تطوان: "بنت غرناطة"الحاضنة للحضارة الأندلسية بالمغرب تطوان: "بنت غرناطة"الحاضنة للحضارة الأندلسية بالمغرب
إن المسلمين أقاموا في الديار (الأندلسية) زهاء ثمانية قرون، وظللنا نحن نحاربهم ثمانية قرون لإخراجهم وطردهم من شبه الجزيرة الإيبيرية.قبل ستة قرون من الآن عرف العالم حضارة استثنائية، كانت تجمع في انسجام بين العقيدة والعلم والفكر والفن من جهة، وفي تعايش قل نظيره بين الديانة الإسلامية والمسيحية واليهودية من جهة ثانية، إنها حضارة الأندلس التي عمرها المورسكيون، قبل أن تنكل بهم وتطردهم من ديارهم المماليك المسيحية في محاولة لطمس حضارتهم، وذلك بعد سقوط غرناطة آخر قلاع المسلمين هناك في شبه الجزيرة الإيبيرية. http://samate.wpengine.netdna-cdn.co...315_1316_2.pngتهجير المورسكيين عبر السفن كاد العالم الإنساني، وخاصة الإسلامي منه، أن يفقد قطعة منيرة في تاريخ الحضارة البشرية، لولا الصحوة الثقافية والعلمية التي عرفتها إسبانيا في الفترة المعاصرة، حيث انبرى مئات الباحثين والأكادميين والأركيولوجيين (علماء الآثار) الأوروبيين والإسبانيين أساسًا لبعث تلك الحلقة المفقودة في التاريخ الإسباني والإسلامي إلى الحياة، من خلال البحث والدراسة والنقد والتحليل، حتى فاقت اليوم 1000 دراسة أكاديمية رصينة حول الأندلس، في طليعتها “تاريخ غرناطة” للباحث ميغيل لافوينتي ألكنترا، و”تاريخ مالقة” لـ”كيين روبليس” و”إسبانيا المسلمة في عهد النصرانيين” للباحثة الفرنسية “راشيل أريي” علاوة على أعمال “لويس فرنانديث” و”خوان طوريس فوينتيس”، وإنتاجات “لويس سيكودي لوثينا باربديس” الذي كرس حياته في دراسة الأندلس، بالإضافة إلى الرسامين الإسبان الذي أرخوا لتلك الحقبة بلوحاتهم الفنية، وعلى رأسهم الرسام الكبير “دياغ ذا بالثكاث” الذي سطر ملاحم فنية في غاية التراجيديا، تؤرخ لتلك الحقبة الفاجعة بطلب من الملك خوان كارلوس. وللإنصاف فالكتابات العربية في هذا السياق قليلة، ويغلب عليها الطابع الأدبي الرثائي، ولا سيما المشرقية منها، كما أنها مشبعة بالحس المذهبي الديني والقومي، مما لا يجعلها ترتقي بأي حال إلى الدراسات الأكاديمية التي يمكن الاستناد عليها في تأريخ قصة الأندلس إلا بعض الاستثناءات النادرة. بفضل تلك الأعمال إضافة إلى الندوات والاحتفالات المهرجانية المجسدة لمأساة الأندلس التي تنظمها الجمعيات الإسبانية سنويًّا اليوم، أصبحنا الآن نعرف جزءًا من حضارة ذلك الفردوس المفقود، التي طالها النسيان والإهمال طوال قرون عن سبق إصرار وترصد. سنتناول في هذا التقرير شقًّا فقط من حقبة الأندلس، حيث سنحاول الكشف عن سياق تهجير المورسكيين القهري إلى شمال إفريقية. 1- ما سياق التهجير القسري للأندلسيين؟ يتبع |
رد: تطوان: "بنت غرناطة"الحاضنة للحضارة الأندلسية بالمغرب 1- ما سياق التهجير القسري للأندلسيين؟ بعد سقوط غرناطة في الثاني من يناير 1492م، إبان ضعف المماليك الإسلامية واكتساحها من قبل الإمبراطورية الإسبانية، أصدر الملك فيليب الثالث في عام 1609م قرارًا بطردهم من إسبانيا، بعد أن يئست المحاولات المتعددة والمتعاقبة من تحويلهم عن دينهم واعتناق المسيحية ولكن دون جدوى، فاضطروا إلى مغادرة أراضيهم، إذ منحوا مهلة قصيرة فازدحمت الطرقات بهم واشتد الإقبال على البواخر المنطلقة من السواحل الإسبانية نحو شمال أفريقيا وغيرها. http://samate.wpengine.netdna-cdn.co...315_1316_3.pngتسليم غرناطة كان المورسكيون، وهم مزيج بين العرق الأوروبي والعربي والأمازيغي، يستقرون في منطقة قشتالة وأراغون وبلنسيا وغرناطة، هذه الأخيرة كانت آخر معاقل المسلمين بالأندلس، حيث سلمها أبو عبد الله للملكة إزابيلا وزوجها الملك فرديناند، بعد إمضاء اتفاق بينهما، جاء فيه “للمورسكيين أن يحتفظوا بدينهم وممتلكاتهم. وأن يخضع المورسكيون لمحاكمة قضاتهم حسب أحكام قانونهم وليس عليهم ارتداء علامات تشير لكونهم مورسكيين كما هو الحال مع عباءة اليهود. ليس عليهم دفع ضرائب للملكين المسيحيين تزيد على ما كانوا يدفعونه. لهم أن يحتفظوا بجميع أسلحتهم ماعدا ذخائر البارود. يُحتَّرَم كل مسيحي يصبح موريسكي ولا يعامل كمرتد. أن الملكين لن يعينا عاملًا إلا من كان يحترم المورسكيين ويعاملهم بحب وإن أخلّ في شيء فإنه يغير على الفور ويعاقب. للمورسكيين حق التصرف في تربيتهم وتربية أبنائهم”. تعهد الملكان الكاثوليكيان في المعاهدة وبنفس تاريخ توقيعها، بـ”أن ملكي قشتالة يؤكدان ويضمنان بدينهما وشرفهما الملكي، القيام بكل ما يحتويه هذا العهد من النصوص، ويوقعانه باسميهما ويمهرانه بخاتميهما”. لكن سرعان ما بدأت المملكة الكاثوليكية تتراجع عن هذا الاتفاق، حيث بدأت حملة تنصير لمسلمي غرناطة، رغم أنها أبقت على بعض معالم حضارة الغرناطيين، حيث لا يزال حتى الآن القصر الأحمر شاهدًا على منارة الأندلس (بعكس بلنسيا وقشتالة وأراغون التي حولت مساجدهم إلى كنائس وشتت عمرانهم بين أوروبا)، ليبدأ فصل من أسوأ فصول الاضطهاد الديني مع محاكم التفتيش، التي كانت تجوب البلاد بحثًا عن كل من لا يدين بالولاء التام للكنيسة، فألقت القبض على الكثير وعذبتهم وأحرقتهم. http://samate.wpengine.netdna-cdn.co...315_1316_4.jpgإحدى حفلات حرق المورسكيين بعد كل محاولات تشتيت الأندلسيين والتضييق عليهم ومطاردتهم، جاء قرار الطرد القسري كما جاء في مرسوم رسمي بتاريخ 22 سبتمبر 1609م، لا يزال محفوظا بالأرشيف العام لسيمانكاس المتواجد بإسبانيا، يطالب هذا المرسوم جميع الموريسكيين في المملكة بتقديم أنفسهم إلى سلطات جهاتهم في غضون ثلاثة أيام من أجل ترحيلهم، وإلا صار من حق السلطات بعد انقضاء هذه المهلة طرد الموريسكيين من أماكن إقامتهم أو قتلهم إذا أبدوا مقاومة، بدافع، كما جاء في الوثيقة، عدم نجاح عملية دمجهم وتعميدهم تكاثرهم الديموغرافي السريع وتآمرهم مع الإمبراطورية العثمانية في شمال أفريقيا ضد التاج الإسباني. كانت عملية طرد الموريسكيين منظمة ومخططًا لها من قبل المسيحيين آنذاك، في بداية الأمر تم طرد الموريسكيين البلنسيين من موانئ في بلنسية على حوض البحر الأبيض المتوسط، باتجاه شمال أفريقيا ثم بعدها تم طرد موريسكيي مملكة أراغون ثم قشتالة، وفي سنة 1614 تم طرد الغرناطيين صوب المغرب الكبير. حير الكثير من المؤرخين في الدافع الذي جعل فيليب الثالث يقوم بمثل هذا التطهير الديني الوحشي، إلى أن ظهرت وثيقة بتاريخ السابع من أكتوبر تشرين الأول عام 1587 للميلاد لا تزال محفوظة بالأرشيف الوطني الإسباني، وهي عبارة عن خطابٍ موجهٍ من الملك فيليب الثاني إلى كبير أساقفة بلنسية، يتساءل فيه فيليب الثاني عن الإجراءات المتخذة لتعزيز تعاليم المسيحية لموريسكيي بلنسية، تكشف الوثيقة أن فيليب الثاني كان يفضل دمج الموريسكيين في إسبانيا، لكن ابنه فيليب الثالث هو الذي استسلم تحت ضغوط الكنيسة وبعض النبلاء وأرغم الموريسكيين على مغادرة الأراضي الإسبانية نهائيًّا. http://samate.wpengine.netdna-cdn.co...315_1316_5.pngتعميد المورسكيين يذكر المؤرخ الإسباني مكيل دي أبلاسا فيرير في كتابه “الموريسكيون قبل وبعد الطرد” أن التهجير تم باتجاه الشام وتركيا وليبيا وأساسًا نحو دول المغرب العربي، وبالأخص نحو المغرب بسبب القرب الجغرافي. كما جاء في إحدى وثائق الأرشيف العام لسيمانكاس مؤرخة بـ2 سبتمبر 1601، عن سلب بعض المورسكيين المتمردين على قرار الطرد في بلنسية أطفالهم لتربيتهم في كنف الكنيسة، وأن بعض هؤلاء الأطفال كانت تظهر عليهم آثار تعذيب وفقًا لوصف الوثيقة. لا نعلم حتى الآن بالتحديد العدد الحقيقي للمورسكيين المرحلين، إلا أن المختصين يكادون يتفقون حول 300 ألف مورسكي، أغلب الموريسكيين المرحلين من الأندلس جاءوا إلى المغرب بحكم القرب الجغرافي، بينما ذهبت نسبة منهم إلى تونس والجزائر وتركيا، ثم هناك من توجه إلى فرنسا وعدد آخر رحل إلى المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية مثل المكسيك والبيرو، مات الكثير منهم نتيجة مشقة السفر أو غرقًا في البحر أو تنكيلًا من قبل قطاع الطرق. كان الأندلسيون متقدمين على باقي الشعوب الأخرى آنذاك في العمارة والعلم والزراعة، أدى طردهم إلى تدهور في الحرف والزراعة ما خلق بوادر أزمة اقتصادية في البلاد الإسبانية، ذلك ما تفيده إحدى الوثائق المصونة بأرشيف ليسمانكاس. 2- ماذا بعد أن وصلوا شمال إفريقية؟ يتبع |
رد: تطوان: "بنت غرناطة"الحاضنة للحضارة الأندلسية بالمغرب 2- ماذا بعد أن وصلوا شمال إفريقية؟
|
رد: تطوان: "بنت غرناطة"الحاضنة للحضارة الأندلسية بالمغرب تطوان: “بنت غرناطة” الحاضنة للحضارة الأندلسية بالمغرب http://andalushistory.com/wp-content...do-750x563.jpg ورقة بحثية كتبها الدكتور محمد الشريف – جامعة عبد الملك السعدي – كلية الآداب- تطوان نقلًا عن مجلة التاريخ العربي * تمثل مدينة تطوان نموذجاً متميزاً للمدينة الإسلامية ذات الطّابع الأندلسي الخاص، وتعتبر نموذجاً للحضور الأندلسي بالمغرب بسبب احتفاظها بالإرْث الأندلسي الذي يبدو واضحاً في معالمها التاريخيّة وفي عاداتها وتقاليدها، وفي ألقاب أسَرها الأندلسيّة، وفي مختلف مظاهر حضارتها، من موسيقى وطبخ ولباس وصنائع … إذ ما زالت المدينة تحتفظ بفنّ المعمار الأندلسي داخل جدْرانها، ومازال سكان تطوان يحتفظون باللهجة الشّعبية، وبالموسيقى الأندلسيّة، وبالطّرْز، وبالصناعة التقليدية : إنها تشبه إلى حدّ كبير غرناطة في أزقّتها وطريقة بنائها، حتى نعتَها الفقيه محمد داود، مؤرخ تطوان، بكونها «نُسخة من أخريات المدن الإسلامية العربية في بلاد الأندلس»، والحاضنة للحضارة الإسلامية الأندلسيّة حيّة فوق أرض المغرب. وقبل تفصيل القول في مظاهر هذا التأثير الحضاري، يجدر بنا التذكير بالترابط الكبير بين المغرب والأندلس منذ العصور القديمة، ترابط وصل حد الانصهار في الفترة الإسلامية، حتى أنه لا يمكن فصْل تاريخ المغرب عن تاريخ الأندلس، والعكس بالعكس. يقول الأستاذ محمد بن شريفة: «إن الصّلات بين المغرب الأقصى والأندلس قديمة ترقى إلى التاريخ القديم، و هي صلات فرضتها طبيعة الجوار وأملتها المعطيات الجغرافية… فمن المعروف أن الأندلس بعد فترة الطوائف قد اندمجت في الإمبراطورية المرابطيّة والموحديّة، أي خلال أكثر من ثلاثة قرون، كما أن دولة بني نصْر في مملكة غرناطة لم يكن لها أن تكون لولا بنو مَرين. وقد كان لهذا الاندماج آثار لا تُحْصى ولا تُعدّ في الأندلس والمغرب، وتم تفاعل كبير بين البلديْن والشعبيْن في مختلف المجالات، وكثُرَ التزاور والتنقل بين العدوتيْن، ووقعت هجرات متعدّدة مع تغيّر في ناموس الهجرة، إذ أن اتجاه الهجرة أصبح من الأندلس إلى المغرب بعد أن كانت الهجرة في القرون الأولى تتّجه من المغرب إلى الأندلس. ويمكن تكوين فكرة عن هذه الهجرات من تتبّع الأعداد الهائلة من العلماء الأندلسيين الذين انتقلوا إلى مراكش وفاس وغيرهما، وذلك من خلال كتب التّراجم، وظلّت وتيرة الهجرة من الأندلس إلى المغرب في تزايد إلى أن بلغت نهايتها القصوى بعد جلاء المسلمين من الفردوس المفقود». «وقد ظهر أثر ذلك كلّه في النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية سواء في الأندلس أو في المغرب، وما زلنا في المغرب إلى يومنا هذا نلحظ مظاهر ذلك التّواصل الذي كان بين المغرب والأندلس رغم مرور قرون على نهاية الأندلس. وما تزال آثار ماديّة ومعنويّة مغربيّة في إسبانيا إلى اليوم شاهدة على الوجود المغربي الذي كان هناك… وما يزال كذلك تراث الأندلس محفوظاً ومستمراً في المغرب، تمثّله الأسَر الأندلسيّة الأصل في عددٍ من الحواضر والقرى، ونراه في العمارة والموسيقى والطبخ وغيرهما من رقائق الحضارة، وقد امتزج هذا التراث الأندلسي بالتراث المغربي فأصبحا تراثاً مركباً تركيباً مزجياً. وأما تفاعل المغرب والأندلس في مجال العلوم والآداب فحدّثْ عن البحر ولا حرج»([1]). والواقع أن جذور الإرث الأندلسي في المغرب عميقة إلى درجة أنها شكّلت وما زالت تشكل عنصراً أو عضواً لا يتجزأ من النسيج الثقافي والاجتماعي المغربي، كما أن عُمق التحام العنصر الأندلسي بالحياة اليومية المغربية وصلَ إلى درجة كبيرة من الانسجام، سواء على المستوى الجماعي أو الفردي، حتى إنه انعكس وما يزال ينعكس في سلوك المغاربة وعقليّتهم ووعيهم، وانعكس كذلك في ذاكرتهم الجماعية إلى درجة أنه لا يمكن تحديد الهويّة المغربية وفهمها فهماً عميقاً بدون اعتبار العنصر الأندلسي([2]). يتبع |
رد: تطوان: "بنت غرناطة"الحاضنة للحضارة الأندلسية بالمغرب لقد أثّر هذا التمازج التاريخي بين المغرب والأندلس على جميع مناحي الحياة، فاختلط ما هو مغربي بما هو أندلسي، فأعطيا مزيجا حضاريا فريداً صبغ المظاهر التقليدية للمغرب بصبغة خاصة وغنيّة، سواء في فنّ العمارة والفلاحة والصناعة، أو في اللباس وفي الطبيخ والموسيقى والحدائق، أو في تصاميم البيوت وطريقة النطق. وعلى ضوء هذا التاريخ المغربي الأندلسي المشترك والمتداخل، لا يمكن اليوم تجاهل الصبغة الأندلسية للمغرب أو المكوّن الأندلسي في الهويّة المغربيّة. فقد حمل الأندلسيون النازحون إلى المغرب معهم أنماط عيش وثقافة، ما زال من الممكن إلى يومنا هذا، تعريفها وإعادتها إلى الأذهان([3]). وإذا كانت هذه التعميمات تنطبق على الواقع المغربي عموماً، فإنها لا تخصّ بعض المناطق المغربية؛ مثل سوس أو الأطلس الكبير، كما أنها لا تنطبق إلا جزئيا على مناطق أخرى يميّزها رصيد ثقافي غني ومتنوّع بسبب احتكاكها بثقافات مجاورة، مثل الثقافة الإفريقية السودانية؛ ومع هذا، هناك مناطق كثيرة كان التأثير الأندلسي فيها عميقا للغاية، نذكر منها على وجه الخصوص المدن التقليدية مثل: الرباط وسلا ومكناس وفاس وتطوان والشاون والقصر الكبير. ويبرز تأثير الأندلس من خلال آثاره في المغرب بشكل واضح ليس في المُدن فقط، بل حتى في البوادي وخاصة في قرى ومداشر جبال الشمال الغربي للمغرب، وما زال الإرث الأندلسي حياً في المحيط الاجتماعي والثقافي بكثير من مناطق جبالة وغمارة([4]). فعلى سبيل المثال يمكن اعتبار قبائل أنجرة بشمال المغرب أكثر تمثيلا لما كان عليه المجتمع الريفي الأندلسي، نظراً لكون الأمر يتعلّق بمجتمع من أصل أندلسي، استطاع أن يحافظ على ملامحه الأصيلة على بعد قد لا يتجاوز 20 كيلو مترا من الجزيرة الإيبيرية، وانغلقَ على نفسه، فاستطاع بذلك أن يحافظ على عددٍ من التقاليد الأندلسية الريفية والحضرية دون أن يمسّها بتغيير([5]). ومع ذلك فلا يمكن تقييم التأثير الأندلسي في المغرب في عمقه إلا إذا حصرنا دراستنا في منطقة محددة. ومن هنا جاء اختيارنا لمدينة تطوان كمثال مجسّد لهذا التأثير، إذ يمكن اعتبار مدينة تطوان مدينة مغربية- أندلسية نموذجية في هذا الصدد، إنها مغربية بموقعها الجغرافي وبارتباطها السياسي بالحكم المركزي المغربي عبر القرون، وبضمّها لعدد من العناصر البشرية المغربية مثل: العنصر الجبلي أو العنصر الريفي، أو العنصر الفاسي، إلا أنها تأثرت أيضا بالعنصر الأندلسي على مستويات متعددة. لقد أعاد بناءها المجاهد الغرناطي “سيدي المنظري” وجماعة من المجاهدين الغرناطيين في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي. ومنذ ذلك الوقت اتخذت تطوان اتجاها أندلسيا على الصعيد الاجتماعي والثقافي والفكري، كما أنها حافظت على هذا الطابع عبر القرون، وما زالت محتفظة به إلى يومنا([6]). وسنقسم هذه الدراسة على قسمين، يتناول أولهما التأثير الأندلسي في الميدان العمراني والمعماري للمدينة، ويستعرض الثاني عناصر الثقافة الأندلسية بتطوان من لباس وطبخ وموسيقى ولغة وعادات وتقاليد وفنون…إلخ. أولاً: التأثير الأندلسي في الميدان العمراني والمعماري: – الأندلسيون يعيدون الحياة لتطوان يتبع |
الساعة الآن 15:45 |
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd