منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   تفسير (https://www.profvb.com/vb/f297.html)
-   -   تفسير آيات من سورة آل عمران (https://www.profvb.com/vb/t156392.html)

أم سهام 2015-02-01 11:50

تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

المنَاسَبَة: لما أقام القرآن الحجة على النصارى وأبطل دعواهم في شأن ألوهية المسيح، دعا الفريقين " اليهود والنصارى " إِلى التوحيد، والاقتداء بأبي الأنبياء إِبراهيم عليه السلام، إِذ كانت ملته الحنيفية السمحة وهي ملة الإِسلام، ولم يكن يهودياً ولا نصرانياً كما زعم كل من الفريقين، ثم بيّن أن أحق الناس بالانتساب إِلى إِبراهيم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.

اللغَة: { سَوَآءٍ } السَّواء: العدل والنَّصف قال أبو عبيدة: يقال قد دعاك إِلى السَّواء فاقبل منه قال زهير:
أروني خطةً لا ضيم فيها *** يُسوّى بيننا فيها السَّواء
{ أَوْلَى } أحقُّ { وَدَّت } تمنت { تَلْبِسُونَ } اللَّبْس: الخلط يقال: لَبس الأمرُ عليه إِذا اشتبه واختلط { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } أوله سميّ وجهاً لأن أول ما يواجه من النهار أوله قال الشاعر:
من كانَ مسروراً بمقتل مالك *** فليأْتِ نِسوتنا بوجهِ نهار
سَبَبُ النّزول: روي عن ابن عباس أن أحبار اليهود ونصارى نجران اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا في إِبراهيم فقالت اليهود: ما كان إِلا يهودياً، وقالت النصارى: ما كان إِلا نصرانياً فأنزل الله { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً } الآية.

التفسِير: { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } أي قل لهم يا معشر اليهود والنصارى هلموا إِلى كلمة عادلة مستقيمة فيها إِنصاف من بعضنا لبعض { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } أي أن نفرد الله وحده بالعبادة ولا نجعل له شريكاً { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي لا يعبد بعضنا بعضاً كما عبد اليهود والنصارى عزيراً وعيسى، وأطاعوا الأحبار والرهبان فيما أحلوا لهم وحرّموا، روي أن الآية لمّا نزلت قال عدي بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم أما كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم؟ فقال: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو ذاك { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أي فإِن أعرضوا عن التوحيد ورفضوا قبول تلك الدعوة العادلة فقولوا أنتم اشهدوا يا معشر أهل الكتاب بأننا موحّدون مسلمون، مقرّون لله بالوحدانية مخلصون له العبادة { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } أي يا معشر اليهود والنصارى لم تجادلون وتنازعون في إِبراهيم وتزعمون أنه على دينكم { وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } أي والحال أنه ما حدثت هذه الأديان إِلا من بعده بقرونٍ كثيرة فكيف يكون من أهلها؟ { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } بطلان قولكم؟ فقد كان بين إِبراهيم وموسى ألف سنة، وبين موسى وعيسى ألفا سنة فكيف يقول بذلك عاقل؟ والاستفهام للتوبيخ { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ } أي ها أنتم يا معشر اليهود والنصارى جادلتم وخاصمتم في شأن عيسى وقد عشتم زمانه فزعمتم ما زعمتموه { فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي فلم تخاصمون وتجادلون في شأن إِبراهيم ودينه وتنسبونه إِلى اليهودية أو النصرانية بدون علم؟ أفليست هذه سفاهة وحماقة؟ { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي والله يعلم الحقَّ من أمر إِبراهيم وأنتم لا تعلمون ذلك، قال أبو حيان: " وهذا استدعاء لهم أن يسمعوا كما تقول لمن تخبره بشيء لا يعلمه: اسمع فإِني أعلم ما لا تعلم " ثم أكذبهم الله تعالى في دعوى إِبراهيم فقال { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً } أي ما كان إِبراهيم على دين اليهودية ولا على دين النصرانية، فإِن اليهودية ملة محرّفة عن شرع موسى، وكذلك النصرانية ملة محرفة عن شرع عيسى { وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً } أي مائلاً عن الأديان كلها إِلى الدين القيّم { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي كان مسلماً ولم يكن مشركاً، وفيه تعريض بأنهم مشركون في قولهم عزير بن الله، والمسيح بن الله، وردٌّ لدعوى المشركين أنهم على ملة إِبراهيم { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } أي أحق الناس بالانتساب إِلى إِبراهيم أتباعه الذين سلكوا طريقه ومنهاجه في عصره وبعده { وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ } أي محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي المؤمنون من أمة محمد فهم الجديرون بأن يقولوا نحن على دينه لا أنتم { وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي حافظهم وناصرهم.

يتبع

أم سهام 2015-02-01 11:56

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

. ولما دعا اليهود بعض الصحابة إِلى اليهودية نزل قوله { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ } أي تمنَّوا إِضلالكم بالرجوع إِلى دينهم حسداً وبغياً { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ } أي لا يعود وبال ذلك إِلا عليهم إِذ يُضاعف به عذابهم { وَمَا يَشْعُرُونَ } أي ما يفطنون لذلك، ثم وبّخهم القرآن على فعلهم القبيح فقال { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي بالقرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أي تعلمون أنه حق { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } أي لم تخلطون بين الحق والباطل بإِلقاء الشُّبَه والتحريف والتبديل؟ { وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعلمون ذلك، ثم حكى تعالى نوعاً آخر من مكرهم وخبثهم، وهو أن يظهروا الإِسلام في أول النهار ثم يرتدوا عنه في آخره ليشككوا الناس في دين الإِسلام فقال { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } قال ابن كثير: وهذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم تشاوروا بينهم أن يظهروا الإِيمان أول النهار ويصلّوا مع المسلمين فإِذا جاء آخر النهار ارتدوا إِلى دينهم ليقول الجهلة من الناس إِنما ردهم إِلى دينهم اطلاعهم على نقيصةٍ وعيبٍ في دين المسلمين { وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ } أي اكفروا بالإِسلام آخر النهار { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي لعلهم يشكّون في دينهم فيرجعون عنه { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } هذا من تتمة كلام اليهود حكاه الله عنهم والمعنى: لا تصدقوا ولا تظهروا سرّكم وتطمئنوا لأحدٍ إِلا إِذا كان على دينكم { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } أي قل لهم يا محمد الهدى ليس بأيديكم وإِنما الهدى هدى الله، يهدي من يشاء إِلى الإِيمان ويثبته عليه كما هدى المؤمنين، والجملة اعتراضية، ثم ذكر تعالى بعد ذلك الاعتراض بقية كلام اليهود فقال { أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } أي يقول اليهود بعضهم لبعض: لا تصدّقوا إِلا لمن تبع دينكم، وانظروا فيمن ادعى النبوة فإِن كان متبعاً لدينكم فصدقوه وإِلا فكذبوه، ولا تقروا ولا تعترفوا لأحدٍ بالنبوة إِلا إِذا كان على دينكم، خشية أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم وخشية أن يحاجوكم به عند ربكم، فإِذا أقررتم بنبوة محمد ولم تدخلوا في دينه تكون له الحجة عليكم يوم القيامة، وغرضهم نفي النبوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } أي قل لهم يا محمد أمر النبوة ليس إِليكم وإِنما هو بيد الله والفضل والخير كله بيد الله يؤتيه من يشاء { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أي كثير العطاء واسع الإِنعام يعلم من هو أهل له { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي يختص بالنبوة من شاء { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } أي فضله واسع عظيم لا يُحدُّ ولا يُمنع.
يتبع

أم سهام 2015-02-01 12:00

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

البَلاََغَة: جمعت هذه الآيات من ضروب الفصاحة والبلاغة ما يأتي: المجازُ في قوله { إِلَىٰ كَلِمَةٍ } حيث أطلق اسم الواحد على الجمع، والتشبيهُ في قوله { أَرْبَاباً } حيث شبّه طاعتهم لرؤساء الدين في أمر التحليل بالربّ المستحق للعبادة، والطباقُ في قوله { ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِل } والجناس التام في قوله { يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ } وجناس الاشتقاق في { أَوْلَى } و { وَلِيُّ } والتكرار في عدة مواطن، والحذف في عدة مواطن.

فَائِدَة: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً إِلى " هرقل " ملك الروم يدعوه فيه إِلى الإِسلام واستشهد فيه بالآية الكريمة التي فيها إِخلاص الدعوة لعبادة الله وحده، ونصُّ الكتاب كما هو في صحيح مسلم " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إِلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتَّبع الهدى أما بعد: فإِني أدعوك بدعاية الإِسلام، أسلمْ تسْلَم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإِن توليت فإِن عليك إِثم الأريسيين - يعني الفلاحين والخدم - و { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ".

الشريف السلاوي 2015-02-01 15:57

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
شكرا جزيلا و بارك الله فيك

عيون المها 2015-02-01 19:43

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
بارك الله فيك و جعل ذلك في ميزان

حسناتك

أم سهام 2015-02-02 20:24

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } * { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

المنَاسَبَة: لما حكى تعالى قبائح أهل الكتاب، وما هم عليه من الخبث والكيد والمكر، أعقبه بذكر بعض أوصاف اليهود خاصة وهي خيانتهم من الناحيتين: المالية والدينية، فقد خانوا الله والناس بتحريفهم كلام الله عن معناه، واستحلالهم أكل أموال الناس بالباطل.

اللغَة: { قِنْطَارٍ } القنطار المالُ الكثير وقد تقدم { قَآئِماً } ملازماً ومداوماً على مطالبته { ٱلأُمِّيِّينَ } المراد بهم العرب وأصلُ الأميّ الذي لا يقرأ ولا يكتب والعربُ كانوا كذلك { يَلْوُونَ } من الليّ وهو اللّف والفتل تقول: لويتُ يده إِذا فتلتها والمراد أنهم يفتلون ألسنتهم ليميلوها عن الآيات المنزلة إِلى العبارات المحرّفة { لاَ خَلاَقَ } أي لا نصيب لهم من رحمة الله { رَبَّانِيِّينَ } جمع رباني وهو المنسوب إِلى الربّ قال الطبري معناه: كونوا حكماء علماء.

سَبَبُ النّزول: عن الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجلٍ من اليهود أرض فجحدني فقدمته إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك بيّنة؟ قلت: لا، قال لليهودي: احلفْ قلت: إِذاً يحلف فيذهب بما لي فأنزل الله { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ... } الآية.

التفسِير: { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } أي من اليهود من إِذا ائتمنته على المال الكثير أدّاه إليك لأمانته كعبد الله بن سلام أودعه قرشي ألف أوقية ذهباً فأداها إليه { وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } أي ومنهم من لا يؤتمن على دينار لخيانته كفنحاص بن عازوراء ائتمنه قرشي على دينار فجحده { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } أي إِلا إِذا كنت ملازماً له ومُشهداً عليه { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } أي إِنما حملهم على الخيانة زعمهم أن الله أباح لهم أموال الأميين - يعني العرب - روي أن اليهود قالوا
{*نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُِ*}
[المائدة: 18] والخلق لنا عبيد، فلا سبيل لأحدٍ علينا إِذا أكلنا أموال عبيدنا، وقيل إِنهم قالوا إِن الله أباح لنا مال من خالف ديننا { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي يكذبون على الله بادعائهم ذلك وهم يعلمون أنهم كاذبون مفترون، روي أنهم لما قالوا { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إِلا هو تحت قدميَّ هاتين إِلا الأمانة فإِنها مؤداة إِلى البرّ والفاجر، ثم قال تعالى { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } أي ليس كما زعموا بل عليهم فيه إِثم لكنْ من أدّى الأمانة منهم وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم واتقى الله واجتنب محارمه فإِن الله يحبه ويكرمه { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } أي يستبدلون بالعهد الذي عاهدوا عليه من التصديق بمحمد وبأيمانهم الكاذبة حطام الدنيا وعرضها الخسيس الزائل { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } أي ليس لهم حظ ولا نصيب من رحمة الله تعالى { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي لا يكلمهم كلام أنسٍ ولطف، ولا ينظر إِليهم بعين الرحمة يوم القيامة { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي لا يطهرهم من أوضار الأوزار، ولهم عذاب مؤلم على ما ارتكبوه من المعاصي { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ } أي وإِن من اليهود طائفة يفتلون ألسنتهم في حال قراءة الكتاب لتحريف معانيه وتبديل كلام الله عن المراد منه قال ابن عباس: يحرفونه بتأويله على غير مراد الله { لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ } أي لتظنوا أن هذا المحرّف من كلام الله وما هو إِلا تضليل وبهتان { وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي ينسبونه إِلى الله وهو كذبٌ على الله { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كذبوا وافتروا على الله، ثم قال تعالى رداً على النصارى لما زعموا أن عيسى أمرهم أن يعبدوه { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } أي لا يصح ولا ينبغي لأحدٍ من البشر أعطاه الله الكتاب والحكمة والنبوة { ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي ثم يقول للناس اعبدوني من دون الله، والنفيُ في مثل هذه الصيغة { مَا كَانَ } إِنما يؤتى به للنفي العام الذي لا يجوز عقلاً ثبوتُه والغرض أنه لا يصح أصلاً ولا يتصور عقلاً صدور دعوى الألوهية من نبي قط أعطاه الله النبوة والشريعة فضلاً عن أن يحصل ذلك بالفعل لأن الرسول سفير بين الله وخلقه ليرشد الناس إِلى عبادة الله فكيف يدعوهم إِلى عبادة نفسه؟ { وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ } أي ولكن يقول لهم كونوا ربانيّين قال ابن عباس: حكماء علماء حلماء والمعنى: لا أدعوكم إِلى أن تكونوا عباداً لي ولكن أدعوكم أن تكونوا علماء فقهاء مطيعين لله { بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } أي بتعليمكم الناس الكتاب ودراستكم إيّاه { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً } أي وما كان له أن يأمركم بعبادة غير الله - ملائكة أو أنبياء - لأنَّ مهمة الرسل الدعوة إِلى الله وإِخلاص العبادة له { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي أيأمركم نبيكم بالكفر وجحود وحدانية الله، بعد أن أسلمتم ودخلتم في دين الله؟ والاستفهام إِنكاري تعجبي.

يتبع

أم سهام 2015-02-02 20:35

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
البَلاَغَة: 1- { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ } الإِشارة بالبعيد للإِيذان بكمال غلوهم في الشر والفساد.

2- { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } فيه إِيجاز بالحذف أي ليس علينا في أكل أموال الأميين سبيل.

3- { يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } فيه استعارة فقد استعار لفظ الشراء للاستبدال.

4- { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ } مجاز عن شدة غضبه وسخطه تعالى عليهم وكذلك في الآتي بعدها.

5- { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ } قال الزمخشري: مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم لأن من اعتد بإِنسانٍ التفت إِليه وأعاره نظر عينيه.


6- بين لفظ { اتَّقَى } و { الْمُتَّقِينَ } جناس الاشتقاق وبين لفظ { ٱلْكُفْرِ } و { مُّسْلِمُونَ } طباقٌ.

فَائِدَة: روي أن رجلاً قال لابن عباس: " إِنّا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة، قال ابن عباس: فماذا تقولون؟ قالوا نقول ليس علينا بذلك بأس، قال: هذا كما قال أهل الكتاب { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } إِنهم إِذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إِلا بطيب أنفسهم " ذكره ابن كثير.

عيون المها 2015-02-02 22:12

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
ما شاء الله عليك



أم سهام 2015-02-04 11:16

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

المنَاسَبَة: لمّا ذكر تعالى خيانة أهل الكتاب بتحريفهم كلام الله عن مواضعه، وتغييرهم أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجودة في كتبهم حتى لا يؤمنوا به، ذكر تعالى هنا ما تقوم به الحجة عليهم وهو أن الله قد أخذ الميثاق على أنبيائهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إِن أدركوا حياته، وأن يكونوا من أتباعه وأنصاره، فإِذا كان الأنبياء قد أخذ عليهم العهد أن يؤمنوا به ويبشروا بمبعثه فكيف يصح من أتباعهم التكذيب برسالته؟ ثم ذكر تعالى أن الإِيمان بجميع الرسل شرط لصحة الإِيمان وبيَّن أن الإِسلام هو الدين الحق الذي لا يقبل الله ديناً سواه.

اللغَة: { مِيثَاقَ } الميثاق: العهد المؤكد بيمين ونحوه وقد تقدم { إِصْرِي } عهدى وأصله في اللغة الثقل قال الزمخشري: وسمي إِصراً لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد { ٱلْفَاسِقُونَ } الخارجون عن طاعة الله { طَوْعاً } انقياداً عن رغبة { وَكَرْهاً } إِجباراً وهو كاره { ٱلأَسْبَاطِ } جمع سبط وهو ابن الإِبن والمراد به هنا قبائل بني إِسرائيل من أولاد يعقوب { يُنظَرُونَ } يمهلون يقال: أنظره يعني أمهله والنظرة الإِمهال { ٱلْخَاسِرِينَ } الخسران: انتقاص رأس المال يقال: خسر فلان أي أضاع من رأس ماله { ٱلضَّآلُّونَ } التائهون في مهامه الكفر.

سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس قال: ارتد رجل من الأنصار عن الإِسلام ولحق بالشرك ثم ندم، فأرسل إِلى قومه: سلوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فإِني قد ندمت؟ فنزلت الآية { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ... إلى قوله إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فكتب بها قومه إِليه فرجع فأسلم.

التفسِير: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } أي اذكروا يا أهل الكتاب حين أخذ الله العهد المؤكد على النبيّين { لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } أي لمن أجل ما آتيتكم من الكتاب والحكمة قال الطبري: المعنى لمهْما آتيتكم أيها النبيّون من كتاب وحكمة { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ } أي ثم جاءكم رسول من عندي بكتاب مصدق لما بين أيديكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ } أي لتصدقنه ولتنصرنه، قال ابن عباس: ما بعث الله نبياً من الأنبياء إِلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمننَّ به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } أي أأقررتم واعترفتم بهذا الميثاق وأخذتم عليه عهدي؟ { قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا } أي اعترفنا { قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } أي اشهدوا على أنفسكم وأتباعكم وأنا من الشاهدين عليكم وعليهم { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } أي أعرض ونكث عهده { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي هم الخارجون عن طاعة الله { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } الهمزة للإِنكار التوبيخي أي أيبتغي أهل الكتاب ديناً غير الإِسلام الذي أرسل الله به رسله؟ { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي ولله استسلم وانقاد وخضع أهل السماوات والأرض { طَوْعاً وَكَرْهاً } أي طائعين ومكرهين قال قتادة: المؤمن أسلم طائعاً والكافر أسلم كارهاً حين لا ينفعه ذلك قال ابن كثير: فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله طوعاً، والكافر مستسلم لله كرهاً فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يُخالف ولا يُمانع { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } أي يوم المعاد فيجازي كلاً بعمله { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا } أي قل يا محمد أنت وأمتك آمنا بالله وبالقرآن المنزل علينا { وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاط } أي آمنا بما أنزل على هؤلاء من الصحف والوحي، والأسباطُ هم بطون بني إِسرائيل المتشعبة من أولاد يعقوب { ِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } أي من التوراة والإِنجيل { وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ } أي وما أنزل على الأنبياء جميعهم { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } أي لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض كما فعل اليهود والنصارى بل نؤمن بالكل { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي مخلصون في العبادة مقرّون له بالألوهية والربوبية لا نشرك معه أحداً أبداً، ثم أخبر تعالى بأن كل دين غير الإِسلام باطل ومرفوض فقال { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } أي يطلب شريعة غير شريعة الإِسلام بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ليدين بها فلن يتقبل الله منه { وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } أي مصيره إِلى النار مخلداً فيها { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } استفهام للتعجيب والتعظيم لكفرهم أي كيف يستحق الهداية قوم كفروا بعد إِيمانهم { وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ } أي بعد أن جاءتهم الشواهد ووضح لهم الحق أن محمداً رسول الله { وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } أي جاءتهم المعجزات والحجج البينات على صدق النبي { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي لا يوفقهم لطريق السعادة، قال الحسن: هم اليهود والنصارى رأوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم، وشهدوا أنه حق فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب فكفروا بعد إِيمانهم { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } أي جزاؤهم على كفرهم اللعنة من الله والملائكة والخلق أجمعين { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي ماكثين في النار أبد الآبدين، لا يُفتّر عنهم العذاب ولا هم يمهلون { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ } أي إِلا من تاب وأناب وأصلح ما أفسد من عمله { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي متفضل عليه بالرحمة والغفران { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } نزلت في اليهود كفروا بعيسى بعد إِيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفراً حيث كفروا بمحمد والقرآن { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } أي لا تقبل منهم توبة ما أقاموا على الكفر { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } أي الخارجون عن منهج الحق إِلى طريق الغي، ثم أخبر تعالى عمّن كفر ومات على الكفر فقال { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارُ } أي كفروا ثم ماتوا على الكفر ولم يتوبوا وهو عام في جميع الكفار { فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } أي لن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي مؤلم موجع { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي ما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ولا يجيرهم من أليم عقابه.
يتبع

أم سهام 2015-02-04 11:20

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

البَلاَغَة: 1- الالتفات { لَمَآ آتَيْتُكُم } فيه التفات من الغيبة إِلى الحاضر لأن قبله { مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ }.

2- بين لفظ { ٱشْهَدُواْ } و { ٱلشَّاهِدِينَ } جناس الاشتقاق وكذلك بين لفظ { كَفَرُواًْ } و { كُفْرا } وهو من المحسنات البديعية.

3- الطباق بين { طَوْعاً } و { وَكَرْهاً } وكذلك يوجد الطباق بين لفظ الكفر والإِيمان.

4- { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } قصر صفة على موصوف ومثله { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }.

5- { وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ } هو من باب عطف العام على الخاص.

6- و { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي مؤلم والعدول إِلى صيغة فعيل للمبالغة.

فَائِدَة: الآيات الكريمة قسمت الكفار إِلى ثلاثة أقسام:

1- قسم تاب توبة صادقة فنفعته وإِليهم الإِشارة بقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ }.

2- وقسم تاب توبة فاسدة فلم تنفعه وإِليهم الإِشارة بقوله { كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً }.

3- وقسم لم يتب أصلاً ومات على الكفر وإِليهم الإِشارة بقوله { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ }.

تنبيه: روى الشيخان عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال فيقول: نعم فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذتُ عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيتَ إِلا أن تشرك ".

أم سهام 2015-02-06 14:15

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

المنَاسَبَة: لما ذكر تَعالى حال الكفار ومآلهم في الآخرة، وبيّن أن الكافر لو أراد أن يفتدى نفسه بملء الأرض ذهباً ما نفعه ذلك، ذكر هنا - استطراداً - ما ينفع المؤمن لنيل رضى الله والفوز بالجنة، ثم عاد الكلام لرفع الشبهات التي أوردها أهل الكتاب حول النبوة والرسالة وصحة دين الإِسلام، ثم جاء بعده التحذير من مكائدهم ودسائسهم التي يدبرونها للإِسلام والمسلمين لتفرقة الصف وتشتيت الشمل.

اللغَة: { ٱلْبِرَّ } كلمة جامعة لوجوه الخير والمراد بها هنا الجنة { حِـلاًّ } حلالاً وهو مصدر نعت به ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث { إِسْرَائِيلَ } هو يعقوب عليه السلام { بَكَّةَ } اسم لمكة فتسمى " بكة " و " مكة " سميت بذلك لأنها تبك أي تدق أعناق الجبابرة فلم يقصدها جبار بسوء إِلا قصمه الله { مُبَارَكاً } البركة: الزيادة وكثرة الخير { مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } محل قيام ابراهيم وهو الحجر الذي قام عليه لما ارتفع بناء البيت { عِوَجاً } العِوَج: الميل قال أبو عبيدة: في الدين والكلام والعمل، وبالفتح عَوَج في الحائط والجذع { يَعْتَصِم } يتمسك ويلتجئ وأصله المنع قال القرطبي: وكل متمسك بشيء معتصمٌ وكل مانعٍ شيئاً فهو عاصم
{*قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ*}
[هود: 43] { شَفَا } الشَّفا: حرف كل شيء وحده ومثله الشفير: وشفا الحفرة: حرفها قال تعالى
{*عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ*}
[التوبة: 109].

سَبَبُ النّزول: يروى أنّ " شاس بن قيس " اليهودي مرَّ على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال: ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، ثم أمر شاباً من اليهود أن يجلس إليهم ويذكّرهم يوم " بُعاث " وينشدهم بعض ما قيل فيه من الأشعار - وكان يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس - ففعل فتنازع القوم عند ذلك وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا: السلاحَ السلاحَ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار فقال: " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإِسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألّف بينكم؟ " فعرف القوم أنها كانت نزعة من الشيطان وكيداً من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين فأنزل الله عز وجل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } الآية.

التفسِير: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } أي لن تكونوا من الأبرار ولن تدركوا الجنة حتى تنفقوا من أفضل أموالكم { وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أى وما تبذلوا من شيء في سبيل الله فهو محفوظ لكم تجزون عنه خير الجزاء { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي كل الأطعمة كانت حلالاً لبني إسرائيل { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي إلا ما حرّمه يعقوب على نفسه وهو لحم الإِبل ولبنها ثم حرمت عليهم أنواع من الأطعمة كالشحوم وغيرها عقوبةً لهم على معاصيهم { مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } أي كانت حلالاً لهم قبل نزول التوراة { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي قل لهم يا محمد ائتوني بالتوراة واقرءوها عليَّ إن كنتم صادقين في دعواكم أنها لم تحرم عليكم بسبب بغيكم وظلمكم قال الزمخشري: وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصدّ عن سبيل الله فلما حاجّهم بكتابهم وبكّتهم بهتوا وانقلبوا صاغرين ولم يجسر أحد منهم على إخراج التوراة، وفي ذلك الحجة البينة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ } أي اختلق الكذب من بعد قيام الحجة وظهور البينة { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } أي المعتدون المكابرون بالباطل { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ } أي صدق الله في كل ما أوحى إلى محمد وفي كل ما أخبر { فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } أي اتركوا اليهودية واتبعوا ملة الإِسلام التي هي ملة إبراهيم { حَنِيفاً } أي مائلاً عن الأديان الزائفة كلها { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } برأه مما نسبه اليهود والنصارى إليه من اليهودية والنصرانية، وفيه تعريض بإشراكهم { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } أي أول مسجد بني في الأرض لعبادة الله المسجد الحرام الذي هو بمكة { مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } أي وضع مباركاً كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره، ومصدر الهداية والنور لأهل الأرض لأنه قبلتهم، ثم عدد تعالى من مزاياه ما يستحق تفضيله على جميع المساجد فقال { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } أي فيه علامات واضحات كثيرة تدل على شرفه وفضله على سائر المساجد منها { مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، وفيه زمزم والحطيم، وفيه الصفا والمروة والحجر الأسود، أفلا يكفي برهاناً على شرف هذا البيت وأحقيته أن يكون قبلة للمسلمين؟ { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } وهذه آية أخرى وهي أمن من دخل الحرَم بدعوة الخليل ابراهيم
يتبع

أم سهام 2015-02-06 14:28

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }


{*رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً*}
[إبراهيم: 35] { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } أي فرضٌ لازم على المستطيع حج بيت الله العتيق { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } أي من ترك الحج فإن الله مستغنٍ عن عبادته وعن الخلق أجمعين، وعبّر عنه بالكفر تغليظاً عليه قال ابن عباس: من جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه، ثم أخذ يبكّت أهل الكتاب على كفرهم فقال { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي لم تجحدون بالقرآن المنزل على محمد مع قيام الدلائل والبراهين على صدقه { وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } أي مطلع على جميع أعمالكم فيجازيكم عليها { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ } أي لم تصرفون الناس عن دين الله الحق، وتمنعون من أراد الإِيمان به؟ { تَبْغُونَهَا عِوَجاً } أي تطلبون أن تكون الطريق المستقيمة معوجّة، وذلك بتغيير صفة الرسول، والتلبيس على الناس بإيهامهم أن في الإِسلام خللاً وعوجاً { وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ } أي عالمون بأن الإِسلام هو الحق والدين المستقيم { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } تهديد ووعيد، وقد جمع اليهود والنصارى الوصفين: الضلال والإِضلال كما أشارت الآيتان الكريمتان فقد كفروا بالإِسلام ثم صدّوا الناس عن الدخول فيه بإلقاء الشبه والشكوك في قلوب الضعفة من الناس { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أي إن تطيعوا طائفة من أهل الكتاب { يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } أي يصيرّوكم كافرين بعد أن هداكم الله للإِيمان، والخطاب للأوس والخزرج إذ كان اليهود يريدون فتنتهم كما في سبب النزول واللفظ في الآية عام { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } إنكار واستبعاد أي كيف يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله لا تزال تتنزّل عليكم والوحي لم ينقطع ورسول الله حيٌ بين أظهركم؟ { وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي من يتمسك بدينه الحق الذي بيَّنه بآياته على لسان رسوله فقد اهتدى إلى أقوم طريق، وهي الطريق الموصلة إلى جنات النعيم { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } أي اتقوا الله تقوى حقة أو حق تقواه قال ابن مسعود: " هو أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر " والمراد بالآية { حَقَّ تُقَاتِهِ } أي كما يحق أن يتقى وذلك باجتناب جميع معاصيه { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي تمسكوا بالإِسلام وعضوا عليه بالنواجذ حتى يدرككم الموت وأنتم على تلك الحالة فتموتون على الإِسلام والمقصود الأمر بالإِقامة على الإِسلام { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أي تمسكوا بدين الله وكتابه جميعاً ولا تتفرقوا عنه ولا تختلفوا في الدين كما اختلف من قبلكم من اليهود والنصارى { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي اذكروا إنعامه عليكم يا معشر العرب { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } أي حين كنتم قبل الإِسلام أعداء ألداءً فألف بين قلوبكم بالإِسلام وجمعكم على الإِيمان { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } أي وكنتم مشرفين على الوقوع في نار جهنم فأنقذكم الله منها بالإِسلام { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } أي مثل ذلك البيان الواضح يبين الله لكم سائر الآيات { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي لكي تهتدوا بها إلى سعادة الدارين.
يتبع

أم سهام 2015-02-06 14:38

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البلاغة نوجزها فيما يلي:

1- { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ } الأمر للتبكيت والتوبيخ للدلالة على كمال القبح.

2- { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } أي للبيت الذي ببكة وفي ترك الموصوف من التفخيم ما لا يخفى.

3- { وَمَن كَفَرَ } وضع هذا اللفظ " موضع ومن لم يحج " تأكيداً لوجوبه وتشديداً على تاركه قال أبو السعود: " ولقد حازت الآية الكريمة من فنون الاعتبارات ما لا مزيد عليه وهي قوله { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } حيث أوثرت صيغة الخبر الدالة على التحقيق وأبرزت في صورة الجملة الإِسمية الدالة على الثبات والاستمرار، على وجه يفيد أنه حق واجب لله سبحانه في ذمم الناس، وسلك بهم مسلك التعميم ثم التخصيص، والإِبهام ثم التبيين، والإِجمال ثم التفصيل "

4- { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ } شبّه القرآن بالحبل واستعير اسم المشبه به وهو الحبل للمشبه وهو القرآن على سبيل الاستعارة التصريحية والجامع بينهما النجاةُ في كلٍ.

5- { شَفَا حُفْرَةٍ } شبه حالهم الذي كانوا عليه بالجاهلية بحال من كان مشرفاً على حفرة عميقة وهوّة سحيقة ففيه استعارة تمثيلية والله أعلم.

تنبيه: وردت الآيات الكريمة لدفع شبهتين من شبه أهل الكتاب:

الشبهة الأولى: أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تدّعي أنك على دين إبراهيم وقد خالفت شريعته فأنت تبيح لحوم الإِبل وألبانها مع أن ذلك كان حراماً في دين إبراهيم؟ فرد الله عليهم بقوله { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } الآية.

الشبهة الثانية: قالوا إن " بيت المقدس " قبلة جميع الأنبياء وهو أول المساجد وأحق بالاستقبال فكيف تترك يا محمد التوجه اليه ثم تزعم أنك مصدّق لما جاء به الأنبياء فرد الله تعالى بقوله { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } الآية.

أم سهام 2015-02-07 14:36

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

المنَاسَبَة: لما حذّر تعالى من مكايد أهل الكتاب، وأمر بالاعتصام بحبل الله والتمسك بشرعه القويم، دعا المؤمنين إلى القيام بواجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمر بالائتلاف وعدم الاختلاف، ثم ذكر ما حلَّ باليهود من الذل والصَّغار بسبب البغي والعدوان.

اللغَة: { أُمَّةٌ } طائفة وجماعة { ٱلْبَيِّنَاتُ } الآيات الواضحات { ٱلْمَعْرُوفِ } ما أمر به الشرع واستحسنه العقل السليم { ٱلْمُنْكَرِ } ما نهى عنه الشرع واستقبحه العقل السليم { ٱلأَدْبَارَ } جمع دبر وهو مؤخر كل شيء يقال: ولاه دبره أي هرب من وجهه { ثُقِفُوۤاْ } وجدوا وصودفوا { حَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } الحبل معروف والمراد به هنا: العهد وسمي حبلاً لأنه سبب يحصل به الأمن وزوال الخوف { بَآءُوا } رجعوا { ٱلْمَسْكَنَةُ } الفقر.

التفسِير: { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } أي ولتقم منكم طائفة للدعوة إلى الله { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي للأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي هم الفائزون { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } أي لا تكونوا كاليهود والنصارى الذين تفرقوا في الدين واختلفوا فيه بسبب اتباع الهوى من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحات { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي لهم بسبب الاختلاف عذاب شديد يوم القيامة { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } أي يوم القيامة تبيض وجوه المؤمنين بالإِيمان والطاعة، وتسود وجوه الكافرين بالكفر والمعاصي { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } هذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإِجمال والمعنى أما أهل النار الذين اسودت وجوههم فيقال لهم على سبيل التوبيخ: أكفرتم بعد إيمانكم أي بعد ما وضحت لكم الآيات والدلائل { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أي ذوقوا العذاب الشديد بسبب كفركم { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ } أي وأما السعداء الأبرار الذين ابيضت وجوههم بأعمالهم الصالحات { فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي فهم في الجنة مخلدون لا يخرجون منها أبداً { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } أي هذه آيات الله نتلوها عليك يا محمد حال كونها متلبسة بالحق { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } أي وما كان الله ليظلم أحداً ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي الجميع ملكٌ له وعبيد { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والآخرة { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس } أي أنتم يا أمة محمد خير الأمم لأنكم أنفع الناس للناس ولهذا قال { أُخْرِجَتْ لِلنَّاس } أي أخرجت لأجلهم ومصلحتهم، روى البخاري عن أبي هريرة { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال: خير الناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإِسلام { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } وهذا بيان لوجه الخيرية كأنه قيل السبب في كونكم خير أمة هذه الخصال الحميدة روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال " من سرَّه أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها " ثم قال تعالى { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي لو آمنوا بما أنزل على محمد وصدّقوا بما جاء به لكان ذلك خيراً لهم في الدنيا والآخرة { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي منهم فئة قليلة مؤمنة كالنجاشي وعبد الله بن سلام، والكثرةُ الكثيرة فاسقة خارجة عن طاعة الله، { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } أي لن يضروكم إلا ضرراً يسيراً بألسنتهم من سبٍّ وطعن { وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ } أي ينهزمون من غير أن ينالوا منكم شيئاً { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } أي ثم شأنهم الذي أبشركم به أنهم مخذولون لا ينصرون والجملة استئنافية { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ } أي لزمهم الذل والهوان أينما وجدوا وأحاط بهم كما يحيط البيت المضروب بساكنه { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } أي إِلا إذا اعتصموا بذمة الله وذمة المسلمين قال ابن عباس: بعهدٍ من الله وعهدٍ من الناس { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي رجعوا مستوجبين للغضب الشديد من الله { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ } أي لزمتهم الفاقة والخشوع فهي محيطة بهم من جميع جوانبهم { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } أي ذلك الذل والصغار والغضب والدمار، بسبب جحودهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ظلماً وطغياناً { ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } أي بسبب تمردهم وعصيانهم أوامر الله تعالى.
يتبع

أم سهام 2015-02-07 14:40

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } فيه من المحسنات البديعية ما يسمى بالمقابلة.

2- { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } فيه قصر صفة على موصوف حيث قصر الفلاح عليهم.

3- { تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } بين كلمتي { تَبْيَضُّ } و { تَسْوَدُّ } طباق.

4- { فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ } مجاز مرسل أطلق الحالُّ وأريد المحل أي ففي الجنة لأنها مكان تنزل الرحمة.

5- { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } فيه استعارة حيث شبه الذل بالخباء المضروب على أصحابه وقد تقدمت في البقرة.

6- { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ } التنكير للتفخيم والتهويل.

فَائِدَة: قوله تعالى { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } جملة مستأنفة ولهذا ثبتت فيها النون قال الزمخشري: " وعدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإِخبار ابتداءً كأنه قيل: ثم أخبركم أنهم مخذولون منتفٍ عنهم النصر، ولو جزم لكان نفي النصر مقيداً لقتالهم بينما النصر وعدٌ مطلق ".

تنبيهْ: الاختلاف الذي أشارت إليه الآية { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ } إنما يراد به الاختلاف في العقيدة وفي أصول الدين وأما الاختلاف في الفروع كما اختلف الأئمة المجتهدون فذلك من اليسر في الشريعة كما نبه على ذلك العلماء ولابن تيمية رحمه الله رسالة قيمة اسماها " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " فارجع إليها فإنها رائعة ومفيدة.

عيون المها 2015-02-07 14:52

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
شكرا لك على هذه الباقات الجميلة من صفوة التفاسير

لسورة ال عمران

دمت متالقة

أم سهام 2015-02-09 13:34

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

المنَاسَبَة: لما وصف تعالى أهل الكتاب بالصفات الذميمة، ذكر هنا أنهم ليسوا بدرجة واحدة ففيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر، ثم ذكر تعالى عقاب الكافرين وأن أموالهم وأولادهم لن تنفعهم يوم القيامة شيئاً، وأعقب ذلك بالنهي عن اتخاذ أعداء الدين أولياء ونبّه إلى ما في ذلك من الضرر الجسيم في الدنيا والدين.

اللغَة: { آنَآءَ } أوقات وساعات مفردها إِنىَ على وزن مِعَى { يُكْفَروهُ } يُجحدوه من الكفر بمعنى الجحود، سمي منعُ الجزاء كفراً لأنه بمنزلة الجحد والستر { صِرٌّ } الصِرُّ: البرد الشديد قاله ابن عباس وأصله من الصرير الذي هو الصوت ويراد به الريح الشديدة الباردة { حَرْثَ } زرع وأصله من حرث الأرض إذا شقها للزرع والبذر { بِطَانَةً } بطانة الرجل: خاصته الذين يفضي إليهم بأسراره شبّه ببطانة الثوب لأنه يلي البدن { لاَ يَأْلُونَكُمْ } أي لا يقصّرون قال الزمخشري: يقال ألاَ في الأمر يألو إذا قصّر فيه { خَبَالاً } الخبال: الفساد والنقصان ومنه رجل مخبول إذا كان ناقص العقل { عَنِتُّمْ } العنت: شدة الضرر والمشقة { ٱلأَنَامِلَ } أطراف الأصابع.

سَبَبُ النّزول: لما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه قال أحبار اليهود: ما آمن بمحمد إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم: لقد كفرتم وخسرتم فأنزل الله { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } الآية.

التفسِيْر: { لَيْسُواْ سَوَآءً } أي ليس أهل الكتاب مستوين في المساوئ، وهنا تمّ الكلام ثم ابتدأ تعالى بقوله { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } أي منهم طائفة مستقيمة على دين الله { يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } أي يتهجدون في الليل بتلاوة آيات الله حال الصلاة { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي يؤمنون بالله على الوجه الصحيح { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي يدعون إلى الخير وينهون عن الشر ولا يداهنون { وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } أي يعملونها مبادرين غير متثاقلين { وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي وهم في زمرة عباد الله الصالحين { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } أي ما عملوا من عمل صالح فلن يضيع عند الله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } أي لا يخفى عليه عمل عامل، ولا يضيع لديه أجر المتقين، ثم أخبر تعالى عن مآل الكافرين فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لن تدفع عنهم أموالهم التي تهالكوا على اقتنائها ولا أولادهم الذين تفانوا في حبهم من عذاب الله شيئاً { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي مخلدون في عذاب جهنم { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } أي مثل ما ينفقونه في الدنيا بقصد الثناء وحسن الذكر كمثل ريح عاصفة فيها بردٌ شديد { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ } أي أصابت تلك الريح المدمرة زرع قوم ظلموا أنفسهم بالمعاصي فأفسدته وأهلكته فلم ينتفعوا به؛ فكذلك الكفار يمحق الله أعمالهم الصالحة كما يذهب هذا الزرع بذنوب صاحبه { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي وما ظلمهم الله بإهلاك حرثهم ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما يستوجب العقاب، ثم حذر تعالى من اتخاذ المنافقين بطانة يطلعونهم على أسرارهم فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } أي لا تتخذوا المنافقين أصدقاء تودونهم وتطلعونهم على أسراركم وتجعلونهم أولياء من غير المؤمنين { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } أي لا يقصرون لكم في الفساد { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } أي تمنوا مشقتكم وما يوقعكم في الضرر الشديد { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } أي ظهرت أمارات العداوة لكم على ألسنتهم فهم لا يكتفون ببغضكم بقلوبهم حتى يصرحوا بذلك بأفواههم { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } أي وما يبطنونه لكم من البغضاء أكثر مما يظهرونه { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ } أي وضحنا لكم الآيات الدالة على وجوب الإِخلاص في الدين، وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين { إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } أي إن كنتم عقلاء، وهذا على سبيل الهزّ والتحريك للنفوس كقولك إن كنت مؤمناً فلا تؤذ الناس وقال ابن جرير المعنى: إن كنتم تعقلون عن الله أمره ونهيه، ثم بيّن سبحانه ما هم عليه من كراهية المؤمنين فقال { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } أي ها أنتم يا معشر المؤمنين خاطئون في موالاتكم إذ تحبونهم ولا يحبونكم، تريدون لهم النفع وتبذلون لهم المحبة وهم يريدون لكم الضر ويضمرون لكم العداوة { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ } أي وأنتم تؤمنون بالكتب المنزلة كلها وهم مع ذلك يبغضونكم، فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم؟ وفيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } أي وهذا من خبثهم إذ يظهرون أمامكم الإِيمان نفاقاً { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } أي وإذا خلت مجالسهم منكم عضوا أطراف الأصابع من شدة الحنق والغضب لما يرون من ائتلافكم، وهو كناية عن شدة الغيظ والتأسف لما يفوتهم من إذاية المؤمنين { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } هو دعاء عليهم أي قل يا محمد أدام الله غيظكم إلى أن تموتوا { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي إن الله عالم بما تكنه سرائركم من البغضاء والحسد للمؤمنين، ثم أخبر تعالى بما يترقبون نزوله من البلاء والمحنة بالمؤمنين فقال { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } أي إن أصابكم ما يسركم من رخاءٍ وخصبٍ ونصرة وغنيمة ونحو ذلك ساءتهم { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } أي وإن أصابكم ما يضركم من شدةٍ وجدبٍ وهزيمةٍ وأمثال ذلك سرتهم، فبيّن تعالى بذلك فرط عداوتهم حيث يسوءهم ما نال المؤمنين من الخير ويفرحون بما يصيبهم من الشدة { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } أي إن صبرتم على أذاهم واتقيتم الله في أقوالكم وأعمالكم لا يضركم مكرهم وكيدهم، فشرط تعالى نفي ضررهم بالصبر والتقوى { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } أي هو سبحانه عالم بما يُدبّرونه لكم من مكائد فيصرف عنكم شرهم ويعاقبهم على نواياهم الخبيثة.
يتبع

أم سهام 2015-02-09 13:38

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

البَلاَغَة: 1- { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ } جيء بالجملة اسمية للدلالة على الاستمرار كما جيء بعدها بصيغة المضارع { يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ } للدلالة على التجدد ومثله في { يَسْجُدُونَ }.

2- { وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } الإِشارة بالبعيد لبيان علو درجتهم وسمو منزلتهم في الفضل.

3- { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } فيه تشبيه وهو من نوع التشبيه التمثيلي شبّه ما كانوا ينفقونه في المفاخر وكسب الثناء بالزرع الذي أصابته الريح العاصفة الباردة فدمرته وجعلته حطاماً.

4- { لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً } شبه دخلاء الرجل وخواصّه بالبطانة لأنهم يستبطنون دخيل أمره ويلازمونه ملازمة شعاره لجسمه ففيه استعارة أفاده في تلخيص البيان.

5- { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ } قال أبو حيان: يوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل فيكون حقيقة ويحتمل أنه من مجاز التمثيل عبّر بذلك عن شدة الغيظ والتأسف لما يفوتهم من إذاية المؤمنين.

6- في الآيات من المحسنات البديعية ما يسمى بالمقابلة وذلك في قوله { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } حيث قابل الحسنة بالسيئة والمساءة بالفرح وهي مقابلة بديعة، كما أن فيها جناس الاشتقاق في { ظَلَمَهُمُ } و { يَظْلِمُونَ } وفي { ٱلْغَيْظِ } و { غَيْظِكُمْ } وفي { تُؤْمِنُونَ } و { آمَنَّا }.

لطيفَة: عبّر بالمسَّ في قوله { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ } وبالإِصابة في قوله { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ } وذلك للإِشارة إلى أن الحسنة تسوء الأعداء وحتى ولو كانت بأيسر الأشياء ولو مسّاً خفيفاً وأما السيئة فإِذا تمكنت الإِصابة بها إلى الحد الذي يرثي له الشامت فإنهم لا يرثون بل يفرحون ويسرون وهذا من أسرار بلاغة التنزيل، نقلاً عن حاشية الكشاف.

أم سهام 2015-02-16 14:40

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } * { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

المنَاسَبَة: يبدأ الحديث عن الغزوات من هذه الآيات الكريمة، وقد انتقل السياق من معركة الجدل والمناظرة إلى معركة الميدان والقتال، والآيات تتحدث عن غزوة " أحد " بالإِسهاب وقد جاء الحديث عن غزوة بدر في أثنائها اعتراضاً ليذكّرهم بنعمته تعالى عليهم لمّا نصرهم ببدر وهم أذلة قليلون في العَدَد والعُدَد، وهذه الآية هي افتتاح القصة عن غزوة أحد وقد أنزل فيها ستون آية، ومناسبة الآيات لما قبلها أنه تعالى لما حذّر من اتخاذ بطانة السوء ذكر هنا أن السبب في همّ الطائفتين من الأنصار بالفشل إنما كان بسبب تثبيط المنافقين لهم وعلى رأسهم أبي بن سلول رأس النفاق فالمناسبة واضحة، روى الشيخان عن جابر قال " فينا نزلت { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } قال نحن الطائفتان: بنو حارثة، وبنو سلمة وما نحب أنها لم تنزل لقوله تعالى { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } ".

اللغَة: { غَدَوْتَ } خرجت غُدوة وهي الساعات الأولى من الصبح { تَفْشَلاَ } الفشل: الجبن والضعف { تُبَوِّىءُ } تنزل يقال: بوأته منزلاً وبوأت له منزلاً أي أنزلته فيه وأصل التبوئ اتخاذ المنزل { أَذِلَّةٌ } أي قلة في العدد والسلاح { فَوْرِهِمْ } الفور: السرعة وأصله شدة الغليان من فارتْ القدر إذا غلت ثم استعملت للسرعة تقول: من فوره أي من ساعته { مُسَوِّمِينَ } بفتح الواو بمعنى معلَّمين على القتال وبكسرها بمعنى لهم علامة وكانت سيماهم يوم بدر عمائم بيضاء { طَرَفاً } طائفة وقطعة { يَكْبِتَهُمْ } الكبتُ: الهزيمة والإِهلاك وقد يأتي بمعنى الغيظ والإِذلال { خَآئِبِينَ } الخيبة: عدم الظفر بالمطلوب.

سَبَبُ النّزول: ثبت في صحيح مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلِتُ الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم شجّوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله تعالى؟ " فأنزل الله { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ }.

التفسِير: { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } أي اذكر يا محمد حين خرجت إلى أحد من عند أهلك { تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } أي تنزّل المؤمنين أماكنهم لقتال عدوهم { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي سميع لأقوالكم عليمٌ بأحوالكم { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } أي حين كادت طائفتان من جيش المسلمين أن تجبنا وتضعفا وهمتا بالرجوع وهما " بنو سلمة " و " بنو حارثة " وذلك حين حرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد بألفٍ من أصحابه فلما قاربوا عسكر الكفرة وكانوا ثلاثة آلاف انخذل " عبد الله بن أبي " بثلث الجيش وقال: علامَ نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فهمَّ الحيان من الأنصار بالرجوع فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قوله تعالى { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } أي ناصرهما ومتولي أمرهما { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي في جميع أحوالهم وأمورهم، ثم ذكّرهم تعالى بالنصر يوم بدر لتقوى قلوبهُم ويتسلوا عمّا أصابهم من الهزيمة يوم أحد فقال { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } أي نصركم يوم بدر مع قلة العدد والسلاح لتعلموا أن النصر من عند الله لا بكثرة العدد والعُدد { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي اشكروه على ما منَّ به عليكم من النصر { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } أي إِذ تقول يا محمد لأصحابك أما يكفيكم أن يعينكم الله بإِمداده لكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين لنصرتكم { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } بلى تصديق للوعد أي بلى يمدكم بالملائكة إن صبرتم في المعركة واتقيتم الله وأطعتم أمره { وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } أي يأتيكم المشركون من ساعتهم هذه { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } أي يزدكم الله مدداً من الملائكة معلَّمين على السلاح ومدربين على القتال { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ } أي وما جعل الله ذلك الإِمداد بالملائكة إلا بشارة لكم أيها المؤمنون لتزدادوا ثباتاً { وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } أي ولتسكن قلوبكم فلا تخافوا من كثرة عدوكم وقلة عددكم { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي فلا تتوهموا أن النصر بكثرة العَدَد والعُدَد، ما النصر في الحقيقة إلا بعون الله وحده، لا من الملائكة ولا من غيرهم { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } أي الغالب الذي لا يغلب في أمره الحكيم الذي يفعل ما تقتضيه حكمته الباهرة { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي ذلك التدبير الإِلهي ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر، ويهدم ركناً من أركان الشرك { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } أي يغيظهم ويخزيهم بالهزيمة { فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } أي يرجعوا غير ظافرين بمبتغاهم، وقد فعل تعالى ذلك بهم في بدر حيث قتل المسلمون من صناديدهم سبعين وأسروا سبعين وأعز الله المؤمنين وأذل الشرك والمشركين { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } هذه الآية وردت اعتراضاً وهي في قصة أحد، وذلك لما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشُج وجهه الشريف قال:
يتبع

أم سهام 2015-02-16 14:46

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم؟! " فنزلت { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } أي ليس لك يا محمد من أمر تدبير العباد شيء وإنما أمرهم إلى الله { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } أي فالله مالك أمرهم فإما أن يهلكهم، أو يهزمهم، أو يتوب عليهم إن أسلموا، أو يعذبهم إن أصرّوا على الكفر فإنهم ظالمون يستحقون العذاب { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي له جل وعلا ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وهو الغفور الرحيم { يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } هذا نهيٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين عن تعاطي الربا مع التوبيخ بما كانوا عليه في الجاهلية من تضعيفه قال ابن كثير: كانوا في الجاهلية إذا حلّ أجل الدين يقول الدائن: إمّا أن تَقْضي وإمّا أن تُرْبي! فإن قضاه وإلاَّ زاده في المدة وزاده في القدر وهكذا كلّ عام فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيراً مضاعفاً { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي اتقوا عذابه بترك ما نهى عنه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي لتكونوا من الفائزين { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } أي احذروا نار جهنم التي هيئت للكافرين { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي اطيعوا الله ورسوله لتكونوا من الأبرار الذين تنالهم رحمة الله.


البَلاَغَة: 1- { إِذْ تَقُولُ } صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية باستحضار صورتها في الذهن.

2- { أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ } التعرض لعنوان الربوبية مع إِضافته للمخاطبين لإِظهار كمال العناية بهم أفاده أبو السعود.

3- { يَغْفِرُ وَيُعَذِّبُ } بينهما طباق.

4- { أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } جناس الاشتقاق.

5- { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا } سمي الأخذ أكلاً لأنه يئول إليه فهو مجاز مرسل.

تنبيه: ذكر الأضعاف المضاعفة في الآية ليس للقيد ولا للشرط، وإنما هو لبيان الحالة التي كان الناس عليها في الجاهلية، وللتشنيع عليهم بأنَّ في هذه المعاملة ظلماً صارخاً وعدواناً مبيناً حيث كانوا يأخذون الربا أضعافاً مضاعفة قال أبو حيان: " نهوا عن الحالة الشنعاء التي يوقعون الربا عليها فربما استغرق بالنزر اليسير مال المدين، وأشار بقوله { مُّضَاعَفَةً } إلى أنهم كانوا يكررون التضعيف عاماً بعد عام، والربا محرم بجميع أنواعه، فهذه الحال ليس قيداً في النهي ".

أم سهام 2015-02-20 10:34

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

المنَاسَبَة: لما حث تعالى على الصبر والتقوى ونبه المؤمنين إِلى إِمداد الله لهم بالملائكة في غزوة بدر، عقّبه بالأمر بالمسارعة إِلى نيل رضوان الله، ثم ذكر بالتفصيل غزوة أُحد وما نال المؤمنين فيها من الهزيمة بعد النصر بسبب مخالفة أمر الرسول، ثم بيّن أن الابتلاء سنة الحياة، وأن قتل الأنبياء لا ينبغي أن يُدخل الوهن إِلى قلوب المؤمنين، ثم توالت الآيات الكريمة في بيان الدروس والعبر من غزوة أُحد.

اللغَة: { وَسَارِعُوۤاْ } بادروا { السَّرَّآءِ } الرخاء { ٱلضَّرَّآءِ } الشدة والضيق { وَٱلْكَاظِمِينَ } كظم الغيظ: ردّه في الجوف يقال: كظم غيظه أي لم يظهره مع قدرته على إِيقاعه بالعدو مأخوذ من كظم القربة إِذا ملأها وشد رأسها { فَاحِشَةً } الفاحشة: العمل الذي تناهى في القبح { خَلَتْ } مضت { سُنَنٌ } السنن: جمع سنة وهي الطريقة التي يقتدى بها ومنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بها هنا الوقائع التي حصلت للمكذبين { قَرْحٌ } جرح بالفتح والضم قال الفراء: هو بالفتح الجرح وبالضم ألَمه، وأصل الكلمة الخلوص ومنه ماءٌ قُراح { نُدَاوِلُهَا } نصرّفها والمداولة: نقل الشيء من واحد إِلى آخر يقال: تداولته الأيدي إذا انتقل من شخص إلى شخص { وَلِيُمَحِّصَ } التمحيص: التخليص يقال: محصته إذا خلَّصته من كل عيب وأصله في اللغة: التنقية والإِزالة { وَيَمْحَقَ } المحق: نقص الشيء قليلاً قليلاً { أَعْقَابِكُمْ } جمع عقب وهو مؤخر الرجل يقال: انقلب على عقبه أي رجع إِلى ما كان عليه { مُّؤَجَّلاً } له وقت محدّد لا يتقدم ولا يتأخر { وَكَأَيِّن } كم وهي للتكثير وأصلها أيّ دخلت عليها كاف التشبيه فأصبح معناها التكثير { رِبِّيُّونَ } جمع ربِّي نسبة إِلى الربّ كالربانيين وهم العلماء الأتقياء العابدون لربهم وقيل: نسبة إِلى الربّة وهي الجماعة { ٱسْتَكَانُواْ } خضعوا وذلّوا وأصله من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليصنع به ما يريد.

التفسِير: { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } أي بادروا إِلى ما يوجب المغفرة بطاعة الله وامتثال أوامره { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } أي وإِلى جنة واسعة عرضها كعرض السماء والأرض كما قال في سورة " الحديد "
{*عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ*}
[الآية: 21] والغرض بيان سعتها فإِذا كان هذا عرضها فما ظنك بطولها؟ { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } أي هيئت للمتقين لله { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } أي يبذلون أموالهم في اليسر والعسر، وفي الشدة والرخاء، { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } أي يمسكون غيظهم مع قدرتهم على الانتقام { وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } أي يعفون عمن أساء إِليهم أو ظلمهم { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } أي ارتكبوا ذنباً قبيحاً كالكبائر { أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } بإِتيان أي ذنب { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } أي تذكروا عظمة الله ووعيده لمن عصاه فأقلعوا عن الذنب وتابوا وأنابوا { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } استفهام بمعنى النفي أي لا يغفر الذنوب إِلا الله وهي جملة اعتراضية لتطييب نفوس العباد وتنشيطهم للتوبة ولبيان أن الذنوب - وإِن جلَّت - فإِن عفوه تعالى أجل ورحمته أوسع { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي لم يقيموا على قبيح فعلهم وهم عالمون بقبحه بل يقلعون ويتوبون { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } أي الموصوفون بتلك الصفات الحميدة جزاؤهم وثوابهم العفو عما سلف من الذنوب { وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي ولهم جنات تجري خلال أشجارها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها أبداً { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } أي نعمت الجنة جزاءً لمن أطاع الله، ثم ذكر تعالى تتمة تفصيل غزوة أُحد بعد تمهيد مبادئ الرشد والصلاح فقال { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } أي قد مضت سنة الله في الأمم الماضية بالهلاك والاستئصال بسبب مخالفتهم الأنبياء { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أي تعرفوا أخبار المكذبين وما نزل بهم لتتعظوا بما ترون من آثار هلاكهم { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ } أي هذا القرآن فيه بيانٌ شاف للناس عامة { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } أي وهداية لطريق الرشاد وموعظة وذكرى للمتقين خاصة، وإِنما خصّ المتقين بالذكر لأنهم هم المنتفعون به دون سائر الناس، ثم أخذ يسليهم عمّا أصابهم من الهزيمة في وقعة أُحد فقال { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا } أي لا تضعفوا عن ال**** ولا تحزنوا على ما أصابكم من قتلٍ أو هزيمة { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } أي وأنتم الغالبون لهم المتفوقون عليهم فإِن كانوا قد أصابوكم يوم أُحد فقد أبليتم فيهم يوم بدر { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي إِن كنتم حقاً مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } أي إِن أصابكم قتلٌ أو جراح فقد أصاب المشركين مثل ما أصابكم { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي الأيام دول، يوم لك ويوم عليك، ويوم تُساء ويوم تُسر { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي فعل ذلك ليمتحنكم فيرى من يصبر عند الشدائد ويميز بين المؤمنين والمنافقين { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } أي وليكرم بعضكم بنعمة الشهادة في سبيل الله { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } أي لا يحب المعتدين ومنهم المنافقون الذين انخذلوا عن نبيه يوم أُحد { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي ينقيهم ويطهرهم من الذنوب ويميزهم عن المنافقين { وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } أي يهلكهم شيئاً فشيئاً { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } استفهام على سبيل الإِنكار أي هل تظنون يا معشر المؤمنين أن تنالوا الجنة بدون ابتلاء وتمحيص؟ { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } أي ولما تجاهدوا في سبيله فيعلم الله ****كم وصبركم على الشدائد؟ قال الطبري المعنى: أظننتم يا معشر أصحاب محمد أن تنالوا كرامة ربكم ولمّا يتبين لعبادي المؤمنين المجاهدون منكم في سبيل الله والصابرون عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من ألم ومكروه!! { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } أي كنتم تتمنون لقاء الأعداء لتحظوا بالشهادة { مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } أي من قبل أن تذوقوا شدته، والآية عتاب في حق من انهزم { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } أي رأيتموه بأعينكم حين قُتل من إِخوانكم وشارفتم أن تقتلوا، ونزل لما أشاع الكافرون أن محمداً قد قتل وقال المنافقون: إِن كان قد قتل فتعالوا نرجع إِلى ديننا الأول { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } أي ليس محمد إِلا رسول مضت قبله رسل، والرسل منهم من مات ومنهم من قُتل { أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } أفإِن أماته الله أو قتله الكفار ارتددتم كفاراً بعد إِيمانكم؟ { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } أي ومن يرتد عن دينه فلا يضر الله، وإِنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب { وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } أي يثيب الله المطيعين وهم الذين ثبتوا ولم ينقلبوا، ثم أخبر تعالى أنه جعل لكل نفسٍ أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر فقال { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } أي بإِرادته ومشيئته { كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } أي كتب لكل نفسٍ أجلها كتاباً مؤقتاً بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر، والغرض تحريضهم على ال**** وترغيبهم في لقاء العدو، فالجبنُ لا يزيد في الحياة، والشجاعة لا تنقص منها، والحذر لا يدفع القدر والإِنسان لا يموت قبل بلوغ أجله وإِن خاض المهالك واقتحم المعارك { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي من أراد بعمله أجر الدنيا أعطيناه منها وليس له في الآخرة من نصيب، وهو تعريض بالذين رغبوا في الغنائم، فبيّن تعالى أن حصول الدنيا للإِنسان ليس بموضع غبطة لأنها مبذولة للبر والفاجر { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي ومن أراد بعمله أجر الآخرة أعطيناه الأجر كاملاً مع ما قسمنا له من الدنيا كقوله

يتبع

أم سهام 2015-02-20 10:39

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }


{*مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ*}
[الشورى: 20] { وَسَنَجْزِي ٱلشَّاكِرِينَ } أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا بحسب شكرهم وعملهم { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } أي كم من الأنبياء قاتل لإِعلاء كلمة الله وقاتل معه علماء ربانيون وعُبَّاد صالحون قاتلوا فقُتل منهم من قتل { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي ما جبنوا ولا ضعفت هممهم لما أصابهم من القتل والجراح { وَمَا ضَعُفُواْ } عن ال**** { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } أي ما ذلّوا ولا خضعوا لعدوهم { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } أي يحب الصابرين على مقاساة الشدائد والأهوال في سبيل الله { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي ما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين إِلا طلب المغفرة من الله { وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا } أي وتفريطنا وتقصيرنا في واجب طاعتك وعبادتك { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } أي ثبتنا في مواطن الحرب { وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } أي انصرنا على الكفار { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ } أي جمع الله لهم بين جزاء الدنيا بالغنيمة والعز والظفر والتمكين لهم بالبلاد وبين جزاء الآخرة بالجنة ونعيمها { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي يحب من أحسن عمله وأخلص نيته، وخص ثواب الآخرة بالحسن إِشعاراً بفضله وأنه المعتد به عند الله.

يتبع

أم سهام 2015-02-20 10:45

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ } * { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- { عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } أي كعرض السماوات والأرض حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه يسمى هذا " التشبيه البليغ ".

2- { سَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } من باب تسمية الشيء باسم سببه أي إِلى موجبات المغفرة.

3- { السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } فيه الطباق وهو من المحسنات البديعية.

4- { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } استفهام يقصد منه النفي أي لا يغفر.

5- { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ } الإِشارة بالبعيد للإِشعار ببعد منزلتهم وعلو طبقتهم في الفضل.

6- { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } المخصوص بالمدح محذوف أي ونعم أجر العاملين ذلك.

7- { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } هو من باب الالتفات لأنه جاء بعد لفظ { نُدَاوِلُهَا } فهو التفات من الحاضر إلى الغيبة، والسرُّ في هذا الالتفات تعظيم شأن ال**** في سبيل الله.

8- { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ } قصر موصوف على صفة.

9- { ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } قال في تلخيص البيان: هذه استعارة والمراد بها الرجوع عن دينه، فشبّه سبحانه الرجوع في الإِرتياب بالرجوع على الأعقاب.

الفوَائِد: الأولى: في هذه الآيات الكريمة { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } أمهات مكارم الأخلاق من البذل وكظم الغيظ والعفو عن المسيئين والتوبة من الذنوب، وكلٌ منها مصدر لفضائل لا تدخل تحت الحصر.

الثانية: قدم المغفرة على الجنة لأن التخلية مقدمة على التحلية فلا يستحق دخول الجنة من لم يتطهر من الذنوب والآثام.

الثالثة: تخصيص العرض بالذكر للمبالغة في وصف الجنة بالسعة والبسطة فإِذا كان هذا عرضها فكيف يكون طولها؟ قال ابن عباس: كسبع سماوات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض.

الرابعة: كتب هرقل إِلى النبي صلى الله عليه وسلم إِنك دعوتني إِلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال عليه السلام: " سبحان الله أين الليل إِذا جاء النهار ".

الخامسة: أمر تعالى بالمسارعة إِلى عمل الآخرة في آيات عديدة { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ } و
{*سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ*}
[الحديد: 21]
{*فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ*}
[البقرة: 148]
{*فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ*}
[الجمعة: 9]
{*وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ*}
[المطففين: 26] وأما لعمل الدنيا فأمر بالهوينى
{*فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا*}
[الملك: 15]
{*وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ*}
[الزمر: 20] فتدبر السرّ الدقيق.

أم سهام 2015-02-23 11:38

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ }

المنَاسَبَة: لا تزال الآيات الكريمة تتناول سرد أحداث غزوة أُحد وما فيها من العظات والعبر، فهي تتحدث عن أسباب الهزيمة وموقف المنافقين الفاضح في تلك الغزوة، وتآمرهم على الدعوة الإِسلامية بتثبيط عزائم المؤمنين.

اللغَة: { سُلْطَاناً } حجة وبرهاناً وأصله القوة ومنه قيل للوالي سلطان { مَثْوَىٰ } المثوى: المكان الذي يكون مقر الإِنسان ومأواه من قولهم ثوى بالمكان إِذا أقام فيه { تَحُسُّونَهُمْ } تقتلونهم قال الزجاج: الحسُّ الإِستئصال بالقتل وأصله الضرب على مكان الحس قال الشاعر:
حسناهم بالسيف حساً فأصبحت *** بقيتهم قد شردوا وتبدّدوا
{ تُصْعِدُونَ } الإِصعاد: الذهاب والإِبعاد في الأرض، والفرق بينه وبين الصعود أن الإِصعاد يكون في مستوى من الأرض، والصعود يكون في ارتفاع { لاَ تَلْوُونَ } أي لا تلتفتون إِلى أحد كما يفعل المنهزم وأصله من ليّ العنق للإِلتفات { أُخْرَاكُمْ } آخركم { أَثَابَكُمْ } جازاكم { أَمَنَةً } أمناً واطمئناناً { يَغْشَىٰ } يستر ويغطي { وَلِيُمَحِّصَ } التمحيص: التنقية وتخليص الشيء مما فيه من عيب { ٱسْتَزَلَّهُمُ } أوقعهم في الزلّة وهي الخطيئة { غُزًّى } جمع غازٍ وهو الخارج في سبيل الله.

سَبَبُ النّزول: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أُحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر؟ فأنزل الله { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ... إلى قوله مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } يعني الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أُحد.

التفسِير: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي إِن أطعتم الكفار والمنافقين فيما يأمرونكم به { يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } أي يردوكم إِلى الكفر { فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } أي ترجعوا إِلى الخسران، ولا خسران أعظم من أن تتبدلوا الكفر بالإِيمان قال ابن عباس: هم المنافقون قالوا للمؤمنين لما رجعوا من أُحد لو كان نبياً ما أصابه الذي أصابه فارجعوا إِلى إِِخوانكم { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ } بل للإِضراب أي ليسوا أنصاراً لكم حتى تطيعوهم بل الله ناصركم فأطيعوا أمره { وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } أي هو سبحانه خير ناصر وخير معين فلا تستنصروا بغيره، ثم بشر تعالى المؤمنين بإِلقاء الرعب في قلوب أعدائهم فقال { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } أي سنقذف في قلوبهم الخوف والفزع { بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } أي بسبب إِشراكهم بالله وعبادتهم معه آلهة أخرى من غير حجة ولا برهان { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } أي مستقرهم النار { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } أي بئس مقام الظالمين نار جهنم، فهم في الدنيا مرعوبون وفي الآخرة معذبون وفي الحديث " نصرت بالرعب مسيرة شهر " { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } أي وفى الله لكم ما وعدكم به من النصر على عدوكم { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } أي تقتلونهم قتلاً ذريعاً وتحصدونهم بسيوفكم بإِرادة الله وحكمه { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } أي حتى إِذا جبنتم وضعفتم واختلفتم في أمر المقام في الجبل { وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } أي عصيتم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن كان النصر حليفكم، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع خمسين من الرماة فوق الجبل وأمرهم أن يدفعوا عن المسلمين وقال لهم: لا تبرحوا أماكنكم حتى ولو رأيتمونا تخطفتنا الطير، فلما التقى الجيشان لم تقو خيل المشركين على الثبات بسبب السهام التي أخذتهم في جوههم من الرماة فانهزم المشركون، فلما رأى الرماة ذلك قالوا: الغنيمة الغنيمةَ ونزلوا لجمع الأسلاب، وثبت رئيسهم ومعه عشرة فجاءهم المشركون من خلف الجبل فقتلوا البقية من الرماة ونزلوا على المسلمين بسيوفهم من خلف ظهورهم فانقلب النصر إِلى هزيمة للمسلمين فذلك قوله تعالى { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } أي من بعد النصر { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } أي الغنيمة وهم الذين تركوا الجبل { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } أي ثواب الله وهم العشرة الذين ثبتوا في مركزهم مع أميرهم " عبد الله بن جبير " ثم استشهدوا { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } أي ردكم بالهزيمة عن الكفار ليمتحن إِيمانكم { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } أي صفح عنكم مع العصيان، وفيه إِعلام بأن الذنب كان يستحق أكثر مما نزل بهم لولا عفو الله عنهم ولهذا قال { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي ذو منٍّ ونعمةٍ على المؤمنين في جميع الأوقات والأحوال { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } أي اذكروا يا معشر المؤمنين حين وليتم الأدبار تبعدون في الفرار ولا تلتفتون إِلى ما وراءكم ولا يقف واحد منكم لآخر { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَاكُمْ } أي ومحمد صلى الله عليه وسلم يناديكم من وراءكم يقول " إِليَّ عبادَ الله، إِليَّ عباد الله، أنا رسول الله، من يكرُّ فله الجنة " وأنتم تمعنون في الفرار { فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ } أي جازاكم على صنيعكم غماً بسبب غمكم للرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفتكم أمره { لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } أي لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة { وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ } أي من الهزيمة، والغرض بيان الحكمة من الغم، وهو أن ينسيهم الحزن على ما فاتهم وما أصابهم وذلك من رحمته تعالى بهم { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي يعلم المخلص من غيره { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً } وهذا امتنانٌ منه تعالى عليهم أي ثم أرسل عليكم بعد ذلك الغم الشديد النعاس للسكينة والطمأنينة ولتأمنوا على أنفسكم من عدوكم فالخائف لا ينام، روى البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال: " غشينا النعاسُ ونحن في مصافنا يوم أحد، قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه " ثم ذكر سبحانه أن تلك الأمنة لم تكن عامة بل كانت لأهل الإِخلاص، وبقى أهل النفاق في خوف وفزع فقال { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } أي يغشى النوم فريقاً منكم وهم المؤمنون المخلصون { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } أي وجماعة أخرى حملتهم أنفسهم على الهزيمة فلا رغبة لهم إِلاَّ نجاتها وهم المنافقون، وكان السبب في ذلك توعد المشركين بالرجوع إِلى القتال، فقعد المؤمنون متهيئين للحرب فأنزل الله عليهم الأمنة فناموا، وأما المنافقون الذين أزعجهم الخوف بأن يرجع الكفار عليهم فقد طار النوم من أعينهم من الفزع والجزع { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } أي يظنون بالله الظنون السيئة مثل ظنِّ أهل الجاهلية، قال ابن كثير: وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة، وأن الإِسلام قد باد وأهله، وهذا شأن أهل الريب والشك، إِذا حصل أمر من الأمور الفظيعة، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ } أي ليس لنا من الأمر شيء، ولو كان لنا اختيار ما خرجنا لقتال { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } أي قل يا محمد لأولئك المنافقين الأمر كله بيد الله يصرّفه كيف شاء { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } أي يبطنون في أنفسهم ما لا يظهرون لك { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا } أي لو كان الاختيار لنا لم نخرج فلم نُقتل ولكن أكرهنا على الخروج، وهذا تفسير لما يبطنونه قال الزبير: أُرسل علينا النوم ذلك اليوم وإِنّي لأسمع قول " معتّب بن قشير " والنعاس يغشاني يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هٰهنا { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } أي قل لهم يا محمد لو لم تخرجوا من بيوتكم وفيكم من قدّر الله عليه القتل لخرج أولئك إِلى مصارعهم، فَقَدرُ الله لا مناص منه ولا مفر { وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } أي ليختبر ما في قلوبكم من الإِخلاص والنفاق { وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } أي ولينقّي ما في قلوبكم ويطهّره فعل بكم ذلك { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي عالم بالسرائر مطّلع على الضمائر وما فيها خير أو شر، ثم ذكر سبحانه الذين انهزموا يوم أُحد فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ } أي انهزموا منكم من المعركة { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } أي جمع المسلمين وجمع المشركين { إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ } أي إِنما أزلهم الشيطان بوسوسته وأوقعهم في الخطيئة ببعض ما عملوا من الذنوب وهو مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم { وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } أي تجاوز عن عقوبتهم وصفح عنهم { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } أي واسع المغفرة حليم لا يعجل العقوبة لمن عصاه، ثم نهى سبحانه عن الاقتداء بالمنافقين في أقوالهم وأفعالهم فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي لا تكونوا كالمنافقين { وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي وقالوا لإِخوانهم من أهل النفاق إذا خرجوا في الأسفار والحروب { أَوْ كَانُواْ غُزًّى } أو خرجوا غازين في سبيل الله { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } أي لو أقاموا عندنا ولم يخرجوا لما ماتوا ولا قتلوا، قال تعالى ردّاً عليهم { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } أي قالوا ذلك ليصير ذلك الاعتقاد الفاسد حسرة في نفوسهم { وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ } ردٌّ على قولهم واعتقادهم أي هو سبحانه المحيي المميت فلا يمنع الموت قعود { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي مطلع على أعمال العباد فيجازيهم عليها { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي استشهدتم في الحرب وال**** { أَوْ مُتُّمْ } أي جاءكم الموت وأنتم قاصدون قتالهم { لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } أي ذلك خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ } أي وسواء متم على فراشكم أو قتلتم في ساحة الحرب فإِن مرجعكم إِلى الله فيجازيكم بأعمالكم، فآثروا ما يقربكم إِلى الله ويوجب لكم رضاه من ال**** في سبيل الله والعمل بطاعته، ولله در القائل حيث يقول:
البَلاَغَة: 1- { يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } أي يرجعوكم من الإِيمان إِلى الكفر وهو من باب الاستعارة وقد تقدم.

2- بين لفظ { آمَنُوۤاْ } و { كَفَرُواْ } في الآية طباق وكذلك بين { يُخْفُونَ } و { يُبْدُونَ } وبين { فَاتَكُمْ } و { أَصَابَكُمْ } وهو من المحسنات البديعية.

3- { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } لم يقل وبئس مثواهم بل وضع الظاهر مكان الضمير للتغليظ وللإِشعار بأنهم ظالمون لوضعهم الشيء في غير موضعه والمخصوص بالذم محذوف أي بئس مثوى الظالمين النار أفاده أبو السعود.

4- { ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } التنكير للتفخيم وقوله { عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } دون عليهم فيه الإِظهار في موضع الإِضمار للتشريف والإِشعار بعلة الحكم.

5- { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ.. ظَنَّ } بينهما جناس الاشتقاق وكذلك في
{*فَتَوَكَّلْ... ٱلْمُتَوَكِّلِينَ*}
[آل عمران: 159].

6- { إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } فيه استعارة تشبيهاً للمسافر في البر بالسابح الضارب في البحر. لأنه يضرب بأطرافه في غمرة الماء شقاً لها واستعانة على قطعها كذا في تلخيص البيان.

فَائِدَة: من الذين ثبتوا في المعركة بأُحد الأسد المقدام " أنس بن النضر " عم أنس بن مالك، فلما هزم المسلمون وأشاع المنافقون أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل قال: اللهم إِني أعتذر إِليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين - وأبرأ إِليك مما فعل هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم بسيفه فلقيه " سعد بن معاذ " فقال: أين يا سعد؟ والله إِني لأجد ريح الجنة دون أحد، فمضى فقُتل ومثَّل به المشركون فلم يعرفه أحد إلا أخته عرفته من بنانه ورؤي وبه بضع وثمانون من طعنةٍ وضربةٍ ورميةٍ بسهم.

فَائِدَة: روى ابن كثير عن ابن مسعود قال: إِن النساء كنَّ يوم أُحد خلف المسلمين يُجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفتُ يومئذٍ رجوت أن أبرّ أنه ليس أحد منا يريد الدنيا حتى أنزل الله { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أُمروا به أُفرد النبي صلى الله عليه وسلم في تسعة وهو عاشرهم فلما أرهقوه قال: رحم الله رجلاً ردّهم عنا فلم يزل يقول ذلك حتى قتل سبعة منهم، فنظروا فإِذا حمزة قد بقر بطنه وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطيع أن تأكلها، وحزن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً، وصلى عليه يومئذٍ سبعين صلاة.

أم سهام 2015-02-23 11:54

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
إضافة


رجل لم يصلي و لم يسجد لله ركعه واحدة و مع ذلك دخل الجنه*

ربما يستغرب الجميع كيف لرجل لم يسجد لله ابدا و لم يصلي حتي و لو ركعه واحدة و مع ذلك هو من اهل الجنة فهذا الرجل هو واحد ممن كان لهم الحظ الاكبر في العيش في زمن رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه و سلم و هو رجل يدعي عمرو بن ثابت و كان شهرته بالاصيرم

كان عمرو بن ثابت من قبيلة بني عبد الاشهل و كان يكره الاسلام كثيرا حتي انه من القلائل الذين لم يدخلوا في الاسلام من قبيلته الا ان الله سبحانه و تعالي كان قد كتب ان يكون هذا الرجل من اهل الجنة ففي يوم غزوة احد قذف الله سبحانه و تعالي حب الاسلام في قلبه فأعتنق الاسلام و استل سيفه و قاتل بشراسة في صفوف المسلمين

و عندما انتهت غزوة احد اخذ قوم قبيلة بني عبد الاشهل في البحث و التفتيش عن جرحاهم فكأنت المفاجأة التي هزهتهم وجود عمرو بن ثابت جريح بشدة و لكنه كان مازالت به الروح فأستغربوا امره بشده و سألوه ماذا كان دافعه للقتال أعتنق الاسلام ام انه حارب فقط كراهية لقومه

فأجابهم عمرو بن ثابت انه امن بالله و رسوله و قاتل في صفوف رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه و سلم ثم لفظ انفاسه الاخيرة و عندما قصوا علي رسول الله صلي الله عليه و سلم قال عنه ” هو من اهل الجنة ” و قال ابو هريرة رضي الله عنه انه لم يصلي لله و لم يسجد و لو سجدة واحدة و مع ذلك هو من اهل الجنة

فسبحان الله علي حسن الخاتمه , اسأل الله سبحانه و تعالي ان يرزقنا و اياكم حسن الخاتمة

أم سهام 2015-02-24 14:21

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } * { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } * { أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } * { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن غزوة أُحد، فقد ذكر تعالى فيما سبق انهزام المسلمين وما أصيبوا به من غمّ واضطراب، وأرشدهم إِلى موطن الداء ووصف لهم الدواء، وفي هذه الآيات الكريمة اشادة بالقيادة الحكيمة، فمع مخالفة بعض الصحابة لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم فقد وسعهم عليه السلام بخلقه الكريم وقلبه الرحيم، ولم يخاطبهم بالغلظة والشدة وإِنما خاطبهم باللطف واللين، ولذلك اجتمعت القلوب حول دعوته، وتوحّدت تحت قيادته، والآيات تتحدث عن أخلاق النبوة، وعن المنّة العظمى ببعثة الرسول الرحيم والقائد الحكيم وعن بقية الأحداث الهامة في تلك الغزوة.

اللغَة: { فَظّاً } الفظُّ: الغليظ الجافي قال الواحدي هو الغليظ سيئ الخلق قال الشاعر:
أخشى فظاظة عمٍّ أو جفاء أخٍ *** وكنتُ أخشى عليها من أذى الكلم
{ غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ } هو الذي لا يتأثر قلبه ولا يرقّ ومن ذلك قول الشاعر:
يُبكَى علينا ولا نبكي على أحدٍ؟ *** لنحن أغلظُ أكباداً من الإِبل
{ انْفَضُّواْ } تفرقوا وأصل الفضِّ الكسر ومنه قولهم: لا يفضض الله فاك { يَغُلَّ } الغُلول: الخيانة وأصله أخذ الشيء في الخفية يقال: غلّ فلان في الغنيمة أي أخذ شيئاً منها في خفية { بَآءَ } رجع { سَخَطٍ } السخط: الغضب الشديد { مَأْوَاهُ } منزله ومثواه { يُزَكِّيهِمْ } يطهرهم { مَنَّ } المِنَّة: الإِنعام والإِحسان { فَادْرَءُوا } الدرء: الدفع ومنه
{*وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ*}
[النور: 8].

سَبَبُ النّزول: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر من المغنم فقال بعض الناس لعلّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ.. } الآية.

التفسِيْر: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } أي فبسبب رحمةٍ من الله أودعها الله في قلبك يا محمد كنت هيناً ليّن الجانب مع أصحابك مع أنهم خالفوا أمرك وعصوك { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } أي لو كنت جافي الطبع قاسي القلب، تعاملهم بالغلظة والجفا، لتفرقوا عنك ونفروا منك، ولمّا كانت الفظاظة في الكلام نفى الجفاء عن لسانه والقسوة عن قلبه { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } أي فتجاوز عما نالك من أذاهم يا محمد، واطلب لهم من الله المغفرة، وشاورهم في جميع أمورك ليقتدي بك الناس قال الحسن " ما شاور قومٌ قط إلاّ هُدوا لأرشد أمورهم " وكان عليه السلام كثير المشاورة لأصحابه { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي إِذا عقدت قلبك على أمر بعد الاستشارة فاعتمد على الله وفوّض أمرك إِليه { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } أي يحب المعتمدين عليه، المفوضين أمورهم إِليه { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } أي إِن أراد الله نصركم فلا يمكن لأحدٍ أن يغلبكم { وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } أي وإِن أراد خذلانكم وترك معونتكم فلا ناصر لكم، فمهما وقع لكم من النصر كيوم بدر أو من الخذلان كيوم أُحد بمشيئته سبحانه فالأمر كله لله، بيده العزة والنصرة والإِذلال والخذلان { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي وعلى الله وحده فليلجأ وليعتمد المؤمنون { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } أي ما صحَّ ولا استقام شرعاً ولا عقلاً لنبيٍّ من الأنبياء أن يخون في الغنيمة، والنفيُ هنا نفيٌ للشأن وهو أبلغ من نفي الفعل لأنَّ المراد أنه لا يتأتّى ولا يصحُّ أن يُتصوّر فضلاً عن أن يحصل ويقع { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي ومن يخُن من غنائم المسلمين شيئاً يأت حاملاً له على عنقه يوم القيامة فضيحةً له على رءوس الأشهاد { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } أي تعطى جزاء ما عملت وافياً غير منقوص { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي تنال جزاءها العادل دون زيادة أو نقص، فلا يزاد في عقاب العاصي، ولا ينقص من ثواب المطيع { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي لا يستوي من أطاع الله وطلب رضوانه، ومن عصى الله فاستحق سخطه وباء بالخسران { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي مصيره ومرجعه جهنم وبئست النار مستقراً له { هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ ٱللَّهِ } أي متفاوتون في المنازل قال الطبري: هم مختلفو المنازل عند الله، فلمن اتبع رضوان الله الكرامةُ والثواب الجزيل، ولمن باء بسخطٍ من الله المهانةُ والعقاب الأليم { وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي لا تخفى عليه أعمال العباد وسيجازيهم عليها، ثمَّ ذكّر تعالى المؤمنين بالمنّة العظمى عليهم ببعثة خاتم المرسلين فقال { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } أي والله لقد أنعم الله على المؤمنين حين أرسل إِليهم رسولاً عربياً من جنسهم، عرفوا أمره وخبروا شأنه، وخصَّ تعالى المؤمنين بالذكر وإِن كان رحمة للعالمين، لأنهم هم المنتفعون ببعثته { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } أي يقرأ عليهم الوحي المنزل { وَيُزَكِّيهِمْ } أي يطهرهم من الذنوب ودنس الأعمال { وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } أي يعلمهم القرآن المجيد والسنة المطهرة { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } أي وإِنه الحال والشأن كانوا قبل بعثته في ضلال ظاهر، فنقلوا من الظلمات إِلى النور، وصاروا أفضل الأمم { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } أي أو حين أصابتكم أيها المؤمنون كارثةٌ يوم أحد فقُتل منكم سبعون { قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا } أي في بدر حيث قتلتم سبعين وأسرتم سبعين { قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا }؟ أي من أين هذا البلاء، ومن أين جاءتنا الهزيمة وقد وعدنا بالنصر، وموضع التقريع قولهم { أَنَّىٰ هَـٰذَا }؟ مع أنهم سبب النكسة والهزيمة { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } أي قل لهم يا محمد: إِن سبب المصيبة منكم أنتم بمعصيتكم أمر الرسول وحرصكم على الغنيمة { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا رادّ لِقضائه { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي وما أصابكم يوم أُحد، يوم التقى جمع المسلمين وجمع المشركين فبقضاء الله وقدره وبإِرادته الأزلية وتقديره الحكيم، ليتميّز المؤمنون عن المنافقين { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي ليعلم أهل الإِيمان الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ } أي وليعلم أهل النفاق كعبد الله بن أُبي ابن سلول وأصحابه الذين انخذلوا يوم أُحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعوا وكانوا نحواً من ثلاثمائة رجل فقال لهم المؤمنون: تعالوا قاتلوا المشركين معنا أو ادفعوا بتكثيركم سوادنا { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } أي قال المنافقون لو نعلم أنكم تلقون حرباً لقاتلنا معكم، ولكن لا نظن أن يكون قتال { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ } أي بإِظهارهم هذا القول صاروا أقرب إِلى الكفر منهم إِلى الإِيمان { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } أي يظهرون خلاف ما يضمرون { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } أي بما يخفونه من النفاق والشرك { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ } أي وليعلم الله أيضاً المنافقين الذين قالوا لإِخوانهم الذين هم مثلهم وقد قعدوا عن القتال { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } أي لو أطاعنا المؤمنون وسمعوا نصيحتنا فرجعوا كما رجعنا ما قتلوا هنالك { قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي قل يا محمد لأولئك المنافقين إن كان عدم الخروج ينجي من الموت فادفعوا الموت عن أنفسكم إِن كنتم صادقين في دعواكم، والغرض منه التوبيخ والتبكيت وأن الموت آتٍ إِليكم ولو كنتم في بروج مشيدة.

البَلاَغَة: 1- { إِن يَنصُرْكُمُ... وَإِن يَخْذُلْكُمْ } بينهما مقابلة وهي من المحسنات البديعية.

2- { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ } تقديم الجار والمجرور لإِفادة الحصر.

3- { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } أي ما صح ولا استقام والنفي هنا للشأن وهو أبلغ من نفي الفعل.

4- { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } قال أبو حيان: " هذا من الاستعارة البديعة جعل ما شرعه الله كالدليل الذي يتبعه من يهتدي به، وجعل العاصي كالشخص الذي أمر بأن يتبع شيئاً فنكص عن اتباعه ورجع بدونه ".

5- { بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } التنكير للتهويل أي بسخط عظيم لا يكاد يوصف.

6- { هُمْ دَرَجَاتٌ } على حذف مضاف أي ذوو درجات متفاوتة، فالمؤمن درجته مرتفعة والكافر درجته متضعة.

7- { لِلْكُفْرِ... ولِلإِيمَانِ } بينهما طباق وكذلك بين
{*يُبْدُونَ.. ويُخْفُونَ*}
[آل عمران: 154].

8- { أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } بينهما جناس الاشتقاق، وهو من المحسنات البديعية.

تنبيه: في هذه الآية { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } دلالة على اختصاص نبينا بمكارم الأخلاق، ومن عجيب أمره صلى الله عليه وسلم أنه كان أجمع الناس لدواعي العظمة ثم كان أدناهم إِلى التواضع، فكان أشرف الناس نسباً وأوفرهم حسباً وأزكاهم عملاً وأسخاهم كرماً وأفصحهم بياناً وكلها من دواعي العظمة، ثم كان من تواضعه عليه السلام أنه كان يرقع الثوب ويخصف النعل ويركب الحمار ويجلس على الأرض ويجيب دعوة العبد المملوك فصلوات الله وسلامه على السراج المنير بحر المكارم والفضائل.

فَائِدَة: التوكل على الله من أعلى المقامات لوجهين: أحدهما محبة الله للعبد { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } والثاني الضمان في كنف الرحمن
{*وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ*}
[آل عمران: 3].

أم سهام 2015-02-24 14:39

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
الشيخ الدكتور محمد علي الصابوني مؤلف أحد أشهر التفاسير وأبسطها وأوضحها؛ "صفوة التفاسير" في ذمة الله شهر فبراير 19 منه هذه السنة 2015
انا لله وانا اليه راجعون


https://scontent-mad.xx.fbcdn.net/hp...11&oe=55960114

elqorachi zouaouia 2015-02-24 21:32

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
شكرا لك اختي ام سهام على التذكير بالايات الكريمة من الذكر الحكيم جزاك الله الجنة .

elqorachi zouaouia 2015-02-24 21:34

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
رحم الله الشيخ الدكتور محمد علي الصابوني واسكنه الجنة ، انا لله وانا اليه راجعون .

أم سهام 2015-02-27 14:48

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } * { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

المنََاسَبَة: لا تزال الآيات الكريمة تتابع أحداث أُحد، وتكشف عن أسرار المنافقين ومواقفهم المخزية، وتوضّح الدروس والعبر من تلك الغزوة المجيدة.

اللغَة: { يَسْتَبْشِرُونَ } يفرحون وأصله من البشرة لأن الإِنسان إِذا فرح ظهر أثر السرور في وجهه قال ابن عطية: وليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة وإِنما هي بمعنى الفعل المجرد كقوله تعالى
{*وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ*}
[التغابن: 6] { ٱلْقَرْحُ } بالفتح الجرح وبالضم ألم الجرح وقد تقدم { حَسْبُنَا } كافينا مأخوذ من الإِحساب بمعنى الكفاية قال الشاعر:
فتملأُ بيتنا أقْطاً وسَمْناً *** وحسبُك من غنىً شِبَعٌ ورِيُّ
{ حَظّاً } الحظ: النصيب ويستعمل في الخير والشر وإِذا لم يقيّد يكون للخير { نُمْلِي } الإِملاء: التأخير والإِمهال قال القرطبي: والمراد بالإِملاء هنا طول العمر ورغد العيش { يَمِيزَ } يُميِّز يقال: ماز وميّز أي فصل الشيء من الشيء ومنه
{*وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ*}
[يس: 59] { يَجْتَبِي } يختار { سَيُطَوَّقُونَ } من الطّوق وهو القلادة أي يلزمون به لزوم الطوق في العنق.

سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لمّا أصيب إِخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طيرٍ خضرٍ، ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إِلى قناديل من ذهب معلقةً في ظلّ العرش، فلما وجدوا طيب مأْكلهم ومَشْربهم ومَقِيلهم قالوا: من يبلّغ إِخواننا عنا أنّا أحياءٌ في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في ال**** ولا ينكُلوا عند الحرب فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } " الآية.

ب - عن جابر بن عبد الله قال: " لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا جابر: ما لي أراك منكساً مُهتماً؟ قلت يا رسول الله: استُشْهد أبي وترك عيالاً وعليه دين فقال: ألا أبشرك بما لقي الله عز وجل به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: إِن الله أحيا أباك وكلّمه كفاحاً - وما كلّم أحداً قط إِلا من وراء حجاب - فقال له: يا عبد الله تمنَّ أعطك قال يا رب: أسألك أن تردني الى الدنيا فأُقتل فيك ثانية فقال الرب تبارك وتعالى: إِنه قد سبق مني أنهم إِليها لا يرجعون، قال يا رب: فأبلغ من ورائي فأنزل الله { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } ". التفسِير: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } أي لا تظنَّن الذين استشهدوا في سبيل الله لإِعلاء دينه أمواتاً لا يُحسّون ولا يتنعمون { بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } أي بل هم أحياء متنعمون في جنان الخلد يرزقون من نعيمها غدواً وعشياً قال الواحدي: الأصح في حياة الشهداء ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن أرواحهم في أجواف طيور خضر وأنهم يُرزقون ويأكلون ويتنعمون { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي هم منعّمون في الجنة فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } أي يستبشرون بإِخوانهم المجاهدين الذين لم يموتوا في ال**** بما سيكونون عليه بعد الموت إِن استشهدوا فهم لذلك فرحون مستبشرون { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي بأنْ لا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون على مفارقة الدنيا لأنهم في جنات النعيم { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِين } أكّد استبشارهم ليذكر ما تعلّق به من النعمة والفضل والمعنى: يفرحون بما حباهم الله تعالى من عظيم كرامته وبما أسبغ عليهم من الفضل وجزيل الثواب، فالنعمة ما استحقوه بطاعتهم، والفضلُ ما زادهم من المضاعفة في الأجر { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ } أي الذين أطاعوا الله وأطاعوا الرسول من بعد ما نالهم الجراح يوم أُحد قال ابن كثير: وهذا كان يوم " حمراء الأسد " وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كرّوا راجعين إِلى بلادهم ثم ندموا لم لا تمّموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إِلى الذهاب وراءهم ليرعبهم ويريهم أنّ بهم قوة وجَلَداً، ولم يأذن لأحدٍ سوى من حضر أحداً فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإِثخان طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي لمن أطاع منهم أمر الرسول وأجابه إِلى الغزو - على ما به من جراح وشدائد - الأجرُ العظيم والثوابُ الجزيل { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } أي الذين أرجف لهم المرجفون من أنصار المشركين فقالوا لهم: إِن قريشاً قد جمعت لكم جموعاً لا تحصى فخافوا على أنفسكم فما زادهم هذا التخويف إِلا إِيماناً { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } أي قال المؤمنون الله كافينا وحافظنا ومتولي أمرنا ونعم الملجأ والنصير لمن توكل عليه جل وعلا { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ } أي فرجعوا بنعمة السلامة وفضل الأجر والثواب { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } أي لم ينلهم مكروه أو أذى { وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ } أي نالوا رضوان الله الذي هو سبيل السعادة في الدارين { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } أي ذو إِحسان عظيم على العباد { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أي إِنما ذلكم القائل { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } بقصد تثبيط العزائم هو الشيطان يخوفكم أولياءه وهم الكفار لترهبوهم { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي فلا تخافوهم ولا ترهبوهم فإِني متكفل لكم بالنصر عليهم، ولكن خافوا إن كنتم مؤمنين حقاً أن تعصوا أمري فتهلكوا، والمراد بالشيطان " نعيم ابن مسعود الأَشجعي " الذي أرسله أبو سفيان ليثبط المسلمين، قال أبو حيان: وإِنما نسب إِلى الشيطان لأنه ناشيء عن وسوسته وإِغوائه وإِلقائه { وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تحزن ولا تتألم يا محمد لأولئك المنافقين الذين يبادرون نحو الكفر بأقوالهم وأفعالهم، ولا تبال بما يظهر منهم من آثار الكيد للإِسلام وأهله { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } أي إِنهم بكفرهم لن يضروا الله شيئاً وإِنما يضرون أنفسهم { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ } أي يريد تعالى بحكمته ومشيئته ألاّ يجعل لهم نصيباً من الثواب في الآخرة { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي ولهم فوق الحرمان من الثواب عذاب عظيم في نار جهنم { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي الذين استبدلوا الكفر بالإِيمان وهم المنافقون المذكورون قبل، لن يضروا الله بكفرهم وارتدادهم ولهم عذاب مؤلم { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ } أي لا يظنَّن الكافرون أن إِمهالنا لهم بدون جزاء وعذاب، وإِطالتنا لأعمارهم خير لهم { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } أي إِنما نمهلهم ونؤخر آجالهم ليكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم { وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي ولهم في الآخرة عذاب يهينهم { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } هذا وعدٌ من الله لرسوله بأنه سيميّز له المؤمن من المنافق والمعنى لن يترك الله المؤمنين مختلطين بالمنافقين حتى يبتليهم فيفصل بين هؤلاء وهؤلاء، كما فعل في غزوة أُحد حيث ظهر أهل الإِيمان وأهل النفاق قال ابن كثير " أي لا بدّ أن يعقد شيئاً من المحنة يظهر فيها وليُّه ويُفضح بها عدوه، يُعرف به المؤمن الصابر من المنافق الفاجر، كما ميّز بينهم يوم أُحد ".
{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } قال الطبري: وأولى الأقوال بتأويله: أي وما كان الله ليطلعكم على قلوب عباده فتعرفوا المؤمن من المنافق والكافر، ولكنه يميز بينهم بالمحن والإِبتلاء كما ميّز بينهم يوم أُحد بالبأساء و**** عدوه { وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ } أي يختار من رسله من يشاء فيطلعهم على غيبه كما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على حال المنافقين { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } أي آمنوا إِيماناً صحيحاً بأن الله وحده المطلع على الغيب وأن ما يخبر به الرسول من أمور الغيب إِنما هو بوحي من الله { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي وإِن تصدّقوا رسلي وتتقوا ربكم بطاعته فلكم ثواب عظيم { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ } لما بالغ تعالى في التحريض على بذل النفس في ال**** شرع هنا في التحريض على بذل المال في سبيل الله، وذكر الوعيد الشديد لمن يبخل بماله والمعنى لا يحسبنَّ البخيلُ أن جمعه المال وبخله بإِنفاقه ينفعه، بل هو مضرّة عليه في دينه ودنياه { بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } أي ليس كما يظنون بل ذلك البخلُ شرٌّ لهم { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي سيجعل الله ما بخلوا به طوقاً في أعناقهم يعذبون به يوم القيامة كما جاء في صحيح البخاري " من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع - أي ثعباناً عظيماً - له زبيبتان فيأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا صلى الله عليه وسلم { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } الآية { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } " أي جميع ما في الكون ملك له يعود إِليه بعد فناء خلقه { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي مطلع على أعمالكم.

البَلاغَة: قال في البحر: تضمنت هذه الآيات فنوناً من البلاغة والبديع: الإِطنابُ في { يَسْتَبْشِرُونَ } وفي { لَن يَضُرُّواْ } وفي اسم الجلالة في مواضع، والطباق في { أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ } وفي { ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } والاستعارة في { ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ } وفي { يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } وفي { ٱلْخَبِيثَ وَٱلطَّيِّبِ } إِذ يراد به المؤمن والمنافق والحذف في مواضع.

فَائِدَة: قوله تعالى { حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } هي الكلمة التي قالها إِبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار قال السيوطي في الإِكليل: يستحب قول هذه الكلمة عند الغمّ والأمور العظيمة.

أم سهام 2015-03-03 11:44

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } * { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

المنَاسَبَة: بعد أن انتهى الاستعراض القرآني لمعركة أُحد وما فيها من أحداث جسيمة، وتناولت الآيات ضمن ما تناولت مكائد المنافقين ودسائسهم، وما انطوت عليه نفوسهم من الكيد للإِسلام والغدر بالمسلمين وتثبيط عزائمهم عن ال**** في سبيل الله، أعقبه تعالى بذكر دسائس اليهود وأساليبهم الخبيثة في محاربة الدعوة الإِسلامية عن طريق التشكيك والبلبلة، والكيد والدسّ، ليحذّر المؤمنين من خطرهم كما حذّرهم من المنافقين، والآيات الكريمة تتحدث عن اليهود وموقفهم المخزي من الذات الإِلهية، واتهامهم لله عز وجل بأشنع الاتهامات بالبخل والفقر، ثم نقضهم للعهود، وقتلهم للأنبياء، وخيانتهم للأمانة التي حمَّلهم الله إِيّاها، إِلى آخر ما هنالك من جرائم وشنائع اتصف بها هذا الجنس الملعون.

اللغَة: { عَهِدَ إِلَيْنَا } أوصانا { بِقُرْبَانٍ } القربان: ما يذبح من الأنعام تقرباً إِلى الله تعالى { ٱلْبَيِّنَاتِ } الآيات الواضحات والمراد به هنا المعجزات { ٱلزُّبُرِ } جمع زبور وهو الكتاب من الزَّبر وهو الكتابة، والزبور بمعنى المزبور أي المكتوب كالرَّكوب بمعنى المركوب قال الزجاج: الزبور كل كتاب ذي حكمة { زُحْزِحَ } الزحزحة: التنحية والإِبعاد تكرير الزح وهو الجذب بعجلة { فَازَ } ظفر بما يؤمل ونجا مما يخاف { ٱلْغُرُورِ } مصدر غرَّه يغرّه غروراً أي خدعه { مَتَاعُ } المتاع: ما يُتمتع به ويُنتفع ثم يزول { لَتُبْلَوُنَّ } لتمتحننَّ من بلاه أي امتحنه { عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أصل العزم ثباتُ الرأي على الشيء والمراد هنا صواب التدبير والرأي وهو مما ينبغي لكل عاقل أن يعزم عليه { بِمَفَازَةٍ } بمنجاة من قولهم فاز فلان إِذا نجا.

سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر الصّديق ذات يوم بيت مدراس اليهود، فوجد ناساً من اليهود قد اجتمعوا إِلى رجل منهم يقال له " فنحاص بن عازوراء " وكان من علمائهم وأحبارهم فقال أبو بكر لفنحاص: ويحك اتق الله وأسلِمْ فوالله إِنك لتعلم أن محمداً رسولٌ من عند الله قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإِنجيل، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إِلى الله من حاجة من فقر وإِنه إِلينا لفقير، ما نتضرع إِليه كما يتضرع إِلينا وإِنّا عنه لأغنياء، ولو كان غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنياً ما أعطانا الربا، فغضب أبو بكر وضرب وجه " فنحاص " ضربةً شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب فنحاص إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد: انظر إِلى ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما صنعتَ يا أبا بكر؟ فقال يا رسول الله: إِنَّ عدو الله قال قولاً عظيماً، زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فغضبتُ لله وضربتُ وجهه فجحد ذلك فنحاص فأنزل الله ردّاً على فنحاص وتصديقاً لأبي بكر { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } الآية.
ب - عن ابن عباس قال: جاء جماعة من اليهود إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - منهم كعب بن الأشرف، ومالك بن الصيف، وفنحاص بن عازوراء - وغيرهم فقالوا: يا محمد تزعم أنك رسول الله وأنه تعالى أنزل عليك كتاباً، وقد عهد الله إِِلينا في التوراة ألاّ نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، فإِن جئتنا بهذا صدّقناك فنزلت هذه الآية { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } الآية.

التفسِير: { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } هذه المقالة الشنيعة مقالة أعداء الله اليهود عليهم لعنة الله زعموا أن الله فقير، وذلك حين نزل قوله تعالى
{*مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً*}
[البقرة: 245] قالوا: إِن الله فقير يقترض منا كما قالوا
{*يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ*}
[المائدة: 64] قال القرطبي: وإِنما قالوا هذا تمويهاً على ضعفائهم لا أنهم يعتقدون هذا، وغرضُهم تشكيك الضعفاء من المؤمنين وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أي إِنه فقير على قول محمد لأنه اقترض منا { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } أي سنأمر الحفظة بكتابة ما قالوه في صحائف أعمالهم ونكتب جريمتهم الشنيعة بقتل الأنبياء بغير حق، والمراد بقتلهم الأنبياء رضاهم بفعل أسلافهم { وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي ويقول الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة: ذوقوا عذاب النار المحرقة الملتهبة { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي ذلك العذاب بما اقترفته أيديكم من الجرائم { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي وأنه سبحانه عادل ليس بظالم للخلق، والمراد أن ذلك العقاب حاصل بسبب معاصيكم، وعدلِ الله تعالى فيكم، قال الزمخشري: ومن العدل أن يعاقب المسيء ويثيب المحسن { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } أي هم الذين قالوا إِن الله أمرنا وأوصانا في التوراة { أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } أي أمرنا بأن لا نصدّق لرسول حتى يأتينا بآية خاصة وهي أن يقدّم قرباناً فتنزل نار من السماء فتأكله، وهذا افتراء على الله حيث لم يعهد إِليهم بذلك { قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ } أي قل لهم يا محمد توبيخاً وإِظهاراً لكذبهم: قد جاءتكم رسلٌ قبلي بالمعجزات الواضحات والحجج الباهرات الدالة على صدق نبوتهم وبالذي ادعيتم { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي فلم كذبتموهم وقتلتموهم إِن كنتم صادقين في دعواكم الإِيمان بالله والتصديق برسله؟ ثم قال تعالى مسلياً لرسوله صلى الله عليه وسلم { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } أي لا يحزنك يا محمد تكذيب هؤلاء لك، فإِنهم إِن فعلوا ذلك فقد كذَّبت أسلافهم من قبلُ رسل الله فلا تحزن فلك بهم أسوة حسنة { جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي كذبوهم مع أنهم جاءوهم بالبراهين القاطعة والمعجزات الواضحة { وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } أي بالكتب السماوية المملوءة بالحِكَم والمواعظ، والكتاب الواضح الجلي كالتوراة والإِنجيل { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } أي مصير الخلائق إِلى الفناء وكل نفسٍ ميّتة لا محالة كقوله {*كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*}
[الرحمن: 26] { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي تُعطون جزاء أعمالكم وافياً يوم القيامة { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } أي فمن نُحي عن النار وأُبْعِد عنها، وأُدخل الجنة فقد فاز بالسعادة السرمدية والنعيم المخلّد { وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } أي ليست الدنيا إِلا دار الفناء يستمتع بها الأحمق المغرور قال ابن كثير: الآية فيها تصغير لشأن الدنيا وتحقير لأمرها وأنها فانية زائلة { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } أي والله لتمتحننَّ وتختبرنَّ في أموالكم بالفقر والمصائب، وفي أنفسكم بالشدائد والأمراض { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } أي ولينالنكم من اليهود والنصارى والمشركين - أعدائكم - الأذى الكثير، وهذا إِخبارٌ منه جلّ وعلا للمؤمنين بأنه سينالهم بلايا وأكدار من المشركين والفجّار، وأمرٌ لهم بالصبر عند وقوع ذلك لأن الجنة حفَّت بالمكاره ولهذا قال { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } أي وإِن تصبروا على المكاره وتتقوا الله في الأقوال والأعمال { فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي الصبر والتقوى من الأمور التي ينبغي أن تعزموا وتحزموا عليها لأنها ممّا أمر الله بها { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أي اذكر يا محمد حين أخذ الله العهد المؤكد على اليهود في التوراة { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } أي لتظهرنَّ ما في الكتاب من أحكام الله ولا تخفونها، قال ابن عباس: هي لليهود أُخذ عليهم العهد والميثاق في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتموه ونبذوه { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أي طرحوا ذلك العهد وراء ظهورهم واستبدلوا به شيئاً حقيراً من حُطام الدنيا { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } أي بئس هذا الشراء وبئست تلك الصفقة الخاسرة { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } أي لا تظننَّ يا محمد الذين يفرحون بما أتوا من إِخفاء أمرك عن الناس { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } أي ويحبون أن يحمدهم الناس على تمسكهم بالحق وهم على ضلال { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ } أي فلا تظننَّهم بمنجاة من عذاب الله { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي عذاب مؤلم قال ابن عباس: نزلت في أهل الكتاب سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إِيّاه وأخبروه بغيره وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إِياه ما سألهم عنه { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي له سبحانه جميع ما في السماوات والأرض فكيف يكون من له ما في السماوات والأرض فقيراً؟ والآية ردٌّ على الذين قالوا إِن الله فقير ونحن أغنياء { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي هو تعالى قادر على عقابهم.

البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يأتي: 1- { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } أكد اليهود الجملة بـ { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ } على سبيل المبالغة، فحيث نسبوا الى أنفسهم الغنى لم يؤكدوا بل أخرجوا الجملة مخرج ما لا يحتاج الى تأكيد كأنَّ الغنى وصف لهم لا يمكن فيه نزاع فيحتاج إِلى تأكيد وهذا دليل على تمردهم في الكفر والطغيان.

2- { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } فيه مجاز يسمى المجاز العقلي أي ستكتب ملائكتنا ولما كان الله لا يكتب وإِنما يأمر بالكتابة أسند الفعل إِليه مجازاً.

3- { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } فيه مجاز مرسل من إِطلاق اسم الجزء وإِرادة الكل وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال تُزوال بهن.

4- { تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } إِسناد الأكل إِلى النار بطريق الاستعارة إِذ حقيقة الأكل إِنما تكون في الإِنسان والحيوان وكذلك توجد استعارة في قوله { ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } لأن حقيقة الذوق ما يكون بحاسّة اللسان.

5- { مَتَاعُ ٱلْغُرُور } قال الزمخشري: " شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلّس به على المستام ويُغر حتى يشتريه والشيطان هو المدلِّس الغرور " فهو من باب الاستعارة.

6- { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } كذلك توجد استعارة في النبذ والاشتراء شبّه عدم التمسك والعمل به بالشيء الملقى خلف ظهر الإِنسان وباشتراء ثمن قليل ما تعوضوه من الحطام على كتم آيات الله.

7- وفي الآيات الكريمة من المحسنات البديعية الطباق في (فَقِيرٌ وأَغْنِيَآءُ) والمقابلة { زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ } وفي { لَتُبَيِّنُنَّهُ... وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } والجناس المغاير في { قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } وفي { كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ }.

فَائِدَة: صيغة فعّال في الآية
{*وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ*}
[فصلت: 46] ليست للمبالغة وإِنما هي للنسب مثل عطّار ونجّار وتمّار كلها ليست للمبالغة وإِنما هي للنسب قال ابن مالك.
ومع فاعل وفعَّال فُعل *** في نسبٍ أغنى من الياء قُبل
تنبيهْ: إِنما وصف تعالى عيش الدنيا ونعيمها بأنه متاع الغرور، لما تمنّيه لذاتها وشهواتها من طول البقاء وأمل الدوام فتخدعه ثم تصرعه، ولهذا قال بعض السلف: الدنيا متاعٌ متروك يوشك أن يضمحلّ ويزول، فخذوا من هذا المتاع واعملوا فيه بطاعة الله ما استطعتم والله المستعان.

أم سهام 2015-03-07 11:07

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } * { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } * { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

المنَاسَبَة: بدأ تعالى هذه السورة الكريمة بذكر أدلة التوحيد والألوهية والنبوة، وختمها بذكر دلائل الوحدانية والقدرة ودلائل الخلق والإِيجاد، ليستدل منها الإِنسان على البعث والنشور فكان ختام مسك، ولما كان المقصود من هذا الكتاب العظيم جذب القلوب والأرواح عن الاشتغال بالخلق إِلى معرفة الإِله الحق، جاءت الآيات الكريمة تنير القلوب بأدلة التوحيد والإِلهية والكبرياء والجلال، فلفتت الأنظار إِلى التفكر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض، ليخلص الإِنسان إِلى الاعتراف بوحدانية الله وباهر قدرته وهو يتأمل في كتاب الله المنظور " الكون الفسيح " بعد أن تأمل في كتاب الله المسطور " القرآن العظيم " وفي الكتاب المسطور إِشارات عديدة لآيات الكتاب المنظور وهو يدعو إِلى معرفة الحقائق باستخدام الحواس
{*وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ*}
[يوسف: 105].

اللغَة: { ٱلأَلْبَابِ } العقول { بَاطِلاً } عبثاً بدون حكمة { سُبْحَانَكَ } تنزيهٌ لله عن السوء { أَخْزَيْتَهُ } أذللته وأهنته { كَفِّرْ عَنَّا } استر وامح { ٱلأَبْرَارِ } جمع بر أو بارّ وهم المستمسكون بالشريعة { فَٱسْتَجَابَ } بمعنى أجاب { نُزُلاً } النُّزُل: ما يهيأ للنزيل وهو الضيف من أنواع الإِكرام { رَابِطُواْ } المرابطة: ترصد العدو في الثغور.

سَبَبُ النّزول: عن أم سلمة قالت قلت: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } الآية.

التفسِير: { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي إِن في خلق السماوات والأرض على ما بهما من إِحكام وإٍبداع { وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ } أي وتعاقب الليل والنهار على الدوام { لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي علامات واضحة على الصانع وباهر حكمته، ولا يظهر ذلك إِلا لذوي العقول الذين ينظرون إِلى الكون بطريق التفكر والاستدلال لا كما تنظر البهائم، ثم وصف تعالى أولي الألباب فقال { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } أي يذكرون الله بألسنتهم وقلوبهم في جميع الأحوال في حال القيام والقعود والاضطجاع فلا يغفلون عنه تعالى في عامة أوقاتهم، لاطمئنان قلوبهم بذكره واستغراق سرائرهم في مراقبته { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي يتدبرون في ملكوت السماوات والأرض، في خلقهما بهذه الأجرام العظام وما فيهما من عجائب المصنوعات وغرائب المبتدعات قائلين { رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } أي ما خلقت هذا الكون وما فيه عبثاً من غير حكمة { سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } أي ننزهك يا ألله عن العبث فأجرنا واحمنا من عذاب جهنم { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } أي من أدخلته النار فقد أذللته وأهنته غاية الإِهانة وفضحته على رءوس الأشهاد { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } أي ليس لهم من يمنعهم من عذاب الله، والمراد بالظالمين الكفار كما قال ابن عباس وجمهور المفسرين وقد صرح به في البقرة {*وَٱلْكَافِرُونَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ*}
[البقرة: 254] { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ } أي داعياً يدعو إِلى الإِيمان وهو محمد صلى الله عليه وسلم { أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } أي يقول هذا الداعي أيها الناس آمنوا بربكم واشهدوا له بالوحدانية فصدقنا بذلك واتبعناه { رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي استر لنا ذنوبنا ولا تفضحنا بها { وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا } أي امح بفضلك ورحمتك ما ارتكبناه من سيئات { وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } أي ألحقنا بالصالحين قال ابن عباس: الذنوب هي الكبائر والسيئات هي الصغائر ويؤيده
{*إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ*}
[النساء: 31] فلا تكرار إِذاً { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } تكرير النداء للتضرع ولإِظهار كمال الخضوع أي أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك وهي الجنة لمن أطاع قاله ابن عباس { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي لا تفضحنا كما فضحت الكفار { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } أي لا تخلف وعدك وقد وعدت من آمن بالجنة { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } أي أجاب الله دعاءهم بقوله إِني لا أُبطل عمل من عمل خيراً ذكراً كان العامل أو أُنثى قال الحسن: ما زالوا يقولون ربنا، ربنا، حتى استجاب لهم { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } أي الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر، فإِذا كنتم مشتركين في الأصل فكذلك أنتم مشتركون في الأجر { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } أي هجروا أوطانهم فارين بدينهم، وألجأهم المشركون إِلى الخروج من الديار { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } أي تحملوا الأذى من أجل دين الله { وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ } أي وقاتلوا أعدائي وقتلوا في سبيلي { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أي الموصوفون بما تقدم لأمحونَّ ذنوبهم بمغفرتي ورحمتي { وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ } أي ولأدخلنهم جنات النعيم جزاءً من عند الله على أعمالهم الصالحة { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } أي عنده حسن الجزاء وهي الجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم نبه تعالى إِلى ما عليه الكفار في هذه الدار من النعمة والغبطة والسرور، وبيَّن أنه نعيم زائل فقال { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أي لا يخدعنك أيها السامع تنقل الذين كفروا في البلاد طلباً لكسب الأموال والجاه والرتب { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي إِنما يتنعمون بذلك قليلاً ثم يزول هذا النعيم، ومصيرهم في الآخرة إِلى النار، وبئس الفراش والقرار نار جهنم. { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } أي لكن المتقون لله لهم النعيم المقيم في جنات النعيم مخلدين فيها أبداً { نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي ضيافة وكرامة من عند الله { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } أي وما عند الله من الثواب والكرامة للأخيار الأبرار، خير مما يتقلب فيه الأشرار الفجار من المتاع القليل الزائل، ثم أخبر تعالى عن إِيمان بعض أهل الكتاب فقال { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } أي ومن اليهود والنصارى فريق يؤمنون بالله حق الإِيمان، ويؤمنون بما أنزل إِليكم وهو القرآن وبما أنزل إِليهم وهو التوراة والإنجيل كعبد الله بن سلام وأصحابه، والنجاشي وأتباعه { خَاشِعِينَ للَّهِ } أي خاضعين متذللين لله { لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أي لا يحرّفون نعت محمد ولا أحكام الشريعة الموجودة في كتبهم لعرضٍ من الدنيا خسيس كما فعل الأحبار والرهبان { أُوْلۤـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أي ثواب إِيمانهم يعطونه مضاعفاً كما قال {*أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِْ*}
[القصص: 54] { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي سريعٌ حسابُه لنفوذ علمه بجميع المعلومات، يعلم ما لكل واحدٍ من الثواب والعقاب، قال ابن عباس والحسن: " نزلت في النجاشي وذلك أنه لما مات نعاه جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي، فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أن نصلي على علج من علوج الحبشة فأنزل الله { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } الآية " ثم ختم تعالى السورة الكريمة بهذه الوصية الجامعة لسعادة الدارين فقال: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ } أي اصبروا على مشاقّ الطاعات وما يصيبكم من الشدائد { وَصَابِرُواْ } أي غالبوا أعداء الله بالصبر على أهوال القتال وشدائد الحروب { وَرَابِطُواْ } أي لازموا ثغوركم مستعدين للكفاح والغزو { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي خافوا الله فلا تخالفوا أمره لتفوزوا بسعادة الدارين.

البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات من ضروب البيان والبديع ما يلي:

1- الإِطناب في قوله { رَبَّنَآ } حيث كرر خمس مرات والغرض منه المبالغة في التضرع.

2- الطباق في قوله { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } و { ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ } و { قِيَاماً وَقُعُوداً } و { ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ }.

3- الإِيجاز بالحذف { مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } أي على ألسنة رسلك وكذلك في قوله { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ } أي قائلين ربنا.

4- الجناس المغاير في قوله { آمِنُواْ... فَآمَنَّا } وفي { عَمَلَ عَامِلٍ } وفي { مُنَادِياً يُنَادِي }.

5- { لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } التنكير للتفخيم ودخلت اللام في خبر إِنَّ لزيادة التأكيد.

6- الاستعارة في قوله { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } استعير التقلب للضرب في الأرض لطلب المكاسب والله أعلم.

الفوَائِدَ: الأولى: إِنما خصص التفكر بالخلق للنهي عن التفكر في الخالق ففي الحديث الشريف " تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإِنكم لا تقدرون الله قدره " وذلك لعدم الوصول إِلى كنه ذاته وصفاته قال بعض العلماء: المتفكر في ذات الله كالناظر في عين الشمس لأنه تعالى ليس كمثله شيء.
الثانية: تكرر النداء بهذا الاسم الجليل { رَبَّنَآ } خمس مرات كل ذلك على سبيل الاستعطاف وتطلب رحمة الله بندائه بهذا الاسم الشريف الدال على التربية والملك والإِصلاح.

الثالثة: سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن أعجب ما رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت: كل أمره كان عجباً، " أتاني في ليلتي حتى مسَّ جلده جلدي ثم قال " ذريني أتعبد لربي عز وجل " فقلت: والله إِني لأحب قربك وأحب هواك، فقام إِلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صبّ الماء ثم قام يصلي فبكى حتى بلّ لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى حتى إِذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح فقال يا رسول الله: ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال " ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكر وقد أنزل الله عليَّ في هذه الليلة { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ.... } الآيات ثم قال: ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها " ".

خادم المنتدى 2017-09-12 18:21

رد: تفسير آيات من سورة آل عمران
 
-************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك
-**************************-


الساعة الآن 18:50

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd