منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   القصة (https://www.profvb.com/vb/f214.html)
-   -   حايك أمي (https://www.profvb.com/vb/t16378.html)

محمد معمري 2010-01-28 18:47

حايك أمي
 
حايك أمي


ماتت أمي..
فتدفقت دموعي على سائل خدي، وتمزق فؤادي تمزقا سجد له الحزن حتى غارت الجراح، وبقي عقلي في ذهول من شدة ما أصابني..
رقص لموتها الشياطين.
شيعت جنازتها الملائكة.
غير أنني لم أكن أتوقع يوما سوف أواري جثمان أمي في التراب! ولا كنت أدري كيف الدمع والدفن يتفقان مع عزائي!؟
هذه فاجعة حلت بي مقتلعة مني روحي التي شيدت خرابي.. واليوم ها أنذا أراها ملفوفة في ثوب أبيض وقد وضعتها بيدي في حفرة وأقبرت عليها التراب مبللا بدموع عين سخينة! وفي نفسي كلمات تتردد، يكاد صدري أن ينفجر من شدة حرها: "أماه! بأي دين بعدك أدين!؟"...
انتهت مراسم الدفن.
امتزجت الكأس بالتعازي والدموع حتى فاضت رثاء.. كانت روحا في سمائي.. وجعلني الدهر لها بالدمع مرثيا!.. فيا رحمة الله على ثراك يا أماه!.
مرت الأيام.
طلعت شمس ذكرى من كانت تضمني وتبكي إذا ما ارتفعت حرارتي.. شمس استنارت حسرة وأسفا.. فما تلاها غروب...
مرت الأعوام.
ظمأ كأسي فارتوى بحنيني لمن دفنتها في قلبي ولا زالت عيوني تبكيها ولم تنسها السنون، وفاض الكأس بحرا من الذكريات.
لازلت أتذكر حين كانت أمي تقول لأبي:
- سيدي.. ألك بي الليلة حاجة؟
يرد عليها:
- لا يا سيدتي..!
ثم تستأذنه:
- أتسمح لي أن أقوم هذه الليلة، وأصوم غدا؟
يجيبها بلطف:
- وفقك الله، وادعي لي ولأبنائك.
كنت صغيرا؛ وكانت أفكار غريبة تراودني مثل: هل أبي إله!؟ حتى تستأذنه أمي في العبادة!؟.. وكان نادرا ما أسمع تخاصمهما! ولم أستغرب سوى في معاملة أمي إياه! كان حين يغضب تعمل كل ما في وسعها لترضيه، وإذا صرخ تطأطئ رأسها ولا ترد عليه.. ومن شيمتها أنها كانت تتفحص حتى ثيابه عند الباب قبل خروجه إلى العمل أو لغرض ما، وتودعه دائما بقبلة وكلمة طيبة ودعاء الحفظ .. أما نحن أبناءها فكانت حريصة على الأكل والشراب، وتأديتنا لصلواتنا، ونظافتنا، ودراستنا، ورياضتنا، وكم كان لا يهدأ لها البال حتى تترصد نومنا وتقوم بتعديل أجسادنا فوق السرير، وغطاءنا! وكم كانت تكثر لنا من النصائح والمواعظ.. تارة بأسلوب الحجاج، وتارة بأسلوب ساخر يسلينا ويبعث في أنفسنا ميلاد أفكار جديدة...
كانت أمي معتدلة القد، جميلة، متسترة حتى في بيتها، ومن غريب أمرها إنها كانت تتستر على أبنائها حين حملها..
مرة جئت من المدرسة ولم أجدها في البيت.. فسألت أبي عنها وقال لي أنها في المصحة وستأتي غدا.. ذلك اليوم لازلت أذكره كان أسود في حياتنا! رفضنا الأكل مهما حاول أبي أن يقنعنا.. كانت اللقمة تدور في الفم ببطء شديد دون ابتلاع.. لخوفنا من أبينا خوفا مطلقا، لأن أمي علمتنا كيف نحترمه ونقدره ونطيعه لأنه سيد البيت الذي يحمينا ويعيلنا.. وهو الوحيد في الحياة الذي يحبنا أن نصير أفضل منه.. وفي الغد وجدناها في البيت صحبة أخ جديد...
الحنين لحايك أمي.
من تراث أمي الحايك الذي افتقدته، ورحت فتحت الدولاب ولم أجده!
فما حيلتي والحايك تراث لم أجده! فعصرني الأسى، وشجى قلبي بلحن الحزن.. وخرجت إلى الناس أحكي بجميع أنفاسي، ولم يفهم لغتي أي منهم، ذكور وإناث بأزياء غربية.. فلم أعرف هل أنا الذي لست من هذا البلد، أم هما!؟
غيرت مسار السكة اتجاه قبر أمي، ترحمت عليها حتى بلت دموعي قبرها، ثم بدأت أناوشها: أماه! إني أكابد لسع الزمان وصروف الدهر تعينه علي، ويشيخ الأسى وتتجدد الذكرى، وفي شعاب الزمان لم أجد الحايك الذي احتفظت به!.. فلم أعد أطيق حمل وجودي.. أماه! أنت آية من الله، وكأسي قد ظمأ، والبحث عن الحايك ثكلى، والسؤال عنه بوق معطل.. لم أدر كيف أخذتني سنة حتى نمت متوسدا قبرها! فتراءت لي وهي تمسح دموعي، وتمرر يدها الناعمة فوق رأسي وقالت لي: يا ولدي! اسأل عنه المرأة التي كفنتني، ثم انطلقت تجري ويداها مرفوعتان إلى السماء وأنا أعدو وراءها إلى أن دخلت في نور ساطع لم أستطع متابعة السير! فتوقفت وأطلقت صرختي حتى وصلت عنان السماء: أماه!
وعلى إثر هذه الصرخة استيقظت وعدت فورا إلى البيت.. وفتحت الدولاب وأفرغت كل محتوياته فوجدت الكفن!


بقلم: محمد معمري

خادم المنتدى 2020-04-21 20:47

رد: حايك أمي
 
-*********************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك..شكرا جزيلا لك
بارك الله فيك..شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك..شكرا جزيلا لك
بارك الله فيك..شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك..شكرا جزيلا لك
بارك الله فيك..شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك..شكرا جزيلا لك
-***********************************-


الساعة الآن 01:17

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd