وجهة نظر: عندما تكون الوزارة المُهِينَ الأول لرجل التعليم!
— 16 أبريل, 2015
مصطفى السباعي
في لقاء عابر على رصيف مقهى بمدينة بنسليمان رفقة رجال تعليم تسارع الحديث عن مواضيع سياسية ذات طابع وطني ليستقر فجأة عند اختلالات المنظومة التربوية والتعليمية بالمغرب، وأثيرت قضية إهانة رجال ونساء التعليم في عقر دارهم: الفصول الدراسية. سردنا أشكال وأنواع ومراتب وأصناف وألوان وأوزان العقاب النفسي والجسدي الذي يتعرض له أصحاب أنبل مهنة في التاريخ داخل أهم فضاء لبناء المجتمع.
وفي خضم النقاش تطرق أحد الأساتذة لما اعتبره أسوأ إهانة لرجل التعليم، وهي الخريطة المدرسية التي تضرب عرض الحائط عمل الأستاذ من مبتدئه حتى خبره. وطُرح السؤال لماذا لا تحترم الدولة القرار التربوي للأستاذ؟
وبحثا عن جواب لهذا السؤال تمت العودة إلى النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية (تحيين أكتوبر 2007) الذي فاجأنا صراحة بخلوه من أي مقتضى ينص أو يؤشر على احترام مهمة الأستاذ داخل الفصل، ذلك أن المواد 15 و21 و 26 من هذا النظام لخصت عمل الأستاذ في القيام بمهام التربية والتدريس مع إمكانية التكليف بمهام الإدارة التربوية، إضافة إلى عملية تصحيح الامتحانات التعليمية المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية.
والواضح أن هذه المواد خالية تماما من التنصيص على دور الأستاذ في التقييم والتقويم، وبالتالي تجريده بقوة القانون من اتخاذ قرار نجاح أو رسوب التلميذ.
وتعتبر الخريطة المدرسية أكبر وأسوأ إهانة لرجل التعليم ومصدر باقي الاهانات، إذ تهمشه في اتخاذ القرار التربوي في حق التلميذ، فقد كرس الميثاق الوطني للتربية والتكوين (حسب البرنامج الاستعجالي 2009-2012 الذي أصدرت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي تقريره التركيبي تحت عنوان: “جميعا من أجل مدرسة النجاح”) هذا التهميش عندما حدد الأهداف التالية للعملية التعليمية التعلمية: – وجوب بلوغ 90% من التلاميذ المسجلين بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي، نهاية التعليم الابتدائي، في أفق سنة 2005، (ونسطر على كلمة “وجوب” هنا).
– وجوب بلوغ 80% منهم نهاية سلك الثانوي الإعدادي في أفق سنة 2008.
– ينبغي أن ينهي 60% من التلاميذ المسجلين بالسنة الأولى من سلك التعليم الابتدائي دراستهم الثانوية في أفق سنة 2011، وينبغي أن يحصل 40% منهم على البكالوريا.
مما يعني أن التلميذ سواء تمكن من الكفايات المطلوبة خلال هذه السنوات أو لم يتمكن منها سوف يتدرج من مستوى لآخر ويراكم النجاحات المغشوشة رغما عن أنف أستاذه.
وقد رسخت الدولة هذا التوجه وأمعنت في إهانة الأستاذ عندما قررت تقليص الهدر المدرسي والفشل الدراسي للتلاميذ في التعليم الابتدائي بتحقيق نسبة استكمال التمدرس في الابتدائي بدون تكرار، خلال الموسم الحالي 2014-2015، تصل إلى 90% بالنسبة لتلاميذ فوج 2009-2010.
وفي الثانوي الإعدادي بتحقيق نسبة استكمال التمدرس في الإعدادي، خلال موسم 2017-2018، تصل إلى 80% بالنسبة لتلاميذ فوج 2009-2010.
وجلي أن الدولة تواجه الهدر المدرسي والفشل الدراسي بالإنجاح القسري الجماعي للتلاميذ دون احتكام للكفاءة ولا لمدى التمكن من الكفايات المطلوبة.
ومن “الدعابات” التي يروح بها بعض رجال التعليم عن نفوسهم في لقاءاتهم العابرة على أرصفة المقاهي، تنافس الكثير من مدراء المؤسسات التعليمية الابتدائية في تحقيق أكبر نسبة نجاح ليضرب بهم المثل في كل اجتماع آخر السنة على الصعيد المحلي، مما يدفعهم لطلب تدوين أجوبة الامتحان الاشهادي للمستوى السادس على السبورة. وكلما نوه نائب إقليمي بمدرسة ما، كتم مدراء المدارس الأخرى قهقهاتهم معتبرين ذلك مؤشرا على كون أساتذة المدارس الأخرى كسالى إذ لم يمكنوا تلامذتهم من الأجوبة الصحيحة.
هذا غيض من فيض هموم قطاع التعليم كما يقال، ويبقى السؤال حارقا: من يقوم بتقييم أداء التلميذ ويقومه؟
وكل موسم دراسي ورجال ونساء التعليم يراكمون الاهانات والتلاميذ يراكمون النجاحات المغشوشة.