متاهة الضّياع.. خاطرة . متاهة الضّياع.. خاطرة . مرّ بغابة ، تأمل سنوات الضياع ، جسدٌ مُدنّس بالخطايا .. نظرَ في أَعْماق الظلام .. ـ كل الإنسانيات كالحيّات ، وإنسانيتي ضعيفة ، تتألّم ، تتوجّع وتتوهّم. فضاءٌ بشساعته غير معلوم ، وهوَ ضائع ، تعيسٌ بوحدته وجسده يحمل اسمه ، كالجنين في رحم أُمه ، يتلمّس بعض الأمل .. خوفه يزداد .. وهوَ غير مُحصّن من ذكرياته اللعينة ، ذكرياتٌ دنّستها خطايا .. كائناتٌ تُفزعنه أمكنتها ..وساوسٌ تخترق أحشائه ويُشوّش أفكاره ، ظِلالٌ شاحبة ، تُضايقه ، يختنق ، يقتربُ من جرْفٍ ، تنسدّ الحُفرة ، وتُسوّى الأرض ، يبتلع الجرف جُثّة كأنها تذوب في نفسها، تنطوي في بَعضها، تختلط بالتراب ، لم يرَ من حثا الرّمل عليها، أسرّ حديثاً في نفسه : ـ ربما ، إنسانيتي لا تَستشعر بها ، لماذا أنا هكذا ، كأنّي مَسْعور بالخطايا ، السواد يُخيّم علىّ من كلّ مكان ، وأنا في زحمة الظلْمة أتحطّم . غابَ بعيداً بأفكاره .. تذكّر حالاً ، معاني سامية في نفسه ، كالصداقة والحُب .. لَيْته صديقٌ نقيٌ وحبيبٌ سرمديٌ ، لا يَدْعُني للخطايا ، لا يتركني لتفترسني. أحسّ بأنّه فوق الرّمل طافٍ ، كما البوياتْ التي يضعُها البحار على شبك الصّيد ، فتطفو فوق سطح البحر ، وكان عن البحر غير بعيد .. غضبٌ يُلازمه وحنْقٌ يقتله .. يختنق .. يتلمّس حنجرته .. حررّها من قبضةٍ كادتْ تقتلع قلبه وتنزع روحه.. تخلّص من الحُفرة والجرف المُنهار والرّمل ، ابتعدَ عن الخطايا ، عن كل ما يُدنّس إنسانيته .. لم يزل الخَيَار قائماً .. ذكرياتٌ تفتُك به ، بمرارة كما الكثبان الرملية التي انهارتْ على الجرف ، فانسدّتْ فتحته .. تصدّعتْ نفسه ، تصدّعت سعادته.. وحبيبته تُلاحقه بخطايا لعينة : ـ ليت النسيانَ قد حلّ وسكنَ بجمجمتي ، كي لا أرى ثمن الخطايا .! غابة الضّياع ثعلبٌ في أجساد البشر ، هذا الثعلب الماكر ، يتجسّد في بشريّته ، يهرب ، خوف يقتله. لا يعلم ماذا ينتظره ؟ خاف ، وتعرّض للقلق، ربما يَصْرعه الثعلبُ ، رُبما أنه لا يقلّ عن وحش سينقضّ عليه، علىَ حينَ غفلةٍ منه ، يلتقط حجراً يغوص في مكان مُظلمٍ ، تَجرّه إلى فراغه المُوحش . قاعٌ عميق ينفتح، هُوّته تُخيفه .. يرتعش جسده ، يهتزّ . يبحث عن إنسانٌ غيره ، عن جَمْع يُبعده عن هذا المكان المُظلم ، الموحش، كثبانٌ رملية تتقلّب ، فضاء مُتسع يتمدّد .. فراغ .. سُكون ، خوف وقلق ، ومضاتٌ كالبرق تُقطّع أحشائه.. آدميّ يتجمّد ، يتقلّص ، حاولَ يلتف جانباً ، لكن جسده كخشبة مُسنّدة على جدارٍ ، مكسورة أطرافها ، تراجع ، ضغط على رجله.. لا يقْدر على المشي، تسمّر في مكانه ، ذكريات الخطايا تمرّ ، لا طهارة تُنجيه ، غير واحدة وقفتْ مُنتصبة كالعمود ، مسحْتُ عينه .. رفّتَ أهدابها ، توقّف ، امتدّتْ إلى حيث الطهارة، فكانتْ جُثة ثم استوتْ قبْراً. يُعاصر الموت ، شيء يُخيفه ، يقبض رُوحه ، يعْتصرها ، صارخ وعلاَ صوته : ـ لا،لا أرغب في النهاية الحاسمة. أَرْتدّ بقوة ، سَحب نفسه ، حاولَ أنْ ُيثَبّت رجْله ، كان الأمر شاقاً ومُؤلماً. ـ يا إلهي هل من تضحية أُقدّمها غير جسدي . كان مُخبولا ، وأَحْمقاً ، حين رأى كل شيء ، قال للجثة التي تجسّدت أمامه . ـ سامحيني ، لن أبتسم بخدعة ولن أسكن بخطيئة . إصبع واحدة طويلة ، تُلوح بإشارة النّفي. صرخَ من أعماقه.: ـ هو اللعين هو اللعين ، شيطاني ، لستُ أنا.! نظرَ نظرةٌ خبيثة إلى الإصبع فاستوتْ كالسيّف ، حادة.. تلمع لمعان البرق ، مُخيفة ، تُفزعنه وقد َتأهّب أن يُلقي بنفسه في الظلام .. بعيداً عن الجسد الهُلامي الذي يُقطّع أحشائه ، يغيب في الظلام ، أَنْصَهر فيه .. وأتمنى أنْ لو كان ظلاماً لكان خيرٌ من هذا الإصبع الخبيث .؟ تنزرع الإصبع في أجساد عدة فتخترق الأجساد ، كمشكاةٍ ، لكنّها أشنع وأعنف من مشكاة بائع اللحم حين تخترق اللحم .! حدّقَ إلى الإصبع ، تنعكس صُورتها في الغابة التي استوتْ ماء .. تتناثر بعض الحيوانات على ضفاف الماء .. ضفادع وحيّات وقرود ، وكلاب صغيرة .. قال في نفسي وأسرّهاولم يُبْدها لاحدٍ غيره.: ـ الأمر جحيم .. لماذا أنا هكذا أحمق؟ لماذا ألقيتُ بنفسي في متاهة الضّياع .؟ دمعتْ عينه .. صوتٌ يخرج من الأعماق .: ـ أنت كاذبٌ .! اهتزّ جسده ، وارتعدت قوائمه .: ـ أنتُم البشر، لديكم قناعاتُ تعودتُم زيْفها.! وبدا الخوف يلفّه من كل جانب .: ـ يا إلهي .. الإصْبع يَعلم كل شيء وأنا لا أعلم . توسّلَ للإصبع وتذلّل .: ـ أريد أن أكون إنساناً .. أريد أن تُخلّصني ، وأنا أعدك بأني لن أَهْمل ما يَرتقي بي حتى لو كُنتُ بعيداً عن الظلام وهاوية الجرْف . يَنْشق صدرٌ من ذات الإصبع . فينجذب إليه ، يشهقَ شهقَة في صدره المكلوم وكأنّ صدره انثقب ، تخرج منه مادة سوداء ، يَلُوح بها الأصبع فتقع في ماء . وتسير بين شجر وثمر ..ثم في مكانٍ استقرّت .. فاقَ من نومه ، على صوت الاذان ، الله أكبر الكاتب حمد الناصري .. الأحد 14/9/2014 |
رد: متاهة الضّياع.. خاطرة . السلام عليكم . |
رد: متاهة الضّياع.. خاطرة . عليكم السلام ورحمة الله وبركاته |
رد: متاهة الضّياع.. خاطرة . خاطرة تكتنز الكثير ..استمتعت بقراءتها جزيل الشكر على التقاسم الجميل تقديري |
رد: متاهة الضّياع.. خاطرة . اقتباس:
شكراً لك ع هذه الاطلالة الرائعة . تحياتي |
الساعة الآن 17:10 |
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd