الحمد لله وبعد : فقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الأطفال وتربيتهم منذ اللحظات الأولى لولادة الطفل ، بل منذ أن يكون سراً في عالم الغيب ، وذلك ليضمن الأصـل الـصـالـح ، والـمنبت الطيب . ـ فدعا الزوج لاختيار الزوجة الصالحة التي ستكون محضن الطفل ومربيته على الفضائل. قال صلى الله عليه وسلم: " تخيروا لنطفكم ، فأنكحوا الأكفاء وانكحوا إلـيـهـم " صححه الألباني . وقـال عليه الصلاة والسلام :" تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها، ولجمالها ، ولدينها ، فاظـفـر بـذات الـديـن تربـت يـداك " متفق عليه. ـ كما رغَّب تعالى المرأة ووليها إلى إيثار الزوج الصالح الذي سـيـكـون أبـاً لأطفالها وقدوتهم ، فقال {ولَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ ولَوْ أَعْجَبَكُمْ } . وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا جـاءكـم من ترضون دينه وخلقه فأنكحـوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفـســاد كبير " . وما أن يتم عقد الزوجية حتى يتمثل الزوجان قول الله عز وجل: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً } . وقبل المباشرة يردد الزوج ما أرشده إليه النبي صلى الله عليه وسلم :" بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا" متفق عليه. وهـذا مـن بــاب الأخــذ بأسباب التربية الصالحة التي تبعث في الزوجين الطمأنينة على مستقبل أطفال أصحاء روحياً وجسدياً. وما إن تستقر النطفة في رحم المرأة ، وتبدأ مرحلة تكوين الجنين في بطن أمه حتى يوصي الإسلام بالعناية بالحامل عناية كبيرة من أجل سلامتها وسلامة جنينها ، فيأمرها بالأخذ بالأسباب العلاجية ، والوقائية ، والنفسـيــة ، والروحية ، لدرجة أنه يعفيها من فريضة الصيام أثناء الحمل ، إذا كان في صومها ضرر عليها أو على جنينها. كما يحثها على قراءة القرآن ، والدعاء المستمر ، والإكثار من ذكر الله الذي يبعث في النفس الطمأنينة { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } . أثبتت التجارب الطبية أن المرأة المتزنة، والمطمئنة نفسياً ، يتصف وليدها بطبيعة هادئة ومتزنة على عكس المرأة المضطربة نفسياً. وبـعـد الـولادة حـيث يستقبل الطفل بالفرح والبشارات ومع بداية هذه المرحلة الهامة من حـيـاة الـطـفـل ، حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تكريمه والاحتفاء فقال :" مع الغلام عقيقته ، فأهريقوا عنه دماً ، وأميطوا عنه الأذى " رواه البخاري . فـيـأكـل الفـقـير والأقارب من هذا الاحتفال بقدوم المولود ، ويحلق شعره ليماط الأذى عن رأسه ، ويـتـصـدق بوزنه من الفضة على الفقراء ، والمساكين ، والمحتاجين . قال صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها حـيـن ولـدت الحسين رضي الله عنه : " احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الورق على المساكين " رواه أحمد والبيهقي وسنده حسن . وفي هذا اليوم أيضاً ندب عليه الصلاة والسلام تسمية الطفل واختيار الاسم الحسن له حيث قال عليه أفـضـل الصلاة والسلام : " أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله ، وعبد الــرحــمـن " رواه مسلم . فـكـانت هـذه أيضاً مكرمة للطفل تساعده على الابتهاج حين يدعى باسم حسن، وتجنبه الاعتزال والخجل فيما لو سماه اسماً قبيحاً. ومن أجل ذلك حرص عـلـيه الصلاة الـسلام على إبدال الأسماء القبيحة بأسماء حسنة ، كما بين لنا أحب الأسماء وأصدقها ، وأقبحها. وهكذا تتدرج العناية بالطفل والاهتمام به ، وتربيته بكل أنواع التربية الشاملة من خلال توجيهات نبوية كريمة في كل مرحلة من مراحل نمو الطفل نفسياً ، وجسدياً ، بدءاً من التربية العقدية السليمة ومروراً بالتربية الاجتماعية والخلقية والعاطفية. كان صلى الله عليه وسلم نموذجاً فريداً للأبوة الكريمة وقدوة لكل مسلم في العطف على الأطفال . يفرح بقدومهم ، ويشارك في اختيار أسمائهم ، ويحنو عليهم فيمازحهم، ويلاعبهم، ويضمُّهم إلى صدره الكريم ، ويقبلهم بفمه ، فإن هذا يعطيهم الجو النفسي للحياة الإنسانية السوية ، رحمة ، وحباً ، وإخاء . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس ، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" من لا يرحم لا يُرحم " . متفق عليه . ثم أمر صلى الله عليه وسلم بتربية الأولاد وتدريبهم على الطاعة وتعويدهم عليها . ففي المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " . قال عمر بن أبي سلمة ": كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " . كما أمر بالعدل بينهم ، فقال :" اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم " . متفق عليه . وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال أن أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أَكلَّ ولدك نحلت مثل هذا" ؟ ، فقال : لا ، فقال :" أرجعه " . حتى القبلة حث صلى الله عليه وسلم على العدل فيها . عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بني له فقبله وأجلسه في حجره ، ثم جاءت بنية فأخذها فأجلسها إلى جنبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" فما عدلت بينهما " . رواه البيهقي وهو صحيح. بمثل هذه التربية الفذة أنشأ جيلاً مثالياً حقاً في إيمانه، وعبادته، وتفكيره ، وأخلاقه ، ومعاملته. والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .



منقول للفائدة