الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى المواضيع الأدبية المنقولة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2017-02-04, 23:36 رقم المشاركة : 1
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي أبو العلاء المعرّي شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء



أبو العلاء المعرّي شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء


* تمهيد:


ضمن الدراسات التي تناولت فيها البحث عن مشاهير المبدعين الخالدين، في عالم الادب والشعر والطب وسواها من العلوم في الحضارة العربية، هذه الدراسة المتواضعة عن ابي العلاء المعري.


لقد شعرت بأنني اقف امام شاعر عملاق لا تستطيع قدرتي اللغوية وتعجز الكلمات عن ايفائه حقه في تقييم مكانته الشعرية الفذّة الخالدة على مر الزمن، فقد تميزت موهبته في اساليب النظم، دون سائر ادباء وشعراء عصره.

انه شاعر المعرّة الذي جار عليه القدر، فأفقده اعزّ حاسة عند بني البشر، أفقده نور البصر في جيل الطفولة المبكر، ورغم صدمة عماه القاسية جدا ومعاناته الشديدة فلم يقعده المرض عن العلم وطلب المعرفة، فكلما امتدّ به العمر زاد شغفًا في الاستزادة من مناهل العلم، فتجوّل في عدة مدن مثل بغداد وحلب وسواهما، واقبل عليه طلاب العلم والادب والمنطق ليستمعوا اليه في المجالس والمنتديات الادبية والشعرية فأفاد واستفاد، واجاد في عطائه الخصب وانتاجه الغزير من علمه وموهبته وثقافته، الثقافة اللغوية والثقافية الفلسفية، وتلك سمة العصر، تلك الثقافة منحته الكبرياء والاعتداد بالنفس وبها استطاع ان يتجاوز عصره ومجتمعه، وناس عصره.

فكان نبيا رحيما في عصر من الظلام، في عصر فسدت في الاحوال السياسية والاجتماعية.

وعزاء قرنه انه ضمّ ثائرين كبيرين بل رافضين اوحدين ابا الطيب المتنبي وابا العلاء المعري.

كان ابو علاء المعري كوكبا في سماء زمانه او كما وصفه الشاعر ادونيس قائلا:" كان المعري برجا يرتفع وحيدا عاليا في حضارة البشر وفي الجهات كلها يُرى ويتلألأ".

* حياته ونشاته:

ولد المعري سنة 973 م ولم يبلغ الرابعة من عمره حتى اعتلّ بعلّة الجدري الذي ذهب فيها بصره واشار الى ذلك في احدى رسائله الى داعي الدعاة، اذ يقول: وقد علم الله ان سمعي ثقيل وبصري عن الابصار كليل، وقُضي علي وانا ابن اربع. وفي هذا المعنى يقول:

" أراني في الثلاثة من سجوني فلا تسأل عن الخبر النبيث

لفقدي ناظري ولزوم بيتي وكون النفس في الجسم الخبيث"

والمعري هو احمد بن عبد الله التنوخي المعروف باسم المعري نسبة الى معرّة النعمان وهي بلدة بيمن حلب وحماة وكان يُكنى ابا العلاء وذكر ذلك في شعره، اذ يقول:

"دُعيت ابا العلاء وذاك مَيْن ولكن الصحيح ابو النزول"

نشأ ابو العلاء في بيت علم وشعر وقضاء، وكان لهذا الميراث العلمي في تربية المعري اذ جعله يميل للبحث والدرس، ولعلّ فقد بصره حدّد موقفه وجعله يطلب العلم ويشغف به، فبدأ بهذا الدرس والتحصيل في المعرّة اذ تتلمذ على ابيه، ومن في بلدته، ورحل الى طرابلس الشام، واطلع على ما فيها من خزائن الكتب فاختزنها في ذاكرته القوية- ويظهر من اللزوميات- كما درس العلوم اللغوية والشرعية ودرس المسيحية واليهودية اثناء تجواله بالشام، ورحل الى بغداد والتقى علماءها من امثال الربعي والواجكا والمرتضى الذي اساء لقاءه ومعاملته، ولما عاد الى المعرّة عاش في عزلة وسمّى نفسه "رهين المحبَسْين"، يعني حبس نفسه في المنزل وحبس بصره عن الرؤية، ومكث في هذين المحبسين خمسين عاما، عكف خلالها على التأليف والتصنيف فأبدع في كتابة مؤلفاته التي عبّرت عن ثقافته الواسعة ومعرفته مبادئ الديانات والمعتقدات المختلفة، كما المّ بالفلسفة والتنجيم والتاريخ والتصوف مستلهما من ثقافات يونانية وفارسية وهندية ولهذا كانت عزلته مُجدية جدا فظلّ معطاء في ادبه وفنه الى ان اقعده المرض في أواخر عمره الذي امتد ما يقارب الاربعة والثمانين عاما.
* عناصر شخصيته:

لعناصر الشخصية اثر عظيم في توجيه تفكير الانسان وصنع آرائه، لقد اساء الدهر الى المعرّي بفقدان البصر وضعف الجسم وموت الاهل وقلة المال، فلم يكن بدعا ان نرى في لزومياته قلقا وتشاؤما ونقمة، وان ينصرف عن كل شيء في الحياة الى النقد والتهكم دون ان يقترح وجها من وجوه الاصلاح الاجتماعي، لم يتعامل مع ناس عصره ليكشفهم او يغير مفاهيم سلوكهم، بل رثى لهم وتعامل مع نفسه اولا ثم مع الوجود مباشرة، فبدا له الموجود بالنظر التأملي سخيفا ورائعا في آن واحد، سخيفا عندما ينقلب المسخ بطلا ويظن القزم نفسه عملاقا، سخيفا حين يوظف الحكام وظيفتهم فينقلبون جلادين للشعب، سخيفا يوم يرى رجال الدين يمشون في الناس باثقالهم، ويتخذون من الدين مطية، سخيفا عصر تنقلب المقاييس وتتطاحن القيم عليها شاهدو زور.

وعندما قلنا ان المعرّي لم يكن منتميا لعصره بمعنى الرفض والتذكر بالقيم السائدة، بل عصر تحترم فيه انسانية الانسان وتقدّر فيه المواهب حق قدرها لم نكن نقصد انه غير مُنتم الى مجتمعه وشعبه، حتى وهو ينقد القيم كان يرمي الى اخراج الانسان من شراسته وانانيته.
* ابو العلاء المعرّي وعقيدته:

هل كان المعرّي زنديقا ام مؤمنا تقيا؟ خطأ الناس على المعرّي فظنوه زنديقا ولكن الواقع انه كان مؤمنا، ولعل احسن تعريف للزندقة انها استهزاء المرء بالفروض الدينية والتساؤل عن حكمتها والتزين بتركها، والحق ان المعرّي هاجم الفروض الدينية الشكلية في الاديان كلها وفي الاسلام مهاجمة عنيفة، واذا قبلنا ذلك- يجب ان نصفه بصفة غير الزندقة، من اجل ذلك ظنه بعضهم كافرا وملحدا وقد اخطأوا، واذا كان بسط آراء المعري في الايمان وفي الدين فيجب علينا هنا ان ننظر في تقواه ثم ننظر الى أي حد كان يقوم شخصيا بفروض دينه، ويقال ان احد الرواة ينسب اليه حيرته وتردده في تعدد الاديان وتمجيد كل فئة لدينها:

"في القدس قامت ضجّة ما بين احمد والمسيح

هذا بناقوس يدقّ وذا بمئذنة يصيح

الكل يمدح دينه يا ليت شعري ما الصحيح؟!"

لا نشك في ان المعرّي كان ذا خشوع ديني:

" رددت الى مليك الناس امري فلم اسأل متى يقع الكسوف

فكم سَلِم الجهول من المنايا وعوجل بالحِمام الفيلسوف"

وكان المعرّي يقيم الصلاة بلا ريب ولكنه لم يكن يحضر صلاة الجمعة، لان الغاية منها اجتماعية، فاذا كان الانسان ضريرا كالمعرّي فان حضوره للصلاة في المسجد مشقة عليه وازعاج للآخرين مما لا يريده الدين الصحيح.

"يقولون هل تشهد الجُمع التي رجونا بها عفوا من الله اقربا

وهل لي خير في الحضور وانما ازاحم من اخبارهم ابلا جُرّبا"

كان المعرّي يصوم رمضان بل كان يقضي كثيرا من الايام صائما، فالصوم جزء اساسي من زهده، وكذلك لم يقم باداء فريضة الحج لان الحج موسم اجتماعي وعبادة وفوق ذلك فرض على المستطيع فقط، لقوله تعالى "ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا".

"انا للصَرورة في الحياة مقارن ما زلت اسبح في البحار الموّج

وصرورة في شيخوختي لانني ما كنت احججْ ولم اتزوج"

لقد تجنب المعرّى الهوى وارتكاب المعاصي والسيئات فهو لم يعاقر الخمر ولم يقرب النساء حِلاّ او حراما ولم يأكل اللحوم رحمة بالحيوان والطير، كذلك كان زاهدا في كل امر من امور حياته.
*فلسفته وموهبته الفنية:

هل صحيح قولهم انه فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ام ان هذا النوع من الازدواج اللفظي او الطباق هو الذي استهوى مطلق هذا القول دون ان يراعي الحقيقة؟!

الواقع ان في هذا القول كثيرا من الحقيقة لا سيما اذا قلنا مع بلايك ان الشعر اداة لفلسفة خاصة، تلك الفلسفة الصوفية القائمة على التوحيد بين الروح والجسد وبين الواقع والخيال.

وما كان شعر المعرّي شيئا سوى ذلك كان كما نعلم اداته الوحيدة للتعبير عن تأملاته في الكون والكائن والدين والمصير، أي تعبيرا عن فلسفته الخاصة ونظراته الى قضايا الانسان والمجتمع والعادات والمقدسات، والمعرّي بهذا الاعتبار فيلسوف اللحظة، امام حقيقة من حقائق الوجود او المجتمع يراها بكل صفائها وعمقها، فقد كان قادرا على الغوص والكشف لكنه لم يكن قادرا على الاحتفاظ بمكتشفاته وتنظيمها، ويقول الباحث الدكتور شوقي ضيف، ان ابا العلاء المعري كان مفكرا حر التفكير وكان زاهدا وشديد التشاؤم غير انه لم يستطع ان يخرج من ذلك الى احداث نظرية معينة او نهج معين يمكن ان نسميه المنهج الفلسفي لابي العلاء المعري الا اذا كنّا من يلتقطون بعض الاقوال للشعراء ويحاولون ان يحمّلوها اكثر من مدلولها ثم يستخرجو لهم فلسفة ذات اصول وفروع متشابكة، ونحن بهذه الطريقة نستطيع ان نجعل المعرّي فيلسوفا كما نستطيع ان نجعل المتنبي وابا تمام وابا العتاهية فلاسفة بأفكار معدودة وآراء محصورة جاءت في اشعارهم.

وقد عانى كثير من المعاصرين الذين عنوا ببحث افكاره واشعاره فأثبتوه فيلسوفا لما رأوا عنده من تشاؤم وحيرة وشك وزهد، ولكن هل تكفي هذه الظواهر لنعدّ شخصا فيلسوفا؟

والشاعر يختلف عن الفيلسوف في انه يدرس الاشياء كما هي وكما يجب ان تكون، اما الفيلسوف فلا يهمه كيف كانت وما ستصبح، بل يتناولها هي ثم يتناول جزئيتها ويبحث في ماهيتها ونوعيتها وعناصرها، وليس المعرّي امام الاشياء مفسرا ولا محللا بل هو كغيره من الشعراء متذوق ومتأثر ومسجلُ موقف قد لا يلتزم به، فهو ليس بفيلسوف بالمعنى الكلاسيكي الدقيق للكلمة.

وحسبه انه حين يكون في دائرة الفكر والعقل والتأمل والحكمة يخرج نهائيا من دائرة الشعراء الصغار، ويقرب جدا من الفلسفة التي كانت ولا تزال تطرح هذا السؤال من اين والى اين؟ ماذا وراء الحجاب، وهذا الانسان ما هو مصيره بهذا الوجود وما عناصره وما قيمته، والجواب لا، جواب الفيلسوف مغرور بالعقل والشاعر مبهور بالحس وبين غرور الفيلسوف وانبهار الشاعر وقف المعرّي معلنا نهاية القبول في الشعر العربي وبداية الرفض او التساؤل، الا يعتبر المعرّي بهذا فيلسوفًا حين يغني ذلك ويهذي به، لكنه انصافا للحقيقة فيلسوف بلا طريقة او منهج، اذن هو فيلسوف الشعراء الى حد كبير وشاعر الفلاسفة، اذا صح التعبير وليسمح لنا ادونيس ان نسميه فيلسوفًا بلا طريقة بعد ان اعطاه كل خصائص ومنطلقات الفيلسوف ما عدا الطريقة والمنهج.
* نقمة المعرّي من المرأة والنسل:

وصف المعرّي المرأة بأنها مصدر كل شر وهو لم يتطرق الى موضوع المرأة من الناحية العقلية بل من الناحية الاجتماعية التي كانت سائدة في ايامه، ولعل قسوته تعود الى فساد البيئة الاجتماعية في تلك الحقبة، اذا كانت الطبيعة البشرية فاسدة من اصلها فإن فسادها يعمّ الرجال والنساء على حد سواء، ولكن اعتقاد المعرّي ان الخطر من فساد الرجال اخف من خطر فساد المرأة وذلك بسبب الطبيعة التي فرقت خصائص البشر، فجعلت اندفاع الرجل في الملذات قليل الاثر الظاهر في نفسه وجسده، اما المرأة فقست عليها لما جعلت اثر ذلك في نفسها وجسدها ظاهرا، وبما ان قبضة القانون لا تنال الاّ من ظهرت عليه آثار الجريمة ولو كان مظلوما فان المجتمع حمّل المرأة من المسؤولية اكثر ما حمّل منها الرجل وكذلك فعل المعرّي، المرأة فتنة الرجل تتعرض له بزينتها وبموقعها من قلبه وبالحاجة اليها من نفسه فتغويه، على ان الرجل يحمل قسطا كبيرا من الاغواء، ذلك ان الفسق عام في البشر كلهم، من اجل ذلك ينصح المعرّي بحجاب المرأة.

"اذا بلغ الوليد ليدك عشرا فلا يدخل على الحُرم الوليدُ

الا ان النساء حبال غيّ بهنّ يضيع الشرف التيلد"

ومع العلم ان المعرّي يكره الزواج فانه يوصي به المرأة، لان زواجها صيانة لها عن الزلل على شرط ان يكون زوجها كفؤا من كل ناحية.

اما فيما يتعلق بالرجل والزواج فرأي المعرّي مختلف قليلا، يجب على الرجل ان يكون عفيفا مهما تكاثرت حوله المغريات.

ومع كل ما ينسب للمعرّي الى الوالدين من الجناية على اولادهم لانهم يأتون الى هذا العالم بالشقاء والآلام فانه يحثّ الاولاد على اكرام آبائهم وامهاتهم:

" العيش ماض فأكرم والديك به والام اولى بإكرام واحسان

وحسبها الحمل والارضاع تدمنه امران من الفضل نالاكل انسان"

ولعلّ اوضح دليل على رفضه الزواج وعدم رغبته في النسل قوله التالي الذي اوصى بأن يكتب على قبره:

" هذا جناه ابي علي وما جنَيْت على احد"

* آثاره ومؤلفاته:

ان المواهب الفطرية التي تمتّع بها ابو العلاء المعرّي والعلوم الواسعة التي اكتسبها بجده واجتهاده، وعماه الذي حرمه نعمة الرؤية والذي اكسبه ذهنا متوقدا وحافظة خصبة وقوية، وعزلته التي مكنته من الاعتكاف على التأليف والتصنيف، كل هذه العوامل اتاحت له ان يبرز الى حيز الوجود مؤلفات كثيرة قد تزيد عن السبعين بين منثور ومنظوم تتناول موضوعات مختلفة من ادب وشعر ولغة وفلسفة ودين واجتماع، ومن اهم تلك الآثار في الشعر سقط الزند والدرعيات واللزوميات التي اتناول شرحها لاحقا. ومن اهم آثاره في النثر "رسائل ابي العلاء" و"رسالة الغفران" و"ملقى السبيل" "رسالة الملائكة" "خمس رسائل" "عبث الوليد" "زجر النابح"، وهذا الكتاب يرمز الى ذلك الكلب البشري الذي كال له التهم جزافا ملصقا وصمة الكفر والإلحاد مما اخذه من ظاهر ابياته، وحين زجره ابو العلاء في هذا الكتاب لم يذكر اسمه امعانا في تحقيره، نشر بعض اجزائه الدكتور امجد الطرابلسي، اما اشهر مؤلفاته النثرية فهي "رسالة الغفران" التي تخطّت حدود زمانه وبلاده، ورأينا تأثيره على دانتي الايطالي الذي اهتم بكتاب المعرّي "رسالة الغفران" التي انتحل مها فكرة ملحمته المشهورة "الكوميديا الالهية" وقد عاش دانتي بعد ثلاثة قرون من مولد المعرّي.

وفي مطلع الخمسينيات قامت الاديبة المعروفة عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ" بنشر "رسالة الغفران" في طبعة علمية بمصر سنة 1950 وللرسالة ملخص واسع باللغة الفرنسية.
* موضوع الرسالة:

هي رسالة جوابية على رسالة العلامة علي بن منصور الحلبي المعروف بابن القارح، والذي يستوضحه فيها بعض مسائل فقهية وبدلا من ان يجيبه برسالة عادية جعله يصعد الى السماء ويرى بنفسه كيف جرت وتجري الاحكام الالهية، ويسأل ابن القارح المخلدين في الجنة، بم غفر لكم؟ والمخلدين بالنار بم لم يغفر لكم وما جنيتم؟ ولكثرة ما ورد من اسماء الغفران سُميت الرسالة "رسالة الغفران". واما كتاب "سقط الزند" فهو ديوان شعري يحتوي ما يقارب ثلاثة آلاف بيت نظمه المعرّي في صباه وشبابه الى بعد عودته وسمّاه بذلك لان السِقط اول نار تخرج من الزند، فشبّه شعره الاول به وقد رتّبه الشاعر نفسه ولم يتبع فيه ترتيبا تاريخيا وفنيا.
اللزوميات:

* اللزوميات او لزوم ما لا يلزم، ديوان شعر كبير مرتّب على حروف المعجم، يذكر كل حرف بوجوهه الاربعة من ضم وفتح وكسر وسكون، وهذا الديوان يحتوي على عشرة آلاف بيت- وكله فلسفة واعتبار ونقد للحياة وسُميّ كذلك لان صاحبه التزم قبل الروي حرفا اذا غيّر لم يكن مخِلاّ بالنظم وقد نظمه بعد عودته من بغداد، اذ اكتملت شخصيته، واللزوميات تمثل حياة عقل المعرّي ووجدانه وخلقه، تمثيلا صادقا وهي تشمل آراء الرجل الذي كان يلقي بها الى طلاب العلم، فقد كان المعرّي شيخ مدرسة يأتي اليه طلاب العلم، وكان يعالج قضاياهم ويهذب نفوسهم واخلاقهم.
* صياغة اللزوميات:

من يقرأ اللزوميات وينظر فيها نظرة فنية من حيث الصياغة والتنسيق يلاحظ ان جوانب كثيرة منها واهية، نعم انه وُفّق في بعض ابياتها ولكن اكثرها يعمها الاسفاف، فكأنه نسي اسلوب الشعر الذي كان يعرفه في سقط الزند بنفس صيغته، واستمر في "سقط الزند" دون هذا المعجز الا في مراثيه، فقد اظهر تفوقا من حيث الصياغة وخاصة مرثية.

"غير مُجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد"

وان هذه القصيدة تتفوق على كل ما كتبه في لزومياته، ويقال انه لم يتأن ولم يتمهل في كتابة اللزوميات، روى ابن فضل الله العمري في مسالك الاخبار عن بعض القضاة انه قال، بينما انا عند المعرّي في الوقت الذي يُملي فيه شعره المعروف بلزوم ما لا يلزم، فأملي في ليلة واحدة ألف بيت كان يسكت زمانا ثم يُملي قريبا من مئات الابيات ثم يعود الى الفكرة والعمل ليكمل العدة المذكورة، وقد سقنا هذه الرواية ليستدل بها على ان المعرّي لم يكن يُعنى يتجويد شعره في اللزوميات فهو لا يعطيه المهلة الكافية للصقل والتنقيح، فادى ذلك الى الركاكة في بعض الحالات يخلو من حبكة التعبير وجمال التصوير.

ومهما يكن فاللزوميات اول ديوان في اللغة العربية يؤلف على طريقة خاصة يذكرها الشاعر في مقدمته، ويطبقها على ابياته بيتا بيتا.

وابرز ما يسود لزوميات المعرّي التشاؤم الذي ينبع من اليأس من الحياة في احوال نفسانية عارضة في حياته العملية العامة والخاصة، ويكون الانسان متأثرا في حالة التشاؤم والتفاؤل بما يرافق حياته من فقر وغنى من صحة او سقم ومن نجاح او خيبة، ولمزاج الانسان اثر كبير في توجيهه نحو التشاؤم او التفاؤل والمعرّي متطرف في تشاؤمه لا يحس من الحياة الا بحالاتها السوداء، تأمل قوله:

"عرفت سجايا الدهر اما شروره فنقد واما خيره فوعود

اذا كانت الدنيا كذاك فخلها ولو ان كل الطالعات سعود

رقدنا ولم نملك رقادا على الاذى وقامت بما خضنا ونحن قعود

وكم انذرتنا بالسيول صواعق وكم خبرتنا بالغمام رعود"

وذهب المعرّي يستعرض الحياة من جميع جوانبها وينقدها نقدا ساخرا في جرأة وصراحة، كأن يقول في نقد ساسة عصره:

"يسوسون الامور بغير عقل وينفذ امرهم فيقال ساسة

فأفٍّ من الحياة وافّ مني ومن زمن رياسته خساسهْ"

ويستمر المعرّي في ترديد هذا السخط على الحياة والناس فهو غاضب عليهم وبكل شيء فيهم حتى تقواهم ودينهم.

"نادت على الدين في الآفاق طائفة يا قوم من يشتري دينا بدينار

جنَوا كبائر آثام وقد زعموا ان الصغائر تجني الخلد في النار"

ورغم نزعة التشاؤم كان المعرّي يريد ان يثبت مهارته في النظم على جميع الحروف، ان الفن الصحيح في رأيه، الذي تتميز وسائله وادواته بالعسر والمشقة، فاذا كان يحن الشاعر ان يجانس بين القافية وبين لفظة في البيت، فليطلب ذلك في مكان يتعسر على غيره ولا ينقاد له، وهداه بحثه بعد كثير من التجربة والاختبار الى ان الحيز الذي يستطيع به ان يشق على نفسه وغيره بوضع جناسه في اول البيت وآخره، كما نرى في مثل قوله:

" ادراك دهرك عن ثقاك بجهده فدراك من قبل الفوات دراك

ابراك ربك فوق ظهر مطية سارت لتبلغ ساعة الإبراك"

فقد ضيّق الابواب التي يمر منها الى صياغة البيت وابى الا ان هذا التضييق في اول كلمة يبدؤه بها، اذ قام هذا الجناس المتعب بينها وبين القافية.

فقد اندفع الشعراء بعد ابي العلاء المعرّي في هذه الممرات الضيقة كما نجد عند الحريري وعند غيره من الشعراء تروى لهم مقطوعات تقرأ طردا وعكسا مثل كبِّر ربك، فانها تقرأ في الاتجاهين بنفس اللفظ والمعنى.

لقد كان ابو العلاء المعرّي شاعرا احتل مكانته المتميزة في ديوان الشعر العربي وفقا لترتيب خاص جعله لا يشبهه احد ولا يشبه احدا بالرغم من كثرة المتشبهين به فيما بعد.

ولم تمنع اعاقة الشاعر المثقف فوق ثقافة عصره، من التفاعل مع قضايا ذلك العصر السياسية والاقتصادية فوثق شعريا الكثير من المعارك بين العرب والروم واشار الى كثير من ظواهر الصراع الفكري والمذهبي في ذلك العصر، وكان قادرا على الرد على كل التهم التي وجهها حساده بدافع الحقد والنميمة الشعرية ولم تصمد امام شاعرية رجل فذّ لم يخش الا الله"، فقد وهبته الحياة المزيد من القوافي الباهرة السبك والابيات الفريدة الصياغة والشعر المعجز في معانيه ذات الطابع الفلسفي، ووفقا لهذا المنهج الصارم في النقد لم يخف اعجابه بالمتنبي وله حكاية تثبت موقف قول الحق وتستحق ان تروى، اما الحكاية فتقول ان المعرّي كان في مجلس المرتضي شقيق الشاعر الشريف الرضي ذات يوم، وجاءت سيرة المتنبي فاستنقصه المرتضي واخذ يعدد عيوبه وانتحاله الشعري، فقال المعرّي:

"لو لم يكن للمتنبي من الشعر الا قصيدته "لك يا منازل في القلوب منازل" لكفاه فضلا".

فغضب المرتضي وامر به فاُخرج مهانا من مجلسه، والتفت لجلسائه قائلا: أتدرون أي شيء اراد الاعمى بذكر تلك القصيدة؟ فإن للمتنبي ما هو اجود منها، قالوا: النقيب السيد اعرف فقال انما اراد قوله:

واذا اتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل

لقد كان جريئا وصريحا لم يتودد للامراء والسلاطين ولم يعتمد اساليب الرياء والنفاق امام ذوي الجاه والسلطة.

عند رحيل المعرّي الذي لم يجْنِ على احد، عن الدنيا عام 1057 م وقف على قبره 84 شاعرا يرثونه، بخصوصيته التي جعلته يأبى الوقوف على باب حاكم مادحا حيث كان يقول لا اكترث بلقاء الرجال ولكن آثرت الاقامة بدار العلم فشاهدت انفس مكان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه.
ألمراجع:


1. ابو العلاء المعرّي - شرف الدين خليل

2. الفن ومذاهبه في الشعر العربي - شوقي ضيف

3. تاريخ الادب العربي - حنا الفاخوري

4. ابو العلاء المعرّي - عمر فرّوخ

5. المعرّي الذي لم يجْنِ على احد - مجلة العربي







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=890603
    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 22:58 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd