منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - تحليل اجتماعي: بربر الخدمة أو “إشلحِيْن ن-سربيس”.. عن الآليات الذاتية المُكرّسة لدونيّة الأمازيغي*

عبد الله زارو
“يتعلق الأمر بخليط بشري ناطق بالأمازيغية أو متحدّر من نسيجها القومي. لا نُحمّله، بهذه التسمية، أية صفة قدحية، وليس في نيتنا أن نتوجه إليه بأي
http://www.okhbir.com/wp-content/upl...06-150x150.jpgعبد الله زارو

خطاب وعظي وتوجيهي. فهذا أمر لاينسجم مع تكويننا الفكري و حساسيتنا الأنثروبولوجية.
غير أنه بانتقالنا من وضع الملاحظ “البارد” إلى موقع الملاحظ “المشارك” للمشهد الأمازيغي، لابد أن نعاين أعدادا غفيرة ناطقة بالأمازيغية، أو متحدرة من أصول أمازيغية تصْدُر في موقفها من الأمازيغية عن حياد سلبي محكوم بالآليات الذهنية والسلوكية ألاتية:
1) آلية التفادي.
2) آلية الإمّحاء أمام الغير.
3) آلية التنكّر.
4) آلية الإلتفاف.
تقضي الآلية الأولى على هذا الأمازيغي، بتحاشي إعلان أمازيغيته للغير، ناهيك عن الدفاع عنها، و يتحقق هذا السلوك من خلال نوع من “التقية الإجتماعية” وتحت وطأة إحساسٍ ضاغط باختلاف غير مرغوب فيه إجتماعيا، وبالتالي غير قابل للتسمية والإعلان العمومي.
وتقضي عليه آلية الإمّحاء بتقمّص غيرية جانحة وكينونة إغترابية، على حساب أي اعتداد بحق الذات في أن يُعاملها الآخر بالمثل، وعلى سبيل الندّية، و أن يُبادلها الإعتراف والتكريس والإنصاف. لذلك، فالمنطق الضاغط لهذه الآلية، على شعوره ولاشعوره، تجعل علاقته بالغير ميّالة دوما لفائدة هذا الأخير وعلى حساب أناه الثقافية المُنسحبة آليا والمَمْحُوَةِ ذاتيا.
وتقضي آلية التنكر على الأمازيغي المهزوم، الغارق في خجله من إنتمائه الثقافي، أن يتنكر في شخصية ثقافية غيرية. وغالبا ما يكون ذلك عن إرادة ووعي بهذا الموقف التنكري الذي يتحول عنده إلى سلوك راتب و متواتر. وينتعش، بخاصة، في أوساط الأنتلجنسيا المحسوبة على الأصول الأمازيغية، والتي جعلت من الهروب من أصولها الأولى طبيعتها الثانية وهويتها البديلة. وتعتقد أن ذلك هو شرط إندماجها في الأوساط الثقافية الحزبية والرسمية، و ورقة ولوجها إلى الأوساط المخملية و النخبوية المدينية.
أما آلية الإلتفاف فتشتغل أكثر في أوساط النخبة السياسية، ذات الأصول الأمازيغية. ويرجع ذلك إلى أن الدهاء والإنتهازية والغياب الكامل لتبكيت الضمير الأخلاقي، هو شرط إشتغالها. وكلها من الصفات الشائعة والمستفحلة في دوائر الإحتراف السياسي.
تُعزز هذه الآليات النفسية العميقة وضع الحياد السلبي للأمازيغ، إزاء مسألة الهوية الأمازيغية، وبالتالي تُلحق ضررا بالغا، كما في الماضي القريب والبعيد، بمجهود إعادة الإعتبار لهذه الهوية في تمظهراتها المتعددة.
إنها تُعيد إنتاج، على نحو مطرد، واقع الأغلبية الصامتة الذي تبرر به السلطة تقاعسها عن التجاوب مع المعطى الهوياتي الأمازيغي.
وبالمقابل، تروّج، بحماس وخبث، لأطروحة الأمازيغية كظاهرة نخبوية وصنيعة خارجية (إستعمارية بالدرجة الأولى).
تلتقي الشرائح المُنتمية لهذه الأغلبية البربرية في إحساسها بانتماء موغل، ضبابي وسديمي، وخصوصا شقي إلى أصولها الثقافية. ما يجعلها تدفع به دفعا إلى مناطق الظل و سراديب الكبت الإرادي، خصوصا عندما يكون “شعبها الأغلبي الصامت” مُطالبا بتقمّص أدوار وظيفية على الركح المجتمعي، وفي شتى الإحتفالات التنكرية التي تكاد لاتنتهي.
* إشارة: (مقتبس من مقالة مطوّلة حول “إيشلحِيْن ن سربيس أو من بربر الخدمة إلى أمازيغ الهمّة الذي نشرته في “العالم الأمازيغي” بتاريخ 31/12/2001 ولاقت إستحسانا بالغا. بل إن عنوانها تحوَّل إلى مفهوم قائم بذاته يُستشهد به هنا وهناك).
فهل مازالت الأمازيغية تعاني، أول ما تعاني، من بربر الخدمة؟ لاشك في ذلك.