منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - الدرس الثامن : شرح حديث الاستخارة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله )) ، والصلاة والسلام على نبيه القائل : إذا همّ _أراد_ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة...))، وعلى آله وصحبه أجمعين .

0000000

الدرس الثامن : شرح حديث الاستخارة - مع بعض الفـوائد-

توطئة :
بهذا الدرس يكون تم إنهاء أهم دروس إتقان الاستخارة ، وستبقى الأمور التكميلية .

أولا : أهداف الدرس
1) معرفة ألفاظ حديث الاستخارة ، ليسهل تدبرها ، وبالتالي استحضار عظمة المولى وضعف العبد ، فكلما كان القلب حاضرا ، أعانه الله في تمييز التيسير من الصرف .
2) ربط وترسيخ ما جاء في الدروس السابقة .

ثانيا : حديث الاستخارة
عن جابِرٍ رضيَ اللَّه عنه قال : كانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ في الأُمُور كُلِّهَا كالسُّورَةِ منَ القُرْآنِ ، يَقُولُ إِذا هَمَّ أَحَدُكُمْ بالأمر ، فَليَركعْ رَكعتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفرِيضَةِ ثم ليقُلْ : اللَّهُم إِني أَسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ ، وأستقدِرُكَ بقُدْرِتك ، وأَسْأَلُكَ مِنْ فضْلِكَ العَظِيم ، فإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ ، وتعْلَمُ ولا أَعْلَمُ ، وَأَنتَ علاَّمُ الغُيُوبِ . اللَّهُمَّ إِنْ كنْتَ تعْلَمُ أَنَّ هذا الأمرَ خَيْرٌ لي في دِيني وَمَعَاشي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي » أَوْ قالَ : « عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِله ، فاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي، ثمَّ بَارِكْ لي فِيهِ ، وَإِن كُنْتَ تعْلمُ أَنَّ هذَا الأَمْرَ شرٌّ لي في دِيني وَمَعاشي وَعَاقبةِ أَمَرِي » أَو قال : « عَاجِل أَمري وآجِلهِ ، فاصْرِفهُ عَني ، وَاصْرفني عَنهُ، وَاقدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ، ثُمَّ رَضِّني بِهِ » قال : ويسمِّي حاجته . أخرجه البخاري .

ثالثا : شرح الحديث
1) قوله : ( كان يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ) :
أ‌- فيه دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة وأن لا يحتقر المسلم أمراً لصغره أو ظاهر خيره ، فرب أمر يستخف به فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم ( 1) .
ب‌- فيه دليل على أن إتقان الاستخارة بحاجة إلى تعليم نظري وعملي واجتهاد كالسورة من القرآن .
ج- فيه دليل على استحباب الإكثار منها في جميع الأمور. وقد تقدم الحديث عن أقوال علماء السلف في الإكثار منها .

= = = = =
2) قوله : ( إذا هم أحدكم بالأمر ) :
فالمقصود بالهم هنا العزم أي عقد القلب على فعل الشيء ، وليس المقصود بالهم الحزن والقلق أو الحيرة والتردد كما يظن كثير من الناس ، فكان ذلك سبباً في قلة الاستخارة أو تركها ويؤكد ذلك المعنى :
أ‌- لفظة : ( في الأمور كلها ) . وكلمة (( كل )) من أقوى صيغ العموم .
ب – جاء في بعض الروايات ما يبين ذلك وهي: ((إذا أراد أحدكم))" " . وقد تقدم تخريجه.
ج- وردت أحاديث تبين أن الهم يأتي بمعنى العزم ومنها الحديث القدسي : ( إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها )) " 3".
د- ليس في كلام العرب أن الهم يأتي بمعنى التردد أو الحيرة ، وإنما قد تأتي بمعنى القلق أو الحزن .

= = = = =
3) قوله : ( فليركع ركعتين من غير الفريضة ) .
فيه احتراز لصلاة الفجر وبيان عددها وأنها غير واجبة . وقدم تقدم الحديث أن الركعتين للاستحباب

= = = = =

4) قوله : ( اللهم إني أستخيرك بعلمك ) .
أ- ((أستخيرك )) : أي أطلب منك الخيرة بتيسير هذا الأمر إن كان خيراً لي أو بصرفي عنه إذا كان شراً وبقية الحديث يوضح ذلك .
ب ) (وبعلمك ) : أي مستعيناً على ذلك بعلمك لأنك أنت العليم .
= = = = =

5) قوله : ( واستقدرك بقدرتك ):
أ) (( أستقدرك )): أي أطلب منك القدرة على فعل المطلوب الذي ستختاره لي بصرف أو تيسير .
ب ) (( بقدرتك )) : أي مستعيناً على ذلك بقدرتك لأنك على كل شيء قدير .

= = = = =

6) قوله: ( وأسألك من فضلك العظيم ) :
أي أسألك تعيين الخير وتبيينه( 4) وتقديره وتيسيره وإعطاء القدرة لي عليه تفضلاً منك وليس لاستحقاقي لذلك ولا لوجوب عليك .

= = = = =

7) قوله : (فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب) :

فيه تعليل وتوكيد فأنا أستخيرك لأني لا أقدر على شيء إلا بحولك وقوتك ، ولا أعلم شيئاً إلا بعلمك وإلهامك ، فأنت الذي تعلم الغيب .

= = = = =

8) قوله: (اللهم إن كنت تعلم )

هذا النوع – أي كلمة "إن" - من الترديد يسميه أهل البلاغة تجاهل العارف ومزج الشك باليقين ( 5) لاستعطاف المنعم عندما يكون المرء واثقاً من إخلاصه ،كقول ابن عمر رضي الله عنهما (اللهم إن كنت تعلم فيّ خيراً فأرني رؤيا) ومثله أيضاً حديث أصحاب الغار عندما انطبق عليهم فدعوا بصالح أعمالهم وكان من جملة دعائهم (فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك...)" 6".

= = = = =

9) قوله : ( أن هذا الأمر )
يسمى حاجته هنا ومثاله (اللهم إن كنت تعلم أن زواجي من فلانة بنت فلان) أو (سفري إلى كذا) أو (( شراء كذا وكذا )) .

= = = = =

10) قوله : ( خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله ) .

أي ما هو أصلح لي في ديني ودنياي ويوم الحساب ،ومنهم من ذهب إلى أن قوله : (أو قال عاجل أمـري وآجـله )هي شك من الراوي حيث جاءت رواية في المستدرك (ج 1/ص 458/حديث 1181) وصحيح ابن حبان (ج9 /ص 348/حديث 4040) من غير طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي عن جابر بلفظة ( في ديني ودنياي وآخرتي ) والأفضل أن يقتصر على أحد القولين : ( 7) ، ومنهم من ذهب إلى أن الأفضل الجمع بين القولين كابن حجر . والأمر فيه سعة .

= = = = =

11) قوله: ( فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه ) :
أي أدخله تحت قدرتي بتيسير أسبابه ، ويكون قوله (ويسره لي) طلب التيسير بعد التقدير ،وقيل المراد من التقدير التيسير ، فيكون ويسره لي عطفت تفسيريا )( 8) .

= = = = =

12) قوله: (إن كنت تعلم أن هذا الأمر).
ويسمى حاجته هنا أيضا كالذي تقدم بيانه في الخير .

= = = = =

13) قوله : ( شر لي في ديني ومعاشي ....) تقدم مثله.
= = = = =

14) قوله : ( فاصرفه عني واصرفني عنه ) .
الطمأنينة وصلاح البال في المسألة المستخار فيها لا تكتمل إلا بالأمرين معاً فكم من شر مصروف عنك وما أنت بصارف نفسك عنه .

= = = = =

15) قوله: ( واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به).
لأنه إذا قدّر له الخير ولم يرض به كان منكد العيش آثما ًبعدم رضاه بما قدره الله له مع كونه خيراً له ( 9) وفيه دليل على أن الرضا يكون بعد القضاء ، أما إذا كان قبله فهو تفويض أو عزم على الرضا.
وفي الألفاظ الواردة في الدعاء كإثبات العلم والقدرة والفضل العظيم للمولى سبحانه ثم نفي العلم والقدرة والحول والقوة عن المخلوق وطلب خير الأمرين تجعل الاستخارة مبنية على التوكل ، وبالتالي يلزم المستخير التوكل عليه_ سبحانه_ في مسألته ومن ثم سيكفيه الله هذا الأمر في الدنيا قبل الآخرة وهذا هو جوهر الفرق بين الدعاء المحض والاستخارة .والاستخارة من أعظم العبادات لتحقيق التوكل .

وختاما ... .. هذا ما يسر الله إذ استخرته و الخير ما يسره الله . والحمد لله رب العالمين

= = = الهوامش = = = =
1) ) ) انظر شرح النووي لصحيح مسلم ( ج 9/ 228) ، وتحفة الأحوذي (2/ 482) المباركفوري .
2 ) أخرجه ابن حبان في صحيحه: (ج 3/ص 167/حديث 885) وحسنه الأرناؤوط، وفيه لفظة مهمة وهي: (إذا أراد أحدكم) ،
وأبو يعلى في مسنده ( ج 2 /ص 497/حديث 1342) وحسنه الشيخ حسين أسد، وفيه لفظة (إذا أراد).
3 ) أخرجه مسلم .

( 4 ) (عود المعبود / 4/ 278) ( تحفة الأحوذي/ 2/ 483) وهذا يدل على أنها ليس مجرد ركعتين بدعاء مخصوص ويدل أيضاً على أنها تحتاج إلى تبيين.،والتبيين يحتاج إلى اجتهاد ودعاء وغير ذلك من الأمور التي تم تناولها في الدروس السابقة .
5) حاشية السندي (6/80).
6) أخرجهما البخاري وغيره .

7 ) وللإمام ابن القيم تحقيق جميل في هذه المسألة فليراجع في (جلاء الأفهام / 1/ 324) .
8) عون المعبود : (ج 4/ 279)
9 ) (نيل الأوطار / 3/ 89/ ) الشوكاني .