في فوضى الباكلوريات الأجنبية
 

في فوضى الباكلوريات الأجنبية

http://s1.hespress.com/cache/thumbna..._660483231.jpg
تداولت العديد من وسائل الإعلام خبر عزم وزارة التربية الوطنية على فتح باكلوريا دولية أخرى إسبانية على غرار الباكلوريا الفرنسية التي بدأ اعتمادها بشكل تدريجي منذ السنة الماضية.
قد تكون خلفيات هذا القرار هو محاولة التخفيف من شدة الانتقادات التي توجهت لوزارة التربية الوطنية والحكومة بسبب قرار اعتماد الباكلوريا الفرنسية ومحاولة إعطاء الانطباع أن الأمر لا يتعلق بهيمنة لغوية فرنسية أملت هذا الاختيار الذي لم يجر أي تشاور بشأنه بين المعنيين، وإنما يتعلق بقرار وطني يستند إلى رؤية منفتحة تحاول أن تضع المتعلم أمام خيارات متعددة، قد تكون بكالوريا فرنسية، وأخرى إسبانية وانجليزية وغيرها.
والواقع، أن محاولة من هذا الشأن، لن تكون مقنعة فضلا عن كونها لا تساعد في تغطية الخلفيات التي كانت وراء اعتماد الباكلوريا الدولية الفرنسية، لأن الجميع يدرك أن الباكلوريا الإسبانية، حتى ولو تم إسنادها بكل الإمكانات الممكنة، فلن تتجاوز بضع ثانويات في مدن الشمال المغربية.
والحقيقة أن قرار وزارة التربية الوطنية بقدر ما قصد التغطية على تقديرها الخاطئ في اعتماد الباكلوريا الدولية الفرنسية، فإنه كشف عن عجز وارتباك كبير في التعاطي مع قضية إصلاح نظام الباكلوريا، لأن الاحتجاج بالانفتاح ووضع المتعلم أمام خيارات متعددة، لا يمكن أن يكون على حساب نظام باكلوريا وطني متهالك وضعيف.
تجارب النظم التربوية والتعليمية في الدول المتقدمة، تعطينا دروسا كافية لوضع معادلات متوازنة بين الحاجة إلى بناء نظام بكالوريا وطني وبين متطلبات الانفتاح، إذ لا توجد تجربة واحدة متقدمة اتجهت في منحى تنويع الاختيارات في النماذج الأجنبية للباكلوريا، وفرطت في بناء نموذج وطني للباكلوريا بمواصفات دولية.
إن السياسية الوطنية التعليمية السليمة، تقتضي أن يتم البدء من حيث يجب البدء، وذلك بفتح ورش إصلاح نظام الباكلوريا ضمن رؤية وطنية، تؤهل النموذج الوطني ليكون بمواصفات دولية تنافسية، وتسمح للمتعلم باكتساب كافة المعارف والمهارات والقيم والكفايات الضرورية، وتعفيه من البحث عن خيارات أخرى من خارج الأرضية الوطنية.
نعم، هناك حاجة للانفتاح، وهناك حاجة أكبر لتقوية مستوى التعلم وجودته ليستجيب للحاجيات الملحة، لكن، البحث عن تلبية هذه الحاجات بعيدا عن رؤية وطنية لإصلاح نظام الباكلوريا سيكرس واقع الضعف والهشاشة والعجز في الإمكان الوطني لفائدة تقوية النماذج الأخرى التي لم يثبت نجاح بعضها في بيئتها، فبالأحرى داخل بيئة ثقافية مغايرة.
ثمة اليوم نقاش مغلوط جاء قرار وزارة التربية الوطنية باعتماد بكالوريا إسبانية ليضفي عليه أبعاد أخرى من المغالطة، فليست المشكلة في جوهرها مرتبطة بالانفتاح أو اللاانفتاح، ولا حتى باللغة الوطنية أو الهيمنة اللغوية الأجنبية وإن كانت صورة هذه المسألة حاضرة، وإنما القضية في حقيقتها تتعلق بجدوى التسرع في إنتاج هذه القرارات الاستراتيجية في ظل غياب رؤية وطنية متشاور حولها لإصلاح نظام الباكلوريا.
ما الذي يدفع بهذا الاستعجال في إنتاج فوضى باكلوريا هي أقرب من فوضى شعبها اليوم، في الوقت الذي كان يتطلب فيه ألأمر البدء أولا بإصلاح نظام الباكلوريا وتأهيل النموذج الوطني فيها، ومعالجة قضية الانفتاح على التجارب والنماذج ألأخرى وتسوية مشكلة تدريس اللغات ولغات التدريس في إطار هذه الرؤية الإصلاحية الوطنية.
لا جواب سوى أن يكون الدافع أحد أمرين: إما أن هناك عجزا وارتباكا في التصدي بجرأة لهذا الملف وبرؤية وطنية، وإما أن هناك محاولة استباقية لفرض واقع على الأرض يسبق أي مشروع إصلاحي، حتى يصير ثابتا من ثوابت المشهد التعليمي لا يقدر أحد على زحزحته.
إنه لا مبرر اليوم، بأي حال من الأحوال، للادعاء بأن بعض هذه الخيارات ضرورية وحتمية، والبعض الآخر ظرفي انتقالي. المنطق السليم، والمصلحة الوطنية تقتضي توقيف هذا العبث وهذه الفوضى، والبدء من حيث يجب البدء، بإصلاح نظام الباكلوريا ضمن رؤية وطنية بمعايير دولية، وبعد ذلك، وليس قبله، فليفتح النقاش حول جدوى اعتماد الخيارات الأخرى والإضافات النوعية التي يمكن أن تقدمها، والمساحة التي يمكن أن تحتلها وغيرها من الأسئلة التي تطرح حينما يكون الهم هو بناء النموذج الوطني وتأهليه.