الأدوار النفسية والتربوية للأسرة والمدرسة والإساءة الى الأطفال د. مريم داود سليم
محاور البحث :
أدوار الأسرة النفسية والتربوية
حاجات الطفل من المرحلة الجنينية الى المراهقة
الحاجيات في الطفولة الأولى
متطلبات وحاجات النمو في الطفولة المبكرة أولاً: متطلبات النمو الجسدي: ثانياً: متطلبات النمو الإجتماعي: ثالثاً: متطلبات النمو الإنفعالي: رابعاً: متطلبات النمو العقلي: حاجات الطفولة الوسطى والمتأخرة دور التغذية الأسرة المفككة تنمية الإرادة سلطة الوالدين
المراهقة الخصائص النفسية الانقلاب العاطفي الوضع الأسري صورة الجسم
المبادىء التربوية الدافعية
الدافعية والدماغ والهرمونات دور المعلمين
العلاقة التربوية : معلم تلميذ
يلاحظ من خلال الإتصال المستمر بين القيّمين على الشأن التربوي من جهة والمعلمين من جهة أخرى أن المشكلات التي يناقشها الأهل والمعلمون ما هي إلا نتيجة طريقة خاطئة ينتهجها الوالدان والمدرسون. وأن المشكلات الأساسية التي يعاني منها التلاميذ ناتجة عن اضطرابات معينة مثل العناد أو انعدلم الثقة بالنفس أو الرسوب المدرسي أو الكذب.... ألخ
نتناول في هذا البحث موضوع أدوار الأسرة والمدرسة والاساءة الى الأطفال مع الإشارة الى أن هذه الإساءة غير متعمّدة في الغالب... فالإساءة الى الأطفال لا تقتصر على الضرب أو الاهانة او الاساءة الجنسية فقط، بل تكمن ايضاً في عدم معرفتنا بحاجات الأطفال في المراحل النمائية المختلفة. إذ لا تزال اساليب الاساءة القاسية متداولة في مجتمعاتنا حيث يعتبر الضرب احدى أدوات التربية التي يستخدمها الوالدان والمدرسون على حد سواء.
ففي إحد اللقاءات مع أولياء أمور تلاميذ المرحلتين الاعدادية والثانوية سأل أحد أولياء الأمور أثناء مناقشة موضوع الضرب، كيف تريدوننا أن نربي أولادنا اذا لم نضربهم؟. في لقاء آخر مع أولياء أمور تلاميذ رياض الاطفال، شكت أم من أن ابنها يضرب رفاقه، وان المعلمات يشكين من ذلك، وأنها تضربه حتى يكف عن ضرب رفاقه، فكان الجواب: حاولي أن تمتنعي عن ضربه لعله يتوقف هو نفسه عن ضرب الآخرين.
وفي مواقف مماثلة عندما كنا نقول: ممنوع مقارنة الطفل بالآخرين، كنا نواجَه برفض ذلك، وحجة الاهل والمعلمين انهم يفعلون هذا من اجل تشجيعه ودفعه، فيما يعتبر علم النفس أن مقارنة الطفل بآخرين هي اساءة اليه، وعندما كنا نقول بعدم التشهير بالطفل والكلام عن مساوئه امام الآخرين، كنا نواجه برفض الاهل ايضاً وحجتهم هذه المرّة انهم يفعلون ذلك من اجل ان يقلع الطفل عن الامور السيئة. وإذا أردنا أن نسترسل فإن الامثلة كثيرة، لكننا نستشهد بمثل أخير، فعندما يخبرنا الأهل بمشكلات يعاني منها أطفالهم، وخلال سرد المشكلة نعتقد بأن الطفل في الرابعة أو الخامسة من العمر، وعندما نستفسر عن عمره نفاجأ بأنه في التاسعة او العاشرة منه. لذلك نستطيع القول إن أطفالنا في غالبيتهم ليس لديهم ما نسميه الانضباط الذاتي، ونحن نعرف بأن الأطفال في الطفولة الوسطى والمتأخرة أي بين ٦ و١٢ سنة يحرصون على إعطاء صورة جيدة عنهم، ويكون الحس الأخلاقي والخضوع للقانون قد تتطورا عندهم، ولكن لماذا لا نجد هذا عند اطفالنا. وهذا ما يشكو منه المدرسون والمدارس ايضاً أي الانضباط الذاتي في الصف كما في الملعب. من أجل هذه الأمور وغيرها أيضاً نتكلم على "أدوار الأسرة والمدرسة والإساءة الى الأطفال" اذ أننا بحاجة الى نشر الثقافة التربوية والنفسية بين الجميع خصوصاً بين الآباء والأمهات، فلا الأبوة ولا الأمومة وظائف بيولوجية بل هي وظائف بيولوجية تحتاج الى اعداد. وسنتناول في ما يأتي حاجات الأطفال في المراحل النمائية المختلفة:
أدوار الأسرة النفسية والتربوية
حاجات الطفل من المرحلة الجنينية الى المراهقة
إن إنجاب الطفل في يومنا هذا يتعلق بقرار الزوجين برغبتهما. وقد اسهمت في هذا التطور علوم عديدة منها البيولوجيا والفيزيولوجيا الحديثة وعلم النفس والايتولوجيا (علم دراسة العادات) ولقد اهتم علماء النفس بدراسة الكائن البشري منذ تكونه وليس منذ ميلاده، أي طيلة التسعة أشهر من الحمل (من الإخصاب إلى الميلاد) وتؤكد الأبحاث على نشاط الحواس في الشهر السابع. حيث تلاحظ الحامل أن الجنين يتأثر بالضجيج وبالموسيقى أو ببعض العوامل الخارجية، كما بينت الأبحاث الفرنسية أن الأجنة يستسيغون موسيقى موزار ويضطربون لموسيقى بيتهوفن وبرامس.
ويستطيع الجنين في الشهر السابع أن يسمع صوت الأم أو صوت الأب والأخوة والأخوات. وفي إحدى التجارب تبيّن أن الأب الذي يقول للجنين بعض الكلمات وإذا رددها له بعد الولادة فإنها تؤدي إلى حالة من الهدوء اذا كان الجنين باكياً او مضطرباً.
ولا بد هنا من الكلام ايضاً عن الوراثة والأمراض الوراثية، إضافة إلى أهمية العوامل البيئية من غذاء الأم الحامل وامتناعها عن التدخين، ذلك أن الأبحاث بيّنت أن الطفل الذي دخنت أمه أثناء حملها به يعاني من نقص الانتباه عندما يذهب إلى المدرسة. إضافة الى خطورة إدمان الكحول لدى الحامل ذلك أن الجنين يكون صغير الرأس بالإضافة الى إمكانية اصابته بالعته العقلي وضعف البنية وانعدام مقاومة الأمراض.
إن المرأة غير السعيدة تتحمل أعباء الحمل بصعوبة أكبر من المرأة السعيدة التي تعيش في جو من الانسجام والتفاهم. ويصاحب الإتجاه السلبي نحو الحمل الغثيان والتقيؤ. وكذلك فإن الإنفعالات النفسية عند الأم الحامل تؤثر بصورة مباشرة على الجنين اذ تؤدي الى إفراز هرمونات تصل عبر المشيمة اليه وتؤثر على إفراز الهرمونات في غدده. وبعض الأجنة تظهر تزايداً في حركتها عند تعرض الأم لانفعالات نفسية.
ومن المهم أن نذكر ان للناس المحيطين بالحامل تأثيراً كبيراً على حالتها النفسية وخصوصاً الزوج، ذلك ان سوء التوافق مع الحمل. والحمل والولادة ليسا من أمور المرأة وحدها، فدورالزوج ''الأب'' أساسي بالنسبة للأم وكذلك بالنسبة للطفل. والأبوة وظيفة يجب ان يتعلمها الرجل وهي تبدأ قبل الولادة وتستمر خلال تربية الطفل. ومن المهم ان نذكر ان للبيئة التي تعيش فيها الحامل تأثيراً كبيراً على الجنين، ذلك ان الا**** النفسي والذهني والجسمي يؤثر على نمو الجنين وتطوره بسبب إفراز هرمونات تؤثر على جسمه، وقد أثبتت الدراسات أن نتائج الإ**** تظهر لاحقاً عند الأطفال من خلال أدائهم الدراسي المتدني، ذلك ان اختلاف معاملة الامهات اثناء الحمل ينتج عنه اختلاف في تصرفات الأطفال بعد الولادة، كما ثبت ان الأطفال حتى سن الثلاثة اشهر ينتابهم الخوف اذا كانت امهاتهم قد تعرضن اثناء الحمل لحوادث مخيفة.
ويولد بعض الأطفال قبل اكتمال ٣٧ أسبوعاً وهناك أسباب لولادة الطفل الخديج (الذي يولد قبل اتمام ٩ أشهر)، منها:
- أمراض ومشاكل في الجهاز التناسلي للأم.
- مشاكل صحية عند الأم الحامل مثل سوء التغذية والإ****النفسي والإرهاق.
- الإضطرابات النفسية عند الحامل.
وكل طفل يولد خديجاً يكون معرضاً للخطر كلما كانت مدة الحمل أقل. ويكون الطفل في هذه الحالة ناقص الوزن مما يزيد احتمال تعرضه لخلل عصبي. وقد يلاحظ عند هؤلاء الأطفال صعوبات من الناحية الكلامية ونقص في التآزر الحركي ونقص أو زيادة في النشاط وصعوبات في ضبط عمليات الإخراج مع صعوبات اجتماعية وانفعالية، مما يؤدي إلى شدة القابلية للتشتت وعدم التركيز.وفي دراسة نشرتها مجلة ''لانست'' قال أطباء إن الأطفال الذين ولدوا قبل أكثر من خمسة أسابيع من اكتمال فترة النمو يصبحون أكثر عرضة لمواجهة صعوبة القراءة ومشكلات سلوكية في مرحلة المراهقة. وقد أجرت الدراسة الطبيبة آن ستيوارت وزملاؤها من جامعة لندن على ٧٢ مراهقاً ولدوا قبل الآوان و ١٥ مراهقاً ولدوا بعد اكتمال فترة الحمل. خضع خلالها المراهقون لسلسلة من اختبارات التعلم والسلوك لتحديد مدى تأثير الولادة السابقة لأوانها على تركيب المخ والقدرة على التعلم. وأظهرت الدراسة ان المراهقين الذين ولدوا قبل اكتمال نموهم أكثر عرضة ١٢ مرة من غيرهم من الشباب الجنين يسمع صوت الام والأب والاخت. ويميز هذه الاصوات بعد الولادة. لان تكون الاشاعات المقطعية على مخهم غير طبيعية كما أنهم يجدون صعوبة أكبر في التعلم وتكون درجاتهم في القراءة ضعيفة. وأشارت ستيورات وفريقها إلى ان أكبر اختلاف أظهرته الإشاعات المقطعية بين تركيب دماغ المجموعتين كان الجزء الذي ينقل الإشارات الى الحبل الشوكي. كما وتؤثر المحاولات المتكررة الفاشلة للإجهاض تأثيراً خطيراً على نمو الجنين.
ولا تزال المرأة العربية تواجه الكثير من المشكلات والهموم حين يتعلق الأمر بالحمل والولادة، منها ما هو متعلق بالعادات والتقاليد والقيّم السائدة وموقف الرجل. ومنها ما يتعلق بوضع المرأة نفسها كعاملة تنشد الإنجاز وتحقيق الذات في ميدان العمل، والصراعات التي تمر بها وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي تزخر بالتناقضات. ويزيد من أهمية الموضوع ازدياد أعداد النساء العاملات، سواء لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو ذاتية. ولكن تبقى"الأمومة" كمفهوم وشعور نقطة انطلاق الى مواضيع أخرى عديدة.
ومن العادات التي تؤثر على أوضاع المرأة الحامل وصحتها بعد الوضع، انه يتم حرمانها من شرب الماء أو العصير أو أكل الحمضيات بداعي أنها تؤثر على صحتها ولياقتها الجسدية، وقد أدى ذلك في حالات ليست بالنادرة الى إصابة بعض النساء بالفشل الكلوي. ونحن نعلم ان عدم شرب المرأة للسوائل بعد الوضع يؤثر على قدرتها على الإرضاع. يتبين لنا مما تقدم مقدار الإساءة الى الطفل في حال عدم مراعاة حاجات هذه المرحلة ومتطلباتها.
الحاجات في الطفولة الأولى
يمكن فهم خصائص النمو النفسي للأطفال في هذه المرحلة من خلال إشباع حاجاته الأساسية: حاجته الى الراحة والاستقرار والثبات في البيئة المحيطة به، حاجته الى التعلق ودفء العاطفة والحنان والرعاية، هذا الى جانب أن إحساس الطفل بالثقة وباشباع حاجاته ما هو في الواقع الاّحالة انفعالية تساعده على التوحد مع العالم، بمعنى ان الجو الذي يشيع الثقة بين الطفل ومن حوله من أفراد أسرته يدعم الجهود التي يقوم بها لكي ينجز واجبات النمو في هذه الفترة. ولذلك فإن دور الوالدين في هذه المرحلة يتحدد بالفورية والثبات، أي بالاستجابة لمؤثرات التوتر التي تصدر عن الطفل وذلك بهدف إزالة هذا التوتر. ''فقد ثبت أن الطفل الذي لم تكن أمه تستجيب لحاجاته بشكل فوري في الأشهر الأولى من حياته، يميل بعد ذلك إلى أن يصبح سريع الغضب والإهتياج وأقل طاعة لأوامر أمه ونواهيها عندما يكبر(1). إن نوع نسيج الوعي عند المولود الجديد وصلابته يتعلقان بمحيطه وخصوصاً بالأم حضوراً وحرارة وحناناً، فالتجربة الناشئة عن الاحتكاك اليومي معها سوف تترك آثارها على شخصيته كلها، والأسابيع الأولى من حياة الطفل بالغة الأهمية اذ تشهد عقد الروابط بين الطفل والأم، روابط سوف يكون لها تأثير على شخصيته ومستقبله، ذلك ان توازن الإنسان البالغ تشكل خلال طفولته، وأساس التوازن تقيّمه الأم منذ الأسابيع الأولى من حياة، الطفل حسب سبيتز(2) فالطفل في هذه المرحلة يختزن كل ما يعيشه من مستحب ومكروه، من إشباعات وخيبات أمل وتجارب سارة ومحزنة ومحاولات ناجحة وفاشلة.
تلعب العلاقة الأولى مع الأم دوراً أساسياً في بناء الشخصية العاطفية والاجتماعية والصحة العقلية للفرد. وتعطي ميلاني كلاين (3) أهمية كبيرة وأساسية لعلاقة الطفل بأمه، فالنمو لا يمكن أن يحدث بطريقة سليمة اذا لم تتجذر صورة الأم مع الأنا في أمان، هذه العلاقة بثدي الأم أو ما يحل محله أو الأم على الأصح، هذه العلاقة الجسدية والنفسية لا تؤدي إلى النمو الصحيح اذا لم تحصل الأشياء بشكل جيد. والكثير من الاطفال الذين يحرمون من الأم أو يوضعون في مؤسسات رعائية ولا يكون لهم علاقة مباشرة بالأم يعانون من مشكلات نمائية أقلها التأخر الدراسي والتأخر في نمو الذكاء ومنهم من يموت جوعاً برفضهم الطعام وكل هذا بسبب الحرمان العاطفي. وفي دراسة قمنا بها في مؤسسات رعائية في لبنان تناولت مئة تلميذ حول "نمو الذكاء" وطبقنا فيها اختبارات بياجية المتعلقة بتصور العالم عند الطفل، تبين لنا أن أطفال هذهالنمو السليم في كنف العائلة. العلاقة مع الام والشعور بالأمان. المؤسسات قد تأخر لديهم تكوّن هذه المفاهيم (مفاهيم تصورالعالم) ثلاث سنوات عن الأطفال الذي يعيشون في أسرهم. ولعلنا هنا نقول بأن وجود الأطفال في هكذا مؤسسات هو مننوع الاساءة إليهم، وقد ألغيت هذه المؤسسات في الكثير منحيث (sos) بلدان العالم وتمّ استبدالها بالأسر أو بقرى الأطفال الأطفال في عائلات ترعاها من تقوم مقام الأم وتقدم الدعم والرعاية لكل طفل.
في نهاية السنة الثانية يستطيع الطفل أن يمشي وهوأقل اعتماداً على الآخرين في تحركاته، ويستخدم يديه بمهارة، ويعود هذا التقدم إلى نمو الجهاز العصبي والعضلي. ويختلف الأطفال في ما بينهم بالنسبة لقضايا المشي والنظافة والكلام، وليس مهماً متى تحصل هذه الأمور، ولكن من المهم أن تحصل في الفترة التي تسمى"الفترة الحرجة" التي هي بين ١٢ و ١٨ شهراً، وخلال هذه الفترة لا نستطيع أن نتكلم عن تأخر في النمو أو تقدمه. ومن السنة الى ال ١٨ شهراً يستطيع الطفل أن يأكل بمفرده. ونعتقد أنه يقع في باب الاساءة الى الطفل في هذه السن عدم السماح له بالحركة والتنقل وعدم تشجيعه على القيام بذلك وحمله طوال الوقت، خصوصاً في الأسر التي تتوافر فيها الخادمات، حيث يطلب الى الخادمة حمل الطفل وفي هذا الأمر إساءة إلى نموه الحسي - الحركي.
كما اننا يجب أن نترك الطفل يأكل بمفرده، فنضعه في كرسيه ونضع تحته جرائد أو أوراقاً، لانه بإطعام نفسه سوف يشعر بسعادة وسوف تزداد ثقته بنفسه، لأن إطعام الذات في هذه المرحلة يعتبر من الإنجازات، والجميع يعرف أن الإنجاز يعزز الثقة بالنفس. كما ان عدم توفير الألعاب للطفل من مكعبات وحتى أشياء من المنزل، وعدم توفير كرة له، وعدم السماح بخلع ملابسه بنفسه، وأن نقوم نحن باطعامه، فهذه كلها أمور تسيء الى الطفل وتجعله غير مستقل، ذلك ان الطفل في هذه المرحلة يحب الالعاب التي تتضمن تخبئة الأشياء، وفي هذا النوع تمرين عاطفي وذهني ايضاً حيث يتغلب الطفل على صعوبات الانفصال المؤقت عن الأم.
كما يجب أن نؤمن للطفل دراجة بثلاثة دواليب، وأن نضع بين يديه كتباً يتصفحها، وأن نؤمن له أوراقاً وأقلاماً لأنه يحب الرسم. كما يجب أن نروي له القصص بما لها من تأثير على نموه العقلي واللغوي، بالإضافة الى كونها تساعد الطفل على حل أزماته العاطفية وتعمل على تمتين العلاقة بينه وبين والديه (4) .
في عمر السنتين يستطيع الطفل أن يكون نظيفاً من خلال ضبط البول والإخراج بسبب النضج العصبي والعاطفي، ذلك أنه حتى يستطيع ضبط عمليتي البول والإخراج فإن عضلات المبولة والمخرج يجب أن تكون قوية. من هنا فإن الإساءة الى الطفل قد تتمثل في حثه على تعلم النظافة قبل النضج العصبي والعضلي اللازمين لذلك، ما يؤدي الى شعوره بالعجز عن تحقيق ما يريده منه والداه. وينطبق الأمر نفسه اذا أهمل الطفل ولم يتم تعليمه النظافة في الوقت المناسب.
ومن أجل اكتشاف الذات وتوكيد الأنا يمر الطفل بأزمات وصعوبات، وهو يمر من دون سبب بين قول "نعم" وقول "لا" أي بين الحاجة إلى الأمان والحاجة إلى الاستقلال، وهو بحاجة إلى معايير تساعده على الخروج من هذه التناقضات.
وتعتبر إساءة إلى الطفل، اذا حاولنا فرض أمور عليه وعدم إعطائه بدائل وعدم شرح المواقف له ومناقشته لنساعده على بناء شخصيته. وفي مواقف عديدة نرى أن الأهل يحاولون إثارة غضب الطفل بشكل مفتعل ويهزؤون من ثورة غضبه.
ويحقق الطفل بين السنتين والسنتين والنصف تقدماً في المجال اللغوي وتصبح جمله واضحة ومفهومه من الآخرين، ويفهم معاني الكثير من الكلمات. من هنا فإن من واجب الوالدين محادثة الطفل وقراءة الكتب له. واذا كان يخطئ في لفظ بعض الأحرف فيجب عدم إجباره على اللفظ الصحيح لان الأمر يتعلق بالنضج العصبي للمناطق المتعلقة بالنطق. وعلى الوالدين في هذه الحالة ترداد الكلمة امامه بلفظ صحيح وهذا كاف ليتمكن الطفل من لفظها صحيحة عندما يصبح قادراً على ذلك.
والطفل بين السنتين والنصف والثلاث سنوات يفضل اللعب بمفرده، إلا أنه يستطيع التحاور مع الآخرين الذين هم في سنه واللعب معهم والعيش معاً في عالم الخيال. ويدرك الانفصال المؤقت عن الأم. في الحرمان من الحركة اساءة الى نمو الطفل الطفل في هذه المرحلة هويته الجنسية فتختلف العابه ويختلف سلوكه تبعاً لهذه الهوية. ومن هنا نعتبر انه من الإساءة الى الطفل منعه من الاختلاط مع أطفال في سنه وكذلك عدم العمل على جعله يدرك هويته الجنسية التي يهملها بعض الأباء ما قد يؤدي الى وقوع الطفل في اضطرابات في المستقبل.
استخدام الطفل ليديه تقول النظريات ان الذي يحدد أياً من اليدين يستخدم الطفل هو نوع السيطرة المخية الأصلية لديه؛ فسيطرة الجانب الايمن من المخ تفضي الى العسر والعكس صحيح. وان ضغط الأهل على الطفل كي يستخدم يده اليمنى له نتائج ضارة على النطق والانفعالات كأن يصبح الطفل متأتئاً.
النمو الإجتماعي
إن الحياة بالنسبة لطفل في هذه المرحلة ما هي الا لوحات متمحورة حول شخصية الأم، وهذه اللوحات تمنح الطفل الطمأنينة وتسمح له أن يجد ذاته، لذلك اذا كانت هذه اللوحات مشوشة وكانت العادات متغيرة باستمرار يضيع الطفل ويفقد اتجاهه. المهم في تفاعلات الرضيع مع من يقوم على رعايته هو ما يجده من ثبات. فعندما يحس الطفل بثبات الأب وانه يمكنه الاعتماد عليه ينمو لديه إحساس بالثقة في هذا الأب والبديل عن ذلك هو فقدان الثقة، أي الشعور بعدم التوقع أو عدم إمكانية الإعتماد عليه أو انه يمكنه ألا يكون موجوداً عندما يحتاج الطفل اليه. وعندما يتعلم الطفل الثقة في من يرعاه فإن ذلك ينعكس على سلوكه.
ويقول أريكسون إن علاقة الثقة في الأم تظهر عندما يكون الطفل مستعداً لتقبل ترك الأم عند رؤيتها دون أن يظهر القلق والغضب، ذلك انه اذا كان الأباء ممن يعتمد عليهم فان الاطفال يحتملون غيابهم، أما لو كانوا ممن لا يعتمد عليهم فإن الأطفال لا يستطيعون ان يتركوهم ليذهبوا بعيداً عنهم. وتعتمد الثقة ايضاً في أن يكون لدى الآباء الثقة في ما يفعلونه، وأن يعبروا للطفل ان هناك معنى في ما يفعلونه، وهكذا فمن المهم أن يشعر الأهل بالثقة كي لا يشعر الرضيع بالقلق. ويتصل نمو الطفل الاجتماعي اتصالاً وثيقاً بنموه الجسدي والعقلي والعاطفي، فعندما يولد الطفل في بيئة ترغب فيه وبين أناس يحبونه ويقبلون على مداعبته، يألف الناس ويقبل عليهم ويستمتع بصحبتهم، مما يمهد السبيل لنموه الاجتماعي وسهولة إقامة العلاقات بالغير. كذلك فإن صحة الطفل الجيدة والعناية بملبسه ومظهره ذات تأثير كبير في إقبال الناس عليه، أما الطفل ضعيف البنية والذي لا يتمتع بحسن المظهر فانه يعزل عن الناس مما يقلل من فرص نموه الاجتماعي وإقبال الناس عليه. ويحتاج الطفل منذ الشهر الرابع الى بقاء الناس معه، يبكي لاستدعائهم ويبتسم عندما يداعبونه ويهتمون به.
لذلك فإن ترك الطفل مع الخدم وعدم الاهتمام به من قبل الأم والأب بصورة مباشرة يقلل من فرص نموه الاجتماعي ويعتبر هذا الأمر إساءة اليه. وتدل أبحاث فينكوت ودولتو وسبيتز على أهمية العلاقة بين الأم وبين الطفل. وقد وجد سبيتز نوعاً من الإنهيار العصبي عند بعض الاطفال المحرومين عاطفة الام وتدل الدراسات العيادية أن الاسرة المضطربة تنتج أطفالاً مضطربين. وان الكثير من اضطراب الطفل ما هو الا أحد أعراض اضطراب الأسرة المتمثل في الظروف الصعبة وأخطاء التربية والتنشئة الاجتماعية.
النمو المعرفي
ان التفاعل الذي تتخذ فيه الام موقفاً ايجابياً فعالاً في حياة الطفل لا يقتصر على مجرد الاستجابة لحاجاته فقط، بل يتعداه الى المبادأة في استثارته اجتماعياً وانفعالياً ومعرفياً وذلك من خلال الإتصال بالطفل من حيث احتضانه والتحدث اليه ومداعبته ومشاركته اللعب وسماعه للموسيقى. لهذا ينبغي على الوالدين تشكيل البيئة المادية للطفل بحيث تتناسب ومستوى نموه، أي أن يأخذ الوالدان بعين الاعتبار حاجات الطفل عند إعطائه المواقف والمثيرات وتحديد ما هو مناسب للطفل من حيث تنوع الخبرات التي يتعرض لها، وأن يقوما بتغيير البيئة بما يتناسب ونمو مهارات الطفل المختلفة، فالوالدان اللذان يهيئان لأطفالهما فرصة التشجيع على الإطلاع والاستكشاف والمعرفة، إنما يهيئان لهم فرصة للشعور بالسعادة والنجاح التفوق. والوالدان اللذان لا يفعلان ذلك يسيئان إلى أطفالهما. يتبع