الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى الثقافة والفنون والعلوم الإنسانية > التراث الأصيل


شجرة الشكر5الشكر
  • 2 Post By خادم المنتدى
  • 2 Post By الشريف السلاوي
  • 1 Post By ام ادريس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2013-11-24, 18:21 رقم المشاركة : 1
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي الملحون في المغرب-ج 1( قيمته الفنية وبعض آفاق اشتغاله)



الملحون في المغرب-ج 1
قيمته الفنية وبعض آفاق اشتغاله




الملحون تراث والتراث أبو الحداثة. ولا تبنى الحداثة إلا بالحوار المستمر بين حاضر الإنسان وماضيه ومستقبله، وكلما استمر هذا الحوار في الوجود وتمادى في الإنتاج اتضحت نفعية هذا التراث أكثر، وبرزت نجاعة أساليب الحوار المعتمدة معه.

إن هذا العدد من مجلة فكر ونقد إسهام فعال في مشروع حوار جاد مع تراث الملحون، ينبغي ألا يتوقف، بل يتطور فيشمل مختلف ألوان التراث المغربي الحبلى بخصوصيتنا المغربية الثقافية؛ الفنية والفكرية والحضارية.

إن القضية، إذن، قضية هوية وكيان، خاصة عندما يتعلق الأمر بتراث أصيل ومتجذر مثل فن الملحون الذي عدٌه محمد الفاسي- فأصاب – ديوان المغرب وسجل حضارته1.

نعم، الملحون ديوان المغاربة وسجل حضارتهم، وهو ذو قيمة مزدوجة، فنية وجمالية، ثم ثقافية وحضارية. ويكفي أن نعود إلى قسم التراجم من "معلمة الملحون"2 - مثلا- لنتبين قوة انتشار هذا التراث واتساعه في الزمان والمكان، أما كتاب "القصيدة3 للدكتور عباس الجراري فيكفيك لتكتشف شساعة المعاني وعمق الأفكار وقيمة الفوائد المبثوثة في الشعر الملحون، وكذا تنوع بنائه وبحوره…. ومن ثمة، يكون هذا التأليف وذاك وغيرهما، مثل بعض كتابات عبد الرحمان الملحوني4 وكتاب "الملحون المغربي"5 لأحمد سهوم، مدعاة للمزيد من البحث والتنقيب في تراث الملحون...

يتمتع فن الملحون، إذن، بمجموعة من أنواع ومظاهر القيمة - شعرا وإنشادا – مما يجعله مؤهلا بامتياز للتقاطع مع العديد من فنون القول والتفاعل مع عدد من ألوان الإبداع.

هذا وذاك ما نروم الإفصاح عنهما من خلال تتبع بعض مظاهر القيمة الفنية للملحون، مركزين على جانب النظم فيه أكثر من الإنشاد، ثم راصدين بعض آفاق اشتغاله في ذاته وفي تواصل مع غيره.

القيمـــــة الفنيــة
الملحون فن شعري وإنشادي غنائي متميز، وقد يكفي السامعَ سماعُه وتذوقُه الانطباعي تَعَبَ البحث عن بواعث ومظاهر قيمته الفنية وكوامنه الجمالية. وإذا كان هذا شعور جل أو كل المتلقين، فإنه من الدواعي الأكيدة عند الباحث في فن الملحون لرصد تلك البواعث والتجليات، وتفحصها بعناية تامة حتى تتكشف أسرار قوة تأثيره الفنية في السامع المتذوق وفي غيره من الفنون الحديثة.

ولما كانت المظاهر الغنائية للقيمة الفنية للملحون كامنة في التوليف القائم بين الآلات الموسيقية الأصيلة، والمقامات والطبوع، وصوت المنشد، وما يثيره فعل الغناء من شعور في نفس المتلقي في المغرب وخارجه، ويورثه من إنجازات- جوائز و أوسمة- في منتديات ومحافل دولية في مختلف أصقاع العالم، وكان ذلك من اختصاص الباحث في فن الموسيقى والغناء، انصب اهتمامنا على الشعر الملحون الذي خلصنا إلى قيمته الفنية من خلال استجلاء مجموعة من بواعثها وتجلياتها، نورد بعضها تباعا كالآتي :

أولا : تتفاعل في نسج قصيدة الملحون مقومات وآليات الاشتغال الفنية المتداولة في اللغة الشعرية مع بروز بعضها، مثل الحكي أو القص، والحوار، والوصف والتشخيص، مع الانفتاح على أفق الخيال المبدع للصور المتجاوزة أحيانا كثيرة مستوى الصور التشبيهية التقريبية والجزئية أو الصغرى إلى الرمز والإشارة والصور الكلية الرؤياوية التلويحية المنتجة للمعنى الإيحائي والصادرة عن مستوى "الإدراك الحلم"، في مثل بعض قصائد الملحون الصوفي عند عبد القادر العلمي ("الساقي"-"البستان")، ومحمد الحراق، وأحمد بن عبد القادر التستاوتي، والفلوس، وغيرهم، وأيضا في العديد من قصائد الغزل، عند أمثال الجيلالي متيرد والتهامي المدغري، وفي بعض "الجفريات" وقصائد "الحجام"و "الشمعة"، حيث يكون النص فضاء سفر في الزمن النفسي، ويكون كل واحد من مكونات العالم الخارجي الحاضرة فيه جزءا من صورة العالم النفسي الداخلي وحلم اليقظة الذي تصبو إليه الذات.

وفق هذا الطرح الرمزي الإيحائي ينبغي أن تقرأ الكثير من قصائد الملحون، مثل قصيدة "البستان" و" الساقي" لعبد القادر العلمي، وقصيدة "الشمعة" لابن علي وغيرها. فهي من صنف الصورة الرؤيا6 و مستوى مقام الكشف في الإبداع الفني، "فالساقي"7 - مثلا- مأوى لتجربة روحية ذوقية، ولطموح صوفي يسمو على المظهر المادي المدنس إلى الباطن الروحي المقدس، المتجلي في وصال الحق، والنعيم بصفاء الحياة الصوفية، ورؤية نوره سبحانه بعين البصيرة، رؤية ذوقية قلبية، تفاعلت في بنائها عناصر الطبيعة بأشجارها وأزهارها وأطيارها، وليلها وفجرها ونهارها، والسكر بخمره وأوانيها المتميزة، ومجالسه وطقوسه التي تتفاعل فيها المرأة الجميلة والموسيقى المثيرة والطرب واللهو والزهو…. ومن أقسام القصيدة التي تجتمع فيها تلك العناصر قول العلمي :

رَاحْ الليـل وَلا ابْقَا الاَّ و قت المعَانْقَا كَبّْ ارَى وَرْخِ الرّْوَاقْ
اولشجَـار الباسقـا اوْ لطْيارْ الناطْقَا عمّـرَاتْ بَلْغَاهَا اسْوَاقْ
كبّْ الصهبا الخَارْقا مَنْ كيسان لَبْنَادْقَا منْ زِاجْ ابْلاَد العْـرَاقْ
تَظْهَرْ خَمْرَا بارقـا فَا لْلأواني شارقا كِلُونْ اسْحِيقْ الرهَـاقْ
غنيّ بَشْعَــارْ القدَّام وذْكِرْ طَبْعْ العُشِّاقي مَتَّغني فجْمَال صُورتَكْ والحَاضَكْ لغْسِيقَا ياخَدْ الوَرْدْ الشَريقْ
بَصْنَايَعْ وسْجولْ والتواشَحْ مَنْ شُغْل دْوَاقِي وَذْكَرْ قُصْدَان اكْبَاحْ وبْرَاوَلْ فَتْرُونِيقَا
منْ طَرْز الحَبْر اللبِيقْ

إذا كانت تلكم حال الصور الرمزية أو الكبرى فإن الصور التشبيهية أو الجزئية لا تخلو بدورها من قيمة فنية، من ملامحها بساطتها المحافظة على تواصل شاعر الملحون مع وسطه الشعبي الذي أنجبه وشعره، والسمو بالمحبوبة في قصائد الغزل فوق باقي الموجودات التي جرت العادة أن يشبه بها جمالها، من خلال قلب الأدوار بين المشبه والمشبه به، مثل تشبيه عيون الظبي بعيون المحبوبة في قول الحاج ادريس بن علي السناني لحنش من قصيدة "ياسمين" :

وعيون كعْيون الظَّبِي اسْرَادَا مْهَدْبِينْ وَيلا نْجِيوْ لَلْحَقْ الغْزَالْ ايْغِيرْ مَنْ اهْدَابَكْ.
وسمو ضياء جمالها على نور الشمس ساعة الضحى في قوله من القصيدة عينها :
انْتِ الِّي اعْلاَ شَانَكْ عَلْ لَبْنَات كاملين والشمس فالضحى تَسْتَحْي، تَغِيرْ مَنْ خيْالَكْ
وعلو مقامها على كل مصادر الضوء في النهار والليل في قول محمد بن علي ولد ارزين في قصيدته "زينب" :

مَا مْثِلَكْ بَدْرْ افْغِيهَابْ والنهار اشْموسو فَمَامْ صورتك مَرْهُوبَا
بِيك يَسْري كَمَّنْ كُوكَبْ
كل هذه الصور الصغرى توحي بمكانة المحبوبة في نفس الشاعر، وما يكنه لها من ودٍّ يتجاوز الحدود الفاصلة بين الموجودات ومظاهر الطبيعة الأرضية والسماوية، فتغدو جميعا في خدمة المحبوب النموذج أو المثال وكشف عاطفة الشاعر تجاهها، ترمي كلها إلى معادلة اللغة للعاطفة معادلة موضوعية تتحول معها المبالغة إلى مكون فني محمود ومطلوب، كما في قول التهامي المدغري من قصيدة "عين الحرشا" :

عينو اسباب ديك النار الشعالا شفت عين ادّوَّب لحبل وتوكح لبحور بَعدا تَملا

مقالات متصلة
الملحون في المغرب - ج 2 -
ثــــانيا : لم يكتف شاعر الملحون بمصدر واحد في بناء صوره، وإذا كانت النماذج التي أوردنا ضمن إبراز بعض الملامح الفنية في الصور الصغرى التقريبية مستقاة من الفضاء الطبيعي، فاءن الطبيعة لم تشكل الرافد الأوحد للصورة الشعرية في فن الملحون، وإن حضرت بقوة، إذ هناك – فضلا عنها وعن خيال الشاعر – الحضارة المغربية بمختلف تجلياتها، كل حسب منطقته ومجال عيشه وفسحة حركته وتنقله، وهناك أيضا الواقع المغربي الديني الأخلاقي، والاجتماعي الحياتي اليومي، والحربي…، وثقافة الشاعر التي تتجلى فيما يستدعيه من شخصيات تراثية أو أسطورية، وأحداث ووقائع ومعارف في شتى مجالات المعرفة الفكرية والعلمية؛ الدينية والفلسفية والصوفية والأدبية….

للتمثيل فقط، نلاحظ أن الصورة الشعرية في شعر شاعر فاس محمد بن سليمان تتقاطع في بنائها عناصر الطبيعة، والحضارة الفاسية – خاصة – بأثوابها وملابسها، وعمرانها ومعمارها، وعاداتها وتقاليدها، وموسيقاها ومجالسها…، وقصيدته "الحجام" نموذج لأثر هذا المدار الحضاري في صوره، ينضاف إلى ذلك واقع الحروب والصراع بين القبائل والثورات على فاس عاصمة البلاد (جروان- بني مطير- آيت أومالو…)، واستدعاء الشخصيات التراثية والأسطورية والرموز الدينية…، والمطلع على شعره، مثل قصيدة "الشهدة" وقصيدة "السيف العلاوي"، يتلمس هذه المصادر أو العناصر ويستخلص غناها، يقول في القسم الأول من قصيدة "الشهدة" :

الرعد زام طبلو من بعد كناطر الصمايم والبرق سل سيفو ويخبل في خيول لمزان والـــريح فــارس يشـالي
عن عكاب العلفات عل الوغا مشمر
القزاح شد بند للفرجا عساكرو تلايم وحرك بالمطار للبيدا حتى جرات ويدان قــلبي بـــحبها ســالي
وبطايح النواور تدهكن منها نسايم فصل الربيع هذا ما كيفو فزمان سلطان كــل فج من ديك الصبا مخضر
وعلـــى اجــميع لقيـالي
عبقــري لابس منو دايرا موبر

مبسم الثنايا مشروح وفاز بالغنايم بالورد والزهر عل لطيار الناشد اصبهان فــرياض مبتهـــج عالي
بيـن وردات النحلة شهـدها تعمر
فهذا القسم وحده تتلاقح في تشخيص معناه ساحة الوغى ومشاهدها وعناصرها الحربية، والطبيعة وبعض مكوناتها ومظاهرها الأرضية والسماوية، وكذلك بعض الطبوع الموسيقية (اصبهان)….
ثـــالثـــا: يتنوع البناء الهيكلي لقصيدة الملحون ولأقسامها تماشيا مع تنوع البناء الإيقاعي، وتنوع البحور (المبيت-المشتب-السوسي- مكسور الجناح)، والخصوصية البنائية أو الصورية التي يفرضها كل بحر.

معنى ذلك أن التحول الإيقاعي والصوري المنظم يعد من خصائص أقسام قصيدة الملحون، وملامحها المبعدة عن الرتابة الفنية، والمفيدة للحركة والمسهمة في الإبداع وبعث الشعور بالجمال عند المتلقي، بفضل التوليف الإيقاعي والإنشادي القائم بين مختلف الأطراف المشكلة للقصيدة (الأقسام- السرابة –النواعر –العروبيات….)، حيث يدخل التشكيل الصوري المعماري في علاقة تخاطبية مع التشكيل الإيقاعي ومع الإنشاد وطبوعه فتأتي "السرابة" –مثلا- سردا إنشاديا سريعا بالمقارنة مع أقسام القصيدة…، وتتردد الحربة في كل قسم بصوت إنشادي جماعي…، إلى غير ذلك من مظاهر التواصل والتفاعل بين فضاءي النص والإنشاد.

رابـــعــا : ارتباطا بمقوم الحكي في الشعر الملحون، ومراعاة لقوة حضوره في العديد من الأغراض وأصناف القصائد (شعر الغزل- الحجام-المرسول-الخلوق-الوفاة-المعراج…-وصف الطبيعة-النزاهة-الغزوات…)، وأيضا قدم الشعر الملحون وارتباطه الوثيق بالهوية الفنية والثقافية المغربية، يمكن اعتبار قسم مهم من هذا الشعر واحدا من الأصول الحكائية في المغرب إلى جانب الحكايات الشعبية، والخرافات، ونصوص المناقب، وحكايات الكرامات الصوفية، وغيرها.

خامـســا : بناء على القيمة الفنية للشعر الملحون، وباستحضاره في الحسبان يمكن أن تراجع بعض أحكام القيمة الصادرة في حق الأدب المغربي في بعض فتراته، مثل الحكم عليه بالضعف والسقوط إبان القرن التاسع عشر الميلادي الذي لم ينتبه عدد من مردديه إلى الشعر الملحون والأدب الصوفي أحق الانتباه، وإلا كانت النظرة أوسع وأشمل، وتغير ذلك الحكم بعضه أو كله.

سادسا : يتميز الشعر الملحون بتفاعل ناجح بين اللهجة المغربية ولغة المعرب المدرسية إلى حد التماهي بينهما الذي ولد لغة الملحون وكان أحد أهم خصائصها الفنية، هذه اللغة التي تنماز بالخرق والتجاوز في المعجم والتركيب والدلالة، مادام هناك من الكلمات الفصيحة ما يتحول في نطقه إلى الدارج العامي، ومن الفصيح واللهجي العامي ما يتبدل معناه جزءا أو كلا، هذا فضلا عن ولادة وحدات معجمية لا عهد للفصيح واللهجي العامي بها.

إن من شأن هذه الخصائص اللغوية أن تكون بواعث فنية وجمالية تكسر أفق انتظار المتلقي الذي يقرأ نص الملحون ويستأنس بالفصيح والعامي فيه ظانا أن معنى الكلمة واحد، اكتفى شاعر الملحون بنقله ليس إلا، والصواب غير ذلك، فحين يقول –مثلا- حمود بن ادريس في قصيدة "الحجام" : "صول احجام العانس الدامي"، فإن تفسير "العانس" بالفتاة التي تجاوزت سن أو مرحلة الزواج دون أن تتزوج، الثابت في المعجم العربي الفصيح، يعد تفسيرا خاطئا، إذ عكسه هو الصواب كما توحي دلالة ذلك الشطر، "فالعانس" فيه فتاة حسناء مطلوبة، يعشقها الشاعر فيدعو "الحجام" الرسام إلى تشكيل الصورة أو الوشم بإيحاء من حبه لها وجمالها الأخاذ. كذلك هو مفهوم "العانس" في كل الشعر الملحون ومنه قول التهامي المدغري من قصيدة "عيون المهرا":

يوم اتمايحت أنا وعانسي والغصن افتلقاح
بين ورد امكـــــــــــــــلل بنداه طيبولقاحا واطيار عليه افصاح بين للقاحي
اغلب نوح لطيار وقدها اغلب الغصن فضياح والخد اغلب بنصاح ورد فصباحي
والثغر غالب جوهر النظيم بنصاحا

بعيدا عن هذا المثال وذاك، يمكن الرجوع إلى ما تداوله الدكتور عباس الجراري من مصطلحات ووحدات معجمية في كتابه "القصيدة" وغيره، وأيضا القسم الأول من الجزء الثاني من "معلمة الملحون" لمحمد الفاسي الخاص بالمعجم، فهذان وغيرهما مثل "الملحون المغربي" لأحمد سهوم مصادر مهمة تؤشر على قيمة وخصوصية لغة الملحون المعجمية والتركيبية والدلالية وتدعو إلى مزيد من البحث في هذا المجال اللغوي.

سـابـعـا : إذا أمكن اعتبار تعدد أغراض الشعر ونشاط النظم من مظاهر القيمة الفنية، فإن الشعر الملحون في المغرب عرف بأغراضه المتنوعة والمتفرعة والمكتنزة، فالمديح النبوي –مثلا- يشمل وحده ألوانا من الموضوعات أو الأغراض الصغرى التي تعرف بها قصائده، منها : الخلوق، والوفاة، والمعراج، والمرسول، والمرحول، والحمام، والورشان، والغزوات، والتصلية…، وشعر الهجاء تندرج ضمنه قصائد "الدعى". والمطموس، والمهراز، والبغاز، والقرصان، وأيضا الخصام، وغيرها.
الملاحظ، في اتصال بتعدد الأغراض ونشاط النظم وذيوع نصوصه، أن شعر الملحون لم يتراجع عن إرضاء الذوق العام، وتربية ملكة الخيال عند العامة والخاصة، ومساوقة المسار الفني والفكري في المغرب بقدر ما احترمه وشكل أحد ركائزه المميزة، ولذلك حين نعتبر الأدب الديني ركنا مهما وجوهريا في بناء صورة الأدب المغربي، وأنه الأدب الرسمي الحقيقي، إذا راعينا خصوصية الانتشار والذيوع، إنتاجا وتلقيا، وضمنه الأدب الصوفي، خاصة في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر وبداية العشرين، فإن الشعر الملحون يؤكد حضوره الفعال في إثبات هذه الحقيقة.

ثـــامــنـا : يخلص الفاحص لفن الملحون، شعرا وإنشادا وسياقا، في تواصل مع الحركة الفنية المعاصرة بمختلف أنواعها، إلى وجود توافق وتقاطع متأصلين بينه وبين بعض الفنون، مثل المسرح والتشكيل، وبعض فن الغناء الحديث والمعاصر…، مؤدى ذلك أن فن الملحون مؤهل لتجاوز زمانه والاستمرار في ذاته من خلال تفاعله وتواصله مع الفنون الحديثة. وأهليته تلك نابعة من قيمته الفنية المتجلية في كفاءة الوصف والتشخيص وتوظيف طاقة الخيال ومكتسبات الذاكرة، والوعي الفني لدى أصحابه، وكذا خصوصيات إنشاده، وقوة تأثيره في المتلقي التي أبرزها أحمد التستاوتي-أحد شعراء المعرب والزجل – في الباب الخامس الخاص بالملحون من مجموعه الأدبي: "نزهة الناظر وبهجة الغصن الناضر"8، مشبها الشعر الملحون بنغم الوتر الذي يطرب ويحرك ويثير، وتدعن له الأسماع والقلوب، يقول في تقديمه لذلك الباب :"الباب الخامس في ذكر ملحونات مثل نغمات الأوتار، تطرب الأرواح، وتحرك الأشباح، وتلبس القلوب ملابس الانكسار".

لقد أثبتت بعض الأعمال الفنية الحديثة كفاءة فن الملحون وأهلية استمراره في الزمان مثل مسرحية "الحراز" ومسرحية "الدار"، وتلك القصائد التي غنتها بعض المجموعات الفنية المعاصرة، مثل "جيل جلالة" و "ناس الغيوان"، ومنها قصيدة "الشمعة" لابن علي، و"مزين أو صلوك" لعبد القادر العلمي، و"الشهدة" لمحمد بن سليمان وحربتها :

اصاح زارني محبوبي يامس كنت صايم شهد اقطعت واجنيت الورد كالوكليت رمضان مهجوره قلت مدى لي
أحبيب الخاطر واش لمريض يفطر

تــاسـعــا : تصادفنا في مسار رصد بعض ملامح المكانة الفنية للملحون مجموعة من أحكام القيمة، صدرت عن مولعين بهذا الفن وباحثين فيه، في حق العديد من شيوخ نظمه وشعرهم، من شأنها أن تكون مرآة من مرايا فنيته والوعي الفني عند أصحابه، وأن تحرك همم الباحثين لبذل مزيد من الجهد في استكشاف خباياه وكشفها ، من ذلك قول الدكتور عباس الجراري في حق التهامي المدغري :"ولعل شهرة المدغري في الزجل… لم يدركها غيره حيث كان يعتبر شاعر المرأة والخمر الأول… في كل فترات الزجل، ويعتبر بالتالي أكثر الشعراء قبولا لدى الجماهير"9، وقوله أيضا في حق الحاج ادريس بن علي السناني لحنش :"أكبر شعراء الزجل بعد التهامي المدغري، كان ينظم في كل الموضوعات فيجيد…"10. أما الباحث محمد الفاسي فيقول عن الجيلالي متيرد وشعره :"من أكابر شعراء الملحون… وهو من الطبقة العالية في هذا الميدان… كان … ينظم في سائر الأنواع وفي جميعها شاعريته من الطبقة الأولى"11 ويقول عن التهامي المدغري : "يعد عند كثير من النقاد أكبر شاعر في الملحون وخصوصا في النوع الغنائي"12.

توارثنا في هذا السياق مجموعة من الآراء والأحكام في حق الشعر الملحون وقيمة شعرائه ومكانتهم، فاه بها معاصروهم، لا مندوحة عن الاهتمام بها ومراعاتها وفحصها من خلال دراسة شعر من قيلت في حقهم، وهي آراء تتسم بالحكمة والتأمل العميق، وإن ظهر للوهلة الأولى أنها ذات طبيعة انطباعية، منها قول السلطان مولاي عبد الحفيظ في الجيلالي متيرد :"هو امثرد وعامر بالثريد"13، وقول الفقيه العميري في حق تلميذه عبد القادر العلمي بعد تفوقه في مباراة شعرية تبارى فيها مع غيره من التلاميذ في حضرة الشيخ :"هذا الذي دخل الروض وجنى ورده"، ومنها أيضا القول المشهور في شخص محمد بن علي ولد ارزين :"فاكهة الاشياخ وشريف المعاني"15، وما يقال عن عبد العزيز المغراوي :"كل طويل خاوي إلا النخلة والمغراوي"16.

ما كان لهذه الأحكام والآراء الصادرة عن تذوق فني وتأمل في الشعر الملحون أن توجد لولا ما يتحلى به هذا الشعر من مقومات فنية وخصائص دلالية مثيرة، فما بالك لو أضيف اللحن أو النغمة إلى الكلمة … وحل الإنشاد محل القراءة الشعرية، لا محالة ستتكشف أكثر آنذاك القيمة الفنية للملحون.

د.عبد الوهاب الفيلالي







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=695918
    رد مع اقتباس
قديم 2013-11-27, 17:39 رقم المشاركة : 2
الشريف السلاوي
مدير الإشراف
 
الصورة الرمزية الشريف السلاوي

 

إحصائية العضو









الشريف السلاوي غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام مشارك

مسابقة المبشرون بالجنة مشارك

مشارك(ة)

مشارك(ة)

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية البرونزية

افتراضي رد: الملحون في المغرب-ج 1( قيمته الفنية وبعض آفاق اشتغاله)


شكرا جزيلا أخي الكريم خادم المنتدى على التقاسم المفيد







التوقيع


" اللّهمّ ردّنا إليك ردّا جميلا "
    رد مع اقتباس
قديم 2013-11-27, 18:00 رقم المشاركة : 3
ام ادريس
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية ام ادريس

 

إحصائية العضو








ام ادريس غير متواجد حالياً


المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الثانية للمسابقة الرمضانية الكبرى 201

مسابقة المبشرون بالجنة المنظم

مشارك(ة)

مشارك(ة)

وسام التكريم

وسام المشاركة في المسابقة الترفيهية

وسام مسابقة التحدي

thank رد: الملحون في المغرب-ج 1( قيمته الفنية وبعض آفاق اشتغاله)





التوقيع





    رد مع اقتباس
قديم 2013-12-01, 07:53 رقم المشاركة : 4
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: الملحون في المغرب-ج 1( قيمته الفنية وبعض آفاق اشتغاله)


أخي الكريم: الشريف السلاوي
**********************
مرور بهي، رد طيب
شكرا جزيلا لك
************************






    رد مع اقتباس
قديم 2013-12-01, 07:53 رقم المشاركة : 5
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: الملحون في المغرب-ج 1( قيمته الفنية وبعض آفاق اشتغاله)


أختي الفاضلة: أم ادريس
**********************
مرور بهي، رد طيب
شكرا جزيلا لك
************************






    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 18:05 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd