الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2016-11-10, 19:47 رقم المشاركة : 1
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي تفسير سورة النحل



[u]* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق [/u]

{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } * { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } * { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } * { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } * { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ }

اللغَة:
{ نُّطْفَةٍ } النطفة الماء المهين الذي يتكون منه الإِنسان، مِن نطَف إذا قطر { دِفْءٌ } الدفء: ما يستدفئ به الإِنسان من البرد { تُرِيحُونَ } الرَّواح: رجوع المواشي بالعشي من المرعى { تَسْرَحُونَ } السَّراح: الخروج بها صباحاً إلى المرعى { أَثْقَالَكُمْ } الأثقال: الأمتعة جمع ثقل سميت أثقالاً لأنها ثقيلة الحمل { جَآئِرٌ } مائل عن الحق { تُسِيمُونَ } أسام الماشية تركها ترعى، وسامت هي إذا رعت حيث شاءت فهي سائمة { ذَرَأَ } خلق وأبدع { مَوَاخِرَ } أصل المخْر شقُّ الماء عن يمين وشمال يقال: مخرت السفينةُ إِذا جرت تشق الماء مع صوت { تَمِيدَ } تضطرب.

سَبَبُ النّزول:
قال ابن عباس: لما نزل قوله تعالى
{*ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ*}
[القمر: 1] قال الكفار بعضهم لبعض: إنَّ محمداً يزعم أن القيامة قد اقتربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر، فلما امتدت الأيام قالوا يا محمد: ما نرى شيئاً مما تُخَوِّفنا به فأنزل الله تعالى { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... } الآية.

التفسِير:
{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } أي قرب قيام الساعة فلا تستعجلوا العذاب الذي أوعدكم به محمد، وإِنما أتى بصيغة الماضي لتحقق وقوع الأمر وقربه، قال الرازي: لما كان واجب الوقوع لا محالة عبّر عنه بالماضي كما يقال للمستغيث: جاءك الغوثُ فلا تجزع { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزَّه الله عما يصفه به الظالمون، وتقدس عن إشراكهم به غيره من الأنداد والأوثان { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } أي يُنزّل الملائكة بالوحي والنبوة بإِرادته وأمره { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي على الأنبياء والمرسلين، وسمَّى الوحي روحاً لأنه تحيا به القلوب كما تحيا بالأرواح الأبدان { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } أي بأن أنذروا أهل الكفر أنه لا معبود إلا الله فخافوا عذابي وانتقامي، ثم ذكر تعالى البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته فقال { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي خلقهما بالحق الثابت، والحكمة الفائقة، لا عبثاً ولا جُزافاً { تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تمجَّد وتقدَّس عن الشريك والنظير { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ } أي خلق هذا الجنس البشري من نطفةٍ مهينة ضعيفة هي المنيُّ { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } أي فإِذا به بعد تكامله بشراً مخاصمٌ لخالقه، واضح الخصومة، يكابر ويعاند، وقد خُلق ليكون عبداً لا ضداً قال ابن الجوزي: لقد خُلق من نطفة وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل بأوله على آخره، وبأن من قدر على إِيجاده أولاً قادرٌ على إِعادته ثانياً؟ { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا } أي وخلق الأنعام لمصالحكم وهي الإِبل والبقر والغنم { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ } أي لكم فيها ما تستدفئون به من البرد مما تلبسون وتفترشون من الأصواف والأوبار { وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي ولكم فيها منافع عديدة من النسل والدر وركوب الظهر، ومن لحومها تأكلون وهو من أعظم المنافع لكم { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } أي ولكم في هذه الأنعام والمواشي زينةٌ وجمالٌ حين رجوعها عشياً من المرعى، وحين غُدوّها صباحاً لترعى، جمال الاستمتاع بمنظرها صحيحةً سمينةً فارهة { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } أي وتحمل أحمالكم الثقيلة وأمتعتكم التي تعجزون عن حملها إلى بلدٍ بعيد لم تكونوا لتصلوا إليه إلا بجهدٍ ومشقة { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } أي إنَّ ربكم أيها الناس الذي سخَّر لكم هذه الأنعام لعظيمُ الرأفة والرحمة بكم { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } أي وخلق الخيل والبغال والحمير للحمل والركوب وهي كذلك زينة وجمال { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي ويخلق في المستقبل ما لا تعلمونه الآن كوسائل النقل الحديث: القاطرات، والسيارات، والطائرات النفاثة وغيرها مما يجدُّ به الزمان وهو من تعليم الله للإِنسان { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أي وعلى الله جل وعلا بيانُ الطريق المستقيم، الموصلِ لمن يسلكه إلى جنات النعيم { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } أي ومن هذه السبيل طريقٌ مائلٌ عن الحق منحرفٌ عنه، لا يوصل سالكه إلى الله وهو طريق الضلال، كاليهودية والنصرانية والمجوسية { وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أي لو شاء أن يهديكم إلى الإِيمان لهداكم جميعاً ولكنه تعالى اقتضت حكمته أن يدع للإِنسان حرية الاختيار {*فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ*}
[الكهف: 29] ليترتب عليه الثواب والعقاب، ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم من الأنعام، شرع في ذكر سائر النعم العظام وآياته المنبثة في الكائنات فقال { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً } أي أنزل المطر بقدرته القاهرة من السحاب { لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ } أي أنزله عذباً فراتاً لتشربوه فتسكن حرارة العطش { وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } أي وأخرج لكم منه شجراً ترعون فيه أنعامكم { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ } أي يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } أي ومن كل الفواكه والثمار يخرج لكم أطايب الطعام { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي إن في إنزال الماء وإِخراج الثمار لدلالة واضحة على قدرة الله ووحدانيته لقومٍ يتدبرون في صنعه فيؤمنون قال أبو حيان: ختم الآية بقوله: { يَتَفَكَّرُونَ } لأن النظر في ذلك يحتاج إلى فضل تأمل، واستعمال فكر، ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وُضعت في الأرض ومرَّ عليها زمن معيَّن لحقها من نداوة الأرض ما تنتفخ به فيُشق أعلاها فتصعد منه شجرة إلى الهواء، وأسفلها يغوص منه في عمق الأرض شجرةٌ أخرى وهي العروق، ثم ينمو الأعلى ويقوى وتخرج الأوراق والأزهار، والأكمام والثمار، المشتملة على أجسامٍ مختلفة الطبائع والألوان والأشكال والمنافع وذلك بتقدير قادرٍ مختار وهو الله تعالى { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي ذلّل الليل والنهار يتعاقبان لمنامكم ومعاشكم، والشمس والقمر يدوران لمصالحكم ومنافعكم { وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ } أي والنجومُ تجري في فلكها بأمره تعالى لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي إن في ذلك الخلق والتسخير لدلائل باهرة عظيمة، لأصحاب العقول السليمة { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } أي وما خلق لكم في الأرض من الأمور العجيبة، من الحيوانات والنباتات، والمعادن والجمادات، على اختلاف ألوانها وأشكالها، وخواصها ومنافعها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } أي لعبرةً لقومٍ يتعظون { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ } أي وهو تعالى - بقدرته ورحمته - ذلّل لكم البحر المتلاطم الأمواج للركوب فيه والغوص في أعماقه { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } أي لتأكلوا من البحر السمك الطريَّ الذي تصطادونه { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } أي وتستخرجوا منه الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والمرجان { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } أي وترى السفن العظيمة تشق عُباب البحر جاريةً فيه وهي تحمل الأمتعة والأقوات { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي سخر لكم البحر لتنتفعوا بما ذُكر ولتطلبوا من فضل الله ورزقه سبل معايشكم بالتجارة { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي ولتشكروا ربكم على عظيم إنعامه وجليل إفضاله { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } أي نصب فيها جبالاً ثوابت راسيات لئلا تضطرب بكم وتميل قال أبو السعود: إن الأرض كانت كرةً خفيفة قبل أن تُخلق فيها الجبال، وكان من حقها أن تتحرك كالأفلاك بأدنى سبب فلما خُلقت الجبال توجهت بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد لها { وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي وجعل فيها أنهاراً وطرقاً ومسالك لكي تهتدوا إلى مقاصدكم { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } أي وعلامات يستدلون بها على الطرق كالجبال والأنهار، وبالنجوم يهتدون ليلاً في البراري والبحار قال ابن عباس: العلامات معالمُ الطرق بالنهار وبالنجم هم يهتدون بالليل { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } الاستفهام إِنكاري أي أتسوّون بين الخالق لتلك الأشياء العظيمة والنعم الجليلة، وبين من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيره؟ أتشركون هذا الصنم الحقير مع الخالق الجليل؟ وهو تبكيت للكفرة وإِبطالٌ لعبادتهم الأصنام { أَفَلا تَذَكَّرُونَ } أي أفلا تتذكرون فتعرفون خطأ ما أنتم فيه من عبادة غير الله؟ وهو توبيخٌ آخر { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } أي إِن تعدوا نعم الله الفائضة عليكم لا تضبطوا عددها فضلاً عن أن تطيقوا شكرها { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي غفور لما صدر منكم من تقصير رحيم بالعباد حيث ينعم عليهم مع تقصيرهم وعصيانهم { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } أي يعلم ما تخفونه وما تظهرونه من النوايا والأعمال وسيجازيكم عليها { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي والذين يعبدونهم من دون الله كالأوثان والأصنام لا يقدرون على خلق كل شيء أصلاً والحال أنهم مخلوقون صنعهم البشر بأيديهم، فكيف يكونون آلهة تعبد من دون الله؟ { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } أي وتلك الأصنام أمواتٌ لا أرواح فيها، لا تسمع ولا تبصر لأنها جمادات لا حياة فيها، فكيف تعبدونها وأنتم أفضل منها لما فيكم من الحياة؟ { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي ما تشعر هذه الأصنام متى يبعث عابدوها، وفيه تهكم بالمشركين لأنهم عبدوا جماداً لا يحس ولا يشعر { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ } أي إلهكم المستحق للعبادة إله واحدٌ لا شريك له { فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ } أي فالذين لا يصدّقون بالبعث والجزاء قلوبهم تنكر وحدانية الله عز وجل { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } أي متكبرون متعظمون عن قبول الحق بعدما سطعت دلائله { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } أي حقاً إن الله تعالى لا تخفى عليه خافية من أحوالهم يعلم ما يخفون وما يظهرون { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } أي المتكبرين عن التوحيد والإِيمان { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ } أي وإِذا سئل هؤلاء الجاحدون أيَّ شيء أنزل ربكم على رسوله صلى الله عليه وسلم؟ { قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي قالوا على سبيل الاستهزاء: ما أنزله ليس إلا خرافات وأباطيل الأمم السابقين ليس بكلام رب العالمين قال المفسرون: كان المشركون يجلسون على مداخل مكة يُنفّرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج ماذا أُنزل على محمد؟ قالوا أباطيل وأحاديث الأولين { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي قالوا ذلك البهتان ليحملوا ذنوبهم كاملةً من غير أن يُكفَّر منها شيء { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي وليحملوا ذنوب الأتباع الذين أضلوهم بغير دليلٍ أو برهان، فقد كانوا رؤساء يُقتدى بهم في الضلالة ولذلك حملوا أوزارهم وأوزار من أضلوهم { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } ألاَ للتنبيه أي فانتبهوا أيها القوم بئس الحمل الذي حملوه على ظهورهم، والمقصودُ المبالغة في الزجر { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي مكر المجرمون بأنبيائهم وأرادوا إطفاء نور الله من قبل كفار مكة، وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } أي قلع بنيانهم من قواعده وأسسه، وهذا تمثيلٌ لإِفساد ما أبرموه من المكر بالرسل { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } أي فسقط عليهم سقف بنيانهم فتهدّم البناء وماتوا { وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } أي جاءهم الهلاك والدمار من حيث لا يخطر على بالهم، والآية مشهد كاملٌ للدمار والهلاك، وللسخرية من مكر الماكرين، وتدبير المدبرين، الذين يقفون لدعوة الله ويحسبون مكرهم لا يُردّ، وتدبيرهم لا يخيب، والله من ورائهم محيط { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } أي يفضحهم بالعذاب ويذلهم ويهينهم { وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ¤لَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } أي يقول تعالى لهم على سبيل التقريع والتوبيخ: أين هؤلاء الشركاء الذين كنتم تخاصمون وتعادون من أجلهم الأنبياء؟ أحضروهم ليشفعوا لكم، والأسلوب استهزاءٌ وتهكم { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } أي يقول الدعاة والعلماء شماتةً بأولئك الأشقياء إن الذلَّ والهوان والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } أي تقبض الملائكة أرواحهم الخبيثة حال كونهم ظالمي أنفسهم بالكفر والإِشراك بالله { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } أي استسلموا وانقادوا عند الموت على خلاف عادتهم في الدنيا من العناد والمكابرة، وقالوا ما أشركنا ولا عصينا كما يقولون يوم المعاد

{*وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ*}
[الأنعام: 23] { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي يكذبهم الله ويقول: بلى قد كذبتم وعصيتم وكنتم مجرمين { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } أي أدخلوا جهنم ماكثين فيها أبداً { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } أي بئست جهنم مقراً ومقاماً للمتكبرين عن طاعة الله.

البَلاَغة:
تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:

1- الالتفات في { فَٱتَّقُونِ } فهو خطاب للمستعجلين بطريق الالتفات.

2- أسلوب الإِطناب في { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } تأكيداً لسفاهة من عبد الأصنام ومثله { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ }.

3- الطباق بين { يُسِرُّونَ وَيُعْلِنُونَ } وبين { تُرِيحُونَ وتَسْرَحُونَ }.

4- صيغة المبالغة في { خَصِيمٌ مُّبِينٌ } وفي { غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

5- طباق السلب في { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ }.

6- الجناس الناقص في { لاَ يَخْلُقُونَ... وَهُمْ يُخْلَقُونَ }.

7- الاستعارة التمثيلية في { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } شبهت حال أولئك الماكرين بحال قومٍ بنوا بنياناً شديد الدعائم فانهدم ذلك البنيان وسقط عليهم فأهلكهم بطريق الاستعارة التمثيلية، ووجه الشبه أن ما عدوه سبباً لبقائهم، عاد سبباً لفنائهم كقولهم " من حفر حفرة لأخيه سقط فيها ".

فَائِدَة:
قال القرطبي: تسمى سورة النحل سورة النِّعم لكثرة ما عدَّد الله فيها من نعمه على عباده.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=845900
التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-11-17, 20:03 رقم المشاركة : 2
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النحل


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ظ±تَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هظ°ذِهِ ظ±لْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ظ±لآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ظ±لْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ظ±لأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ظ±للَّهُ ظ±لْمُتَّقِينَ } * { ظ±لَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ظ±لْمَلاغ¤ئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ظ±دْخُلُواْ ظ±لْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ظ±لْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ ظ±لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ ظ±للَّهُ وَلـظ°كِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ظ±للَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاغ¤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذظ°لِكَ فَعَلَ ظ±لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ظ±لرُّسُلِ إِلاَّ ظ±لْبَلاغُ ظ±لْمُبِينُ } * { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ظ±عْبُدُواْ ظ±للَّهَ وَظ±جْتَنِبُواْ ظ±لْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ظ±للَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ظ±لضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ظ±لأَرْضِ فَظ±نظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ظ±لْمُكَذِّبِينَ } * { إِن تَحْرِصْ عَلَىظ° هُدَاهُمْ فَإِنَّ ظ±للَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَقْسَمُواْ بِظ±للَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ظ±للَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىظ° وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـظ°كِنَّ أَكْثَرَ ظ±لْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ظ±لَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ } * { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } * { وَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ظ±للَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ظ±لدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ظ±لآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { ظ±لَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىظ° رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيغ¤ إِلَيْهِمْ فَظ±سْأَلُواْ أَهْلَ ظ±لذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } * { بِظ±لْبَيِّنَاتِ وَظ±لزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ظ±لذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { أَفَأَمِنَ ظ±لَّذِينَ مَكَرُواْ ظ±لسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ظ±للَّهُ بِهِمُ ظ±لأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ظ±لْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىظ° تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىظ° مَا خَلَقَ ظ±للَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ظ±لْيَمِينِ وَظ±لْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } * { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَظ±لْمَلاغ¤ئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

المنَاسَبَة:

لما أخبر تعالى عن حال الأشقياء الذين كفروا نعمة الله، وطعنوا في القرآن فزعموا أنه أساطير الأولين، وبيَّن ما يكونون عليه في الآخرة من الفضيحة والذل والهوان، ذكر هنا ما أعده للمتقين من وجوه التكريم في دار النعيم، ليظهر الفارق بين حال أهل السعادة وحال أهل الشقاوة، وبين الأبرار والفجار على طريقة القرأن في المقارنة بين الفريقين.

اللغَة:

{ ظ±لزُّبُرِ } الكتب السماوية جمع زبُور من زبرت الكتاب إِذا كتبته { يَخْسِفَ } خسَف المكانُ خسوفاً إِذا ذهب وغاب في الأرض { يَتَفَيَّؤُاْ } يميل من جانب إِلى جانب ومنه قيل للظل فيءٌ لأنه يفيء أي يرجع من جهة إِلى أخرى { دَاخِرُونَ } صاغرون ذليلون، والدخور الصغار والذل قال ذو الرمَّة:
فلم يبْقَ إِلا داخِرٌ في مُخَيَّس
***
ومنجَحِرٌ في غيرِ أرضكَ في جُحْر
التفسِير: { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ظ±تَّقَوْاْ } أي قيل للفريق الثاني وهم أهل التقوى والإِيمان { مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً } أي ماذا أنزل ربكم على رسوله؟ قالوا أنزل خيراً قال المفسرون: هذا كان في أيام الموسم يأتي الرجل مكة فيسأل المشركين عن محمد وأمره فيقولون: إِنه ساحر وكاهن وكذاب، فيأتي المؤمنين ويسألهم عن محمد وعن ما أنزل الله عليه فيقولون: أنزل الله عليه الخير والهدى والقرآن، قال تعالى بياناً لجزائهم الكريم { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هظ°ذِهِ ظ±لْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } أي لهؤلاء المحسنين مكافأة في الدنيا بإِحسانهم { وَلَدَارُ ظ±لآخِرَةِ خَيْرٌ } أي وما ينالونه في الآخرة من ثواب الجنة خيرٌ وأعظم من دار الدنيا لفنائها وبقاء الآخرة { وَلَنِعْمَ دَارُ ظ±لْمُتَّقِينَ } أي ولنعم دار المتقين دار الآخرة وهي { جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي جناتُ إِقامة { يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ظ±لأَنْهَارُ } أي يدخلون تلك الجنان التي تجري من بين أشجارها وقصورها الأنهار { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } أي لهم في تلك الجنات ما يشتهون بدون كدٍّ ولا تعب، ولا انقطاعٍ ولا نَصب { كَذَلِكَ يَجْزِي ظ±للَّهُ ظ±لْمُتَّقِينَ } أي مثل هذا الجزاء الكريم يجزي الله عباده المتقين لمحارمه، المتمسكين بأوامره { ظ±لَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ظ±لْمَلاغ¤ئِكَةُ طَيِّبِينَ } أي هم الذين تقبض الملائكةُ أرواحهم حال كونهم أبراراً، قد تطهروا من دنس الشرك والمعاصي، طيبةً نفوسهم بلقاء الله { يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } أي تسلم عليهم الملائكة وتبشرهم بالجنة قال ابن عباس: الملائكة يأتونهم بالسلام من قِبل الله، ويخبرونهم أنهم من أصحاب اليمين { ظ±دْخُلُواْ ظ±لْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي هنيئاً لكم الجنة بما قدمتم في الدنيا من صالح الأعمال { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ظ±لْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } عاد الكلام إِلى تقريع المشركين وتوبيخهم على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا والمعنى ما ينتظر هؤلاء إِلا أحد أمرين: إِما نزول الموت بهم، أو حلول العذاب العاجل، أو ليس في مصير المكذبين قبلهم عبرةٌ وغناء؟ { كَذَلِكَ فَعَلَ ظ±لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي كذلك صنع من قبلهم من المجرمين حتى حلَّ بهم العذاب { وَمَا ظَلَمَهُمُ ظ±للَّهُ وَلـظ°كِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي ما ظلمهم الله بتعذيبهم وإِهلاكهم ولكنْ ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي أصابهم عقوبات كفرهم وجزاء أعمالهم الخبيثة { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي أحاط ونزل بهم جزاء استهزائهم وهو العذاب الأليم في دركات الجحيم { وَقَالَ ظ±لَّذِينَ أَشْرَكُواْ } أي قال أهل الكفر والإِشراك وهم كفار قريش { لَوْ شَآءَ ظ±للَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاغ¤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } أي لو شاء الله ما عبدنا الأصنام لا نحن ولا آباؤنا، ولا حرمنا ما حرمنا من البحائر والسوائب وغيرها، قالوا هذا على سبيل الاستهزاء لا على سبيل الاعتقاد، وغرضُهم أن إِشراكهم وتحريمهم لبعض الذبائح والأطعمة واقع بمشيئة الله، فهو راضٍ به وهو حقٌّ وصواب { كَذظ°لِكَ فَعَلَ ظ±لَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي مثل هذا التكذيب والاستهزاء فعل من قبلهم من المجرمين، واحتجوا مثل احتجاجهم الباطل، وتناسوا كسبهم لكفرهم ومعاصيهم، وأن كل ذلك كان بمحض اختيارهم بعد أن أنذرتهم رسلهم عذاب النار وغضب الجبار { فَهَلْ عَلَى ظ±لرُّسُلِ إِلاَّ ظ±لْبَلاغُ ظ±لْمُبِينُ } أي ليس على الرسل إِلا التبليغ، وأمَّا أمر الهداية والإِيمان فهو إِلى الله جلَّ وعلا { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ظ±عْبُدُواْ ظ±للَّهَ وَظ±جْتَنِبُواْ ظ±لْطَّاغُوتَ } أي أرسلنا الرسل إِلى جميع الخلق بأن اعبدوا الله ووحّدوه، واتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إِلى الضلال { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ظ±للَّهُ } أي فمنهم من أرشده الله إِلى عبادته ودينه فآمن { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ظ±لضَّلالَةُ } أي ومنهم من وجبت له الشقاوة والضلالة فكفر، أعْلمَ تعالى أنه أرسل الرسل لتبليغ الناس دعوة الله فمنهم من استجاب فهداه الله، ومنهم من كفر فأضلَّه الله { فَسِيرُواْ فِي ظ±لأَرْضِ فَظ±نظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ظ±لْمُكَذِّبِينَ } أي سيروا يا معشر قريش في أكناف الأرض ثم انظروا ماذا حلَّ بالأمم المكذبين لعلكم تعتبرون! { إِن تَحْرِصْ عَلَىظ° هُدَاهُمْ فَإِنَّ ظ±للَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أي إِن تحرص يا محمد على هداية هؤلاء الكفار فاعلم أنه تعالى لا يخلق الهداية جبراً وقسراً فيمن يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره { مَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي ليس لهم من ينقذهم من عذابه تعالى { وَأَقْسَمُواْ بِظ±للَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ظ±للَّهُ مَن يَمُوتُ } أي حلف المشركون جاهدين في أيمانهم مبالغين في تغليظ اليمين بأن الله لا يبعث من يموت، استبعدوا البعث ورأوه أمراً عسيراً بعد البِلى وتفرق الأشلاء والذرات، قال تعالى رداً عليهم { بَلَىظ° وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } أي بلى ليبعثنَّهم، وعد بذلك وعداً قاطعاً لا بدَّ منه { وَلـظ°كِنَّ أَكْثَرَ ظ±لْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون قدرة الله فينكرون البعث والنشور { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ظ±لَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ } أي سيبعثهم ليكشف ضلالهم في إنكارهم البعث، وليظهر لهم الحق فيما اختلفوا فيه، وليحقق العدل وهو التمييز بين المطيع والعاصي، وبين المحق والمبطل، وبين الظالم والمظلوم { وَلِيَعْلَمَ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ } أي وليعلم الجاحدون للبعث، والمكذبون لوعد الله الحق أنهم كانوا كاذبين فيما يقولون { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } أي لا يحتاج الأمر إلى كبير جهد وعناء فإِنا نقول للشيء كنْ فيكون قال المفسرون: هذا تقريبٌ للأذهان، والحقيقةُ أنه تعالى لو أراد شيئاً لكان بغير احتياج إِلى لفظ { كُنْ } { وَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ظ±للَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } أي تركوا الأوطان والأهل والقرابة في شأن الله وابتغاء رضوانه من بعد ما عُذِّبُوا في الله قال القرطبي: هم صهيب وبلال وخبّاب وعمّار، عذّبهم أهل مكة حتى قالوا لهم ما أرادوا، فلما خلّوهم هاجروا إِلى المدينة { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ظ±لدُّنْيَا حَسَنَةً } أي لنسكننهم داراً حسنة خيراً مما فقدوا قال ابن عباس: بوأهم الله المدينة فجعلها لهم دار هجرة { وَلأَجْرُ ظ±لآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي ثواب الآخر أعظم وأشرف وأكبر لو كان الناس يعلمون { ظ±لَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىظ° رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي هم الذين صبروا على الشدائد والمكاره، فهجروا الأوطان، وفارقوا الإِخوان، واعتمدوا على الله وحده يبتغون أجره ومثوبته { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيغ¤ إِلَيْهِمْ } أي وما أرسلنا من قبلك يا محمد إِلى الأمم الماضية إِلا بشراً نوحي إِليهم كما أوحينا إِليك قال المفسرون: أنكر مشركو قريش نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، فهلاَّ بعث إِلينا ملكاً فنزلت { فَظ±سْأَلُواْ أَهْلَ ظ±لذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } أي اسألوا يا معشر قريش العلماء بالتوراة والإِنجيل يخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشراً إِن كنتم لا تعلمون ذلك { بِظ±لْبَيِّنَاتِ وَظ±لزُّبُرِ } أي أرسلناهم بالحجج والبراهين الساطعة الدالة على صدقهم وبالزُبر أي الكتب المقدسة { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ظ±لذِّكْرَ } أي القرآن المذكّر الموقظ للقلوب الغافلة { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } أي لتعرّف الناس الأحكام، والحلال والحرام { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أي ولعلهم يتفكرون في هذا القرآن فيتعظون { أَفَأَمِنَ ظ±لَّذِينَ مَكَرُواْ ظ±لسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ظ±للَّهُ بِهِمُ ظ±لأَرْضَ } أي هل أمن هؤلاء الكفار الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم واحتالوا لقتله في دار الندوة، هل أمنوا أن يخسف الله بهم الأرض كما فعل بقارون؟ { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ظ±لْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } أي يأتيهم العذاب بغتةً في حال أمنهم واستقرارهم، من حيث لا يخطر ببالهم ومن جهةٍ لا يعلمون بها { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } أي يهلكهم في أثناء أسفارهم للتجارة واشتغالهم بالبيع والشراء فإِنهم على أي حال لا يعجزون الله { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىظ° تَخَوُّفٍ } أي يهلكهم الله حال كونهم خائفين مترقبين لنزول العذاب قال ابن كثير: فإِنه يكون أبلغ وأشد فإِن حصول ما يتوقع مع الخوف شديدٌ { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } أي حيث لم يعاجلكم بالعقوبة { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىظ° مَا خَلَقَ ظ±للَّهُ مِن شَيْءٍ } أي أولم يعتبر هؤلاء الكافرون ويروا آثار قدرة الله وأنه ما من شيء من الجبال والأشجار والأحجار ومن سائر ما خلق الله { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ظ±لْيَمِينِ وَظ±لْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ } أي تميل ظلالها من جانب إِلى جانب ساجدة للهِ سجود خضوعٍ لمشيئته تعالى وانقياد، لا تخرج عن إِرادته ومشيئته { وَهُمْ دَاخِرُونَ } أي خاضعون صاغرون فكل هذه الأشياء منقادة لقدرة الله وتدبيره فكيف يتعالى ويتكبر على طاعته أولئك الكافرون؟ { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَظ±لْمَلاغ¤ئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } أي له تعالى وحده يخضع وينقاد جميع المخلوقات بما فيهم الملائكة فهم لا يستكبرون عن عبادته { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي يخافون جلال الله وعظمته، ويمتثلون أوامره على الدوام.

البَلاَغَة:

تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:

1- الإِيجاز بالحذف { قَالُواْ خَيْراً } أي قالوا أنزل خيراً.

2- الإِطناب في قوله { مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ... وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ }.

3- الطباق في { هَدَى ظ±للَّهُ... وحَقَّتْ عَلَيْهِ ظ±لضَّلالَةُ } وفي { لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } وفي { ظ±لْيَمِينِ وَظ±لْشَّمَآئِلِ }.

4- صيغة المبالغة في { لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } لأن فعول وفعيل من صيغ المبالغة.

5- ذكر الخاص بعد العام في { يَسْجُدُ مَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لأَرْضِ... وَظ±لْمَلاغ¤ئِكَةُ } زيادةً في التعظيم والتكريم للملائكة الأطهار.

6- السجع في { يَتَفَكَّرُونَ } ، { دَاخِرُونَ } ، { يَشْعُرُونَ }.

فَائدَة:
استنبط بعض العلماء من قوله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } أن النبوة لا تكون إِلا في الرجال، وأما النساء فليس فيهن نبيَّة، وهو استنباط دقيق.

تنبيه:
قال ابن تيمية في منهاج السنة: " والاحتجاج بالقدر حجةٌ باطلة داحضة، باتفاق كل ذي عقلٍ ودين من جميع العالمين، ولهذا لما قال المشركون
{*لَوْ شَآءَ ظ±للَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا*}
[الأنعام: 148] ردَّ الله عليهم بقوله
{*قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ظ±لظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ*}
[الأنعام: 148] والمشركون يعلمون بفطرتهم وعقولهم أن هذه الحجة باطلة، فإِنَّ أحدهم لو ظلم الآخر، أو أراد قتل ولده، أو الزنى بزوجته، أو كان مصراً على الظلم فنهاه الناس عن ذلك فقال: لو شاء الله لم أفعل هذا، لم يقبلوا منه هذه الحجة ولا يقبلها هو من غيره، وإِنما يحتج بها المحتج دفعاً للّوم عن نفسه بلا وجه... ".






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-11-24, 19:46 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النحل



* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

{ وَقَالَ ظ±للَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـظ°هَيْنِ ظ±ثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـظ°هٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَظ±رْهَبُونِ } * { وَلَهُ مَا فِي ظ±لْسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ وَلَهُ ظ±لدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ظ±للَّهِ تَتَّقُونَ } * { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ظ±للَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ظ±لضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } * { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ظ±لضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَظ±للَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ظ±لْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِظ±لأُنْثَىظ° ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { يَتَوَارَىظ° مِنَ ظ±لْقَوْمِ مِن سُوغ¤ءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىظ° هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ظ±لتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِظ±لآخِرَةِ مَثَلُ ظ±لسَّوْءِ وَلِلَّهِ ظ±لْمَثَلُ ظ±لأَعْلَىظ° وَهُوَ ظ±لْعَزِيزُ ظ±لْحَكِيمُ } * { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ظ±للَّهُ ظ±لنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلظ°كِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىظ° أَجَلٍ مُّسَمًّىظ° فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ظ±لْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ظ±لْحُسْنَىظ° لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ظ±لْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } * { تَظ±للَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىظ° أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ظ±لشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ظ±لْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ظ±لْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ظ±لَّذِي ظ±خْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَظ±للَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ظ±لْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ظ±لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ظ±لأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ظ±لنَّخِيلِ وَظ±لأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَأَوْحَىظ° رَبُّكَ إِلَىظ° ظ±لنَّحْلِ أَنِ ظ±تَّخِذِي مِنَ ظ±لْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ظ±لشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ظ±لثَّمَرَاتِ فَظ±سْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَظ±للَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىظ° أَرْذَلِ ظ±لْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ظ±للَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } * { وَظ±للَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىظ° بَعْضٍ فِي ظ±لْرِّزْقِ فَمَا ظ±لَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىظ° مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ظ±للَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَظ±للَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ظ±لطَّيِّبَاتِ أَفَبِظ±لْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ظ±للَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ظ±لأَمْثَالَ إِنَّ ظ±للَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

المنَاسَبَة:


لما ذكر تعالى أن كل ما في الكون منقادٌ لأمر الله، خاضعٌ لسلطانه، أمر هنا بإِفراده بالعبادة لأنه الخالق الرازق، ثم ضرب الأمثال في ضلالات أهل الجاهلية، وذكَّر الناس بنعمه الجليلة ليعبدوه ويشكروه.

اللغَة:
{ وَاصِباً } دائماً ولازماً قال الجوهري: وصبَ الشيء وصوباً أي دام ومنه
{*وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ*}
[الصافات: 9] أي دائم وقال الشاعر:
" وهزيمٌ ردعه واصب "
***

{ تَجْأَرُونَ } الجؤار: رفع الصوت بالدعاء والتضرع يقال: جأر أي صاح قال الأعشى يصف بقرة:
فطافت ثلاثاً بينَ يومٍ وليلةٍ
***
وكانَ النكيرُ أن تُطيف وتجْأَرا
{ كَظِيمٌ } ممتلئ غماً وغيظاً، والكظم أن يطبق الفم فلا يتكلم من الغيظ { يَتَوَارَىظ° } يختفي { هُونٍ } هَوانٍ وذُل { فَرْثٍ } الفرْثُ: الزبل الذي ينزل إِلى الكَرش أو المِعَى { سَآئِغاً } لذيذاً هيناً لا يغصُّ به من شربه { ذُلُلاً } جمع ذلول وهو المنقاد المسخَّر بلا عناء { حَفَدَةً } الحفدة: قال الأزهري أولاد الأولاد، والحفدة: الخدم والأعوان.

التفسِير: { وَقَالَ ظ±للَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـظ°هَيْنِ ظ±ثْنَيْنِ } أي لا تعبدوا إِلهين فإِن الإِله الحق لا يتعدد { إِنَّمَا هُوَ إِلـظ°هٌ وَاحِدٌ } أي إِلهكم واحد أحد فردٌ صمد { فَإيَّايَ فَظ±رْهَبُونِ } أي خافون دون سواي { وَلَهُ مَا فِي ظ±لْسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ } أي ملكاً وخلقاً وعبيداً { وَلَهُ ظ±لدِّينُ وَاصِباً } أي له الطاعة والانقياد واجباً ثابتاً فهو الإِله الحق، وله الطاعة خالصة { أَفَغَيْرَ ظ±للَّهِ تَتَّقُونَ } الهمزة للإِنكار والتوبيخ أي كيف تتقون وتخافون غيره، ولا نفع ولا ضر إِلا بيده؟ { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ظ±للَّهِ } أي ما تفضَّل عليكم أيها الناس من رزقٍ ونعمةٍ وعافيةٍ ونصر فمن فضلِ الله وإِحسانه { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ظ±لضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } أي ثم إِذا أصابكم الضُّرُ من فقرٍ ومرضٍ وبأساء فإِليه وحده ترفعون أصواتكم بالدعاء، والغرض أنكم تلجأون إِليه وحده ساعة العسرة والضيق، ولا تتوجهون إِلا إِليه دون الشركاء { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ظ±لضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } أي إِذا رفع عنكم البلاء رجع فريق منكم إِلى الإِشراك بالله قال القرطبي: ومعنى الكلام التعجيبُ من الإِشراك بعد النجاة من الهلاك { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } أي ليجحدوا نعمته تعالى من كشف الضر والبلاء { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي تمتعوا بدار الفناء فسوف تعلمون عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب، وهو أمرٌ للتهديد والوعيد { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ } أي يجعلون للأصنام التي لا يعلمون ربوبيتها ببرهان ولا بحجة نصيباً من الزرع والأنعام تقرباً إِليها { تَظ±للَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } أي والله أيها المشركون لتُسألنَّ عما كنتم تختلقونه من الكذب على الله، والمراد سؤال توبيخٍ وتقريع { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ظ±لْبَنَاتِ } أي ومن جهل هؤلاء المشركين وسفاهتهم أن جعلوا الملائكة بنات الله، فنسبوا إِلى الله البنات وجعلوا لهم البنين { سُبْحَانَهُ } أي تنزَّه الله وتعظَّم عن هذا الإِفك والبهتان { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } أي ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون من البنين مع كراهتهم أنهم يأنفون من البنات { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِظ±لأُنْثَىظ° } أي إِذا أُخبر أحدهم بولادة بنت { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } أي صار وجهه متغيراً من الغم والحزن قال القرطبي: وهو كناية عن الغم والحزن وليس يريد السواد، والعربُ تقول لكل من لقي مكروهاً قد اسودَّ وجهه { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي مملوءٌ غيظاً وغماً { يَتَوَارَىظ° مِنَ ظ±لْقَوْمِ مِن سُوغ¤ءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } أي يختفي من قومه خوفاً من العار الذي يلحقه بسبب البنت، كأنها بليَّة وليست هبةً إِلهية، ثم يفكر فيما يصنع { أَيُمْسِكُهُ عَلَىظ° هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ظ±لتُّرَابِ } أي أيمسك هذه الأنثى على ذلٍ وهوان أم يدفنها في التراب حية؟ { أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي ساء صنيعهم وساء حكمهم، حيث نسبوا لخالقهم البنات - وهي عندهم بتلك الدرجة من الذل والحقارة - وأضافوا البنين إِليهم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِظ±لآخِرَةِ مَثَلُ ظ±لسَّوْءِ } أي لهؤلاء الذين لم يصدّقوا بالآخرة ونسبوا للهِ البنات سفهاً وجهلاً، صفةُ السوء القبيحة التي هي كالمثل في القبح، فالنقصُ إنما ينسب إِليهم لا إِلى الله { وَلِلَّهِ ظ±لْمَثَلُ ظ±لأَعْلَىظ° } أي له جل وعلا الوصف العالي الشأن، والكمال المطلق، والتنزه عن صفات المخلوقين { وَهُوَ ظ±لْعَزِيزُ ظ±لْحَكِيمُ } أي العزيزُ في ملكه، الحكيمُ في تدبيره ثم أخبر تعالى عن حلمه بالعباد مع ظلمهم فقال { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ظ±للَّهُ ظ±لنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } أي لو يؤاخذهم بكفرهم ومعاصيهم ويعاجلهم بالعقوبة { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } أي ما ترك على الأرض أحداً يدبُّ على ظهرها من إِنسانٍ وحيوان { وَلظ°كِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىظ° أَجَلٍ مُّسَمًّىظ° } أي ولكنْ يؤخرهم إِلى وقتٍ معيَّن تقتضيه الحكمة { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي فإِذا جاء الوقت المحدَّد لهلاكهم لا يتأخرون برهةً يسيرةً من الزمن ولا يتقدمون عليها كقوله

{*وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً*}
[الكهف: 59] { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } أي يجعلون له تعالى البنات مع كراهتهم لهنَّ، وهو تأكيد لما سبق للتقريع والتوبيخ { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ظ±لْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ظ±لْحُسْنَىظ° } أي يجعلون لله ما يجعلون ومع ذلك يزعمون أنَّ لهم العاقبة الحسنى عند الله وأنهم أهل الجنة { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ظ±لْنَّارَ } أي حقاً إِنَّ لهم مكان ما أملّوا نار جهنم التي ليس وراء عذابها عذاب { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } أي معجَّلون إِليها ومُقدَّمون، ثم ذكر تعالى نعمته في إِرسال الرسل ليتأسى صلوات الله عليه بهم في الصبر على تحمل الأذى فقال { تَظ±للَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىظ° أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ظ±لشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي والله لقد بعثنا قبلك يا محمد رسلاً إِلى أقوامهم فحسَّن الشيطان أعمالهم القبيحة حتى كذبوا الرسل وردّوا عليهم ما جاءوهم به من البينات { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ظ±لْيَوْمَ } أي فالشيطان ناصرهم اليوم في الدنيا وبئس الناصر { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ولهم في الآخرة عذاب مؤلم { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ظ±لْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ظ±لَّذِي ظ±خْتَلَفُواْ فِيهِ } أي ما أنزلنا عليك القرآن يا محمد إلا لتبيِّن للناس ما اختلفوا فيه من الدين والأحكام لتقوم الحجة عليهم { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي وأنزلنا القرآن هدايةً للقلوب، ورحمة وشفاءً لمن آمن به، ثم ذكر تعالى عظيم قدرته الدالة على وحدانيته فقال { وَظ±للَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ظ±لْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ظ±لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } أي أنزل بقدرته الماء من السحاب فأحيا بذلك الماء النبات والزرع بعد جدب الأرض ويُبسها { إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي إِن في هذا الإِحياء لدلالةً باهرة على عظيم قدرته لقوم يسمعون التذكير فيتدبرونه ويعقلونه { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ظ±لأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } أي وإِنَّ لكم أيها الناس في هذه الأنعام " الإِبل والبقر والضأن والمعز " لعظةً وعبرة يعتبر بها العقلاء، ففي خلقها وتسخيرها دلالة على قدرة الله وعظمته ووحدانيته { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } أي نسقيكم من بعض الذي في بطون هذه الأنعام { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً } أي من بين الروث والدم ذلك الحليب الخالص واللبن النافع { سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } أي سهل المرور في حلقهم، لذيذاً هيناً لا يغصُّ به من شربه { وَمِن ثَمَرَاتِ ظ±لنَّخِيلِ وَظ±لأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } أي ولكم مما أنعم الله به عليكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تجعلون منه خمراً يسكر قال الطبري: وإِنما نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر ثم حُرِّمتْ بعد { وَرِزْقاً حَسَناً } كالتمر والزبيب قال ابن عباس: الرزق الحسن: ما أُحلَّ من ثمرتها، والسَّكر: ما حُرِّم من ثمرتها.
{ إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي لآيةً باهرة، ودلالة قاهرة على وحدانيته سبحانه لقومٍ يتدبرون بعقولهم قال ابن كثير: وناسب ذكرُ العقل هنا لأنه أشرفُ ما في الإِنسان، ولهذا حرَّم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة صيانةً لعقولها، ولما ذكر تعالى ما يدل على باهر قدرته، وعظيم حكمته من إِخراج اللبن من بين فرثٍ ودمٍ وإِخراج الرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، ذكر إِخراج العسل الذي جعله شفاءً للناس من النحل، وهي حشرةٌ ضعيفة وفيها عجائب بديعة وأمور غريبة، وكل هذا يدل على وحدانية الصانع وقدرته وعظمته فقال تعالى { وَأَوْحَىظ° رَبُّكَ إِلَىظ° ظ±لنَّحْلِ أَنِ ظ±تَّخِذِي مِنَ ظ±لْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ظ±لشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } المراد من الوحي: الإِلهامُ والهدايةُ أي ألهمها مصالحها وأرشدها إِلى بناء بيوتها المسدَّسة العجيبة تأوي إِليها في ثلاثة أمكنة: الجبال، والشجر، والأكوار التي يبنيها الناس { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ظ±لثَّمَرَاتِ } أي كلي من كل الأزهار والثمار التي تشتهينها من الحلو، والمر، والحامض، فإِن الله بقدرته يحيلها إِلى عسلٍ { فَظ±سْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } أي أدخلي الطرق في طلب المرعى حال كونها مسخرةً لك لا تضلين في الذهاب أو الإِياب { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } أي يخرج من بطون النحل عسلٌ متنوعٌ منه أحمر، وأبيض، وأصفر، فيه شفاءٌ للناس من كثيرٍ من الأمراض قال الرازي فإن قالوا: كيف يكون شفاءٌ للناس وهو يضر بالصفراء؟ فالجواب أنه تعالى لم يقل: إِنه شفاءٌ لكل الناس، ولكل داء، وفي كل حال، بل لّما كان شفاء للبعض ومن بعض الأدواء صلح بأن يوصف بأنَّ فيه شفاء { إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي لعبرة لقومٍ يتفكرون في عظيم قدرة الله، وبديع صنعه { وَظ±للَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ } أي خلقكم بقدرته بعد أن لم تكونوا شيئاً ثم يتوفاكم عند انقضاء آجالكم { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىظ° أَرْذَلِ ظ±لْعُمُرِ } أي يُردُّ إِلى أردء وأضعف العمر وهو الهَرم والخرف { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً } أي لينسى ما يعلم فيشبه الطفل في نقصان القوة والعقل { إِنَّ ظ±للَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } أي عليمٌ بتدبير خلقه، قديرٌ على ما يريده، فكما قدر على نقل الإِنسان من العلم إِلى الجهل، فإِنه قادر على إِحيائه بعد إِماتته قال عكرمة: من قرأ القرآن لم يُردَّ إلى أرذل العمر { وَظ±للَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىظ° بَعْضٍ فِي ظ±لْرِّزْقِ } أي فاوت بينكم في الأرزاق فهذا غنيٌّ وذاك فقير، وهذا مالكٌ وذاك مملوك { فَمَا ظ±لَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىظ° مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } أي ليس هؤلاء الأغنياء بمشركين لعبيدهم المماليك فيما رزقهم الله من الأموال حتى يستووا في ذلك مع عبيدهم، وهذا مثلٌ ضربه الله تعالى للمشركين قال ابن عباس: لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني؟ { أَفَبِنِعْمَةِ ظ±للَّهِ يَجْحَدُونَ } الاستفهام للإِنكار أي أيشركون معه غيره وهو المنعم المتفضل عليهم؟ { وَظ±للَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي هو تعالى بقدرته خلق النساء من جنسكم وشكلكم ليحصل الائتلاف والمودة والرحمة بينكم { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } أي جعل لكم من هؤلاء الزوجات الأولاد وأولاد الأولاد، سمّوا حفدة لأنهم يخدمون أجدادهم ويسارعون في طاعتهم { وَرَزَقَكُم مِّنَ ظ±لطَّيِّبَاتِ } أي رزقكم من أنواع اللذائذ من الثمار والحبوب والحيوان { أَفَبِظ±لْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ظ±للَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } أي أبعد تحقق ما ذُكر من نعم الله يؤمنون بالأوثان ويكفرون بالرحمن؟ وهو استفهام للتوبيخ والتقريع { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ظ±للَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ شَيْئاً } أي ويعبد هؤلاء المشركون أوثاناً لا تقدر على إِنزال مطر، ولا على إِخراج زرعٍ أو شجر، ولا تقدر أن ترزقهم قليلاً أو كثيراً { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } أي ليس لها ذلك ولا تقدر عليه لو أرادت { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ظ±لأَمْثَالَ } أي لا تمثّلوا لله الأمثال، ولا تشبّهوا له الأشباه، فإنه تعالى لا مثل له ولا نظير ولا شبيه { إِنَّ ظ±للَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي يعلم كل الحقائق، وأنتم لا تعلمون قدر عظمة الخالق.


البَلاَغَة:
تضمنت الآيات الكريمة من صنوف البيان والبديع ما يلي:

1- الالتفات من التكلم إلى الغيبة من الغيبة إلى المتكلم { فَإيَّايَ فَظ±رْهَبُونِ } لتربية المهابة والرهبة في القلوب مع إفادة القصر أي لا تخافوا غيري.

2- الطباق في { يَسْتَقْدِمُونَ... يَسْتَأْخِرُونَ } وفي { فَأَحْيَا بِهِ ظ±لأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } وفي { يُؤْمِنُونَ... ويَكْفُرُونَ }.

3- الجناس الناقص بين { كُلِي مِن كُلِّ }.

4- الاعتراض { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ظ±لْبَنَاتِ } - سبحانه - { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } فلفظة (سبحانه) معترضة لتعجيب الخلق من هذا الجهل القبيح.

5- صيغة المبالغة في { ظ±لْعَزِيزُ ظ±لْحَكِيمُ } و { عَلِيمٌ قَدِيرٌ }.

6- السجع { يَعْقِلُونَ، يَعْرِشُونَ، يَجْحَدُونَ، يَكْفُرُونَ }.

7- التهديد والوعيد { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.

8- قوله تعالى { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ظ±لْكَذِبَ } قال الشهاب: هذا من بليغ الكلام وبديعه أي ألسنتهم كاذبة كقولهم { عينُها تصفُ السحر } أي ساحرة، وقدُّها يصف الهيف أي هيفاء.

****

****






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-12-01, 19:33 رقم المشاركة : 4
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النحل


[u]* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق[/u]

{ ضَرَبَ ظ±للَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىظ° شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ظ±لْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ظ±للَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىظ° شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىظ° مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِظ±لْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىظ° صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلِلَّهِ غَيْبُ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ظ±لسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ظ±لْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ظ±للَّهَ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَظ±للَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ظ±لْسَّمْعَ وَظ±لأَبْصَارَ وَظ±لأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىظ° ظ±لطَّيْرِ مُسَخَّرَظ°تٍ فِي جَوِّ ظ±لسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ظ±للَّهُ إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لأَيظ°تٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَظ±للَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ظ±لأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىظ° حِينٍ } * { وَظ±للَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ظ±لْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ظ±لْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ظ±لْبَلاَغُ ظ±لْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ظ±للَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ظ±لْكَافِرُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ظ±لَّذِينَ ظَلَمُواْ ظ±لْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَإِذَا رَأى ظ±لَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـظ°ؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ظ±لَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ظ±لْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَأَلْقَوْاْ إِلَىظ° ظ±للَّهِ يَوْمَئِذٍ ظ±لسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ظ±للَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ظ±لْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىظ° هَـظ°ؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ظ±لْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىظ° لِلْمُسْلِمِينَ } * { إِنَّ ظ±للَّهَ يَأْمُرُ بِظ±لْعَدْلِ وَظ±لإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ظ±لْقُرْبَىظ° وَيَنْهَىظ° عَنِ ظ±لْفَحْشَاءِ وَظ±لْمُنْكَرِ وَظ±لْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }



المنَاسَبَة:

لما ذكر تعالى سفاهة المشركين في عبادتهم لغير الله، أعقبه بذكر مثلين توضيحاً لبطلان عبادة الأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ولا تستجيب ولا تسمع، ثم ذكَّر الناس ببعض النِّعم التي أفاضها عليهم ليعبدوه ويشكروه، ويُخلصوا له العمل طائعين منيبين.

اللغَة:
{ أَبْكَمُ } الأبكم: الأخرس الذي لا ينطق { كَلٌّ } الكَلُّ: الثقيل الذي هو عيال على الغير وقد يسمى اليتيم كلاً لثقله على من يكفله قال الشاعر:
أكولٌ لمالِ الكلِّ قبلَ شبابه
***
إِذا كانَ عظْمُ الكلِّ غيرَ شديد
{ لَمْحِ } اللَّمْح: النظر بسرعة مثل الخطفة يقال لَمحه لمحاً ولمحاناً { ظَعْنِكُمْ } الظِّعْنُ: السفر والرحيل لطلب الكلأ، والظعينةُ المرأة المسافرة { أَوْبَارِهَا } الوبر للإِبل كالصوف للغنم { ظِلاَلاً } الظلالُ: كل ما يستظلُّ به من البيوت والشجر { أَكْنَاناً } جمع كنّ مثل حمِل وأحمال وهو كل ما يحفظ ويقي من الريح والمطر وغيرهما { سَرَابِيلَ } جمع سربال قال الزجاج: كلُّ ما لبسته من قميصٍ أو درعٍ فهو سربال.

التفسِير:
{ ضَرَبَ ظ±للَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىظ° شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } هذا مثلٌ ضربه الله تعالى لنفسه وللأصنام التي أشركوها مع الله جل وعلا أي مثلُ هؤلاء في إشراكهم مثلُ من سوَّى بين عبدٍ مملوكٍ عاجزٍ عن التصرف، وبين حرٍّ مالك يتصرف في أمره كيف يشاء، مع أنهما سيّان في البشرية والمخلوقية لله سبحانه وتعالى، فما الظنُّ بربِّ العالمين حيث يشركون به أعجز المخلوقات؟ { فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً } أي ينفق ماله في الخفاء والعلانية ابتغاء وجه الله { هَلْ يَسْتَوُونَ }؟ أي هل يستوي العبيد والأحرار الذين ضُرب لهم المثل، فالأصنام كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والله تعالى له المُلك، وبيده الرزق، وهو المتصرف في الكون كيف يشاء، فكيف يُسوَّى بينه وبين الأصنام؟ { ظ±لْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي شكراً للهِ على بيان هذا المثال ووضوح الحق فقد ظهرت الحجة مثل الشمس الساطعة، ولكنَّ المشركين بسفههم وجهلهم يسوّون بين الخالق والمخلوق، والمالكِ والمملوك { وَضَرَبَ ظ±للَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىظ° شَيْءٍ } هذا هو المثل الثاني للتفريق بين الإِله الحق والأصنام الباطلة قال مجاهد: هذا مثلٌ مضروبٌ للوثن والحقّ تعالى، فالوثنُ أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير، ولا يقدر على شيء بالكلية لأنه إما حجرٌ أو شجر، { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىظ° مَوْلاهُ } أي ثقيل عالة على وليِّه أو سيده { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ } أي حيثما أرسله سيده لم ينجح في مسعاه لأنه أخرس، بليد، ضعيف { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِظ±لْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىظ° صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي هل يتساوى هذا الأخرس، وذلك الرجل البليغ المتكلم بأفصح بيان، وهو على طريق الحق والاستقامة، مستنيرٌ بنور القرآن؟ وإِذا كان العاقل لا يسوّي بين هذين الرجلين، فكيف تمكن التسوية بين صنم أو حجر، وبين الله سبحانه وهو القادر العليم، الهادي إلى الصراط المستقيم؟ { وَلِلَّهِ غَيْبُ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لأَرْضِ } أي هو سبحانه المختص بعلم الغيب، يعلم ما غاب عن الأبصار في السماوات والأرض { وَمَآ أَمْرُ ظ±لسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ظ±لْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } أي ما شأن الساعة في سرعة المجيء إلا كنظرة سريعة بطرف العين، بل هو أقرب لأنه تعالى يقول للشيء: كن فيكون، وهذا تمثيل لسرعة مجيئها ولذلك قال { إِنَّ ظ±للَّهَ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي قادرٌ على كل الأشياء ومن جملتها القيامة التي يكذب بها الكافرون { وَظ±للَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } أي أخرجكم من أرحام الأمهات لا تعرفون شيئاً أصلاً { وَجَعَلَ لَكُمُ ظ±لْسَّمْعَ وَظ±لأَبْصَارَ وَظ±لأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي خلق لكم الحواس التي بها تسمعون وتبصرون وتعقلون لتشكروه على نعمه وتحمدوه على آلائه { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىظ° ظ±لطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ ظ±لسَّمَآءِ } هذا من الأدلة على قدرة الله تعالى ووحدانيته والمعنى: ألم يشاهدوا الطيور مذلّلات للطيران في ذلك الفضاء الواسع بين السماء والأرض { مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ظ±للَّهُ } أي ما يمسكهن عن السقوط عند قبض أجنحتهنَّ وبسطها إلا هو سبحانه { إِنَّ فِي ذظ°لِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي إنَّ فيما ذُكر لآيات ظاهرة، وعلامات باهرة على وحدانيته تعالى لقوم يصدَّقون بما جاءت به رسل الله { وَظ±للَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } هذا تعداد لنعم الله على العباد أي جعل لكم هذه البيوت من الحجر والمدر لتسكنوا فيها أيام مُقامكم في أوطانكم { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ظ±لأَنْعَامِ بُيُوتاً } أي وجعل لكم بيوتاً أُخرى وهي الخيام والقُباب المتخذة من الشعر والصوف والوبَر { تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } أي تستخفون حملها ونقلها في أسفاركم، وهي خفيفةٌ عليكم في أوقات السفر والحضَر { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً } أي وجعل لكم من صوف الغنم، ووبر الإِبل، وشعر المعز ما تلبسون وتفرشون به بيوتكم { وَمَتَاعاً إِلَىظ° حِينٍ } أي تنتفعون وتتمتعون بها إلى حين الموت { وَظ±للَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً } أي جعل لكم من الشجر والجبل والأبنية وغيرها ظلالاً تتقون بها حرُّ الشمس { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ظ±لْجِبَالِ أَكْنَاناً } أي وجعل لكم في الجبال مواضع تسكنون فيها كالكهوف والحصون قال الرازي: لما كانت بلادُ العرب شديدة الحر، وحاجتهم إلى الظل ودفع الحر شديدة، فلهذا ذكر تعالى هذه المعاني في معرض النعمة العظيمة { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ظ±لْحَرَّ } أي جعل لكم الثياب من القطن والصوف والكتان لتحفظكم من الحر والبرد { وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } أي ودروعاً تشبه الثياب تتقون بها شر أعدائكم في الحرب { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } أي مثل ما خلق هذه الأشياء لكم وأنعم بها عليكم فإِنه يُتم نعمة الدنيا والدين عليكم { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } أي لتخلصوا للهِ الربوبية، وتعلموا أنه لا يقدر على هذه الإِنعامات أحدٌ سواه { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ظ±لْبَلاَغُ ظ±لْمُبِينُ } أي فإِن أعرضوا عن الإِيمان ولم يؤمنوا بما جئتهم به يا محمد فلا ضرر عليك لأن وظيفتك التبليغ وقد بلَّغت الرسالة وأديت الأمانة { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ظ±للَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } أي يعرف هؤلاء المشركون نِعَم الله التي أنعم بها عليهم، ويعترفون بأنها من عند الله ثم ينكرونها بعبادتهم غير المنعم وقال السُّدي: نعمةُ الله هي محمد صلى الله عليه وسلم عرفوا نبوته، ثم جحدوها وكذّبوه { وَأَكْثَرُهُمُ ظ±لْكَافِرُونَ } أي أكثرهم يموتون كفاراً وفيه إشارة إلى أن بعضهم يهتدي للإِسلام وأما أكثرهم فمصرّون على الكفر والضلال { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } أي ويوم القيامة نحشر الخلائق للحساب ونبعث في كل أمة نبيَّها يشهد عليها بالإِيمان والكفر { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي لا يُؤذن للذين كفروا في الاعتذار لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي لا يُطلب منهم أن يسترضوا ربَّهم بقولٍ أو عمل، فقد فات أوان العتاب والاسترضاء، وجاء وقت الحساب والعقاب قال القرطبي: العُتبى هي رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب، وأصل الكلمة من العتب وهي الموجدة فإِذا وجد عليه يقال: عَتَب، وإِذا رجع إلى مسرَّتك فقد أعتب { وَإِذَا رَأى ظ±لَّذِينَ ظَلَمُواْ ظ±لْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ } أي وإِذا رأى المشركون عذاب جهنم فلا يُفتَّر عنهم ساعة واحدة { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي لا يُؤخرون ولا يُمهلون { وَإِذَا رَأى ظ±لَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } أي وإِذا أبصر المشركون شركاءهم الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ويزعمون أنهم شركاء الله في الألوهية { قَالُواْ رَبَّنَا هَـظ°ؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ظ±لَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ } أي هؤلاء الذين عبدناهم من دونك قال البيضاوي: وهذا اعترافٌ بأنهم كانوا مخطئين في ذلك والتماس لتخفيف العذاب { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ظ±لْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } أي أجابوهم بالتكذيب فيما قالوا في تقرير وتوكيد، وذلك مما يوجب زيادة الغم والحسرة في قلوبهم { وَأَلْقَوْاْ إِلَىظ° ظ±للَّهِ يَوْمَئِذٍ ظ±لسَّلَمَ } أي استسلم أولئك الظالمون لحكم الله تعالى بعد الإِباء والاستكبار في الدنيا { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي بطل ما كانوا يؤملون من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، ثم أخبر تعالى عن مآلهم بعد أن أخبر عن حالهم فقال { ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ظ±للَّهِ } أي كفروا بالله ومنعوا الناس عن الدخول في دين الإِسلام { زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ظ±لْعَذَابِ } أي زدناهم عذاباً في جهنم فوق عذاب الكفر، لأنهم ارتكبوا جريمة صدّ الناس عن الهدى فوق جريمة الكفر، فضوعف لهم العذاب جزاءً وفاقاً { بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } أي بسبب إِفسادهم في الدنيا بالكفر والمعصية { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } أي اذكر للناس ذلك اليوم وهوْله حين نبعث في كل أمةٍ نبيَّها ليشهد علينا { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىظ° هَـظ°ؤُلآءِ } أي وجئنا بك يا محمد شهيداً على أمتك { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ظ±لْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ } أي ونزَّلنا عليك القرآن المنير بياناً شافياً بليغاً لكل ما يحتاج الناس إليه من أمور الدين فلا حجة لهم ولا معذرة قال ابن مسعود: قد بُيّن لنا في هذا القرآن كلُّ علمٍ، وكل شيء { وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىظ° لِلْمُسْلِمِينَ } أي هداية للقلوب، ورحمة للعباد، وبشارةً للمسلمين المهتدين { إِنَّ ظ±للَّهَ يَأْمُرُ بِظ±لْعَدْلِ وَظ±لإحْسَانِ } أي يأمر بمكارم الأخلاق بالعدل بين الناس، والإِحسان إلى جميع الخلق { وَإِيتَآءِ ذِي ظ±لْقُرْبَىظ° } أي مواساة الأقرباء، وخصَّه بالذكر اهتماماً به { وَيَنْهَىظ° عَنِ ظ±لْفَحْشَاءِ وَظ±لْمُنْكَرِ وَظ±لْبَغْيِ } أي ينهى عن كل قبيح من قولٍ، أو فعلٍ، أو عملٍ قال ابن مسعود: هذه أجمعُ آيةٍ في القرآن لخيرٍ يُمتثل، ولشرٍ يُجتنب والفحشاء كل ما تناهى قبحه كالزنى والشرك، والمنكر كل ما تنكره الفطرة، والبغي هو الظلم وتجاوز الحق والعدل { يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي يؤدبكم بما شرع من الأمر والنهي لتتعظوا بكلام الله.

البَلاَغة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من وجوه البيان والبديع ما يلي:

1- الاستعارة التمثيلية في { وَضَرَبَ ظ±للَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ.. } الآية تمثيلٌ للوثن بالأبكم الذي لا ينتفع منه بشيء أصلاً، مع القادر السميع البصير وشتان بين الرب والصنم.

2- التشبيه المرسل المجمل في { كَلَمْحِ ظ±لْبَصَرِ }.

3- الطباق بين { سِرّاً وَجَهْراً } وبين { يَعْرِفُونَ... يُنكِرُونَ } وبين { ظَعْنِكُمْ... إِقَامَتِكُمْ }.

4- الإِيجاز بالحذف في { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ظ±لْحَرَّ } أي والبرد حذف الثاني استغناءً بذكر الأول.

5- المقابلة اللطيفة { إِنَّ ظ±للَّهَ يَأْمُرُ بِظ±لْعَدْلِ وَظ±لإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ظ±لْقُرْبَىظ° وَيَنْهَىظ° عَنِ ظ±لْفَحْشَاءِ وَظ±لْمُنْكَرِ وَظ±لْبَغْيِ } أمر بثلاثة ونهى عن ثلاثة وهو من المحسنات البديعية.

6- ذكر الخاص بعد العام للاهتمام بشأنه { وَإِيتَآءِ ذِي ظ±لْقُرْبَىظ° } بعد لفظ الإِحسان الذي هو عام.

لطيفَة: ذكر " أن " أكثم بن صيفي " لما بلغه خبر الرسول صلى الله عليه وسلم انتدب رجلين فأتياه فقالا: من أنت؟ وما أنت؟ فقال أنا محمد بن عبد الله، وأنا رسول الله ثم تلا علينا هذه الآية { إِنَّ ظ±للَّهَ يَأْمُرُ بِظ±لْعَدْلِ وَظ±لإحْسَانِ.... } الآية فرجعا إلى أكثم فلما قرءا عليه الآية قال: إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن مساوئها، فكونوا في هذا الأمر رؤساء، ولا تكونوا فيه أذناباً ".






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-12-02, 13:27 رقم المشاركة : 5
أم علاء وعمر
المديرة القانـونية
 
الصورة الرمزية أم علاء وعمر

 

إحصائية العضو








أم علاء وعمر غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

وسام المنظم للمسابقة الرمضانية الكبرى

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

أم القمرين

المرتبة الثالثة

المرتبة الثانية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المشارك مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المطبخ المرتبة 3

افتراضي رد: تفسير سورة النحل





التوقيع


اللهم بارك لي في أولادي ووفقهم لطاعتك واهديهم وخذ بأيديهم إليك
وارزقهم النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة وأولاد المسلمين أجمعين
ربي أرزق ذريتي صحبة الأخياروخصال الأطهار وتوكل الأطيار
ربي بلغني فيهم غاية أمالي ومناي وارزقني برهم بحولك وقوتك
ربي متعني ببرهم في حياتي وأسعدني بدعائهم بعد مماتي









    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 08:11 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd