منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى المواضيع الأدبية المنقولة (https://www.profvb.com/vb/f210.html)
-   -   وقفات مع الشعر والتاريخ (https://www.profvb.com/vb/t134799.html)

روبن هود 2013-12-23 11:18

وقفات مع الشعر والتاريخ
 
الشعر ديوان العرب. وفي الأزمنة المتأخرة، أصبح الشعر تأريخا لحياة العرب. بل في أحيان كثيرة، يكون الشعر بجماليته ورقته أبلغ من التاريخ بصرامة أسلوبه وجفافه في إيصال أهمية الحدث إلى المتلقي.


الحدث هنا هو الأندلس وسقوطها، والشعر أرخ لذلك في قالب كله لطف وحنان وصدق يحسهم القارئ، ممزوجين بكثير من الأسى والحزن في كل قصيدة وفي كل بيت. و كيف لا، والأندلس هي الفردوس المفقود، وهي التجربة المضيئة التي قل مثيلها، وهي أيضا قمة المرارة التي يمكن أن يشعر بها أحد وهو يتأمل أمر الله وحكمته في انهيار دولة رائعة ضائعة. ولعل الذين سكنوا قصور قرطبة لم يزينوا عبثا جدران قصورهم بعبارة تكررت مرات: "لا غالب إلا الله"، "لا غالب إلا الله".


لقد تكلم الشعراء كثيرا عن الأندلس وجمال مدنها وأكدوا ما رواه المؤرخون. فقد ذكروا أن الأندلس كانت جنة خضراء، ولم يكن المسافر يحتاج إلى أخذ زاده معه إذ كانت الطرق بين المدن كلها بساتين وعيون ماء. وكما قال الشاعر ابن سفر المريني:


فِي أَرْضِ أَنْدَلُــسٍ تَلْتَــذُّ نَعْمَــاءُ ّ***** وَلا يُفَارِقُ فِيهَا القَلْبَ سَرَّاءُ
وَلَيْسَ فِي غَيْرِهَا بِالعَيْشِ مُنْتَفَعٌ***** وَلا تَقُومُ بِحَقِّ الأُنْسِ صَهْبَاءُ
وَأَيْنَ يُعْدَلُ عَنْ أَرْضٍ تَحُضُّ بِهَا***** عَلَى المُدَامَةِ أَمْوَاهٌ وَأَفْيَاءُ
وَكَيْفَ لا يُبْهِجُ الأَبْصَارَ رُؤْيَتُهَا***** وَكُلُّ رَوْضٍ بِهَا فِي الوَشْيِ صَنْعَاءُ

أَنْهَارُهَا فِضَّــةٌ وَالمِســْكُ تُرْبَتُهَا***** وَالخَزُّ رَوْضَتُهَا وَالــدُّرُّ حَصْبَاءُ


هذه هي الأندلس، جرح المسلمين الذي يأبى أن يندمل. عاشت فترة من القوة والمهابة، لكن أخذ الضعف يسري إليها بفعل الأخطاء القاتلة.


تجربة الأندلس تستحق الدراسة والتأمل والبحث. لأن فيها تتجلى قدرة الخالق وسننه. "قد خلت من قبلكم سنن، فسيروا في الأرض فانظروا". هي دعوة للنظر، عسانا نستجيب.

بقلم: روبن هود

نزيه لحسن 2013-12-23 21:48

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
وقفة مع الشعر و التاريخ ...

ورؤية حية و وجيهة لمدى قدرات الإبداع الشعري على إغناء الفعل التاريخي..

شكرا جزيلا على القراءة الإبداعية .

روبن هود 2013-12-23 22:17

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نزيه لحسن (المشاركة 704438)
وقفة مع الشعر و التاريخ ...

ورؤية حية و وجيهة لمدى قدرات الإبداع الشعري على إغناء الفعل التاريخي..

شكرا جزيلا على القراءة الإبداعية .

شكرا أخي نزيه على التدخل المعبر حقا.

روبن هود 2013-12-25 09:48

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
تغنى الشعراء الأندلسيون بالأندلس وحسنها لزمن طويل، لكن بدأت بوادر الفرقة تظهر، وبدأ التنازع على الملك يضعف الدولة مما دفع النصارى إلى احتلال أراضي المسلمين شيئا فشيئا.

وأخذت المدن الأندلسية تسقط في أيديهم تباعا. وقد ذكر الكثير من الشعراء في شعرهم حالة الفرقة التي أصبح عليها المسلمون في الأندلس. وكما قال الشاعر المصحفي:


مما يزهدني في أرض أندلس ** أسمــاء معتضدٍ فيــها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها ** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

فقد كان الملوك الذين أتوا بعد الأمويين ضعافا، وزاد من ضعفهم تعاونهم مع النصارى ضد إخوانهم. فقد كان أحدهم يستنجد بالمسيحيين في حربه مع أحد الملوك الآخرين من ملوك الطوائف. وكان هذا أحد أسباب سقوط الدولة.

وقد وثق الشعراء لتلك الأحداث في قصائد بقيت شاهدة على ذلك الجرح. فما حدث للأندلس ليس مجرد سقود دولة بالمفهوم السياسي، بل كان سقوط نموذج حضاري وما يحمله من ثروة معمارية وعلمية وأدبية...

ومن بين المدن التي دخلت المعاناة مدينة قرطبة. وقبل سقوطها النهائي، لمس الشاعر ابن شهيد خطورة ما كان ينتظر تلك المدينة الغنية بعلمائها ومساجدها، فأنشد:

ما في الطلول من الأحبة مخبـر ** فمن الذي عـن حالهـا نستخبـر
لا تسألن سـوى الفـراق فإنـه***** ينبيك عنهم آنجـدوا ام أغـوروا
جـار الزمـان عليهـم فتفرقـوا ***** في كـل ناحيـة وبـاد الأكثـر
جرت الخطوب على محل ديارهم ***** وعليهـم فتغـيـرت وتغـيـروا
فدع الزمان يصوغ في عرصاتهم ***** نورا تكـاد لـه القلـوب تنـوّرُ
فلمثل قرطبـة يقـل بكـاء مـن ***** يبكـي بعيـن دمعهـا متفـجـرُ
دار أقـال الله عـثـرة أهلـهـا ***** يبكـي بعيـن دمعهـا متفـجـر
و القصر قصر بني أمية وافـر ***** من كل أمـر والخلافـة أوفـرُ
و الجامع الأعلى يغص بكل مـن ***** يتلو ويسمع مـا يشـاء و ينظـرُ
و مسالك الاسواق تشهـد أنهـا ***** لا يستقـل بسالكيهـا المحـشـرُ
يا جنّة عصفـت بهـا وبأهلهـا ***** ريح النوى فتدمـرت وتدمـروا
آسي عليك من الممات وحق لـي ***** إذ لم نزل بك في حياتـك نفخـرُ
يا منـزلا نزلـت بـه وبأهلـه ***** طير النـوى فتغيـروا وتنكـروا
حزني على سرواتهـا ورواتهـا ***** وثقاتـهـا وحماتـهـا يتـكـررُ
نفسـي علـى آلائهـا وصفائهـا ***** وبهائهـا وسنائـهـا تتحـسـرُ
كبدي علـى علمائهـا حلمائهـا ***** أدبائـهـا ظرفائـهـا تتفـطـر

كان ذلك ثلاثة قرون قبل سقوط المدينة بصفة نهائية. وقد كان سقوطها زلزالا مدويا لما كان لها من مكانة وأهمية علمية وعمرانية.

روبن هود 2013-12-28 11:33

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
في خضم ذلك الوضع المؤلم الذي كانت تعيشه منارة الحضارة في أوربا، جاء السقوط المدوي لإحدى أهم مدن الأندلس: مدينة طليطلة. كان ذلك في سنة 479هـ.

اهتزت دعائم الدولة بسقوط المدينة لما كانت ترمز إليه من مكانة علمية إذ كانت مقرا للعلماء وفضاء للمدارس والمساجد، كما كانت قمة في المعمار.

وقد تم العثور على قصيدة لشاعر مجهول، يرثي فيها طليطلة، ومما جاء فيها:

طليـطلة أبــــاح الكفـــــر منهـا*** حمــاهـــا إن ذا نبـــــأ كبـــيـر
فليس مثالهـــا إيـوان كســرى*** ولا منهـــا الخـورنق والسدير
محصنـة محسنـــــة بعــيــــد*** تناولهــا ومطلبـــــهــا عسير
ألـــــم تـك معقــلا للدين صعبا*** فذللـه كمــا شــاء القديــــــــر
وأخــــــرج أهلهـا منها جميعــا*** فصاروا حيث شاء بهم مصيـر
وكـانت دار إيمــان وعلـــــــــم*** معالمهـا التى طمسـت تنـيــــر
فعـادت دار كفـر مصطفـــــــاة*** قد اضطربت بأهليهـا الأمـــور
مسـاجـدها كنـائس أي قلـــــب*** على هــذا يقـر ولا يطـيــــــــر
فيا أسفـاه يا أسفـاه حــــــــزنا*** يكـــــرر ما تكـررت الدهــــور

أما الشاعر ابن العسال، فقد أدرك تبعات السقوط، وأن الآتي أعظم. فسقوط مدينة في وسط البلاد هو إيذان بسقوط البلاد كلها:

يا أهل أندلس حثـوا مَطيَّكــُمُ *** فما المقام بها إلا مـن الغلــطِ
الثوب يُنسلُ من أطرافـه وأرى *** ثوب الجزيرة منسولاً من الوسـطِ
ونحن بيـن عـدو لا يفارقنـا *** كيف الحياة مع الحيات في سفـطِ


الشريف السلاوي 2013-12-28 12:01

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
رحم الله القائل :
دخل العرب الأندلس فاتحين , السيف في أيديهم و القرآن في صدورهم ...و خرجوا منها مطرودين , العود في أيديهم و الموشحات في صدورهم .
شكرا جزيلا على القراءة التاريخية لوقعة الأندلس الأليمة .

نزيه لحسن 2013-12-28 13:50

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
حين نقرأ التاريخ و وقائعه بالغرب الإسلامي... نقفز عمدا على أواخر الحكم الاندلسي كونه يخلق غصة في النفس .

روبن هود 2013-12-28 16:39

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشريف السلاوي (المشاركة 705272)
رحم الله القائل :
دخل العرب الأندلس فاتحين , السيف في أيديهم و القرآن في صدورهم ...و خرجوا منها مطرودين , العود في أيديهم و الموشحات في صدورهم .
شكرا جزيلا على القراءة التاريخية لوقعة الأندلس الأليمة .

أليمة حقا أخي الشريف السلاوي، أما كونك تتذوق هذا الشعر فليس هناك أدنى شك في ذلك.

روبن هود 2013-12-28 16:43

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نزيه لحسن (المشاركة 705278)
حين نقرأ التاريخ و وقائعه بالغرب الإسلامي... نقفز عمدا على أواخر الحكم الاندلسي كونه يخلق غصة في النفس .

أخي الفاضل نزيه، الغصة ـ كما قلت ـ هي التعبير الصحيح لما أشعر به حقا كلما رأيت صورة لقصر الحمراء أو جنة العريف أو حي البيازين... شكرا لك.

الشريف السلاوي 2013-12-28 18:14

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روبن هود (المشاركة 705301)
أليمة حقا أخي الشريف السلاوي، أما كونك تتذوق هذا الشعر فليس هناك أدنى شك في ذلك.

لله درّك أخي الكريم روبن هود !
كيف لا أتذوق - هذا الشعر - و أنا أقرأ

النَّهْرُ سَلَّ حُسَامَا عَلَى قُدُودِ الغُصُونْ
وَلِلنَّسِيمِ مَجَالْ
وَالرَّوْضُ فِيهِ اخْتِيَالْ
مُدَّتْ عَلَيْهِ ظِلالْ
وَالزَّهْرُ شَقَّ كِمَامَا وَجْدًا بِتِلْكَ اللُّحُونْ
أَمَا تَرَى الطَّيْرَ صَاحَا
وَالصُّبْحَ فِي الأُفْقِ لاحَا
وَالزَّهْرَ فِي الرَّوْضِ فَاحَا
وَالبَرْقَ سَاقَ الغَمَامَا تَبْكِي بِدَمْعٍ هَتُونْ

دمت مبدعا رائعا أستاذي الكريم

روبن هود 2013-12-30 08:25

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشريف السلاوي (المشاركة 705320)
لله درّك أخي الكريم روبن هود !
كيف لا أتذوق - هذا الشعر - و أنا أقرأ

النَّهْرُ سَلَّ حُسَامَا عَلَى قُدُودِ الغُصُونْ
وَلِلنَّسِيمِ مَجَالْ
وَالرَّوْضُ فِيهِ اخْتِيَالْ
مُدَّتْ عَلَيْهِ ظِلالْ
وَالزَّهْرُ شَقَّ كِمَامَا وَجْدًا بِتِلْكَ اللُّحُونْ
أَمَا تَرَى الطَّيْرَ صَاحَا
وَالصُّبْحَ فِي الأُفْقِ لاحَا
وَالزَّهْرَ فِي الرَّوْضِ فَاحَا
وَالبَرْقَ سَاقَ الغَمَامَا تَبْكِي بِدَمْعٍ هَتُونْ

دمت مبدعا رائعا أستاذي الكريم

جميل، بل رائع.

روبن هود 2014-01-01 11:39

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
وفي سنة 635هـ، سقطت قرطبة بصفة نهائية في يد النصاري، ثم اشتد الخناق على مدينة بلنسية فصارت النصرة مطلوبة، وفي ذلك أنشد ابن الأبار القضاعي مناديا سلطان تونس، أبا زكرياء بن حفص:

أدرك بخــيلك خــيل الله أندلســـا *** إن السبيل إلى منجاتها درسا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست*** فلم يزل منك عزّ النصر ملتمسا
مدائن حلها الإشراك مبتسمــا *** جذلان، وارتحل الإيمان مبتئسا
ياللمساجد عادت للعـــدا بيعــا *** وللنداء غدا أثناءها جرسـا

ثم في قصيدة أخرى:

نَادَتــْكَ أنْدَلُسٌ فَلَبِّ نــِداءَها *** واجْعل طَواغيتَ الصّليبِ فِداءَها
صَرَختْ بِدَعوَتك العليّة فاحْبُها*** من عاطِفاتك ما يقي حوْباءها
واشدُدْ بِجلبك جُرْد خَيلك أزْرَها*** تَرْدُدْ على أعْقَابِها أرْزَاءها


لكن لا راد للقدر المحتوم. فقد سقطت المدينة وحصل ما يرافق السقوط دائما. وقد سطر ابن خفاجة أبياتا رائعة تصور حجم المأساة:

عاثت بساحتك العدا يا دار *** ومحا محاسنك البلى والنار
فإذا تردد في جنابك ناظر *** طال اعتبار فيك واستعبار
أرض تقاذفت الخطوب بأهلها *** وتمخضت بخرابها الأقدار
كتبت يد الحدثان في عرصاتها *** لا أنت أنت ولا الديار ديار


طبعا من اطلع على المدينة بعد سقوطها لم يكن ليتعرف عليها. فقد لحقها الخراب، وتغيرت ملامحها، وهدمت مساجدها أو حولت إلى كنائس. أما مأساة المسلمين، فقد كانت عصية على الوصف، إذ هجروا من منازلهم وسلبت أموالهم وممتلكاتهم وتعرضوا لعمليات حرق جماعي كانت تقودها محاكم التفتيش، وذلك في احتفالات يطلق عليها اسم أوتودافي، يحضر فيها الأمراء والقساوسة وعامة الشعب لأخذ العبرة ورؤية مصير من يتهم بالهرطقة. وتهمة الهرطقة كانت تلصق بكل من يخالف الديانة المسيحية الكاثوليكية، ويقدم إلى المحكمة بناء على وشاية، دون التأكد من صحتها، ودون إعطاء الشخص حق الدفاع عن نفسه.


ولم تكن المصائب تأتي فرادى، إذ سقطت مدينة جيان في سنة 643هـ ، وأصاب أهلها نفس ما أصاب غيرهم من سكان المدن الأندلسية.


وقد أتى على ذكرها أبو البقاء الرندي في قصيدته الشهيرة في سياق المدن التي شهد الشاعر سقوطها:

فاسأل بلنسية ما شأن مرسية *** وأين شاطبة أم أين جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم *** من عالم قد سما فيها له شان


ووجد بيتان من الشعر في أحد مخطوطات تلك الفترة. وهما لشخص مجهول، يبدو أنه كان من سكان المدينة:

أودعكم أودعكم جياني *** وأنثر عبرتي نثر الجمان
فإني لا أريد لكم فراقا *** ولكن هكذا حكم الزمان

ويمكن للإنسان أن يتصور لوعة الفراق. ففراق البلد فيه الكثير من القسوة والشدة ولو كان البلد صحراء قاحلة، فكيف إذا كان مثل الأندلس حسنا وبهاء.

روبن هود 2014-01-05 10:56

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
وبما أن كل مدينة كانت تمثل مملكة في عصر الطوائف، فقد كان سقوط المدن يعني سقوط الممالك. وهكذا عندما سقطت طليطلة كما سبق، فإن ذلك كان سقوطا لبني ذي النون، وسقط بنو عباد بسقوط إشبيلية. وقد رثاهم ابن اللبانة بأبيات جميلة:

تَبْكِي السَّمَاءُ بِدَمْعٍ رَائِحٍ غَادِي*** عَلَى البَهَالِيلِ مِنْ أَبْنَاءِ عَبَّادِ
عَلَى الْجِبَالِ الَّتِي هُدَّتْ قَوَاعِدُهَا*** وَكَانَتِ الأرْضُ مِنْهُمْ ذَاتَ أَوْتَادِ
يَا ضَيْفُ أَقْفَرَ بَيْتُ الْمَكْرُمَاتِ فَخُذْ*** فِي ضَمِّ رَحْلِكَ وَاجْمَعْ فَضْلَةَ الزَّادِ
وَيَا مُؤمِّلَ وَادِيهِمْ لِيَسْكُنَهُ ***خَفَّ القَطِينُ وَجَفَّ الزَّرْعُ بِالوَادِي
إِنْ يُخْلَعُوا فَبَنُو الْعَبَّاسِ قَدْ خُلِعَوا*** وَقَدْ خَلَتْ قَبْلَ حِمْصٍ أَرْضُ بَغْدَادِ

وحمص اسم آخر لإشبيلية.


وبسقوط مدينة بطليوس، انتهى أمر بني الأفطس الذين رثاهم الشاعر ابن عبدون قائلا:

الدَّهُر يفجَع بعد العين بالأثرِ .... فما البكاءُ على الأشباح والصّور
أنهاكَ أنهاكَ لا آلُوك موعظةً .... عن نومةٍ بين نابِ اللّيث والظُّفُر
فالدّهر حربٌ وإن أبدي مسالمّةً .... والبيضُ والسودُ مثلُ البيِض والسُّمُر
ولا هوادةَ بين الرّأس تأخُذُه .... أيْدي الضِّرابِ وبين الصّارِمِ الذّكر
فلا يغرنّك من دنياك نومتُها .... فما صناعةُ عينيها سِوَى السَّهر
بني المظفَّر والأيّامُ ما برحت .... مراحلاً والوَرى منها على سَفَر
سُحقاً ليومكم يوماً ولا حملت .... بمثله ليَلٌة في غَابِر العمر
من للأسّرة أو من للأعنّة أو .... من للأسنّة يهديها إلى الثُّغَر


وتذكر كتب التاريخ أن المظفر كان من أهل الفضل والصلاح.


ونتيجة لا الوضع، تقلص حجم البلاد بشكل كبير، وانتقلت الأندلس من بلاد مترامية الأطراف إلى أرض في جنوب إسبانيا، وهي ما كان يعرف بالأندلس الصغرى، أو مملكة غرناطة التي حكمها بنو الأحمر.


لقد كان طبيعيا أن يكون السقوط خاتمة لهذا الوضع بعد أن توفرت مقدماته. فالضعف وصل درجة لا يمكن تصورها، والتعلق بالحكم كان يدفع البعض إلى التعاون مع النصارى في قشتالة وغيرها ضد إخوانهم من المسلمين في الممالك الأخرى.

ولما بلغ الضعف مبلغه، شرع الملوك يؤدون الجزية للمسيحيين مقابل الحماية. وهذا ما أغرى هؤلاء بالمسلمين وغذى أطماعهم في الإستيلاء على باقي أراضي الأندلس.





روبن هود 2014-01-10 10:15

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
في سنة 836هـ، استولى النصارى على حصن اللقون بعد معركة سميت باسمه. واللقون من أهم حصون مدينة واد أش. فخاطب الشاعر عبد الكريم القيسي البسطي أهلها قائلا:


يا أهلَ وادي الأشى لا در دركمُ **** ولا برحتمْ لقى للكربِ والكمدِ
ضيعتمُ سفهاً حصنَ اللقونِ ولمْ **** تراقبوا فيه حقَّ الواحدِ الصمد
حتى حواهُ العدا غدراً وصار لهمْ **** لغزوكمْ عمدةً من أفضل العمدِ
فاستشعروا إذ أضعتمْ فيه حزمكمُ **** والجدَّ قربَ انقضاءِ الوقتِ والأمد


والشاعر هو نفسه الذي آلمه ما آل إليه حال الأندلس وأهلها فقال:


لمصاب أندلسٍ تصوب الأدمع ***** ولما جرى فيه تذوب الأضلع


وتكررت المأساة مع مدينة رندة، إذ سقطت في أيدي الأسبان في سنة 890هـ. وإليها ينتمي أبو البقاء الرندي، الذي أضحت المدينة تفتخر بأنه من أبنائها، ووضعت له نصبا مازال يشاهده زوار المدينة إلى اليوم.

سقوط رندة اختزل الصورة. فكل ما كانت تعانيه أي مدينة سقطت في أيدي النصارى عانته مدينة رندة. وقد صور حالتها في قالب بديع شاعر مجهول، يظهر أنه كان من سكانها. وفي قصيدته تلك، أتى على ذكر مالقا التي سقطت بعد رندة بسنتين، وبلش وبسطة وغيرها. كما أتى على ذكر الاضطهاد الذي حصل للمسلمين وكيف كانت تنتهك حرمة المساجد وكيف كان النصارى يعتدون على أعراض النساء الأندلسيات. وهي قصيدة مفعمة بالصدق، لذلك جاء الرثاء فيها مؤثرا:


أحقا خبا من جو رندة نورها *** وقد كسفت بعد الشموس بدورها
وقد اظلمت ارجاؤها وتزلزلت *** منازلها ذات العلا وقصوره
احقا خليلي ان رندة اقفرت *** وازعج عنها اهلها وعشيرها
أحقا أخلائي القضاء أبادكم *** ودارت عليكم بالصروف دهورها
فقتل وأسر لا يُفادَى وفرقة *** لدى عرصات الحشر يأتي سفيرها
فمالقة الحسناء ثكلى اسيفة *** قد استفرغت ذبحا وقتلا حجورها

وجزت نواصيها وشلت يمينها *** وبدل بالويل المبين سرورها
وقد كانت الغربية الجنن التي *** تقيها فاضحى جنة الحرب سوره
وبلش قطت رجلها بيمينها ***ومن سريان الداء بان فطورها
وضحت على تلك الثنيات حجرها ***فأقفر مغناها وطاشت حجورها
وبالله ان جئت المنكب فاعتبر*** فقد خف ناديها وجف نضيرها
وقد رجفت وادي اش فبقاعها *** سكارى وما استاكت خمورها
وبسطة ذات البسط ما شعرت بما *** دهاها وانى يستقيم شعورها
وما انس لا انس المرية انها *** قتيلة ادجال ازيل عذيرها
فوا حسرتا كم من مساجد حولت *** وكانت الى البيت الحرام شطورها
ووا أسفا كم من صوامع أوحشت *** وقد كان معتاد الأذان يزورها
فمحرابها يشكو لمنبرها الجوى *** وآياتها تشكو الفراق وسورها
وكم طفلة حسناء فيها مصونة *** إذا أسفرت يسبي العقول سفورها
تميل كغصن البان مالت به الصبا *** وقد زانها ديباجها وحريرها
فأضحت بأيدي الكافرين رهينة *** وقد هتكت بالرغم منها ستورها
وكم من صغير مات في حجر أمه *** فأكبادها حرّاء لفح هجيرها
وكم من صغير بدّل الدهر دينه *** وهل يتبع الشيطان إلا صغيرها
لأندلس ارتجت لها وتضعضعت *** وحق لديه محوها ودثورها
منازلها مصدوعة وبطاحها *** مدائنها موتورة وثغورها
وقد لبست ثوب الحداد ومزّقت *** ملابس حسن كان يزهو حبورها





روبن هود 2014-01-16 11:16

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
لا يمكن أن يمر الفرد على الشعر الأندلسي دون إلقاء نظرة على أروع ما كتب في رثاء حضارة دامت ثمانية قرون، وحملت كل معاني الإنسانية والرقي والجمال. وأعني بذلك قصيدة أبي البقاء الرندي، الذي أقامت له سلطات مدينة رندة، مسقط رأسه، تذكارا يشاهده زوار المدينة، اعترافا بهذا الرجل كأحد الشخصيات الهامة في تاريخ المدينة، واعترافا بالإرث الذي تركه. ولو كان ما تركه هو قصيدته الشهيرة فقط لكن كافيا. فهي قصيدة شعر، إضافة إلى لمسة الصدق التي تلفها، ونبرة الحنان التي تطبعها، تحمل بين أبياتها كل ما يود الإنسان قوله. فقد اختزلت كل المشاعر والأحداث.

يستهل أبو البقاء الرندي القصيدة بتأكيد سنة الخالق في عباده، إذ كل ما يرتبط بالدنيا يعتوره النقص، وهذه الدنيا نفسها مآلها الزوال، ثم يدعو إلى الإعتبار من الذين سبقوا. وبعد ذلك يعرج على ذكر المدن المتساقطة، مبلغا نداءه إلى من وراء البحر في باقي بلاد المسلمين أن يقوموا بواجب النصرة. وحتى يستثير نخوتهم يصف لهم ما تتعرض له بيوت الله من عدوان، وأعراض نساء المسلمين من انتهاك، وفي الأخير يستثير العاطفة الدينية عساها تكون كافية لحثهم على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يقول رحمه الله:

لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول *** من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد *** ولا يدوم على حال لها شانُ
يمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ *** إذا نبت مشرفيات وخرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو *** كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ *** وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
وأين ما شاده شداد في إرمٍ *** وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب *** وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكل أمر لا مرد له *** حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلك *** كما حكى عن خيال الطيف وسنان
دار الزمان على دارا وقاتله *** وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصعب لم يسهل له سببُ *** يومًا ولا مَلك الدنيا سليمان
فجائع الدهر أنواع منوعة *** وللزمان مسرات وأحزانُ
وللحوادث سلوان يسهلها *** وما لما حل بالإسلام سلوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاء له *** هوى له أحدٌ وانهد ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ *** حتى خلت منه أقطارٌ وبلدانُ
فاسأل بلنسيةَ ما شأنُ مرسيةٍ *** وأين شاطبةٌ أمْ أين جيَّانُ
وأين قرطبة دارُ العلوم فكم *** من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين حمصُ وما تحويه من نزهٍ *** ونهرها العذب فياض وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما *** عسى البقاء إذا لم تبقى أركان
تبكي الحنيفيةَ البيضاءَ من أسفٍ *** كما بكى لفراق الإلف هيمانُ
حيث المساجدُ قد أضحتْ كنائسَ ما *** فيهنَّ إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ *** حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ *** إن كنت في سِنَةٍ فالدهر يقظانُ
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ *** أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ
تلك المصيبة أنْسَتْ ما تقدَّمها *** وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
يا راكبين عتاقَ الخيلِ ضامرةً *** كأنها في مجال السبقِ عقبان
وحاملين سيوفَ الهندِ مرهقةُ *** كأنها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعةٍ *** لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطان
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ *** فقد سرى بحديثِ القوم ِركبانُ
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قتلى وأسرى فما يهتز إنسان
لم التقاطع في الإسلام بينكمُ *** وأنتمْ يا عباد الله إخوانُ
ألا نفوس أبيَّاتٌ لها هممٌ *** أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يا من لذلةِ قوم بعد عزِّهُمُ *** أحال حالهمْ جورُ وطغيانُ
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم *** واليومَ هم في بلاد الكفْرِ عبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ *** عليهم من ثيابِ الذلِ ألوانُ
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ *** لهالكَ الأمر ُواستهوتكَ أحزانُ
يا ربَّ أمٍّ وطفلٍ حيلَ بينهما *** كما تفرقَ أرواح وأبدان
وطفلةٍ مثل حسنِ الشمسِ *** إذ طلعت كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً *** والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ *** إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ

لكن لم يكن ذلك ليمنع النهاية الحزينة. ففي أواخر القرن التاسع الهجري ـ الخامس عشر الميلادي، حاصر النصارى مدينة غرناطة، التي كانت تحت حكم آخر ملوك بني الأحمر، أبي عبد الله الصغير. وقد دام الحصار طويلا، حتى أجهد الناس وعانوا من الجوع، فاضطر في الأخير أبو عبد الله أن يسلم المدينة إلى ملك أرغون فيرديناند، وملكة قشتالة إيزابيلا. وهذان كانا يعرفان بالملكين الكاثوليكيين. وكان التسليم في شهر يناير 1492.

كان يوم التسليم يوما حزينا، لأنه كان بمثابة التوقيع النهائي لحيازة المسيحيين للأندلس، وبمثابة نقطة النهاية لتجربة حضارية لا يكاد يوجد مثيل لها.

في الثاني من يناير 1492 ذاك، خرج أبو عبد الله الصغير من قصر الحمراء رفقة أسرته وحاشيته، ثم استدار ليشاهد للمرة الأخيرة مدينة غرناطة بقصرها ومساجدها وقلاعها وبساتينها، ولم يتمالك نفسه، فبكى. ولما رأت أمه ابنها الملك يبكي، تمثلت بيتا من الشعر قائلة:

ابك مثل النساء ملكا مضاعا *** لم تحافظ عليه مثل الرجال

روبن هود 2014-01-20 11:03

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
لم تطو هذه الصفحة إلا لتبدأ صفحة جديدة من العذاب والمعاناة دامت أكثر من قرن.

لقد كان تسليم غرناطة مشروطا بتحقيق بعض المطالب، منها الحفاظ على الهوية الدينية لسكان الأندلس واحترام ممارسة الشعائر. لكن وعود المسيحيين لم تجد طريقها إلى أرض التنفيذ، إذ فور تسلم الملكين الكاثوليكيين المدينة، دخل الكاردينال موندوسا إليها وقرع الأجراس وتلى صلاة الحمد، ثم يدأ نقض كل المواثيق. ويمكن تلخيص أنواع الإضطهاد التي تعرض لها المسلمون هناك فيما يلي:

ـ تحويل المساجد إلى كنائس ورفع الصلبان عليها.

ـ منع الأذان.

ـ إحراق الكتب.

ـ منع استخدام اللغة العربية.

ـ منع اللباس المرتبط بالهوية الأندلسية الإسلامية.

ـ منع الإحتفال بالعيد والمناسبات الدينية.

ـ سلب الأموال والممتلكات.

ـ العرض على محاكم التفتيش التي تكون أحكامها غالبا الإعدام حرقا.

وأمام هذا الإضطهاد، لم يكن أمام أهل الأندلس سوى المقاومة من أجل المحافظة على هويتهم. فبدأ ال**** في حي البيازين وجبل البشرات وغيرهما، وتظاهر بعض السكان باعتناق المسيحية في حين حافظوا على إسلامهم في السر، وهؤلاء هم الموريسكيون.

ثم بدأت مرحلة من الإضطهاد، اتسمت بالتهجير الجماعي، حيث كان ـ في بداية الأمر ـ يتم تهجير المسلمين إلى المدن ذات الغالبية النصرانية حتى يذوبوا في بيئتهم الجديدة وتنمحي هويتهم.

ولم تؤت هذه السياسة النتائج التي كان الإسبان يرجونها، فبدأت عملية واسعة من التهجير إلى خارج إسبانيا. وهذه العملية عرفت جرائم غير مسبوقة، إذ كان السكان يحملون في السفن بعد أن تسلب أموالهم وتصادر ممتلكاتهم ومنازلهم، ثم يلقى بهم في عرض البحر ليموتوا غرقا. والذين تم تهجيرهم برا لم يكونوا يبلغون وجهتهم: فقد كانوا في الغالب يذهبون ضحية الجوع والمرض.

وقد تجاوز عدد الشهداء من الأندلسيين منذ سقوط غرناطة إلى نهاية عملية التهجير الجماعي أزيد بكثير من ثلاثمائة ألف شهيد.

ولم ينج إلا أولئك الذين نجحوا في الهجرة إلى المغرب والجزائر وتونس وصالونيك باليونان وباقي المناطق التي كانت تحت حكم العثمانيين.

بعد أن استتب الأمر للإسبان، عمدوا إلى طمس معالم الحضارة الإسلامية، ليضيعوا، بسبب الكراهية والتعصب الديني، جزءا هاما من تاريخهم وتاريخ البشرية، وقسطا وافرا من التراث الإنساني. ولم تستمع إسبانيا إلى صوت العقل إلا تحت ضغط وتأثير المؤرخين المنصفين والجمعيات المدافعة عن الأصول الأندلسية لإسبانيا، فاتجه الأسبان نحو الحفاظ على ما تبقى من الإرث الأندلسي وتقديمه إلى العالم كرصيد سياحي وثقافي.

خادم المنتدى 2014-01-26 15:04

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
http://img191.imageshack.us/img191/2645/yje.gifhttp://img18.imageshack.us/img18/6640/6erh.gif

روبن هود 2014-01-29 09:52

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خادم المنتدى (المشاركة 712888)

شكرا لك أخي خادم المنتدى

روبن هود 2014-01-29 09:57

رد: وقفات مع الشعر والتاريخ
 
هذه قصة الأندلس.. قصة تجربة حضارية دامت ثمانية قرون، وألهمت العالم، وبانتهائها لم يعد العالم كما كان.

قصة الأندلس التي أعطت الفقيه ابن حزم، والعالم الأصولي المقاصدي أبا إسحاق الشاطبي، وأعطت ابن مالك، صاحب الألفية، وابن زهر الطبيب، وأعطت الزهراوي، الطبيب الجراح، وابن طفيل الفيلسوف، وغيرهم كثير.

قصة الأندلس، التي علمت الإنسانية الكثير، والتي كان سقوطها من أكثر الأحداث مأساوية.

هي قصة تحتاج إلى كثير من النظر والإعتبار.. إنها جزء من التاريخ، لكن التاريخ ليس مجرد ماض، وليس تراكما عشوائيا للأحداث. بل هو خلاصة تجارب بشرية، يحمل في طياته نواميس وقوانين وسنن، على الإنسان استكشافها، لأن اكتشافها يمكن من تفادي السقوط، وذلك إذا تم تعديل مقدمات السقوط الحضاري. فتعديل المقدمات هو نوع من التحكم في النتائج.

إن إحدى خاصيات السنن: الاطراد. فكلما تكررت المقدمات، تكررت معها نفس النتائج. وإذا عدل الإنسان المقدمة قبل فوات الأوان، تتعدل النتيجة.

لكن السنن تتميز أيضا بعدم المحاباة: فهي تجري على المسلم والكافر، وعلى البر والفاجر.. الأندلس كانت إسلامية لكن جرت عليها سنة الخالق.

هكذا التاريخ،الأمة أو الجماعة الأكثر استعدادا للقيادة هي من يقود البشرية، وعندما تظهر في هذه الجماعة أو الأمة بوادر الضعف وعوامل التراجع، تقوم أمة أكثر استعدادا وأهلية، أخلاقيا ومعرفيا، بتسلم القيادة.

لقد ظهرت في الأندلس عوامل، حين يتوفر واحد منها فقط يؤدي إلى الإنهيار، فما بالك إذا توفرت مجتمعة. لقد ظهرت في جسم الأندلس أمراض، أدت إلى السقوط، من بينها:

ـ التفرق والاستعانة بالأجنبي.

ـ النزعة القبلية، إذ كان بعض الملوك يتزوجون من العرب والبربر والصقالبة، وكل واحدة من النساء تريد ابنها وليا للعهد، الشيء الذي أدى إلى الدسائس والصراعات.

ـ الترف والبذخ.

التاريخ كتاب مفتوح، ليس للتسلية، بل لاستمداد أسباب القوة عبر الإستفادة من التجارب السابقة واستثمار التراكم الذي خلفته الإنسانية على هذه الأرض. لذلك دعا القرآن الكريم إلى الإعتبار والنظر من أجل التعرف على السنن التي تحكم التاريخ وتتحكم في صعود وانهيار الأمم والحضارات: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين". والأمة التي توافق السنن الكونية والتاريخية والشرعية تكون وجدت الطريق القويم.

أتمنى أن يكون هذا الموضوع (وقفات مع الشعر والتاريخ) راقكم.

بقلم: روبن هود


الساعة الآن 23:04

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd