منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - عود إلى قضية دور الحفظ في خدمة اكتساب اللغة والمعارف محمد شركي

عود إلى قضية دور الحفظ في خدمة اكتساب اللغة والمعارف

03/02/2010

مرة أخرى يسرني أن أعود إلى مقال الأستاذ المحترم السيد احميدة العوني الذي عنونه ب : "الحفظ حفظان أعمى وبصير " ردا على تعقيب لي على مقاله الأول : " تعود الحفظ الآلي مضر باللغة العربية " بداية أشكر الأستاذ الفاضل على المقالين معا ، وعلى الروح العلمية في السجال ، والصدر الرحب في الحوار، وأطمئنه بأن ردي عليه لم أقصد به تعقب العثرات ، ولا التخطئة وإنما كان مجرد سجال علمي يطرح وجهتي نظر مختلفتين حول دور ملكة الحفظ في التعلم . لعل الأخ الكريم يذكر أني قلت في مقالي السابق بأنني كنت أعتقد ما يعتقده في الحفظ من قبل حتى بدا لي رأي آخر فيه ، ولا أزعم أن الذي بدا لي هو عين الصواب ، وإنما هي وجهة نظر ، ولكل وجهة نظر نصيب من الصواب والخطأ ، وسبحان من لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه .
وليطمئن الأخ الكريم بأنه ليس من شيمي أن أقول غيري ما لم يقله ، وأن كل ما حصل له هو استنتاج لم أقصد إليه ولا دار بخلدي أصلا . و لا داعي لاستغرابه استشهادي بمعجزة حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحفظ الملائكة الكرام لأنني كنت بصدد بيان قيمة ملكة الحفظ إذ شرفت بكونها معجزة النبي ، وصفة الملائكة الكرام ، ولم أقصد أن أشبه الخلق بسيد الخلق ولا الخلق بالملائكة الكرام فيما يخص ملكة الحفظ ، ولكل مقام مقال كما يقال . وأعود مرة أخرى إلى قضية السجال وهي دور ملكة الحفظ في التعلم ، وأخالف الأستاذ العوني في نعته الحفظ بنعتين متناقضين إذ لا يستقيم نعت الحفظ بالعمى والإبصار ، لأنه كنعت الناعت العسل بالحلاوة والمرارة . فالحفظ لغة نقيض النسيان ، وهو الذكر ولا يستوي الحفظ والنسيان كما لا يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور، و هي النقائض التي لا تجتمع .
وقد أنكر علي أخي الفاضل الأستاذ العوني الاستشهاد بقول يوسف الصديق في كتاب الله عز وجل : (( قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم )) ولم يستسغ معنى الحفظ في قول نبي الله يوسف مع أن الحفظ هو المنع من الضياع والتلف والصيانة سواء تعلق الأمر بالمعقول أم بالمحسوس فكما يحفظ المال يحفظ السر. ونبي الله يوسف عليه السلام حفيظ حفظ عرض العزيز الذي اشتراه من مصر ، و حفظ عهد الله عز وجل ، و حفظ علما علمه الله . ولقد وقف الإمام أبو حامد الغزالي على دلالة الحفظ في شرح اسم الله الحسن : " الحفيظ " في المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى فقال الحفظ حفظان : حفظ بمعنى إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها وهذا نقيض العدم ، وحفظ بمعنى صيانة المتعاديات والمتضادات بعضها عن بعض كما هو شأن الماء والنار ، والبرودة والحرارة . وهذه صفة الحفظ في الله تعالى ، وهو حفظ يفيد الصيانة سواء تعلق الأمر بإدامة وجود الموجودات ، أو بمنع اعتداء المتعاديات . ومقابل الصفة المطلقة في ذي الجلال والإكرام توجد صفة الحفظ النسبية في الإنسان إذ يصون المادي والمعنوي ، و من صيانة المعنوي تخزين المعلومات في حافظته الدماغية . ولما كان لكلام الله عز وجل ظهر وبطن فإن ظهره هو لفظه الذي يتلى ، وبطنه هو تأويله الذي يفهم .
والحفظ هو الاستظهار بمعنى طلب الظهر أي التلاوة بلا كتاب. وعلى غرار كلام الله عز وجل لكل كلام ظهر وبطن ، واستظهار كل كلام هو تلاوته من الذاكرة لا من الصحف . وبهذا أؤكد ما ذهبت إليه في المقال الأول من أن الحفظ والفهم كوجهي ورقة واحدة يتكاملان ولا يتناقضان كما يذهب أخي الكريم الأستاذ العوني أعانه الله على فهم كتابه الكريم إذ وصف الله تعالى نبيه الكريم آدم بالنسيان لما خانه الحفظ فقال جل من قائل : (( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما)) فآدم لم يحفظ عهد ربه بل نسيه لهذا لا يوجد حفظ أعمى وآخر بصير بل يوجد الحفظ مقابل النسيان . وليس من قبيل الصدف القول :" آفة العقل النسيان " ولا تسمية العلماء الجهابذة بالحفاظ ، ولا ينعت بالحافظ إلا الذي لا يشق له في العلم غبار. وما أحوجنا اليوم إلى حتى ما سماه الأستاذ العوني ـ مع تحفظي على التسمية ـ حفظا أعمى ، فنشء اليوم قد ختم على ذاكرته التي لم تعد تخزن شيئا ، مما أثر على تعلمه بشكل فظيع . وشكر لله لأخي الفاضل سجاله العلمي من أجل خدمة اللغة العربية

محمد شركي
عن وجدة سيتي نت