2014-09-07, 12:32
|
رقم المشاركة : 2 |
إحصائية
العضو | | | رد: محنة التربية | محنة التعليم - تابع- إن محنة اللغة العربية في بلادنا هي محنةٌ سياسيةٌ بالدرجة الأولى، لأن القرارَ السياسيَّ المتحكِّمَ يأبى عليها أن تسموَ إلى مكانتها التي تليقُ بها، ويُغَلِّفُ الحقيقةَ بغلافٍ سميكٍ من الأوهام، حتى يغيبَ عن الأنظار جوهرُها، ثم تصبح الأوهامُ عند الناس حقيقة، فإذا ما سلَّمُوا بعجزِ لغتهم وفقرِ مصطلحاتها لم تَعُدْ لديهم ثقةٌ في أنفسهم، وارتابُوا من هويتهم، وتعاملوا مع ذواتِهِم بحذر، فإذا اجتمع فقدانُ الثقة في الذاتِ مع طغيانِ القرارِ السياسي السلبيِّ كان تحقيقُ غايةِ التعريب أمرًا عسيرًا، إن لم نقل مستحيلا!
ونقول مع الدكتور شوقي ضيف: " إن محنةَ اللغة العربية الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسيا أمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية ".
لا ريب عندنا أن اللغة أي لغة لا بد لها أن تخضع للتطور والتجديد، لكن تطور اللغة ما كان له أن يُخرِجَها عن خصائصها وضوابطها، وإنما يَضَعُ اللغويون منهجيةً خاصةً لهذا الأمر، فإذا لم يكن نموُّ اللغةِ سليمًا غيرَ مخالفٍ لثوابتِها أفسدها وأسقطَ أركانَها، لاسيما عندما نجدها تستسلم للتوجه الإعلاميِّ المُخِلِّ بها، ولطالما نادى الغيورونَ عليها من قبلُ بتجنُّبِ الإسفافِ بلغةِ القرآن في الصحف والمجلات، رغمَ ذلك سرى إليها اللَّحن، وفسدتْ مقرراتُها المعتمدَةُ في التعليم، فتخرّجَتْ أفواجٌ لا تَعْبَأُ بلَحْنِها في اللغة ولا تُحِسُّ به، وتكونت جبهةٌ عريضةٌ عنيدةٌ عَزَلَتِ اللغة العربيةَ عن مجال العلوم والتكنولوجيا، ولما غُيِّبَتِ العربية عن الميادينِ الحيويةِ ازْدَرَتْهَا أعيُنُ الناس، وانهزَمَ أبناؤها نفسيا أمام الزحف اللغويِّ الأجنبيّ، واكتَمَلَتْ قناعتُهُمْ بأن لغتَهُمْ غيرُ قادرةٍ على استيعابِ العلوم، وغابَ عنهم أن تَمَكُّنَهُمْ من اللغات الأجنبيةِ لن يبلُغَ تمَكُّنَ أهلها منها أبدًا، مهما حاولوا فإن مستوى العطاء العلمي باللغة الأجنبيةِ يكونُ أدنى مما يكون عليه الأمرُ لو كان بلغتهمُ الأم.
يقرِّرُ " الميثاق " أن الشعبَ العاليةَ التخصص ترتبط دائما " باللغة الأجنبية الأكثر نفعا وجدوى من حيث العطاء العلمي ويسر التواصل "، ومع عدم تحديد المقصود من " الشعب العالية التخصص "، يتم تعميمُ هذا المفهوم واقعيا على جميع الشعب العلمية والتقنية، فلا يبقى مجالٌ للشُّعَبِ المُعَرَّبَةِ " الوهمية "!
وتؤكد الفقرةُ الأخيرةُ من نفس المادة أن " تدريس الوحدات والمجزوءات العلمية والتقنية الأكثر تخصصا من سلك البكالوريا سيتم بنفس اللغة المستعملة في الشعب والتخصصات التي سيوجَّه إليها التلاميذ في التعليم العالي " أي اللغة الفرنسية طبعا.
أما اللغات الأمازيغية فيتم استعمالها حسب المادة 115 " للاستئناس، وتسهيل الشروع في تعلم اللغة الرسمية في التعليم الأولي وفي السلك الأول من التعليم الابتدائي، وستضع سلطات التربية والتكوين الوطنية رهن إشارة الجهات بالتدريج وحسب الإمكان الدعم اللازم من المربين والمدرسين والوسائل الديداكتيكية ".
من المفارقاتِ الغريبةِ أن يتمَّ تفعيلُ المواد التي تكرس الازدواجيةَ بشكلٍ مباشرٍ وسريع، أما المواد التي تحدثت عن تقوية اللغة العربية وتجديدها وإلزاميتها فظلت حبرا على ورق.
فحسب المادة 113، كان من المفترض أن ترى أكاديمية اللغة العربية النورَ منذ سنة 2001، لكن الكلامَ عنها كان غامضًا ومُريبًا، لأنه لم يتضمَّن أية إشارةٍ لكيفية عملها أو برامجها التطبيقية والمقدار الزمني الذي يفترضُ أن تستغرقَه، فضلا عن الإمكانات المادية والبشرية التي سوف تحتاج إليها، هذا بالرغم من أن " الميثاق " يعتبر مسألة التعريب مشروعا ضخما وخطيرا، وأنه ليس بالأمر الهينِ الطُّمُوحُ لتطويرِ اللغة العربية وترجمة التعليم العالي والعلمي، فالمادة 112 تؤكد أن " فتح شعب علمية بالتعليم العالي باللغة العربية يلزم الاستعداد له في إطار مشروع مستقبلي طموح ".
ما زالوا يتحدثون عن " مشروع مستقبلي طموح "، أَوَ لم يكفهم أزيدُ من نصف قرنٍ مضى لتحقيق هذا المشروع الوطنيِّ المستقبليِّ الطموح؟!
يشهدُ ما مضى أنه ما بُذِلَ في سبيلِ ذلك شيء، وعلى النقيضِ يتِمُّ إعدادُ وتجهيزُ وتسليحُ جيشٍ من أساتذة اللغة الفرنسية، لأن بنودَ " الميثاق " تجبِرُ وزارةَ التربية الوطنية على إنشاء ثلاث مدارس لتكوين معلمي اللغات في التعليم الابتدائي، وثلاث مدارس لتكوين أساتذة اللغات في التعليم الثانوي، ويفرض عليهم نظامًا صارمًا وتكوينًا معمَّقًا، وتبقى الهيمنة للفرنسية دائما، بينما لا تحظى لغة البلاد الرسميةُ من ذلكَ بشيء، بل وفوقَ ذلك يتِمُّ الخلطُ بينها وبين اللغات الأجنبية وتقديمُها عليها، كما نقرأ مثلا في المادة 117:
"تُحدِثُ الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بصفة ممنهجة دروسا لاستدراك تعلم اللغات، بما فيها العربية".
أي أن اللغات الأجنبية هي الأصل، واللغة العربية استثناء!
والنتيجة أن نفس السياسة الفرنكفونيةِ المُتَّبَعَةِ من قبلُ لم تتغير، تُكَرِّسُ بين ظهرانينا النُّخبويةَ لتكونَ الأولويةُ في التعليم لفئةٍ متميزةٍ دون أخرى، وحتى تنحصرَ في نطاقها الضَّيِّقِ الاستفادةُ والإفادةُ مما يسمونه " تنمية "، وكان من شأن التعريبِ أن يقضيَ على هذه الظاهرة ويَجْتَثَّها من جذورها، لولا أن مصالح المستفدين من بقاء الوضع على ما هو عليه تحول دونَهُ ما وَسِعَهَا ذلك، حسدًا من عندِ أنفُسهم من بعدما تبيَّنَ لهمُ الحق، لأنهم يعلمون علمَ اليقينِ أن اللغةَ العربيةَ قادرةٌ على استيعابِ العلوم، وأنه لا سبيلَ لنهضةٍ علميةٍ أو تقنيةٍ أو صناعية بغير تعريب، كما يعلمونَ أيضًا أن التعريبَ وبالٌ على مصالحهم وامتيازاتهم ومواقعهم.
ويستمرُّ بذلُ الجهودِ المُضنِيَةِ والأموال من أجل إرضاءِ الطغمة الفرنكفونية التي ترعى مصالحها البعثةُ الفرنسية، وتركع لمطالبها حكوماتُنا المتتالية باسم مشاريع التعاون الفرنسي المغربي، واستجداء المساعدة الخارجيةِ التي تَلسِبُ بمكرٍ وغدر، من مساعداتٍ مادية وتقنيةٍ تُغري بهما إلى نَفَاذٍ مباشرٍ لجوهرِ المنظومة التعليمية. | التوقيع | أيها المساء ...كم أنت هادئ | |
| |