منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   حوادث التعليم (https://www.profvb.com/vb/f387.html)
-   -   المشاغب (https://www.profvb.com/vb/t155489.html)

express-1 2014-12-29 01:32

المشاغب
 
Rachid Nini-CHOUF TCHOUF
المشاغب
يحتفظ التلاميذ في مرحلة الطفولة الأولى بذكريات لا تمحى عن أساتذتهم.
يتذكرون ملامح الأساتذة بدقة كبيرة، أولئك العابسون دائما، والباسمون المرحون، والعصبيات حد الجنون، والحنونات الرؤوفات، والصارمون المستعدون لكسر كل المساطر والألواح الخشبية فوق رؤوس التلاميذ الكسالى.
في المدرسة كانت هناك أقسام شبيهة بغرف التعذيب يجرب فيها بعض المعلمين مهاراتهم في استنطاق التلاميذ عوض استظهارهم، وأخرى شبيهة بمدينة الملاهي لفرط اللعب التي كان يجلبها بعض المعلمين للتلاميذ من أجل توضيح الدروس، وثالثة يسودها وقار وصمت المساجد بسبب الاحترام الشديد الذي يفرضه المعلم على تلامذته وتلميذاته.
اليوم تغيرت الأمور، أصبح ممكنا أن تفتح أستاذة صفحة في «الفيسبوك» وتقبل طلبات الصداقة من تلامذتها وتشاركهم نصوصها التي تحكي فيها عن مغامراتها الجنسية والعاطفية.
في فصول الدراسة خلال الزمن الماضي، زمن السبعينات البهية، كان هناك التلاميذ الذين ينجزون واجباتهم المدرسية حتى آخر تمرين، والتلاميذ الذين يمسحون السبورة بثيابهم ويجلبون أصابع الطباشير من الفصول المجاورة، كما كان هناك التلاميذ المشاغبون الذين يجلبون المتاعب للمعلم ويساهمون، إلى جانب الكلور والصوديوم، في رفع ضغطه والتعجيل بنهايته. ولكل قسم مشاغبوه كما لكل معلم تلامذته الطيعون الذين ينفذون أوامره مثل عساكر صغار في مستعمرة بعيدة.
التلاميذ المشاغبون كانوا تلاميذ محترمين في الغالب، لكن وسط أقرانهم فقط، وهم عندما يدخلون حجرة الدرس يتنحون قليلا مثل نبلاء كي يتركوا للفوضى أن تتقدمهم كرفيقة قديمة وأن تدخل معهم. وهم يفعلون ذلك لأن مهمة التلميذ المشاغب مهمة عاجلة وضرورية، فمن دون شغب يتحول القسم إلى جحيم صغير لا يطاق.
أتذكر تلك الحقبة عندما كان المعلم يدخل القسم مثلما يدخل إمبراطور مملكة، ونقف احتراما له أو خوفا منه على الأرجح، ثم نقول له حسب ما يقرره الوقت إما «صباح الخير يا أستاذ» إذا كان الوقت صباحا أو «مساء الخير يا أستاذ» إذا كان الوقت مساء، قبل أن نجلس فوق خشب لا يشبه الخشب كثيرا ونخرج دفاترنا ومطالعاتنا وأقلامنا موحدة اللون، لنعيد على مسامع المعلم أن عشرة قابلة للقسمة على اثنين، وأن السكوت من ذهب، وأن نردد بخشوع وضراعة «عليك مني السلام يا أرض أجدادي ففيك طاب المقام وطاب إنشادي»، كما نحفظ عن ظهر قلب قطعة «الثور الأحمر» لأن معلما نحيلا كان يجبرنا على القيام بتشخيص القصة، فيقف ثلاثة تلاميذ في جهة ويقف تلميذ آخر وحيدا في جهة أخرى، ونشرع في الاستماع إلى حواراتهم ولا يستفيق الكسالى منا إلا عند اقتراب الساعة الخامسة، حين يقرع الحارس رأس الجرس العجوز المعلق قرب باب المدرسة، لأنهم يعرفون، بسبب تكرار المسرحية كل مساء، أن الأسد سيأتي على أكل الثيران الثلاثة الواحد بعد الآخر، بعد عثرات كثيرة وأخطاء نحوية وقهقهات، تجعل المعلم ينزع سترته أكثر من مرة ليحول غرفة الدرس إلى دهليز للتعذيب.
في أحد أيام فصل الربيع اتفقنا، نحن ثلاثة تلاميذ، لكي لا أقول شياطين، على النزول باكرا إلى أحد المستنقعات التي وعد كل النواب البرلمانيين الذين تعاقبوا على المدينة، أنهم سيجففونها ثم عادوا جميعا، كأي برلماني يحترم نفسه، ونكثوا بوعدهم، وشرعنا ننبش الأرض بحثا عن بعض الجذور والألياف النباتية التي تسبب ألما حارقا لكل من يتم حكها على قفاه.
وكذلك كان، حفرنا مئات الأمتار مثل دجاج جائع بحثا عن جذر واحد، وعندما انتهينا إليه صحنا جميعا تلك الصيحة الكبيرة والمزمجرة التي كنا نشاهد طرزان يفعلها عندما يصرع أسدا أو رجلا من البيض، في كتب الأفلام المصورة التي كنا نسرقها من الباعة المتجولين في السوق، ثم هرولنا باتجاه المدرسة كأنما حصلنا على الكنز الذي طمره الخمسة عشر رجلا في قصة «جزيرة الكنز».
دخلنا القسم بعد أن وقفنا في الصف طويلا وأيدينا على أكتاف بعضنا البعض، ومحافظنا الرثة تحت آباطنا، دخلنا بعد أن رددنا أناشيد الصباح وأمعاؤنا تتشابك مثل خيوط بكرة خيوط صوفية، وبعضنا كانت ركبتاه تصطكان من البرد وأسنانه تحدث صوتا تسمعه العصافير الذاهبة إلى حقولها، فلا تفهم سبب إصرار صغار الأطفال على أن يشبهوا صغار اللقالق.
جلسنا متقاربين مثل مجرمين، وقد أخفى كل واحد منا في صدره قهقهة تستطيع أن تحرك المدرسة من مكانها بأشجارها التي لا تثمر وقططها التي تأكل أكثر مما يأكل التلاميذ اليتامى في المطعم.
كنا قد اخترنا الضحية قبل أسابيع طويلة وحددنا الطريقة التي سوف ننتقم بها من ذلك التلميذ ذي الخدين الورديين، الذي يحمل معه دائما في حقيبته الجميلة تفاحة وكعكة، والذي عندما يغادر المعلم الفصل ويأمره بحراسة التلاميذ، يسارع إلى تسجيل أسمائنا على ظهر ورقة صغيرة وينتظر مثل حكيم وصول المعلم ليسلمه الوشاية الحقيرة.
وبسبب كرهه الشديد لنا، كان دائما يواظب على أن نكون نحن الثلاثة على رأس اللائحة السوداء، كأنما يروق له أن يجلس في طاولته الأمامية ويشاهد أقدامنا المرفوعة في الهواء والمعلم ينهال عليها بعصاه حتى تتورم، فنسقط عندما نقف على أرجلنا من شدة الألم ونبكي في مقاعدنا الخلفية مثل سجناء رأي لم يبدوا رأيا أبدا.
وكنا ننتظر بفارغ الصبر يوما واحدا نضبط فيه هذا التلميذ السمين خارج سور المدرسة، غير أن أمه كانت تأتي لتحمله في سيارتها، بينما نحمل نحن الحجارة ونقفز خلف سور المدرسة لنرجم الحمار المتخم بالموت في الحفرة التي كانت ستكون بئرا، لولا أن الماء حمل أغراضه وذهب أبعد من مَعَاول الحفارين.
لم نختلف للحظة حول من سيتكفل بالمهمة ومن سينفذ العقوبة التي نصت عليها اجتماعاتنا المطولة وسط حقول الذرة والبرسيم، لأن كل واحد منا كان سيقبل أن ترفع قدماه في الهواء بكل سرور، إذا ما منحت له فرصة التلميذ السمين وهو يتلوى ألما، وربما أجهش بالبكاء في الوقت الذي سينفجر هو من الضحك، حتى ولو استعان المعلم بالمدير وبنائب الوزير وبالوزير نفسه لجلد التلميذ المشاغب وتأديبه.
شرع المعلم في تلاوة قطعة «أقوى من الساحر»، فيما شرع أكثرنا جرأة وبسالة في الاستعداد لتنفيذ المؤامرة، دس يده النحيلة في جيبه وأخرج الجذور الرطبة بعد أن حرص أيما حرص على الجلوس مباشرة خلف طاولة التلميذ السمين، وعندما سكت المعلم ليدخن سيجارة وليبصق في أرجاء القسم على عادته في مثل تلك الساعة، التقطنا أنفاسنا لأنه كان لطيفا ولم يبصق على وجوهنا مثلما كان يفعل عندما يكون غاضبا من طريقة إنصات بعضنا، أو ربما غاضبا فقط من حفيف أغصان الأشجار المتلصصة من النوافذ.
ثم فجأة، وفي غفلة من المعلم ومن التلاميذ ومن الريح والأشجار، امتدت يد المشاغب إلى عنق التلميذ السمين وحكت شيئا ما فوقه في حركات سريعة وماهرة. لم يفهم التلميذ السمين ماذا حل به، واعتبر أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة من زميله لاستمالته كي يمرر إليه إعراب الجمل التي طلب المعلم إنجازه على وجه السرعة. هز كتفيه في إعياء مكابر وغرس رأسه في كتابه. لم تمض دقيقة واحدة بعد ذلك حتى أخذ التلميذ السمين في الصياح والركض بين الصفوف مثل ثور هائج، ودموعه تكاد تغرق حجرة الدرس والمدرسة وحقول الذرة والبرسيم المجاورة.
وفي الوقت الذي كان مقعده في الصف الأمامي شاغرا، كانت أقدامنا نحن الثلاثة مرفوعة في الهواء والمعلم بعصاه يقتص منا بالتساوي، فيما التلاميذ ينظرون إلينا مثل أبطال صغار عادوا من حرب ضارية برؤوس الخونة والوشاة.
ومع ذلك لم نكن لنترك دموعنا تنزل، بل كنا نسمع قهقهات بعضنا البعض داخل أقفاصنا الصدرية ونبتسم خلسة.



abouimane 2014-12-29 14:43

رد: المشاغب
 
شكرا لك على التقاسم
سلاميــ

elqorachi zouaouia 2014-12-29 21:11

رد: المشاغب
 
حكاية جميلة تتميز بدقة الوصف وحقيقة الاحداث عن مشاغبينا داخل الاقسام شكرا على هذا الاختيار .


الساعة الآن 01:05

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd