منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   القصة (https://www.profvb.com/vb/f214.html)
-   -   متاهة الضّياع.. خاطرة . (https://www.profvb.com/vb/t158664.html)

المرتاح 2015-04-20 08:33

متاهة الضّياع.. خاطرة .
 
متاهة الضّياع.. خاطرة .
مرّ بغابة ، تأمل سنوات الضياع ، جسدٌ مُدنّس بالخطايا .. نظرَ في أَعْماق الظلام ..
ـ كل الإنسانيات كالحيّات ، وإنسانيتي ضعيفة ، تتألّم ، تتوجّع وتتوهّم.
فضاءٌ بشساعته غير معلوم ، وهوَ ضائع ، تعيسٌ بوحدته وجسده يحمل اسمه ، كالجنين في رحم أُمه ، يتلمّس بعض الأمل .. خوفه يزداد .. وهوَ غير مُحصّن من ذكرياته اللعينة ، ذكرياتٌ دنّستها خطايا .. كائناتٌ تُفزعنه أمكنتها ..وساوسٌ تخترق أحشائه ويُشوّش أفكاره ، ظِلالٌ شاحبة ، تُضايقه ، يختنق ، يقتربُ من جرْفٍ ، تنسدّ الحُفرة ، وتُسوّى الأرض ، يبتلع الجرف جُثّة كأنها تذوب في نفسها، تنطوي في بَعضها، تختلط بالتراب ، لم يرَ من حثا الرّمل عليها، أسرّ حديثاً في نفسه :
ـ ربما ، إنسانيتي لا تَستشعر بها ، لماذا أنا هكذا ، كأنّي مَسْعور بالخطايا ، السواد يُخيّم علىّ من كلّ مكان ، وأنا في زحمة الظلْمة أتحطّم .
غابَ بعيداً بأفكاره .. تذكّر حالاً ، معاني سامية في نفسه ، كالصداقة والحُب .. لَيْته صديقٌ نقيٌ وحبيبٌ سرمديٌ ، لا يَدْعُني للخطايا ، لا يتركني لتفترسني.
أحسّ بأنّه فوق الرّمل طافٍ ، كما البوياتْ التي يضعُها البحار على شبك الصّيد ، فتطفو فوق سطح البحر ، وكان عن البحر غير بعيد .. غضبٌ يُلازمه وحنْقٌ يقتله .. يختنق .. يتلمّس حنجرته .. حررّها من قبضةٍ كادتْ تقتلع قلبه وتنزع روحه.. تخلّص من الحُفرة والجرف المُنهار والرّمل ، ابتعدَ عن الخطايا ، عن كل ما يُدنّس إنسانيته .. لم يزل الخَيَار قائماً .. ذكرياتٌ تفتُك به ، بمرارة كما الكثبان الرملية التي انهارتْ على الجرف ، فانسدّتْ فتحته .. تصدّعتْ نفسه ، تصدّعت سعادته.. وحبيبته تُلاحقه بخطايا لعينة :
ـ ليت النسيانَ قد حلّ وسكنَ بجمجمتي ، كي لا أرى ثمن الخطايا .!
غابة الضّياع ثعلبٌ في أجساد البشر ، هذا الثعلب الماكر ، يتجسّد في بشريّته ، يهرب ، خوف يقتله. لا يعلم ماذا ينتظره ؟ خاف ، وتعرّض للقلق، ربما يَصْرعه الثعلبُ ، رُبما أنه لا يقلّ عن وحش سينقضّ عليه، علىَ حينَ غفلةٍ منه ، يلتقط حجراً يغوص في مكان مُظلمٍ ، تَجرّه إلى فراغه المُوحش .
قاعٌ عميق ينفتح، هُوّته تُخيفه .. يرتعش جسده ، يهتزّ . يبحث عن إنسانٌ غيره ، عن جَمْع يُبعده عن هذا المكان المُظلم ، الموحش، كثبانٌ رملية تتقلّب ، فضاء مُتسع يتمدّد .. فراغ .. سُكون ، خوف وقلق ، ومضاتٌ كالبرق تُقطّع أحشائه.. آدميّ يتجمّد ، يتقلّص ، حاولَ يلتف جانباً ، لكن جسده كخشبة مُسنّدة على جدارٍ ، مكسورة أطرافها ، تراجع ، ضغط على رجله.. لا يقْدر على المشي، تسمّر في مكانه ، ذكريات الخطايا تمرّ ، لا طهارة تُنجيه ، غير واحدة وقفتْ مُنتصبة كالعمود ، مسحْتُ عينه .. رفّتَ أهدابها ، توقّف ، امتدّتْ إلى حيث الطهارة، فكانتْ جُثة ثم استوتْ قبْراً. يُعاصر الموت ، شيء يُخيفه ، يقبض رُوحه ، يعْتصرها ، صارخ وعلاَ صوته :
ـ لا،لا أرغب في النهاية الحاسمة.
أَرْتدّ بقوة ، سَحب نفسه ، حاولَ أنْ ُيثَبّت رجْله ، كان الأمر شاقاً ومُؤلماً.
ـ يا إلهي هل من تضحية أُقدّمها غير جسدي .
كان مُخبولا ، وأَحْمقاً ، حين رأى كل شيء ، قال للجثة التي تجسّدت أمامه .
ـ سامحيني ، لن أبتسم بخدعة ولن أسكن بخطيئة .
إصبع واحدة طويلة ، تُلوح بإشارة النّفي. صرخَ من أعماقه.:
ـ هو اللعين هو اللعين ، شيطاني ، لستُ أنا.!
نظرَ نظرةٌ خبيثة إلى الإصبع فاستوتْ كالسيّف ، حادة.. تلمع لمعان البرق ، مُخيفة ، تُفزعنه وقد َتأهّب أن يُلقي بنفسه في الظلام .. بعيداً عن الجسد الهُلامي الذي يُقطّع أحشائه ، يغيب في الظلام ، أَنْصَهر فيه .. وأتمنى أنْ لو كان ظلاماً لكان خيرٌ من هذا الإصبع الخبيث .؟ تنزرع الإصبع في أجساد عدة فتخترق الأجساد ، كمشكاةٍ ، لكنّها أشنع وأعنف من مشكاة بائع اللحم حين تخترق اللحم .!
حدّقَ إلى الإصبع ، تنعكس صُورتها في الغابة التي استوتْ ماء .. تتناثر بعض الحيوانات على ضفاف الماء .. ضفادع وحيّات وقرود ، وكلاب صغيرة .. قال في نفسي وأسرّهاولم يُبْدها لاحدٍ غيره.:
ـ الأمر جحيم .. لماذا أنا هكذا أحمق؟ لماذا ألقيتُ بنفسي في متاهة الضّياع .؟
دمعتْ عينه .. صوتٌ يخرج من الأعماق .:
ـ أنت كاذبٌ .!
اهتزّ جسده ، وارتعدت قوائمه .:
ـ أنتُم البشر، لديكم قناعاتُ تعودتُم زيْفها.!
وبدا الخوف يلفّه من كل جانب .:
ـ يا إلهي .. الإصْبع يَعلم كل شيء وأنا لا أعلم .
توسّلَ للإصبع وتذلّل .:
ـ أريد أن أكون إنساناً .. أريد أن تُخلّصني ، وأنا أعدك بأني لن أَهْمل ما يَرتقي بي حتى لو كُنتُ بعيداً عن الظلام وهاوية الجرْف .
يَنْشق صدرٌ من ذات الإصبع . فينجذب إليه ، يشهقَ شهقَة في صدره المكلوم وكأنّ صدره انثقب ، تخرج منه مادة سوداء ، يَلُوح بها الأصبع فتقع في ماء . وتسير بين شجر وثمر ..ثم في مكانٍ استقرّت .. فاقَ من نومه ، على صوت الاذان ، الله أكبر
الكاتب حمد الناصري .. الأحد 14/9/2014

المرتاح 2015-05-04 05:06

رد: متاهة الضّياع.. خاطرة .
 
السلام عليكم .

المرتاح 2015-05-18 06:57

رد: متاهة الضّياع.. خاطرة .
 
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

a.khouya 2015-05-18 19:25

رد: متاهة الضّياع.. خاطرة .
 
خاطرة تكتنز الكثير ..استمتعت بقراءتها
جزيل الشكر على التقاسم الجميل
تقديري

المرتاح 2015-05-19 04:43

رد: متاهة الضّياع.. خاطرة .
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة a.khouya (المشاركة 806441)
خاطرة تكتنز الكثير ..استمتعت بقراءتها
جزيل الشكر على التقاسم الجميل
تقديري

اخويااا
شكراً لك ع هذه الاطلالة الرائعة .
تحياتي


الساعة الآن 17:10

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd