أستاذ بجامعة إبن طفيل بالقنيطرة يخاطب بنكيران
 

فرحان أستاذ بجامعة إبن طفيل بالقنيطرة يخاطب بنكيران
أضيف في 11 يناير 2016 الساعة 14:27

السيِّد الرّئيس: إنّكم تورِّثون أجيال الغد مجتمعاً موشوماً بالذّلِّ والعار
عن
استمعت لك السيِّد الرّئيس، وأنتم تبرِّرون ما حدث يوم الخميس الأسود، كما عهدت على الاستماع إلى خطبك الرّسميّة وغير الرّسميّة، وكنت دائماً لا أجد في كلامك عن السيّاسة ما يختلف عن بعض أقرانك في السّاحة السيّاسيّة المغربيّة من شعبويّة وديماغوجيّة ومزايدات، حيث تغيب المحاجّة العقليّة التي تطبع الخطاب السيّاسي الرّاقي في المجتمعات الحديثة، هذه المجتمعات التي لا يرتضي فيها ساستها الضّحك على ذقون مواطنيهم أو الاستخفاف بذكائهم، أو استبلاد حسِّهم الإنساني، أو استحمار هويّتهم الوطنيّة.
وقلنا لا بأس إنّ أغلبهم يطبِّلون ويزمِّرون في مؤسّسة تشريعيّة صارت مسرحاً للألعاب السيّاسيّة البهلوانيّة. وأشهدك القول أنِّه لمّا كانت تلتفّ حول عنقي قيود الغبن والحزن ويضيق صدري من مجتمع يئنّ فيه الجميع من ضيق الحال وانسداد الأفق، ومن الخوف والقلق على ضياع مستقبل أبنائه وبناته وجيوب آبائهم وأمّهاتهم قد صارت نهباً للاستهلاك اليومي، كنتُ أذهب إلى بعض مقاطع الفيديو على اليوتوب لأسْخر من الكاريكاتيرات المضحكة التي تحكي أيّام الخريف السيّاسي في بلادنا.
*لكن اليوم كان خطابك عليّ قاسيّاً جدّاً. كلّ شيء يهون إلاّ أن يعود الوطن إلى عهد قمع الحريّات وتسلّط المخزن على المواطنين الأبرياء العزّل؛ فقط لأنّهم يطالبون بالإنصاف، ويدافعون عن المكتسبات الاجتماعيّة المحفورة في ذاكرتنا الوطنيّة والسيّاسيّة بدماء شهداء النِّضال السيّاسي والاجتماعي، الذين رسموا لنا طريق الحريّة والكرامة، الذين بفضلهم صِرت ترفع عقيرتك باسم الشّعب وتطلق لسانك يميناً يساراً باسم الدِّيمقراطيّة وحقوق الإنسان، لا ثمّ ألف لا.
كنت أنتظر منك أن تتأسّف، على الأقل، والأسف من رئيس حكومة منتخبة أضعف الإيمان، وحديث تغيير المنكر بأضعف الإيمان من مرجعيّات سيّاسة حزبكم الذي يجيد فنّ القول فيه. كنت أنتظر أن تحترم عقولنا أفضل احترام، ولا تستهين بذكائنا كلّ الاستهانة، وتقدّر كرامتنا خير تقدير، وتبجِّل مواطنتنا التي جعلت من أمثالي المواطنين يثقون فيكم ويزكّونكم بأصواتهم الشّريفة البريئة أعظم تبجيل.
كنت أنتظر أن تفعل القليل أو النّزر اليسير...لكنّك أتيت على قول نكير، تغلِّط فيه الكبير والصّغير. من قال لك سيِّدي أنّنا ناصرنا الأستاذ على الشّرطي؟ المسألة مسألة حقوقيّة، تسيء إلى حاضر ومستقبل وطننا، وهذا، لا نرتضيه لبلادنا، إنّها ليست مسألة مناصرة فِرقة على فِرقة نتصيّد فيها الفرقة الضّالّة لنأتمن على حال الفرقة النّاجيّة، فذاك منطقكم في التّفكير وأنتم من حفظة تراث الفرق بين الفرق، وهذا، ليس عليكم بعزيز.
إنّ المسألة التي انتفض لها لساننا وانتصب لها قلمنا هي مسألة الاعتداء على السّلامة الجسديّة والنّفسيّة للمواطنين؛ هي مسألة استعمال العنف والضّرب لقمع الاحتجاجات السِّلميّة للمواطنين, فهل ترى في دعمنا للحق في الاحتجاج السِّلمي مسّ بأمن الدّولة واستقرار المجتمع؟ كم هذه النّكتة التي لا تفارق خطاباتك مضحكة ومبكية في نفس الآن؛ مضحكة لأنّ كلامك يوحي بأنّه، فعلاً، أمن الدّولة واستقرار المجتمع صار متوقِّفاً على اختياراتك السيّاسيّة العبقريّة والمبدعة التي، و يا للأسف، لا تتطابق حتّى مع أدنى اختياراتك الدِّعائيّة التي سوّقت بها برنامج حزبك بين المواطنين الكادحين، إذ لولا ضعف القوى السيّاسيّة والنّقابيّة في تأطير المواطنين، لانقلبوا عليك وعطّلوا حكومتك.
ومبكيّة، لأنّك تغلِّطنا جميعاً، ومن فضائح التّغليط صار الكثير من أتباعك الشّرفاء يستحيي من الحديث عن إنجازاتكم الشعبيّة الكبرى والعظيمة في حضور العارفين بخبايا الأمور، فيلتمسون لكم أعذار حكم زواج المكره. صار الكثير من رجالاتك يشعر بالأسى كلّما تقدّموا لقول شيء ما عن مواقفكم السيّاسيّة التي لا تعكس بأي شكل من الأشكال انتظارات المواطنين منكم.
كيف تعمل على تغليط النّاس وأنت تقول لهم بأنّ قرارات الإدارة لا تردّ؟ أليس هذا يعدّ حكماً إداريّاً؟ والحكم الإداري في أبسط اصطلاحاته القانونيّة والاجتماعيّة والسيّاسيّة بيروقراطيّة؟ هل أنت صرت بأصوات المواطنين عبر صناديق الاقتراع بيروقراطيّاً؟ ما علّمتني إيّاه جامعتنا المغربية في الأنظمة السيّاسيّة أنّ البيروقراطيّة غير الدّيمقراطيّة، وما سمعته على لسانك اليوم أنّ القرارات الإداريّة لا تردّ.
لو كان الأمر يتعلّق بقرارات تشريعيّة صادرة عن البرلمان، وأنّ القرارات التّشريعيّة البرلمانيّة لا تردّ بالعصيان المدني والاحتجاج السِّلمي لقلنا المسألة فيها نظر، لأنّ القضيّة تصبح مسألة أخلاق، إذ كيف يردّ قرار تشريعي صادقت عليه الأغلبيّة في مؤسّسة تشريعيّة تمثِّل المواطنين ديمقراطيّاً، فالقرار لا يسقط إلاّ بالتّصويت عليه ضدّاً، لا بالاحتجاجات الشعبيّة، ما دامت طرق إسقاط القرار القانوني التشريعي ديمقراطيّاً وقضائيّاً ممكناً. ورغم هذا يظلّ حقّ الاحتجاج مكفولاً قانونيّاً ودستوريّاً.
أمّا أن تعتبروا قراراً إداريّاً أصدره مجلسكم الحكومي بمثابة قرار نافذ إطلاقاً لا يردّ ولا يحتجّ عليه، ولا يمكن إسقاطه حفاظاً على هيبة الإدارة، التي ترى فيه خدمة لأمن الدّولة واستقرار المجتمع، فهذا قول يردّ عليه، لأنّ هيبة الإدارة المزعومة تعدّ في الاصطلاح السيّاسي استبداد، والمصلحة العامّة لا تكمن في سحق مصالح المواطنين من أجل أسطورة وهميّة اسمها: أمن الدّولة واستقرار المجتمع، بل تكمن في حفظ حقوق النّاس والارتقاء بمعيشتهم وسعادة أبنائهم. كما أنّه ليس من الأخلاق السيّاسيّة أن ترهبنا بخطابات، تكرّرت كثيراً على لسانكم، تفيد أنّ مصير بلادنا لكي يسلم من الآفات التي أصابت غيرنا من البلدان يتوقفّ على قراراتكم الحكيمة وشجاعتكم الوطنيّة.
فمصير بلادنا آمن ما أَمِنت حقوق المواطنين من الإذلال والاستغلال. وبسيّاستكم، هذه، إنّما تزرعون بذور الفتنة في نفوس النّاس وتُمعنون في إذلال كرامتهم وتستقوون عليهم أباطرة الرّيع وناهبي الثّروات. إنّكم، بسيّاستكم هذه، تحكمون علينا بالإفلاس...ويؤس
فني أنّكم تورِّثون لأبنائكم من الأجيال القادمة مجتمعاً موشوماً بالذّلِّ والعار.
عن القنيطرة 36 kenitra 36