منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

نظرة الإسلام إلى الجسد الإنساني

يعبر المؤلف عن انبهاره بحرية تناول الحياة الجنسية في الإسلام لأنه دين شامل يشجع المؤمنين على المعرفة العميقة بالحياة

http://archive.aawsat.com/2002/08/18...oks.118831.jpg

كمبريدج:

«الشرق الاوسط» *

في الثقافة الإسلامية تلعب الثنائيات المتقابلة، وليس شرطاً المتعارضة دوماً، مثل التقسيمات «ذكر وأنثى»، «طهارة ونجاسة» و«خاص وعام» دورا كبيرا في الحياة اليومية للمجتمعات العربية والاسلامية.

وكثير منا بالتأكيد يذكر ما كان لتلك التقسيمات من تأثير كبير على تصرفاتنا الاجتماعية وتشكيل شخصياتنا وعاداتنا.

وغالبية الأفراد في المجتعات المسلمة في هذه الأيام ينشأون في بيئات معتدلة، صارت تنظر إلى هذه الثنائيات نظرة متوازنة، حيث يدركون منذ سن مبكرة بأن الرجال والنساء متساوون من ناحية خلقهم، وأن الفرق بين الذكورة والانوثة يرتبط باختلافهما في القوة البدنية، وأن المهم في نهاية الأمر هو الخلق القويم والتقوى.

وفي الكتاب الذي بين أيدينا إطلالة مثيرة على جانب من تلك الثنائيات، وهو خلاصة أبحاث فؤاد خوري الذي يعد من الباحثين البارزين الذين كتبوا بغزارة حول موضوعات متعلقة بالثقافة والمجتمع العربي.

وهو يحاول هنا في كتاب «الجسد والثقافة الاسلامية» دراسة مفهوم الجسد من جانبين، اولهما من خلال التركيز على كيفية نظر الاسلام الى الجسد ومعانيه وصوره، وكيف يؤثر ذلك على الممارسات الدينية والمنزلة الاجتماعية بين الناس،

وثانيهما تسليط الضوء على الايحاءات الجسدية وكيفية تفسيرها من جهة سلوكية.

ويتطرق الكتاب الى أن مفهوم الطهارة يرد نحو 12 مرة في القرآن بينما لا يذكر مفهوم النجاسة الا مرة واحدة.

وبينما اعتبرت الطهارة متطلبا أساسيا للوقوف بين يدي الله، فان النجاسة تؤكد على الخسة والوضاعة. الى جانب ذلك، ذكرت النجاسة في القرآن بمعان ثلاثة مختلفة، ولكنها متصلة ببعضها البعض هي نجس ورجس ورجز.

وهذا تأكيد واضح على مدى دقة الاسلام في التعاطي مع مفهومي الطهارة والنجاسة. علاوة على ذلك، فانه يسلم بأن اعتبار المخلوقات والاشياء طاهرة او نجسة في ذاتها يستند الى تكوينها.

وهذا يتباين مع المسيحية التي نظرت الى مفهوم الطهارة والنجاسة بارتكاب الفواحش وبهذا فانها حصرت النجاسة في اعمال الانسان فقط.

وتنفذ رمزية الجسد في الثقافة العربية الاسلامية الى كل زاوية من زوايا السلوكيات الاجتماعية، بما فيها الدين، والعادات الثقافية واشكال التصرفات المختلفة. كما ان حالة الجسد تعتبر مقياسا اجتماعيا لمدى التدين والوضع الاجتماعي وآداب المرء واخلاقه وخلفيته وسمعته في المجتمع.

ومن جهة أيديولوجية، فان للجسد تأثير كبير على التفاعل اليومي بين الناس.

وكما يعد الجسد في الاسلام مصدرا يجلب العار على صاحبه في بعض الحالات، فانه يستخدم كوسيلة للتعبير عما يجول في الخواطر من المسكوت عنه.

وبينما تحجم نخبة المجتمع الا نادرا عن استخدام الاشارات البدنية كوسيلة للتعبير عن الايجاب او النفي، فان غيرها من طبقات المجتمع تستعين بايماءات وحركات الجسد في التعبير والتفاعل.

ولا يفوت الكاتب التعريج على الشائع في الحضارة الاسلامية من عدم رسم او تصوير الجسد، وهذا ما جعل الفنون الاسلامية تركز على فن الخط والزخارف الهندسية بدل تصوير جسم الانسان. كما أن المكان الذي نختاره عند الجلوس في مكان و هيئة جلوسنا فيه تحدد مكانتنا ومزاجنا وتصرفاتنا. فعندما ندلف الى غرفة كبيرة تمتلئ بالناس، مثلا، فاننا نقف لبرهة من الوقت نستطلع وجوه من حولنا ثم نتجه سريعا صوب من نعتقد ان صحبتهم تحسن من صورتنا الشخصية، ونبتعد عمن نحسب انهم يضفون ظلالا سلبية على سمعتنا. وعادة ما يحتل المتنفذون والمتمتعون بالسلطة والقوة من الرجال والنساء صدر الغرفة. وهنا فان صدر الغرفة ليس نقطة محددة بل هي تتحدد بموضع جلوس صاحب السلطة والشأن فيها.

ويوضح ابن كثير في «تفسير القرآن الكريم» ان الرسول الكريم اعتاد على اختيار موضع جلوسه بشكل عشوائي وفي اي موضع يحل به، ولكنه أينما جلس تتحول تلك الرقعة الى صدر الغرفة، فالصديق يجلس عن يمينه وعمر عن شماله، اما امامه فكان من نصيب عثمان وعلي لانهما كانا يكتبان ما يتنزل به الوحي.

ويعبر المؤلف عن انبهاره بحرية التعبير واستكشاف الحياة الجنسية والنشاط الجنسي في الاسلام.

ولان الاسلام دين شامل فانه يشجع المؤمنين على المعرفة العميقة بالحياة، لهذا فاننا نجد كبار العلماء عالجوا بالكتابة والنشر قضايا حساسة للغاية.

واورد الكتاب أربعة اسباب تفسر تلك الصراحة اولها طبيعة الاسلام الشمولية، وثانيها مكانة التشريع المهمة في الدين، وثالثها ضم التاريخ والعادات الى نسيج الدين، ورابعها تعريف الجسد كمصدر لجلب العار او نبع طهارة.

كما عبر المؤلف عن دهشته من عدم معالجة المسيحية للامور الجنسية مقابل صراحة النقاشات الاسلامية المتعلقة بهذه الامور وعدم التحفظ في تناولها. وينعكس هذا الغياب على حياة المسيح كما رواها العهد الجديد. ورغم اعتقاد معظم الكنائس المسيحية بأن للمسيح طبيعتين، بشرية وإلهية، فان العهد الجديد لا يتناول حياته كبشر، وهذا ما حمل المسيحيين في الغرب على معالجة هذا الموضوع ضمن مناهجهم المدرسية لاعتقادهم بانها جزء مهم من التوجيه الصحي.

يخرج القارئ من مطالعة هذا الكتاب متمنيا لو ان خوري تناول بعمق أكبر انتشار المعايير المزدوجة على الثقافة العربية الاسلامية.

ورغم تعرضه للتفرقة بين الرجال والنساء فانه ركز الحديث هنا حول القيود المفروضة على المرأة او استغلال الرجل للنشاط الجنسي. وكان ينبغي للحديث هنا ان يعكس سوء فهم التعاليم الاسلامية، او الحد الذي يفرق بين ما هو ثقافي وما هو ديني.

فكثير مما ينسب إلى الإسلام من ممارسات وسلوكيات هي في واقع الأمر بعيدة عنه ومرتبطة أكثر بالموروث الثقافي والتقليدي في هذا المجتمع أو ذاك.

كما تغيب عن معالجة خوري أية إطلالات على هذا الموضوع في الثقافات الإسلامية المختلفة جغرافياً. فمثلاً كيف هي رؤية مسلمي آسيا، أو آسيا الوسطى، أو افريقيا السوداء المسلمين للموضوعات التي تطرق إليها، وكيف تلتقي أو تفترق مع الخلاصات التي وصل إليها وجلها مبنية على ثقافة أهل الشرق، أو العرب المسلمين تحديداً.

* الجسد والثقافة الاسلامية
* المؤلف: فؤاد خوري
* الناشر: دار الساقي