الإبداع في الفصل الدراسي متعة مثيرة للفضول
د.انشراح ابراهيم المشرفي
أستاذ مناهج وطرق تعليم الطفل المشارك
تعريف الإبداع Defining Creativity
الإبداع Creativity :
هناك العديد من التعريفات للإبداع ، تركز بعض التعريفات على سمات الأفراد الذين يتم الحكم على عملهم بأنه مبدع (ما هي سمات الفرد المبدع ؟) بينما يضع آخرون العمل نفسه في الاعتبار (ما الذي يجعل هذا العمل صورة من صور الإبداع) ، وفي كلاً من الحالتين نجد أن معظم التعريفات لها معيارين للحكم على الإبداع هما :
الأصالة ، والملائمة ، فعلى سبيل المثال : نجد أن بيركنز Perkins (1988) يعرف الفرد المبدع بأنه ”فرد يمللك الإبداع فهو الفرد الذي ينتج بصورة روتينية نتائج مبدعة“ .
ونجد أن افتراضات "بيركنز" عامة إلا أنها تربط بين مفاهيم الأشخاص المبدعين والأنشطة الإبداعية في إطار منسق عملي .
وتعد الأصالة – الحداثة – من أهم السمات الوثيقة بالإبداع ؛ لذا فمن بين شروط الإبداع أن تكون الفكرة أو المنتج جديد أو منفرداً .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : جديد بالنسبة لمن ؟ فمثلاً إذا قام أحد باحثين من جامعة "ميتشجان" بالعمل لعدة سنوات في تحضير وتهيئة إحدى الجينات الوراثية التي تشفي مرض معين ، ثم اكتشف أن باحث آخر في جامعة "ستانفورد" نشر نفس التقنية قبله بأسبوعين فقط ، هل تنعدم إبداعية عمل الباحث في جامعة ميتشجان ؟
لهذا نجد أن التعريف التالي أكثر منطقية وملائمة ، وهو لكي نحكم على الشيء بأنه مبدع يجب أن تكون الفكرة أو المنتج مبتكر أصيل ، ويمتاز بالحداثة ، وذلك بالنسبة للفرد المبدع المتفرد نفسه .
شروط الملائمة في الإبداع :
تمتاز أساليب الفن ، واختلافات اللغة ، وميول ورغبات وأنماط التعبير عنها بوجود العديد من الاختلافات الكبيرة ، ولهذا حتى يمكننا احتضان بيئة إبداعية في المدارس فإنه من المهم بالنسبة للمعلم أن يضع في اعتباره الإطار والمحتوى الثقافي لحياة الطلاب ، وتوفير استراتيجيات ووسائل متعددة تتفق ليس فقط مع قدرات الطلاب المتفاوتة وأساليب التدريس ، ولكن أيضاً مع الوضع في الاعتبار قيمهم الاجتماعية والحضارية المختلفة .
وأن الإحساس المتباين تجاه مفهوم الملائمة قد يجعل الإبداع أكثر صعوبة ، ولكنه يسمح بثراء وتعدد أنواع الجهود الإبداعية التي يتم محاولتها وتقديرها .
تعريف الملائمة Appropriateness :
يمكن أن نصف فكرة أو منتج بأنه ملائم إذا استطاع الوفاء بشروط هدف أو معيار ما ؛ وفي حالات عديدة من الإبداع الناضج نجد أن المعيار يحدده النظام (المجتمع أو متطلباته) . فعلى سبيل المثال :
بالرغم من أن أساليب الرسم تتعدد وتتطور ؛ إلا أن الأعمال الفنية نادراً ما تعد أعمال إبداعية إلا إذا وجد جمهور يقدرها في مرحلة ما .
- يجب على الجهود الإبداعية أن تفي ببعض المعايير ، وأن يقبلها جمهور ما.
- معايير الملائمة الخاصة بالكبار لا تتناسب بصورة عامة معايير الصغار .
- تعتبر جهود وأعمال الأطفال ملائمة إذا كانت ذات معنى ، وهدف ، أو تؤدي إلى إيصال فكرة بطريقة ما .
- يمكن اعتبار جهود وأعمال الطلاب ملائمة عندما يتمكنوا من شرح فكرة ما أو حل مشكلة بنجاح ، أو استطاعوا أداء هذا العمل بطريقة خلاقة وجديدة – على الأقل بالنسبة لهم – فإنه يمكن اعتبار جهودهم إبداعية .
الجهد الإبداعي :
على الرغم من أن المشكلات قد توفر الحافز أو الإلهام للعمل والجهد الإبداعي ، إلا أنها عادة لا تكون إبداعية ، ففي المساعي الإبداعية فإن الأصالة والتفرد يجب أن يكونا ذو هدف ، أما بالنسبة للأطفال الصغار فإنه من الممكن الخلط بين الأصالة والتفرد ، وبين الفهم غير الناضج ، ولتوضيح ذلك نعرض المثال التالي :
طلب من طفلة تدعى "سوزان" أن ترسم صورة لمشهد من السيرة الذاتية "لفريدريك دوجلاس" التي قرأتها لها معلمة الصف الثاني ، ولقد سمعت الطفلة أن "فريدريك" قد سافر عبر إنجلترا إلى مقاطعة "ويلز" Wales فرسمت الشخصية تمشي فوق صف من الحيتان المبتسمة ، ويرجع هذا لأنها أساءت فهم لفظ Wales وهو اسم المقاطعة ب Whales ومعناها حيتان ، ومن سوء الفهم نتجت فكرتها الإبداعية المبتكرة .
أنشطة التفكير داخل الفصل الدراسي :
ومن المهم أن نتذكر دائماً أن الإبداع قد لا يوجد بالضرورة من خلال قنوات السلوك المدرسي الملائم فقط ، ولذا يجب أن نتعرف على الإبداع في أشكال متعددة قبل أن نعمل على تغيير الأشكال التي يعبر الطلاب من خلالها على إبداعاتهم ؛ حيث إنه قد لا يتم التعبير عن الإبداع بالوسائل المعتادة في الفصل الدراسي ، لذلك يمكن أن يحاول المعلم أن ينتبه لمدة أسبوع للطلاب الذين يسببوا المتاعب والمضايقات في الفصل ، هل يلاحظ وجود أدلة على الإبداع في سلوكهم ؟ ربما يمكن توجيه هذا التفرد والأصالة من خلال قنوات أخرى .
لماذا يبدع الناس ؟ Why Do People Create?
يقوم الأفراد بخلق أعمال فنية أو أدبية ، لأن لديهم بعض الأفكار التي يودون نشرها ، وهذه الرسالة والأفكار ليست سهلة التعبير عنها ، فالأفكار كانت صعبة في بعض الأحيان ، وبالرغم من الصعوبة فإن هؤلاء الأفراد ثابروا ، لأنهم كان لديهم رغبة في أن يشاركوا الجمهور نظرتهم للدنيا ، وإيجاد معنى بطرق جديدة .
وعملية إدراك المعنى ، والنظرة المشتركة يمكن أن تتضح بصورة أكبر في الرسامين ، والنحاتين ، ورواة القصة ، والموسيقيين ، والراقصين ، ومؤلفين الأساطير ، والكتاب المسرحيين ، وغيرهم من المبدعين خلال التاريخ، وهذه الملاحظة قد تبدو تقريباً غير واضحة ، كما أنها عديمة المعنى ، فبالطبع يسعى الفنانون لنشر أفكارهم ، ولكن نجد أن العملية الأساسية اللازمة للإبداع هي الجهد اللازم لنشر الأفكار ، والذي نفتقده في كثير مما ندعوه بالأنشطة المدرسية ،
فعلى سبيل المثال : ما هو عدد المرات التي نتيح للطالب في المدرسة فرصة الكتابة ، أو الرسم ، أو استخدام أي صور أخرى في التعبير – ليس لأنها مهمة – أو عمل مطلوب منه أدائه ، ولكن لأن لديه شيء ما يريد أن يقوله ...
العملية الإبداعية وارتباطها بحل المشكلات :
يمارس الأفراد التفكير الإبداعي ليس فقط لنشر أفكارهم ، ولكن ليقوموا بحل المشكلات أيضاً ، فإن مخترعي وسائل الإضاءة والتدفئة والتبريد – على سبيل المثال – قد استخدموا تفكيرهم الإبداعي لحل المشكلات المتعلقة بالراحة في منازلهم .
ففي كثير من الأحيان نجد أن أهم جزء في عملية حل المشكلة إبداعياً هو إدراك وجود مشكلة .
إيجاد المشكلة Problem Finding :
إيجاد المشكلة هو تحديد المشكلة بهدف حلها ، وليس حل مشكلة سبق إعدادها ؛ فتحديد المشكلة وإيجادها بمعناها العام هو جوهر كل أنواع الإبداع ؛ حيث إن إيجاد فكرة أو موضوع أو مشكلة أو حاجة اجتماعية يمكن اعتبار كل ذلك جوهر العملية الإبداعية ، وغالباً ما يكون الأفراد مبدعون من خلال جهودهم في توصيل فكرة ما ، أو في إيجاد وحل مشكلة .
أنشطة التفكير داخل الفصل الدراسي :
عندما نتوسع في تطبيق هذه العمليات في مواقف الفصل الدراسي ينتج بذلك فرص لممارسة الأنشطة الإبداعية داخل الفصل بصورة عادية ، وتقديم تلك الإجراءات أيضاً يحمل تطبيقات للتعلم في الفصل ،
وذلك لأن أهداف الإبداع تشترك في نقاط عديدة مع المساهمات الفعالة لنظرية التعلم .
نظرة سريعة على نظرية التعلم A Quick Look at Learning Theory:
ترتكز النظريات الأولى للتعلم غالباً على ما يمكن أن نطلق عليه المنظور السلوكي الارتباطي Connectionist Behaviorist Perspective ، وفيها يتخذ المتعلم دوراً سلبياً تجاه المثير – المحفز – ويتعلم المتلقي تبعاً لاتجاه العوامل الخارجية .
وترى تلك النظرية أن الخطوات الأساسية التي تحكم عملية التعلم واحدة في كل الفصائل – مهما كانت الفصائل التي ندرسها مختلفة – فنجد أن قوانين التعلم في الفئران والكلاب والحمام والقرود والبشر كلها تتشابه .
فطبقاً "لسكينر" Skinner (1971) نجد أن الشاعر الذي يؤلف قصيدة يحكمها المثير – المحفز – السابق ذاته الذي يحكم الدجاجة ويجعلها تضع البيض . وبذلك فإن وجهة النظر الخاصة بالمتعلم كمتلقي سلبي للمثير – المحفز – لا تشترك إلا بالقليل جداً مع خطوات أو أهداف الإبداع .
نظرية التعلم المعاصر Contemporary Learning Theory :
تعرف عملية التعلم الإنساني بأنها عملية أكثر تعقيداً وبناءة ، وهي بذلك تعتبر مخالفة للرأي السابق ، فالوعي المتزايد بين الباحثين وواضعي النظريات يرى أن التعلم هو عملية دافعها الهدف ، وهذا ما أكد عليه كل من جونز بالنيسار ، أوجل وكار Ogle & Carr (1987) ، ريزنك وكلوبفور Resnick & Llopfor (1989) .
وتعد الأنشطة التي يتم تنفيذها سعياً وراء هدف ذو معنى أرضاً خصبة للتعلم ، أكثر من الأنشطة التي يتم أدائها دون وجود هدف واضح . وتؤكد تلك النظرية على أن التعلم عملية بناءة ، حيث تشير إلى أن المتعلمون يقومون ببناء معارفهم كما يبني المقاول بيتاً ، وليس كإسفنجة تمتص الماء ، أو كرة بلياردو تقفز فوق المنضدة .
وعلى هذا الأساس نرى أن العمليات التي ترتبط بهذا الرأي تعتمد على: تنظيم المعلومات ، والربط بين المعلومات الجديدة للمعرفة السابقة ، واستخدام الاستراتيجيات العقلية المعرفية للتخطيط ، وذلك لإنجاز الأهداف .
بالإضافة إلى أن الروابط التي يكونها كل طالب بين المعرفة السابقة والمعلومات الجديدة في عملية التعلم يجب أن تكون جديدة وخلاقة ، كما أن العملية التعليمية – حسب تعريفها – يجب أن تكون ملائمة (إذا أوفت بهدفها) ، وبهذا يمكن أن نصف خطوات العملية التعليمية نفسها بأنها خلاقة ، وعلى ذلك نجد أن كل متعلم يقوم ببناء وتكوين معرفي متفرد يختلف عن الآخرين ، ويمتلئ بالارتباطات الشخصية المتفردة .
تعريف التعليم ذو المعنى Meaning Full Learning :
التعليم ذو المعنى هو تعليم إبداعي في جوهره ، ولهذا يجب أن يسمح للطلاب بأن يتعدوا ويجتازوا آراء مدرسيهم (Caine & Caine, 1991) .
ويذكر برتيلا وسيمون Prietula & Simon (1989) أن الخبرة تتضمن أكثر من معرفة مجموعة من الحقائق ؛ حيث أنها تعتمد على المعرفة العميقة للمشكلات التي قد تظهر من خلال عمل معين ، وهي تتراكم عبر السنين من الخبرة الخاصة بمعالجة هذه المشكلات ، ثم ترتب في عقل الخبير لتسمح له بتجاوز حدود المنطق .
وقد يتبادر هنا السؤال التالي : كيف يرتبط كل هذا بالعملية الإبداعية ؟
ومما تجدر ملاحظته أن المغزى الذي يكمن وراء ما سبق يتلخص في منح الطلاب الفرصة للإبداع ، وذلك من خلال السماح لهم بإيجاد حل المشكلات ، وتبادل الأفكار بطريقة جديدة ملائمة ، كما أنه يتحقق التعلم بصورة أفضل عندما ينخرط الطالب في وضع الأهداف والوفاء بها ، وربط المعلومات بخبراتهم السابقة بطرق متفردة ؛ حيث إن الطلاب يستطيعوا تطوير خبراتهم إذا ما انغمسوا في مشكلات محددة الإطار .
أنشطة التفكير داخل الفصل الدراسي :
يتبع