ فِي مَا ظ±شْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } أي وهم في الجنة دائمون، لهم فيها تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين { لاَ يَحْزُنُهُمُ ظ±لْفَزَعُ ظ±لأَكْبَرُ } أي لا تصيبهم أهوال يوم القيامة والبعث لأنهم في مأمنٍ منها { وَتَتَلَقَّاهُمُ ظ±لْمَلاَئِكَةُ } أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم قائلين { هَـظ°ذَا يَوْمُكُمُ ظ±لَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } أي هذا يوم الكرامة والنعيم الذي وعدكم الله به فأبشروا بالهناء والسرور { يَوْمَ نَطْوِي ظ±لسَّمَآءَ كَطَيِّ ظ±لسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } أي اذكر يوم نطوي السماء طياً مثل طيّ الصحيفة على ما كتب فيها قال ابن عباس: كطيّ الصحيفة على ما فيها، فاللام بمعنى " على " { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } أي نحشرهم حفاةً عُراةً غُرْلاً على الصورة التي بدأنا خلقهم فيها وفي الحديث " إِنكم محشورون إِلى الله حفاةً عُراةً غُرلاً { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } ألاَ وإِنَّ أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إِبراهيم عليه السلام.. " الحديث { وَعْداً عَلَيْنَآ } أي وعداً مؤكداً لا يُخلف ولا يبدّل لازم علينا إِنجازه والوفاء به { إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } أي قادرين على ما نشاء، وهو تأكيد لوقوع البعث { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ظ±لزَّبُورِ } أي سجلنا وسطرنا في الزبور المنزل على داود { مِن بَعْدِ ظ±لذِّكْرِ } أي من بعد ما سطرنا في اللوح المحفوظ أزلاً { أَنَّ ظ±لأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ظ±لصَّالِحُونَ } أي أن الجنة يرثها المؤمنون الصالحون قال ابن كثير: أخبر سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ويُدخلهم الجنة وهم الصالحون وقال القرطبي: أحسن ما قيل فيها أنه يراد به أرض الجنة لأن الأرض في الدنيا قد ورثها الصالحون وغيرهم وهو قول ابن عباس ومجاهد ويدل عليه قوله تعالى{*وَقَـالُواْ ظ±لْحَـمْدُ للَّهِ ظ±لَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ظ±لأَرْضَ*}
[الزمر: 74] وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال مجاهد: الزبور: الكتب المنزلة، والذكرُ أمُّ الكتاب عند الله { إِنَّ فِي هَـظ°ذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } أي إِنَّ في هذا المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة لكفايةً لقوم خاضعين متذللين لله جل وعلا، المؤثرين لطاعة الله على طاعة الشيطان { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } أي وما أرسلناك يا محمد إِلا رحمة للخلق أجمعين وفي الحديث " إِنما أنا رحمةٌ مهداة " فمن قَبِلَ هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىظ° إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـظ°هُكُمْ إِلَـظ°هٌ وَاحِدٌ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: إِنما أوحى إِليَّ ربي أنَّ إِلهكم المستحق للعبادة إِله واحد أحد فرد صمد { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } استفهام ومعناه الأمر أي فأسلموا له وانقادوا لحكمه وأمره { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي فإِن أعرضوا عن الإِسلام { فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىظ° سَوَآءٍ } أي فقل لهم أعلمتكم بالحق على استواءٍ في الإِعلام لم أخصَّ أحداً دون أحد { وَإِنْ أَدْرِيغ¤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } أي وما أدري متى يكون ذلك العذاب؟ ولا متى يكون أجل الساعة؟ فهو واقع لا محالة ولكنْ لا علم لي بقربه ولا ببعده { إِنَّهُ يَعْلَمُ ظ±لْجَهْرَ مِنَ ظ±لْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } أي اللَّهُ هو العالم الذي لا يخفى عليه شيء، يعلم الظواهر والضمائر، ويعلم السرَّ وأخفى، وسيجازي كلاً بعمله { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ } أي وما أدري لعل هذا الإِمهال وتأخير عقوبتكم امتحانٌ لكم لنرى كيف صنيعكم { وَمَتَاعٌ إِلَىظ° حِينٍ } أي ولعلَّ هذا التأخير لتستمتعوا إِلى زمنٍ معين ثم يأتيكم عذاب الله الأليم { قَالَ رَبِّ ظ±حْكُم بِظ±لْحَقِّ } أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين وافصل بيننا بالحق { وَرَبُّنَا ظ±لرَّحْمَـظ°نُ ظ±لْمُسْتَعَانُ عَلَىظ° مَا تَصِفُونَ } أي أستعين بالله على الصبر على ما تصفونه من الكفر والتكذيب. ختم السورة الكريمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتفويض الأمر إِليه وتوقع الفرج من عنده، فهو نعم الناصر ونعم المعين.

البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:

1- التعرض للرحمة بطريق التلطف { وَأَنتَ أَرْحَمُ ظ±لرَّاحِمِينَ } ولم يقل: ارحمني.

2- جناس الاشتقاق { أَرْحَمُ ظ±لرَّاحِمِينَ }.

3- الجناس الناقص { ظ±لصَّابِرِينَ.. ظ±لصَّالِحِينَ }.

4- الطباق بين { رَغَباً.. وَرَهَباً } وبين { بَدَأْنَآ.. ونُّعِيدُهُ } وبين { أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ }.

5- التشريف { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا } أضاف الروح إِليه تعالى على جهة التشريف كقوله { نَاقَةَ ظ±للَّهِ }.

6- الاستعارة التمثيلية { وَتَقَطَّعُوغ¤اْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } مثَّل اختلافهم في الدين وتفرقهم فيه إِلى شيع وأحزاب بالجماعة تتوزع الشيء لهذا نصيب ولهذا نصيب، وهذا من لطيف الاستعارة.

7- الإِيجاز بالحذف { يظ°وَيْلَنَا } أي ويقولون يا ويلنا، ومثلُه قوله { وَتَتَلَقَّاهُمُ ظ±لْمَلاَئِكَةُ هَـظ°ذَا يَوْمُكُمُ } أي تقول لهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون.

8- التشبيه المرسل المفصل { نَطْوِي ظ±لسَّمَآءَ كَطَيِّ ظ±لسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } أي طياً مثل طيّ الصحيفة على ما كتب فيها.

9- الاستفهام الذي يراد به الأمر { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي أسلموا.

10- السجع { فَظ±عْبُدُونِ } ، { رَاجِعُونَ } ، { كَاتِبُونَ } الخ وهو من المحسنات البديعية.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-26, 18:22 رقم المشاركة : 5
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تفسير سورة الأنبياء





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 01:24 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd