الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2016-08-04, 21:05 رقم المشاركة : 6
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف


[size="6"]{ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىظ° يُوسُفَ آوَىغ¤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيغ¤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ظ±لسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ظ±لْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ظ±لْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } * { قَالُواْ تَظ±للَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ظ±لأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } * { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } * { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذظ°لِكَ نَجْزِي ظ±لظَّالِمِينَ } * { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ظ±سْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذظ°لِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ظ±لْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ظ±للَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } * { قَالُوغ¤اْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَظ±للَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ } * { قَالُواْ يظ°أَيُّهَا ظ±لْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ظ±لْمُحْسِنِينَ } * { قَالَ مَعَاذَ ظ±للَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ } * { فَلَمَّا ظ±سْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوغ¤اْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ظ±للَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ظ±لأَرْضَ حَتَّىظ° يَأْذَنَ لِيغ¤ أَبِيغ¤ أَوْ يَحْكُمَ ظ±للَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ظ±لْحَاكِمِينَ } * { ظ±رْجِعُوغ¤اْ إِلَىظ° أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يظ°أَبَانَا إِنَّ ظ±بْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } * { وَسْئَلِ ظ±لْقَرْيَةَ ظ±لَّتِي كُنَّا فِيهَا وَظ±لْعِيْرَ ظ±لَّتِيغ¤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ظ±للَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ظ±لْعَلِيمُ ظ±لْحَكِيمُ } * { وَتَوَلَّىظ° عَنْهُمْ وَقَالَ يَظ°أَسَفَىظ° عَلَى يُوسُفَ وَظ±بْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ظ±لْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } * { قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىظ° تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ظ±لْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ظ±للَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ظ±للَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { يظ°بَنِيَّ ظ±ذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ظ±للَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ظ±للَّهِ إِلاَّ ظ±لْقَوْمُ ظ±لْكَافِرُونَ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يظ°أَيُّهَا ظ±لْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ظ±لضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ظ±لْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ظ±للَّهَ يَجْزِي ظ±لْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوغ¤اْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـظ°ذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ظ±للَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ظ±للَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ظ±لْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَظ±للَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ظ±للَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ظ±لْيَوْمَ يَغْفِرُ ظ±للَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ظ±لرَّاحِمِينَ } * { ظ±ذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـظ°ذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىظ° وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }


المنَاسَبَة:

تتحدث الآيات عن مجيء إخوة يوسف للمرة الثانية إلى مصر ومعهم " بنيامين " الأخ الشقيق ليوسف، وما كان من شأنه حين ظهر الصواع في رحله، فاحتجزه يوسف عنده بحكم شريعة يعقوب، ثم ما كان من تمام المحنة على يعقوب عليه السلام بفقد ولديه حتى ذهب الحزن ببصره.

اللغَة.
{ تَبْتَئِسْ } تحزن { ظ±لْعِيرُ } الإِبل التي عليها الأحمال ثم كثر الاستعمال حتى قيل لكل قافلة عيرٌ { صُوَاعَ } الصُواع: الصاع الذي يكال به يُذكَّر ويؤنَّث وهو السقاية { زَعِيمٌ } كفيل { سَوَّلَتْ } زيَّنت وسهَّلت { كَظِيمٌ } ممتلئ من الحزن يكتمه ولا يبديه { تَفْتَؤُاْ } لا تفتأ ولا تزال من أخوات كان الناقصة { حَرَضاً } الحَرَض: المَرَض الذي يُشْفي على الهلاك قال الشاعر:
سَرَى همِّي فأَمْرضني وقِدْماً زَادَنِي مَرَضاً
كذاك الحُبُّ قبلَ اليَو مِ ممّا يُورِثُ الحَرَضا
وأصل الحَرَض الفساد في الجسم أو العقل { بَثِّي } البثُّ: أشد الغمّ والهمّ { فَتَحَسَّسُواْ } التحسُّسُ: طلب الشيء بالحواس، والتعرُّفُ عليه مع الاستقصاء الدقيق ويستعمل في الخير كما أن التجسُّس يستعمل في الشر، وقيل يستعمل في الخير والشر { لاَ تَثْرِيبَ } التثريبُ: التأنيب والتوبيخ.

التفسِير:
{ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىظ° يُوسُفَ } أي وحين دخل أولاد يعقوب على يوسف { آوَىغ¤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } أي ضمَّ إليه أخاه الشقيق بنيامين { قَالَ إِنِّيغ¤ أَنَاْ أَخُوكَ } أي أنا أخوك يوسف، أخبره بذلك واستكتمه { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي لا تحزنْ بما فعلوا بنا فيما مضى فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا بخير قال المفسرون: لما دخل إخوة يوسف عليه أكرمهم وأحسن ضيافتهم ثم أنزل كل اثنين في بيت وبقي " بنيامين " وحيداً فقال: هذا لا ثاني له فيكون معي، فبات يوسف يضمه إليه ويعانقه، وقال له: أنا أخوك يوسف فلا تحزن بما صنعوا، ثم أعلمه أنه سيحتال لإِبقائه عنده وأمره أن يكتم الخبر { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } أي ولمّا قضى حاجتهم وحمَّل إبلهم بالطعام والميرة { جَعَلَ ظ±لسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ } أي أمر يوسف بأن تُجعل السقاية - وهي صاعٌ من ذهب مرصَّعٌ بالجواهر - في متاع أخيه بنيامين { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } أي نادى منادٍ { أَيَّتُهَا ظ±لْعِيرُ } أي يا أصحاب الإِبل ويا أيها الركب المسافرون { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } أي أنتم قوم سارقون، وإنما استحل أن يرميهم بالسرقة لما في ذلك من المصلحة من إمساك أخيه { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ }؟ قال المفسرون: لما وصل المنادون إليهم قالوا: ألم نكرمكم ونحسن ضيافتكم؟ ونوفّ إليكم الكيل؟ ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم؟ قالوا: بلى وما ذاك؟ قالوا: فقدنا سقاية الملك ولا نتّهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى: { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } أي التفتوا إليهم وسألوهم ماذا ضاع منكم وماذا فُقد؟ وفي قولهم { مَّاذَا تَفْقِدُونَ } بدل " ماذا سرَقْنا " إرشادٌ لهم إلى مراعاة حسن الأدب، وعدم المجازفة بنسبة البريئين إلى تهمة السرقة، ولهذا التزموا الأدب معهم فأجابوهم { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ظ±لْمَلِكِ } أي ضاع منا مكيال الملِك المُرصَّع بالجواهر { وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } أي ولمن جاءنا بالمكيال وردَّه إلينا حِمْلُ بعيرٍ من الطعام كجائزة له { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } أي أنا كفيلٌ وضامنٌ بذلك { قَالُواْ تَظ±للَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ظ±لأَرْضِ } قسمٌ فيه معنى التعجب أي قالوا متعجبين: والله لقد علمتم أيها القوم ما جئنا بقصد أن نفسد في أرضكم { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } أي ولسنا ممن يُوصف بالسرقة قطُّ لأننا أولاد أنبياء ولا نفعل مثل هذا الفعل القبيح قال البيضاوي: استَشْهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم من فرط أمانتهم، كردّ البضاعة التي جُعلت في رحالهم، وككمِّ أفواه الدواب لئلا تتناول زرعاً أو طعاماً لأحد { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } أي ما عقوبة السارق في شريعتكم إن كنتم كاذبين في ادعاء البراءة { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ } أي جزاء السارق الذي يوجد الصاع في متاعه أن يُسترقَّ ويصبح مملوكاً لمن سَرَق منه { كَذظ°لِكَ نَجْزِي ظ±لظَّالِمِينَ } أي كذلك نجازي من تعدَّى حدود الله بالسرقة وأمثالها، وهذا القول منهم هو الحكم في شريعة يعقوب وقد نسخ بقطع الأيدي في الشريعة الإِسلامية { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } أي بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين قال المفسرون: هذا من تمام الحيلة ودفع التهمة فإنهم لما ادعوا البراءة قال لهم: لا بدَّ من تفتيش أوعيتكم واحداً واحداً فانطلقوا بهم إلى يوسف فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء " بنيامين " قال قتادة: ذُكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً ولا ينظر وعاءً إلا استغفر الله مما قذفهم به، حتى بقي أخوه - وكان أصغرَ القوم فقال: ما أظنُّ هذا أخذ شيئاً فقالوا: والله لا نتركُك حتى تنظر في رَحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا، فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع فيه فذلك قوله تعالى { ثُمَّ ظ±سْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ } أي استخرج الصواع من متاع أخيه بنيامين، فلما أخرجها منه نكَّس الإِخوةُ رءوسَهم من الحياء، وأقبلوا عليه يلومونه ويقولون له فضحتنا وسوَّدت وجوهنا يا ابن راحيل { كَذظ°لِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } أي كذلك صنعنا ودبرنا ليوسف وألهمناه الحيلة ليستبقي أخاه عنده { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ظ±لْمَلِكِ } أي ما كان ليوسف أن يأخذ أخاه في دين ملك مصر، لأن جزاء السارق عنده أن يُضرب ويُغرَّم ضعفَ ما سَرَق { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ظ±للَّهُ } أي إلا بمشيئته تعالى وإذنه، وقد دلّت الآية على أن تلك الحيلة كانت بتعليم الله وإلهامه له { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } أي نرفع بالعلم منازل من نشاء من عبادنا كما رفعنا يوسف { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } أي فوق كل عالمٍ من هو أعلم منه حتى ينتهي إلى ذي العلم البالغ وهو ربُّ العالمين قال الحسن: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم حتى ينتهي العلم إلى الله وقال ابن عباس: الله العليم الخبير فوق كل عالم { قَالُوغ¤اْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } أي إن سرق فقد سرق أخوه الشقيق من قبله يعنون يوسف، تنصّلوا من السرقة ورموا بها يوسف وأخاه { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } أي أخفى تلك القولة في نفسه وكتمها ولم يُظهرها لإِخوته تلطفاً معهم { قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } أي أنتم شرٌ منزلةًً حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البريء، ولم يواجههم بهذا الكلام وإنما قاله في نفسه { وَظ±للَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } أي أعلم بما تتقوّلوا وتفترون { قَالُواْ يظ°أَيُّهَا ظ±لْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً } استرحامٌ واستعطافٌ أي قالوا مستعطفين يا أيها السيد المبجَّل إنَّ أباه شيخ كبير في السِّن لا يكاد يستطيع فراقه { فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ } أي خذْ بدله واحداً منا فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ظ±لْمُحْسِنِينَ } أي أتممْ إحسانك علينا فقد عودتنا الجميل والإِحسان { قَالَ مَعَاذَ ظ±للَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ } أي نعوذ بالله من أن نأخذ أحداً بجرم غيره { إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ } أي نكون ظالمين إن فعلنا ذلك قال الألوسي: والتعبير بقوله { مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ } بدل " من سَرَقَ " لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب { فَلَمَّا ظ±سْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً } أي ولما يئسوا من إجابة طلبهم يأساً تاماً، وعرفوا أن لا جدوى من الرجاء، اعتزلوا جانباً عن الناس يتناجون ويتشاورون { قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوغ¤اْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ظ±للَّهِ } أي قال أكبرهم سناً وهو " روبيل " أليس قد أعطيتم أباكم عهداً وثيقاً بردِّ أخيكم؟ { وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ } أي ومن قبل هذا ألا تذكرون تفريطكم في يوسف؟ فكيف ترجعون إليه الآن؟ { فَلَنْ أَبْرَحَ ظ±لأَرْضَ حَتَّىظ° يَأْذَنَ لِيغ¤ أَبِيغ¤ } أي فلن أفارق أرض مصر حتى يسمح لي أبي بالخروج منها { أَوْ يَحْكُمَ ظ±للَّهُ لِي } أي يحكم لي بخلاص أخي { وَهُوَ خَيْرُ ظ±لْحَاكِمِينَ } أي وهو سبحانه أعدل الحاكمين لأنه لا يحكم إلا بالعدل والحق { ظ±رْجِعُوغ¤اْ إِلَىظ° أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يظ°أَبَانَا إِنَّ ظ±بْنَكَ سَرَقَ } أي ارجعوا إلى أبيكم فأخبروه بحقيقة ما جرى وقولوا له إن ابنك بنيامين سَرَق { وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } أي ولسنا نشهد إلا بما تيقنا وعلمنا فقد رأينا الصاع في رَحْله { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } أي ما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق { وَسْئَلِ ظ±لْقَرْيَةَ ظ±لَّتِي كُنَّا فِيهَا } أي واسأل أهل مصر عن حقيقة ما حدث قال البيضاوي: أي أرسلْ إلى أهلها واسألهم عن القصة { وَظ±لّعِيْرَ ظ±لَّتِيغ¤ أَقْبَلْنَا فِيهَا } أي واسأل أيضاً القافلة التي جئنا معهم وهم قوم من كنعان كانوا بصحبتهم في هذه السفرة { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } أي صادقون فيما أخبرناك من أمره { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } أي زيَّنتْ وسهَّلت لكم أنفسكم أمراً ومكيدةً فنفذتموها، اتهمهم بالتآمر على " بنيامين " لما سبق منهم في أمر يوسف { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أي لا أجد سوى الصبر محتسباً أجري عند الله { عَسَى ظ±للَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } أي عسى أن يجمع الله شملي بهم، ويقرّ عيني برؤيتهم جميعاً { إِنَّهُ هُوَ ظ±لْعَلِيمُ ظ±لْحَكِيمُ } أي العالم بحالي الحكيم في تدبيره وتصريفه { وَتَوَلَّىظ° عَنْهُمْ } أي أعرض عن أولاده كراهة لما سمع منهم { وَقَالَ يَظ°أَسَفَىظ° عَلَى يُوسُفَ } أي يا لهفي ويا حسرتي وحزني على يوسف { وَظ±بْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ظ±لْحُزْنِ } أي فقد بصره وعشي من شدة البكاء حزناً على ولديه { فَهُوَ كَظِيمٌ } أي مملوء القلب كمداً وغيظاً ولكنه يكتم ذلك في نفسه، وهو مغموم ومكروب لتلك الداهية الدهياء قال أبو السعود: وإنما تأسف على يوسف مع أن الحادث مصيبة أخويه لأن ذكر يوسف كان آخذاً بمجامع قلبه لا ينساه ولأنه كان واثقاً بحياتهما طامعاً في إيابهما وأما يوسف فلم يكن في شأنه ما يحرك سلسلة رجائه سوى رحمة الله وفضله وقال الرازي: الحزن الجديد يقوّي الحزن القديم الكامن في النفس، والأسى يبعث الأسى ويثير الأحزان قال الشاعر: فقلت له إن الأسى يبعث الأسى فدعْني فهذا كله قبر مالك
{ قَالُواْ تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ } أي لا تفتأ ولا تزال تذكر يوسف وتتفجع عليه { حَتَّىظ° تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ظ±لْهَالِكِينَ } أي حتى تكون مريضاً مشرفاً على الهلاك أو تهلك أسىً وحسرة وتموت { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ظ±للَّهِ } أي قال لهم يعقوب: لستُ أشكو غميّ وحزني إليكم وإنما أشكو ذلك إلى الله فهو الذي تنفع الشكوى إليه { وَأَعْلَمُ مِنَ ظ±للَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أعلم من رحمته وإحسانه ما لا تعلمون أنتم فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ويأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب { يظ°بَنِيَّ ظ±ذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } أي اذهبوا إلى الموضع الذي جئتم منه فالتمسوا يوسف وتعرّفوا على خبره وخبر أخيه بحواسكم { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ظ±للَّهِ } أي لا تقنطوا من رحمة الله وفرجه وتنفيسه { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ظ±للَّهِ إِلاَّ ظ±لْقَوْمُ ظ±لْكَافِرُونَ } أي فإنه لا يقنط من رحمته تعالى إلا الجاحدون المنكرون لقدرته جلَّ وعلا { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يظ°أَيُّهَا ظ±لْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ظ±لضُّرُّ } في الكلام محذوف أي فخرجوا راجعين إلى مصر فدخلوا على يوسف فلما دخلوا قالوا يا أيها العزيز أصابنا وأهلنا الشدة من الجدب والقحط { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } أي وجئنا ببضاعة رديئة مدفوعة يدفعها كل تاجرٍ رغبة عنها واحتقاراً قال ابن عباس: كانت دراهمهم رديئة لا تقبل في ثمن الطعام، أظهروا له الذل والانكسار استرحاماً واستعطافاً { فَأَوْفِ لَنَا ظ±لْكَيْلَ } أي أتمم لنا الكيل ولا تنقصْه لرداءة بضاعتنا { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } أي بردّ أخينا إلينا أو بالمسامحة عن رداءة البضاعة { إِنَّ ظ±للَّهَ يَجْزِي ظ±لْمُتَصَدِّقِينَ } أي يثيب المحسنين أحسن الجزاء.
. ولما بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار أدركته الرأفة فباح لهم بما كان يكتمه من أمره { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ }؟ أي هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه حال شبابكم وطيشكم؟ والغرض تعظيم الواقعة كأنه يقول: ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وما أقبح ما أقدمتم عليه! قال أبو السعود: وإنما قاله نصحاً لهم، وتحريضاً على التوبة، وشفقةً عليهم { قَالُوغ¤اْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } أي قال إخوته متعجبين مستغربين: أأنت يوسف حقاً؟ { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـظ°ذَا أَخِي } أي قال: نعم أنا يوسف وهذا أخي الشقيق { قَدْ مَنَّ ظ±للَّهُ عَلَيْنَآ } أي منَّ علينا بالخلاص من البلاء، والاجتماع بعد الفرقة، والعزة بعد الذلة { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ } أي إنه من يتق الله فيراقبه ويصبر على البلايا والمحن { فَإِنَّ ظ±للَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ظ±لْمُحْسِنِينَ } أي لا يبطل أجرهم ولا يضيع إحسانهم بل يجزيهم عليه أوفى الجزاء قال البيضاوي: ووضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر { قَالُواْ تَظ±للَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ظ±للَّهُ عَلَيْنَا } اعترافٌ بالخطيئة وإقرار بالذنب أي والله لقد فضَّلك الله علينا بالتقوى والصبر، والعلم والحلم { وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } أي وحالُنا وشأننا أننا كنا مذنبين بصنيعنا الذي صنعنا بك، ولذلك أعزَّك الله وأذلنا، وأكرمك وأهاننا { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ظ±لْيَوْمَ } أي قال لهم يوسف: لا عتب عليكم اليوم ولا عقوبة بل أصفح وأعفو { يَغْفِرُ ظ±للَّهُ لَكُمْ } دعاءٌ لهم بالمغفرة وهذا زيادة تكريم منه لما فرط منهم { وَهُوَ أَرْحَمُ ظ±لرَّاحِمِينَ } أي هو جل وعلا المتفضل على التائب بالمغفرة والرحمة، أرحم بعباده من كل أحد { ظ±ذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـظ°ذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىظ° وَجْهِ أَبِي } قال الطبري: ذُكر أن يوسف لمّا عرَّف نفسه إخوته سألهم عن أبيهم فقالوا: ذهب بصره من الحزن فعند ذلك أعطاهم قميصه، وأراد يوسف تبشير أبيه بحياته، وإدخال السرور عليه بذلك { يَأْتِ بَصِيراً } أي يرجع إليه بصره { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } أي وجيئوني بجميع الأهل والذرية من أولاد يعقوب.

البَلاَغَة:

1- { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } فيه جناس الاشتقاق وكذلك في { أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ }.

2- { فَأَسَرَّهَا... وَلَمْ يُبْدِهَا } بينهما طباق.

3- { شَيْخاً كَبِيراً } فيه إطناب للاستعطاف.

4- { وَسْئَلِ ظ±لْقَرْيَةَ } مجاز مرسل علاقته المحلية.

5- { يَظ°أَسَفَىظ° عَلَى يُوسُفَ } بين لفظتي الأسف ويوسف جناس الاشتقاق.

6- { تَالله تَفْتَؤُاْ } إِيجاز بالحذف أي تالله لا تفتأ.

7- { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ظ±للَّهِ } فيه استعارة استعير الرَّوْح وهو تنسيم الريح التي يلذُّ شميمها ويطيب نسيمها، للفَرَج الذي يأتي بعد الكربة، واليُسر الذي يأتي بعد الشدة.

لطيفَة: ذكر القاضي عياض في كتابه " الشفا " أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ هذه الآية { فَلَمَّا ظ±سْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً } فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام. وذلك أن الآية ذكرت صفة اعتزالهم لجميع الناس، وانفرادهم من غيرهم، وتقليبهم الآراء ظهراً لبطن، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه، وما يوردون عليه من ذكر الحادث، فتضمنت تلك الآية القصيرة، معاني القصة الطويلة.
[/size]






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2016-08-11, 11:36 رقم المشاركة : 7
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف


[color="red"]* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق [/color]


{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } * { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } * { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } * { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } * { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } * { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }


المنَاسَبَة:
تتحدث الآيات عن مجيء أسرة يعقوب بأسرهم إلى مصر، ودخولهم على يوسف وهو في عز السلطان وعظمة الملك، وتحقيق الرؤيا بسجود إخوته الأحد عشر له مع أبيه وأمه، واجتماع الشمل بعد الفرقة، وحلول الأنس بعد الكدر، ثم تختم السورة الكريمة بتوجيه الأنظار إلى عجائب الكون الدالة على القدرة والوحدانية، وما في قصص القرآن من العبر والعظات { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }!!.

اللغَة:
{ تُفَنِّدُونِ } تنسبوني إلى الخَرَف قال الأصمعي: إذا كَثُر كلام الرجل من خَرَف فهو المفند وقال الزمخشري: التفنيد النسبة إلى الفَنَد وهو الخَرَف وإنكار العقل من هرم يقال: شيخ مُفند ولا يقال عجوز مُفْندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفند في كبرها { ضَلاَلِكَ } ذهابك عن الصواب { ٱلْبَدْوِ } البادية { نَّزغَ } أفسد وأغوى وأصله من نزغ الراكب الدابة إذا نخسها ليحملها على الجري { فَاطِرَ } مبدع ومخترع وأصله من فطر إذا شقَّ ثم صار عبارة عن الخلق والإِيجاد { غَاشِيَةٌ } عذاب يغشاهم { بَغْتَةً } فجأة { بَأْسُنَا } عذابنا { عِبْرَةٌ } عظة وتذكرة.

التفسِير:

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام { قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } أي قال يعقوب لمن حضر من قرابته إني لأشمّ رائحة يوسف قال ابن عباس: هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف وبينهما مسيرة ثمان ليال { لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } أي تسفهوني وتنسبوني إلى الخَرَف وهو ذهاب العقل وجواب { لَوْلاَ } محذوف تقديره لأخبرتكم أنه حيٌّ { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } أي قال حفدته ومن عنده: والله إنك لفي خطأ وذهاب عن طريق الصواب قديم، بإفراطك في محبة يوسف، ولهجك بذكره، ورجائك للقائه قال المفسرون: وإنما قالوا ذلك لاعتقادهم أن يوسف قد مات { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ } أي فلما جاء المبشر بالخبر السارّ قال مجاهد: كان البشير أخاه يهوذا الذي حمل قميص الدم فقال: أُفرحه كما أحزنته { أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي طرح البشير القميص على وجه يعقوب { فَٱرْتَدَّ بَصِيراً } أي عاد بصيراً لما حدث له من السرور والانتعاش { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي قال يعقوب لأبنائه: ألم أخبركم بأني أعلم ما لا تعلمونه من حياة يوسف وأن الله سيرده عليَّ لتتحقق الرؤيا؟ قال المفسرون: ذكّرهم بقوله
{ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
[يوسف: 86] روي أنه سأل البشير كيف يوسف؟ فقال: هو ملك مصر، قال ما أصنع بالملك! على أيّ دين تركتَه؟ قال: على دين الإِسلام، قال: الآن تمَّت النعمة { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ } طلب أبناؤه أن يستغفر لهم لما فرط منهم ثم اعترفوا بخطأهم بقولهم { إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } أي مخطئين فيما ارتكبنا مع يوسف { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } وعدهم بالاستغفار قال المفسرون: أخَّر ذلك إلى السَّحَر ليكون أقرب إلى الإِجابة وقيل: أخرَّهم إلى يوم الجمعة ليتحرى ساعة الإِجابة { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أي الساتر للذنوب الرحيم بالعباد { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } أي فلما دخل يعقوب وأبناؤه وأهلوهم على يوسف ضمَّ إليه أبويه واعتنقهما { وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } أي ادخلوا بلدة مصر آمنين من كل مكروه، وإنما قال { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } تبركاً وتيمناً { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي أجلسهما على سرير الملك بجانبه { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } أي سجد له أبوه وأمه وإخوته حين دخولهم عليه قال المفسرون: كان السجود عندهم تحية وكرامة لا عبادة { وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } أي هذا تفسير الرؤيا التي رأيتها في منامي وأنا صغير { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } أي صدقاً حيث وقعت كما رأيتها في النوم { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } أي أنعم عليَّ بإخراجي من السجن قال المفسرون: ولم يذكر قصة الجب تكرماً منه لئلا يُخْجل إخوته ويذكّرهم صنيعهم بعد أن عفا عنهم { وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ } أي جاء بكم من البادية لأنهم كانوا أهل إبل وغنم ببادية فلسطين، ذكّرهم بنعمة الله على آل يعقوب حيث نقلهم من البادية إلى الحضر واجتمع شمل الأسرة بمصر قال الطبري: ذُكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم وهم أقل من مائة، وخرجوا منها يوم خرجوا وهم زيادة على ستمائة ألف { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } أي أفسد ما بيني وبين إخوتي بالإِغواء قال أبو حيان: وذكر هذا القدر من أمر إخوته لأن النعمة إذا جاءت إِثْر بلاءٍ وشدة كانت أحسن موقعاً { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ } أي لطيف التدبير يحقّق مشيئتَه بلطفٍ ودقةٍ خفية لا يحسها الناس ولا يشعرون بها { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } أي العليم بخلقه الحكيم في صنعه قال المفسرون: إن يعقوب عليه السلام أقام مع يوسف في مصر أربعاً وعشرين سنة ثم مات وكان قد أوصى أن يُدفن بالشام إلى جنب أبيه إسحاق، فمضى يوسف بنفسه ودفنه ثمَّة، ثم لما عاد إلى مصر عاش بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، فلما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم الخالد، واشتاق إلى لقاء الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق فقال { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ } أي أعطيتني العزَّ والجاه والسلطان، وذلك من نعمة الدنيا { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } أي علمتني تفسير الرؤيا، وذلك من نعمة العلم { فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي يا مبدع السماوات والأرض وخالقَهما على غير مثال سابق { أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ } أي أنت يا رب متولي أموري وشئوني في الدارين { تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } أي اقبضني إليك مسلماً، واجعل لحاقي بالصالحين، ابتهل إلى ربه أن يحفظ عليه إسلامه حتى يموت عليه، وإلى هنا تنتهي قصة يوسف الصدّيق، ثم يأتي التعقيب بعد ذلك بإقامة البرهان على صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ } أي ذلك الذي أخبرناك عنه يا محمد من أمر يوسف وقصته، من الأخبار المغيَّبة التي لم تكن تعلمها قبل الوحي، وإنما نُعلمك نحن بها على أبلغ وجه وأدق تصوير، ليظهر صدقُك في دعوى الرسالة { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } أي وما كنت حاضراً مع إخوة يوسف حين تآمروا على أخيهم وأجمعوا أمرهم على إلقائه في الجب وهم يحتالون ويمكرون به وبأبيه ليرسله معهم، فإنك يا محمد لم تشاهدهم حتى تقف على حقيقة القصة وإنما جاءتك بوحيٍ من العليم الخبير { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي ليس أكثر الخلق ولو حرصتَ على إيمانهم وبالغتَ في إرشادهم بمصدقين لك لتصميمهم على الكفر { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي وما تطلب منهم على هذا النصح، والدعاء إلى الخير والرشد أجرة حتى يثقل عليهم { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي ما هذا القرآن إلا عظة وتذكير للعالمين، وأنت لا تطلب في تلاوته عليهم مالاً، فلو كانوا عقلاء لقبلوا ولم يتمردوا { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي كم من الآيات والعلامات الدالة على وجود الله جل وعلا ووحدانيته، الكائنة في السماوات والأرض كالشمس والقمر والنجوم، والجبال والبحار والأشجار، وسائر ما فيهما من العجائب { يَمُرُّونَ عَلَيْهَا } أي يشاهدونها ليلَ نهار، ويمرون عليها بالعشي والإِبكار { وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } أي لا يفكرون فيها ولا يعتبرون، فلا تتعجب من إعراضهم عنك فإن إعراضهم عن هذه الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرته أغرب وأعجب { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } أي لا يؤمن أكثر هؤلاء المكذبين من قومك إلا إذا أشركوا مع الله غيره، فإنهم يقرّون بأن الله هو الخالق الرازق ويعبدون معه الأصنام قال ابن عباس: ومن ذلك قولهم في تلبيتهم: " لبَّيْك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك " { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } أفأمن هؤلاء المكذبون عقوبةً من عذاب الله تغشاهم وتشملهم؟ { أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي أو تأتيهم القيامة بأهوالها فجأة من حيث لا يشعرون ولا يتوقعون؟ والاستفهام إنكاري وفيه معنى التوبيخ { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } أي قل يا محمد هذه طريقي ومنهاجي واضحة مستقيمة لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } أي أدعو على عبادة الله وطاعته، على بيانٍ وحجة واضحة أنا ومن آمن بي { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي وأنزهه سبحانه عن الشركاء والأنداد، فأنا مؤمن موحِّد ولست من المشركين { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } إي وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً من البشر لا ملائكة من السماء قال الطبري: أي رجالاً لا نساءً ولا ملائكة نوحي إليهم آياتنا للدعاء إلى طاعتنا، والآية ردٌّ على من أنكر أن يكون النبي من البشر، أو زعم أن في النساء نبيات { مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } أي من أهل المُدن والأمصار لا من أهل البوادي قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجن قال المفسرون: وإنما كانوا من أهل الأمصار لأنهم أعلم وأحلم، وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء والقسوة { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض فينظروا نظر تفكر وتدبر ما حلَّ بالأمم السابقين ومصارع المكذبين فيعتبرون بذلك؟ والاستفهام للتوبيخ { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي الدار الآخرة خير للمؤمنين المتقين من هذه الدار التي ليس فيها قرار { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي أفلا تعقلون فتؤمنون!! { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ } أي يئس الرسل من إيمان قومهم { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } أي أيقن الرسل أن قومهم كذّبوهم { جَآءَهُمْ نَصْرُنَا } أي أتاهم النصر عند اشتداد الكرب، ففي اللحظة التي تستحكم فيها الشدة، ويأخذ فيها الكرب بالمخانق، ولا يبقى أملٌ في غير الله، في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً { فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ } أي فنجينا الرسل والمؤمنين بهم دون الكافرين { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي ولا يُردُّ عذابنا وبطشنا عن المجرمين إذا نزل بهم { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي لقد كان في قصة يوسف وإِخوته عظة وتذكرة لأولي العقول النيِّرة { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } أي ما كان هذا القرآن أخباراً تُروى أو أحاديث تختلق { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أي ولكن كان هذا القرآن مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية المنزّلة من قبل { وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ } أي تبيان كل ما يُحتاج إليه من أحكام الحلال والحرام، والشرائع والأحكام { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي وهداية من الضلالة ورحمة من العذاب لقوم يصدّقون به ويعملون بأوامره ونواهيه.

البَلاغَة:
1- { تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ } أكدوا كلامهم بالقسم وإنَّ واللام وهذا الضرب يسمى (إنكارياً) لتتابع أنواع المؤكدات.

2- { ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } جملة { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } دعائيةٌ جيء بها للتبرك وفي الآية تقديم وتأخير تقديره: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله.

3- { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } أبواه المراد به الأب والأم فهو من باب التغليب، والرفع مؤخر عن الخرور وإن تقدم لفظاً للاهتمام بتعظيمه لهما أي سجدوا له ثم أجلس أبويه على عرش الملك.

4- { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } جملة { وَلَوْ حَرَصْتَ } اعتراضية بين اسم { مَا } الحجازية وخبرها، وجيء بهذا الاعتراض لإِفادة أن الهداية بيد الله جل وعلا وحده.

5- { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } هذا على حذف مضاف أي وما تسألهم على تبليغ القرآن من أجر.

6- { وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } { إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } فيه من المحسنات البديعية " السجعُ " وهو توافق الفاصلتين في الحرف الأخير.

تنبيه:
دلَّ قوله تعالى { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } على أن الغرض من ذكر هذه القصص والأخبار، العظةُ والاعتبار، ووجه الاعتبار بهذه القصة أن الذي قدر على إخراج يوسف من الجب بعد إلقائه فيه، وإخراجه من السجن، وتمليكه مصر بعد العبودية، وجمع شمله بأبيه وإخوته بعد المدة الطويلة واليأس من الاجتماع، قادرٌ على إعزاز محمد صلى الله عليه وسلم، وإعلاء شأنه، وإظهار دينه، وأن الإِخبار بهذه القصة العجيبة جار مجرى الإِخبار عن الغيوب، فكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2017-08-26, 17:25 رقم المشاركة : 8
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: تفسير سورة يوسف





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 15:42 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd