الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات العامة والشاملة > المنتدى الإسلامي > مدرسة القرآن والسنة > تفسير



إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2015-03-22, 12:32 رقم المشاركة : 6
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النساء


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } * { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } * { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } * { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } * { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } * { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى المحرمات من النساء وذكر قبلها تفضيل الله الرجال عليهن في الميراث، جاءت الآيات تنهى عن تمني ما خصّ الله به كلاً من الجنسين لأنه سبب للحسد والبغضاء، ثم ذكر تعالى حقوق كلٍ من الزوجين على الآخر، وأرشد إِلى الخطوات التي ينبغي التدرج بها في حالة النشوز والعصيان.

اللغَة: { مَوَالِيَ } المَوْلى: الذي يتولى غيره يقال للعبد مَوْلى وللسيد مَوْلى لأن كلاً منهما يتولى الآخر والمراد به هنا الورثة والعصبة { قَوَّامُونَ } قوّام: مبالغة من القيام على الأمر بمعنى حفظه ورعايته أي يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية { قَانِتَاتٌ } مطيعات وأصل القنوت دوام الطاعة { نُشُوزَهُنَّ } عصيانهن وترفعهن وأصله المكان المرتفع ومنه تلٌّ ناشز ويقال: نشزت المرأة إِذا ترفعت على زوجها وعصته { ٱلْمَضَاجِعِ } جمع مضجع وهو المرقد { شِقَاقَ } الشقاق: الخلاف والعداوة مأخوذ من الشق بمعنى الجانب لأن كلاً من المتشاقين يكون في شق غير شق صاحبه أي في ناحية { ٱلْجُنُبِ } البعيد الذي ليس له قرابة تربطه بجاره، وأصل الجنابة: البعد { مُخْتَالاً } المختال: ذو الخيلاء والكبر { مِثْقَالَ } وزن { ٱلْغَآئِطِ } الحدث وأصله المطمئن من الأرض وكانوا إِذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا منخفضاً من الأرض فكني عن الحدث بالغائط.

سَبَبُ النّزول: أ - عن مجاهد قال: قالت " أم سلمة " يا رسول الله: يغزو الرجال ولا نغزو وإِنما لنا نصف الميراث فأنزل الله { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } الآية.

ب - روي " أن سعد بن الربيع - وكان نقيباً من نقباء الأنصار - نشزت عليه امرأته " حبيبة بنت زيد " فلطمها فانطلق أبوها معها إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لتقتصَّ منه فنزلت { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } فقال صلى الله عليه وسلم: (أردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير) ". التفسِير: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي لا تتمنوا أيها المؤمنون ما خصّ الله تعالى به غيركم من أمر الدنيا أو الدين ذلك يؤدي إِلى التحاسد والتباغض قال الزمخشري: نُهوا عن الحسد وعن تمني ما فضل الله بعض الناس على بعض من الجاه والمال لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } أي لكلٍ من الفريقين في الميراث نصيبٌ معين المقدار قال الطبري: كلٌ له جزاء على عمله بحسبه إِن خيراً فخير وإِن شراً فشر { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } أي وسلوا الله من فضله يعطكم فإِنه كريم وهاب { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي ولذلك جعل الناس طبقات ورفع بعضهم درجات { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } أي ولكل إِنسانٍ جعلنا عصبةً يرثون ماله ممّا تركه الوالدان والأقارب من الميراث { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } أي والذين حالفتموهم في الجاهلية على النصرة والإِرث فأعطوهم حظهم من الميراث، وقد كان هذا في ابتداء الإِسلام ثم نسخ قال الحسن: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسبٌ فيرث أحدُهما الآخر فنسخ الله ذلك بقوله {*وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ*}
[الأنفال: 75] وقال ابن عباس: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجريُّ الأنصاريَّ دون ذوي رحمه بالأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } نسخت { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } أي مطلعاً على كل شيء وسيجازيكم عليه.. ثم بيّن تعالى أن الرجال يتولون أمر النساء في المسئولية والتوجيه فقال { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } أي قائمون عليهن بالأمر والنهي، والإِنفاق والتوجيه كما يقوم الولاة على الرعية { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي بسبب ما منحهم الله من العقل والتدبير، وخصهم به من الكسب والإِنفاق، فهم يقومون على النساء بالحفظ والرعاية والإِنفاق والتأديب قال أبو السعود: " والتفضيلُ للرجل لكمال العقل وحسن التدبير ورزانة الرأي ومزيد القوة، ولذلك خصوا بالنبوة والإِمامة والولاية والشهادة وال**** وغير ذلك " { فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } هذا تفصيل لحال النساء تحت رياسة الرجل، وقد ذكر تعالى أنهن قسمان: قسم صالحات مطيعات، وقسم عاصيات متمردات، فالنساء الصالحات مطيعات لله ولأزواجهن، قائمات بما عليهن من حقوق، يحفظن أنفسهن عن الفاحشة وأموال أزواجهن عن التبدير كما أنهن حافظات لما يجري بينهن وبين أزواجهن مما يجب كتمه ويجمل ستره وفي الحديث " إِن من شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة، الرجلُ يُفْضي إِلى امرأته وتُفْضي إِليه ثم ينشر أحدهما سرَّ صاحبه " { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } هذا القسم الثاني وهنَّ النساء العاصيات المتمردات أي واللاتي يتكبرن ويتعالين عن طاعة الأزواج فعليكم أيها الرجال أن تسلكوا معهن سبل الإِصلاح { فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ } أي فخوفوهنَّ الله بطريق النصح والإِرشاد، فإِن لم ينجح الوعظ والتذكير فاهجروهنَّ في الفراش فلا تكلموهن ولا تقربوهن قال ابن عباس: الهجر ألا يجامعها وأن يضاجعها على فراشها ويوليها ظهره، فإِن لم يرتدعن فاضربوهن ضرباً غير مبرّح { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي فإِن أطعن أمركم فلا تلتمسوا طريقاً لإِيذائهن { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } أي فإِن الله تعالى أعلى منكم وأكبر وهو وليهن ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.. انظر كيف يعلمنا سبحانه أن نؤدب نساءنا وانظر إِلى ترتيب العقوبات ودقتها حيث أمرنا بالوعظ ثم بالهجران ثم بالضرب ضرباً غير مبرح ثم ختم الآية بصفة العلو والكبر لينبه العبد على أن قدرة الله فوق قدرة الزوج عليها وأنه تعالى عون الضعفاء وملاذ المظلومين!! { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } أي وإِن خشيتم أيها الحكام مخالفةً وعداوةً بين الزوجين فوجهوا حكماً عدلاً من أهل الزوج وحكماً عدلاً من أهل الزوجة يجتمعان فينظران في أمرهما ويفعلان ما فيه المصلحة { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ } أي إِن قصدا إِصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله، بورك في وساطتهما وأوقع الله بين الزوجين الوفاق والألفة وألقى في نفوسهما المودة والرحمة { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } أي عليماً بأحوال العباد حكيماً في تشريعه لهم { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي وحدوه وعظموه ولا تشركوا به شيئاً من الأشياء صنماً أو غيره، واستوصوا بالوالدين برّاً وإِنعاماً وإِحساناً وإِكراماً { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ } أي وأحسنوا إِلى الأقارب عامة وإِلى اليتامى والمساكين خاصة { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي الجار القريب فله عليك حق الجوار وحق القرابة { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } أي الجار الأجنبي الذي لا قرابة بينك وبينه { وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } قال ابن عباس: هو الرفيق في السفر، وقال الزمخشري: " هو الذي صحبك إِما رفيقاً في سفر، أو جاراً ملاصقاً، أو شريكاً في تعلم علم، أو قاعداً إِلى جنبك في مجلس أو غير ذلك، من له أدنى صحبةٍ التأمت بينك وبينه فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وقيل: هي المرأة " { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } أي المسافر الغريب الذي انقطع عن بلده وأهله { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي المماليك من العبيد والإِماء { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } أي متكبراً في نفسه يأنف عن أقاربه وجيرانه فخوراً على الناس مترفعاً عليهم يرى أنه خير منهم، وهذه آية جامعة جاءت حثاً على الإِحسان واستطراداً لمكارم الأخلاق، ومن تدبرها حق التدبر أغنتْه عن كثير من مواعظ البلغاء، ونصائح الحكماء. ثم بين تعالى صفات هؤلاء الذين يبغضهم الله فقال { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } أي يمنعون ما أوجب الله عليهم من الإِنفاق في سبيل الله ويأمرون غيرهم بترك الإِنفاق، والآية في اليهود نزلت في جماعة منهم كانوا يقولون للأنصار لا تنفقوا أموالكم في ال**** والصدقات، وهي مع ذلك عامة { وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي يخفون ما عندهم من المال والغنى، ويخفُون نعته عليه السلام الموجود في التوراة { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } أي هيأنا للجاحدين نعمة الله عذاباً أليماً مع الخزي والإِذلال لهم { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ } أي ينفقونها للفخار والشهرة لا ابتغاء وجه الله { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي ولا يؤمنون الإِيمان الصحيح بالله واليوم الآخر، والآية في المنافقين { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } أي من كان الشيطان صاحباً له وخليلاً يعمل بأمره فساء هذا القرين والصاحب { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } الإِستفهام للإِنكار والتوبيخ أي ماذا يضيرهم وأي تبعةٍ ووبالٍ عليهم في الإِيمان بالله والإِنفاق في سبيله؟ قال الزمخشري: وهذا كما يقال للمنتقم: ما ضرك لو عفوت؟ وللعاقّ: ما كان يرزؤك لو كنت باراً؟ وهو ذم وتوبيخ وتجهيل بمكان المنفعة { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } وعيد لهم بالعقاب أي سيجازيهم بما عملوا { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } أي لا يبخس أحداً من عمله شيئاً ولو كان وزن ذرة وهي الهباءة وذلك على سبيل التمثيل تنبيهاً بالقليل على الكثير { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } أي وإِن كانت تلك الذرة حسنة ينمّها ويجعلها أضعافاً كثيرة { وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } أي ويعط من عنده تفضلاً وزيادة على ثواب العمل أجراً عظيماً وهو الجنة { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } أي كيف يكون حال الكفار والفجار حين نأتي من كل أمةٍ بنبيها يشهد عليها، ونأتي بك يا محمد على العصاة والمكذبين من أمتك تشهد عليهم بالجحود والعصيان؟! كيف يكون موقفهم؟ وكيف يكون حالهم؟ والاستفهام هنا للتوبيخ والتقريع { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ } أي في ذلك اليوم العصيب يتمنى الفجار الذين جحدوا وجدانية الله وعصوا رسوله { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } أي لو يدفنوا في الأرض ثم تُسوّى بهم كما تُسوَّى بالموتى، أو لو تنشق الأرض فتبتلعهم ويكونون تراباً كقوله {*يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً*}
[النبأ: 40] وذلك لما يرون من أهوال يوم القيامة { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } أي لا يستطيعون أن يكتموا الله حديثاً لأن جوارحهم تشهد عليهم بما فعلوه.. ثم أمر تعالى باجتناب الصلاة في حال السكر والجنابة فقال { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } أي لا تصلوا في حالة السكر لأن هذه الحالة لا يتأتى معها الخشوع والخضوع بمناجاته سبحانه وتعالى، وقد كان هذا قبل تحريم الخمر روى الترمذي عن علي كرم الله وجهه أنه قال " صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت " قل يا أيها الكافرون * أعبد ما تعبدون. ونحن نعبد ما تعبدون " فأنزل الله { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } الآية { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } أي ولا تقربوها وأنتم جنب أي غير طاهرين بإِنزالٍ أو إِيلاج إِلا إِذا كنتم مسافرين ولم تجدوا الماء فصلوا على تلك الحالة بالتيمم { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ } أي وإِن كنتم مرضى ويضركم الماء، أو مسافرين وأنتم محدثون أو أحدثتم ببولٍ أو غائطٍ ونحوهما حدثاً أصغر ولم تجدوا الماء { أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } قال ابن عباس: هو الجماع { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } أي فلم تجدوا الماء الذي تتطهرون به { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } أي اقصدوا عند عدم وجود الماء التراب الطاهر فتطهروا به وامسحوا وجوهكم وأيديكم بذلك التراب { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً } أي يرخّص ويسهّل على عباده لئلا يقعوا في الحرج.

البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات من الفصاحة والبيان والبديع ما يلي:

1- الإِطناب في قوله { نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ } و { نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } وفي { حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } وفي { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ }.

2- الاستعارة في { مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ } شبه استحقاقهم للإِرث وتملكهم له بالإِكتساب واشتق من لفظ الاكتساب اكتسبوا على طريقة الاستعارة التبعية.

3- الكناية في { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } فقد كنى بذلك عن الجماع وكذلك في { لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآء } قال ابن عباس معناه: جامعتم النساء كما كنى عن الحدث بالغائط في قوله { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ }.

4- صيغة المبالغة في { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ } لأن فعّال من صيغ المبالغة ومجيء الجملة إسمية لإِفادة الدوام والاستمرار.

5- السؤال عن المعلوم لتوبيخ السامع في قوله { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا } يراد بها التقريع والتوبيخ.

6- جناس الاشتقاق في { حَافِظَاتٌ... بِمَا حَفِظَ } وفي قوله { بِشَهِيدٍ.... وَشَهِيداً }.

7- التعريض في { مُخْتَالاً فَخُوراً } عرّض بذلك إِلى ذم الكبر المؤدي لاحتقار الناس.

8- الحذف في عدة مواضع مثل { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي أحسنوا إلى الوالدين إحساناً.

الفوَائِد: الأولى: لم يذكر الله تعالى في الآية إِلا " الإِصلاح " في قوله { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً } ولم يذكر ما يقابله وهو التفريق وفي ذلك إِشارة لطيفة إِلى أنه ينبغي على الحكمين أن يبذلا جهدهما للإِصلاح لأن في التفريق خراب البيوت وتشتيت الأولاد وذلك مما ينبغي أن يجتنب.

الثانية: ختم تعالى الآية بهذين الإِسمين العظيمين { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } وذلك لتهديد الأزواج عند التعسف في استعمال الحق فكأن الآية تقول: لا تغتروا بكونكم أعلى يداً منهن وأكبر درجة منهن فإِن الله عليٌّ قاهر ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، فالله أعلى منكم وأقدر عليكم منكم عليهن فاحذروا عقابه.

الثالثة: روى البخاري " عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إِقرأ عليَّ القرآن فقلت يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: نعم فإِني أحب أن أسمعه من غيري!! فقرأت سورة النساء حتى أتيت إِلى هذه الآية { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } فقال: حسبك الآن فنظرتُ فإِذا عيناه تذرفان ".
تنبيه: ورد النظم الكريم { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ولو قال: بتفضيلهم عليهن لكان أخصر وأوجز ولكنَّ التعبير ورد بتلك الصيغة لحكمة جليلة وهي إِفادة أن المرأة من الرجل بمنزلة عضوٍ من جسم الإِنسان وكذلك العكس، فالرجل بمنزلة الرأس، والمرأة بمنزلة البدن ولا ينبغي أن يتكبر عضوٌ على عضو، فالأذن لا تغني عن العين، واليد لا تغني عن القدم، ولا عار على الشخص أن يكون قلبه أفضل من معدته ورأسه أشرف من يده فالكل يؤدي دوره بانتظام ولا غنى لواحدٍ عن الآخر وهذا هو سر التعبير بقوله { بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } فظهر أن الآية في نهاية الإيجاز والإِعجاز.

" كلمة حول تأديب النساء "

لعل أخبث ما يتخذه أعداء الإِسلام للطعن في الشريعة الإِسلامية زعمهم أن الإِسلام أهان المرأة حين سمح للرجل أن يضربها ويقولون: كيف يسمح القرآن بضرب المرأة { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ } أفليس هذا إِهانة للمرأة واعتداءً على كرامتها؟!

والجواب: نعم لقد أذن الحكيم العليم بضربها ولكن متى يكون الضرب؟ ولمن يكون؟ إِن الضرب - ضرباً غير مبرِّح - كما ورد به الحديث الشريف أحد الطرق في معالجة نشوز المرأة وعصيانها لأمر الزوج، فحين تسيء المرأة عشرة زوجها وتركب رأسها وتسير بقيادة الشيطان وتقلب الحياة الزوجية إِلى جحيم لا يطاق فماذا يصنع الرجل في مثل هذه الحالة؟! لقد أرشدنا القرآن الكريم إِلى الدواء فأمر بالصبر والأناة، ثم بالوعظ والإِرشاد، ثم بالهجر في المضاجع، فإِذا لم تنجح كل هذه الوسائل فلا بدَّ من سلوك طريق آخر هو الضرب غير المبرِّح لكسر الغطرسة والكبرياء، وهذا أقل ضرراً من إِيقاع الطلاق عليها، وإِذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأكبر كان حسناً وجميلاً وما أحسن ما قيل " وعند ذكر العمى يُستحسن العَوَر " فالضرب طريق من طرق العلاج ينفع في بعض الحالات التي يستعصي فيها الإِصلاح باللطف والإِحسان والجميل
{*فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً*}
[النساء: 78]!!






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2015-03-27, 12:28 رقم المشاركة : 7
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النساء


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } * { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } * { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } * { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً }

سَبَبُ النّزول: روي أن أبا سفيان قال لكعب بن الأشرف - أحد أحبار اليهود - إِنك امرؤٌ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقاً نحن أم محمد؟ فقال: اعرضوا عليَّ دينكم فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونعمر بيت ربنا، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم!! فقال: دينكم خير من دينه وأنتم والله أهدى سبيلاً مما هو عليه فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ... } الآية.

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى شيئاً من أحوال الكفار في الآخرة وأنهم يتمنون لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً.. أعقبه بذكر ما عليه اليهود من الكفر والجحود والتكذيب بآيات الله، ثم ذكر طائفة من عقائد أهل الكتاب الزائغة وما أعد لهم من العذاب المقيم في دار الجحيم أعاذنا الله منها.

اللغَة: { رَاعِنَا } راقبنا وانظرنا وهي كلمة سب في العبرية وكان اليهود يقولونها ويعنون بها معنى الرعونة { أَقْوَمَ } أعدل وأصوب { نَّطْمِسَ } الطمس: المحو وإِذهاب أثر الشيء { فَتِيلاً } الفتيل: الخيط الذي في شق النواة { ٱلْجِبْتِ } اسم الصنم ثم صار مستعملاً لكل باطل { ٱلطَّاغُوت } كل ما عبد من دون الله من حجر أو بشر أو شيطان وقيل هو اسم للشيطان { نَقِيرا } النقير: النقطة التي على ظهر النواة { نُصْلِيهِمْ } ندخلهم.

التفسِير: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } الاستفهام للتعجيب من سوء حالهم والتحذير عن موالاتهم أي ألم تنظر يا محمد إِلى الذين أعطوا حظاً من علم التوراة وهم أحبار اليهود { يَشْتَرُونَ ٱلضَّلاَلَةَ } أي يختارون الضلالة على الهدى ويؤثرون الكفر على الإِيمان { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } أي ويريدون لكم يا معشر المؤمنين أن تضلوا طريق الحق لتكونوا مثلهم { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } أي هو تعالى أعلم بعداوة هؤلاء اليهود الضالِّين منكم فاحذروهم { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } أي حسبكم أن يكون الله ولياً وناصراً لكم فثقوا به واعتمدوا عليه وحده فهو تعالى يكفيكم مكرهم.. ثم ذكر تعالى طرفاً من قبائح اليهود اللعناء فقال { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } أي من هؤلاء اليهود فريق يبدّلون كلام الله في التوراة ويفسرونه بغير مراد الله قصداً وعمداً فقد غيّروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم وأحكام الرجم وغير ذلك { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي ويقولون لك إِذا دعوتهم للإِيمان سمعنا قولك وعصينا أمرك قال مجاهد: سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه، وهذا أبلغ في الكفر والعناد { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي اسمع ما نقول لا سمعتَ والكلام ذو وجهين يحتمل الخير والشر وأصله للخير أي لا سمعتَ مكروهاً ولكنَّ اليهود الخبثاء كانوا يقصدون به الدعاء على الرسول صلى الله عليه وسلم أي لا أسمعكَ الله وهو دعاء بالصمم أو بالموت { وَرَاعِنَا } أي ويقولون في أثناء خطابهم راعنا وهي كلمة سبّ من الرعونة وهي الحُمْق، فكانوا سخريةً وهزؤاً برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإِهانة ويظهرون به التوقير والإِكرام ولهذا قال تعالى { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ } أي فتلاً وتحريفاً عن الحق إِلى الباطل وقدحاً في الإِسلام قال ابن عطية: وهذا موجود حتى الآن في اليهود وقد شاهدناهم يربّون أولادهم الصغار على ذلك ويحفظونهم ما يخاطبون به المسلمين مما ظاهره التوقير ويريدون به التحقير { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي عوضاً من قولهم سمعنا وعصينا { وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا } أي عوضاً عن قولهم غير مسمع وراعنا أي لو أن هؤلاء اليهود قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم ذلك القول اللطيف بدل ذلك القول الشنيع { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } أي لكان ذلك القول خيراً لهم عند الله وأعدل وأصوب { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي أبعدهم الله عن الهدى وعن رحمته بسبب كفرهم السابق فلا يؤمنون إِلا إِيماناً قليلاً قال الزمخشري: أي ضعيفاً ركيكاً لا يُعبأ به وهو إِيمانهم ببعض الكتب والرسل.
. ثم توعدهم تعالى بالطمس وإِذهاب الحواس فقال { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا } أي يا معشر اليهود آمنوا بالقرآن الذي نزلناه على محمد صلى الله عليه وسلم { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } أي مصدقاً للتوراة { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } أي نطمس منها الحواس من أنفٍ أو عين أو حاجب حتى تصير كالأدبار، وهذا تشويه عظيم لمحاسن الإِنسان وهو قول ابن عباس { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ } أي نمسخهم كما مسخنا أصحاب السبت وهم الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قردة وخنازير { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } أي إِذا أمر بأمر فإِنه نافذ كائن لا محالة { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } أي لا يغفر الشرك ويغفر ما سوى ذلك من الذنوب لمن شاء من عباده { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } أي من أشرك بالله فقد اختلق إِثماً عظيماً قال الطبري: قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله إِن شاء عفا عنه وإِن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركاً بالله.. ثم ذكر تعالى تزكية اليهود أنفسهم مع كفرهم وتحريفهم الكتاب فقال { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } أي ألم يبلغك خبر هؤلاء الذين يمدحون أنفسهم ويصفونها بالطاعة والتقوى؟ والاستفهام للتعجيب من أمرهم قال قتادة: ذلكم أعداء الله اليهود زكُّوا أنفسهم فقالوا
{*نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ*} [المائدة: 18] وقالوا: لا ذنوب لنا { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } أي ليس الأمر بتزكيتهم بل بتزكية الله فهو أعلم بحقائق الأمور وغوامضها يزكي المرتضين من عباده وهم الأطهار الأبرار لا اليهود الأشرار { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي لا ينقصون من أعمالهم بقدر الفتيل وهو الخيط الذي في شق النواة وهو مثلٌ للقلة كقوله
{*إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ*}
[النساء: 40] { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } هذا تعجيب من افترائهم وكذبهم أي انظر يا محمد كيف اختلقوا على الله الكذب في تزكيتهم أنفسهم وادعائهم أنهم أبناء الله وأحباؤه؟ { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } أي كفى بهذا الافتراء وزراً بيناً وجرماً عظيماً { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّاغُوتِ } الاستفهام للتعجيب والمراد بهم أيضاً اليهود أُعطوا حظاً من التوراة وهم مع ذلك يؤمنون بالأوثان والأصنام وكلّ ما عبد من دون الرحمن { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } أي يقول اليهود لكفار قريش أنتم أهدى سبيلاً من محمد وأصحابه قال ابن كثير: يفضّلون الكفار على المسلمين بجهلهم وقلة دينهم وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم قال تعالى إِخباراً عن ضلالهم { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي طردهم وأبعدهم عن رحمته { وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } أي من يطرده من رحمته فمن ينصره من عذاب الله؟ ويمنع عنه آثار اللعنة وهو العذاب العظيم { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ } أي أم لهم حظٌ من الملك؟ وهذا على وجه الإِنكار يعني ليس لهم من الملك شيء { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } أي لو كان لهم نصيب من الملك فإِذاً لا يؤتون أحداً مقدار نقير لفرط بخلهم، والنقير مثلٌ في القلة كالفتيل والقطمير وهو النكتة في ظهر النواة، ثم انتقل إِلى خصلة ذميمة أشد من البخل فقال { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } قال ابن عباس: حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم على النبوة وحسدوا أصحابه على الإِيمان والمعنى: بل أيحسدون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على النبوة التي فضل الله بها محمداً وشرّف بها العرب ويحسدون المؤمنين على ازدياد العز والتمكين؟ { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } أي فقد أعطينا أسلافكم من ذرية إِبراهيم النبوة وأنزلنا عليهم الكتب وأعطيناهم الملك العظيم مع النبوة كداود وسليمان فلأي شيء تخصون محمداً صلى الله عليه وسلم بالحسد دون غيره ممن أنعم الله عليهم؟ والمقصود الرد على اليهود في حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم وإِلزام لهم بما عرفوه من فضل الله على آل إِبراهيم { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } أي من اليهود من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم قلة قليلة ومنهم من أعرض فلم يؤمن وهم الكثرة كقوله {*فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ*}
[الحديد: 26] { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } أي كفى بالنار المسعّرة عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم.. ثم أخبر تعالى بما أعده للكفرة الفجرة من الوعيد والعذاب الشديد فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } أي سوف ندخلهم ناراً عظيمة هائلة تشوي الوجوه والجلود { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي كلما انشوت جلودهم واحترقت احتراقاً تاماً بدلناهم جلوداً غيرها ليدوم لهم ألم العذاب، قال الحسن: تُنْضجهم النار في اليوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فعادوا كما كانوا وقال الربيع: جلد أحدهم أربعون ذراعاً، وبطنُه لو وضع فيه جبل لوسعه، فإِذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلوداً غيرها وفي الحديث " يعظم أهل النار في النار حتى إِن بين شحمة أذن أحدهم إِلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذراعاً وإِن ضرسه مثل أحد " { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } أي عزيز لا يمتنع عليه شيء حكيم لا يعذّب إِلا بعدل { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } هذا إِخبار عن مآل السعداء أي سندخلهم جنات تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها وأرجائها حيث شاءوا وأين أرادوا مقيمين في الجنة لا يموتون { لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } أي لهم في الجنة زوجات مطهرات من الأقذار والأذى قال مجاهد: مطهرات من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } أي ظلاً دائماً لا تنسخه الشمس ولا حر فيه ولا برد قال الحسن: وُصف بأنه ظليل لأنه لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحرّ والسموم، وفي الحديث " إِن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ".

البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات من الفصاحة والبلاغة والبديع ما يلي بالإِيجاز:

1- المجاز المرسل في { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } المراد به محمد صلى الله عليه وسلم من باب تسمية الخاص باسم العام إِشارة إِلى أنه جمعت فيه كمالات الأولين والآخرين.

2- الاستعارة في { يَشْتَرُونَ ٱلضَّلاَلَةَ } وفي { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } لأن أصل الذوق باللسان فاستعير إِلى الألم الذي يصيب الإِنسان وفي { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } لأن أصل الليّ فتل الحبل فاستعير للكلام الذي قصد به غير ظاهره وفي { نَّطْمِسَ وُجُوهاً } وهي عبارة عن مسخ الوجوه تشبيهاً بالصحيفة المطموسة التي عُمّيت سطورها وأشكلت حروفها.

3- الاستفهام الذي يراد به التعجب في { أَلَمْ تَرَ } في موضعين.

4- التعجب بلفظ الأمر في { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ } وتلوين الخطاب في { يَفْتَرُونَ } وإقامته مقام الماضي للدلالة على الدوام والاستمرار.

5- الاستفهام الذي يراد منه التوبيخ والتقريع في { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ } وفي { أَمْ يَحْسُدُونَ }.

6- التعريض في { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } عرَّض بشدة بخلهم.

7- الطباق في { وُجُوه.. وَأَدْبَارِ } وفي { آمِنُواْ.. وكَفَرُواْ }.

8- جناس الاشتقاق في { نَلْعَنَهُمْ.. وَلَعَنَّآ } وفي { يُؤْتُونَ... وآتَاهُمُ } وفي { ظِـلاًّ ظَلِيلاً }.

9- الإِطناب في مواضع، والحذف في مواضع.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2015-03-30, 17:13 رقم المشاركة : 8
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النساء


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } * { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } * { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } * { وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } * { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } * { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى حال اليهود وما هم عليه من الحسد والعناد والجحود، وذكر ما أعده لهم من العذاب والنكال في الآخرة، أعقبه بتوجيه المؤمنين إِلى طريق السعادة بطاعة الله ورسوله وأداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس، ثم ذكر صفات المنافقين التي ينبغي الحذر منها والبعد عنها.

اللغَة: { نِعِمَّا } أصلها نعم ما أي نعم الشيء يعظكم به { تَأْوِيلاً } مآلاً وعاقبة { يَزْعُمُونَ } الزعم: الاعتقاد الظني قال الليث: أهل العربية يقولون: زعم فلان إِذا شكُّوا فيه فلم يعرفوا أَكَذَب أو صدَقَ وقال ابن دريد: أكثر ما يقع على الباطل ومنه قولهم " زعموا مطيّةُ الكذب " { تَوْفِيقاً } تأليفاً والوفاق والوَفْق ضد المخالفة { بَلِيغاً } مؤثراً { شَجَرَ } اختلف واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه واختلاط بعضها في بعض { حَرَجاً } ضيقاً وشكاً قال الواحدي: يقال للشجر الملتف الذي لا يكاد يوصل إِليه حرج.

سَبَبُ النّزول: أ - روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم الفتح أغلق " عثمان بن طلحة " باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لو علمتُ أنه رسول الله لم أمنعه فلوى عليٌّ يده وأخذه منه وفتح بابها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين فلما خرج أمر علياً أن يردّ المفتاح إِلى عثمان بن طلحة ويعتذر إِليه فقال له عثمان: آذيتَ وأكرهت ثم جئتَ تترفق!! فقال لقد أنزل الله في شأنك قرآناً { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا.. } وقرأ عليه الآية فأسلم عثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إِلا ظالم ".

ب - عن ابن عباس أن رجلاً من المنافقين يقال له " بِشْر " كان بينه وبين يهودي خصومةٌ فقال اليهودي: تعال نتحاكم إِلى محمد فقال المنافق: بل نتحاكم إِلى " كعب بن الأشرف " - وهو الذي سماه الله الطاغوت - فأبى اليهودي أن يخاصمه إِلا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله لليهودي على المنافق، فلما خرج من عنده لم يرض المنافق وقال: تعالى نتحاكمْ إِلى عمر بن الخطاب فأتيا عمر فقال اليهودي: كان بيني وبين هذا خصومة فتحاكمنا إِلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصمني إِليك فقال عمر للمنافق: أكذلك هو؟ فقال: نعم فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إِليكما فدخل عمر فاشتمل عليه سيفه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد - أي مات - وقال: هكذا أقضي فيمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزلت الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ. . } الآية.

التفسِير: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } الخطاب عام لجميع المكلفين كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بالذمم سواءً كانت حقوق الله أو العباد قال الزمخشري: الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة، والمعنى يأمركم الله أيها المؤمنون بأداء الأمانات إِلى أربابها قال ابن كثير: يأمر تعالى بأداء الأمانات إِلى أهلها وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإِنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات وغيرها، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغيرها { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } أي ويأمركم أن تعدلوا بين الناس في أحكامكم { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أي نعم الشيء الذي يعظكم به { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } فيه وعدٌ ووعيد أي سميع لأقوالكم بصير بأفعالكم { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } أي أطيعوا الله وأطيعوا رسوله بالتمسك بالكتاب والسنة، وأطيعوا الحكام إِذا كانوا مسلمين متمسكين بشرع الله إِذ لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وفي قوله { مِنْكُمْ } دليل على أن الحكام الذين تجب طاعتهم يجب ان يكونوا مسلمين حسّاً ومعنى، لحماً ودماً، لا أن يكونوا مسلمين صورة وشكلاً { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } أي فإِن اختلفتم في أمرٍ من الأمور فاحتكموا فيه إِلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم { إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي إِن كنتم مؤمنين حقاً وهو شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق أي فردوه إِلى الله والرسول والغرض منه الحث على التمسك بالكتاب والسنة كما يقول القائل: إِن كنت ابني فلا تخالفني { ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي الرجوع إِلى كتاب الله وسنة رسوله خير لكم وأصلح وأحسن عاقبة ومآلاً.. ثم ذكر تعالى صفات المنافقين الذين يدّعون الإِيمان وقلوبهم خاوية منه فقال { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } تعجيبٌ من أمر من يدّعي الإِيمان ثم لا يرضى بحكم الله أي ألا تعجب من صنيع هؤلاء المنافقين الذين يزعمون الإِيمان بما أنزل إِليك وهو القرآن وما أنزل من قبلك وهو التوراة والإِنجيل { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ } أي يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إِلى الطاغوت قال ابن عباس هو " كعب بن الأشرف " أحد طغاة اليهود سمي به لإِفراطه في الطغيان وعداوته للرسول عليه السلام { وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } أي والحال أنهم قد أمروا بالإِيمان بالله والكفر بما سواه كقوله
{*فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ*}
[البقرة: 256] { وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } أي ويريد الشيطان بما زيّن لهم أن يحرفهم عن الحق والهدى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } أي وإِذا قيل لأولئك المنافقين تعالوا فتحاكموا إِلى كتاب الله وإِلى الرسول ليفصل بينكم فيما تنازعتم فيه { رَأَيْتَ ٱلْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } أي رأيتهم لنفاقهم يعرضون عنك إِعراضاً { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي كيف يكون حالهم إِذا عاقبهم الله بذنوبهم وبما جنته أيديهم من الكفر والمعاصي أيقدرون أن يدفعوا عنهم العذاب؟ { ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } أي ثم جاءك هؤلاء المنافقون للإِعتذار عما اقترفوه من الأوزار يقسمون بالله ما أردنا بالتحاكم إِلى غيرك إِلا الصلح والتأليف بين الخصمين وما أردنا رفض حكمك قال تعالى تكذيباً لهم { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } أي هؤلاء المنافقون يكذبون والله يعلم ما في قلوبهم من النفاق والمكر والخديعة وهم يريدون أن يخدعوك بهذا الكلام المعسول { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي فأعرضْ عن معاقبتهم للمصلحة ولا تُظهر لهم علمك بما في بواطنهم ولا تهتك سترهم حتى يبقوا على وجلٍ وحذر { وَعِظْهُمْ } أي ازجرهم عن الكيد والنفاق بقوارع الآيات { وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } أي انصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ مؤثر يصل إِلى سويداء قلوبهم يكون لهم رادعاً ولنفاقهم زاجراً، ثم أخبر تعالى عن بيان وظيفة الرسل فقال { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي لم نرسل رسولاً من الرسل إِلا ليطاع بأمر الله تعالى فطاعته طاعةٌ لله ومعصيته معصيةٌ لله { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } أي لو أن هؤلاء المنافقين حين ظلموا أنفسهم بعدم قبول حكمك جاءوك تائبين من النفاق مستغفرين الله من ذنوبهم معترفين بخطئهم { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } أي واستغفرت لهم يا محمد أي سألت الله أن يغفر لهم ذنوبهم { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } أي لعلموا كثرة توبة الله على عباده وسعة رحمته لهم ثم بين تعالى طريق الإِيمان الصادق فقال { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } اللام لتأكيد القسم أي فوربك يا محمد لا يكونون مؤمنين حتى يجعلوك حكماً بينهم ويرضوا بحكمك فيما تنازعوا فيه واختلفوا من الأمور { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } أي ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقاً من حكمك وينقادوا انقياداً تاماً كاملاً لقضائك، من غير معارضة ولا مدافعة ولا منازعة، فحقيقةُ الإِيمان الخضوع والإِذعان { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ } أي لو فرضنا على هؤلاء المنافقين ما فرضنا على من قبلهم من المشقات وشدّدنا التكليف عليهم فأمرناهم بقتل النفس والخروج من الأوطان كما فرض ذلك على بني إِسرائيل { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } أي ما استجاب ولا انقاد إِلا قليل منهم لضعف إِيمانهم { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به من طاعة الله وطاعة رسوله لكان خيراً لهم في عاجلهم وآجلهم وأشد تثبيتاً لإِيمانهم، وأبعد لهم عن الضلال والنفاق { وَإِذاً لأَتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } أي أعطيناهم ثمرة الطاعة ثوابا كثيرا { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } ثم ذكر تعالى ثمرة الطاعة لله ورسوله فقال { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } أي ومن يعمل بما أمره الله به ورسوله ويجتنب ما نهى الله عنه ورسوله، فإِن الله عز وجل يسكنه دار كرامته في دار الخلد مع المقربين { مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } أي مع أصحاب المنازل العالية في الآخرة وهم الأنبياء الأطهار والصديقون الأبرار وهم أفاضل أصحاب الأنبياء والشهداء الأخيار وهم الذين استشهدوا في سبيل الله ثم مع بقية عباد الله الصالحين { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } أي ونعمت رفقة هؤلاء وصحبتهم، وحَسُن رفيق أولئك الأبرار، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في شكواه التي قُبض فيها يقول { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } فعلمتُ أنه خيِّر { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } أي ما أُعطيه المطيعون من الأجر العظيم إِنما هو بمحض فضله تعالى { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } أي وكفى به تعالى مجازياً لمن أطاع عالماً بمن يستحق الفضل والإِحسان.

البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من ضروب الفصاحة والبديع ما يلي باختصار:

1- الاستفهام المراد به التعجب في { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ }.

2- الالتفات في { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } تفخيماً لشأن الرسول وتعظيماً لاستغفاره ولو جرى على الأصل لقال { واستغفرت لهم }.

3- إِيراد الأمر بصورة الإِخبار وتصديره بـ " إِنَّ " المفيدة للتحقيق في قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ } للتفخيم وتأكيد وجوب العناية والامتثال.

4- الجناس المغاير في { يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً } وفي { قُل لَّهُمْ.. قَوْلاً } وفي { يُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } وفي { يَصُدُّونَ.. صُدُوداً } وفي
{*فَأَفُوزَ فَوْزاً*}
[النساء: 73].

5- الاستعارة في قوله { فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } استعار ما اشتبك وتضايق من الشجر للتنازع الذي يدخل به بعض الكلام في بعض استعارة للمعقول بالمحسوس.

6- تكريم الاسم الجليل { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ } { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ } { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً } لتربية المهابة في النفوس.

7- الإِطناب في مواضع والحذف في مواضع.

فَائِدَة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إِنك لأحب إِليَّ من نفسي وأحبُّ إِليَّ من أهلي، وإِني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إِليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفتُ أنك إِذا دخلتَ الجنةُ رفعتَ مع النبيين وإِن دخلتُ الجنة خشيتُ أن لا أراك فلم يردّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم.. } الآية.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2015-04-03, 13:32 رقم المشاركة : 9
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النساء


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } * { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } * { وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } * { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } * { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } * { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } * { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } * { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } * { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } * { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }

المنَاسَبَة: لما حذّر تعالى من النفاق والمنافقين وأوصى بطاعة الله وطاعة رسوله، أمر هنا بأعظم الطاعات والقربات وهو ال**** في سبيل الله لإِعلاء كلمته وإِحياء دينه، وأمر بالاستعداد والتأهب حذراً من مباغتة الكفار، ثم بيّن حال المتخلفين عن ال**** المثبطين للعزائم من المنافقين وحذّر المؤمنين من شرهم.

اللغَة: { ثُبَاتٍ } جمع ثُبتة وهي الجماعة أي جماعة بعد جماعة { بُرُوجٍ } جمع برج وهو البناء المرتفع والقصر العظيم والمراد به هنا الحصون { مُّشَيَّدَةٍ } مرتفعة البناء { بَيَّتَ } دبَّر الأمر ليلاً، والبَيَاتُ أن يأتي العدو ليلاً ومنه قول العرب: أمرٌ بُيِّتَ بليل { أَذَاعُواْ بِهِ } أشاعوه ونشروه { يَسْتَنْبِطُونَهُ } يستخرجونه مأخوذ من استنبطت الماء إِذا استخرجته ومنه استنباط الأحكام من الكتاب والسنة { حَرِّضِ } التحريض: الحث على الشيء { تَنكِيلاً } تعذيباً والنكالُ: العذابُ { كِفْلٌ } نصيب وأكثر ما يستعمل الكفل في الشر { مُّقِيتاً } مقتدراً من أقات على الشيء قدر عليه قال الشاعر:
وذي ضِعْنٍ كففتُ النفس عنه *** وكنتُ على مساءته مُقيتاً
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبيَّ الله لقد كنا في عزٍ ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة؟ فقال: إِني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم، فلما حوله الله تعالى إِلى المدينة أمره بالقتال فكفّوا فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ... } الآية.

التفسِير: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ } أي يا معشر المؤمنين احترزوا من عدوكم واستعدوا له { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } أي اخرجوا إِلى ال**** جماعات متفرقين، سريةً بعد سرية أو اخرجوا مجتمعين في الجيش الكثيف، فخيَّرهم تعالى في الخروج إِلى ال**** متفرقين ومجتمعين { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } أي ليتثاقلنَّ ويتخلفنَّ عن ال****، والمراد بهم المنافقون وجعلوا من المؤمنين باعتبار زعمهم وباعتبار الظاهر { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } أي قتلٌ وهزيمة { قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً } أي قال ذلك المنافق قد تفضَّل الله عليَّ إِذ لم أشهد الحرب معهم فأُقتل ضمن من قتلوا { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } أي ولئن أصابكم أيها المؤمنون نصر وظفر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } أي ليقولنَّ هذا المنافق قول نادم متحسر كأن لم يكن بينكم وبينه معرفة وصداقة يا ليتني كنتُ معهم في الغزو لأنال حظاً وافراً من الغنيمة، وجملة { كَأَن لَّمْ تَكُنْ } اعتراضية للتنبيه على ضعف إِيمانهم، وهذه المودة في ظاهر المنافق لا في اعتقاده فهو يتمنى أن لو كان مع المؤمنين لا من أجل عزة الإِسلام بل طلباً للمال وتحصيلاً للحطام، ولما ذم تعالى المبطئين عن القتال في سبيل الله رغب المؤمنين فيه فقال { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } أي فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله الذين يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } وهذا وعدٌ منه سبحانه بالأجر العظيم لمن قاتل في سبيل الله سواءً غَلَب أو غُلِب أي من يقاتل في سبيل الله لإِعلاء كلمة الله فيُستشهد أو يظفر على الأعداء فسوف نعطيه ثواباً جزيلاً فهو فائز بإِحدى الحسنيين: الشهادة أو الغنيمة كما في الحديث " تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يُخرجه إِلا ****ٌ في سبيلي، وإِيمانٌ وتصديقٌ برسلي فهو عليَّ ضامن أن أُدخله الجنة أو أرجعه إِلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة " { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ } الاستفهام للحث والتحريض على ال**** أي وما لكم أيها المؤمنون لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل خلاص المستضعفين من إِخوانكم الذين صدَّهم المشركون عن الهجرة فبقوا مستذلين مستضعفين يلقون أنواع الأذى الشديد؟! وقوله { مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ } بيانٌ للمستضعفين قال ابن عباس: كنتُ أنا وأمي من المستضعفين، وهم الذين كان يدعو لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: اللهم أنْج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام الخ كما في الصحيح { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } أي الذين يدعون ربهم لكشف الضُرّ عنهم قائلين: ربنا أخرجنا من هذه القرية وهي مكة إِذ أنها كانت موطن الكفر ولذا هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم منها { ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا } بالكفر وهم صناديد قريش الذين منعوا المؤمنين من الهجرة ومنعوا من ظهور الإِسلام فيها { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } أي اجعل لنا من هذا الضيق فرجاً ومخرجاً وسخّر لنا من عندك وليّاً وناصراً، وقد استجاب الله دعاءهم فجعل لهم خير وليّ وناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة ولما خرج منها ولّى عليهم " عتّاب بن أسيد " فأنصف مظلومهم من ظالمهم، ثم شجع تعالى المجاهدين ورغبهم في ال**** فقال { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي المؤمنون يقاتلون لهدف سامٍ وغاية نبيلة وهي نصرة دين الله وإِعلاء كلمته ابتغاء مرضاته فهو تعالى وليهم وناصرهم { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّاغُوتِ } أي وأما الكافرون فيقاتلون في سبيل الشيطان الداعي إِلى الكفر والطغيان { فَقَاتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَانِ } أي قاتلوا يا أولياء الله أنصار واعوان الشيطان فإِنكم تغلبونهم، فشتان بين من يقاتل لإِعلاء كلمة الله وبين من يقاتل في سبيل الشيطان، فمن قاتل في سبيل الله فهو الذي يَغْلب لأن الله وليُّه وناصرُه، ومن قاتل في سبيل الطاغوت فهو المخذول المغلوب ولهذا قال { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } أي سعيُ الشيطان في حد ذاته ضعيف فكيف بالقياس إِلى قدرة الله؟! قال الزمخشري: كيدُ الشيطان للمؤمنين إِلى جنب كيد الله للكافرين أضعف شيء وأوهنه { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } أي أَلا تعجب يا محمد من قوم طلبوا القتال وهم بمكة فقيل لهم: أمسكوا عن قتال الكفار فلم يحن وقته وأعدّوا نفوسكم بإِقامة الصلاة وإِيتاء الزكاة { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أي فلما فرض عليهم قتال المشركين إِذا جماعة منهم يخافون ويجبنون ويفزعون من الموت كخشيتهم من عذاب الله أو أشد من ذلك، قال ابن كثير: كان المؤمنون في إِبتداء الإِسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة والصبر على أذى المشركين وكانوا يتحرقون لو أُمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم فلما أمروا بما كانوا يودونه جزع بعضهم وخاف من مواجهة الناس خوفاً شديداً { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ } أي وقالوا جزعاً من الموت ربنا لم فرضت علينا القتال؟ { لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } لولا للتحضيض بمعنى هلاّ أي هلاّ أخرتنا إِلى أجل قريب حتى نموتَ بآجالنا ولا نقتل فيفرح بنا الأعداء! { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ } أي قل لهم يا محمد إِن نعيم الدنيا فانٍ ونعيم الآخرة باقٍ فهو خير من ذلك المتاع الفاني لمن اتقى الله وامتثل أمره { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي لا تُنقصون من أجور أعمالكم أدنى شيء ولو كان فتيلاً وهو الخيط الذي في شق النواة قال في التسهيل: إِن الآية في قومٍ من الصحابة كانوا قد أُمروا بالكف عن القتال فتمنوا أن يؤمروا به، فلما أُمروا به كرهوه لا شكاً في دينهم ولكن خوفاً من الموت، وقيل هي في المنافقين وهو أليق في سياق الكلام { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } أي في أي مكانٍ وجدتم فلا بدّ أن يدرككم الموت عند انتهاء الأجل ويفاجئكم ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة فلا تخشوا القتال خوف الموت { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي إِن تصب هؤلاء المنافقين حسنةٌ من نصر وغنيمة وشبه ذلك يقولوا هذه من جهة الله ومن تقديره لما علم فينا من الخير { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } أي وإِن تنلهم سيئة من هزيمة وجوع وشبه ذلك يقولوا هذه بسبب اتباعنا لمحمد ودخولنا في دينه يعنون بشؤم محمد ودينه قال السدي: يقولون هذا بسبب تركنا ديننا واتباعنا محمداً أصابنا هذا البلاء كما قال تعالى عن قوم فرعون {*وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ*} [الأعراف: 131] { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أُمر صلى الله عليه وسلم بأن يرد زعمهم الباطل ويلقمهم الحجر ببيان أن الخير والشر بتقدير الله أي قل يا محمد لهؤلاء السفهاء: الحسنةُ والسيئة والنعمةُ والنقمة كلُّ ذلك من عند الله خلقاً وإِيجاداً لا خالق سواه فهو وحده النافع الضار وعن إِرادته تصدر جميع الكائنات { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } أي ما شأنهم لا يفقهون أن الأشياء كلها بتقدير الله؟ وهو توبيخ لهم على قلة الفهم.. ثم قال تعالى مبيناً حقيقة الإِيمان { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } الخطاب لكل سامع أي ما أصابك يا إِنسان من نعمة وإِحسان فمن الله تفضلاً منه وإِحساناً وامتناناً وامتحاناً، وما أصابك من بلية ومصيبة فمن عندك لأنك السبب فيها بما ارتكبت يداك كقوله
{*وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ*}
[الشورى: 30].. ثم قال تعالى مخاطباً الرسول { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } أي وأرسلناك يا محمد رسولاً للناس أجمعين تبلغهم شرائع الله وحسبك أن يكون الله شاهداً على رسالتك، ثم رغب تعالى في طاعة الرسول فقال { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } أي من أطاع أمر الرسول فقد أطاع الله لأنه مبلّغٌ عن الله { وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } أي ومن أعرض عن طاعتك فما أرسلناك يا محمد حافظاً لأعمالهم ومحاسباً لهم عليها إِن عليك إلا البلاغ { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ } أي ويقول المنافقون: أمرك يا محمد طاعة كقول القائل " سمعاً وطاعةً " فإِذا خرجوا من عندك دبّر جماعة منهم غير الذي تقوله لهم وهو الخلاف والعصيان لأمرك { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ } أي يأمر الحفظة بكتابته في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي اصفح عنهم وفوّض أمرك إِلى الله وثق به { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } أي فهو سبحانه ينتقم لك منهم وكفى به ناصراً ومعيناً لمن توكل عليه، ثم عاب تعالى المنافقين بالإِعراض عن التدبر في القرآن في فهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ففي تدبره يظهر برهانه ويسطع نوره وبيانه { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } أي لو كان هذا القرآن مختلقاً كما يزعم المشركون والمنافقون لوجدوا فيه تناقضاً كبيراً في أخباره ونظمه ومعانيه ولكنه منزه عن ذلك فأخباره صدق، ونظمه بليغ، ومعانيه محكمة، فدلَّ على أنه تنزيل الحكيم الحميد { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } أي إِذا جاء المنافقين خبرٌ من الأخبار عن المؤمنين بالظفر والغنيمة أو النكبة والهزيمة أذاعوا به أي أفشوه وأظهروه وتحدثوا به قبل أن يقفوا على حقيقته وكان في إِذاعتهم له مفسدة على المسلمين { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي لو ترك هؤلاء الكلام بذلك الأمر الذي بلغهم وردوه إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإِلى كبراء الصحابة وأهل البصائر منهم لعلمه الذين يستخرجونه منهم أي من الرسول وأولي الأمر { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لولا فضل الله عليكم أيها المؤمنون بإِرسال الرسول ورحمته بإِنزال القرآن لاتبعتم الشيطان فيما يأمركم به من الفواحش إِلا قليلاً منكم، ثم أمر الرسول بال**** فقال { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أي قاتل يا محمد لإِعلاء كلمة الله ولو وحدك فإِنك موعود بالنصر ولا تهتم بتخلف المنافقين عنك { وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي شجِّعهم على القتال ورغبْهم فيه { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هذا وعدٌ من الله بكفهم و { عَسَى } من الله تفيد التحقيق أي بتحريضك المؤمنين يكف الله شرّ الكفرة الفجار، وقد كفهم الله بهزيمتهم في بدر وبفتح مكة { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي هو سبحانه أشد قوة وسطوة، وأعظم عقوبة وعذاباً { مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا } أي من يشفع بين الناس شفاعة موافقة للشرع يكن له نصيب من الأجر { وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } أي ومن يشفع شفاعة مخالفة للشرع يكن له نصيب من الوزر بسببها { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } أي مقتدراً فيجازي كل أحدٍ بعمله { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ } أي إِذا سلّم عليكم المسلم فردوا عليه بأفضل مما سلّم أو رُدُّوا عليه بمثل ما سلّم { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } أي يحاسب العباد على كل شيء من أعمالهم الصغيرة والكبيرة { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } هذا قسم من الله بجمع الخلائق يوم المعاد أي الله الواحد الذي لا معبود سواه ليحشرنكم من قبوركم إِلى حساب يوم القيامة الذي لا شك فيه وسيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحدٍ للجزاء والحساب { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } لفظه استفهام ومعناه النفي أي لا أحد أصدق في الحديث والوعد من الله رب العالمين.

البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات أنواعاً من الفصاحة والبيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- الاستعارة في قوله { يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } أي يبيعون الفانية بالباقية فاستعار لفظ الشراء للمبادلة وهو من لطيف الاستعارة.

2- الاعتراض في { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ }.

3- التشبيه المرسل المجمل في { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ }.

4- الطباق بين { ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ }.

5- جناس الاشتقاق في { أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } وفي { حُيِّيتُم فَحَيُّواْ } وفي { يَشْفَعْ شَفَاعَةً } وفي { بَيَّتَ..و.. يُبَيِّتُونَ }.

6- الاستفهام الذي يراد به الإِنكار في { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ }؟

7- المقابلة في قوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّاغُوتِ } وكذلك في قوله { مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } وهذه من المحسنات البديعية وهي أي يؤتى بمعنيين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب.
تنبيه: لا تعَارض بين قوله تعالى { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي كلٌ من الحسنة والسيئة وبين قوله { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } إِذ الأولى على الحقيقة أي خلقاً وإِيجاداً والثانية تسبباً وكسباً بسبب الذنوب
{*وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ*}
[الشورى: 30] أو نقول: نسبة الحسنة إِلى الله، والسيئة إِلى العبد هو من باب الأدب مع الله في الكلام وإِن كان كل شيء منه في الحقيقة كقوله صلى الله عليه وسلم " الخير كلُّه بيديك والشرُّ ليس إِليك " والله أعلم.






التوقيع

    رد مع اقتباس
قديم 2015-04-07, 13:39 رقم المشاركة : 10
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: تفسير سورة النساء


* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } * { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } * { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى مواقف المنافقين المخزية، عقّبه بذكر نوعٍ آخر من أحوال المنافقين الشنيعة، ثم ذكر حكم القتل الخطأ والقتل العمد، وأمر بالتثبت قبل الإِقدام على قتل إِنسان لئلا يُفضي إلى قتل أحد من المسلمين، ثم ذكر تعالى مراتب المجاهدين ومنازلهم الرفيعة في الآخرة.

اللغَة: { أَرْكَسَهُمْ } ردّهم إِلى الكفر أو نكَّسهم وأصل الركس ردُّ الشيء مقلوباً قال الشاعر:
فأُركسوا في حميم النار إِنهم *** كانوا عصاةً وقالوا الإِفك والزورا
{ حَصِرَتْ } ضاقت من الحصر وهو الضيق { ٱلسَّلَمَ } الاستسلام والإِنقياد { ثَقِفْتُمُوهُمْ } صادفتموهم ووجدتموهم { فَتَبَيَّنُواْ } فتثبتوا { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } قلبوا فيها.

سَبَبُ النّزول: أ - عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إِلى أُحد فرجع ناسٌ ممن كان معه، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فقال بعضهم: نقتلهم، وقال بعضهم: لا، فأنزل الله { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ.. } الآية فقال صلى الله عليه وسلم: " إِنها طيبة تنفي الخَبث كما تنفي النار خبث الحديد " أخرجه الشيخان.

ب - يروى أن " الحارث بن يزيد " كان شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم فجاء مهاجراً وهو يريد الإِسلام فلقيه " عياش بن أبي ربيعة " - والحارث يريد الإِسلام وعياش لا يشعر - فقتله فأنزل الله { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً }. الآية.

ج - عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلاً في غنيمةٍ له فقال: السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت هذه الآية { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً.. } الآية.

التفسِير: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ } أي ما لكم أيها المؤمنون أصبحتم فرقتين في شأن المنافقين، بعضكم يقول نقتلهم وبعضكم يقول لا نقتلهم والحال أنهم منافقون والله نكَّسهم وردّهم إِلى الكفر بسبب النفاق والعصيان { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أي أتريدون هداية من أضله الله، والاستفهام للإِنكار والتوبيخ في الموضعين والمعنى لا تختلفوا في أمرهم ولا تظنوا فيهم الخير لأن الله حكم بضلالهم { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي من يضلله الله فلن تجد له طريقاً إِلى الهدى والإِيمان { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } أي تمنى هؤلاء المنافقون أن تكفروا مثلهم فتستووا أنتم وهم وتصبحوا جميعاً كفاراً { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي لا توالوا ولا تصادقوا منهم أحداً حتى يؤمنوا ويحققوا إِيمانهم بالهجرة وال**** في سبيل الله { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } أي إِن أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله فخذوهم أيها المؤمنون واقتلوهم حيث وجدتموهم في حلٍّ أو حرم { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي لا تستنصروهم ولا تستنصحوهم ولا تستعينوا بهم في الأمور ولو بذلوا لكم الولاية والنصرة { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } أي إِلا الذين ينتهون ويلجأون إِلى قوم عاهدوكم فدخلوا فيهم بالحِلْف فحكمهم حكم أولئك في حقن دمائهم { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ } وهذا استثناء أيضاً من القتل أي وإِلا الذين جاءوكم وقد ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم فهم قوم ليسوا معكم ولا عليكم { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ } أي من لطفه بكم أن كفّهم عنكم ولو شاء لقوّاهم وجرّأهم عليكم فقاتلوكم { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أي فإِن لم يتعرضوا لكم بقتال وانقادوا واستسلموا لكم فليس لكم أن تقاتلوهم طالما سالموكم { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } أي ستجدون قوماً آخرين من المنافقين يريدون أن يأمنوكم بإِظهار الإِيمان ويأمنوا قومهم بإِظهار الكفر إِذا رجعوا إِليهم قال أبو السعود: هم قوم من " أسد وغطفان " كانوا إِذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا من المسلمين فإِذا رجعوا إِلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم ليأمنوا قومهم { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي كلما دعوا إِلى الكفر أو قتال المسلمين عادوا إِليه وقُلبوا فيه على اسوأ شكل فهم شرّ من كل عدو شرير { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ } أي فإِن لم يجتنبوكم ويستسلموا إِليكم ويكفوا أيديهم عن قتالكم { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } أي فأسروهم واقتلوهم حيث وجدتموهم وأصبتموهم { وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي جعلنا لكم على أخذهم وقتلهم حجة واضحة وبرهاناً بيناً بسبب غدرهم وخيانتهم { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } أي لا ينبغي لمؤمنٍ ولا يليق به أن يقتل مؤمناً إِلا على وجه الخطأ لأن الإِيمان زاجرٌ عن العدوان { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } أي ومن قتل مؤمناً على وجه الخطأ فعليه إِعتاق رقبةٍ مؤمنة لأن إِطلاقها من قيد الرق كإِحيائها، وعليه كذلك ديةٌ مؤداة إِلى ورثة المقتول إِلا إِذا عفا الورثة عن القاتل فأسقطوا الدية، وقد أوجب الشارع في القتل الخطأ شيئين: الكفارة وهي تحرير رقبة مؤمنة في مال القاتل، والدية وهي مائةٌ من الإِبل على العاقلة { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي إِن كان المقتول خطأً مؤمناً وقومه كفاراً أعداء وهم المحاربون فإِنما على قاتله الكفارة فقط دون الدية لئلا يستعينوا بها على المسلمين { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي وإِن كان المقتول خطأً من قوم كفرة بينكم وبينهم عهد كأهل الذمة فعلى قاتله دية تدفع إلى أهله لأجل معاهدتهم ويجب أيضاً على القاتل إِعتاق رقبة مؤمنة { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ } أي فمن لم يجد الرقبة فعليه صيام شهرين متتابعين عوضاً عنها شرع تعالى لكم ذلك لأجل التوبة عليكم { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } أي عليماً بخلقه حكيماً فيما شرع. . ثم بين تعالى حكم القتل العمد وجريمته النكراء وعقوبته الشديدة فقال { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا } أي ومن يقدم على قتل مؤمن عالماً بإِيمانه متعمداً لقتله فجزاؤه جهنم مخلداً فيها على الدوام، وهذا محمول عند الجمهور على من استحل قتل المؤمن كما قال ابن عباس لأنه باستحلال القتل يصبح كافراً { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } أي ويناله السخط الشديد من الله والطرد من رحمة الله والعذاب الشديد في الآخرة { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ } أي إِذا سافرتم في ال**** لغزو الأعداء فتثبتوا ولا تعجلوا في القتل حتى يتبين لكم المؤمن من الكافر { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } أي ولا تقولوا لمن حياكم بتحية الإِسلام لست مؤمناً وإِنما قلت هذا خوفاً من القتل فتقتلوه { تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي حال كونكم طالبين لماله الذي هو حطامٌ سريع الزوال { فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } أي فعند الله ما هو خير من ذلك وهو ما أعده لكم من جزيل الثواب والنعيم { كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ } أي كذلك كنتم كفاراً فهداكم للإِسلام ومنَّ عليكم بالإِيمان فتبينوا أن تقتلوا مؤمناً وقيسوا حاله بحالكم { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي مطلعاً على أعمالكم فيجازيكم عليها، ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين فقال { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَاعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ - غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ - وَٱلْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } أي لا يتساوى من قعد عن ال**** من المؤمنين مع من جاهد بماله ونفسه في سبيل الله غير أهل الأعذار كالأعمى والأعرج والمريض قال ابن عباس: هم القاعدون عن بدر والخارجون إِليها، ولما نزلت الآية قام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله: هل لي من رخصة فوالله لو أستطيع ال**** لجاهدتُ - وكان أعمى - فأنزل الله { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } { فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } أي فضل الله المجاهدين على القاعدين من أهل الأعذار درجة لاستوائهم في النية كما قال صلى الله عليه وسلم: " إِن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من وادٍ إِلا وهم معكم فيه قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم حبسهم العذر " { وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي وكلاً من المجاهدين والقاعدين بسبب ضررٍ لحقهم وعدهم الله الجزاء الحسن في الآخرة { وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَاهِدِينَ عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } أي وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين بغير عذر بالثواب الوافر العظيم { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي منازل بعضها أعلى من بعض مع المغفرة والرحمة وفي الحديث " إِن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ".

البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات من البلاغة والبيان والبديع أنواعاً نوجزها فيما يلي:

1- الاستفهام بمعنى الإِنكار في { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ }؟ وفي { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ }؟.

2- الطباق في { أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } وكذلك { ٱلْقَاعِدُونَ.. وَٱلْمُجَاهِدُونَ }.

3- والجناس المغاير في { تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ } وفي { مَغْفِرَةً.. وغَفُوراً }.

4- الإِطناب في { فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.. وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَاهِدِينَ عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ } وكذلك في { أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً }.

5- الاستعارة في { إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } استعار الضرب للسعي في قتال الأعداء واستعار السبيل لدين الله، ففيه استعارة الضرب لل****، واستعارة السبيل لدين الله.

6- المجاز المرسل في { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أطلق الجزء وأراد الكل أي عتق مملوك.

الفوَائِد: القتل العمد من أعظم الجرائم في نظر الإِسلام ولهذا كانت عاقبته في غاية التغليظ والتشديد وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من أعان على قتل مسلم مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله " وفي الحديث أيضاً " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن " ولهذا أفتى ابن عباس بعدم قبول توبة القاتل، أعاذنا الله من ذلك.

تنبيهْ: أمر تعالى في القتل الخطأ بإِعتاق رقبةٍ مؤمنة والحكمة في هذا - والله أعلم - أنه لما أخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار إِذ أن إِطلاقها من قيد الرق إِحياءٌ لها، والعبد الرقيق في الإِسلام له من الحقوق ما ليس للأحرار في الأمم الأخرى وليس أدل على ذلك من قوله تعالى
{*فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ*}
[النحل: 71] وقوله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه " الصلاة الصلاةَ، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون " ومن يطّلع على معاملة الزنوج في أمريكا يتضح له جلياً صحة ما نقول وها هي الأمم الغربية تحرم استرقاق العبيد في حين أنها تسترق الأحرار، وتحرم استرقاق الأفراد وتسترق الجماعات والأمم والشعوب، باسم الاستعمار والانتداب، فأين هذه الحضارة المزعومة والمدنيَّة الزائفة من حضارة الإِسلام ومدنيته الصادقة التي حررت الشعوب والأمم والأفراد؟!






التوقيع

    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 12:15 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd