2010-01-19, 08:27
|
رقم المشاركة : 2 |
إحصائية
العضو | | | رد: مع الرسول عليه الصلاة والسلام:يوم إكمال الدين والبلاغ المبين | نشهد يا حبيب الله أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق الجهاد حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى. وهنا نقف مليا مع بنود هذه الخطبة العظيمة نسلط عليها بعض الأضواء لنستضيء بنورها الوضاء، ونستنبط منها سنة الله تعالى في نصر المؤمنين لما لزموا غرزه واعتزوا به، وأحبوا نبيه r وتفانوا في حبه، واعتصموا بالقرآن والسنة. ونستنبط كذلك سنته تعالى في تغيير تلك النعم التي حققوها في ماضيهم التليد لما خالفوا أمره، وخذلوا نبيه r، وتركوا تلك الأمانة العظيمة وراء ظهورهم: البند الأول: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام...): وكرر النبي r هذه التوصية، وها نحن اليوم في زمن تزهق فيه الأرواح، وتراق فيه الدماء البريئة، وتنتهب فيه أموال الشعوب، ويعتدى فيه على الناس في كل وقت وحين، والاستدمار الصليبي واليهودي ما زال ينهش في جسم الأمة بالمخلب والناب. البند الثاني: (ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي...): وها هي الأمة الإسلامية اليوم قد مزقتها الحروب القومية والطائفية والعرقية والمذهبية، وأعداء الإسلام ينبشون التراب عن الجيفة المنتنة، تلك القومية العربية والأمازيغية والوطنية ... كل هذه المصائب كانت نتيجة تلك المخالفة لهذا البند. البند الثالث: في باب المعاملات: فكل ربا موضوع وأن للناس أموالهم لا يَظلمون ولا يُظلمون. وما الأزمة الاقتصادية التي حلت بعالمنا اليوم وبدأت تنخر في كيان الدول العظمى والصغرى وتنذر بانتكاس راياتها إلا بسبب المعاملات الربوية المحرمة. البند الرابع: حدد فيه النبي r زمن الحج بعدما كان المشركون يتلاعبون بالأشهر، فلا حج إلا في شهر اسمه ذو الحجة. وهو الشهر الذي حج فيه سيدنا رسول الله r حجته الأخيرة. البند الخامس: وضع فيه النبي r أسس حقوق المرأة في الإسلام؛ فأوصى بالنساء خيرا، وهي وصية جامعة شاملة تهدف إلى القضاء على الظلم ضد المرأة. البند السادس: أوصى النبي r بالاعتصام بالكتاب والسنة وهُمَا المخرج من كل ضيق والدواء لكل داء والأمان من كل تيه وشقاء وضلال وزيغ. وما الشقاء والذل والهوان الذي أصاب الأمة الإسلامية إلا ببعدها عن هذين المنبعين، مصدر كل عزة وكرامة ونصر وتمكين. وخلاصة المرام في تحقيق المقام: بذلك ا المنهاج النبوي الجامع، بين الرحمة والقوة، والجهاد والتربية، والعدل والإحسان أخذت جذوة الباطل تخمد رويدا رويدا، حتى أفل نجم الجاهلية، وظهر فجر الإسلام وثبتت دعائمه. وخضع العرب بعدما لان قيادهم للحق -بعدما انكمش الباطل واندثر- في حجة الوداع. وانتهت مناسك الحج وسمع الناس كلهم صوت الحق المبين، فحث سيد الوجود r الركاب إلى مدينته المنورة لا ليأخذ حظا من الراحة في منتزهاتها، بل ليستأنف حياة الجهاد ويستقبل الوفود الوافدة على الإسلام لترجع إلى قومها مبلغة للرسالة الخالدة، ويعبئ جيشا ليكسر به أنفة الروم وكبرياءهم. إنها أمانة عجزت السموات والأرض عن حملها، وراحة أصحاب الرسالات عندما يرون بواكير نجاح الدعوة دانية القطاف، وثمرتها طيبة مباركة. وتحققت الوعود الإلهية وسننه الثابتة: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾([10]). ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾([11]). ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾([12]). ([1])سميت حجة الوداع؛ لأن سيدنا رسول r بعدها بأمد قصير التحق بالرفيق الأعلى، ولأن العبارات الواردة في خطبتهr تفيد بأنها آخر لقاء مع تلك الحشود التي أتت من كل فج عميق لتشهد منافع لها في الصحبة المباشرة لسيد الوجودr والتلقي المباشر منه والتشرب القلبي من معينه. وسميت حجة البلاغ؛ لأن سيدنا رسول r كان يذكر في خطبته عبارات التبليغ: (ألا هل بلغت؟) (فليبلغ)... أضف إلى ذلك أنها كانت خاتمة البلاغ إلى البلاد العربية، فعم القاصي والداني العلم بدعوة الإسلام؛ فمنهم من دخل في الإسلام وأشرب حبه في قلبه وتمكن الإيمان فيه، ومنهم من قدم الطاعة للإسلام ولأحكامه ولما يدخل الإيمان قلبه. وأسميها كذلك بحجة التمام والكمال، لكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين. ([2]) ليس الجهاد ما علق بأذهان الجاهلين بالإسلام اليوم بأنه حمل السيف وقتال العدو وانتهى الجهاد، بل الجهاد أعظم من أن يُخَنْدَق في خَنْدَق ضَيِّق؛ هو أن يكون كل فرد من أفراد الأمة المسلمة في بذل جهد مستمر صباح مساء ليحيى الإسلام وتقوى شوكة المسلمين، وتنتشر الدعوة الإسلامية في العالمين، وينالوا رضا الله يوم الوقوف بين يدي خالق الخلائق أجمعين بتزكيتهم لنفوسهم واهتمامهم بمصير أمتهم؛ أي بخلاصهم الفردي والجماعي . ([3])سورة المائدة: من الآية3. ([4])سورة الفتح:28. ([5])سورة غافر:51. ([6])سيرة ابن هشام، 4/466. ([7]) خطب النبي r في عرفات خطبته هذه الجامعة، وفي يوم النحر بمنى خطب خطبة أخرى، وفي أوسط أيام التشريق –وهو يوم النحر الأول-خطبة أخرى، وهي تأكيد لبعض ما جاء في الخطبة الأولى، وتكرار الخطبة في هذه الحجة أمر لابد منه، لحاجة المسلمين إلى ذلك، وليبلغوا عنه ويحسوا بثقل الأمانة الملقاة على عاتقهم، وليبلغوها إلى من لم يحضر إلى يوم القيامة. ([8]) ينكتها: معناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيرا إليهم. صحيح مسلم بشرح النووي، 4/423. ([9]) صحيح الإمام مسلم، كتاب الحج، باب في المتعة بالحج والعمرة، ح2950. سنن ابن ماجه، كتاب المناسك، باب حجة رسول الله r، ح3074. ([10])سورة طـه: من الآية132. ([11])سورة الصف: من الآية8. ([12])سورة الإسراء:81. الموضوع من انجاز الدكتور رشيد كهوس | |
| |