2014-12-23, 09:43
|
رقم المشاركة : 2 |
إحصائية
العضو | | | رد: تأثير اللغة العربية على الثقافة الإسلامية | مصطلح "الثقافة" وتحديد مفهومها: تقابل كلمة "الثقافة" في اللغة الإنجليزيَّة كلمة (Culture)، ويدلّ على هذا المصطلح الإنجليزي في اللغة العربيَّة لفظان غير مترادفَين ولا قريبَين في الدلالة أو في الجذر اللغوي، حيث ترجم إلى ثقافة مرَّة، وإلى حضارة مرَّة أخرى، أو إلى اللفظَين معًا، فيقال: إنَّ (Culture) هي الثقافة والحضارة، وإذا نظرنا إلى التراث العربي واللغة العربية لا نكاد نجِد أصلاً يحمل دلالة هذا المصطلح، في المعجم الوسيط مثلا ورد كلمة ثقف: حذق وفهم، والثَّقافة: العلوم والمعارف والفنون التي يطلب العلم بها والحذق فيها، بيد أنَّ الحضارة من "تحضّر"؛ أي: تخلَّق بأخلاق الحضر أو عاداتهم، وهي مظاهر الرقيّ العلمي والفني والاجتماعي في الحضر. وعلى هذا النمط اختلفت تعاريف الثَّقافة عبر العصور بين حرث الأرض والأدبي، فمثلاً في دراسات تتناول التَّربية والإبداع، فالثَّقافة هي ذلك الكل المركَّب الَّذي يشمل المعرفة والعقيدة والأخلاق والقانون والعادات، وكلّ القدرات التي يكتسبها الإنسان داخل المجموعة البشريَّة، أو في المجتمع، وقد استخلص من مفهوم الثقافة أنَّها تتكوَّن من العناصر الثَّلاثة التَّالية: ♦ القيم والمبادئ والمعتقدات. ♦ الأنماط السلوكية. ♦ جزاءات جماعيَّة للممارسة والتعامل. وتأخذ الثقافة مجموعة من الأبعاد منها: 1- البعد الإدْراكي عن الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه، بالتساؤل عن الذَّات والعلاقة مع الآخر. 2- البعد المعياري، ويقوم على تحديد هرمي للقيم والتَّمييز بين الخير والشَّرِّ. 3- البعد الإرادي، ويدور حول الخطوات التي يَجب اتّباعها. يبدو من خلال العناصر الأساسية المكوّنة للثَّقافة، ومن خلال أبعادها أنَّها تقوم بالوظائف التَّالية: 1- أنها أداة لإدراك العالم. 2- أنَّها هي التي تحرك الحوافز الإنسانية. 3- أنَّها توفر معايير للحكم. 4- أنَّها توفر قاعدة للتحديد والتمييز. 5- أنَّها طريقة للتواصُل. 6- أنها توفر قاعدة للتقييم. 7- أنَّها تعبر عن نظام الإنتاج والاستهلاك. يمكن القول في النّهاية بأنَّ الثقافة هي نتاج مجموعة من العوامل المعنويَّة والمادّيَّة، وهي بالتَّالي عملية لا تعرف الثبات؛ لأنَّها مرتبطة بالإنسان الَّذي لا يعرف الثَّبات بدوره، فموضوع الثَّقافة هو الإنسان حينما ينتقل من المرحلة الطبيعيَّة إلى المرحلة الثَّقافيَّة، وهذا أخصّ ما يميّزه عن الكائنات الحيَّة، ولعلَّ الَّذي يدعونا إلى اللجوء إلى الثَّقافة هو حاجاتُنا إلى البحث عن المشترك الإنساني، وعن العنصر الجامع بين الإنسان. ويركز المفهوم الأنثروبولوجي للثَّقافة على هذا المشترك الإنساني بين المجموعة البشرية؛ لأنَّه هو الَّذي جعل الإنسان كائنًا متميّزًا عن سائر الكائنات الحيَّة الأخرى، فالإنسان يسعى باستِمرار إلى الاجتماع وتكوين مجتمعه، بل ويبحث دائمًا عن تغْيير مجتمعه وتطْويره. الثقافة بهذا المعنى تقوم على بناء التَّواصُلات وتحديدها تحقيقًا لاستمراريَّة الإنسان، وبحثًا عن وضع أحسن لوجوده، ولتحقيق تلك التَّواصُلات والبناءات المشتركة؛ لا بدَّ من تحريك المشترك الإنساني في الثَّقافة. والمشترك الإنساني يقوم أساسًا على الحوار والحواريَّة الَّتي تميّز كلَّ ثقافة، وإلاَّ فقدت ثقافيَّتها أو إنسانيَّتها (موقع: www.allesan.org) الحوار الثقافي وفضاءاته في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، الدكتور محمد اللوزي، جامعة محمد الخامس، أكدال، كلية الآداب والعلوم الإنسانيَّة، الرباط. أهمّيَّة تعليم الثَّقافة في برامج تعليم اللغات الأجنبيَّة للدَّارسين، وتتضمَّن الثَّقافة بالمعنى الواسع عنصريْن رئيسَين هما: أ- الثقافة الأنثروبولوجيَّة أو الاجتماعية، حيث تشمل العادات والاتجاهات والتَّقاليد. ب- تاريخ الحضارة، والَّذي يشمل الفنون والإنجازات العلميَّة والعلوم الاجتماعيَّة. ويعدّ العنصر الثَّاني أساس العنصر الأوَّل حيث يعرض تراث المجتمع؛ ولذا يجب أن يعرفه الدَّارسون لكي يستوعبوا الثَّقافة المستهدفة ثقافة اللّغة التي يراد تعلُّمها، وأرى أنَّ العنصر الرَّئيس لا بدَّ أن يأتي في التَّرتيب أوَّلا؛ نظرًا لأهميَّته ودوره في إثراء الثَّقافة، ومن ثمَّ في تعريف الدَّارسين بها، وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ التَّكامُل بين اللغة والثَّقافة يؤدّي إلى تنمية المهارات اللغويَّة والمهارات الثَّقافيَّة لدى الدَّارسين، كما يجعلهم متجاوبين بصورة أفضل مع النَّاطقين الأصليّين للغة الثَّانية، وبناءً على ذلك فإنَّ الدَّارسين تكون لديْهِم القدرة على فهْم أفكار وسلوكيات الشعوب التي يتعلَّمون لُغَتها، كما يتمكَّنون من فهْم المعاني التي يستخدمونَها، ويُمكن أن ندرك أهمّيَّة هذا التَّكامُل عندما نلاحظ أنَّ الدَّارسين للُّغات الأخرى لا يتَّسع أُفُقهم للثَّقافة المستهْدفة فقط، ولكنَّه أيضًا لثقافاتِهم الأصليَّة بحيث ينظرون إليْها نظرةً أشْمل وأوسع عمَّا كانوا عليه قبل دراساتِهم للّغة المستهدفة، وبالتَّالي يُصبحون أكثر احترامًا للثَّقافات الأخرى، وأكثر تقديرًا لمشاعر الآخرين؛ لأنَّهم يستطيعون أن يفهموا أنماطهم الثَّقافيَّة، ويدركوا دلالاتها الثقافية، ومن هنا تنبع أهمّيَّة تدْريس الثَّقافة العربيَّة الإسلامية لدى دارسي اللّغة العربيَّة من الناطقين باللغات الأخرى. ولقد أكَّدت الدّراسات الأجنبيَّة السَّابقة أنَّ تدريس اللّغة بدون ثقافتها، أو تدْريسها من خلال لغة وسيطة، لا يُفيد الدَّارسين كثيرًا؛ بل تصبح عمليَّة تدريس اللُّغة - إلى حدٍّ ما - مضيعة للوقت والجهد، سواء بالنِّسْبة للمعلّم أو المتعلّم، بالإضافة إلى أنَّ اللُّغة تصبح غير نافعة، وعسيرة الفهْم على الدَّارسين، كما أنَّها بهذا الشَّكل لا تُساعد الدَّارسين على الاتِّصال الفعَّال بأهل اللُّغة التي يودّون تعلُّمها، وينبغي أن تعلم اللغة بذاتها، وليس من خلال لغة وسيطة؛ حيث إنَّ لكلّ لغة ذاتيَّتها الثَّقافيَّة، فإذا ترْجمت بعض كلماتها إلى لغة أخرى فقدتْ معناها الثقافيَّ الخاصَّ بها. ولِلثَّقافة أثر كبير في نفوس الدَّارسين؛ إذ تؤدّي إلى تنمية الاتّجاه الإيجابي نحو اللّغة الَّتي يتعلَّمونها؛ لأنَّها تجعل عمليَّة التَّدريس مُمتعة ومشوّقة، حيث يتعرَّف الدَّارسون على أنماط ثقافيَّة جديدة تختلف عمَّا في ثقافاتِهم الأصليَّة، وهذا يؤدّي إلى زيادة اهتِمامات الدَّارسين وإثارة دافعيَّتهم لكي يتعرَّفوا على الأنْماط الثَّقافيَّة الجديدة في اللّغة المستهدفة، والمقصود بها هنا اللغة العربية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الثَّقافة تؤدّي إلى تقليل العرقيَّة لدى الدَّارسين، ممَّا يجعلهم يتقبَّلون الثَّقافات الأخرى، وتكون لديهم القدرة على التَّكيّف والتَّفاعل مع الشعوب الأخرى، على الرغْم من اختِلاف ثقافاتهم عن ثقافة الدَّارسين الأصليَّة. ومن خلال ما سبق يتَّضح مدى أهمّيَّة تعْليم الثَّقافة في برامج تعليم اللغات الأجنبيَّة للدَّارسين، حيث تؤدّي إلى تكوين اتجاه إيجابي نحو اللّغة المستهْدفة وثقافتها، وهذا ينطبق على تعْليم اللّغة العربيَّة وثقافتها، فتعليم الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة على درجة كبيرة من الأهمّيَّة في مساعدة الدَّارسين على تعلّم اللغة العربيَّة، وتحقيق الاتّصال اللغوي الفعَّال مع الشعوب العربيَّة، وتغيير الاتجاهات السلبيَّة أو العدائيَّة لدى دارسي اللّغة العربيَّة من النَّاطقين بلغات أُخرى، وتكوين الاتّجاهات الإيجابيَّة نحو الشعوب العربيَّة. وعلى الرَّغْم من أنَّ الدَّارسين يصِلُون إلى المستوى المتقدّم، فإنَّهم يفتقِرون إلى استيعاب مفاهيم الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة وأنْماطها، ومازال لدى بعضهم أسئِلة وقضايا تدلُّ على أنَّ هناك تفاوتًا ثقافيًّا بين هؤلاء الدَّارسين والثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة، وقد كانت هناك بعض الأسباب الَّتي أكَّدت على أنَّ الجانب اللغوي يَطْغى على الجانب الثَّقافي، على الرَّغم من أنَّ بعض الكتب لتعْليم اللغة العربية للنَّاطقين بلغات أخرى تشتمِل على مفاهيم وأنماط ثقافيَّة - يفترض تزويد الدَّارسين بها - إلاَّ أنَّها لا تجد مَن ينقلها من نطاق التَّراكيب اللغويَّة إلى نطاق ما تحمله من مفاهيم وأنْماط ثقافيَّة في أثناء عمليَّة التَّدريس، فقد يكون الأمر راجعًا إلى عدم تَحديد الأهداف الثَّقافيَّة ضمن برامج تعليم اللّغة العربيَّة للنَّاطقين بلغات أخرى بصورة واضحة، ومن ثمَّ لا تُظهر أنشطة التَّدريس وطرُقه ما يؤكد تحقيقها، وكذلك في أساليب التَّقويم وأدواته أو في إعْداد المعلّم أو في المحتوى الَّذي يقدَّم للدَّارسين.
يتبع بآثار العربيَّة في الثَّقافة الإسلاميَّة عامَّة
| التوقيع | أيها المساء ...كم أنت هادئ | |
| |